تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392
المشاهدات: 82434
تحميل: 3522


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82434 / تحميل: 3522
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 16

مؤلف:
ISBN: 964-319-437-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

« لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسٍ منه »(١) ولأنّ العقل قاضٍ بقبح تصرّف الغير في مال الغير بغير إذنه.

وقال مالك وأحمد : إنّ للجار أن يضع الجذوع على جدار جاره ، فإن امتنع المالك أُجبر على ذلك ، وهو قول الشافعي في القديم(٢) ؛ لما رواه أبو هريرة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يمنع أحدكم جارَه أن يضع خُشبه على جداره » قال : فنكّس القوم رؤوسهم ، فقال أبو هريرة : مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمينّها - أي لأضعنّ هذه السنّة - بين أظهركم(٣) .

ولو سُلّم الحديث لحُمل على الاستحباب ؛ لما تقدّم من الحديث الأوّل.

إذا عرفت هذا ، فقد شرط الشافعي في قوله القديم أُموراً ثلاثة :

أ : أن لا يحتاج مالك الجدار إلى وضع الجذوع عليه.

ب : أن لا يزيد الجار في ارتفاع الجدار ، ولا يبني عليه أزجاً ، ولا يضع عليه ما لا يحتمله الجدار ، ويضرّ به.

ج : أن لا يملك شيئاً من جدران البقعة التي يريد تسقيفها ، أو‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ٣ : ٢٦ / ٩١ ، مسند أحمد ٦ : ٦٩ / ٢٠١٧٢ بتفاوت يسير.

(٢) المنتقى - للباجي - ٦ : ٤٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٧ - ٥٩٨ / ١٠٠٥ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٤ / ١١٦٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٩١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٢ ، الوسيط ٤ : ٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٢٣٨ - ٢٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٦ ، المغني ٥ : ٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣ (٧)

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٧٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٣٠ / ١٦٠٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٣ / ٢٣٣٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣١٤ - ٣١٥ / ٣٦٣٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٣٥ / ١٣٥٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٨ ، الموطّأ ٢ : ٧٤٥ / ٣٢ ، مسند أحمد ٣ : ١٠٧ / ٨٩٠٠.

٦١

لا يملك إلّا جداراً واحداً ، فإن مَلَك جدارين فليسقف عليهما ، ولا يُجبر - والحال هذه - صاحب الجدار(١) .

وجَعَل بعض الشافعيّة عوض الشرط الثالث أن تكون الجوانب الثلاثة من البيت لصاحب البيت وهو يحتاج إلى جانبٍ رابع ، فأمّا إذا كان الكلّ للغير ، فإنّه لا يضع الجذوع عليها قولاً واحداً(٢) .

مسألة ١٠٦٧ : قد بيّنّا أنّه ليس للجار وضع جذعٍ ولا غيره على حائط الغير‌ وإن كان محتاجاً إلى الوضع وكان الجار مستغنياً عن الحائط ، إلّا بإذنه ، فإن أذن في الوضع بغير عوضٍ فهو إعارةٌ له الرجوع فيها متى شاء قبل الوضع مجّاناً قطعاً.

وأمّا بعد الوضع للجذوع والبناء عليها : فالأقرب : إنّ له الرجوعَ أيضاً ، كما في سائر العواري ، لكن ليس له القلع مجّاناً ، بل مع الأرش وإن كان القلع يؤدّي إلى خراب ملك الجار ، وإن شاء أبقاه بالأُجرة ، فيثبت له الخيار بين القلع بالأرش وبين التبقية بالأُجرة ، كما لو أعار أرضاً للبناء ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة(٣) .

قالوا : إلّا أنّ في إعارة الأرض أمراً ثالثاً يتخيّر فيه ، وهو تملّك البناء بالقيمة ، وليس لمالك الجدار ذلك ؛ لأنّ الأرض أصلٌ ، فجاز أن تستتبع البناء ، والجدار تابع فلا يستتبع(٤) .

وعندي أن لا ثالث هنا ولا في الأرض.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٦.

(٣ و ٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

٦٢

وقال بعض الشافعيّة : إنّه ليس له القلع ؛ لأنّ ضرر القلع يتداعى إلى ما هو خالص ملك المستعير ؛ لأنّ الجذوع إذا رُفعت أطرافها من جدارٍ لم تستمسك على الجدار الثاني ، بل تثبت له الأُجرة خاصّةً(١) .

وقال بعضهم : إنّه ليس له الرجوعُ أصلاً ، ولا يستفيد به القلع ولا طلب الأُجرة للمستقبل(٢) ؛ لأنّ مثل هذه الإعارة يراد بها التأبيد ، فكان بمنزلة ما لو أعار أرضاً للدفن فدفن ، لم يتمكّن المعير من قلعه ولا من طلب الأُجرة(٣) .

