حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 571
المشاهدات: 189217
تحميل: 3497


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189217 / تحميل: 3497
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 1

مؤلف:
العربية

(لا تكرم الفساق) من باب الاجتماع (كصل ولا تغصب) لا من باب التعارض إلا إذا لم يكن للحكم في أحد الخطابين في مورد الاجتماع مقتض كما هو الحال أيضا في تعدد العنوانين فما يترآئى منهم من المعاملة مع مثل (أكرم العلماء) (ولا تكرم الفساق) معاملة تعارض العموم من وجه انما يكون بناء على الامتناع أو عدم المقتضي لاحد الحكمين في مورد الاجتماع

فصل في ان النهى عن الشئ هل يقتضى فساده أم لا ؟

وليقدم أمور (الاول) أنه قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها وبين هذه المسألة وانه لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما بما هو جهة البحث في الاخرى وان البحث في هذه المسألة في دلالة النهي - بوجه يأتي تفصيله - على الفساد بخلاف تلك المسألة فان البحث فيها في أن تعدد الجهة يجدي في رفع غائلة اجتماع الامر والنهي في مورد الاجتماع (الثاني) انه لا يخفى ان عد هذه المسألة من مباحث الالفاظ انما هو لاجل انه في الاقوال قول بدلالته على الفساد في المعاملات

______________________________

واحد وهو الاكرام وإنما الاختلاف بالاضافة إلى العلماء والفساق ونظيره السجود لله سبحانه والسجود للصنم (قوله: مع مثل اكرم) يعني مما كان موضوع الامر والنهي واحدا ذاتا والاختلاف بالاضافة (قوله: على الامتناع) وكذا على الجواز لان مثل اكرم العلماء من العام السرياني الذي لا يكون فيه مندوحة فالمجمع مما لا يمكن الاخذ بالدليلين فيه لانه تكليف بما لا يطاق فلا بد من إعمال قواعد التعارض بينهما فتأمل جيدا والله سبحانه اعلم

النهى عن الشئ هل يقتضى فساده ام لا ؟

(قوله: من مباحث الالفاظ) مما يقتضي ذلك جعل عنوان المسألة في لسان بعض: (دلالة النهي على فساد المنهي عنه) إذ من المعلوم ان الدلالة

٤٢١

مع انكار الملازمة بينه وبين الحرمة التي هي مفاده فيها ولا ينافي ذلك ان الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة انما تكون بينه وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة وعلى تقدير عدمها تكون منتفية بينهما لامكان ان يكون البحث معه في دلالة الصيغة بما تعم دلالتها بالالتزام فلا تقاس بتلك المسألة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس فتأمل جيدا (الثالث) ظاهر لفظ النهي وان كان النهي التحريمي الا أن ملاك البحث يعم التنزيهى ومعه لا وجه لتخصيص العنوان،

______________________________

من أحوال اللفظ وأما مثل عنوان المتن فهو كذلك لو حمل الاقتضاء على الدلالة - بقرينة نسبته إلى النهي - أما لو حمل على ظاهره وحمل النهي على التحريم لم تكن من مباحث الالفاظ (قوله: مع انكار الملازمة) فلو كان البحث في المقام عن الملازمة التي لا مساس لها باللفظ لا عن الدلالة التي هي من أحواله كان اللازم عد القول المذكور من القول بالنفي لا قولا بالاثبات كما صنعوا إلا ان يقال: إذا كان ثبوت الملازمة محل اشكال كيف يقع النزاع في الاثبات ؟ كما تقدم نظيره في الرد على المعالم في مبحث المقدمة إلا أن يفرق بين المقامين بانه لا نزاع في عدم الدلالة على تقدير عدم الملازمة بين وجوب الشئ ووجوب مقدمته بخلاف المقام لثبوت القول بالدلالة مع انكار الملازمة وحينئذ فالبحث عن الملازمة هنا من قبيل البحث عن بعض مبادئ المسألة فلاحظ (قوله: مفاده فيها) الضمير الاول راجع إلى النهي والثاني راجع إلى المعاملات والظرف متعلق بالملازمة (قوله: ولا ينافي ذلك) وجه توهم المنافات أنه إذا كان القائل بالملازمة بين الحرمة والفساد في العبادة يقول بها مطلقا ولو لم تكن الحرمة مدلولا عليها بالصيغة يكون النزاع في العبادة منحصرا في ثبوت الملازمة وعدمها ولا يرتبط باللفظ (قوله: لامكان ان يكون) تعليل لنفي المنافاة يعني يمكن إرجاع النزاع إلى حال اللفظ بأن يكون النزاع في الدلالة اللفظية ولو كانت التزامية متفرعة على ثبوت الملازمة (قوله: ملاك البحث) المراد به الجهة المقصودة بالبحث وهي التنافي بين مفاد النهي والصحة

