تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392
المشاهدات: 79950
تحميل: 3425


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79950 / تحميل: 3425
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 16

مؤلف:
ISBN: 964-319-437-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تَذْكِرَةُ الْفُقَهاء

الجزء السّادس عشر

تأليْفُ : العَلّامِةَ الحِليْ

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

المقصد الثامن : في الصلح‌

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : في ماهيّته وأركانه‌

وفيه بحثان :

البحث الأوّل : في ماهيّته.

الصلح عقد شُرّع لقطع التنازع بين المتخاصمين.

وهو عقد سائغ بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى :( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (١) وقال تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) (٢) .

ومن طريق العامّة : عن أبي هريرة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً »(٣) .

وعن عبد الله بن كعب بن مالك أنّ كعب بن مالك أخبره أنّه تقاضى ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَيْناً كان له - على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - في المسجد ،

____________________

(١) النساء : ١٢٨.

(٢) الحجرات : ٩.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٣٠٤ / ٣٥٩٤ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ : ٢٧٥ / ٥٠٦٩ ، موارد الظمآن : ٢٩١ / ١١٩٩.

٦

فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في بيته ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إليهما حتى كشف سجف(١) حجرته ونادى : « يا كعب » قال : لبّيك يا رسول الله ، فأشار بيده أنْ ضَعِ الشطرَ من دَيْنك ، قال كعب : قد فعلتُ يا رسول الله ، قال : « قُمْ فاقبضه »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حفص بن البختري - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « الصلح جائز بين الناس »(٣) .

وفي الصحيح عن الباقر والصادقعليهما‌السلام أنّهما قالا في رجلين كان لكلّ واحدٍ منهما طعام عند صاحبه لا يدري كلّ واحدٍ منهما كم له عند صاحبه ، فقال كلّ واحدٍ منهما لصاحبه : لك ما عندك ولي ما عندي ، فقال : « لا بأس بذلك »(٤) .

وقد أجمعت الأُمّة على جواز الصلح في الجملة ، ولم يقع بين العلماء فيه خلاف.

مسألة ١٠٢٢ : الصلح عند علمائنا أجمع عقدٌ قائم بنفسه ليس فرعاً على غيره‌ ، بل هو أصل في نفسه منفرد بحكمه ، ولا يتبع غيره في الأحكام ؛ لعدم الدليل على تبعيّته على الغير ، والأصل في العقود الأصالة.

وقال الشافعي : إنّه ليس بأصلٍ ينفرد بحكمه ، وإنّما هو فرع على غيره. وقسّمه على خمسة أضرُب :

ضرب هو فرع البيع ، وهو أن يكون في يده عينٌ أو في ذمّته دَيْنٌ‌

____________________

(١) السجْف : الستر. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٣٤٣ « سجف ».

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٢٤٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٩٢ / ١٥٥٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٣ - ٦٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٩ : ٦٧ - ٦٨ / ١٢٨.

(٣) الكافي ٥ : ٢٥٩ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٧٩.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧٠.

٧

فيدّعيها إنسان فيُقرّ له بها ثمّ يصالحه على ما يتّفقان عليه ، وهو جائز فرع على البيع ، بل هو بيع عنده تتعلّق به أحكامه.

وضرب هو فرع الإبراء والحطيطة ، وهو أن يكون له في ذمّته دَيْنٌ فيُقرّ له به ثمّ يصالحه على أن يسقط بعضه ويدفع إليه بعضه ، وهو جائز ، وهو فرع الإبراء.

وضرب هو فرع الإجارة ، وهو أن يكون له عنده دَيْنٌ أو عينٌ فيصالحه من ذلك على خدمة عبدٍ أو سكنى دارٍ مدّةً ، فيجوز ذلك ، ويكون فرعَ الإجارة.

وضرب هو فرع الهبة ، وهو أن يدّعي عليه دارين أو عبدين وشبههما في يده ، فيُقرّ له بهما ، ويصالحه من ذلك على إحداهما ، فيكون هبةً للأُخرى.

وضرب هو فرع العارية ، وهو أن تكون في يده دار فيُقرّ له بها ، فيصالحه على سكناها شهراً ، وهو جائز ، ويكون ذلك عاريةً(١) .

وقال بعض الشافعيّة : الصلح فرعٌ للبيع والإبراء والهبة خاصّةً. ثمّ فسّر الإبراء والهبة بما ليس بصلحٍ ، فقال : إذا كان له في ذمّته ألف درهم فقال : قد أبرأتك من خمسمائة ، ويدفع إليه خمسمائة ، فإن كان بلفظ الصلح ، لم يصح. وكذا إذا قال : أبرأتك من خمسمائة على أن تعطيني خمسمائة ، فإنّه لا يجوز(٢) .

