الفضائل

الفضائل0%

الفضائل مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 206

الفضائل

مؤلف: لأبى الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن إسماعيل ابن أبي طالب القمّي
تصنيف:

الصفحات: 206
المشاهدات: 57631
تحميل: 5284

توضيحات:

الفضائل
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57631 / تحميل: 5284
الحجم الحجم الحجم
الفضائل

الفضائل

مؤلف:
العربية

فاطمة الزهراء ولَم أُعط مثلها، وأُعطي ولدَيه الحسن والحسين (عليهما السلام) ولم أُعط مثلهما).

ومن فضائله (عليه السلام) أنّه كان هو وفاطمة (عليها السلام) فدخَل عليهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهما يطحنان الجاورس فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (أيّكما أعيى؟) فقال عليّ (صلّى الله عليه وآله): (فاطمة يا رسول الله)، فقال: (قومي يا بنيّة) فجلس النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في موضعها مع عليّ (عليه السلام) فواساه في الطحن للحب.

وممّا ورد في كتاب الفردوس للجمهور ما يرفع إلى رسول الله محذوف الأسانيد أنّه قال: (لو اجتمعت الخلائق على حبّ عليّ بن أبي طالب ما خلَق الله تعالى النار).

ومن فضائله (عليه السلام) التي خصّه الله تعالى بها دون غيره، ما رواه من أثق إليه عن عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) انّه قال: أتيت عليّ بن أبي طالب فقلت له: يا أمير المؤمنين لي ثلاثة أيّام كاملة أصوم وأطوي وما أقتات، وهذا اليوم وهو اليوم الرابع، فقال لي (عليه السلام): (اتبعني يا عمار)، فطلع مولاي إلى الصحراء وأنا خلفه إذ وقَف بموضع واحتفر، فظهر حِبٌّ مملوء دراهم، فأخذ من تلك الدراهم درهمَين، فناولني منه درهماً واحداً وأخذ هو الآخر، فقال له عمّار: يا أمير المؤمنين، لو أخذت من تلك ما تستغني به وتتصدّق منه لمَّا كان في ذلك بأس.

فقال (عليه السلام): (يا عّمار، هذا بقدر كفايتنا هذا اليوم)، ثمّ غطّاه وردمه وانصرف عنه ثمّ انفصل عنه عمّار وغاب مليّاً ثمّ عاد إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: (يا عمّار، كأنّي بك وقد مضيت إلى الكنز تطلبه؟)، فقال: يا أمير المؤمنين، والله إنّي قصدت الموضع لآخذ من الكنز شيئاً فما وجدت له أثراً فقال (عليه السلام): (يا عمّار، لمّا علِم الله تعالى أنّ لا رغبةَ لنا في الدنيا أظهرها لنا، ولمّا علم الله عزّ وجل أنّ لكم إليها رغبة أبعدها عنكم).

وعنه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (أخبرني جبرئيل (عليه السلام) أنّه قال لي: مَثَل حُبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في الناس مثل سورة: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) في القرآن، فمَن قرأها مرّة واحدة كان له ثوب ثلث القرآن ومَن قرأها مرّتين كان له ثواب ثُلثَي القرآن ومَن قرأها ثلاثاً كان له ثواب مَن قرأ القرآن كلّه، وكذا حُبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فمَن أحبّه بلسانه

١٢١

كان له ثواب ثُلث أُمّتك ومَن أحبّه بلسانه وقلبه كان له ثواب ثُلثي أُمّتك، ومَن أحبّه بلسانه وقلبه وعمله كان ثواب أُمّتك بأسرها.

١٢٢

خبر اللوح الذي نزل به جبرئيل

(وفي ذكر اللوح المحفوظ الذي نزَل به جبرئيل على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ما ينفع للمستبصرين) وهو محذوف الأسانيد يُرفع إلى أبي بصير (رضي الله عنه)، روى أبو بصير عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، عن محمّد الباقر (عليه السلام) أنّه قال لجابر: (إنّ لي إليك حاجة، متى يخفّ عليك أنْ أخلو بك فأسألك عنها؟)، فقال له جابر: أيّ الأزمنة أحببته يا مولاي، فخلا به أبو جعفر (عليه السلام) فقال له: (يا جابر، أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يدِ أُمّي فاطمة (عليها السلام)، وما أخبرَتك به أُمّي أنّه كان في اللوح مكتوباً).

قال جابر: أشهد بالله أنّي دخلت على أُمّك فاطمة، في حال حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أُهنّيها بولادة الحسين (عليه السلام)، فرأيت في يدها لوحاً أخضر فظننت أنّه زمُرّد ورأيته مكتوباً بالنور الأبيض، فقلتُ: بأبي أنت وأُمّي يا بنت رسول الله، ما هذا اللوح؟ قالت: (أهداه الله تعالى إلى رسوله (صلّى الله عليه وآله) فيه اسم أبي واسم بعلي وأسماء وُلدى وذِكر الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي ليبشّرني بذلك)، قال: فقلت لها: أرينيه يا ابنة رسول الله، فأعطته إيّاي ونسخته، فقال أبو جعفر (عليه السلام): (يا جابر، هل لك أنْ تعرضه عليّ؟)، قال: نعم يا ابن رسول الله، فأنت أحقّ به منّي.

