الفضائل

الفضائل0%

الفضائل مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 206

الفضائل

مؤلف: لأبى الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن إسماعيل ابن أبي طالب القمّي
تصنيف:

الصفحات: 206
المشاهدات: 57625
تحميل: 5283

توضيحات:

الفضائل
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57625 / تحميل: 5283
الحجم الحجم الحجم
الفضائل

الفضائل

مؤلف:
العربية

كانت بينهما، ثمّ غابت النسوة فلم أرهن فقلت: في نفسي ليتني كنت أعرف ألامرأتين الأُخرين وكان عليّ (عليه السلام) أعلم بذلك فسألته عنهنّ فقال لي: (يا أبت، أمّا الأُولى فكانت أُمّي حواء وأمّا الثانية التي ضمختني بالطيب فكانت مريم ابنة عمران، وأمّا التي أدرجتني في الثوب فهي آسيه، وأمّا صاحبة الجونة فكانت أُمّ موسى (عليه السلام))، ثمّ قال عليّ (عليه السلام): (الحق بالمثرم يا أبا طالب، وبشّره واخبره بما رأيت فإنّك تجده في كهف كذا في موضع كذا وكذا)، فلمّا فرغ من المناظرة مع محمّد ابن أخي ومِن مناظرته عاد إلى طفوليّته الأُولى، فأنبئتك وأخبرتك ثمّ شرحت لك القصّة بأسرها بما عاينت يا مثرم.

قال أبو طالب: فلمّا سمع المثرم ذلك منّي بكى بكاءً شديداً في ذلك وفكّر ساعة ثمّ سكَن وتمطّى ثمّ غطّى رأسه وقال: بل غطّني بفضل مدرعتي، فغطّيته بفضل مدرعته فتمدّد فإذا هو ميّت كما كان فأقمت عنده ثلاثة أيّام أكلّمه فلم يجبني، فاستوحشت لذلك فخرجَت الحيتان وقالتا: الحق بوليّ الله فإنّك أحقّ بصيانته وكفالته من غيرك، فقلت لهما: من أنتما؟ قالتا: نحن عمله الصالح خلقنا الله عزّ وجل على الصورة التي ترى لنذب عنه الأذى ليلاً ونهاراً إلى يوم القيامة، فإذا قامت الساعة كانت إحدانا قائدته والأُخرى سائقته ودليلة إلى الجنّة.

ثمّ انصرف أبو طالب إلى مكّة، قال جابر بن عبد الله: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (شرحت لك ما سألتني ووجَب عليك له الحفظ فإنّ لعليّ عند الله مِن المنزلة الجليلة، والعطايا الجزيلة، ما لَم يُعطَ أحد من الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين، وحبّه واجب على كلّ مسلم؛ فإنّه قسيم الجنّة والنار ولا يجوز أحد على الصراط إلاّ ببراء‌ةٍ من أعداء عليّ (عليه السلام)). تم الخير والحمد الله ربّ العالمين.

٦١

خبَر عطرفة الجنّي

من دلائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ما رواه زادان، عن سلمان قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوماً جالساً بالأبطح، وعنده جماعة من أصحابه وهو مُقبِل علينا بالحديث إذ نظر إلى زوبعة وقد ارتفعت فأثارت الغبار، فما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أنْ وقَفت بحذاء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وفيها شخصٌ فقال: يا رسول الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، اعلم إنّي وافدُ قومي وقد استجرنا بك فأجرنا وابعث معي من قِبلك مَن يُشرف على قومنا فإنّ بعضهم قد بغى على بعض؛ ليحكم بيننا وبينهم بحكم الله تعالى وكتابه، وخُذ على العهود والمواثيق المؤكّدة لأردّه إليك سالماً في غداة غد، إلاّ أنْ يحدث علَيّ حادث من عند الله فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (مَن أنت وقومك؟).

قال: أنا عطرفة بن شمراخ أحد بني كاخ، أنا وجماعة من أهلي كنّا نسترق السمع، فلمّا مُنعنا من ذلك آمنّا ولمّا بعثك الله نبيّاً آمنّا بك وصدّقناك، وقد خالفنا بعض القوم وأقاموا على ما كانوا عليه فوقَع بينا وبينهم الخلاف، وهم أكثر منّا عدداً وأشّد قوّةً وقد غلبوا على الماء والمرعى وأضرّوا بنا وبدوابّنا، فابعث إليهم معي مَن يحكم بيننا بالحق، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) اكشف لنا عن وجهك حتى نراك على هيئتك التي أنت عليها، فكشف لنا عن صورته فنظرنا إلى شيخ عليه شعرٌ كثير ورأسه طويل، وهو طويل العينين وعيناه في طول رأسه، مغيّر الحدَقَتين وله أسنان كأسنان السباع، ثمّ إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أخذ عليه العهود والميثاق على أنْ يردّ عليه مَن يبعث في غداة غد، فلمّا فرِغ من كلامه التفت النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى أبي بكر وقال: (مَن يمضي منكم مع أخينا عطرفة لينظر

٦٢

ما هُم عليه وليحكم بالحق بينهم) قال: وأين هم؟ فقال: (هم تحت الأرض)، فقال: كيف نطبق النزول إلى الأرض وكيف نحكم بينهم ولا نُحسِن كلامهم؟ فلم يرد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) جواباً ثمّ التفت إلى عمر بن الخطّاب فقال له مثل قوله لأبي بكر، فأجاب مثل جواب أبي بكر، ثمّ أقبل على عثمان فقال له مثل قوله لهما فأجابه كجوابهما، ثمّ استدعى بعلي (عليه السلام) وقال له: (يا علي، امضِ مع أخينا عطرفة وأشرف على قومه وانظر ما هم عليه، واحكم بينهم بالحق)، فقام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: (السمع والطاعة) ثمّ تقلّد سيفه.

