تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392
المشاهدات: 82408
تحميل: 3522


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82408 / تحميل: 3522
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 16

مؤلف:
ISBN: 964-319-437-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وهو أحد قولَي الشافعي ، والثاني : إنّه لا يعتبر رضا الـمُستعير فيه ، بل يُجبر على ما يختاره الـمُعير منهما(١) .

وله قولان آخَران :

أحدهما : إنّ الـمُعير إن طلب التملّك بالقيمة أُجبر الـمُستعير عليه ، كتملّك الشفيع الشقصَ قهراً ، وإن طلب الإبقاء بالأُجرة اعتبر رضا الـمُستعير فيه.

والثاني : إنّ الـمُعير يتخيّر بين أمرين خاصّة ، أحدهما : القلع مع ضمان الأرش ، والثاني : التملّك بالقيمة(٢) .

والأصل فيه : إنّ العارية مكرمة ومبرّة ، فلا يليق بها منع الـمُعير من الرجوع ولا تضييع مال الـمُستعير ، فأثبتنا الرجوع على وجهٍ لا يتضرّر به الـمُستعير ، وجعلنا الأمر منوطاً باختيار الـمُعير ؛ لأنّه الذي صدرت منه هذه المكرمة ، ولأنّ ملكه الأرض وهي أصل ، وأمّا البناء والغراس فإنّهما تابعان لها ، ولذلك(٣) يتبعانها في البيع(٤) .

ولو طلب الـمُستعير تملّك الأرض وقال : أنا أدفع قيمة الأرض إلى الـمُعير ليبقى البناء والغراس ، لم يُجبر الـمُعير على ذلك ، والفرق بينه وبين الـمُستعير ما تقدّم من كون البناء والغرس تابعين(٥) ، وكون الأرض متبوعةً ، فلهذا أُجيب المالك إلى ما طلبه من تملّك البناء والغرس بالقيمة وما طلبه‌ الـمُستعير من تملّك الأرض بالقيمة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٥ - ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٦.

(٣) في الطبعة الحجريّة و « العزيز شرح الوجيز » : « كذلك ».

(٤) راجع : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٦.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تابعان ». والمثبت هو الصحيح.

٢٦١

مسألة ١٠٣ : لو لم يختر الـمُستعير قلع غرسه ولا قلع بنائه مع الإذن المطلق فيهما ، لم يُجبر على القلع‌ ، إلّا أن يضمن الـمُعير أرش النقص ، فحينئذٍ يلزمه تفريغ الأرض من بنائه وغرسه وردّها إلى ما كانت عليه.

واعلم أنّ مَنْ جعل الأمر موكولاً إلى اختيار الـمُعير في القلع بالأرش والإبقاء بالأُجرة والتملّك بالقيمة قال : منه الاختيار ومن الـمُستعير الرضا واتّباع مراده ، فإن لم يفعل وامتنع من إبلاغه مراده ألزمناه بتفريغ أرضه.

ومَن اعتبر رضا الـمُستعير في التملّك بالقيمة والإبقاء بالأُجرة فلا يكلّف التفريغ ، بل يكون الحكم عنده كالحكم فيما إذا لم يختر الـمُعير شيئاً ممّا خيّرناه فيه.

ومَنْ قصر خيرة الـمُعير على أمرين : القلع بشرط الضمان ؛ لنقص الأرض ، والتملّك بالقيمة قال : لو امتنع من بَذْل الأرش والقيمة وبَذَل الـمُستعير الأُجرة لم يكن للمُعير القلع مجّاناً ، وإن لم يبذلها فوجهان ، أظهرهما عندهم : إنّه ليس له ذلك أيضاً(١) .

وبه أجاب مَنْ خيَّره بين الخصال الثلاث إذا امتنع منها جميعاً(٢) .

وما الذي يفعل؟ اختلفت الشافعيّة على قولين :

أحدهما : إنّ الحاكم يبيع الأرض مع البناء والغراس لتفاصل الأمر.

والثاني - وهو قول الأكثر - : إنّه يعرض الحاكم عنهما إلى أن يختارا شيئاً(٣) .

والتحقيق عندي هنا أن نقول : إذا أعاره للبناء أو الغرس أو لهما ففَعَل ثمّ رجع عن الإذن بعد وقوع الفعل ، فإمّا أن يطلب الـمُعير القلع أو‌

____________________

(١ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٥.

(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٧.

٢٦٢

الـمُستعير ، فإن طلبه الـمُستعير لم يكن للمُعير ردّه عن ذلك ، وإن طلبه الـمُعير لم يكن للمُستعير ردّه عن ذلك ، ويضمن كلٌّ منهما نقص ما دخل على الآخَر.

مسألة ١٠٤ : يجوز للمُعير دخول الأرض والانتفاع بها والاستظلال بالبناء والشجر‌ ؛ لأنّه جالس على ملكه ، وليس له الانتفاع بشي‌ءٍ من الشجر بثمر ولا غصن ولا ورق ولا غير ذلك ، ولا بضرب وتدٍ في الحائط ، ولا التسقيف عليه.