وقال بعضهم : يجوز بلفظ الصلح(٣) .

ثمّ قال القائل الأوّل : لو ادّعى عليه عينين فأقرّ له بهما فوهب له‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٢٢١ - ٢٢٤.

(٢ و ٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

٨

إحداهما وأخذ الأُخرى جاز ، ولا يجوز بلفظ الصلح أو بالشرط ؛ لأنّ لفظ الصلح يقتضي المعاوضة ، فأمّا إذا صالحه على بعض الدَّيْن ، كان كأنّه قد باع ألفاً بخمسمائة ، وهو حرام(١) .

وأمّا في الهبة فإذا كان بلفظ الصلح ، فكأنّه قد باع ماله بماله ، فلهذا لم يجز.

والمشهور عندهم : الجواز(٢) ؛ لأنّ لفظ الصلح إذا ذكر فيما كان معاوضةً اقتضى ذلك أن يكون معاوضةً ، فأمّا أن يكون لفظه يقتضيه فليس بصحيحٍ ؛ لأنّ الصلح إنّما معناه الاتّفاق والرضا ، والاتّفاق قد يحصل على المعاوضة وعلى غيرها ، كما أنّ لفظ التمليك إذا كان فيما طريقه المعاوضة - مثل : أن يقول : ملّكتك هذا بهذا - فإنّه يكون بيعاً ، فإذا قال : ملّكتك هذا ، كان هبةً حيث تجرّد عن العوض ، كذا هنا أيضاً.

وعلى القول الثاني يخرج قائله من أن يكون صلحاً ، ولا يبقى له ثَمَّ تعلّقٌ ؛ لأنّه إذا ادّعى عليه شيئاً ، فأقرّ به وأبرأه من بعضه وأخذ بعضه بغير لفظ الصلح ، فذلك براءة وقبض دَيْنه ، ولو أبرأه من جميعه لم يُسمّ صلحاً ، ولو قبض جميعه فكذلك ، فأمّا إذا كان بلفظ الصلح سُمّي بذلك ؛ لوجود لفظه وإن لم يوجد معناه ، كما تُسمّى الهبة المشروطة بالثواب هبةً ؛ لوجود لفظها وإن لم يوجد في ذلك معناها ، وهذا خلاف ما تقدّم ؛ لأنّه معاوضة إجماعاً.

فأمّا إذا قال : أبرأتك من خمسمائة على أن تعطيني خمسمائة فإنّ الشافعيّة منعوا منه ؛ لأنّ هذا الاشتراط يجعله بحكم العوض عن المتنازع‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) راجع الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٨ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٣ ، والبيان ٦ : ٢٢٤.

٩

وذلك لا يجوز(١) .

وإذا ورث رجلان من أبيهما أو أخيهما فصالح أحدهما الآخَر على نصيبه ، كان ذلك صحيحاً عندنا مستقلّاً بنفسه.

وعندهم أنّه فرع البيع ، فإذا شاهدا التركة وعرفا المعوّض ، صحّ الصلح(٢) .

مسألة ١٠٢٣ : الصلح إمّا أن يجري بين المتداعيين ، أو بين المدّعي وبين أجنبيٍّ‌. والأوّل قسمان : أحدهما : ما يجري على الإقرار عند الشافعيّة(٣) ، وهو نوعان :

أحدهما : الصلح عن العين.

والثاني : الصلح عن الدَّيْن.

النوع الأوّل : الصلح عن العين.

وهو قسمان : صلح معاوضةٍ ، وصلح حطيطةٍ.

أمّا صلح المعاوضة فهو الذي يجري على العين المدّعاة ، كما لو ادّعى داراً فأقرّ له المتشبّث بها ، وصالحه منها على عبدٍ أو ثوبٍ. وحكمه حكم البيع عند الشافعي(٤) وإن عقد بلفظ الصلح ، وتتعلّق به جميع أحكام البيع ، كالردّ بالعيب ، والشفعة ، والمنع من التصرّف قبل القبض ، واشتراط‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٠ ، البيان ٦ : ٢٢٢.

(٢) البيان ٦ : ٢٢٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٧.

(٤) مختصر المزني : ١٠٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤١ ، البيان ٦ : ٢٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٨ ، منهاج الطالبين : ١٢٥.

