دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة0%

دراسة عامة في الامامة مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 282

دراسة عامة في الامامة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ إبراهيم الأميني
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: الصفحات: 282
المشاهدات: 71541
تحميل: 3859

توضيحات:

دراسة عامة في الامامة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71541 / تحميل: 3859
الحجم الحجم الحجم
دراسة عامة في الامامة

دراسة عامة في الامامة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

- ( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) (1) .

* كما عَدَّ القرآن الحوادث الماضية من أنباء الغيب، كقوله تعالى:

- ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) (2) .

- ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) (3) ، وقد جاءتْ هذه الآية في معرض الحديث عن قصّة يوسف (عليه السلام).

- ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ) (4) ، وهذه في معرض الحديث عن حوادث وقعت في زمن نوح (عليه السلام).

- ( أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ) (5) ، وهؤلاء كانوا الجنّ الذين سُخِّروا للعمل في خدمة سليمان (عليه السلام).

____________________

(1) البقرة: الآية 33.

(2) آل عمران: الآية 44.

(3) يوسف: الآية 102.

(4) هود: الآية 49.

(5) سبأ: الآية 14.

٢٢١

هل أنّ عِلْم الغيب من مختصّات الله عزّ وجل؟

لا ريب في أنّ الله محيط بعالم الوجود، والغيب والشهادة لديه سواء، ولا يبقى معنىً للزمان والمكان؛ لأنّ وجوده سبحانه مطلق لا يحدّه حدّ، لا يَغيب عن علمه مثقال ذرّة، كما هو محيط بعالم الشهود فهو محيط بعوالم الغيب؛ لأنّه الله خالق كلّ شيءٍ ربّ العالمين.

* والحديث هنا:

- هل هناك مَن يعلم الغيب غير الله؟

- وهل يمكن للإنسان الاتّصال والاطّلاع على عالم الغيب؟

* يقول البعض أنّ علم الغيب من مختصات الذات الإلهية لا يشاركه فيها أحد من العالمين حتى الأنبياء، ويستدلّون على ذلك بطائفة من الآيات الكريمة:

- ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ ) (1) .

- ( وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) (2) .

- ( قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (3) .

____________________

(1) الأنعام: الآية: 59.

(2) يونس: الآية 20.

(3) النمل: الآية 65.

٢٢٢

إضافة إلى آيات أُخرى تصرّح بعجز الأنبياء عن معرفة الغيب:

- ( قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) (1) .

- ( قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (2) .

- ( وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ) (3) .

* الجواب:

في معرض الإجابة عن هذا الإشكال نقول:

إنّ معطيات الآيات المذكورة وبشكل عام هي أنّ الغيب من مختصّات الله عزّ وجل لا يشركه فيه أحد، فلا يغيب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، وإنّ الأنبياء لا يعلمون شيئاً إلاّ ما علّمهم الله سبحانه، ومن هنا فَمِن الممكن أنْ يُطْلِعَ اللهُ عزّ وجلّ بعضَ عباده على بعض المغيَّبات كجزء مِن فيضه عزّ وجل على رُسُلِهِ، وهناك من الآيات القرآنيّة ما يعضد ذلك كقوله تعالى:

- ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) (4) .

- ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ

____________________

(1) الأنعام: الآية 50.

(2) الأعراف: الآية 188.

(3) هود: الآية 31.

(4) الجن: الآية 26 - 27.

٢٢٣

يَشَاءُ ) (1) .

- ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآَهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) (2) .

- ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) (3) .

- ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ) (4) .

وكثيرة هي الآيات التي تفيد بأنّ الغيب من مختصّات الله سبحانه يفيض بها على بعض عباده، بل إنّ ظاهرة الوحي والنبوّة هي شكل من أشكال العلاقة بين الإنسان وعالم الغيب التي لا يمكن فكّ رموزها، إذ يتعذّر علينا تفسير الطريقة التي يتمّ بها اتّصال الرسل بالملائكة وعالَم الغيب، وهي في كلّ الأحوال من ألطاف الله عزّ وجل تنعكس على القلوب المؤمنة التي طهّرها الله من الرجس.

ومهما بلغتْ مرتبة أولئك الأفراد من الشأن والمنزلة فليس بمقدورهم الاطّلاع على عالم الغيب بشكل مطلق. إنّهم يظلّون في دائرة محدودة وفي حدود المشيئة الإلهيّة والإرادة الربّانيّة.