قال سلمان: فتبعته إلى أنْ صار بالوادي فلمّا توسّطه نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال لي: (شكر الله سعيك يا أبا عبد الله، فارجع)، فرجعت ووقفت أنظر إليه ممّا يقع منه فانشقّت الأرض فدخل فيها وعادت إلى ما كانت فدخَلَني من الحسرة ما الله أعلم به، كل ذلك إشفاقا على أمير المؤمنين فأصبَح النبيّ وصلّى بالناس صلاة الغداة، ثم جلَس على الصفا وحفّ به أصحابه فتأخّر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن وقت ميعاده، حتى ارتفع النهار وأكثر الناس الكلام فيه إلى أنْ زالت الشمس وقالوا: إنّ الجنّ واحتالوا على النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقد أراحنا الله تعالى من أبي تراب وذهَب افتخاره بابن عمّه عليّاً وظهَرَت شماتة المنافقين، وأكثروا الكلام إلى أنْ صلّى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) صلاة الظهر والعصر وعاد إلى مكانه، واظهر الناس الكلام وأيسوا من أمير المؤمنين (عليه السلام) وكادت الشمس تغرب فأيقَن القوم أنّه ملَك وظهَر نفاقهم، إذ قد انشقّ الصفا وطلَع أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيفه يقطرُ دماً ومعه عطرفة فقام النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقبّل بين عينيه وجبينه وقال له (ما الذي حبَسَك عنّي إلى هذا الوقت؟)، فقال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): (سرت إلى خلقٍ كثير قد بغوا على عطرفة وعلى قومه، فدعوتهم إلى ثلاثِ خصال فأبَوا علَيّ ذلك أنّي دعوتهم إلى شهادة أنْ لا إله الله والإقرار بكَ فأبَوا ذلك منّي، دعوتهم إلى أداء الجزية فأبَوا فسألتهم أنْ يصلحوا مع عطرفة وقومه لتكون المراعي والمياه يوماً لعطرفة ويوما لهم فأبَوا ذلك

٦٣

فوضعت سيفي فيهم فقتلت منهم زهاء ثمانين ألف فارس، فلمّا نظروا إلى ما حلّ بهم منّي صاحوا الأمان الأمان، فقلت: لا أمان لكم إلاّ بالإيمان فآمنوا بالله وبك، ثمّ أصلحت بينهم وبين عطرفة وقومه فصاروا إخواناً وزال من بينهم الخلاف وما زلت معهم إلى هذه الساعة)، فقال عطرفة: جزاك الله خيراً يا رسول الله، عن الإسلام وجزى ابن عمّك عليّاً منّا خيراً، ثمّ انصرف عطرفة إلى حيث شاء.

٦٤

ذكر عمر لمعاجز الأمير

(خبَر آخر) : روي عن الصادق (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) بلغه عن عمر بن الخطّاب شيء، فأرسل إليه سلمان (رضيَ الله عنه) وقال: (قل له: قد بلغني عنك كيت وكيت وكرهت أعتب عليك في وجهك، فينبغي أنْ لا تذكر فيّ إلاّ الحق، فقد أغضيت على القذى حتى يبلغ الكتاب أجله)، فنهض سلمان (رضيَ الله عنه) وبلّغه ذلك وعاتبه وذكَر مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) وذكر فضائله وبراهينه فقال عمر: عندي الكثير من فضائل عليّ (عليه السلام) ولست منكرٌ فضله إلاّ أنّه يتنفّس الصعداء ويبغض البغضاء، فقال سلمان (رضيَ الله عنه): حدّثني بشيءٍ ممّا رأيته منه، فقال عمر: نعم يا أبا عبد الله خلَوت به ذات يوم في شيءٍ من أمر الخُمس فقطَع حديثي وقام من عندي وقال: (مكانك حتى أعود إليك، فقد عرَضَت لي حاجة)، فما كان بأسرع من أنْ رجع علَيّ ثانية وعلى ثيابه وعمامته غبارٌ كثير فقلت له ما شأنك؟ فقال: (أقبل نفرٌ من الملائكة وفيهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يريدون مدينةً بالمشرِق يقال لها صيحون، فخرجت لأُسلّم عليه وهذه الغُبرة ركبتني من سرعة المشي)، قال عمر: فضحكت متعجّباً حتى استلقيت على قفاي وقلت له: النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قد مات وبلى وتزعم أنّك لقيته الساعة وسلّمت عليه، فهذا من العجائب ممّا لا يكون، فغضب عليّ (عليه السلام) ونظَر إليّ وقال: (أتكذّبني يا ابن الخطّاب؟) فقلت: لا تغضب وعُد إلى ما كنّا فيه فإنّ هذا ممّا لا يكون أبداً، قال: (فإنْ أنت رأيته حتى لا تنكر منه شيئاً استغفرت الله ممّا قلت وأضمرت، وأحدثت توبةً ممّا أنتَ عليه، وتركت لي حقّاً)، فقلت، نعم.