١٠

القبض إن كان المصالَح عنه والمصالَح عليه متوافقين في علّة الربا ، واشتراط التساوي في الكيل والوزن إن اتّحد جنسهما من أموال الربا ، وجريان التحالف عند الاختلاف ، وفساد العقد بالغرر والجهل.

هذا إذا صالح منها على عينٍ أُخرى ، وإن صالح منها على منفعة دارٍ أُخرى أو خدمة عبدٍ سنةً جاز ، وكان إجارةً ، فتثبت فيه أحكامها.

وأمّا صلح الحطيطة ، وهو الجاري على بعض العين المدّعاة ، كما لو صالح من الدار المدّعاة على نصفها أو ثلثها ، فإنّه هبة بعض المدّعى ممّن هو في يده ، فيشترط القبول ومضيّ إمكان القبض ، ويصحّ بلفظ الهبة - إجماعاً - وما في معناها.

وفي صحّتها بلفظ الصلح وجهان عندهم :

أحدهما : المنع ؛ لأنّ الصلح يتضمّن المعاوضة ، ولا يقابل الإنسان ملك نفسه ببعضه.

وأظهرهما عندهم : الصحّة ؛ لأنّ الخاصّيّة التي يفتقر إليها لفظ الصلح - وهو سبق الخصومة - قد حصلت(١) .

مسألة ١٠٢٤ : لو صالحه من أرش الموضحة - مثلاً - على شي‌ءٍ معلوم ، جاز إذا علما قدر أرشها‌ ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولو باعه ، لم يجز عند بعض الشافعيّة(٣) .

وخالفه معظم الشافعيّة في افتراق اللفظين.

وقالوا : إن كان الأرش مجهولاً - كالحكومة التي لم تُقدَّر ولم تُضبط - لم يجز الصلح عنه ولا بيعه.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٨.

١١

وإن كان معلومَ القدر والصفة - كالدراهم والدنانير إذا ضُبطت في الحكومة - جاز الصلح عنها ، وجاز بيعها ممّن عليه.

وإن كان معلومَ القدر دون الصفة على الحدّ المعتبر في السَّلَم كالإبل الواجبة في الدية ، ففي جواز الاعتياض عنها بلفظ الصلح وبلفظ البيع جميعاً للشافعيّة قولان :

أحدهما : الصحّة ، كما لو اشترى عيناً ولا يعرف صفاتها.

وأظهرهما عندهم : المنع ، كما لو أسلم في شي‌ءٍ غير موصوفٍ(١) .

هذا حكم الجراح الذي لا يوجب القود ، وإن أوجبه إمّا في النفس أو فيما دونها ، فالصلح عنها مبنيّ عندهم على الخلاف في أنّ مُوجَبَ العمد القصاصُ أو أحدُ الأمرين؟ وسيأتي إن شاء الله تعالى(٢) .

مسألة ١٠٢٥ : لا يشترط عندنا سبق الخصومة في الصلح‌ ؛ لأصالة الصحّة ، فلو كان لواحدٍ ملكٌ فقال له غيره : بِعْني ملكك بكذا ، فباعه ، صحّ البيع إجماعاً.

ولو قال له : صالحني عنه بألف ، ففَعَل ، صحّ عندنا ؛ لأنّ الصلح عقد مستقلّ بنفسه.

وهو أحد وجهي الشافعيّة ؛ لأنّ مثل هذا الصلح معاوضة ، ولا فرق بين أن يعقده بلفظ الصلح أو بلفظ البيع.

وأظهرهما عندهم : المنع ؛ لأنّ لفظ الصلح إنّما يُستعمل ويُطلق إذا سبقت الخصومة(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٩ - ٤٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٩.

١٢

وهو ممنوع ، ولا عبرة باللفظ.

هذا إذا أطلقا لفظ الصلح ولم ينويا شيئاً ، أمّا إذا استعملا ونويا البيع ، فإنّه يكون كنايةً قطعاً ، ويكون عند الشافعيّة مبنيّاً على الخلاف المشهور في انعقاد البيع بالكنايات(١) .

وعندنا الأصل عصمة مال الغير ، وعدم الانتقال عنه بالكناية.

مسألة ١٠٢٦ : لو صالح الإمام أهلَ الحرب من أموالهم على شي‌ءٍ يأخذه منهم ، جاز‌ ، ولا يقوم البيع مقامه ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

واعترض بعضهم : بأنّ هذا الصلح ليس عن أموالهم ، وإنّما يصالحهم ويأخذه منهم للكفّ عن دمائهم وأموالهم(٣) .

