تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392
المشاهدات: 82085
تحميل: 3521


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82085 / تحميل: 3521
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 16

مؤلف:
ISBN: 964-319-437-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أوجبنا أعلى القِيَم.

وأمّا حلف المالك : فلنفي استحقاق المتصرّف المنافع المدّة التي ادّعاها المتصرّف.

وقالت الشافعيّة - تفريعاً على أصحّ الأقوال عندهم - : إنّه إن كانت العين باقيةً ولم تمض مدّة لمثلها أُجرة ، قُدّم قول المالك ، فإذا حلف استردّ المال ، فإن مضت مدّة لمثلها أُجرة فالمالك يدّعي أُجرة المثل ، والمتصرّف يُقرّ له بالمسمّى ، فإن استويا أو كانت أُجرة المثل أقلَّ أخذه بغير يمينٍ ، وإن كانت أُجرة المثل أكثر أخذ قدر المسمّى بغير يمينٍ ، والزيادة باليمين(١) .

قال بعض الشافعيّة : ولا يجي‌ء هنا خلاف اختلاف الجهة ، كما لو ادّعى المالك فسادَ الإجارة والمتصرّف صحّتَها ، يحلف المالك ، ويأخذ أُجرة المثل(٢) .

وإن كان الاختلاف بعد بقاء العين مدّةً في يد المتصرّف وتلفها ، فالمالك يدّعي أُجرة المثل والقيمة ، والمتصرّف يُقرّ بالمسمّى ويُنكر القيمة ، فللمالك أخذُ ما يُقرّ به بغير يمينٍ وأخذُ ما ينكره باليمين.

ولو قال المالك : غصبتني ، وقال المتصرّف : بل أودعتني ، فالقول قول المالك مع اليمين إن لم نوجب أعلى القِيَم ، وإن أوجبناه حلف كلٌّ منهما على نفي ما ادّعاه الآخَر ، ويثبت الضمان على المتصرّف ، فإن تلفت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩ - ٩٠.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٩٠.

٣٠١

العين أخذ المالك المثلَ إن كان مثليّاً ، والقيمةَ إن كانت من ذوات القِيَم ، وأُجرة المثل إن مضت مدّة لمثلها أُجرة.

مسألة ١٣٤ : لو ادّعى الـمُستعير تلفَ العين وأنكر المالك ، قُدّم قول الـمُستعير مع اليمين‌ ؛ لأنّه مؤتمن ، وربما تعذّرت البيّنة عليه.

ولو ادّعى الـمُستعير الردَّ وأنكر المالك ، قُدّم قول المالك مع اليمين ؛ لأصالة عدم الردّ ، وعدم براءة الذمّة بعد شغلها ، فإنّ الـمُستعير يدّعي إسقاط ما ثبت في ذمّته.

ولو تنازعا في القيمة بعد وجوب الضمان بالتفريط أو التضمين ، قُدّم قول الـمُستعير مع اليمين ؛ لأنّه منكر لما يدّعيه المالك من الزيادة.

ولو تنازعا في التفريط وعدمه ، قُدّم قول الـمُستعير ؛ لأصالة براءة ذمّته وعدم الضمان.

فروع :

أ - قد بيّنّا أنّه ليس للمُستعير أن يعير ، فإن فَعَل فللمالك الرجوعُ بأُجرة المثل على مَنْ شاء منهما‌ ، فإن رجع على الـمُستعير لم يرجع الـمُستعير على الـمُعير وإن كان جاهلاً على إشكالٍ ، وإن رجع على الـمُعير كان له الرجوعُ على الـمُستعير العالم ، وفي الجاهل إشكال ، وكذا العين.

ب - لو انتفع الـمُستعير باستعمال العين بعد رجوع المالك في العارية ، فإن كان عالماً برجوعه كان ضامناً للعين والمنفعة معاً.

ولو كان جاهلاً ، احتُمل ذلك أيضاً ؛ لأنّ الاستعمال منوط بالإذن وقد زال ، وعدمُ الضمان.

ج - لو مات الـمُستعير ، وجب على ورثته ردّ العين وإن لم يطالب الـمُعير‌ ؛ لأنّه مالٌ حصل في يدهم لغيرهم ، فيجب عليهم دفعه إليه.

٣٠٢

مسألة ١٣٥ : تجوز الإعارة للإرهان‌ ؛ لأنّها منفعة مباحة مطلوبة للعقلاء ، فوجب تسويغها توسعةً على المحاويج بالمباح.

قال ابن المنذر : أجمعوا على أنّ الرجل إذا استعار من الرجل شيئاً ليرهنه عند الرجل على شي‌ءٍ معلومٍ إلى وقتٍ معلومٍ فرهن ذلك على ما أذن له فيه أنّ ذلك جائز ؛ لأنّه استعاره ليقضي به حاجته ، فصحّ كغيره من العواري(١) .