ومن خلال الجَمْع بين الطائفتَين من الآيات التي تجعل إحداهما الغيب من مختصّات الذات الإلهية، والأُخرى التي تفيد بأنّ الرسل يطّلعون على جزء من الغيّبيات، نستخلص أنّ الله عزّ وجل يتلطّف على بعض عباده فيُطْلعهم على جزء من المغيّبات؛ من أجل صقل نفوسهم وإضاءة قلوبهم وتسديدهم في مهامّهم

____________________

(1) آل عمران: الآية 179.

(2) التكوير: الآية 19 - 24.

(3) آل عمران: الآية 44 / يوسف: الآية 102.

(4) هود: الآية 49.

٢٢٤

الرساليّة.

وفي سوى ذلك يبقى الرسل والأنبياء كسائر البشر لا يعرفون شيئاً سوى الوحي وما تخبره السماء:

- ( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) (1) .

- ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (2) .

- ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (3) .

- ( مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإَِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) (4) .

الإمام وعلم الغيب:

بحثنا فيما مضى أنّ الله عزّ وجل هو عالِم الغيب والشهادة وأنّه سبحانه يفيض على بعض عباده بالمغيّبات، وأنّه من لطف الله انّه يوحي إلى عباده ويَصطفِي منهم، فيُطْلِعهم على عالَم الغيب.

* والسؤال هنا:

هل يمكن للإمام الارتباط بعالَم الغيب أَمْ لا؟

* إنّ الأحاديث التي تفيد بهذه الناحية تنقسم إلى طوائف:

____________________

(1) الأحقاف: الآية 9.

(2) التوبة: الآية 101.

(3) الإسراء: الآية 36.

(4) ص: الآية 69.

٢٢٥

الأولى:

بحثناها في مصادر علم الإمام، وقلنا إنّ أحدها الإلهام، حيث يقذف الله الحقائق في قلب الإمام. فالإلهام يختلف عن وحي الأنبياء، والإمام لا يرى المَلَك ولكنّه يستمع إلى وقع في الأُذُن، وإنّ الأئمّة الطاهرين يُزادون، وإلاّ نفد ما عندهم، وإذنْ،فهناك شكل من أشكال الارتباط بعالم الغيب.

الثانية:

وتفيد بأنّ الأئمّة على ارتباط بأخبار السماء؛ لأنّ الله أكرم من أنْ يفرض على الناس طاعة بعض عباده ثمّ يحجب عنهم أخبار السماء.

أحاديث:

- عن ضريس الكناسي قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول - وعنده أُناس من أصحابه -: (عجبتُ من قوم يتولَّونا ويجعلونا أئمّةً، ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلَّى الله عليه وآله، ثمّ يكسرون محبّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقّنا ويعيبون ذلك على مَن أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا، أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثمّ يُخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يَرِدُ عليهم ممّا فيه قوام دينهم؟!) (1) .

- وعن جماعة بن سعد الخثعمي أنّه قال: كان المفضّل عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له المفضل: جُعلتُ فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص261.

٢٢٦

ويحجب عنه خبر السماء؟

قال: (لا، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أنْ يفرض طاعةَ عبدٍ على العباد، ثمّ يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً) (1) .

- وعن صفوان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنّ الله أجلّ وأعظم مِن أنْ يحتجّ بعبد من عباده، ثمّ يخفي عنه شيئاً من أخبار السماء والأرض) (2) .

- وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (سئل علي (عليه السلام) عن النبي (صلَّى الله عليه وآله) فقال: علم النبي علم جميع النبيّين، وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة.

ثمّ قال: والذي نفسي بيده إني لأعلم علم النبي (صلَّى الله عليه وآله) وعلم ما كان وعلم ما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة) (3) .

- وعن عبد الأعلى وعبيدة بن عبد الله بن بشر الخثعمي وعبد الله بن بشير أنّهم سمعوا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إِّني لأعلم ما في السموات وأعلم ما في الأرضين، وأعلم ما في الجنّة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما هو كائن وما يكون.

ثمّ مكث هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على مَن سَمِعَهُ فقال: علمتُ من كتاب الله أنّ الله يقول: فيه تبيان كلّ شيء) (4) .