ولعلّ بينهما فرقاً.

مسألة ١٠٦٨ : لو أذن للجار في وضع الجذوع على جداره فوَضَعها ، لم يستعقب ذلك المطالبة بالأُجرة‌ عمّا قبل الرجوع ، فإن رفع صاحب الجذوع جذوعه لم يكن له إعادتها إلّا بإذنٍ جديد ؛ لأنّ الإذن الأوّل زال بزواله.

وكذا لو أذن في وضع روشنٍ على حائطه أو جناحٍ أو ساباطٍ.

وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّ له الوضعَ ؛ عملاً باستصحاب الإذن الأوّل(٤) .

وكذا لو سقطت الجذوع أو الروشن أو الساباط أو الجناح بنفسه.

ولو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك الآلة فكذلك ؛ لأنّ الإذن لا يتناول إلّا مرّةً.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

(٢) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « في المستقبل » بدل « للمستقبل ».

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٩٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤ (٧)

(٤) البيان ٦ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

٦٣

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو بناه بغير تلك الآلة ، لم يُعِد الوضعَ إلّا بإذنٍ جديد عندنا وعند الشافعيّة قولاً واحداً(٢) .

ولو صالحه على وضع الجذوع أو الجناح أو الروشن أو الساباط على حائطه ، جاز ، وبه قال الشافعي(٣) ، بخلاف ما لو صالحه عن إشراع الجناح ؛ لأنّه صلح عن الهواء المجرّد ، فلا يجوز عنده(٤) .

وقد سبق(٥) كلامنا فيه.

ولو رضي مالك الجدار بوضع الجذوع بعوضٍ ، فذلك إمّا بيع أو إجارة ، وسيأتي.

وعلى قول الشافعي - بأنّ له الإجبارَ على وضع الخشب(٦) - لا تصحّ المعاوضة ولا الصلح عليه بمالٍ ؛ لأنّ مَنْ ثبت له حقٌّ لا يؤخذ منه عوضٌ عليه(٧) .

لكنّا قد بيّنّا بطلان هذا القول من رأسٍ.

مسألة ١٠٦٩ : إذا كان الجدار مشتركاً بين اثنين وأكثر ، لم يكن لأحدٍ من الشركاء التصرّفُ فيه بشي‌ءٍ‌ من وجوه الانتفاعات حتى ضَرْب الوتد فيه وفتح الكُوّة بل وأخذ أقلّ ما يكون من ترابه ليترب به الكتاب بدون إذن‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٣ ، البيان ٦ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ - ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

(٥) في ص ٥٥ - ٥٦ ، المسألة ١٠٦٢.

(٦) راجع الهامش (٢) من ص ٦٠.

(٧) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

٦٤

جميع الشركاء فيه كغيره من الأموال المشتركة مطلقاً ، سواء كان وضع جذوعٍ عليه أو لا.

وللشافعي في الإجبار على وضع الجذوع قولان ؛ لأنّ له أن يُجبر جاره على وضع جذوعه على جداره ، فشريكه أولى(١) .

والأصل قد بيّنّا بطلانه.

نعم ، يجوز الانتفاع منه بل ومن جدار الغير بما لا تقع المضايقة فيه ، كالاستناد إليه وإسناد المتاع إليه إذا لم يتضرّر الجدار به ؛ لأنّه بمنزلة الاستظلال بجدار الغير والاستضاءة بسراجه.

ولو منع مالك الجدار من الاستناد ، فالوجه : التحريم ؛ لأنّه نوع تصرّفٍ بإيجاد الاعتماد عليه.

ولو بنى في ملكه جداراً متّصلاً بالجدار المشترك أو المختصّ بالجار بحيث لا يقع ثقله عليه ، جاز ، ولم يكن للآخَر الاعتراضُ.

[ الأمر ](٢) الثاني : القسمة.

مسألة ١٠٧٠ : لكلّ جسمٍ أبعاد ثلاثة : طولٌ وعرضٌ وعُمْقٌ.

ونعني بطول الحائط امتداده من زاويةٍ من البيت إلى الزاوية الأُخرى أو من حدٍّ من أرض البيت إلى حدٍّ آخَر من أرضه ، ولا نريد به ارتفاعه عن الأرض ؛ فإنّ ذلك هو العمق والسَّمْك باعتبار أخذ المساحة ، أو الاعتبار من تحتٍ ومن فوقٍ.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين هنا وفيما يأتي في ص ٦٧ في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « النظر ». والظاهر ما أثبتناه.

٦٥

وأمّا العرض : فهو البُعْد الثالث منه.