قال أبو جعفر: (فمشينا إلى منزل جابر (رحمه الله)) قال أبو جعفر: (فأخرج لي صحيفةً من رقِّ فيها ما هذه صورته (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) هذا كتابٌ من الله العزيز الرحيم، إلى محمّدٍ نبيّه ونوره وسفيره وحجابه ودليله، نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين: عظّم يا محمّد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحَد آلائي، أنا الله لا إله إلاّ أنا، فمن رجا فضل غيري وخاف غير عذابي أُعذّبه عذاباً لا أعرف به أحداً مِن خلقي إيّاي فاعبد وعليّ فتوكّل، إنّي لم أبعث نبيّاً وكمُلت أيّامه وانقضت مدّته، إلاّ جعلتُ له وصيّاً وأنّي فضّلتك على الأنبياء وفضّلت وصيّك على الأوصياء وأكرمته بشبليك وسبطيك الحسن والحسين خازنَي وحيي، وأكرمت حسيناً بالشهادة وختمت له بالسعادة فهو أفضل من

١٢٣

استشهد فيّ، وأرفع الشهداء عندي درجة، وجعلت الكلمة التامّة معه والحجّة البالغة عنده، وبعترته أُثيب وأُعاقب أوّلهم عليّ بن الحسين زين العابدين وزين أوليائي الماضين عليهم صلواتي أجمعين، فهم حبلي الممدود الذي يخفهم رسولي لوجود الكتاب معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه حتى يردوا على رسولي في اليوم المعهود وذلك يومٌ مشهود).

وروى أنَس بن مالك قال: سمِعَت أُذناي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول في عليّ بن أبى طالب (عليه السلام): (عنوان صحيفة المؤمن يوم القيامة حبُّ عليّ). وعن ابن عباس (رضي الله عنه) أنّه كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بيته، فغدا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان يحبّ أنْ لا يسبقه أحد إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فدخل وإذا النبيّ في صحن داره وإذا رأسه الكريم في حِجر دحية بن خليفة الكلبي، فقال له عليّ (عليه السلام): (كيف أصبح رسول الله؟) فقال: بخير يا أخا رسول الله، فقال (عليه السلام): (جزاك الله تعالى عنّا خيراً أهل البيت).

فقال له دحية الكلبي: إنّي أحبّك ولك عندي فرحةٌ أزفّها إليك، أنت أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين، أنت سيّد ولد بني آدم ما خلا النبيّين والمرسلين، لواء الحمد بيدك يوم القيامة أنت وشيعتك مع محمّد وحزبه تُزفّون زفّاً زفّاً، وقد أفلح مَن والاك وخسِر مَن تخلّى عنك فمحبّ محمّد محبّك، ومبغضك لنْ تناله الشفاعة من محمّد ادنُ منّي يا صفوة الله، فأنت أحقّ بأخيك منّي، قال: فأخذ رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حجره فاستيقظ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقال: (ما هذه الهمهمة؟)، فأخبره بالحديث فقال (صلّى الله عليه وآله): (يا عليّ، لم يكن دحية الكلبي، بل هو جبرئيل سمّاك بما سمّاك به الله عزّ وجل وقد أمَر أنْ تكون محبّتك في قلوب المؤمنين وبُغضك في قلوب الكافرين).

رواية ابن العباس

(وعن عبادة الأسدي): قال بينا عبد الله بن عبّاس يحدّث الناس على زمزم، إذ جاء‌ه رجلٌ فقال: يا ابن عبّاس، ما تقول فيمن قال لا إله إلاّ الله ثمّ يكفر ولا أتى بصومٍ ولا صلاةٍ ولا حجٍّ ولا قبلة ولا جهاد؟ فقال له ابن عبّاس: ويحك سل عمّا يعنيك ودع عنك مالا يعنيك، فقال له الرجل: ما جئت

١٢٤

إلاّ لهذا الأمر فقال: ممّن الرجل؟ قال: من الشام، أخبرني بما سألتك عنه ويحك اسمع منّي إنّ مثل عليّ بن أبي طالب كمثل موسى بن عمران، إذ آتاه الله التوراة فظنّ أنّه استوعب العلم كلّه حتى صحب الخضر (عليه السلام) فأمَر له وعلّمه ولم يحسده، وأنّكم حسدتم عليّ بن أبي طالب، فأمّا الغلام الذي قتله الخضر (عليه السلام) كان قتله لله تعالى رضىً ولموسى سخطاً، وأنّ عليّا قتل الخوارج وكان قتلهم لله رضاً ولأهل الضلالة سخطاً، اسمع منّي: إنّ رسول الله تزوّج بزينب بنت جحش فأولَم وليمة وكان يدخل عليه عشرة عشرة فلَبِث عندها أيّاما وليالي وتحوّل إلى بيت أمّ سلمة (رضي الله عنها) فجاء عليّ (عليه السلام) وقام بالباب فقال (صلّى الله عليه وآله):