- وعن أبي بصير قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): هل رأى محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ملكوت السموات والأرض كما رأى إبراهيم؟

قال: (نعم، وصاحبكم) (5) .

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص261.

(2) بحار الأنوار: ج26 ص110.

(3) بحار الأنوار: ج26 ص110.

(4) بحار الأنوار: ج26 ص111.

(5) بحار الأنوار: ج26 ص115.

٢٢٧

- عن ابن مسكان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) قال: (كُشِطَ لإبراهيم (عليه السلام) السماوات السبع حتّى نظر إلى ما فوق العرش وكُشط له الأرض حتّى رأى ما في الهواء، وفُعل بمحمّد(صلَّى الله عليه وآله) مثل ذلك وإنّي لأرى صاحبكم والأئمّة من بعده قد فعل بهم مثل ذلك) (1) .

- وعن علي (عليه السلام) قال: (أيُّها الناس سلوني قبل أنْ تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض) (2) .

وأحاديث أُخرى:

- عن الصادق (عليه السلام) قال: (والله لقد أُعطينا علم الأوّلين والآخرين.

فقال له رجل من أصحابه: جُعلتُ فداك أعندكم علم الغيب؟

فقال: ويحك إنّي لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وَيْحَكُم وسّعوا صدورَكم ولْتُبْصِر أَعْيُنُكُم وَلْتَعِ قُلُوبُكُم، فنحن حجّة الله تعالى في خَلْقه، ولَنْ يسع ذلك إلاّ صدرُ مؤمنٍ قوي قوّته كقوّة جبال تهامة إلاّ بإذن الله، والله لو أَرَدْتُ أَنْ أُحصي لكم كلّ حصاة عليها لأخبرتكم، وما مِن يوم وليلة إلاّ والحصى تلد إيلاداً كما يلد هذا الخلق، والله لتتباغضون بعدي حتّى يأكل بعضكم بعضاً) (3) .

- وعن أبي بكر الحضرمي قال: قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): (يا أبا بكر ما يخفى عليّ شيء من بلادكم) (4) .

____________________

(1) بحار الأنوار: ج26 ص114.

(2) ينابيع المودّة: ص76.

(3) بحار الأنوار: ج26 ص27.

(4) المصدر السابق: ص136.

٢٢٨

- وعن علي بن إسماعيل الأزرق قال: قال أبو عبد الله: (إنّ الله أحكم وأكرم وأجلّ وأعظم وأعدل مِن أَنْ يحتجّ بحجّة، ثمّ يغيّب عنه شيئاً من أمورهم) (1) .

- وعن أمير المؤمنين في حديث له مع رميلة قال: (يا رميلة ليس يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها) (2) .

- وعن المفضّل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أُعطيت تسعاً لم يعطها أحدٌ قبلي سوى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): لقد فُتحتْ لي السُبُل، وعلمتُ المنايا والبلايا والأنساب وفصْل الخطاب، ولقد نظرتُ في الملكوت بإذن ربي فما غاب عنِّي ما كان قبلكم ولا ما يأتي بعدي، وأنّ بولايتي أَكمل اللهُ لهذه الأُمّة دينهم وأتمّ عليهم النِعَم ورضي لهم إسلامهم، إذ يقول يوم الولاية لمحمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يا محمّد أخبرهم أنّي أكملتُ لهم اليوم دينَهم وأتممتُ عليهم النِعَم ورَضِيْتُ إسلامهم، كلّ ذلك منّاً من الله عليّ فله الحمد) (3) .

____________________

(1) المصدر السابق: ص138.

(2) المصدر السابق: ص140.

(3) المصدر السابق: ص141.

٢٢٩

أنباء الغيب

وطائفة من الأحاديث ثالثة:

وفيها حشد من الأحاديث والروايات والحوادث التاريخيّة المشهورة، التي تقطع بأنّ عليّاً (عليه السلام) والأئمّة مِن بعده كانوا يفصحون عن بعض المغيَّبات، وكان ذلك مثاراً لدهشة الناس وقتها.

- فعن محمّد بن علي قال: لمّا قال علي (عليه السلام): (سلوني قبل أنْ تفقدوني، فوالله لا تسألونني عن فئة تُضلّ مائة وتهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقتها وسائقتها.