فإذا كان طوله عشرةً وعرضه ذراعاً ، جاز قسمته في الطول والعرض إن أراداها ، فإذا طلب أحدهما قسمته في كلّ الطول ونصف العرض ليصير لكلّ واحدٍ نصف ذراعٍ في طول عشرةٍ ، وأجابه الآخَر ، جاز.

وكذا يجوز أن يقتسماه في كلّ العرض ونصف الطول ، فيصير لكلّ واحدٍ خمسة أذرع في عرض ذراعٍ.

فإن طلبا قسمته على الوجه الثاني ، كان للحاكم أن يُعلِّم بينهما بعلامةٍ ويخطّ رسماً للتنصيف ، أو يشقّ الجدار وينشره بالمنشار.

وإن طلبا قسمته على الوجه الأوّل ، قسّمه بالعلامة ، دون الشقّ والنشر ؛ لأنّ شقّ الجدار في الطول إتلافٌ له وتضييعٌ.

ولو باشر الشريكان قسمته بالمنشار ، لم يمنعهما أحد ، كما لو نقضاه واقتسما الانقاض.

ولو طلب أحد الشريكين قسمة الجدار وامتنع الآخَر ، نُظر إن طلب القسمة على الوجه الأوّل ، لم تجب الإجابة ؛ لأنّا لو أوجبنا القسمة على هذا النحو لأُقرع في التخصيص ، والقرعة ربما تُعيّن الشقّ الذي يلي أحدهما للآخَر ، والذي يلي الآخَر للأوّل ، فلا يتمكّن أحدهما من الانتفاع بما وقع له بالقسمة ، ولأنّه لا يتمكّن من إفصال أحدهما من الآخَر بفَصْلٍ محقّق ؛ لأنّ غايته رسم خطٍّ بين الشقّين ، فإذا بنى أحدهما على ما صار إليه ، تعدّى الثقل والتحامل إلى الشقّ الآخَر.

نعم ، لو تراضيا على هذه القسمة ، جاز ، وكان رسم الخطّ كافياً في القسمة.

وعن بعض الشافعيّة أنّه يُجبر الممتنع عن القسمة ، ولا قرعة ، بل‌

٦٦

يُخصَّص كلّ واحدٍ منهما بما يليه ليقع النفع لهما معاً(١) .

وأمّا إن طلب أحدهما القسمة على الوجه الثاني - وهو قسمة نصف الطول في كلّ العرض - فإن رضي الآخَر وأجابه إليها ، جاز.

وإن امتنع فإن انتفى الضرر عنهما أو عن الممتنع ، أُجبر عليها ، وإن تضرّر الممتنع لم يُجبر عليها.

وللشافعيّة وجهان في الإجبار ، فمَن اعتبر في القسمة الشقَّ والقطعَ مَنَع من القسمة ؛ لأنّ القطع يوجب إتلاف بعض الجدار ، ولا إجبار مع الإضرار(٢) .

وقال بعض هؤلاء : إنّ التضرّر والنقصان هنا هيّن في هذا النوع ، فكان بمنزلة قسمة الثوب الصفيق(٣) .

ومَن اكتفى في القسمة برسم العلامة والخطّ اختلفوا أيضاً :

فبعضهم جوّز الإجبار ؛ لأنّه يمكن تأتّي الانتفاع بما يصير إليه(٤) .

وبعضهم مَنَع ؛ لتعذّر الفاصلة المحقّقة(٥) .

مسألة ١٠٧١ : لو انهدم الجدار أو هدماه أو لم يرسماه في الأوّل‌

فأرادا قسمة عرصته في كلّ الطول ونصف العرض ولا ضرر مطلقاً أو لا ضرر على الممتنع ، فإن قلنا بتخصيص كلّ واحدٍ بالشقّ الذي يليه من غير قرعةٍ ، أُجيب طالبها إليها.

وإن منعنا من قسمة الحائط في المسألة الأُولى ، فللشافعيّة هنا وجهان مبنيّان على أنّ المنع في الحائط حذراً من القرعة أو من عدم تأتّي الفصل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٧.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٩.

٦٧

المحقّق؟ فإن قالوا بالأوّل استمرّ المنع من القسمة هنا ؛ لأنّ المانع هناك موجود هنا ، وإن قالوا بالثاني أُجبر الممتنع عليها ؛ لزوال المانع ، لإمكان الفصل هنا(١) .

ولو طلب قسمتها في نصف الطول وكلّ العرض ، أُجيب ؛ لفقد الموانع المذكورة في الجدار هنا.

وإذا بنى الجدار وأراد أن يكون عريضاً ، زاد في عرضه من عرصة بيته.

[ الأمر ] الثالث : العمارة.