(إنّ بالباب رجلاً ليس ينزق ولا يخرق، يحبّ الله تعالى ورسوله، قومي يا أُمّ سلمة وافتحي له الباب)، فقامت وفتحت له الباب فأخذ بعضدي الباب حتى لم يحسا وعلم أنّها وصلَت لمخدرها فدخل الإمام (عليه السلام) عند ذلك وقال: (السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته)، فقال (صلّى الله عليه وآله): (وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا قرّة عيني)، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله) لها: (يا أُمّ سلَمة أما تعرفيه؟) فقالت: بلى يا رسول الله، عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: (يا أُمّ سلمة اشهدي له أنّه وصيّي وولديه قرّة عيني وريحانتاي في الدنيا والآخرة، واشهدي يا أُمّ سلمة أنّه خليفتي في أهلي، واشهدي أنّ لحمه ودمه من دمي، واشهدي يا أُمّ سلمة أنّه أوّل مَن يرد عليّ حوضي وأنّه إمام المتّقين وأنّه وليٌّ في الدنيا والآخرة، واشهدي يا أُمّ سلمة أنّه قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي).

(وروى) عبد الله بن محمّد بن أبي ذر، قال: حدّثني عيسى بن عبد الله مولى تميم، عن شيخٍ مِن قريش قال: رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ وجهه وهو يغطّيه فسألته عن سبب ذلك، فقال: نعم قد جعلت لله على أنْ لا يسألني أحد عن ذلك إلاّ أجبته وأخبرته، قال: كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب (عليه السلام) كثير الذكر له فبينا أنا ذات ليلة نائم إذا أتاني آتٍ في منامي فقال:

١٢٥

أنت صاحب الوقيعة في عليّ، فقلت: بلى فضرب وجهي وقد اسودّ فبقي كما ترى.

(وبهذا الإسناد) يرفعه إلى بشر بن جنادة، قال: كنت عند أبي بكر و هو في الخلافة فجاء رجلٌ فقال له: أنت خليفة رسول الله؟ قال: نعم، قال: أعطني عِدَتي، قال: وما عِدَتك؟ فقال: ثلاث حثوات يحثو لي رسول الله، فحثا له ثلاث حثوات من التمر الصيحاني، وكانت رسماً على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قال: فأخذها وعدّها فلَم يجدها مثل ما يعهَد من قال: خذها فما أنت خليفته، فلمّا سمِع ذلك قال: شدّوه إلى أبي الحسَن فلمّا دخلوا به على عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ابتدأ الإمام بما يريده منه، وقال له: (تريد حثوات من رسول الله؟)، قال: نعم يا فتى، فحثا له (عليه السلام) ثلاث حثوات في كلّ حثوة ستّون تمرة واحدة على الأُخرى، فعند ذلك قال له الرجل: أشهد أنّك خليفة الله وخليفة رسوله حقّاً وأنّهم ليسوا بأهلٍ لما جلسوا فيه.

فلمّا سمِع أبو بكر قال: صدق الله وصدَق رسوله حيث قال في ليلة الهجرة - (ونحن خارجون من مكّة إلى المدينة) - (كفّي وكفّ عليّ في العدد سَواء).

فعند ذلك كثر القيل والقال فخرَج عمر فسكّتهم.

(وبالإسناد يرفعه إلى أنَس بن مالك) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إنّ لله تعالى خلقاً لا هم من الجنّ ولا من الإنس يلعنون مبغضي عليّ بن أبي طالب)، (قيل): يا رسول الله، مَن هم؟ قال: (القنابر ينادون في الشجَر على رؤس الأشهاد ألا لعنة الله أعداء عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)).

١٢٦

خبر المنصور في فضل أهل البيت (عليهم السلام)

(وعن أبي طالب أحمد بن الفرج بن الأزهر) رفعه عن رجاله إلى سلمان بن سالم قال: أخبرني سليمان الأعمش، قال: وجّه إليّ المنصور في جوف الليل أنْ أجِب الخليفة قلت: ما بعث إليّ إلاّ ليسألني عن بعض فضائل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ولعلّي إنْ أخبرته قتلني، فتطهّرت وتكفّنت وتحنّطت ثمّ كتبت وصيّتي وصرت إليه فوجدت عنده عمر بن عبيدة فحمدت الله على ذلك

١٢٧

فقلت في نفسي: وجدت عنده عوناً صديقاً من أهل البصرة، فسلّمت عليه فقال: أُدن منّي يا سليمان، فدَنوت منه وأقبلت على عمرو بن عبيد أسأله مثل ما يعهد مِن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ففاح منّي رائحة الحنوط، فقال المنصور: يا سليمان، ما هذه الرائحة؟ والله إنْ لم تصدقني وإلاّ قتلتك، فقلتُ: يا أمير المؤمنين أتاني رسولك في جوف الليل فقلت في نفسي: ما بعثَ إليّ في هذه الساعة إلاّ ليسألني عن فضائل عليّ بن أبى طالب فإنّ أخبرته قتلني، فكتبت وصيّتي ولبست كفَني وتحنّطت، قال: وكان فكبا فاستوى جالساً وهو يقول: لا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، ثمّ قال: أتكفّرني يا سليمان، ما اسمي؟ قلت: أمير المؤمنين، قال: دعنا في هذه الساعة من هذا ما اسمي؟

قلت: عبد الله بن عليّ ابن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب، قال: صدقت، فاخبرني بالله وبقرابتي مَن رسول الله كم رويت مِن حديث في عليّ بن أبى طالب (عليه السلام)، وكم فضيلةٍ سمِعت من جميع الفقهاء؟ قال: شيئاً يسيراً يا أمير المؤمنين مقدار عشرة آلاف حديث فما زاد، قال: يا سليمان ألا أُحدّثك بحديث في فضائل عليّ (عليه السلام) يأكل كلّ حديث رويته عن جميع الفقهاء فإنْ حلفت لي أنْ لا ترويها لأحَد من الشيعة حدّثتك به، قلت: لا أحلف ولا أُحدّث به.