قام إليه رجل فقال: أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة شعر.

فقال له علي (عليه السلام): والله لقد حدّثني خليلي أنّ على كلّ طاقة شعر من رأسك مَلِكَاً يَلْعَنُك، وأنّ على كلِّ طاقة شعر مِن لحيتك شيطاناً يغويك، وأنّ في بيتك سخلاً يقتل ابن رسول الله صلَّى الله عليه وآله، وكان ابنه قاتل الحسين (عليه السلام) يومئذ طفلاً يحبو، وهو سنان ابن أنس النخعي) (1) .

- عن سويد بن غفلة: أنّ عليّاً (عليه السلام) خطب ذات يوم، فقام رجل مِن تحت منبره، فقال: يا أمير المؤمنين إنّي مررتُ بوادي القرى فوجدتُ خالد بن

____________________

(1) شرح ابن أبي الحديد: ج2 ص286.

٢٣٠

عرفطة قد مات، فاسْتَغْفِر له.

فقال (عليه السلام): (والله ما مات ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حمار.

فقام رجل آخر من تحت المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا حبيب بن حمار، وإنّي لك شيعة ومحبّ.

فقال: أنت حبيب بن حمار؟ قال: نعم. فقال له ثانية: والله إنّك لحبيب بن حمار؟ فقال: أي والله! قال: أَمَا والله إنّك لحاملها ولتحملنّها، ولتدخلنّ بها هذا الباب، وأشار بها إلى باب الفيل بمسجد الكوفة) (1) .

- وروى عثمان بن سعيد عن يحيى التيمي، عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء، قال: قام أعشى باهلة - (عامر بن الحارث صاحب المرثيّة المشهورة في أخيه) وهو غلام يومئذ حدث - إلى علي (عليه السلام)، وهو يخطب ويذكر الملاحم، فقال: يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة!

فقال علي (عليه السلام): (إنْ كنتَ آثما فيما قلتُ يا غلام فرماك الله بغلام ثقيف. ثمّ سكت.

فقام رجال فقالوا: ومَن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟

قال: غلام يملك بلدتكم هذه، لا يترك لله حرمة إلاّ انتهكها، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه.

فقالوا: كم يملك يا أمير المؤمنين؟ قال: عشرين إنْ بلغها. قالوا: فيُقتل قتلاً أَمْ يموت موتاً؟ قال: بل يموت حتف أنفه بداء البطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه.

قال إسماعيل بن رجاء: فوالله لقد رأيتُ بعيني أعشى باهلة ، وقد أُحضر في جملة الأسرى الذين أُسروا من جيش عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث بين يدي الحجاج فقرّعه ووبّخه، واستنشده شعره الذي يحرّض فيه عبد الرحمن على الحرب، ثمّ ضرب عنقه في ذلك المجلس) (2) .

____________________

(1) المصدر السابق.

(2) المصدر السابق: ص289.

٢٣١

- عن شمير بن سدير الازدي، قال: قال علي (عليه السلام) لعمرو بن الحمق الخزاعي: (أين نزلتَ يا عمرو؟ قال: في قومي. قال: لا تنزلنّ فيهم. قال: فأنزلُ في بني كنانة جيراننا؟ قال: لا. فأنزل في ثقيف؟ قال: فما تصنع بالمعرّة والمجرّة؟ قال: وما هما؟ قال: عُنُقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة، يأتي أحدهما على تميم وبكر بن وائل، فقلّما يفلت منه أحد، ويأتي العنق الآخر، فيأخذ على الجانب الآخر من الكوفة، فقلّ مَن يصيب منهم، إنّما يدخل الدار فيحرق البيت والبيتَين.

قال: فأين أنزل؟ قال: انْزِل في بني عمرو بن عامر، من الأَزْد. قال: فقام قوم حضروا هذا الكلام: ما نراه إلاّ كاهناً يتحدّث بحديث الكَهَنَة. فقال: يا عمرو إنّك لمقتول بعدي، وإنّ رأسك لمنقول، وهو أوّل رأس ينقل في الإسلام، والويل لقاتلك؛ أَمَا إنّك لا تنزل بقوم إلاّ أسلموك برمّتك إلاّ هذا الحيّ من بني عمر بن عامر من الأزد، فإنّهم لنْ يسلّموك ولنْ يخذلوك.