مسألة ١٠٧٢ : إذا استهدم الحائط ، أُجبر صاحبه على نقضه لئلّا يتأذّى به أحد ، سواء كان المالك واحداً أو أكثر.

ولو كان لاثنين فنقضاه لاستهدامه أو لغير استهدامه أو انهدم الجدار بنفسه ، لم يُجبرا على بنائه ، ولا يُجبر أحدهما لو امتنع ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين - وهو الجديد له - ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما(٢) - لأنّه ملكه ، فإذا لم يكن له حرمة في نفسه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٩.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ١٧ : ٩٢ - ٩٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٠١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٣ ، الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٦ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ - ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٨ / ١٠٠٧ ، التفريع ٢ : ٢٩٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٥ / ١١٦٨ ، المعونة ٢ : ١٢٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٣.

٦٨

لم يُجبر على الإنفاق عليه ، كما لو انفرد به ، بخلاف الحيوان ذي الحرمة ، فإنّه يجب عليه الإنفاق عليه ؛ لحرمته ، وتعلّق غرض الشارع بالانتفاع به ، ولأنّه ملكه ، فلا يُجبر على عمارته ، كما لا يُجبر على زراعة الأرض المشتركة ، ولأنّه بناء حائطٍ ، فلا يُجبر عليه ، كالابتداء ، ولأنّه لو أُجبر على البناء فإمّا لحقّ نفسه ، وهو باطل بما لو انفرد به ، أو لحقّ غيره ، ولا يجوز أن يُجبر الإنسان على عمارة ملك الغير ، كما لو انفرد به الغير.

والقول القديم للشافعي : إنّهما يُجبران على عمارته ، ويُجبر الممتنع عليها - وهو الرواية الأُخرى عن مالك وعن أحمد - دفعاً للضرر عن الشركاء ، وصيانةً للأملاك المشتركة عن التعطيل ، وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ضرر ولا إضرار »(١) وفي ترك بنائه إضرار ، فأُجبر الممتنع عليه ، كما يُجبر على القسمة بينهما لو طلب أحدهما ، والملك وإن لم يكن له حرمة يلزمه بسببها الإنفاق عليه فإنّ شريكه له حرمة(٢) .

ولا نسلّم أنّ في ترك بنائه ضرراً ؛ فإنّ الضرر إنّما حصل بانهدامه ، وإنّما ترك البناء ترك لما يحصل النفع به ، وفي ترك بنائه إضرار به ، ولا يُزال الضرر بالضرر.

____________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، سنن الدارقطني ٤ : ٢٢٨ / ٨٤ و ٨٥ ، مسند أحمد ١ : ٥١٥ / ٢٨٦٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٠٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٣ ، الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٦ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٨ / ١٠٠٧ ، التفريع ٢ : ٢٩٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٥ / ١١٦٨ ، المعونة ٢ : ١٢٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٣.

٦٩

والخبر مشترك الدلالة ؛ لأنّ في تكليف الشريك العمارةَ إضراراً عظيماً به ، فلم يُجبر عليها.

والفرق بينه وبين القسمة ظاهر ؛ فإنّ للإنسان الاختصاصَ بالتصرّف في ملكه ، وإنّما يتمّ بالقسمة ، والإجبار على العمارة يقتضي إجبار الغير على عمارة ملكه لينتفع الآخَر به ، والقسمة دفع الضرر عنهما بما لا ضرر فيه ، والبناء مضرّ ؛ لما فيه من الغُرْم ، ولا يلزم من إجباره على إزالة الضرر بما لا ضرر فيه إجباره على إزالته بما فيه ضرر.

مسألة ١٠٧٣ : لو هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير إذن صاحبه‌ ، فإن كان لاستهدامه وفي موضع وجوب الهدم ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإن كان ممّا لا يجب هدمه أو هدمه وهو معمور لا يخشى عليه السقوط ، فقد اختلف قول علمائنا :

قال بعضهم : يُجبَر الهادم على عمارته وإعادته إلى ما كان عليه أوّلاً(١) .

والأقوى : لزوم الأرش على الهادم ؛ لأنّ الجدار ليس بمِثْليٍّ.

مسألة ١٠٧٤ : قد بيّنّا أنّه لا يجب على الشريك في الجدار بناؤه لو انهدم ولا مساعدة شريكه فيه لإزالة الضرر عن شريكه ؛ لأنّ الممتنع قد لا يكون له نفعٌ في الحائط ، بل وقد يكون عليه ضرر فيه أكثر من نفعه به ، وقد يكون معسراً لا مال له ينفق على البناء ، فحينئذٍ لا يُجبر لو امتنع عن الإنفاق وإن كان موسراً وكان يتضرّر بترك البناء.