قال: اسمع كنت هارباً من بني مروان وكنت أدور في البلدان فأتقرّب إلى الناس بحبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وفضائله، وكانوا يشرّفوني ويكرموني ويعطوني حتى وردت بلاد الشام، وأهل الشام كلّما أصبحوا لعنوا عليّاً بمساجدهم؛ لأنّهم كلّهم خوارج وأصحاب معاوية، فدخلت مسجداً وفي نفسي منهم ما فيها فأُقيمت الصلاة فصلّيت الظهر وعليّ كساء خلِق، فلمّا سلّم الإمام اتكأ على الحائط وأهل المسجد حضور، وجلست ولم أرَ أحداً يتكلّم توقيراً منهم لإمامهم فإذا بصبيّين قد دخلا المسجد، فلمّا نظر الإمام إليهما قام ثمّ قال: ادخلا فمرحباً بكما ومرحباً بمَن سميتما باسمهما والله ما سمّيتكما باسمهما إلاّ لأجل حبّي لمحمّد وآل محمّد فإذا اسم احدهما الحسن والآخر الحسين، فقلت في نفسي:

١٢٨

قد أصبت حاجتي ولا قوّة إلاّ بالله، وكان في جانبي فسألت منه مَن هذا الشيخ ومَن هذان الغلامان؟ فقال: الشيخ جدّهما وليس في هذه المدينة أحدٌ يحبّ عليّاً سِواه، فلذلك سمّاهما الحسَن والحسين ففرحت فرحاً شديداً، وكنت لا أخاف الرجال فدنوت من الشيخ وقلت: هل لك في حديثٍ أقرّ به عينك قال: ما أحوَجني إلى ذلك وإنْ أقررتَ عيني أقررتُ عينك، فعند ذلك قلت: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، قال لي: من والدك؟ ومَن جدّك؟ فعلمت أنّه يريد نسَبي فقلت: أنا عبد الله ابن محمّد بن عبد الله بن عبّاس أنّه قال: كنّا مع رسول الله وإذا بفاطمة (عليها السلام) قد أقبَلت تبكي فقال لها النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ما يُبكيك لا أبكى الله لك عيناً)، فقالت: (يا أبَتِ إنّ الحسن والحسين قد ذهبا منذ اليوم ولم أعلم أين ذهبا، وأنّ عليّاً مشى على الدالية منذ خمسة أيّام يسقي البستان، وأنّي قد استوحشت لهما) قال (صلّى الله عليه وآله): (يا أبا بكر، اذهب فاطلبهما، وأنتَ يا فلان).

فوجّه سلمان قال: ولم يزَل يوجّه حتى مضى سبعون رجلاً في طلبهما ورجعوا ولم يصيبوهما فاغتمّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ثمّ قام فوقَف على باب المسجد وقال: (إلهي بحقّ إبراهيم خليلك، وبحقّ آدم صفوتك إنْ كانا قرّتا عيني في برٍّ أو بحر أو سهلٍ أو جبل فاخفظهما وسلّمهما على فاطمة سيّدة نساء العالمين)، قال: وإذا باب من السماء قد فُتِح وإذا بجبرئيل قد نزَل من عند ربّ العالمين وقال: (السلام عليك يا رسول الله، الحقّ يُقرئك السلام ويقول لك: لا تحزن ولا تغتمّ الغلامان هما الفاضلان في الدنيا والآخرة، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة وأنّهما في حظيرة (أو حديقة) بني النجار، وقد وكّلت بهما ملَكا يحفظهما إنْ قاما أو قعدا أو ناما أو استيقظا)، قال فعند ذلك فرح النبيّ فرحاً شديداً فقام ومضى وجبرئيل (عليه السلام) عن يمينه، والمسلمون حوله حتى دخل حظيرة بني النجار، فسلّم عليه ذلك الملَك الموكّل بهما فردّ عليه السلام، والحسن والحسين نائمان وهما متعانقان وذلك الملَك قد جعل جناحه فوقهما، وكل واحد منهما عليه ذراعة من شعر (أو صوف) والمداد على شفتيهما فجثا النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على

١٢٩

ركبتيه وانكبّ عليهما يُقبّلهما ويقول لهما: (حبيبَيّ وحبيبي) حتى استيقظا فرأيا جدّهما، فحمل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الحسن وحمل جبرائيل الحُسين، فخرج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من الحظيرة، قال فحدّث مَن كان حاضراً عن ابن عبّاس قال: كان يقول: كلّما قبّلهما وهما على كتفيه وكتف جبرئيل (عليه السلام): (مَن أحبّكما فقد أحبّني ومَن أبغضكما فقد أبغضني)، فقال أبو بكر: أعطني احمل أحدهما يا رسول الله، قال: (نِعم المحمول ونِعم المطيّة ونِعم الراكبان هما، وأبوهما وأُمّهما خيرٌ منهما، ونِعم مَن أحبّهما)، فلمّا خرجا ومضَيا وتلقّاهما عمر.