وهذا الكلام ساقط عندنا ؛ لأنّ الصلح عقد مستقلٌّ بنفسه على ما تقدّم(٤) .

النوع الثاني : الصلح عن الدَّيْن.

وهو قسمان :

صلح معاوضةٍ‌ ، وهو الجاري على ما يغاير الدَّيْن المدّعى ، كما لو صالحه على الدَّيْن الذي له عليه بعبدٍ أو ثوبٍ أو شبهه.

وهو صحيح عندنا مطلقاً ، سواء وقع الصلح على بعض أموال الربا الموافق في العلّة أو المخالف ، أو على غيره.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٧ - ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٩.

(٤) في ص ٦ ، المسألة ١٠٢٢.

١٣

ولا يشترط التقابض في المجلس. ولا يشترط تعيينه في عقد الصلح على أصحّ الوجهين عندهم(١) .

وإن لم يكن العوضان كذلك ، فإن كان العوض عيناً صحّ الصلح.

ولا يشترط قبضه في المجلس في أصحّ الوجهين عندهم(٢) ، لكن يشترط التعيين في المجلس ، ولا يشترط القبض بعد التعيين في أصحّ الوجهين(٣) .

وكلّ ذلك آتٍ في بيع الدَّيْن ممّن عليه الدَّيْن.

القسم الثاني : صلح الحطيطة‌ ، وهو الجاري على بعض الدَّيْن المدّعى ، وهو إبراء عن بعض الدَّيْن.

ثمّ لا يخلوإمّا أن يأتي بلفظ الإبراء أو ما يشبهه ، مثل أن يقول : أبرأتك عن خمسمائة من الألف الذي لي عليك وصالحتك على الباقي ، فإنّه يصحّ قطعاً ، ويكون إبراءً ، وتبرأ ذمّة المديون عمّا أبرأه منه.

وهل يشترط القبول؟ الأقرب عندي : عدم الاشتراط ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر بعيد مطّرد في كلّ إبراءٍ(٥) .

ولا يشترط قبض الباقي في المجلس.

وإمّا أن لا يأتي بلفظ الإبراء ، ويقتصر على لفظ الصلح ، فيقول : صالحتك عن الألف التي لي في ذمّتك على خمسمائة ، صحّ عندنا أيضاً.

وللشافعيّة وجهان كما تقدّم في صلح الحطيطة في العين.

والأصحّ عندهم : الصحّة(٦) .

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٠.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٠.

١٤

وهل يشترط القبول؟ إشكال ينشأ : من كونه عقداً مستقلّاً ، ومن كونه في معنى الإبراء.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين فيما إذا قال لمن له عليه الدَّيْن : وهبته منك.

والأظهر عندهم : الاشتراط ؛ لاقتضاء وضع اللفظ ذلك(١) .

ولو صالح منه على خمسمائة معيّنة ، فللشافعيّة الوجهان(٢) .

واختار الجويني هنا الفسادَ ؛ لأنّ تعيّن الخمسمائة يقتضي كونها عوضاً وكون العقد معاوضةً ، فيصير كأنّه قد باع الألف بنصفها ، وهو ربا(٣) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ الصلح على البعض المعيّن إبراءٌ للبعض واستيفاءٌ للباقي ، ولا يصحّ هذا الضرب بلفظ البيع ، كما في نظيره من الصلح على العين ؛ لأنّه ربا محقّق.

مسألة ١٠٢٧ : يصحّ الصلح على الأعيان المتماثلة جنساً ووصفاً‌ ، سواء كانت ربويّةً أو لا ، وسواء تفاوتت في المقدار أو الحلول أو التأجيل ، أو لا ، عندنا ؛ لما تقدّم(٤) من كون الصلح عقداً مستقلّاً بنفسه ليس يجب أن تتبعه لواحق البيع.

فلو كان له ألف مؤجَّلة على غيره ، فصالحه منها على ألفٍ حالّ ، أو بالعكس ، صحّ ؛ لما مهّدناه من القاعدة.

وقالت الشافعيّة : لو صالح عن ألفٍ حالّ على ألفٍ مؤجَّل ، أو من ألفٍ مؤجَّل على ألفٍ حالّ ، كان لغواً ؛ لأنّ الأوّل وَعْدٌ من صاحب الدَّيْن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٠.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١.

(٤) في ص ٦ ، المسألة ١٠٢٢.