وعلى القديم للشافعي يُجبر(٢) .

____________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ١٢٥.

(٢) راجع الهامش (٢) من ص ٦٨.

٧٠

فإن أصرّ على الامتناع ، أنفق الحاكم عليه ليرجع على الممتنع إذا وُجد له مالٌ ، فإن استقلّ وبذل أن يبنيه ويرجع عليه ، ففي الرجوع عليه قولان للشافعي ، ولأصحابه طُرق :

أصحّها عند أكثرهم : القطع بعدم الرجوع ، وحمل قول الرجوع على ما إذا أنفق بالإذن.

والثاني : إنّ القول بعدم الرجوع تفريع على الجديد ، والقول بالرجوع تفريع على القديم.

والثالث : إن قلنا بالقديم رجع قطعاً ، وإن قلنا بالجديد فقولان.

والرابع : إن أمكنه عند البناء مراجعة الحاكم فلا يرجع [ وإن لم يمكنه ](١) فيرجع ، أمّا إن أذن له الحاكم في البناء ليرجع أو بذل عن الشريك إقراضه ، فإنّ له الرجوعَ إن قلنا به(٢) .

مسألة ١٠٧٥ : لو كان بين الشريكين نهر مشترك أو قناة أو دولاب أو ناعورة أو بئر فاحتاج شي‌ء من ذلك في الانتفاع به إلى العمارة‌ ، لم يُجبر أحد الشريكين الآخَر على العمارة كما قلنا في الجدار ، وهو الجديد للشافعي ، كما تقدّم.

وفي القديم : إنّه يُجبر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) ، وفرّق بين هذه وبين الجدار ، فأوجب على الشريك في هذه العمارةَ والإصلاحَ وتنقيةَ البئر ،

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أو لا يمكنه ». والأنسب بالعبارة ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

(٣) حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ - ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، المغني ٥ : ٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩.

٧١

ولم يوجب بناء الجدار ؛ لأنّ الشريك لا يتمكّن من مقاسمته ، فيضرّ به ، بخلاف الحائط ، فإنّه يمكنه قسمته مع شريكه وقسمة عرصته(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ في قسمة العرصة إضراراً بهما ، وفي قسمة الحائط أكثر إضراراً والإنفاق أرفق ، فكانا سواءً.

مسألة ١٠٧٦ : لو كان علوّ الجدار لواحدٍ وسُفْلها لغيره فانهدمت‌ ، لم يكن لصاحب السُّفْل إجبار صاحب العلوّ على مساعدته في إعادة السُّفْل ؛ لأصالة البراءة.

وكذا ليس لصاحب العلوّ إجبار صاحب السُّفْل على إعادة السُّفْل ليبني عليه علوّه ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد ، وأحمد في إحدى الروايتين ، وأبو الدرداء(٢) - لما تقدّم من أنّ الإنسان لا يُجبر على عمارة ملكه ولا عمارة ملك غيره ، والحقّ لا يعدوهما.

وقال الشافعي - في القديم - ومالك وأحمد - في الرواية الأُخرى - وأبو ثور : إنّه يُجبر صاحب السُّفْل على الإعادة ، وإذا قلنا بالإجبار وجب عليه وحده الإنفاق عليه ؛ لأنّه خاصّ ملكه(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٦٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١٧ : ٩٢ ، روضة القضاة ٢ : ٧٧٣ / ٥٢٠٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٠١ ، التنبيه : ١٠٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ - ٣١٩ ، المغني ٥ : ٤٨ - ٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٧ / ١١٧٠.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٠٠ ، التنبيه : ١٠٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، =

٧٢

وكذا لو كان له ساباط استحقّ وضعه على حائط غيره فانهدم ، لم يُجبر أحدهما على العمارة.

وللشافعيّة قولان(١) .

وهذا الخلاف فيما إذا انهدم الحائط أو هدمه صاحب السُّفْل والعلوّ معاً من غير شرطٍ ، أمّا إذا استهدم فهدمه صاحب السُّفْل بشرط أن يعيده ، أُجبر عليه قولاً واحداً.

ويجري الخلاف فيما إذا طلب أحدهما اتّخاذ سترةٍ بين سطحيهما ، هل يُجبر الآخَر على مساعدته؟ ومذهبنا أنّه لا يُجبر ؛ لأصالة البراءة.

مسألة ١٠٧٧ : إذا انهدم الحائط المشترك فطلب أحدهما بناءه ، لم يُجبر الآخَر على ذلك‌ ، كما تقدّم(٢) ، وهو الجديد للشافعي.

وفي القديم - وبه قال مالك وأحمد في روايةٍ عنهما - : إنّه يُجبر(٣) .