وليس للمُستعير دخول الأرض للتفرّج ، إلّا بإذن الـمُعير ؛ لأنّه تصرّف غير مأذونٍ فيه.

نعم ، يجوز له الدخول لسقي الشجر ومرمّة الجدار ؛ حراسةً لملكه عن التلف والضياع ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : المنع ؛ لأنّه يشغل ملك الغير إلى أن ينتهي إلى ملكه(١) .

وعلى ما اخترناه من الجواز لو تعطّلت المنفعة على صاحب الأرض بدخوله ، لم يُمكَّن منه إلّا بالأُجرة ؛ جمعاً بين حفظ المالين.

مسألة ١٠٥ : إذا بنى أو غرس في أرض الـمُعير بإذنه أو بغير إذنه ، جاز لكلٍّ منهما أن يبيع ملكه من الآخَر‌ ، ويجوز للمُعير أن يبيع الأرض من ثالثٍ ، ثمّ يتخيّر المشتري كالـمُعير.

وكذا للمُستعير أن يبيع من ثالثٍ أيضاً - وهو أصحّ وجهي‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٤ ، البيان ٦ : ٤٦٤ - ٤٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٥.

٢٦٣

الشافعيّة(١) - لأنّه مملوك له في حال بيعه غير ممنوعٍ من التصرّف فيه.

والثاني : المنع ؛ لأنّه في معرض النقض والهدم ، ولأنّ ملكه عليه غير مستقرٍّ ؛ لأنّ الـمُعير بسبيلٍ من تملّكه(٢) (٣) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ كونه متزلزلاً لا يمنع من جواز بيعه ؛ فإنّ الحيوان المشرف على التلف في معرض الهلاك ، ويجوز بيعه ، ومستحقّ القتل قصاصاً يجوز بيعه على الأقوى ، وتمكّن الـمُعير من تملّكه لا يوجب منع بيعه ، كالشفيع المتمكّن من تملّك الشقص.

إذا ثبت هذا ، فإنّ المشتري إن كان جاهلاً بالحال كان له خيار الفسخ ؛ لأنّ ذلك عيب ، وإن كان عالماً فلا خيار له ، ثمّ يُنزّل المشتري منزلة الـمُستعير ، وللمُعير الخيار على ما تقدّم.

ولو اتّفق الـمُعير والـمُستعير على بيع الأرض مع البناء أو الغراس بثمنٍ واحد ، صحّ - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) - للحاجة.

والثاني : المنع ، كما لو كان لكلّ واحدٍ منهما عبد فباعاهما معاً صفقةً واحدة(٥) .

ونحن نقول بالجواز هنا أيضاً.

إذا تقرّر هذا ، فإنّ الثمن يوزّع عليهما ، فيوزّع على أرضٍ مشغولة بالغراس أو البناء على وجه الإعارة مستحقّ القلع مع الأرش ، أو الإبقاء مع‌

____________________

(١ و ٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٣ ، البيان ٦ : ٤٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٥.

(٢) في « ث ، ر ، خ » : « لأنّ للمُعير تسبيل ملكه ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « لأنّ الـمُعير بسبيلٍ من ملكه ». والمثبت كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٥.

٢٦٤

الأُجرة ، أو التملّك بالقيمة إن كان بالإذن ، وعلى ما فيها من بناءٍ أو غرسٍ مستحقٍّ للقلع على أحد الأنحاء ، فحصّة الأرض للمُعير ، وحصّة ما فيها للمُستعير.

مسألة ١٠٦ : إذا أعاره أرضاً للبناء أو الغرس عاريةً موقّتة‌ ، أو أطلق الإعارة مقيّدةً بالمدّة ، كان للمُستعير البناء والغرس في المدّة ، إلّا أن يرجع الـمُعير ، وله أن يجدّد كلّ يومٍ غرساً ، فإذا انقضت المدّة لم يجز له إحداث البناء ولا الغرس إلّا بإذنٍ مستأنف.

ثمّ للمالك الرجوع في العارية قبل انقضاء المدّة بالأرش ، وبعدها مجّاناً إن شرط الـمُعير القلع أو نقض البناء بعد المدّة ، أو شرط عليه القلع متى طالبه بالقلع ؛ عملاً بالشرط ، فإنّ فائدته سقوط الغُرْم ، فلا يجب على صاحب الأرض ضمان ما نقص الغرس بالقلع ، ولا يجب على الـمُستعير طمّ الحُفَر ؛ لأنّه أذن له في القلع بالشرط.

فإن لم يكن قد شرط عليه القلع فإن اختار الـمُستعير قلعه(١) ، كان له ذلك ؛ لأنّه ملكه(٢) .