فقال: (مَن أحبّهما)، قال ولم يزَل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) سائراً حتى دخلت المسجد وقال: (والله لأُشرفن اليوم ولديّ كما شرّفهما الله تعالى) ثمّ قال: (يا بلال نادِ في الناس).

فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (معاشر المسلمين بلّغوا عن نبيّكم ما تسمعون منه، أيّها الناس ألا أدلّكم اليوم على خيرِ الناس جدّاً وجدّة؟)، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الحسن والحسين، جدّهما محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجدّتهما خديجة بنت خويلد سيّدة نساء أهل الجنّة).

(أيّها الناس ألا أدلّكم على خير الناس أبا وأُمّا؟) قالوا بلي يا رسول الله قال: (الحسن والحسين أبوهما عليُّ بن أبي طالب، وأُمّهما فاطمة بنت رسول الله وإنّ أباهما خيرٌ منهما يحبّ الله ويحبّ رسوله، ويحبّه الله ورسوله سيّد العابدين وسيّد الأوصياء، أيّها الناس ألا أدلّكم على خيرِ الناس عمّاً وعمّة؟)، قالوا بلى يا رسول الله، قال: (الحسَن والحسين عمّهما جعفر الطيّار يطير مع الملائكة بجناحين مكلّلين بالدرّ والياقوت، وعمّتهما أمّ هاني بنت أبي طالب، معاشر الناس هل أدلّكم على خير الناس خالاً وخالة؟)، قالوا: بلى يا رسول الله، قال (الحسن والحسين خالهما القاسم ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وخالتهما زينب)، ثمّ قال: (اللهم إنّك تعلم أنّ الحسن والحسين في الجنّة، وأنّ جدّهما وجدّتهما في الجنّة وأنّ أباهما وأُمّها في الجنّة، وأنّ مِن كرامتهما على الله أنْ سمّاهما في التوراة شبّراً وشبيراً فهما سبطاي وريحانتاي في الدنيا والآخرة)، قال: فلمّا سمِع الشيخ ذلك منّي كساني خِلعَته فبعتها بمِئة دينار، وقال: هل أدلّك على أخوين في هذه المدينة أحدهما كان

١٣٠

مؤذياً وكان يلعن عليّا (عليه السلام) كلّ يوم ألف مرّة؟ وكان يسبّه يوم الجمعة أربعة آلاف مرّة فغيّر الله ما به من نعمةٍ وصار آيةً للسائلين، فهو هذا اليوم يحبّه وأخٌ لي يحبّ عليّاً منذ خرَج من بطنِ أُمّه فقم إليه ولا تحتبِس عنده، والله يا سليمان لقد ركِبت البغلة وأنّي يومئذٍ لجائع فقام معي الشيخ وأهل المسجد حتى صرنا إلى الدار، قال الشيخ: انظر لا تحتبس عنده فدفعت الباب وقد كان معي، فإذا بشاب قد خرَج إليّ فلمّا رآني والبغلة تحتي قال: والله ما كساك أبو فلان خلعته ولا أركبك بغلته إلاّ وأنت رجلٌ تحبّ الله ورسوله، ولأنْ أقررت عيني لا قرّن عينيك.

والله يا سليمان إنّي لا أنْسَ بهذا الحديث الذي سمِعته وتسمَعه، ثمّ قال: فقلت: أخبَرَني أبي عن جدّي عن أبيه قال: كنّا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جلوساً بباب داره وإذا بفاطمة (عليها السلام) قد أقبلت، وهي حاملة الحسن وهي تبكي بكاء‌ً شديداً فاستقبلها (صلّى الله عليه وآله) وقال: (وما يبكيك؟ لا أبكى الله لك عيناً)، ثمّ تناول الحسن من يدها فقالت: (يا أبة، إنّ نساء قريش يُعيّرنني ويقلن قد زوّجك أبوك بفقير لا مال له)، فقال لها النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (يا فاطمة ما زوجتك أنا ولكنّ الله تعالى زوّجك في السماء، وشهِد لك جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، اعلمي يا فاطمة إنّ الله تعالى اطّلع إلى الأرض اطلاعةً فاختار منها أباك فبعثه نبيّاً، ثمّ اطّلع اطّلاعةً ثانية فاختار بعلك فجعله وصيّاً، ثمّ زوّجك به من فوق سبْع سماواته، وأمَرني أنْ أزوّجك به وأتّخذه وصيّاً ووزيراً.