فقال: (قم) فقمتُ معه فخرجنا إلى طرف المدينة وقال: (أغمض عينيك) فغمضتها

٦٥

فمسحها بيده ثلاث مرّات ثمّ قال لي: (افتحهما) فقتحتهما فنظرت فإذا أنا برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه رجلٌ من الملائكة لم أنكر منه شيئا، فبقيت والله متحيّراً انظر إليه فلمّا أطلت النظر قال لي: (هل رأيته؟) فقلت: نعم قال (أغمض عينيك) فغمضتها ثمّ قال: (افتحهما) ففتحتهما فإذا لا عين ولا أثر فقلت له: هل رأيت من عليّ (عليه السلام) غير ذلك قال: نعم لا اكتم عنك خصوصاً أنّه استقبلني يوماً وأخذ بيدي ومضى بي إلى الجبانة، وكنّا نتحدّث في الطريق وكان بيده قوس، فلمّا صرنا في الجبانة رمى بقوسه من يده فصار ثعباناً عظيماً مثل ثعبان موسى (عليه السلام)، فتح فاه وأقبل نحوي ليبتلعني فلمّا رأيت ذلك طار قلبي من الخوف، وتنحّيت وضحكت في وجه عليّ (عليه السلام) وقلت له: الأمان يا عليّ ابن أبي طالب، اذكر ما كان بيني وبينك من الجميل، فلمّا سمِع هذا القول استفرغ ضاحكاً وقال:

(لطَفت في الكلام فإنّا أهلُ بيتٍ نشكُر القليل)، فضرب بيده إلى الثعبان وأخذه بيده وإذا هو قوسه الذي كان بيده، ثمّ قال عمر: يا سلمان، إنّي كتمت ذلك عن كل أحد وأخبرتك به، يا أبا عبد الله فإنّهم أهل بيتٍ يتوارثون هذه الأُعجوبة كابراً عن كابر، ولقد كان إبراهيم يأتي بمثل ذلك وكان أبو طالب و عبد الله يأتيان بمثل ذلك في الجاهلية، وأنا لا أنكر فضل عليّ (عليه السلام) وسابقه ونجدته وكثرة عِلمه، فارجع إليه واعتذر عنّي إليه واثنِ عنّي عليه بالجميل.

(خبر آخر) : روي أنّ امرأةً تركَت طفلاً ابن ستّة أشهر على سطح، فمشى الصبيّ يحبو حتى خرَج من السطح وجلَس على رأس الميزاب فجاء‌ت أُمّه على السطح فما قدرت عليه فجاؤوا بسلّم ووضعوه على الجدار فما قدروا على الطفل من أجل طول الميزاب وبعده عن السطح، والأُمّ تصيح وأهل الصبيّ كلّهم يبكون، وكان في أيّام عمر بن الخطّاب فجاؤا إليه فحضَر مع القوم فتحيّروا فيه وقالوا: ما لهذا إلاّ عليّ بن أبي طالب فحضر عليّ (عليه السلام) فصاحت أُمّ الصبيّ في وجهه فنظر أمير المؤمنين إلى الصبي فتكلّم الصبيّ

٦٦

بكلامٍ لا يعرفه أحد فقال (عليه السلام): (احضروا هاهنا طفلاً مثله)، فأحضروه فنظَر بعضهما إلى بعض وتكلّم الطفلان بكلامِ الأطفال فخرج الطفل من الميزاب إلى السطح، فوقع فرح في المدينة لم يُرَ مثله، ثمّ سألوا أمير المؤمنين (عليه السلام) عن كلامهما فقال: (أمّا خطاب الطفل الأوّل فإنّه سلّم عليّ بإمرة المؤمنين فرددت عليه، وأمّا ما أردت خطابه لأنّه لم يبلغ حدّ الخطاب والتكليف فأمرت بإحضار طفلٍ مثله حتى يقول له بلسان الأطفال: يا أخي ارجع إلى السطح ولا تحرق قلب أُمّك وأبيك وعشيرتك بموتك، فقال: دعني يا أخي قبل أن أبلغ فيستولي علَيّ الشيطان، فقال: ارجع إلى السطح فعسى أنْ تبلغ ويجيء من صلبك ولدٌ يحبّ الله ورسوله ويوالي هذا الرجل)، فرجع إلى السطح بكرامة الله تعالى على يد أمير المؤمنين (عليه السلام).

(خبر آخر): روي أنّ امرأتين جاءتا إلى عُمر بن الخطّاب ومعهما صبيّ صغير، فادّعت كلّ واحدة منهما أنّ الولد ولدها، ولم يكن لواحدة منهما بيّنة فتحيّر في ذلك عمر بن الخطّاب،وقال: ما لهذا إلاّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فأُحضَر (عليه السلام) فقصّوا عليه القصّة فأشار إلى قنبر فقال: (سلّ سيفك واقسم الصبيّ بنصفين متساويين، واعط كلّ واحدةٍ منهما نصفَه)، فبكَت الأُم وقالت: لا تقتله فإنّي رضيت بأنْ يكون لها جميعاً وسكتت الأُخرى فأمَر صلوات الله عليه بردّ الصبيّ إلى أُمّه.

(خبر آخر): روى عمّار بن ياسر (رضي الله) قال: كنت بين يدَي مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإذا بصوتٍ عظيم قد أخذ بمجامع الكوفة، فقال عليّ (عليه السلام): (اخرج يا عمّار وآتني بذي الفقار البتّار للأعمار)، فجئت به إليه فقال: (اخرج وامنع الرجل عن ظلامة المرأة، فإنْ انتهى وإلاّ منعته بذي الفقار)، قال عمّار فخرجت فإذا أنا برجلٍ وامرأة وقد تعلّق الرجل بزمام جملِها والمرأة تقول: إنّ الجمَلَ جملي والرجل يقول: الجملُ جملي، فقلت له: إنّ أمير المؤمنين ينهاك عن ظلم المرأة فقال: يشتغل عليّ (بشغله) ويغسل

٦٧

يده من دماء المسلمين الذين قتلهم بالبصرة، يريد أنْ يأخذ جمَلي ويدفعه إلى هذه المرأة الكاذبة، فقال عمّار (رضي الله عنه): فرجعت لأخبر مولاي وإذا به قد خرَج ولاح الغضَب في وجهه، فقال له: (يا ويلَك، خلّ جمَل هذه المرأة)، فقال: هو لي، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (كذبت يالعين) قال: فمن يشهد للمرأة يا عليّ؟ فقال: (الشاهد الذي لا يكذبه أحد من أهل الكوفة)، فقال الرجل إذا شهد شاهد وكان صادقاً سلّمته المرأة فقال عليّ (عليه السلام):

(تكلّم أيّها الجمَل لمَن أنت؟) فقال الجمل بلسان فصيح: يا أمير المؤمنين، عليك السلام أنا لهذه المرأة منذ تسع عشرة سنة، فقال (عليه السلام): (خذي جمَلِك وعارَض الرجل بضربة قسمه نصفين).