١٥

بإلحاق الأجل ، والثاني وَعْدٌ من المديون بإسقاط الأجل ، والأجل لا يلحق ولا يسقط(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه مبنيّ على عدم استقلال عقد الصلح بنفسه.

أمّا لو عجّل المديون الدَّيْنَ المؤجَّل ودفعه إلى صاحبه ، لم يجب على المالك القبولُ ، فإن قَبِل ورضي بالدفع سقط الأجل إجماعاً ؛ لحصول الإيفاء والاستيفاء.

وكذا البحث في الصحيحة والمكسّرة.

ولو صالح عن ألفٍ مؤجَّل على خمسمائة حالّة ، صحّ عندنا ؛ عملاً بالأصل.

وبما رواه أبان بن عثمان عمّن حدّثه عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدَّيْن ، فيقول له قبل أن يحلّ الأجل : عجِّل لي النصفَ من حقّي على أن أضع عنك النصفَ ، أيحلّ ذلك لواحدٍ منهما؟ قال : « نعم »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام ، وعن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام أنّهما قالا في الرجل يكون عليه الدَّيْن إلى أجل مسمّى ، فيأتيه غريمه فيقول : أنقدني من الذي لي عليك كذا وأضع عنك بقيّته ، أو يقول : أنقدني بعضاً وأمدُّ لك في الأجل فيما بقي ، قال : « لا أرى به بأساً ما لم يزد على رأس ماله شيئاً ، يقول الله [ عزّ وجلّ ] :( فَلَكُمْ رُءوُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) (٣) »(٤) .

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٨ - ٢٥٩ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧٤.

(٣) البقرة : ٢٧٩.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٠٧ / ٤٧٥.

١٦

وقال الشافعي : لا يصحّ الصلح عن ألفٍ مؤجَّل بخمسمائة حالّة ؛ لأنّه نزل عن بعض المقدار لتحصيل الحلول في الباقي ، والصفة بانفرادها لا تُقابَل بالعوض ، ثمّ صفة الحلول لا تلتحق بالمال المؤجَّل ، فإذا لم يحصل ما نزل عن القدر لتحصيله لم يصح النزول(١) .

ونحن نمنع ذلك ؛ لعدم اتّحاد المالين بالشخص. ونمنع عدم التحاق صفة الحلول بالمال المؤجَّل في صورة النزاع ؛ لأنّ الصلح عقد أثره ذلك.

فروع :

أ - لو صالحه عن ألفٍ حالّ بألفين مؤجَّلة ، أو عن ألفٍ مؤجَّلة إلى سنةٍ بألفين مؤجَّلة إلى سنتين ، لم يجز‌ ؛ عملاً بحديث الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وقد سبق(٢) .

ب - لو صالح عن ألفٍ حالّ على خمسمائة مؤجَّلة ، جاز‌ ؛ لأنّه يتضمّن الإبراء ، ولزم الصلح والأجل ؛ عملاً بالشرط.

وقالت الشافعيّة : إنّ هذا الصلح ليس فيه [ شائبة ](٣) المعاوضة ، وإنّما هو مسامحة من وجهين : حطِّ بعض القدر ، وهو سائغ ، فيبرأ عن خمسمائة ، ووعدٍ بالأجل ، وهو غير لازمٍ ، فله أن يطالبه بالباقي الحالّ(٤) .

وقد بيّنّا فساده.

ج - لو صالحه عن الدراهم بالدنانير أو بالدراهم ، لم يكن ذلك صَرفاً‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٧٨ ، الوسيط ٤ : ٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١.

(٢) في ص ١٥.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « سابقة ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١.

١٧

عندنا ، فلا يشترط فيه ما يشترط في الصَّرف ، خلافاً للشافعي(١) .

البحث الثاني : في الأركان.

مسألة ١٠٢٨ : أركان الصلح أربعة : المتصالحان ، والمصالَح عليه ، والمصالَح عنه.

أمّا المتصالحان فيشترط فيهما الكماليّة بأن يكون كلّ واحدٍ منهما بالغاً عاقلاً رشيداً جائزَ التصرّف فيما وقع الصلح عليه إجماعاً.

وأمّا المصالَح عليه والمصالَح عنه فيشترط فيهما التملّك ، فلو تصالحا على خمر أو خنزير أو استرقاق حُرٍّ أو استباحة بُضْعٍ لم يقع ، ولم يفد العقد شيئاً ، بل يقع باطلاً بلا خلافٍ.

وكذا يبطل لو صالحه على مال غيره ؛ لعدم الملكيّة بالنسبة إليهما.