ولا يعتبر العلم بقدر الدَّيْن وجنسه ؛ لأنّ العارية لا يعتبر فيها العلم ، وبه قال أبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي ؛ لأنّها عامّة لجنسٍ من النفع ، فلم يعتبر معرفة قدره ، كعارية الأرض للزرع(٢) .

وقال الشافعي : يعتبر ذلك ؛ لاختلاف الضرر به(٣) .

وهو ممنوع ؛ فإنّ الزرع كذلك.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الـمُعير لا يصير ضامناً للدَّيْن - وبه قال أحمد والشافعي في أحد القولين(٤) - لأنّه [ أعاره ] ليقضي [ منها ](٥) حاجته ، فلم يكن ضامناً كسائر العواري.

وقال في الآخَر : إنّه يصير ضامناً له في رقبة عبده ؛ لأنّ العارية ما يستحقّ به منفعة العين ، والمنفعة هنا للمالك ، فدلّ على أنّه ضامن به(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الـمُعير إذا عيّن قدر الدَّيْن الذي يرهنه به وجنسه ، أو عيّن محلاًّ ، تعيّن ؛ لأنّ العارية تتعيّن بالتعيين ، فإن خالفه في‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٣٦٢ - ٣٦٣.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٣٦٣.

(٤ و ٦) المغني ٥ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠١ - ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه استعاره ليقضي منه ». والظاهر ما أثبتناه.

٣٠٣

الجنس لم يصح ؛ لأنّه عقد لم يأذن المالك له فيه ، فلم يصح ، كما لو لم يأذن له في رهنه.

وأمّا إن أذن له في أجلٍ فرهنه إلى أقلّ من ذلك الأجل ، فقد خالفه أيضاً ؛ لأنّه قد لا يجد ما يفكّه به في ذلك الأمد القليل ، فيتضرّر المالك بالبيع.

وكذا لو أذن له في المؤجَّل فرهنه حالّاً ؛ لأنّه قد لا يجد ما يفكّه به في الحال ، فيتسلّط المرتهن على العين بالبيع.

ولو أذن له في رهنه حالّاً فرهنه مؤجَّلاً ، لم يصح ؛ لأنّه قد خالف أيضاً ، لأنّه لم يرض أن يحال بينه وبين عينه إلى أجلٍ ، فلم يصح.

ولو خالفه في القدر بأن أذن له في رهنه على مائة ، فرهنه على مائتين ، لم يصح ؛ لأنّ مَنْ رضي بقدرٍ من الدَّيْن لم يلزم أن يرضى بأكثر منه.

وهل يبطل من الرأس ، أو يصحّ في القدر المأذون فيه ويبطل في الزائد بحيث لو رضي المرتهن على رهنه بالمعيّن لزمه؟ إشكال ، أقربه ذلك.

أمّا لو رهنه على خمسين ، فإنّه يجوز قطعاً ؛ لأنّ مَنْ رضي بمائة رضي بخمسين التي هي أقلّ عرفاً ، فأشبه ما إذا أمره بالشراء بعشرة فاشترى بخمسة.

مسألة ١٣٦ : إذا أعاره للرهن فرهنه ، كان للمالك مطالبة الـمُستعير بفكّ الرهن في الحال‌ ، سواء كان بدَيْنٍ حالٍّ أو مؤجَّلٍ ؛ لأنّ العارية عقد جائز من الطرفين ، للمالك الرجوعُ فيها متى شاء.

وإذا حلّ الدَّيْن أو كان حالّاً فلم يفكّه الراهن ، جاز بيعه في الدَّيْن ؛

٣٠٤

لأنّ ذلك مقتضى الرهن ، فإنّه وثيقة على الدَّيْن.

وإنّما يتحقّق هذا المعنى بإمكان حصول الدَّيْن من العين عند الامتناع من الأداء ، وإنّما يثبت ذلك ببيعه ، فكان البيع سائغاً.

فإذا بِيع في الدَّيْن ، رجع المالك بأكثر الأمرين من القيمة ومن الثمن الذي بِيعت به ؛ لأنّ القيمة إن كانت أكثر فهو المستحقّ للمالك ؛ لأنّها عوض عينه ، وإن كان الثمن أكثر فهو عوض العين أيضاً.

ولو تلفت العين في يد المرتهن بغير تفريطٍ ، فلا ضمان عليه ؛ لأنّ الرهن لا يُضمن من غير تعدٍّ.

والأقرب عندي : إنّ الـمُستعير يضمن ؛ لأنّه استعار عاريةً هي في معرض الإتلاف.

ولو استعار عبداً من اثنين للرهن فرهنه بمائة ثمّ قضى خمسين على أن تخرج حصّة أحدهما من الرهن ، لم تخرج ؛ لأنّه رهنه بجميع الدَّيْن في صفقةٍ ، فلا ينفكّ بعضه بقضاء بعض الدَّيْن ، كما لو كان العبد لواحدٍ.