(خبر آخر): قال بعض الثقاة اجتمع أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في عام فتح مكّة فقالوا: يا رسول الله، إنّ من شأن الأنبياء إذا استقام أمرهم أنْ يدلّوا على وصيّ من بعدهم، فيقوم بأمرهم، فقال (صلّى الله عليه وآله): (إنّ الله تعالى قد وعدني أنْ يُبيّن لي هذه الليلة الوصيّ من بعدي، والخليفة الذي يقوم بأمري بآيةٍ من السماء)، فلمّا فرِغ الناس من صلاة العشاء الآخرة من تلك الليلة ودخل الناس البيوت وكانت ليلةً ظلماء لا قمر فيها، فإذا نجم قد نزل من السماء بدويٍّ عظيم وشعاعٍ هائل، حتى وقَف على ذروة حجرة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وصارت الحجرة كالنهار أضاءت الدور بشعاعه، ففزِع الناس وجاؤوا يهرعون إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقولون: إنّ الآية التي وعدتنا بها نزلَت وهو نجم قد نزَل على ذروة دار عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (فهو الخليفة من بعدي والقائم من بعدي والوصي من بعدي والولي بأمر الله تعالى، فأطيعوه ولا تخالفوه)، فخرجوا من عنده فقال الأول للثاني: ما يقول في ابن عمّه إلاّ بالهوى وقد ركبته الغواية فيه حتى لو أراد أنْ يجعله نبيّاّ من بعده لفعل، فأنزل تعالى: ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا

٦٨

يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) السورة.

وقال في ذلك العيوني:

من صاحب الدار التي انقض بها

نجم من الأفِق فلم أنكرتم

٦٩

شفاعة الأمير

(خبر آخر): روى الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه كان جالساً في الحرَم في مقام إبراهيم (عليه السلام) فجاء‌ه رجل شيخ كبير قد فنى عمره في المعصية فنظر إلى الصادق (عليه السلام)، فقال: نِعم الشفيع إلى الله للمذنبين، ثمّ أخذ بأستار الكعبة وأنشأ يقول:

بحق جلاء وجهك يا وليّ

بحقّ الهاشمي الأبطحي

بحق الذكر إذ يوحي إليه

بحقّ وصيّه البطَل الكمي

بحق أئمّة سلفوا جميعاً

على منهاج جدهم النبي

بحق القائم المهدي إلاّ

غفرت خطيئة العبد المتُسي

قال: فسمِع هاتفاً يقول: يا شيخ، كان ذنبك عظيماً ولكن غفرنا لك جميع ذنوبك لحرمة شفعائك، فلو سألتنا ذنوب أهل الأرض لغفرنا لهم، غير عاقر الناقة وقتلة الأنبياء والأئمّة الطاهرين.

(خبر آخر): معجزة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) روي أنّ جماعة من أصحاب رسول الله أتوه وقالوا: يا رسول الله، عليك السلام،إنّ الله اتخذ إبراهيم (عليه السلام) خليلاً وكلّم موسى تكليماً وكان عيسى (عليه السلام) يُحيي الموتى، فما صنَع ربّك بك فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (إنّ الله سُبحانه وتعالى إنْ كان اتخذ إبراهيم خليلاً فقد اتخذني حبيباً، وإنْ كان كلّم موسى من وراء حجاب فقد رأيت جلال ربّي وكلّمني مشافهةً، أي بغيرِ واسطة،، وإنْ كان عيسى يُحيي الموتى بإذن الله تعالى فإنْ شئتم أحييت لكم موتاكم بإذنه تعالى)، فقالوا: قد شئنا، فأرسَل معهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بعد أنْ ردّاه بردائه

٧٠

كان اسم الرداء المستجاب، وأخذ منطقته فشدّه بها وسطه، ثمّ أمرهم أنْ يسيروا مع عليّ (عليه السلام) إلى مقابر، فلمّا أتوا المقابر سلّم (عليه السلام) على أهل القبور ودعا وتكلّم بكلامٍ لا يفقهوه فاضطربت الأرض وارتجّت وقام الموتى وقالوا بأجمعهم: على رسول الله السلام، ثم ّعلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، داخلهم رعبٌ شديد فقالوا: حسبك يا أبا الحسَن أقلنا أقالك الله، فأمسك عن استمرار كلام ودعاء فرجعوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقالوا: يا رسول الله، أقلنا أقالك الله، فقال لهم: (إنّما رددتُم على الله، لا أقالكم الله يوم القيامة).

(خبر آخر): روي عن الإمام عليّ (عليه السلام)، أنّه كان يطلب قوماً من الخوارج فلمّا بلَغ الموضع المعروف اليوم بساباط، وكان هو ومَن تابعه من الخوارج منهم عبد الله بن وهَب بن عمرو بن جرموز، فلمّا أنْ وصل إلى الموضع المعروف بساباط ثوران أتاه رجلٌ من شيعته وقال: يا أمير المؤمنين أنا لك شيعة ومحب ولي أخ وكنت شفيقاً عليه فبعثه عمر في جنود سعد بن أبي وقّاص إلى قتال أهل المدائن فقُتِل هناك وكان من وقتِ مقتله إلى اليوم عدّة سنين كثيرة، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فما الذي تريد منه؟) قال: أُريد أنْ تُحييه لي.