وهل عليه تسوية الأرض؟ الأقوى ذلك ؛ لأنّه يقلعه باختياره من غير إذن الـمُعير ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : ليس عليه ؛ لأنّ إذنه في الإعارة رضا بقلع ذلك ؛ لأنّه ملك لغيره ، فقلعه إلى اختياره(٣) .

وإن لم يختر صاحب الغرس القلعَ وطالَبه الـمُعير بقلعه ، لم يكن له ذلك ، إلّا بأن يضمن ما ينقص بالقلع.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قلعها ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في النسخ الخطيّة والحجريّة : « ملكها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) راجع الهامش (٢) من ص ٢٥٩.

٢٦٥

وليس للمُستعير دفع قيمة الأرض إلّا باختيار المالك ، وللمالك دفع قيمة الغرس على إشكالٍ أقربه ذلك مع رضا الـمُستعير لا مع سخطه ، وبهذا قال الشافعي ، إلّا أنّه قال : للمالك دفع قيمة الغرس وإن لم يرض الـمُستعير. وروي مثل ذلك عن أحمد(١) .

وقال أبو حنيفة ومالك : له مطالبته بقلعه من غير ضمانٍ عند انقضاء المدّة ، وبه قال المزني - قال أبو حنيفة : إلّا أن يكون أعاره مدّةً معلومة ورجع [ قبل ](٢) انقضائها - لأنّ الـمُعير لم يغرّه ، فإذا طالبه بالقلع كان له ، كما لو شرط عليه القلع(٣) .

وقالت الشافعيّة : ليس له ذلك إلّا بأرش نقص الغرس ؛ لأنّه بنى وغرس في ملك غيره ، فلم يكن له المطالبة من غير ضمانٍ ، كما لو طالبه قبل انقضاء المدّة.

ثمّ منعوا من قول أبي حنيفة : « إنّ المالك لم يغرّه » لأنّ الغراس والبناء يراد للتبقية ، وتقدير المدّة ينصرف إلى ابتدائه ، كأنّه قال : لا تغرس فيما جاوز هذه المدّة ، أو لطلب الأُجرة(٤) .

والأوّل عندي أقرب.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٥ و ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٤ و ٨٦ ، المغني ٥ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مع ». والمثبت من المصدر.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٣ ، البيان ٦ : ٤٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٨ ، المغني ٥ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٥ و ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٤ و ٨٦ ، المغني ٥ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٠.

٢٦٦

مسألة ١٠٧ : لو كانت الأرض مشتركةً فبنى أحدهما بإذن الآخَر أو غرس كذلك ، ثمّ رجع صاحبه‌ ، فالأقرب عندي : أن يكون حكمه حكم الأجنبي من جواز القلع بالأرش.

وقالت الشافعيّة : ليس له ذلك ولا أن يتملّك بالقيمة.

أمّا الأوّل : فلأنّ قلعه يتضمّن قلع غرس المالك في(١) ملكه ونقض بنائه عن ملكه ؛ إذ له في الملك نصيب كما للمُعير.

وأمّا الثاني : فلأنّ الـمُستعير يستحقّ في الأرض مثل حقّ الـمُعير ، فلا يمكننا أن نقول : الأصل للمُعير ، والبناء تابع ، بل له التقرير بالأُجرة خاصّةً ، فإن امتنع من بذلها فإمّا أن يباع أو يعرض عنهما الحاكم(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّ للمُعير تخليصَ ملكه وتفريغه ، وإنّما يحصل بنقض مال الغير ، فوجب أن يكون جائزاً له ، كما في الفصيل(٣) لو لم يمكن إخراجه إلّا بهدم الباب.

مسألة ١٠٨ : يجوز أن يعير الأرض للزراعة‌ ؛ لأنّها منفعة مباحة مطلوبة للعقلاء ، فصحّ في مقابلتها العوض بالإجارة فجازت الإعارة.

فإذا استعار للزرع فزرع ثمّ رجع الـمُعير في العارية قبل أن يدرك الزرع ، فإن كان ممّا يعتاد قطعه كالقصيل قطع ، فإن امتنع الـمُستعير من قطعه أُجبر عليه إن لم ينقص بالقصل ، ولا شي‌ء ؛ إذ لا نقص ، وإن نقص فله القطع أيضاً لكن مع دفع الأرش.

وإن كان ممّا لا يعتاد قطعه ، فالأقرب : إنّ حكمه حكم الرجوع في‌

____________________

(١) في « ث ، خ ، ر » : « من » بدل « في ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٨ - ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٦.

(٣) الفصيل : ولد الناقة إذا فصل عن أُمّه. القاموس المحيط ٤ : ٣٠ « فصل ».

٢٦٧

الغرس في القلع والتبقية.

واختلفت الشافعيّة :

فقال بعضهم : إنّ له أن يقطع ، ويغرم أرش القطع ؛ تخريجاً ممّا إذا رجع في العارية الموقّتة للبناء قبل مضيّ المدّة(١) .