فعليٌّ أشجعهم قلبّاً وأعلم الناس علماً وأحلم الناس حِلماً وأحكم الناس حكماً وأقدم بالناس إيمانا وأسمحهم كفّاً وأحسن الناس خُلُقا، يا فاطمة، إنّي آخذ لواء الحمد ومفاتيح الجنّة بيدي وأدفعها إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فيكون آدم ومَن دونه تحت لوائه، يا فاطمة إنّي مقيم غداً عليّاً على حوضي يسقي مَن يرد عليه من أُمّتي، يا فاطمة ابناك الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة وكان قد سبق اسمهما في التوراة مع موسى بن عمران (عليه السلام) لكرامتهما عند الله يا فاطمة، يكسى أبوك حلّة مِن حُلَل الجنّة ولواء الحمد بين يدَي وأُمّتي

١٣١

تحت لوائي، فأُناوله عليّاً لكرامته على الله) قال: وينادي منادي: (يا محمّد، نِعم الجدّ جدّك ونعم الأخ أخوك فالجد إبراهيم والأخ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وإذا دعاني ربّ العالمين دعا عليّاً معي وإذا أحياني أحيى عليّاً معي وإذا شفّعني ربّي شفّع عليّاً، وأنّه في المقام عوني على مفاتيح الجنّة فقومي يا فاطمة، إنّ عليّاّ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة).

خبر مجيء فاطمة (عليها السلام)

(وبالإسناد أنّه قال): بينا فاطمة جالسة إذ أقبل أبوها (صلّى الله عليه وآله) حتى جلَس إليها، فقال لها: (مالي أراك حزينة؟) قالت: (بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، وكيف لا أبكي ولا أحزن وتريد أنْ تفارقني؟)، فقال لها: (يا فاطمة، لا تبكي ولا تحزني فلا بدّ مِن فراقك)، فاشتدّ بكاؤها وقالت: (يا أبتي، أين ألقاك؟)، قال: (تلقني على تلّ الحمد أشفع لأُمّتي)، قالت: (يا أبت، وإنْ لم ألقك؟) قال:

(تلقني عند الصراط، جبرئيل عن يميني وميكائيل عن شمالي وإسرافيل آخذ بحجزتي والملائكة من خلفي، وأنا أنادي أُمّتي فيَهون عليهم الحساب، ثمّ أنظر يميناً وشمالاً إلى أُمّتي وكل نبيّ يوم القيامة مشتغلٌ بنفسه، يقول: يا ربّ نفسي نفسي، وأنا أقول يا ربّ أُمّتي أُمّتي فأوّل مَن يَلحق بي أنتِ وعليّ والحسَن والحسين، فيقول الرب عزّ وجل: يا محمّد، إنّ أُمّتك لو أتوني بذنوب كأمثال الجبال لغفرت لهم ما لَم يشركوا بي شيئاً ولم يُوالوا عدواً).

قال: فلمّا سمِع الشاب هذا منّي أمر لي بعشرة آلاف درهم، وكساني ثلاثين ثوباً ثمّ قال لي: مِن أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: أعربي أم مولى؟ قلت: بل عربي، قال: فكما أقررت عيني أقررت عينك. ثمّ قال: ائتيني غداً في المسجد فلمّا رآني استقبلني وقال: ما أعطاك أبو فلان؟ قلت: كذا وكذا، قال: جزاه الله خيراً وجمَع بيننا وبينه في الجنّة فلمّا أصبحت يا سليمان، ركِبت البغلة وأخذت في الطريق الذي وصفه لي، فما لبثت إلاّ قليلاً حتى رأيت بستانه على الطريق، وسمعت إقامة من المسجد فقلت والله لأُصلّيَنّ مع هؤلاء القوم فنزلت عن البغلة ودخلت المسجد، فوجدت رجلاً قامته مثل قامة صاحبي فصرت عن يمينه فلمّا صرنا في الركوع والسجود وإذا عمامته قد

١٣٢

رمى بها مِن رأسه، فنظرت في وجهه وإذا وجهه وجه خنزير ورأسه رأس خنزير، فلَم أعلم ما صلّيت ولا ما قلت في صلاتي متفكّراً في أمره، فسلّم الإمام فتنفّس الرجل في وجهي وقال: أنت الذي أتيت أخي بالأمس فأمر لك بكذا وكذا؟ فقلت: نعم، فاخذ بيدي وأقامني، فلمّا رآنا أهل المسجد تبعونا فقال لغلامه أغلق عليهم الباب ولا تدع أحداً يدخل علينا، ثمّ ضرب بيده إلى قميصه فنزعه وإذا جسده خنزير، فقلت: يا أخي ما هذا الذي أرى بك؟ قال: كنت مؤذّن القوم، وكنت في كلّ يوم إذا أصبَحت ألعن عليّاً (عليه السلام) ألف مرّة بين الأذان والإقامة، قال: فخرجت من المسجد ودخلت داري هذه وكان يوم الجمعة فلعنته أربعة آلاف مرّة، ولعنت أولاده زمرةً فاتكأت على هذه الدكّة فذهَب بي النوم، فرأيت في منامي كأنّ الجنّة قد أقبَلَت وإذا بعليّ (عليه السلام) فيها متّكئا، والحسن والحسين معه متّكآن بعضهم لبعض مسرورين تحتهم مصليات من نور، وإذا أنا برسول الله (صلّى الله عليه وآله) جالساً والحسن والحسين قدّامه وبيد الحسين كأس، فقال: (صلّى الله عليه وآله):