قال عليّ (عليه السلام): (لا فائدة لك في حياته)، قال: لا بدّ من ذلك يا أمير المؤمنين، قال له: (إذا أبيت إلاّ ذلك فأرني قبره ومقتلَه)، فأراه إيّاه، فمدّ الرمح وهو راكب بغلته الشهباء فركز القبر بأسفل الرمح فخرَج رجلٌ أسمر طويل يتكلّم بالعُجمة فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (لم تتكلّم بالعجمة وأنت رجلٌ من العرَب؟)، فقال: (بلى ولكن بُغضك في قلبي ومحبّة أعدائك في قلبي، فانقلب لساني في النار)، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، ردّه من حيث جاء فلا حاجة لنا فيه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (ارجع)، فرجَع إلى القبر وانطبَق عليه أعاذنا الله من ذلك الحال، والحمد الله على ولاية عليّ (عليه السلام).

٧١

  خبر ردّ الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام)

وهو مشهور عند جميع الرواة قالوا: أنّه لما رجَع أمير المؤمنين (عليه السلام) من قتال أهل النهروان أخذ على النهروانات وأعمال العراق، ولم يكن يومئذ بني بيت ببغداد فلمّا وافى ناحية براثا صلّى بالناس الظهر فرحلوا ودخَل أرض بابل وقد وجبَت صلاة العصر فصاح الناس: يا أمير المؤمنين، هذا وقت العصر فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه أرض مخسوفٌ بها وقد خُسِف بها ثلاث مرّات ويُخشى عليها تمام الرابعة فلا يحلّ لنبيّ ولا لوصيّ أنْ يصلّي بها فمَن أراد منكم أنْ يُصلّي فليصل فقال المنافقون منهم: نعم هو لا يصلّي ويقتل مَن يصلّي يعنون بذلك أهل النهروان قال جويرية بن مهران العبدي فتبعته في مِئة فارس وقلت والله لا أُصلى أو يصلّي هو وإلاّ قلدنه صلاتي اليوم فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

  (اعملوا ما شئتم إنّه بما تعملون بصير)، فسارع إلى أنْ قطَع أرضَ بابل وقد تدلّت الشمس للغروب، ثمّ غابت واحمرّ الأُفُق قال: فالتفت إليّ وقال: (يا جويرية، هات الماء)، قال: فقدّمت إليه الإناء فتوضّأ ثمّ قال: (إذن يا جويرية)، فقلت: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ما وجَب وقت العشاء بعد قال (عليه السلام): (قم وأذّن للعصر)، فقلت في نفسي: كيف يقول أذّن للعصر وقد غربت الشمس؟ ولكنْ علَيّ الطاعة، فأذّنت فقال لي: (أقِم) ففعلت فبينما أنافي الإقامة إذ تحرّكت شفتاه بكلامٍ كأنّه منطق خطاطيف لا يُفقه، فرَجَعت الشمس بصريرٍ عظيم حتى وقَفَت في مركزها مِن العصر فقام (عليه السلام) وكبّر وصلّى وصلّينا ووراء‌ه، فلمّا فرِغَ من صلاته وقَعَت الشمس كأنّها سراجة في وسط ماء وغابَت اشتبكت النجوم وأزهرت، فالتفت إليّ وقال: (أذّن الآن للعشاء يا ضعيف اليقين).

قال: ورُدّت له (عليه السلام) في حياة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بمكّة، وقد كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قد غشيه الوحي فوضَع رأسه في حِجر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحضَر وقت العصر فلَم يبرح من مكانه وموضعه حتى غربت الشمس، فاستيقظ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقال: (اللهمّ إنّ عليّاً كان في طاعتك فرُدّ عليه الشمس ليصلّي العصر).

٧٢

فردّها الله عليه بيضاء نقيّة حتى صلّى ثمّ غابت وقال السيد الحميري في ذلك قصيدته المعروفة بالمذهّبة، ومنها:

خير البرية بعد أحمد مَن له

منّي الهوى والى بنيه تطربي

أمسى وأصبح معصماً منّي

له يهوى وحبل ولائه لم يقضبِ

رُدّت عليه الشمس لـمّا فاته

وقتُ الصلاة وقد دنَت للمغربِ

حتى تبلّج نورها في وقتها

للعصر ثمّ هوَت هوى الكواكب

وعليه قد حبست ببابل مرّة أُخرى

وما حسبت لخلقٍ معربِ

إلاّ ليوشع أوله ولحبسها

ولردّها تأويل أمرٍ معجبِ

خبر كلام الشمس معه (عليه السلام)