فإن كان له مالٌ وامتنع ، أنفق الحاكم منه ، وإن لم يكن له مالٌ فبذل شريكه أن يبنيه ويرجع عليه ، أذن له الحاكم.

وكذا إن بذل غيره إقراضه.

فإذا بناه بإذن الحاكم ، استحقّ ما أنفقه على شريكه عنده(٤) ، وكان‌

____________________

= الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٦ - ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، التفريع ٢ : ٢٩٤ ، التلقين : ٤٣٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٦ / ١١٧٠ ، المغني ٥ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٧٧٣ / ٥٢١٠.

(١) لم نعثر عليهما في مظانّه.

(٢) في ص ٦٧ ، المسألة ١٠٧٢.

(٣) راجع الهامش (٢) من ص ٦٨.

(٤) البيان ٦ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

٧٣

الحائط بينهما يعيد كلّ واحدٍ منهما رسومه عليه.

ولو بناه بغير إذن شريكه في الإنفاق ولا إذن الحاكم عند امتناع شريكه ، كان متطوّعاً ، ولا يرجع به على شريكه.

ثمّ يُنظر فإن بناه وأعاد الحائط بالآلة المشتركة القديمة ، فالجدار بينهما كما كان ؛ لأنّ المُنفق إنّما أنفق على التأليف ، وذلك أثر لا عين يملكها ويختصّ بها.

ولو أراد الباني نقضه ، لم يكن له ذلك ؛ لأنّه ملكهما ، فليس له التصرّف بما فيه ضرر عليهما. وكون التأليف منه لا يقتضي جواز نقضه.

وكذا لو بنى صاحب السُّفْل جدران السُّفْل بإنقاضه القديمة ، فهو لصاحب السُّفْل كما كان ، وليس لصاحب العلوّ نقضه ولا منعه من الانتفاع بملكه.

وإن بناه بآلةٍ من عنده مستجدّة ، فالحائط له ينفرد بملكه ، وله أن يمنع شريكه من وضع خشبه عليه ، ويُمكَّن من نقضه ؛ لأنّه ملكه خاصّةً ، فله التبقية والإزالة ، وبه قال الشافعي وأحمد(١) .

ويشكل فيما إذا كانت العرصة مشتركةً.

ولو قال الشريك : أنا أدفع إليك نصف النفقة ولا تنقض ، فعلى القديم للشافعي : لا يجوز له النقض ، ويجب عليه القبول ؛ لأنّ لأحد الشريكين إجبارَ الآخَر على البناء ، فلأن يُجبره على الاستدامة أولى ، فإن لم يبذل دَفْعَ قيمة نصف البناء كان للباني نقضُه(٢) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١ ، المغني ٥ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

٧٤

وعلى الجديد لو أراد الشريك الطالب للعمارة الانفرادَ بها ، فإن أراد عمارة الجدران بالنقض المشترك أو أراد صاحب العلوّ إعادة السُّفْل بنقض صاحب السُّفْل أو بآلةٍ مشتركة بينهما ، فللآخَر منعه منها.

وإن أراد بناءه بآلةٍ من عنده ، فله ذلك ، وجاز أن يبني على عرصةٍ مشتركة بينه وبين غيره بغير إذنه ليصل إلى حقّه من الحمل عليه والرسم ، كما لو سقطت جذوعه الموضوعة على الجدار المشترك ، ينفرد بإعادتها(١) .

ثمّ إن أعاده بآلته ، كان لشريكه وضعُ خشبه عليه ؛ لأنّه ملكٌ لهما ، فكان له ردّ رسومه عليه.

وإن بناه بآلةٍ من عنده مختصّة به ، انفرد بملكه ، وكان له أن يمنع الذي كان لشريكه من وضع رسومه ، وكان المعاد ملكاً للباني يضع عليه ما شاء ، وينقضه إذا شاء.

ولو قال الشريك : لا تنقض لأغرم لك نصف القيمة ، أو قال صاحب السُّفْل : لا تنقض لأغرم لك القيمة ، لم تلزمه إجابته على هذا القول - وهو عدم الإجبار على البناء - فلا يُجبره على التبقية ، كابتداء العمارة.

ولو طالَبه شريكه بنقضه ، لم يكن له ذلك ، إلّا أن يكون له رسم خشبٍ عليه ، فيقول : إمّا أن تأخذ منّي نصف قيمته وتمكّنني من وضع خُشُبي عليه ، أو تقلع حائطك لنبنيه جميعاً ، كان له ذلك ؛ لأنّه لا يجوز للباني إبطال رسومه ببنائه.