وقال بعضهم : إنّه يملكه بالقيمة(٢) .

وقال الباقون - وهو الظاهر من مذهبهم - : إنّه ليس كالبناء في هاتين الخصلتين ؛ لأنّ للزرع أمداً يُنتظر ، والبناء والغرس للتأبيد ، فعلى الـمُعير إبقاؤه للمُستعير إلى أوان الحصاد(٣) .

ثمّ فيه وجهان :

أحدهما : إنّه يُبقيه بلا أُجرة ؛ لأنّ منفعة الأرض إلى الحصاد كالمستوفاة بالزرع.

وأصحّهما عندهم : التبقية بالأُجرة ؛ لأنّه إنّما أباح المنفعة إلى وقت الرجوع ، وصار كما إذا أعاره دابّةً إلى بلدٍ ثمّ رجع في الطريق ، عليه نقل متاعه إلى مأمنٍ بأُجرة المثل(٤) .

ولو قيّد الـمُعير للزرع مدّةً فانقضت ولـمّا يدرك ، فإن كان ذلك لتقصير الـمُستعير ، كالتأخير في الزرع ، قلع مجّاناً ، وإن كان لهبوب الرياح وقصور الماء وغير ذلك ممّا لا يُعدّ تقصيراً للمُستعير ، كان بمنزلة ما لو أعاره مطلقاً.

ولو أعار لزرع الفسيل(٥) ، فإن كان ممّا يُنقل عادةً فهو كالزرع ، وإلّا‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٦ - ٨٧.

(٥) الفسيل جمع فسيلة ، وهي النخلة الصغيرة. القاموس المحيط ٤ : ٢٩ ، لسان العرب ١١ : ٥١٩ « فسل ».

٢٦٨

فكالبناء.

مسألة ١٠٩ : إذا أعار للزراعة مطلقاً ، انصرف الإطلاق إلى الواحدة‌ ، فإذا زرع ثمّ أخذ زرعه لم يكن له أن يزرع ثانياً إلّا بإذنٍ مستأنف ؛ لأصالة عصمة مال الغير. وكذا لو أعار للغرس فغرس ثمّ ماتت الشجرة أو انقلعت ، لم يكن له غرس أُخرى غيرها إلّا بإذنٍ جديد. وكذا في البناء لو أذن له فيه فبنى ثمّ انهدم ، أو أذن له في وضع جذعٍ على حائطه فانكسر - وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ الإذن اختصّ بالأوّلة.

والثاني : إنّ له ذلك ؛ لأنّ الإذن قائم ما لم يرجع فيه(٢) .

أمّا لو انقلع الفسيل المأذون له في زرعه في غير وقته المعتاد ، أو سقط الجذع كذلك وقصر الزمان جدّاً ، فالأولى أنّ له أن يعيده بغير تجديد الإذن.

مسألة ١١٠ : لو حمل السيل حَبّ الغير أو نواه أو جوزه أو لوزه إلى أرض آخَر ، كان على صاحب الأرض ردّه إلى مالكه إن عرفه ، وإلّا كان لقطةً.

فإن نبت في أرضه وصار زرعاً أو شجراً ، فإنّه يكون لصاحب الحَبّ والنوى والجوز واللوز ؛ لأنّه نماء أصله ، كما أنّ الفرخ لصاحب البيض ، ولا نعلم فيه خلافاً.

ثمّ إن طلب صاحب الحَبّ والنوى والجوز واللوز قلعه عن أرض غيره ، كان له ذلك ؛ لأنّه ملكه ، وعليه تسوية الحُفَر ؛ لأنّها حدثت بفعله‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٧.

٢٦٩

لتخليص ملكه منها ، فأشبه فصيلاً دخل دار إنسانٍ ثمّ كبر فاحتاج صاحبه إلى نقض باب الدار لإخراجه ، فإنّ عليه ردّه ، وإصلاحه ؛ لأنّه فعله لتخليص ملكه.

وإن طلب صاحب الأرض القلعَ ، كان له ذلك ؛ لأنّ العِرْق نبت في أرضه بغير إذنه ، فأشبه الغاصب.

فإن امتنع صاحب الزرع ، أُجبر عليه ، كما لو سرت أغصان شجرته في دار جاره ، فإنّها تُقطع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يُجبر إن كان زرعاً ؛ لأنّ قلعه إتلاف المال على مالكه ، ولم يوجد منه تفريط ولا عدوان ، ولا يدوم ضرره ، فلم يُجبر على ذلك ، كما لو حصلت دابّته في دار غيره على وجهٍ لا يمكن خروجها إلّا بقلع الباب أو قتلها ، فإنّنا لا نجبره على قتلها ، بخلاف أغصان الشجر ، فإنّه يدوم ضرره ، ولا يعرف قدر ما يشغل من الهواء حتى يؤدّي أجره ، فحينئذٍ يُقرّ في الأرض إلى حين حصاده بأُجرة المثل(١) .