أبي ذرّ الغفاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): (إذا كان غد وقت طلوع الشمس سير إلى جبانة البقيع، وقف على نشزٍ من الأرض فإذا بزغَت الشمس سلّم عليها فإنّ الله تعالى أمرها أنْ تجيبك بما فيك)، فلمّا كان من الغد خرَج أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعه أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين والأنصار، حتى أتى البقيع ووقَف على نشزٍ من الأرض، فلمّا طلعت الشمس قال (عليه السلام): (السلام عليكِ يا خلق الله الجديد المطيع له)، فسمع دويّ من السماء وجوابٌ قائل يقول: (السلام عليك يا أوّل يا آخر، يا ظاهر يا باطن، يا مَن هو بكلّ شيءٍ عليم)، فسمِع الاثنان الأوّل والثاني والمهاجرين والأنصار كلام الشمس فصُعِقوا، ثمّ أفاقوا بعد ساعة وقد انصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذلك المكان، فقاموا وأتَوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع الجماعة، فقالوا: يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إنّا نقول إنّ عليّاً بشرٌ مثلنا والشمس تُخاطبه بما يُخاطِب به الباري نفسه، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (فما سمعتموه؟) قالوا سمِعنا الشمس تقول: السلام عليك يا أوّل قال: (قالت الصدق هو أوّل مَن آمَن بي)، فقالوا سمعناها تقول: يا آخر فقال: (قالت صدق هو آخر الناس عهداً بي يغسّلني ويكفّنني ويدخلني قبري)، فقالوا: سمعناها تقول يا ظاهر فقال: (قالت الصدق هو الذي أظهر علمي)، فقالوا: سمعناها تقول: يا باطن، فقال: (قالت الصدق

٧٣

هو الذي بطن سرّي كلّه)، فقالوا: سمعناها تقول: يا مَن هو بكلّ شيءٍ عليم فقال: (قالت الصدق هو أعلم بالحلال والحرام، والسُنُن والفرائض وما يشاكل على ذلك) فقاموا وقالوا: أوقعَنا محمّد في طخياء وخرجوا من باب المسجد فقال في ذلك أبو محمّد العوني (رضي الله عنه):

أمامي كليم الشمس راجع نورها  فهل لكليم الشمس في القوم من مثل

٧٤

معاجز أمير المؤمنين (عليه السلام)

(خبر الجام): روي أنّ جبرئيل (عليه السلام) نزَل على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بجامٍ من الجنّة، فيه فاكهة كثيرة فدَفَعه إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فسبّح الجام وكبّر وهلّل في يده، ثمّ دفعه إلى أبي بكر فسكت الجام ثمّ دفعه إلى عمر فسكَت الجام ثمّ دفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فسبّح الجام وكبّر وهلّل في يده، ثمّ قال الجام: إنّي أُمرت أنْ لا أتكلّم إلاّ في يد نبيّ أو وصيّ، ثمّ عرَج إلى السماء وهو يقول بلسان فصيح يسمعه كلُّ أحد: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .

(خبَر كلام الثعبان): روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه كان يخطِب يوم الجمعة على منبر الكوفة إذ سمِع وحاة عدوِ الرجال يتواقعون بعضهم على بعض، فقال لهم: (مالكم؟) قالوا: يا أمير المؤمنين، إنّ ثعباناً عظيماً قد دخَل من باب المسجد ونحن نفزع منه فنريد أنْ نقتله، فقال: (عليه السلام): (لا يقربنّه أحدٌ منكم أبداً وطرقوا له فإنّه رسول قد جاء في حاجة)، فطرقوا له فما زال يتخلّل الصفوف صفا بعد صف حتى صعد المنبر فوقع فمه في إذن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فنق نقيقاً وتطاول وأمير المؤمنين (عليه السلام) يحرّك رأسه ثمّ نقّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مثل نقيقه، ونزَل عن المنبَر فانساب بين الجماعة فالتفتوا فلَم يرَوه فقالوا: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) ما خبَر هذا الثعبان فقال (عليه السلام): (هذا درجان بن مالك خليفتي على المسلمين من الجن وذلك أنّهم اختلفوا في أشياء فأنفذوه إليّ وسألني عنها فأخبرته بجواب مسائله فرجع إلى قومه).

(خبر الجمجمة) : عن أبي الأحوص عن أبيه عن عمّار الساباطي قال:

٧٥

قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) المدائن فنزل بإيوان كسرى، وكان معه دلف بن مجير فلمّا صلّى قام وقال: دلف، قم معي، وكان معهم جماعة من أهل ساباط، فما زال يطوف منازل كسرى ويقول لدلف: (كان لكسرى في هذا المكان كذا وكذا) ويقول دلف: هو والله كذلك، فما زال كذلك حتى طاف المواضع وأخبر عن جميع ما كان فيها، ودلف يقول: يا سيّدي ومولاي كأنّك وضعت هذه الأشياء في هذه الأمكنة، ثمّ نظَر (عليه السلام) إلى جمجمة نخِرة فقال لبعض أصحابه: (خذ هذه الجمجمة)، وكانت مطروحة، ثمّ جاء (عليه السلام) إلى الإيوان جلَس فيه ودعا بطست فيه ماء فقال للرجل: (دع هذه الجمجمة في الطست) ثمّ قال (عليه السلام): (قسمتُ عليك يا جمجمة لتخبريني مَن أنا ومَن أنت).

فقالت الجمجمة بلسانٍ فصيح: (أمّا أنتَ فأمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وإمام المتّقين، وأمّا أنا فعبدُك وابن أمتِك كسرى أنو شيروان) ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (كيف حالك؟)، فقال: (يا أمير المؤمنين، إنّي كنت ملِكاً عادلاً شفيقاً على الرعايا رحيماً لا أرضى بظلم، ولكن كنت على دين المجوس وقد ولِد محمّد (صلّى الله عليه وآله) في زمان مُلكي فسقَط من شرفات قصري ثلاث وعشرون شرفة ليلةَ ولِد، فهمَمْت أنْ أُؤمِن به من كثرة ما سمِعت من الزيادة من أنواع شرَفِه وفضلِه، ومرتبته وعزّه في السماوات والأرض ومِن شرَف أهل بيته، ولكنّي تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك فيالها من نعمةٍ ومنزلةٍ ذهبَت منّي حيث لم أُؤمن به، فأنا محرومٌ من الجنّة لعدم إيماني به ولكنّي مع هذا الكفر خلّصني الله تعالى من عذاب النار ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية، فأنا في النار والنار محرومة علَي فواحسرتاه لو آمنت به لكنت معك يا سيّد أهل بيت محمّد، ويا أمير المؤمنين)، قال فبكى الناس وانصرف القوم الذين كانوا معه من أهل ساباط إلى أهلهم وأخبروهم بما كان، وبما جرى من الجمجمة فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال المخلصون منهم: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله ووليّه ووصيّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال بعضهم: بل هو النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقال بعضهم: بل هو الربّ