٤٢٢

واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به كما لا يخفى، كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي فيعم الغيري إذا كان أصليا وأما إذا كان تبعيا فهو وان كان خارجا عن محل البحث لما عرفت أنه في دلالة النهي، والتبعي منه من مقولة المعنى الا أنه داخل فيما هو ملاكه فان دلالته على الفساد - على القول به فيما لم يكن للارشاد إليه - إنما يكون لدلالته على الحرمة من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك كما توهمه القمي قدس سره ويؤيد ذلك أنه جعل ثمرة النزاع في أن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده فساده إذا كان عبادة فتدبر جيدا (الرابع) ما يتعلق به النهي إما أن يكون عبادة أو غيرها،

______________________________

فان ذلك يعم النهي التنزيهي كما أن الغرض المقصود بالبحث (أعني صحة العبادة وفسادها) لا يختص بالنهي التحريمي (قوله: واختصاص عموم) هذا الاختصاص لا وجه له إلا الاجماع على صحة المعاملة المكروهة ولولاه لامكن النزاع في صحة المعاملة المكروهة كالنزاع في صحة المعاملة المحرمة (قوله: التخصيص به) يعني بالتحريمي (قوله: عرفت انه) يعني البحث (قوله: من مقولة المعنى) كما تقدم في مبحث المقدمة فلا يكون داخلا في محل الكلام (أقول): على هذا يكون توصيف النهي بالاصلي على نحو المسامحة إذ معروض الوصفين المذكورين أمر غير اللفظ فقد يكون مدلولا عليه باللفظ وقد لا يكون فراجع (قوله: فيما لم يكن للارشاد) أما لو كان ارشادا إلى الفساد كالنواهي الواردة في مقام بيان شرح الماهيات بشروطها وموانعها فدلالته على الفساد مما لا كلام فيها وإلا كان خلفا (قوله: من غير دخل لاستحقاق) يعنى حتى يتوهم اختصاصه بالنفسي لان الغيري لا يقتضي الاستحقاق كما تقدم ولو بني على دخل الاستحقاق في الفساد لم يكن فرق بين الغيري الاصلي والتبعي في خروجهما عن محل الكلام (قوله: ويؤيد ذلك) ووجهه أن النهي عن الضد الآتي من قبل الامر بضده نهي غيري لا يوجب استحقاق العقاب مع أنه يقتضي الفساد (أقول): قد تقدم في مسألة الضد ما له نفع في

٤٢٣

والمراد بالعبادة ههنا (ما) يكون بنفسه وبعنوانه عبادة له تعالى موجبا بذاته للتقرب من حضرته لولا حرمته كالسجود والخضوع والخشوع له وتسبيحه وتقديسه، (أوما) لو تعلق الامر به كان أمره امرا عباديا لا يكاد يسقط الا إذا أتي به بنحو قربي كسائر امثاله نحو صوم العيدين والصلاة في ايام العادة، لا (ما) أمر به لاجل التعبد به ولا (ما) يتوقف صحته على النية

______________________________

المقام فراجع (قوله: والمراد بالعبادة ههنا) قال الشيخ الطبرسي قدس سره: العبادة غاية الخضوع والتذلل ولذلك لا تحسن الا لله تعالى الذي هو مولي أعظم النعم فهو حقيق بغاية الشكر، انتهى. وفى الاصطلاح تطلق على معنيين (أحدهما): ما أمر به بنحو لا يسقط أمره إلا إذا جئ به بعنوان قربي وتسمى العبادة بالمعنى الاخص (وثانيهما) مطلق ما أمر به بنحو يمكن اتيانه بنحو قربي وتسمى العبادة بالمعنى الاعم وبالمعنى الاول تختص بالعباديات المقابلة للتوصليات، وبالمعنى الثاني تشمل العباديات والتوصليات معا وليس المراد من العبادة المذكورة في العنوان أحد هذين المعنيين بل المراد بها المعنى المذكور في كلام الشيخ الطبرسي (ره) المنسوب إلى العرف واللغة، أو ما لو تعلق به أمر كان عبادة بالمعنى الاول من المعنيين (قوله: موجبا بذاته) يعني مع قطع النظر عن الامر لكن لا يخلو عن اشكال أشرنا إليه في المسألة السابقة فلا يبعد إذا القول بأن مقربيتها بتوسط وجود ملاك الامر ولا فرق بينها وبين سائر العباديات الا في ان العقل يدرك ملاك الامر فيها بالنظر إلى ذاتها وان كان قد يزاحم بملاك النهي أو غيره في بعض الاحوال أو الافراد وليس كذلك في غيرها بل يكون ادراكه له بتوسط الامر بها فانه حاك عن وجود ملاك ذاتي لها أو عرضي فتأمل جيدا (قوله: لولا حرمته) يعني الآتية من قبل النهي عنه (قوله: أو ما لو تعلق) يعني مع عدم التعلق ولذلك افترق هذ المعنى عما سبق (قوله: لا ما أمر به) جعله في التقريرات هو الاجود (قوله: ولا ما يتوقف صحته) نسبه في التقريرات لغير واحد