هذا إذا كان الرهن على جميع الدَّيْن وعلى كلّ جزءٍ منه.

مسألة ١٣٧ : لو استعار الدراهم للإنفاق بلفظ العارية ، فالأقرب : إنّها عارية فاسدة‌ ؛ لأنّ مقتضى العارية الانتفاع بالعين مع بقائها لمالكها ، فحينئذٍ ليس له أن يشتري بها شيئاً ؛ لأنّ العارية قد فسدت ، ولم يحصل هناك قرض.

ويحتمل استباحة التصرّف ؛ عملاً بالإذن.

وقال أصحاب الرأي : إنّه يكون قرضاً(١) .

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٧ - ١٧٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١٥ ، الاختيار لتعليل المختار =

٣٠٥

فعلى ما قلناه يكون أمانةً محضة ، كالعارية الصحيحة.

وعند القائلين بضمان العارية الصحيحة تكون الفاسدة مضمونةً أيضاً.

ولو استعار شيئاً وأذن المالك له في إجارته مدّةً معلومة ، أو في عاريته ، جاز مطلقاً ومدّةً معيّنة ؛ لأنّ الحقّ لمالكه ، فاستباح ما أذن له فيه.

وليس للمُعير الرجوعُ في العارية بعد عقد الإجارة حتى تنقضي المدّة ؛ لتعلّق حقّ المستأجر بها ، وعقد الإجارة لازم.

وتكون العين غير مضمونةٍ على الـمُستأجر ولا على الـمُستعير عندنا ، وعند العامّة تكون مضمونةً ؛ بناءً على ضمان العواري(١) .

ولو آجر الـمُستعير بغير إذنٍ ، بطلت الإجارة ، وكان للمالك الرجوعُ بالأُجرة على مَنْ شاء منهما ، فإن أجاز الإجارة كان له المسمّى ، وإن لم يُجِز كان له أُجرة المثل.

مسألة ١٣٨ : لا يجوز للمُعير الرجوعُ في العارية إذا حصل بالرجوع ضرر بالـمُستعير لا يُستدرك‌ ، كما لو أعاره لوحاً يرقع به السفينة ، فرقعها به ثمّ لجّج في البحر ، لم يجز للمُعير هنا الرجوع ما دامت السفينة في البحر ؛ لما فيه من خوف الغرق الموجب لذهاب المال أو تلف النفس.

ويحتمل أنّ له الرجوعَ ، ويثبت له المثل أو القيمة مع تعذّر المثل ؛ لما فيه من الجمع بين المصالح.

وله الرجوع لو لم تدخل السفينة في البحر أو خرجت منه ؛ لعدم التضرّر فيه.

____________________

= ٣ : ٧٩ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٤ - ١٤٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٣ / ٣١٥٤ ، الفقه النافع ٣ : ٩٤٨ / ٦٧٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢٢.

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.

٣٠٦

ولو أعاره حائطاً ليضع عليه أطراف خشبه ، جاز له الرجوع قبل الوضع - إجماعاً - مجّاناً ، وبعده مع الأرش ما لم تكن الأطراف الأُخَر مثبتةً في ملك الـمُستعير ويؤدّي إلى خراب ما بناه الـمُستعير عليه ، ففيه خلاف.

ولو قال الـمُعير : أنا أدفع إليه أرش ما نقص بالقلع ، لم يجب على الـمُستعير إجابته إن منعنا الرجوع هنا ؛ لأنّه إذا قلعه انقلع ما في ملك الـمُستعير منه ، ولا يجب على الـمُستعير قلع شي‌ءٍ من ملكه بضمان القيمة ، وقد سبق.

مسألة ١٣٩ : لو أنفذ رسولاً إلى شخصٍ ليستعير منه دابّةً يمضي عليها إلى قريةٍ معيّنةٍ‌ ، فمضى الرسول وكذب في تعيين القرية وأخبر المالك بأنّ الـمُستعير يطلب الدابّة إلى قريةٍ أُخرى ، فدفع المالك دابّته إليه ، فإن خرج بها الـمُستعير إلى ما عيّنه الرسول وكذب فيه فتلفت ، لم يكن على أحدٍ ضمانٌ ؛ لأنّ صاحبها أعار الدابّة إلى ذلك الموضع.

ولو خرج بها الـمُستعير إلى ما طلبه الـمُستعير وقاله لرسوله فتلفت ، ضمن الـمُستعير ؛ لأنّ المالك إنّما أذن فيما أخبره الرسول ، لا فيما طلبه الـمُستعير ، فيكون الـمُستعير قد تجاوز الإذن ، فكان ضامناً ، سواء عرف الـمُستعير بالحال أو لا.

وأمّا الرسول فلا ضمان عليه ؛ لأنّ التلف حصل في يد الـمُستعير ، فاستقرّ الضمان عليه.