وقال بعض العامّة : ليس عليه أجر ؛ لأنّه حصل في أرض غيره بغير تفريطه ، فأشبه ما لو ماتت(٢) دابّته في أرض إنسانٍ بغير تفريطه(٣) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ منع المالك من أرضه وإبقاء ما لم يأذن فيه لمصلحة الغير إضرار به ، وليس اعتبار مصلحة صاحب الزرع أولى من‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٢ ، بحر المذهب ٩ : ٩ ، الوسيط ٣ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٩ - ٢٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٤ ، البيان ٦ : ٤٦٥ - ٤٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٧ ، المغني ٥ : ٣٦٩ - ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٣.

(٢) في المصدر : « باتت ».

(٣) المغني ٥ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٣.

٢٧٠

اعتبار مصلحة صاحب الملك.

ثمّ لو سلّمنا وجوب التبقية ، لكن حرمان صاحب الأرض من الأُجرة إضرار به وشغل لملكه بغير اختياره من غير عوضٍ ، فلم يجز ، كما لو أراد بقاء(١) بهيمته في دار غيره عاماً.

وأمّا إن كان النابت شجراً ، كالنخل والزيتون والجوز واللوز وغير ذلك ، فإنّه لمالك النوى ؛ لأنه نماء ملكه ، فهو كالزرع ، ويُجبر على قلعه هنا ؛ لأنّ ضرره يدوم ، فأُجبر على إزالته ، كأغصان الشجرة السارية في هواء أرض غيره.

ولو حمل السيل أرضاً بشجرها فنبتت في أرض غيره كما كانت ، فهي لمالكها ، ويُجبر على إزالتها كما تقدّم.

وفي كلّ ذلك إذا ترك صاحب البذر والنوى ذلك لصاحب الأرض التي انتقل إليها ، لم يلزمه نقله ولا أُجرة ولا غير ذلك ؛ لأنّه حصل بغير تفريطه ولا عدوانه ، وكان الخيار لصاحب الأرض المشغولة به ، إن شاء أخذه لنفسه ، وإن شاء قلعه.

تذنيب : لو كان المحمول بالسيل ما لا قيمة له كنواةٍ واحدة وحَبّةٍ واحدة فنبتت‌ ، احتُمل أن يكون لمالك الأرض إن قلنا : لا يجب عليه ردّها إلى مالكها لو لم تنبت ؛ لانتفاء حقيقة الماليّة فيها ، والتقويم إنّما حصل في أرضه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) ، وأن يكون لمالكها إن قلنا بتحريم‌

____________________

(١) الظاهر : « إبقاء ».

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٧.

٢٧١

أخذها ووجوب ردّها قبل نباتها ، فعلى هذا في قلع النابت وجهان(١) .

ولو قلع صاحب الشجرة الشجرةَ ، فعليه تسوية الحُفَر ؛ لأنّه قصد تخليص ملكه.

المبحث الثاني : في الضمان.

وأقسامه ثلاثة : ضمانُ الردّ ، وهو واجب على الـمُستعير ، فمئونته عليه ؛ لقولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه »(٢) ، ولأنّ الإعارة نوع من معروف ، فلو كُلّف المالك مئونة الردّ امتنع الناس من الإعارة ، وفي ذلك ضرر عظيم. وضمانُ العين ، وضمانُ الأجزاء.

مسألة ١١١ : العارية أمانة مأذون في الانتفاع بها بغير عوضٍ‌ ، لا تستعقب الضمان - إلّا في مواضع تأتي إن شاء الله تعالى - عند علمائنا أجمع ، فإذا تلفت في يد الـمُستعير بغير تفريطٍ منه ولا عدوان ، لم يكن عليه ضمان ، سواء تلفت بآفةٍ سماويّة أو أرضيّة - وبه قال النخعي والشعبي والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة ومالك والأوزاعي وابن شبرمة ، وهو قول الشافعي في الأمالي(٣) - لما رواه العامّة‌

____________________

(١) نفس المصادر.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ / ٢٤٠٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٦٤ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ١٤٦ / ٦٠٤ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٧ ، مسند أحمد ٥ : ٦٣٢ / ١٩٥٨٢ ، و ٦٤١ / ١٩٦٤٣.

(٣) المغني ٥ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٥ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٠ - ٢٧١ / ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٦ - ٧ ، الوسيط ٣ : ٣٦٩ - ٣٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٤ - ٤٥٥ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١٧ ، الاختيار لتعليل =

٢٧٢

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ليس على الـمُستعير غير المُغلّ(١) ضمان »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « ليس على مُستعير عاريةٍ ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن »(٣) .

وعن محمّد بن مسلم - في الصحيح - أنّه سأل الباقرَعليه‌السلام : عن العارية يستعيرها [ الإنسان ] فتهلك أو تُسرق ، فقال : « إذا كان أميناً فلا غُرْم عليه »(٤) .