٧٦

وهُم مثل عبد الله بن سبأ وأصحابه، وقالوا: لولا أنّه الرب وإلاّ كيف يحيي الموتى قال: فسمِع بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فضاق صدره وأحضرهم وقال: (يا قوم، غلب عليكم الشيطان، إنْ أنا إلاّ عبد الله أنعَم علَيّ بإمامته وولايته ووصيّة رسوله (صلّى الله عليه وآله) فأرجعوا عن الكفر، فأنا عبد الله وابن عبده ومحمّد (صلّى الله عليه وآله) خيرٌ منّي وهو أيضاً عبد الله وإنْ نحن إلاّ بشرٌ مثلكم)، فخرَج بعض من الكفَرَة وبقي قومٌ على الكفر ما رجعوا، فألحّ عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالرجوع فما رجعوا، فأحرقهم بالنار وتفرّق منهم قوم في البلاد وقالوا: لولا أنّ فيه من الربوبيّة وإلاّ فما كان أحرقنا بالنار فنعوذ بالله من الخذلان.

(خبر جمجمة أُخرى): روى أبو رواحة الأنصاري، عن المغربي قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد أراد حرب معاوية، فنظر إلى جمجمةٍ في جانب الفرات وقد أتَت عليها الأزمنة فمرّ عليها أمير المؤمنين فدعاها فأجابته بالتلبية، وتدحرجت بين يدَيه وتكلّمت بكلامٍ فصيح فأمرها بالرجوع فرجعَت إلى مكانها كما كانت، فلمّا فرغ من حرب النهروان أبصرنا جمجمةً نخِرة بالية، فقال: (هاتوها) فحرّكها بسوطِه وقال: (أخبريني مَن أنت فقيرة أم غنيّة شقيّة أم سعيدة، ملِك أم رعيّة؟).

فقالت بلسانٍ فصيح: السلام عليك يا أمير المؤمنين، أنا پرويز بن هرمز ملِك الملوك وكنت ملكاً ظالماً فملَكت مشارقها ومغاربها، سهلها وجبلها، برّها وبحرها، أنا الذي أخذت ألف مدينة في الدنيا وقتلت ألف ملِك من ملوكها، يا أمير المؤمنين، أنا الذي بنيت خمسين مدينة وفضضت خمسمِئة جارية بكر واشتريت ألف عبدٍ تركي وألف أرمني وألف رومي وألف زنجي، وتزوّجت بسبعين إلفاً من بنات الملوك وما ملِك في الأرض إلاّ غلبته وظلمت أهله، فلمّا جاء‌ني ملَك الموت قال لي: (يا ظالم يا طاغي، خالفت الحق) ، فتزلزلت أعضائي وارتعدَت فرائصي وعرض عليّ أهل جنسي، فإذا هم سبعون ألفاً من أولاد الملوك قد شقّوا من جنسي، فلمّا رفَع ملَك الموت روحي سكن أهل الأرض من ظلمي فأنا معذّبٌ في النار أبد الآبدين وكّل الله بي سبعين ألف

٧٧

ألف من الزبانية في يد كلّ واحد منهم مرزبة من نار، لو ضربت جبال الأرض لاحترقت الجبال وتدكدكت، وكلمّا ضربني الملك بواحدة من تلك المرازب أشتعل في النار وأحترق فيُحييني الله تعالى ويعذّبني بظلمي على عباده أبد الآبدين، وكذلك وكّل الله تعالى بعدد كلّ شعرة في بدني حيّة تلسعني وعقرباً تلدغني، وكلّ ذلك أحسّ به كالحي في دنياه فتقول لي الحيّات والعقارب هذا جزاء ظلمك على عباده، ثمّ سكتت الجمجمة فبكى جميع عسكر أمير المؤمنين وضربوا على رؤوسهم وقالوا: يا أمير المؤمنين، جهلنا حقّك بعد ما أعلمنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وإنّما خسرنا حقّنا ونصيبنا فيك وإلاّ فأنت ما ينقص منك شيء، فاجعلنا في حلٍّ ممّا فرّطنا فيك ورضينا بغيرك على مقامك فنحن نادمون، فأمر (عليه السلام) بتغطية الجمجمة، فعند ذلك وقَف ماء النهر من الجري وصعد على وجه الماء كل حيوان وسمك كان في النهر، فتكلّم كلُّ واحدٍ منها مع أمير المؤمنين (عليه السلالم) ودعا وشهد له بإمامته وفي ذلك يقول بعضهم:

سلامي على زمزم والصفا

سلامي على سدرة المنتهى

لقد كلّمَتك لدى النهروان نهاراً

جماجم أهل الثرى

وقد بدرت لك حيتانها

تناديك مذعنةً بالولا

(خبر آخر): قال عمّار بن ياسر (رضي الله عنه): كنت مع مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد خرَج من الكوفة، إذ عبَر بضيعةٍ يقال لها النخلة على بعد فرسخين من الكوفة، فخرج منها خمسون رجلاً من اليهود قالوا: أنت الإمام عليّ بن أبى طالب؟ فقال (عليه السلام): (أنا هو) فقالوا لنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستّة من الأنبياء ونحن نطلب الصخرة فلم نجدها، فإنْ كنت إماماً أوجد لنا الصخرة، فقال (عليه السلام): (اتبعوني) فسارع القوم خلفه إلى أنْ توسّط بهم البر وإذا بحبلٍ من الرمل عظيم، فقال (عليه السلام): (أيّتها الريح انسفي الرمل عن الصخرة بإذن الله تعالى)، فما كان إلاّ ساعة حتى نسَفَت الرمل عن الصخرة