٣٠٧

المقصد الثالث : في الشركة‌

وفيه فصول :

الأوّل : الماهيّة‌

الشركة هي اجتماع حقوق الـمُلّاك في الشي‌ء الواحد على سبيل الشياع ، أو استحقاق شخصين فصاعداً على سبيل الشياع أمراً من الأُمور.

وسبب الشركة قد يكون إرثاً أو عقداً أو مزجاً أو حيازةً بأن يقتلعا شجرةً أو يغترفا ماءً دفعةً بآنيةٍ ، فكلّ ما هو ثابت بين اثنين فصاعداً مشاع بينهما يقال : إنّه مشترك بينهما(١) .

وهو ينقسم إلى عينٍ ومنفعةٍ وحقٍّ.

وبالجملة ، فهو ينقسم إلى ما لا يتعلّق بالمال ، كالقصاص وحدّ القذف ومنفعة كلب الصيد الباقي من مورّثهم ، وإلى ما يتعلّق بالمال ، وهو إمّا أن يكون عيناً ومنفعةً ، كما لو ورث اثنان أو جماعة مالاً أو غنموه أو اشتروه في عقدٍ واحد أو متعدّد ، أو اتّهبوه أو قَبِلوا الوصيّة به أو الصدقة ، وإمّا أن يكون مجرّد منفعةٍ ، كما لو استأجروا عبداً أو أُوصي لهم بسكنى دارٍ ، وإمّا أن يكون مجرّد عينٍ خاليةٍ عن المنفعة ، كما لو ورثوا عبداً موصى بخدمته وجميع منافعه على التأبيد ، وإمّا حقٌّ يتوصّل به إلى مالٍ ، كالشفعة التي تثبت لجماعةٍ ، وخيار الشرط ، وخيار الردّ بالعيب ، والرهن ، ومرافق الطرق.

وعلى كلّ تقديرٍ فالشركة قد تحدث بغير اختيار الشريك ، كما لو‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « بينهم ».

٣٠٨

ورثوا مالاً أو امتزج مالاهما بغير اختيارهما ، أو باختيارهما ، كما لو مزجا المالين أو اشتركا في الشراء.

والمقصود في هذا المقصد البحثُ عن الشركة الاختياريّة المتعلّقة بالتجارة وتحصيل الربح والفائدة.

مسألة ١٤٠ : الشركة جائزة بالنصّ والإجماع.

أمّا النصّ : فمن الكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) أضاف الغنيمة إليهم ، وجعل الخُمس مشتركاً بين الأصناف المذكورين.

وقوله تعالى :( فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) (٢) .

وقال تعالى :( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ) (٣) والخلطاء هُم الشركاء في أمثال ذلك.

وأمّا السنّة : فما رواه العامّة عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ كان له شريك في رَبْعٍ أو حائطٍ فلا يبعه حتى يؤذِن شريكه »(٤) .

____________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) النساء : ١٢.

(٣) « ص » : ٢٤.

(٤) ورد نصّه في البيان ٦ : ٢٢٤ ، ونحوه في صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٩ / ١٦٠٨ ، وسنن النسائي ٧ : ٣٠١ ، وسنن الدارمي ٢ : ٢٧٤ ، وسنن البيهقي ٦ : ١٠٤ ، ومسند أحمد ٤ : ٢٥٠ / ١٣٩٢٩.

٣٠٩

وعن أبي هريرة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « [ يقول الله عزّ وجلّ : ](١) أنا ثالث الشريكين ما لم يَخُنْ أحدهما صاحبَه ، فإذا خانه خرجتُ من بينهما »(٢) يعني أنّ البركة تُنزع من مالهما.

وكان ابن [ أبي ](٣) السائب شريكاً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل المبعث ، وافتخر بشركته بعد المبعث ، فلم ينكر عليه(٤) .

وكان البراء بن عازب وزيد بن أرقم شريكين ، فاشتريا فضّةً بنقدٍ ونسيئةٍ ، فبلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، فأمرهما أنّ ما كان بنقدٍ فأجيزوه ، وما كان نسيئةً فردّوه(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ يشاركه الرجل في السلعة ، قال : « إن ربح فله ، وإن وضع فعليه »(٦) .

وعن الحسين بن المختار أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يكون له الشريك فيظهر عليه قد اختان منه شيئاً ، أله أن يأخذ منه مثل الذي أخذ من‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٦ / ٣٣٨٣ ، سنن الدارقطني ٣ : ٣٥ / ١٣٩ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٨ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٢ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠٩.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من بعض المصادر.

(٤) المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٤ : ٥٠٥ / ١٨٧٩٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ١٦٥ / ٦٦١٨ و ٦٦١٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٦ / ٢٢٨٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٨ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٦١ ، مسند أحمد ٤ : ٤٤١ / ١٥٠٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٥.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٨٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠٩.

(٦) التهذيب ٧ : ١٨٥ / ٨١٧.