(اسقني فشرِب وقال للحسين: اسق أباك عليّاً (عليه السلام) فشرب، وقال: اسق أخاك الحسَن فسقاه، ثمّ قال: اسق الجماعة فشربوا ثمّ قال: اسقي المتّكئ على الدكّة، فولّى الحسن بوجهه عنّي وقال: يا جدّاه كيف أسقيه وهو يلعن أبي في كلّ يوم ألف مرّة)، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لي: (لعنك الله أتلعن عليّاً وتشتم أخي؟! مالك لعنك الله تشتم ولدي الحسَن والحسين)، ثمّ بصَق النبيّ عليّ فملا وجهي وجسَدي فلمّا انتبهت من منامي رأيت موضع بصاق النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قد مسح كما ترى وصرت آيةً للسائلين، ثمّ قال لي: يا سليمان هل سمعت من فضائل عليّ (عليه السلام) أعجَب من هذا الحديث يا سليمان، حبّ عليّ (عليه السلام) إيمان وبغضه نفاق، فلا يحبّ عليّاً إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ كافر، فقلت: يا أمير المؤمنين، الأمان قال: لك الأمان فقلت: يا أمير المؤمنين، فما حال من قتل هؤلاء؟ قال: النار ولا أشكّ، فقلت: ومَن قتل أولادهم وأولاد أولادهم قال: فنكّس رأسه.

١٣٣

إتمام خبر سليمان

(قال سليمان): إنّ الملك عقيم ولكن حدّثني عن فضائل عليّ بن أبي طالب بما شئت، قال: قلت: مَن قتل ولده في النار.

فقال عمرو بن عبيدة: صدقت

١٣٤

يا سليمان، الويل ثمّ الويل لمَن قتل ولده، فقال المنصور: يا عمرو اشهد عليه فإنّه في النار، فقال: قد أخبرني الشيخ الصدوق (يعني الحسن بن أنَس): إنّ مَن قتل أولاد عليّ لا يشمّ رائحة الجنّة، قال: فوجدت المنصور قد غمض وجهه، فخرجنا فقال ابر جعفر: لولا مكان عمرو ما خرَج سليمان إلاّ مقتولاً.

(وعن الإمام فخر الدين الطبري) يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: بينا نحن بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مسجده بالمدينة فذكر بعض الصحابة الجنّة، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إنّ لله لواء مِن نور وعموده من زَبرجد، خلقه الله تعالى قبل أنْ يخلق السماء بألفَي عام، مكتوبٌ عليه لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله وآل محمّد خير البرية، وأنت يا عليّ أكرم القوم)، فعند ذلك قال عليّ: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وأكرمنا بك، وشرّفنا بك)، فقال (صلّى الله عليه وآله): (يا عليّ أما علِمت أنّ مَن أحبّنا واتخذ محبّتنا أسكنه الله معنا؟) وتلا هذه الآية:

( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) .

وبالإسناد عن ابن عبّاس (رضي الله عنه)، عن رسول الله في قوله عزّ وجل: ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) : (المنذر أنا والهادي عليّ (عليه السلام)).

١٣٥

اعتراف عمر بوصيّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام)

(وعن القاضي الكبير): أبي عبد الله محمّد بن عليّ بن المغازلي، يرفعه إلى حارثة بن زيد قال: شهدت مع ابن الخطّاب حجّته في خلافته فسمعته يقول: اللهمّ قد عرفت محبتي لنبيّك وكنت مطّلعاً على سرّى قال: فلمّا رآني أمسَك وحفظت الكلام فلمّا انقضى الحجّ وانصرَفت إلى المدينة تعمدت الخلوة به، فرأيته يوماً على راحلته وحده فقلت له: يا أمير المؤمنين بالذي هو أقرب إليك من حبل الوريد إلاّ أخبرتني عمّا أُريد أنْ أسألك عنه، قال: سل عمّا شئت، قلت له: سمعتك يومَ كذا تقول كذا وكذا قال: فكأنّي ألقمته حجراً فقلت: لا تغضب فوا الذي أنقذني من الجاهلية وأدخلني في الإسلام ما أردت بسؤالي لك إلاّ وجه الله عزّ وجل، قال: فعند ذلك ضحك وقال: يا حارثة: دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد اشتدّ وجعه فأحببت الخلوة به وكان عنده عليّ

١٣٦

ابن أبي طالب (عليه السلام) والفضل بن العبّاس، فجلست حتى نهض ابن عبّاس فبقيت أنا وعليّ (عليه السلام) فتبيّن لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما أردت فالتفت إليّ وقال: (يا عمر، جئت تسألني إلى مَن يصير هذا الأمر)، فقلت: صدقت يا رسول الله، فقال: (يا عمر هذا وصيّي وخليفتي من بعدي، وخازن سرّي فمن أطاعه فقد أطاعني ومَن عصاه فقد عصاني ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن تقدّم عليه فقد كذّب بنبوّتي)، ثمّ دنا وقبّل مابين عينيه وأخذه وضمّه إلى صدره، ثمّ قال: (الله وليّك، الله ناصرك، والى الله مَن والاك وعادى الله مَن عاداك، أنتَ وصيّي وخليفتي من بعدي في أُمّتي)، ثمّ علا بكاؤه وانهملت بالدموع حتى سالت على خدّيه وعلى خدّ عليّ (عليه السلام)، فو الذي منّ عليّ بالإسلام لقد تمنّيت في تلك الساعة أنْ أكون مكانه على الأرض، ثمّ التفت إليّ وقال: (يا عمر، إذا نكث الناكثون، وقسط القاسطون، ومرَق المارقون، قام هذا مقامي حتى يفتح الله تعالى عليه وهو خير الفاتحين)، قال: فغاظني ذلك فقلت: يا عمر: فكيف تقدّمتموه وقد سمعت ذلك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ فقال: يا حارثة، بأمرٍ كان، فقلت: مِن الله أم مِن رسوله أم مِن عليّ؟ فقال: لا، بل الملك عقيم والحقّ لابن أبي طالب من دوننا.