قال: فوالله ما مضتْ الأيّام حتّى تنقّل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب، خائفاً مذعوراً، حتّى في بني قومه من بني خزاعة، فأسلموه فَقُتِلَ وحُمِلَ رأسُه من العراق إلى معاوية بالشام، وهو أوّل رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد) (1) .

- دخل جويرية - وكان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) - على عليٍّ (عليه السلام): وهو مضطجع وعند قوم من أصحابه فناداه جويرية: أيّها النائم، استيقظ، فلتضربنّ على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك.

قال (الراوي): فتبسّم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقال: (وأُحدّثك يا جويرية بأمرك، أَمَا والذي نفسي بيده لَتُعْتَلَنَّ إلى العُتُلّ الزنيم، فليَقطعنّ يدَك ورجلَك تحت جذع كافر.

____________________

(1) المصدر السابق ص290.

٢٣٢

قال: فوالله ما مضتْ الأيّام على ذلك حتّى أَخذ زياد جويرية، فقطع يدَه ورجلَه وصَلَبَهُ إلى جانب جذع ابن مكعبر، وكان جذعاً طويلاً، فصلبه على جذع قصير جانبه) (1) .

- روى إبراهيم في كتاب (الغارات) عن أحمد بن الحسن الميثمي قال: إنّ علياً (عليه السلام) قال لميثم التمّار - وكان من أصحابه والمقرّبين إليه وقد أَطْلَعَهُ (عليه السلام) على عِلْمٍ كثير وأسرار خفيّة، فكان ميثم يُحدّث ببعض ذلك فيَشكّ فيه قومٌ من أهل الكوفة، وينسبون عليّاً في ذلك إلى المخرفة والإيهام والتدليس، حتّى قال له يوماً - بمحضر من خَلْقٍ كثير من أصحابه وفيهم الشاكّ والمخلص: (يا ميثم إنّك تُؤخَذ بعدي وتُصْلَب، فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دماً، حتّى تُخَضَّب لحيتُك، فإذا كان اليوم الثالث طُعِنْتَ بحربة يُقْضَى عليك، فانتظر ذلك، والموضع الذي تُصلب فيه على باب دار عمرو بن حريث، إنّك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهّرة - يعني الأرض - ولأرينك النخلة التي تُصلب على جذعها، ثمّ أراه إيّاها بعد ذلك بيومين.

وكان ميثم يأتيها، فيصلّي عندها، ويقول: بوركتِ من نخلة لك خُلِقْتُ، ولي نَبَتِّ، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل عليّ (عليه السلام) حتّى قُطعتْ فكان يرصد جذعها، ويتعاهده ويتردّد عليه، ويبصّره، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إنّي مجاورك فأحْسِن جواري، فلا يعلم عمرو ما يريد فيقول له: أَتُرِيْدُ أنْ تشتري دارَ ابن مسعود، أَمْ دارَ ابن حكيم؟

قال (الراوي): وحجّ في السنة التي قُتل فيها... فلمّا قدم الكوفة أُخذ وأُدخل على عبيد الله بن زياد وقيل له: هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب.

____________________

(1) المصدر السابق.

٢٣٣

قال: وَيْحَكُم هذا الأعجمي؟! قالوا: نعم. فقال له عبيد الله: أين ربّك؟ قال: بالمرصاد. قال: قد بلغني اختصاص أبي تراب لك. قال: قد كان بعض ذلك، فما تريد؟ قال: وإنّه لَيُقَال إنّه أخبرك بما سيلقاك. قال: نعم، إنّه أخبرني. قال: ما الذي أخبرك أنّي صانع بك؟ قال: أَخْبَرَنِي إنّك تصلبني عاشر عشرة، وأنا أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهّرة. قال: لأُخالفنّه. قال: وَيْحَكَ كيف تخالفه إنّما أَخبر عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأَخبر رسول الله عن جبرئيل، وأَخبر جبرئيل عن الله، فكيف تخالف هؤلاء؟!

أَمَا والله لقد عرفتُ الموضع الذي أُصلب فيه أين هو من الكوفة، وإنّي لأوّل خلق الله أُلْجَم في الإسلام بلجام كما يُلْجَم الخيل.

فَحَبَسَهُ وحَبَسَ معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي .

فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد: إنّك تَفْلِتُ وتَخرج ثائراً بدم الحسين (عليه السلام)، فَتَقْتُلُ هذا الجبّار الذي نحن في سجنه وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه.

فلمّا دعا عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله، طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد، يأمره بتخلّية سبيله.

وأمّا ميثم فأُخرج بعده ليصلب.

وقال عبيد الله: لأمضينّ حكم أبي تراب فيه.

فَلَقِيَهُ رجلٌ، فقال له: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم؟

فتبسّم، وقال: لها خلقت ولي غذيت.

فلمّا رُفع على الخشبة، اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد كان يقول لي: إنّي مجاورك، فكان يأمر جاريته كلّ عشية أنْ تكنس تحت خشبته، وتجمّر بالمجمر تحته.

فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم ومخازي بني أُميّة، وهو مصلوب على الخشبة، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد.

فقال: أَلْجِمُوْهُ، فَأُلْجِمَ، فكان أوّل خَلْق أُلْجِمَ في

٢٣٤

الإسلام، فلمّا كان في اليوم الثاني فاضتْ منخراه وفمه دَمَاً، فلمّا كان في اليوم الثالث طُعِنَ بحربة فمات (1) .

- عن زياد بن النضر الحارثي، قال: كنتُ عند زياد، وقد أُتي برشيد الهجري - وكان من خواص أصحاب علي (عليه السلام) - فقال له زياد: ما قال خليلك لك إنّا فاعلون بك؟

قال: تقطعون يدي ورجلي، وتصلبونني.

فقال زياد: أَمَا والله لأُكذِّبنّ حديثه. خلّوا سبيله، فلمّا أراد أنْ يخرج قال: ردّوه لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال لك صاحبك، إنّك لا تزال تبغي لنا سوءاً إنْ بَقِيْتَ، اقطعوا يدَيه ورجلَيه. فَقَطَعُوا يدَيه ورجلَيه وهو يتكلّم، فقال: اصلبوه خنقاً في عنقه.

فقال رشيد: قد بقي لي عندكم شيء ما أراكم فعلتموه.

فقال زياد: اقطعوا لسانه، فلمّا أخرجوا لسانه ليقطع.

قال: نفّسوا عنّي أتكلّم كلمة واحدة، فنفسوا عنه، فقال: هذا والله تصديق خبر أمير المؤمنين، أخبرني بقطع لساني، فقطعوا لسانه وصلبوه (2) .

- وقيل للإمام علي (عليه السلام) قبل اندلاع حرب النهروان: إنّ الخوارج قد عبروا الجسر.

فقال (عليه السلام): (والله ما عبروه، وإنّ مصارعهم لدون الجسر، ووالله لا يُقتل منكم عشرة ولا يَسلم منهم عشرة) (3) .

- وقال سلام الله عليه يُخبِر عن غرق البصرة: (كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق مَن في ضمنها.

وفي رواية: وايم الله لتغرقنّ بلدتكم حتّى كأنّي أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة، أو

____________________

(1) المصدر السابق: ص291.

(2) المصدر السابق: ص294.

(3) الكامل في التاريخ: ج3 ص345 / شرح ابن أبي الحديد: ج5، ص3.

٢٣٥

نعامة جاثمة.

وفي أُخرى: كجؤجؤ طير في لجّة بحر) (1) .

وأنباء أُخرى عن سائر الأئمّة (عليهم السلام):

- عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (خرج الحسن بن علي (عليه السلام) إلى مكّة سنة ماشياً، فَوَرِمَتْ قدماه، فقال له بعض مواليه: لو ركبتَ يسكن عنك هذا الورم.

فقال: كلا إذا أتينا هذا المنزل فإنّه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشترِ منه ولا تماكسه.

فقال له مولاه: بأبي أنت وأُمي ما قدمنا منزلاً فيه أحد يبيع هذا الدواء.

فقال: بلى إنّه أمامك دون المنزل، فسار ميلاً فإذا هو بالأُسود.

فقال الحسن لمولاه: دونك الأسود فخذ منه الدهن واعطه الثمن.

فقال الأسود: يا غلام: لِمَنْ أردتَ هذا الدهن؟

فقال: للحسن بن علي.