مسألة ١٠٢٩ : لا يشترط العلم بما يقع الصلح عنه لا قدراً ولا جنساً‌ ، بل يصحّ الصلح ، سواء علما قدر ما تنازعا عليه وجنسه أو جهلاه ، دَيْناً كان أو عيناً ، وسواء كان أرشاً أو غيره ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٢) - لعموم قوله تعالى :( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (٣) .

وعمومِ قولهعليه‌السلام : « الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحاً أحلّ حراماً‌

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٢٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٣ ، البيان ٦ : ٢٢٤.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٣ ، البيان ٦ : ٢٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٨ ، المغني ٥ : ٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٩.

(٣) النساء : ١٢٨.

١٨

أو حرّم حلالاً »(١) .

ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في رجلين اختصما في مواريث درست بينهما : « وتوخّيا ، وليحلّل أحدكما صاحبه » رواه العامّة(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حفص بن البختري - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « الصلح جائز بين الناس »(٣) .

وقول الباقر والصادقعليهما‌السلام في رجلين كان لكلّ واحدٍ منهما طعام عند صاحبه لا يدري كلّ واحدٍ منهما كم له عند صاحبه ، فقال كلّ [ واحدٍ ] منهما لصاحبه : لك ما عندك ولي ما عندي : « لا بأس بذلك إذا تراضيا » وقد تقدّم(٤) .

ولأنّ مَنْ عليه حقٌّ يجهل قدره هو ومالكه ويريد إبراء ذمّته والخلاص من ذلك الحقّ الذي هو أمر مطلوب للعقلاء ، وجب أن يكون له طريق إلى ذلك ، ولا طريق إلّا الصلح ، فوجب أن يكون سائغاً ، وإلّا لزم الحرج والضيق في الأحكام ، وهو منفيّ شرعاً.

ولأنّ الصلح إسقاطٌ ، فيصحّ في المجهول ، كالطلاق.

ولأنّه إذا صحّ الصلح مع العلم وإمكان أداء الحقّ بعينه فلأن يصحّ مع الجهل أولى.

ولأنّه إذا كان معلوماً ، فلهما طريق إلى التخلّص وبراءة ذمّة أحدهما دون صاحبه بدون الصلح ، ومع الجهل لا يمكن ذلك ، فلو لم يجز الصلح‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في الهامش (٣) من ص ٥.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ٦٦ ، المغني ٥ : ٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٩.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٦ ، الهامش (٣)

(٤) في ص ٦ مع تخريجه في الهامش (٤)

١٩

أفضى إلى ضياع المال على تقدير أن يكون بينهما مال لا يعرف كلّ واحدٍ منهما قدر حقّه.

وقال الشافعي : لا يصحّ الصلح عن المجهول ، فلو ادّعى مالاً مجهولاً فأقرّ المدّعى عليه به وصالحه عليه ، لم يصح الصلح ؛ لأنّ ذلك نوع معاوضةٍ ، ولهذا تثبت في الشقص الشفعة فيه ، فلم يصح في المجهول ، كالبيع ، ولأنّ الـمُصالَح عليه يجب أن يكون معلوماً ، فكذا الـمُصالَح عنه قياساً(١) .

وهو ممنوع.

مسألة ١٠٣٠ : يشترط في صحّة الصلح الرضا من المتصالحين‌ ، فلا يقع مع الإكراه ، عند علمائنا كافّة ، كغيره من العقود ؛ لقوله تعالى :( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٢) .

ومن صُور الإكراه ما لو كان على غيره حقٌّ ماليّ ، فأنكره المديون ظاهراً ، فصالحه على بعضه أو على غيره توصّلاً إلى أخذ بعض حقّه ، لم يصح الصلح ، ولم يتمّ إبراء ذمّة المديون من الحقّ الذي عليه ، سواء عرف المالك قدر حقّه أو لا ، وسواء ابتدأ المالك بطلب الصلح عن حقّه المعلوم أو المجهول أو لا.

ولا يفيد مثل هذا الصلح ملكاً للآخَر ، إلّا أن يحصل الرضا الباطن.

وكذا لو كان عليه حقٌّ غير معلوم القدر للمالك ، فصالح المديون مالكه على شي‌ءٍ ، لم يكن إبراءً للمديون ، إلّا أن يُعلمه بقدره ويرضى‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٨ - ٣٦٩ ، التنبيه : ١٠٣ - ١٠٤ ، البيان ٦ : ٢٢٥ ، المغني ٥ : ٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٩.

(٢) النساء : ٢٩.

٢٠