٣١٠

غير أن يبيّن ذلك؟ فقال : « شَوَه(١) لهما اشتركا بأمانة الله ، وإنّي لأُحبّ له إن رأى [ منه ](٢) شيئاً من ذلك أن يستر عليه ، وما أُحبّ له أن يأخذ منه شيئاً بغير علمه »(٣) .

والأخبار في ذلك كثيرة من طُرق العامّة وطُرق الخاصّة.

وأمّا الإجماع : فإنّه لا خلاف بين المسلمين في جوازها على الجملة وإن اختلفوا في أنواع منها.

مسألة ١٤١ : الشركة على أربعة أنواع : شركة العنان ، وشركة الأبدان ، وشركة المفاوضة ، وشركة الوجوه.

فأمّا شركة العنان : فإن يُخرج كلٌّ مالاً ويمزجاه ويشترطا العمل فيه بأبدانهما.

واختلفوا في أخذها من أيّ شي‌ءٍ؟

فقيل : أُخذت من عنان الدابّة إمّا لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرّف واستحقاق الربح على قدر رأس المال ، كاستواء طرفي العنان ، أو تساوي الفارسين إذا سوّيا بين فرسيهما وتساويا في السير(٤) يكونان سواءً ، وإمّا لأنّ كلّ واحدٍ منهما يمنع الآخَر من التصرّف كما يشتهي ويريد ، كما يمنع العنان الدابّة ، وإمّا لأنّ الآخذ بعنان الدابّة حبس إحدى يديه على‌ العنان ، ويده الأُخرى مطلقة يستعملها كيف شاء ، كذلك الشريك بالشركة مَنَع نفسَه عن التصرّف في المشترك كما يشتهي وهو مطلق اليد والتصرّف

____________________

(١) الشَّوَه : قبح الوجه والخلقة. لسان العرب ١٣ : ٥٠٨ « شوه ».

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩٢ / ٨٤٩.

(٤) في المغني ٥ : ١٢٤ ، والشرح الكبير ٥ : ١١١ إضافة : « فإنّ عنانيهما ».

٣١١

في سائر أمواله(١) .

وقيل : هي مأخوذة من الظهور ، يقال : عنَّ الشي‌ء إذا ظهر ، إمّا لأنّه ظهر لكلّ واحدٍ منهما مال صاحبه ، وإمّا لأنّه أظهر وجوه الشركة ، ولذلك وقع الإجماع من العلماء على صحّتها واختلفوا في غيرها(٢) .

وقيل : إنّها مأخوذة من المعانّة ، وهي المعارضة ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يُخرج ماله في معارضة إخراج الآخَر ، فكلّ واحدٍ من الشريكين معارض لصاحبه بماله وفعاله(٣) .

وقال الفرّاء : إنّها مأخوذة من عَنَّ الشي‌ء إذا عرض ، يقال : عنّت لي حاجة إذا عرضت ، فسُمّيت بذلك ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما عَنَّ له أن يشارك صاحبه(٤) .

وأمّا شركة الأبدان : فإن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبون بأيديهم كالصُّنّاع يشتركون على أن يعملوا في صناعتهم ، فما رزق الله تعالى فهو بينهم على التساوي أو التفاوت.

وأمّا شركة المفاوضة : فهو أن يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ويلتزمان من غُرْمٍ ويحصل لهما من غُنْمٍ ، فيلزم كلّ واحدٍ منهما ما يلزم الآخَر من أرش جنايةٍ وضمان غصبٍ وقيمة متلفٍ وغرامةٍ لضمانٍ أو كفالةٍ ، ويقاسمه فيما يحصل له من ميراثٍ أو يجده من ركازٍ أو لقطةٍ أو يكتسبه في تجارته بماله المختصّ به.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٦ ، المغني ٥ : ١٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١١١.

(٤) حكاه عنه ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٣ ، وابنا قدامة في المغني ٥ : ١٢٤ ، والشرح الكبير ٥ : ١١١.

٣١٢

قال صاحب إصلاح المنطق : شركة المفاوضة أن يكون مالهما من كلّ شي‌ءٍ يملكانه بينهما(١) .

وأمّا شركة الوجوه : فقد فُسِّرت بمعانٍ أشهرها : إنّ صورتها أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما ليبتاعا في الذمّة إلى أجلٍ على أنّ ما يبتاعه كلّ واحدٍ منهما يكون بينهما ، فيبيعاه ويؤدّيا الأثمان ، فما فضل فهو بينهما(٢) .

وقيل : أن يبتاع وجيه في الذمّة ويفوّض بيعه إلى خاملٍ ، ويشترطا أن يكون الربح بينهما(٣) .

وقيل : أن يشترك وجيهٌ لا مال له وخاملٌ ذو مالٍ ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ، ويكون المال في يده لا يسلّمه إلى الوجيه ، والربح بينهما(٤) .

وقيل : أن يبيع الوجيهُ مالَ الخامل بزيادة ربحٍ ليكون بعض الربح له(٥) .