فقال: انطلق بي إليه، إلى أنْ قال: إنّما أنا مولاك ولكن ادع الله أنْ يرزقني ذكراً سويّاً يحبّكم أهل البيت، فإنّي خلفت أهلي تمخض.

فقال: انطلق إلى منزلك فقد وهب الله لك ذكراً سويّاً وهو من شيعتنا) (2) .

- عن حذيفة قال: سمعتُ الحسين بن علي (عليه السلام) يقول: (والله ليجتمعنّ على قتلي بنو أُميّة، ويقدمهم عمر بن سعد، وذلك في حياة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

فقلت له: أنبأك بهذا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

قال: لا.

فأتيت النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فأخبرته فقال: (علمي علمه وعلمه علمي) ) (3) .

- كتب الحجّاج بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان: إنْ أردتَ أنْ يثبت

____________________

(1) نهج البلاغة: الخطبة 13.

(2) إثبات الهداة: ج5 ص146.

(3) المصدر السابق: ص207.

٢٣٦

ملكك فاقتل عليّ بن الحسين.

فكتب عبد الملك إليه: أمّا بعد فجنِّبْني دماء بني هاشم واحقنها فإنّي رأيتُ آل أبي سفيان لمّا ولعوا فيها لم يلبثوا أنْ أزال الله المُلك منهم، وبعث بالكتاب سرّاً إلى الحجّاج.

فكتب علي بن الحسين (عليه السلام) إلى عبد الملك في الساعة التي أنفذ فيها الكتاب إلى الحجّاج: (علمتُ ما كتبتُ في حقن دماء بني هاشم، وقد شكر الله لك ذلك وثبّت ملكك وزاد في عمرك)، وبعث مع غلام من مكّة بتاريخ تلك الساعة وسلّم إليه الكتاب.

فلمّا بصر عبد الملك في تاريخ الكتاب وجده موافقاً لتاريخ كتابه، فلم يشك في صدق زين العابدين ففرح بذلك وبعث إليه بوقر دنانير، وسأله أنْ يكتب إليه بجميع حوائجه وحوائج أهل بيته ومواليه (1) .

- عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): أنّه كان في المسجد فدخل عمر بن عبد العزيز، فقال أبو جعفر (عليه السلام): (أَمَا والله لا تذهب الأيّام حتّى يملكها هذا الغلام، فيظهر العدل جهده ويعيش وينقص ثمّ يموت فتبكي عليه أهل الأرض، وتلعنه ملائكة السماء) (2) .

- ولمّا بايع الهاشميّون محمّد بن عبد الله بن الحسن قال لهم الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تفعلوا فإنّ الأمر لم يأتِ بعد، وضرب بيده على ظهر أبي العبّاس السفّاح، ثمّ ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن، وقال: والله إنّها ما هي لك ولا إلى ابنَيك، ولكنّها لهم وإنّ ولديك لمقتولان).

وفي رواية أُخرى قال الإمام الصادق لعبد الله بن الحسن في مجلس ضمّ السفّاح والمنصور: (إنّ هذا الأمر والله ليس إليك ولا إلى ابنَيك، وإنّما هو لهذا

____________________

(1) المصدر السابق: 235.

(2) المصدر السابق: ص315.

٢٣٧

ولهذا - وأشار إلى السفاح والمنصور - ثمّ لولده مِن بعده، ولا يزال فيهم حتّى يؤمّروا الصبيان ويشاوروا النساء.

ومضى يقول: وإنّ هذا - وأشار إلى المنصور - يقتله على أحجار الزيت (مكان خارج المدينة المنوّرة، قُتل فيه محمّد بن عبد الله بن الحسن سنة 145هـ) ) (1) .

- ولمّا عزم الحسين بن علي صاحب فخ على الثورة، استشار الإمام الكاظم فأخبره: (إنّك مقتول). وكان مصير الثورة كما أخبر به الإمام (عليه السلام) (2) .

- عن الحسين بن بشّار قال: قال الرضا (عليه السلام): (إنّ عبد الله يَقتل محمّداً.

فقلنا له: عبد الله بن هارون يَقتل محمّد بن هارون؟!

فقال لي: نعم، عبد الله الذي بخراسان يَقتل محمّد بن زبيدة الذي هو ببغداد) (3) .