١٣٧

في تفسير آيات القرآن الكريم

(وبالإسناد) يرفعه إلى ابن عبّاس أنّه قال: أخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بيد عليّ بن أبى طالب فصلّيا أربع ركَعات، فلمّا سلّم رفَع يده إلى السماء وقال: (اللهم سألك موسى بن عمران أنْ تشرح له صدره، وتيسّر له أمره وتحلّ عقدةً من لسانه يفقهوا قوله، وتجعل له وزيراً من أهله تشدّ به أزره، وأنا محمّد أسألك أنْ تشرح لي صدري وتيسّر لي أمري وتحلُل عقدةً من لساني يفقهوا قولي، وتجعل لي وزيراً من أهلي أخي اشدّد به أزرى وأشركه في أمري).

قال ابن عبّاس: فسمعت منادياً ينادي: يا محمّد أُوتيت سؤلك، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (ادع يا أبا الحسن، وارفع يدك إلى السماء، وقل: اللهم اجعل لي عندك عهداً معهوداً واجعل لي عندك ودّاً)، قال: فلمّا دعا نزل الأمين جبرئيل من عند ربّ العالمين وقال: اقرأ يا محمّد ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا )

١٣٨

فتلاها النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فتعجّب الصحابة والناس من سرعة استجابة دعائهما فقال (صلّى الله عليه وآله): (أتعجبون؟ اعلموا أنّ القرآن أربعة أرباع: ربعٌ فينا أهل البيت، وربعٌ قصص وأمثال، وربعٌ فرائض وإنذار، وربعٌ أحكام والله أنزل في عليّ كرائم القرآن).

(وقال الصادق (عليه السلام)): (ولايتي لعليّ بن أبى طالب أحبّ إليّ من ولادتي منه؛ لأنّ ولايتي له فرضٌ وولادتي منه فضل).

(وبالإسناد يرفعه إلى زين العابدين (عليه السلام)) قال: (كان رسول الله جالساً ومعه أصحابه في المسجد، فقال: أيّها الناس، يطلع عليكم من هذا الباب رجلٌ من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه، قال: فنظر الناس إلى الباب فطلع رجلٌ طوال يشبه دجّال مصر فتقدّم وسلّم على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجلَس، ثمّ قال: يا رسول الله، سمِعت أنّ الله عزّ وجل يقول: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ) ، فما الحبل الذي أمر الله تعالى الاعتصام به؟ فأطرق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مليّاً ثمّ رفَع رأسه وأشار بيده إلى عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: هذا الحبل الذي مَن تمسك واعتصم به نجا بعصمته في دنياه، ولم يضل في آخرته.

فوثب الرجل إلى أمير المؤمنين واحتضنه مِن ورائه وهو يقول: اعتصمت بحبل الله وبحبل رسوله وهذا أمير المؤمنين، ثمّ قام وخرج، فقام رجلٌ من الناس وقال: يا رسول الله، ألحقه وأسأله أنْ يستغفر لي؟ فقال: إذا تجده موفقاً قال فلحقت الرجل فسألته أنْ يستغفر لي، فقال: أفهمت ما قاله لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وما قلت له، قال: نعم قال له الرجل: إنْ كنت تتمسّك بذلك الحبل يغفر الله تعالى لك، وإلاّ فلا غفَر الله لك، قال: فرجعت وسألته عن ذلك الرجل فقال: هو أبو العبّاس الخضر (عليه السلام)).

(وبالإسناد) يرفعه إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (قال رسول الله يا عليّ، ألا ترضى إذا جُمع الناس يوم القيامة في صعيدٍ واحد حُفاة، عُراة، مشاة قد قَطع أعناقهم العطَش فيكون أوّل من يُدعى إبراهيم (عليه السلام) فيُكسى ثوبين

١٣٩

أبيَضين، ثمّ يقوم عن يمين العرش ثمّ يفتح لي شعب إلى الجنّة ما بين صنعاء إلى البصرة، وفيه عدد نجوم السماء أقداح من فضّة فأشرب وأتوضّأ ثمّ أُكسى ثوبين أبيضين، ثمّ أقوم عن يمين العرش ثمّ تُدعى فتشرب وتتوضّأ ثمّ تُكسى ثوبين أبيضين، وما أُدعى لخيرٍ إلاّ دُعيت وتُشفع إذا شفعت).

١٤٠