مسألة ١٤٢ : لا يصحّ شي‌ءٌ من أنواع الشركة‌ ، سوى شركة العنان ، وقد بيّنّا أنّ شركة العنان جائزة ، وعليه إجماع العلماء في جميع الأعصار.

وأمّا شركة الأبدان : فعندنا أنّها باطلة ، سواء اتّفق عملهما أو اختلف‌

____________________

(١) تهذيب إصلاح المنطق ٢ : ٣٥٢ ، وحكاه عنه الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٢٩ ، المسألة ٥ من كتاب الشركة.

(٢ و ٣) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٣.

(٤) هذا التفسير من القاضي ابن كج والجويني كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٣.

(٥) قاله الغزالي في الوجيز ١ : ١٨٧ ، والوسيط ٣ : ٢٦٢ ، وعنه في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٣.

٣١٣

بأن يكون كلّ واحدٍ منهما خيّاطاً ويشتركان في فعل الخياطة ، أو يكون أحدهما خيّاطاً والآخَر نجّاراً ، ويعمل كلّ واحدٍ منهما في صنعته ، ويكون الحاصل بينهما ، وسواء كانت الصنعة البدنيّة في مالٍ مملوكٍ أو في تحصيل مالٍ مباحٍ ، كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ كلّ واحدٍ منهما متميّز ببدنه ومنافعه ، فيختصّ بفوائده ، وهذا كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميّزة ليكون الدرّ والنسل بينهما ، فإنّه لا يصحّ.

ولأنّها شركة على غير مالٍ ، فلا يصحّ ، كما لو اشتركا في الاحتطاب والاحتشاش ، فإنّه لا يصحّ عند أبي حنيفة(٢) ، وكما لو اختلفت الصنعتان ،

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٤ / ٤٥ ، الإقناع : ١٢٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ٩٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٥ - ١٩٦ و ١٩٩ ، البيان ٦ : ٢٢٩ و ٣٣٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٩ و ٥١٢ ، منهاج الطالبين : ١٣٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٤ / ١٠٢٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨١ / ١١٨٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٠ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٧١ / ٣٣٧٤ ، النتف ١ : ٥٣٧ ، المغني ٥ : ١١١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٦.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦٣ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٧٣ / ٣٣٨٤ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٥ / ٧٢٠ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٦٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ٢١٦ ، النتف ١ : ٥٣٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥ - ٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٤ - ٦٠٥ / ١٠٢٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، المغني ٥ : ١١١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٥.

٣١٤

فإنّه لا يصحّ عند مالك(١) .

ولأنّ الأصل استحقاق كلّ واحدٍ منهما أُجرة عمله واختصاصه بها ، ونقله عنه يحتاج إلى دليلٍ ولم يقم.

وقال أبو حنيفة : شركة الأبدان صحيحة ، إلّا في الاحتطاب والاحتشاش والاغتنام والاصطياد. وبالجملة ، فإنّه سوّغ الشركة في الصناعة ، ومَنَعَها في اكتساب المباح ؛ لأنّ مقتضى الشركة : الوكالة ، ولا تصحّ الوكالة في هذه الأشياء ؛ لأنّ مَنْ أخذها مَلَكها ، ولأنّ أكثر ما في هذه الشركة أنّ كلّ واحدٍ منهما يتقبّل العمل لصاحبه ثمّ يشارك كلّ واحدٍ منهما صاحبَه في المال الذي اكتسبه وإن لم يكن شاركه في نفس العمل ، ومثل ذلك جائز ، ألا ترى أنّ الرجل إذا استأجر قصّاراً ليقصر له فسلّم الثوب إليه ، كان له أن يقصره بنفسه وبغيره ، ويستحقّ هو الأُجرة(٢) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٢ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٥ / ١٠٢٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٥ ، التفريع ٢ : ٢٠٦ ، التلقين : ٤١٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٠ / ١١٨٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٣ ، المعونة ٢ : ١١٤٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥ ، المغني ٥ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١١ و ١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٧ و ٦٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٧ و ٢٣ و ٢٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٧١ و ٥٧٣ / ٣٣٧١ و ٣٣٧٢ و ٣٣٨٤ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٦٢٣ - ٦٢٤ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٤ و ٩٩٥ / ٧١٨ و ٧٢٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٥٤ - ١٥٥ و ٢١٦ ، المحيط البرهاني ٦ : ٩ - ١١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٠ و ١١ ، النتف ١ : ٥٣٥ و ٥٣٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز =

٣١٥

والأوّل ممنوع ، إلّا أنّا لا نمنع(١) الشركة في هذه الأشياء وفي غيرها ، ونمنع مساواتها للوكالة.

وقال مالك : تصحّ شركة الأبدان بشرط اتّفاق الصنعتين ؛ لأنّه قال : إذا اتّفقت الصنعتان تقارب الكسبان ، وتدعو الحاجة إلى ذلك في الصنعة الواحدة دون الصنعتين ؛ لأنّ التعاون في الصنعة أمر واقع غالباً(٢) .