ولأنّه قبضها بإذن مالكها ، فكانت أمانةً ، كالوديعة.

ولأنّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « العارية مؤدّاة »(٥) يدلّ على أنّها أمانة ؛ لقوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٦) .

____________________

= المختار ٣ : ٧٩ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٣٤ ، النتف ٢ : ٥٨٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٨٥ / ١٨٧٦ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٢٠ و ١٧٢١ / ١٢١١ ، المعونة ٢ : ١٢٠٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٢ / ١٠٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.

(١) أي : غير خائنٍ في العارية ، والإغلال : الخيانة. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٣٨١ « غلل ».

(٢) سنن الدارقطني ٣ : ٤١ / ١٦٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٩١ ، المغني ٥ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٢ / ٧٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤١.

(٤) الفقيه ٣ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٨٧٥ ، التهذيب ٧ : ١٨٢ / ٧٩٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٥) تقدّم تخريجه في الهامش (١) من ص ٢٣٣.

(٦) النساء : ٥٨.

٢٧٣

وقال الشافعي : العارية مضمونة بكلّ حال - وإليه ذهب عطاء وأحمد وإسحاق ، ورواه العامّة عن ابن عباس وأبي هريرة - لما روي في حديث صفوان بن أُميّة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استعار منه يوم خيبر(١) أدرعاً ، فقال : أغصباً يا محمّد؟ قال : « بل عارية مضمونة مؤدّاة »(٢) .

وعن سمرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه »(٣) .

ولأنّه أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفرداً بنفعه من غير استحقاقٍ ولا إذنٍ في الإتلاف ، فكان مضموناً ، كالغاصب ، والمأخوذ على وجه السوم(٤) .

والجواب : إنّا نقول بموجب الحديث ، فإنّ الـمُعير إذا شرط على الـمُستعير الضمانَ لزمه.

وكذا نقول بموجب الثاني ، فإنّه يجب على الـمُستعير أداء العين إلى‌

____________________

(١) راجع التعليقة (٣) من ص ٢٣٣.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٣٣ ، الهامش (٥)

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٧١ ، الهامش (٢)

(٤) الأُم ٣ : ٢٤٤ ، مختصر المزني : ١١٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧١ / ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٠ ، بحر المذهب ٩ : ٦ ، الوسيط ٣ : ٣٦٩ - ٣٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٦ - ٧٧ ، المغني ٥ : ٣٥٥ - ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٥ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١٣ - ٢١٤ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ١٨٠ / ١٤٧٩٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٨٥ و ١٨٦ / ١٨٧٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٢ / ١٠٦١ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٢٢ / ١٢١١ ، المعونة ٢ : ١٢٠٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢٠ ، النتف ٢ : ٥٨٣.

٢٧٤

مالكها ، والضمير عائد إلى المأخوذ ، لا إلى القيمة مع التلف.

والقياس على الغاصب غلط ؛ لأنّه ظالم ، فلا يناسب الاستئمان.

والمأخوذ بالسوم إنّما دفعه المالك طالباً للعوض ، بخلاف العارية.

مسألة ١١٢ : لو شرط الـمُعير الضمانَ على الـمُستعير ، لزمه الضمان مع التلف بغير تفريطٍ.

وإن لم يشترط ضمانها ، كانت أمانةً ، عند علمائنا ، وبه قال قتادة وعبيد الله بن الحسن العنبري(١) - وهذا أحد المواضع المستثناة - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه شرط لصفوان بن أُميّة الضمانَ(٢) .

ومن طريق الخاصّة : رواية صفوان ، وقد سلفت(٣) .

وفي الصحيح عن ابن مسكان عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قال : « لا تُضمن العارية إلّا أن يكون اشترط فيها ضماناً ، إلّا الدنانير فإنّها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمان »(٤) .

وفي الحسن عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال : « إذا هلكت العارية عند الـمُستعير لم يضمنه إلّا أن يكون قد اشترط عليه »(٥) .

ولأنّ الحاجة تدعو إلى العارية وإلى الاحتياط في الأموال ، فلو‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧١ / ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٢ ، المحلّى ٩ : ١٧٠ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ١٨٠ / ١٤٧٩٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٢٢ / ١٢١١ ، المغني ٥ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٦.

(٢) راجع الهامش (٥) من ص ٢٣٣.

(٣) في ص ٢٣٣.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٤٤ ، الهامش (١)

(٥) التهذيب ٧ : ١٨٣ / ٨٠٥.

٢٧٥

لم يشرع الشرط لزم امتناع ذوي الأموال من إعارتها ، وذلك فساد وضرر وحرج وضيق.

ولقولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(١) ومَنْ أوجب الضمانَ من غير شرطٍ كان إيجابه معه أولى.

وقال أبو حنيفة : لا يضمن بالشرط كالوديعة(٢) .