ولو قال صاحب السُّفْل : انقض ما أعدتَه لأبنيه بآلة نفسي ، فإن كان قد طالَبه بالبناء [ فلم يُجب ](٢) لم يُجب الآن إلى ما يقوله ، وإن لم يطالبه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، وكما هو المستفاد من روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

٧٥

وقد بنى علوّه عليه فكذلك لا يُجاب.

وهل له أن يتملّك السُّفْل بالقيمة؟ قال بعض الشافعيّة : نعم(١) . وليس بجيّدٍ.

وإن لم يَبْن عليه صاحب العلوّ بَعْدُ ، أُجيب صاحب السُّفْل.

ومهما بنى الباني بآلة نفسه ، فله منع صاحبه من الانتفاع بالمعاد بفتح كوّةٍ وغرز وَتَدٍ ووضع خشبةٍ وغير ذلك ، وليس له منع صاحب السُّفْل من السكون ؛ فإنّ العرصة ملكه.

وقال بعض الشافعيّة : له المنع من السكون أيضاً(٢) . وهو غلط.

ولو أنفق أحد الشريكين على البئر والنهر ، لم يكن له منع الشريك من [ سقي ](٣) الزرع والانتفاع بالماء ، وله منعه من الانتفاع بالدولاب والبكرة المحدثين.

ولو كان للممتنع على الجدار الذي انهدم جذوع فأراد إعادتها بعد ما بناه الطالب بآلة نفسه ، كان على الباني تمكينه ، أو نقض ما أعاده ليبني معه الممتنع ويعيد جذوعه.

مسألة ١٠٧٨ : لو كان بينهما دولاب أو ناعورة ، كان حكمهما حكمَ الحائط على ما ذكرناه.

ولو كان بينهما بئر أو نهر ، فإن قلنا : ليس لأحدهما إجبار الآخَر على الإنفاق ، كان لكلّ واحدٍ منهما أن يُنفق على ذلك ، فإن أنفق أحدهما عليه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ». راجع الهامش السابق.

٧٦

لم يكن له أن يمنع الآخَر من نصيبه من الماء ؛ لأنّ الماء ينبع من ملكهما المشترك بينهما ، وإنّما أثر أحدهما نقل الطين عنه ، وليس له فيه عين ملكٍ ، بخلاف الحائط إذا بناه بغير آلته.

وإن قلنا : يُجبر الممتنع منهما - كما هو قول الشافعي في القديم(١) - أجبره الحاكم. فإن امتنع وله مالٌ ظاهر ، أنفق منه ، وإن لم يكن له ، أذن لشريكه ، ويُنفق عليه ، ويرجع بقدر نصيب شريكه عليه. فإن أنفق شريكه بغير إذنه ولا إذن الحاكم ، كان متبرّعاً لا يرجع عليه قولاً واحداً ، وليس له منعه من حقّه من الماء على ما تقدّم.

وقد عرفت مذهبنا فيه ، وأنّ الشريك ليس له الإجبار على الإنفاق.

مسألة ١٠٧٩ : قد ظهر بما مرّ : إنّ الجدار المشترك بين اثنين لو انفرد أحدهما بإعادته بالنقض المشترك فإنّه يعود مشتركاً كما كان‌ ، فلو عمراه معاً وأعاداه بالنقض المشترك بينهما ، كان الاشتراك بينهما أولى.

إذا عرفت هذا ، فلو شرطا مع التعاون على الإعادة والشركة في بنائه زيادةً لأحدهما ، قالت الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّه شرط عوضٍ من غير معوّضٍ ، فإنّهما متساويان في العمل وفي الجدار والعرصة والأنقاض(٢) .

والأقوى عندي : الجواز ؛ عملاً بالشرط ، وقد قالعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٣) وبه قال بعض الشافعيّة(٤) .

وكذا لو باع أحد الشريكين في دارٍ أو متاعٍ نصفَه من المشترك بثلث‌

____________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٧١.

(٢) البيان ٦ : ٢٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

٧٧

المشترك من نصف صاحبه ، صحّ ، ويصير المشترك بينهما أثلاثاً بعد أن كان نصفين ، فلو باع أحدهما نصفَه المشاع بنصف صاحبه ، فالأقوى : الجواز.

ولم يقدّر الشافعيّة ذلك بيعاً ، ولا تترتّب عليه أحكام البيع عندهم(١) .

والأقرب : ما قدّمناه من صحّة بيع أحدهما نصفَه بالثلث من نصف الآخَر وبنصفه.

وبعض الشافعيّة جوَّز البيعَ هنا ، ومَنَع من صحّة الشرط في البناء ؛ لأنّ الموجود في البناء هو البناء بشرط الزيادة لأحدهما ، ومجرّد الشرط والرضا بالتفاوت لا يغيّر كيفيّة الشركة القديمة ، إلّا أنّ البناء بالإذن والشرط قائم مقام البيع(٢) .