وهو ممنوع ؛ فإنّ الصانعَيْن قد تختلف صنعتهما وتتفاوت وتتقارب في الجنسين ، وأمّا الحاجة فالإجارة تكفي للاستعانة ، فلا حاجة إلى الشركة.

وقال أحمد بن حنبل : تجوز شركة الأبدان في جميع الأشياء ، سواء اختلفت الصنعتان أو اتّفقت ، وسواء كان في مالٍ أو في تحصيل مباحٍ ، كالاحتطاب وشبهه ؛ لأنّ سعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن مسعود وعمّار بن ياسر اشتركوا فيما يغتنمونه ، فأتى سعد بأسيرين ولم يأتيا بشي‌ءٍ ، فأقرّهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) . قال أحمد : أشرك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بينهم(٤) .

____________________

= ٥ : ١٩١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥ - ٦ ، المغني ٥ : ١١١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٥ - ١٨٦.

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « والأوّل مسلّم إلّا أنّا نمنع ». والظاهر ما أثبتناه من « ث ، خ ، ر ».

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٢ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٤ و ٦٠٥ / ١٠٢٢ و ١٠٢٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٥ ، التفريع ٢ : ٢٠٦ ، التلقين : ٤١٤ ، المعونة ٢ : ١١٤٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨ / ١١٨٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٨ / ٢٢٨٨ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٧ / ٣٣٨٨ ، سنن النسائي ٧ : ٥٧ و ٣١٩ ، سنن الدارقطني ٣ : ٣٤ / ١٣٨.

(٤) المغني ٥ : ١١١ - ١١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٥ - ١٨٧ ، الإشراف على مذاهب

٣١٦

وهو غلط ؛ لأنّ غنائم بدر كانت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان له أن يدفعها إلى مَنْ شاء ، فيحتمل أن يكون فَعَل ذلك لهذا.

وأيضاً فالغنائم مشتركة بين الغانمين بحكم الله تعالى ، فكيف يصحّ اختصاص هؤلاء بالشركة فيها!؟

وأيضاً فلا نسلّم أنّ سعداً أعطاهم على سبيل الوجوب ، بل أراد التبرّع والوفاء بالوعد الذي لا يجب إنجازه ، أمّا على سبيل اللزوم فلا.

واعلم أنّ المذهب المشهور للشافعي ما نقلناه عنه أوّلاً من موافقة مذهبنا في بطلان شركة الأبدان(١) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّ للشافعي في هذه المسألة قولاً آخَر : إنّها جائزة ؛ لأنّ الشافعي قال في كتاب الإقرار : ولو أقرّ أحد الشريكين على صاحبه بمالٍ قُبِل إقراره ، سواء كانا شريكين في المال أو العمل(٢) .

وقال غيره : هذا ليس بقولٍ آخَر ؛ لأنّه لا يتضمّن صحّة الشركة(٣) .

وعن أحمد رواية أُخرى كمذهب مالك من صحّة شركة الأبدان مع اتّفاق الصنعة ، وبطلانها مع الاختلاف ؛ لأنّ مقتضى الشركة هنا أنّ ما تقبّل كلّ واحدٍ منهما من العمل لزمه ولزم صاحبه ، ويطالَب به كلُّ واحدٍ منهما ، فإذا تقبّل أحدهما شيئاً مع اختلاف صنائعهما ، لم [ يمكن ](٤) للآخَر أن يقوم‌

____________________

= أهل العلم ١ : ٦٤ - ٦٥ / ٤٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ - ٦ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٠ / ١١٨٤.

(١) راجع ص ٣١٣ ، وكذا الهامش (١) منها.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يكن ». والمثبت من المصدر.

٣١٧

به ، وكيف يلزمه عمله أم كيف يطالَب بما لا قدرة له عليه!؟(١) .

مسألة ١٤٣ : وشركة المفاوضة عندنا باطلة‌ ، وليس لها أصل في الشرع - وبه قال الشافعي ومالك(٢) وإسحاق وأبو ثور(٣) - لأنّه عقد قد اشتمل على غررٍ عظيم ؛ لأنّ ما يلزم أحدهما من غرامةٍ يلزم الآخَر ، والعقد يفسد بأقلّ من هذا غرراً ، كبيع الثمرة قبل خروجها أو قبل بدوّ صلاحها عند جماعةٍ(٤) ، واستئجار الأرض ببعض ما يخرج منها ، ولهذا لا يصحّ بين المسلم والكافر عندهم(٥) ، ولا بين الحُرّ والمكاتَب.

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : إنّها صحيحة(٦) . ورواه أصحاب‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧.

(٢) لم نقف على قول مالك فيما بين أيدينا من المصادر للعامّة. نعم ، حكاه عنه الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٢٩ ، المسألة ٥ من كتاب الشركة.