٧٨

وظهرت الصخرة، فقال (عليه السلام): (هذه الصخرة صخرتكم)، فقالوا: إنّ عليها اسم ستّة من الأنبياء على ما سمعنا قرأنا في كتبنا، ولسنا نرى عليها الأسماء فقال (عليه السلام): (أمّا الأسماء التي عليها فهي في وجهها الذي على الأرض فاقلبوها) فاعصوا صبّوا عليها وهم جماعة زهاء ألف رجل، فما قدروا على قلبها فقال (عليه السلام): (تنحّوا عنها) فمدّ يده إليها وهو راكب فقلَبها فوجدوا فيها أسماء الأنبياء الستّة (عليهم السلام)، وهم أصحاب الشرايع وهم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد (صلّى الله عليه وآله) فقال نفر اليهود نشهد أنّ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنّك أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين والحجّة على هل الأرض أجمعين، مَن عرفك فقد نجا وسعد ومن أنكرك فقد ضلّ وغوى وإلى الجحيم هوى جلّت مناقبك عن التحديد، وكثُرت آثار نعمتك عن التعديد وحظّك من الله حظٌّ سعيد وخيرك منه مزيد.

(خبر صفوان الأكحل (رضي الله عنه)): روي عن عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) أنّه قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) جالسا على دكّة القضاء، فنهض إليه رجل يقال له صفوان بن الأكحل وقال له: أنا رجلٌ من شيعتك وعلَيّ ذنوب، فأريد أنْ تطهّرني منها في الدنيا لأصِل إلى الآخرة وما علَيّ ذنب، فقال الإمام (قل لي بأعظم ذنوبك ما هيَ؟).

فقال: أنا ألوط بالصبيان، فقال (عليه السلام): (أيّما أحبّ إليك ضربةٌ بذي الفقّار أو أقلب عليك جداراً أو أضرم لك ناراً؛ فإنّ ذلك جزاء مَن ارتكب ما ارتكبته)، فقال: يا مولاي احرقني بالنار لأنجو من نارِ الآخرة، فقال عليّ (عليه السلام): (يا عمّار اجمع ألف حزمة قصب لضرمه غداة غد بالنار)، ثمّ قال للرجل: (انهض وأوصِ بمالك وبما عليك) قال: فنهض الرجل وأوصى بماله وما عليه، وقسّم أمواله بين أولاده، وأعطى كلّ ذي حقٍّ حقّه ثمّ أتى باب حجرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيت نوح (عليه السلام) شرقي جامع الكوفة، فلمّا صلّى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (يا عمّار، ناد بالكوفة اخرجوا وانظروا حكم أمير المؤمنين)، فقال جماعة منهم: كيف يحرق رجلاً من شيعته ومُحبّيه وهو

٧٩

الساعة يُريد حرقة بالنار فتبطل إمامته.

فسمِع ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) قال عمار (رضي الله عنه): فأخذ الإمام (عليه السلام) الرجل وبنى عليه ألف حزمة من القصَب وأعطاه مقدحة وكبريتاً وقال: (اقدح واحرق نفسك، فإنْ كنت من شيعتي ومحبّيّ وعارفي فإنّك لا تُحرَق في النار، وإنّ كنت من المخالفين المكذّبين فالنار تأكل لحمَك وتكسُر عظمك)، قال: فقدَح الرجل على نفسه واحترق القصب وكان على الرجل ثيابٌ بيض فلَم تعلَق بها النار ولم يَقربها الدخان، فاستفتح الإمام (عليه السلام) وقال: (كذَب العاذلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً) ثمّ قال: (شيعتنا أُمناء وأنا قسيم الجنّة والنار وشهِد لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مواطِنَ كثيرة).

(خبر مالك بن نويرة): قال البراء بن عازب: بينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جالس في أصحابه إذا أتاه وفدٌ من بني تميم مالك بن نويرة، فقال: يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، علّمني الإيمان فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (تشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّي رسول الله، وتصلّي الخمس وتصوم رمَضَان وتؤدّي الزكاة وتحجّ البيت، وتوالي وصيّي هذا مِن بعدي - وأشار إلى عليّ (عليه السلام) بيده - ولا تسفك دماً ولا تسرق ولا تخون ولا تأكل مال اليتيم، ولا تشرب الخمر وتوفى بشرائعي وتحلّل حلالي وتحرّم حرامي، وتعطي الحقّ من نفسِك للضعيف والقويّ والكبير والصغير)، حتى عدّ عليه شرائع الإسلام فقال: يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أعد علَيّ فإنّي رجل نسّاء، فأعاد عليه فعقدها بيده وقام وهو يجرّ إزاره وهو يقول: تعلّمت الإيمان وربّ الكعبة.

فلمّا بعُد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (من أحبّ أنْ ينظر إلى رجلِ من أهل الجنّة، فلينظر إلى هذا الرجل)، فقال أبو بكر وعُمر: إلى مَن تشير يا رسول الله، فاطرق إلى الأرض فجدّا في السير فلَحِقاه فقالا: لك البشارة من الله ورسوله بالجنّة فقال: أحسن الله تعالى بشارتكما إنْ كنتما ممّن يشهَد بما شهدت به، فقد علمتما ما علّمني النبيّ محمّد

٨٠