أمّا لو انفرد أحد الشريكين بالبناء بالنقض المشترك بإذن صاحبه بشرط أن يكون له الثلثان ، جاز ، ويكون السدس الزائد له في مقابلة عمله في نصيب الآخَر.

وقال بعض الشافعيّة : هذا إنّما يتصوّر لو شرط سدس النقض له في الحال لتكون الأُجرة عتيدةً(٣) ، فأمّا إذا شرط السدس الزائد له بعد البناء ، لم يصح ؛ فإنّ الأعيان لا تؤجَّل(٤) .

قيل عليه : التصوير وإن وقع فيما ذكره لكن وجب أن يكون الحكم فيه كالحكم فيما إذا شرط للمُرضع جزءاً من الرقيق المرتضع في الحال ولقاطف الثمار جزءاً من الثمار المقطوفة في الحال ؛ لأنّ عمله يقع على ما‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١.

(٣) أي : حاضرة : لسان العرب ٣ : ٢٧٩ « عتد ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

٧٨

هو مشترك بينه وبين غيره. وسيأتي(١) .

ولو بناه أحدهما بآلة نفسه بإذن الآخَر بشرط أن يكون ثلثا الجدار له ، فقد قابل ثلث الآلة المملوكة وعمله بسدس العرصة المبنيّ عليها.

وفي صحّة هذه المعاملة للشافعيّة قولان ؛ لأنّه قد جمع فيها بين أمرين مختلفي الحكم ، وهُما البيع والإجارة(٢) .

وهذا عندنا صحيح ، والجمع بين الأُمور المختلفة الأحكام جائز عندنا.

ويشترط في صحّة ذلك العلمُ بالآلات وبصفات الجدار.

مسألة ١٠٨٠ : لو كان لشخصين مِلْكان متجاوران ولا حائط - يحجز بينهما - قديم‌ ، فطلب أحدهما من الآخَر المساعدة على بناء حائطٍ يحجز بينهما ، فامتنع الآخَر ، لم يُجبر على مساعدته ، وبه قال أحمد روايةً واحدة(٣) .

ولو أراد البناء وحده ، لم يكن له البناء إلّا في ملكه خاصّة ؛ لأنّه لا يملك التصرّف في ملك جاره المختصّ ولا في الملك المشترك ، فإن بناه في ملك جاره أو بعضه في ملكه وبعضه في ملك جاره ، كان للجار هدمه ؛ لأنّه وضع بغير حقٍّ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ١٠٨١ : لو كان له حقّ إجراء الماء في ملك الغير أو على سطحه فانهدم ذلك الملك ، لم يجب على مستحقّ الإجراء مشاركته في العمارة‌ ؛ لأنّ العمارة تتعلّق بتلك الأعيان وهي لمالكها ، وليس لمستحقّ الإجراء فيها‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

(٣) المغني ٥ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦ - ٤٧.

٧٩

شركة ، ولا يجب أيضاً على صاحب الملك العمارةُ لو طلبها صاحب الإجراء.

ولو كان الانهدام بسبب الماء ، فكذلك على الأقوى.

وليس على صاحب الإجراء عمارةٌ أيضاً ؛ لأنّه ليس بملكٍ والانهدامُ حصل بسببٍ مستحقٍّ ، وهو أقوى وجهي الشافعيّة(١) .

ولو حصل تفريط من أحد الشريكين أو من أحد المستحقّين في ذلك كلّه ، كان عليه الضمان.

البحث الثالث : في السقف.

مسألة ١٠٨٢ : السقف الحائل بين العلوّ والسُّفْل المختلفي المالكين قد يكون مشتركاً بين المالكين‌ ، وتارةً يكون خالصاً لأحدهما ، كما تقدّم في الجدار بين الدارين لمالكين ، لكن حكم القسمين في الانتفاع يخالف حكمهما في الجدار ؛ فإنّه يجوز لصاحب العلوّ الجلوسُ ووضع الأثقال عليه على الاعتياد ، ولصاحب السُّفْل الاستظلالُ والاستكنان به ؛ لأنّا لو لم نُجوّز له ذلك لعَظُم الضرر وتعطّلت المنافع.

والأقرب : إنّه ليس لصاحب السُّفْل تعليقُ الأمتعة فيه ، سواء كان لها ثِقْلٌ يتأثّر به السقف أو لا ، كالثوب ونحوه.

وللشافعيّة قولان فيما ليس له ثقل :

أحدهما : إنّه غير جائزٍ ؛ إذ لا ضرورة فيه ، بخلاف الاستظلال.

والثاني : الجواز ؛ بناءً على الاعتياد تسويةً بين صاحب العلوّ وصاحب‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

٨٠