(٣) الأُم ٣ : ٢٣١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٤ / ٤٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٥ - ١٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ - ١٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٥٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٦ / ١٦٧٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤.

(٤) بحر المذهب ٦ : ١٩١ ، البيان ٥ : ٢٣٧ ، وراجع أيضاً ج ١٠ ، ص ٣٥٠ ، الهامش ( ١ و ٢ ).

(٥) المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧.

(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٨ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٦١٨ ، الفقه النافع ٣ : ٩٨٩ / ١٨٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٥٣ ، المحيط البرهاني ٦ : ٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٥ / ١٦٧٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٤ / ٤٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٩ ، =

٣١٨

مالك عن مالك(١) أيضاً.

وشرط أبو حنيفة أُموراً :

الأوّل : أن يكون الشريكان مسلمين حُرّين ، فلا تصحّ شركة المفاوضة بين المسلم والكافر ، ولا بين الكافرين ، ولا بين الحُرّ والعبد.

الثاني : أن يكون مالهما في الشركة سواءً.

الثالث : أن يستعملا لفظ المفاوضة ، فيقولا : تفاوضنا ، أو : اشتركنا شركة المفاوضة.

الرابع : أن يستويا في قدر رأس المال.

الخامس : أن لا يملك واحد منهما من جنس رأس المال إلّا ثلاثة أشياء : قوت يومه ، وثياب بدنه ، وجارية يتسرّى بها.

السادس : أن يُخرجا جميع ما يملكانه من جنس مال الشركة ، وهو الدراهم والدنانير ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة »(٢) ولأنّ هذه نوع شركةٍ يختصّ باسمٍ ، فكان فيها صحيح ، كشركة العنان(٣) .

____________________

= البيان ٦ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٣ / ١١٨١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٨.

(١) كما في بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، وحلية العلماء ٥ : ١٠١ ، وراجع : المدوّنة الكبرى ٥ : ٦٨ ، والإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٥ / ١٠٢٥ ، وبداية المجتهد ٢ : ٢٥٤ ، والتلقين : ٤١٤ ، وعيون المجالس ٤ : ١٦٧٣ / ١١٨١ ، والمعونة ٢ : ١١٤٣ ، والحاوي الكبير ٦ : ٤٧٥ ، والوجيز ١ : ١٨٧ ، والإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥ ، والمغني ٥ : ١٣٩ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٨.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٩.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦٠ - ٦٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٨ - ١٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٢ - ٥٦٣ / ٣٣٢٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٦١٨ - ٦١٩ ، الفقه النافع ٣ : ٩٨٩ - ٩٩٠ / ٧١٠ - ٧١٢ ، المبسوط =

٣١٩

والحديث ممنوع ؛ لأنّه لم يروه [ أصحاب ](١) السنن ، ثمّ ليس فيه ما يدلّ على أنّه أراد هذا العقد ، فيحتمل أنّه أراد المفاوضة في الحديث ، ولهذا روي فيه : « ولا تجادلوا فإنّ المجادلة من الشيطان »(٢) .

والقياس منقوض ببيع الحصاة ، فإنّه لا يصحّ ، وكذا بيع المنابذة ، وغيرهما من البيوع الباطلة ، فإنّها تختصّ باسمٍ ، وهي فاسدة ، ولا يقتضي اختصاصها بالاسم الصحّة ، مع قيام الفرق بين الأصل والفرع ، فإنّ شركة العنان تصحّ بين الكافرين ، والكافر والمسلم ، بخلاف هذه الشركة.

واعلم أنّ عند أبي حنيفة لشركة المفاوضة موجَباتٍ ، فمنها : أن يشارك أحدهما صاحبَه في جميع ما يكتسبه ، ويشاركه فيما يلزمه من الغرامة ، كالغصب والكفالة ، وإذا ثبت لأحدهما شفعةٌ شاركه صاحبه ، وما مَلَكه أحدهما بإرثٍ أو هبةٍ لا يشاركه الآخَر فيه ، فإن كان فيه من جنس رأس المال شي‌ءٌ فسدت شركة المفاوضة ، وانقلبت إلى شركة العنان ، وما لزم أحدهما بغصبٍ أو بيعٍ فاسدٍ أو إتلافٍ كان مشتركاً ، إلّا الجناية على الحُرّ ، وبدل الخلع ، والصداق إذا لزم أحدهما لم يؤاخذ به الآخَر(٣) .

____________________

= - للسرخسي - ١١ : ١٥٣ وما بعدها ، المحيط البرهاني ٦ : ٧ - ٨ ، النتف ١ : ٥٣١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣ - ٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٠ ، البيان ٦ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٨ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥.

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صاحب ». والمثبت هو الصحيح.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٠.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٩ - ٢٠ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٤ / ٣٣٢٧ و ٣٣٢٨ و ٣٣٣١ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٠ / ٧١٢ ، النتف ١ : ٥٣٢ - ٥٣٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٠ ، =

٣٢٠