- عن عمران بن محمّد الأشعري قال: دخلتُ على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) وقضيتُ حوائجي، وقلتُ: إنّ أُمّ الحسن تُقرئك السلام وتسألك ثوباً من ثيابك تجعله كَفَنَاً لها.

فقال: (قد استغنتْ عن ذلك).

وخرجتُ لا أدري ما معنى ذلك؟! فأتاني الخبر أنّها قد ماتتْ قبل ذلك بثلاثة عشر يوماً (4) .

- عن خيران الاسباطي قال: لمّا قَدِمْتُ على أبي الحسن (عليه السلام) المدينة فقال لي: (ما خبر (الواثق) عندك؟

قلتُ: جُعلت فداك خلفته في عافية أنا أقرب الناس عهداً به عهدي به منذ عشرة أيّام.

قال: فقال لي: إنّ أهل المدينة يقولون إنّه مات.

فلمّا قال لي الناس علمتُ أنّه هو.

ثمّ قال لي: ما فعل جعفر؟

قلتُ: خلّفتُه أسوأ الناس حالاً في السجن.

قال: أَمَا إنّه صاحب الأمر، ما فعل ابن

____________________

(1) مقاتل الطالبيِّين: ص172.

(2) المصدر السابق: ص298.

(3) إثبات الهداة: ج6 ص65.

(4) المصدر السابق: ص186.

٢٣٨

الزيات؟

قلتُ: جُعلت فداك الناس معه والأمر أمره.

قال: فقال: أما إنّه شوم عليه .

قال: ثمّ سكت وقال لي: لا بدّ أنْ تجري مقادير الله وأحكامه، يا خيران مات الواثق وقد قعد المتوكّل جعفر، وقد قُتل ابن الزيات.

قلت: متى جُعلت فداك؟

قال: بعد خروجك بستّة أيّام) (1) .

- عن أيّوب بن نوح قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السلام): إنّ لي حَمْلاً، فَادْعُ الله لي أنْ يجعله ابناً.

فكتب إليّ: (إذا وُلد لك فسمّه محمّداً)

قال: فَوُلِدَ ابن وسمَّيتُه محمّداً (2) .

- عن أبي هاشم قال: كنتُ مضيّقاً فأردتُ أنْ أطلب دنانير في هذا الكتاب فاستحييتُ، فلمّا صرتُ إلى منزلي وجّه إليّ بمائة دينار وكتب إليّ: (إذا كانت لك حاجة لا تستحي ولا تحتشم واطلبها فإنّك ترى ما تحبّ إنْ شاء الله) (3) .

- عن محمّد بن علي بن شاذان قال: اجتمع خمسمائة درهم تنقص عشرين درهماً، فأنفتُ أنْ أبعث بخمسمائة درهم تنقص عشرين، فوزنْتُ من عندي عشرين درهماً وبعثتها إلى الأسدي، ولم أكتب مالي فيها، فورد: (وصلتْ خمسمائة درهم لك منها عشرون درهماً) (4) .

____________________

(1) إثبات الهداة: ج6 ص213.

(2) المصدر السابق: ص256.

(3) المصدر السابق: ص286.

(4) المصدر السابق: ص284.

٢٣٩

علم الغيب

إنّ ارتباط الأئمّة الأطهار بعالَم الغَيب لا يعني أنّهم يحيطون ذاتيّاً بهذا العالم اللا متناهي من المغيّبات، إنّهم - وفي كلّ الأحوال - يستمدّون علمهم من الذات الأَحَدِيَّة، والمحدود كما يُقال لا يحيط بالمطلق، وما دام الإمام محتاجاً في وجوده فهو في علمه محتاج.

وميزتهم الوحيدة في هذا المضمار أنّهم يستطيعون الاستفادة من طاقة باطنيّة، فتنفتح لهم نافذة على عالم الغيب، وكلّ هذا فيض من عالِم الغيب والشهادة اللهِ ربِّ العالمين. فقد يحدث أنْ:

- يقذف في قلوبهم.

- أو ينقر في أسماعهم.

- أو هو علم وَرِثُوه عن جدّهم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

* وهذه أحاديث تؤيد ذلك:

- عن عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإمام يعلم الغيب؟

فقال: (لا، ولكنْ إذا أراد أنْ يعلم الشيء أعلمه الله ذلك) (1) .

- عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ الإمام إذا

____________________

(1) أصول الكافي: ج1 ص257.

٢٤٠