والفرق : إنّ الوديعة أمانة لا تستعقب انتفاع الأمين بها ، فلا يليق فيها الضمان وإن شرطه ، بخلاف العارية.

وقال ربيعة : كلّ العواريّ مضمونة إلّا موت الحيوان ، وهو منقول ، عن مالك(٣) .

مسألة ١١٣ : لو شرطا في العارية سقوط الضمان سقط ؛ لأنّ العارية لا تستعقب الضمان عندنا ، فوجود الشرط كالعدم.

وروي عن أحمد - مع قوله بأنّ العارية مضمونة(٤) - سقوطه هنا ، وبه قال قتادة والعنبري ؛ لأنّه لو أذن له في إتلافها لم يجب ضمانها ، فكذا إذا أسقط عنه ضمانها(٥) .

وقال الشافعي وأحمد : لا يصحّ هذا الشرط ، ولا يسقط الضمان ؛ لأنّ‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٥٨ ، الهامش (٤)

(٢) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٣٨٤ - ٣٨٥.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧١ / ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٧ ، البيان ٦ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٢ / ١٠٦١ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٢٠ / ١٢١١.

(٤) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.

(٥) المغني ٥ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧١ / ٤٤١ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٧ ، البيان ٦ : ٤٥٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٢٢ / ١٢١١.

٢٧٦

كلّ عقدٍ اقتضى الضمانَ لم يغيّره الشرط ، كالمقبوض بالبيع الفاسد أو الصحيح ، وما اقتضى الأمانةَ فكذلك ، كالوديعة والشركة والمضاربة ، وفارق إذن الإتلاف ؛ فإنّ الإتلاف فعل يصحّ الإذن فيه ، ويسقط حكمه ؛ إذ لا ينعقد موجباً للضمان مع الإذن فيه ، وإسقاط الضمان هنا نفي الحكم مع وجود سببه ، وليس ذلك للمالك ، ولا يملك الإذن فيه(١) .

والجواب : المنع من قولهم : « كلّ عقدٍ اقتضى الضمانَ لم يغيّره الشرط » لأنّها قضيّة كلّيّة يكذّبها قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المسلمون عند شروطهم »(٢) وإسقاط الحكم بعد وجود سببه ممكن ؛ لأنّه لو أسقطه بعد وجوده أمكن ، كإسقاط الدَّيْن الثابت في الذمّة ، فإسقاطه بعد سببه أولى.

تذنيب : لو شرط سقوط الضمان في العارية المضمونة ، كالذهب والفضّة وغيرهما‌ ممّا يجب فيه الضمان على مذهبنا ، فالأولى السقوط ؛ عملاً بالشرط ، وقد سبق.

وكذا لو شرط الضمان في العارية صحّ ، فإذا أسقطه بعد ذلك سقط.

مسألة ١١٤ : إذا استعار العين من غير مالكها ، ضمن بالقبض‌ ، سواء فرّط فيها وتعدّى أو لا ، وسواء شرط الـمُعير الضمانَ أو لا ، وسواء كانت يد الـمُعير يدَ أمانةٍ أو يد ضمانٍ ؛ لأنّه استولى باليد على مال الغير بغير إذنه ، فكان عليه الضمان.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادق والكاظمعليهما‌السلام أنّهما قالا : « إذا‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧ ، المغني ٥ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٦.

(٢) راجع الهامش (٤) من ص ٢٥٨.

٢٧٧

استُعيرت عارية بغير إذن صاحبها فهلكت فالـمُستعير ضامن »(١) .

مسألة ١١٥ : العارية تُضمن في مواضع :

أ : إذا كانت العارية الدراهم والدنانير وإن لم يشترط الضمان ، وقد سلف(٢) .

وهل يدخل المصوغ منهما؟ فيه إشكال ينشأ : من التنصيص على الدراهم والدنانير في بعض الروايات(٣) ، ومن ورود الذهب والفضّة في بعض الروايات ، ففي رواية زرارة عن الصادقعليه‌السلام قال : « جميع ما استعرته فتَوى فلا يلزمك تَواه إلّا الذهب والفضّة فإنّهما يلزمان »(٤) .

ب : العارية من غير المالك‌.

ج : عارية الـمُحْرم الصيدَ مضمونةٌ عليه‌ ؛ لأنّ إمساكه عليه حرام ، فيكون متعدّياً فيكون ضامناً.

ولا فرق بين أن يكون الـمُستعير الـمُحْرم في الحلّ أو في الحرم.

وكذا لو استعار الـمُحلّ صيداً في الحرم ضمنه ؛ لأنّه ممنوع منه ، فكان متعدّياً باستيلاء يده عليه.

د : إذا تعدّى الـمُستعير أو فرّط في العارية ضمن‌ ، وهو ظاهرٌ ، ومن جملته ما لو منعها عن المالك بعد طلبه لها متمكّناً من ردّها إليه.

وأمّا ولد العارية - التي اشترط فيها الضمان عندنا ، ومطلقاً عند‌ القائلين بالتضمين - إذا تجدّد بعد الإعارة ، فإنّه أمانة لا يجب ضمانه على

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٣ - ١٨٤ / ٧٠٧ ، الاستبصار ٣ : ١٢٥ / ٤٤٦.

(٢) في ص ٢٤٣ ، المسألة ٨٧.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ و ١٨٤ / ٨٠٤ و ٨٠٨ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٤٨.

(٤) تقدّم تخريجها في ص ٢٤٤ ، الهامش (٣)

٢٧٨

الـمُستعير ؛ لأنّه لم يدخل في الإعارة ، فلم يدخل في الضمان ، ولا فائدة للمُستعير فيه ، فأشبه الوديعة ، وأمّا إن كان عند المالك فكذلك عندنا ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

والرواية الأُخرى : إنّها تكون مضمونةً ؛ لأنّه ولد عينٍ مضمونة ، فيضمن ، كولد المغصوبة(١) .

والحكم في الأصل ممنوع ؛ فإنّ ولد المغصوبة لا يُضمن إذا لم يكن مغصوباً ، فكذا ولد العارية إذا لم يوجد مع أُمّه ، وإنّما يُضمن ولد المغصوبة إذا كان مغصوباً ، ولا أثر لكونه ولداً لها.

تذنيب : لو استعار من غير المالك عالماً كان أو جاهلاً بالملكيّة ، ضمن‌ ، واستقرّ الضمان عليه ؛ لأنّ التلف حصل في يده ، ولا يرجع على الـمُعير ، ولو رجع المالك على الـمُعير كان للمُعير الرجوعُ على الـمُستعير.

مسألة ١١٦ : إذا تلفت العين ووجب الضمان ، فإن كانت مثليّةً كانت مضمونةً بالمثل ، وإن لم تكن مثليّةً وجبت القيمة.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون قد استعملها الـمُستعير ، أو لا ، فإن كان قد استعملها وتلف بالاستعمال بعض أجزائها ، وجب عليه قيمة العين الناقصة ؛ لأنّ تلك الأجزاء مأذون في إتلافها ، فلا تكون مضمونةً ، إلّا أن يتعدّى فيتلف بعض الأجزاء بالتعدّي فيضمن ، بخلاف ما إذا لم يتعدّ ؛ لأنّ الإذن في الاستعمال تضمّنه ، ولو تلفت قبل الاستعمال وهي مضمونة أو أتلفها وجب عليه قيمة العين تامّةً.

لا يقال : إنّه مأذون له في إتلاف الأجزاء ، وإلّا سقط عنه ضمانها.

____________________

(١) المغني ٥ : ٣٥٧ و ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٨.

٢٧٩

لأنّا نقول : الأجزاء إنّما يسقط ضمانها إذا أتلفها مفردةً عن العين على وجه الاستعمال ، فأمّا إذا أتلفها بتلف العين فإنّه يضمنها ؛ لأنّه لا يمكن تميّزها من العين في الضمان.

مسألة ١١٧ : إذا استعمل العارية المضمونة فنقص بعض أجزائها‌ ثمّ تلفت وهي من ذوات القِيَم ، وجبت القيمة يوم التلف ؛ لأنّها لو كانت باقيةً في تلك الحال وردّها لم يجب عليه شي‌ء ، فإذا تلفت وجب مساويها في تلك الحال ، ولأنّ الأجزاء التي تلفت بالاستعمال تلفت غير مضمونةٍ ؛ لأنّه أذن في إتلافها بالاستعمال ، فلا يجوز تقويمها عليه ، وهو أحد أقوال الشافعي.

والثاني : إنّ عليه أقصى القِيَم من يوم القبض إلى حين التلف ؛ لأنّه لو تلف في حال زيادة القيمة لوجبت القيمة الزائدة ، فأشبه المغصوب.

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه يقتضي إيجاب ضمان الأجزاء التالفة بالاستعمال ، وهي غير مضمونةٍ.

والثالث : إنّه يجب عليه قيمتها يوم القبض ؛ تشبيهاً بالقرض(١) .

والقائل بالثاني يمنع من كون الأجزاء غير مضمونةٍ على الإطلاق ، ويقول : إنّما لا يضمن إذا ردّ العين(٢) .

واعلم أنّه فرقٌ بين المغصوب والمستعار ؛ لأنّ المغصوب يجب ردّه في كلّ حالٍ ، منهيّ عن الإمساك في كلّ وقتٍ ، فلهذا ضمن بأعلى القِيَم ، وأمّا الـمُستعير فإنّ الردّ لا يجب عليه حالة الزيادة ، فافترقا.

ويُبنى على هذا الخلاف أنّ الجارية المستعارة مع الضمان إذا ولدت‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧.

٢٨٠