٤٢٤

ولا (ما) لا يعلم انحصار المصلحة فيه في شئ كما عرف بكل منها العبادة ضرورة انها بواحد منها لا يكاد يمكن ان يتعلق بها النهي - مع ما أورد عليها بالانتقاض طردا أو عكسا أو بغيره كما يظهر من مراجعة المطولات وإن كان الاشكال بذلك فيها في غير محله لاجل كون مثلها من التعريفات ليس بحد ولا برسم بل من قبيل شرح الاسم كما نبهنا عليه غير مرة فلا وجه لاطالة الكلام بالنقض والابرام في تعريف العبادة ولا في تعريف غيرها كما هو العادة (الخامس) انه لا يدخل في عنوان النزاع الا ما كان قابلا للاتصاف بالصحة والفساد بان يكون تارة تاما يترتب عليه ما يترقب عنه من

______________________________

(قوله: ولا مالا يعلم) ذكره القمي (ره) في القوانين (قوله: لا يكاد يمكن) لان ظاهر التعريفات المذكورة كون العبادة مأمورا بها فيلزم اجتماع الامر والنهي فلا بد أن تكون العبادة المأخوذة في العنوان غير مأمور بها ولذا عدل المصنف (ره) عن المعنى الاصطلاحي إلى ما ذكره (أقول): الظاهر منهم ارادة تعريف العبادة بالمعنى الاخص من حيث هي لا خصوص الواقعة في العنوان (قوله: مع ما أورد عليها) أما تعريف المحقق القمي فاورد عليه في الفصول بانتقاضه (عكسا) بالوضوء الذي علم انحصار المصلحة فيه في الطهارة مع أنه عبادة (وطردا) بالتوصليات التي لا يعلم مصلحتها كتوجيه الميت إلى القبلة وأما التعريف المنسوب إلى غير واحد فناقش فيه في التقريرات بما يطول شرحه، ويمكن دفعه بأن المراد من الصحة ترتب الاثر الذي هو المقصود الاصلي للآمر وأما التعريف الاول فيمكن المناقشة فيه بشموله لجميع الواجبات التوصلية إذ كل أمر بشئ ليس الغرض منه إلا التحريك إلى متعلقه وهو عين التعبد خارجا وسقوط الامر في التوصليات بمجرد حصول الفعل ولو لا بداعي الامتثال لا ينافي ذلك كما لعله ظاهر بالتأمل (قوله: في غير محله لاجل) قد عرفت الاشكال فيه في مبحث المقدمة من أنه إنما يتم لو لم يكن الوجه في العدول عن تعريف إلى آخر أنه غير مطرد أو غير منعكس أما إذا كان الوجه في العدول ذلك فلا يتم (قوله: ما كان قابلا)

٤٢٥

الاثر وأخرى لا كذلك لاختلال بعض ما يعتبر في ترتبه أما ما لا اثر له شرعا أو كان أثره مما لا يكاد ينفك عنه كبعض اسباب الضمان فلا يدخل في عنوان النزاع لعدم طروء الفساد عليه كى ينازع في أن النهي عنه يقتضيه اولا فالمراد بالشى في العنوان هو العبادة بالمعنى الذي تقدم والمعاملة بالمعنى الاعم مما يتصف بالصحة والفساد عقدا كان أو إيقاعا أو غيرهما فافهم (السادس) أن الصحة والفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار والانظار فربما يكون شئ واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر وفاسدا بحسب آخر ومن هنا صح أن يقال: إن الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف بل فيهما بمعنى واحد وهو التمامية وإنما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من الآثار التي بالقياس عليها تتصف بالتمامية وعدمها

______________________________

المراد ما يكون متصفا بالفساد على تقدير اقتضاء النهي لا مجرد القابلية فانها أعم من الفعلية (قوله: كبعض أسباب) مثل الغصب والاتلاف فانهما يترتب عليهما الرد والضمان دائما (أقول): قد لا يترتبان عليهما كما في غصب مال الكافر واتلافه فالوجه في عدم اتصافهما بالصحة والفساد أن معروض الوصفين لابد أن يكون ذا أثر مرغوب فيه بحيث يقصد التوصل به إليه وليس الغصب والاتلاف كذلك ومثلهما الاسباب الموجبة للحدث فانها قد يترتب عليها الاثر وقد لا يترتب كما في المسلوس والمبطون على وجه ومع ذلك لا تتصف بالصحة والفساد (قوله: أو غيرهما فافهم) يمكن أن يكون اشارة إلى امكان دعوى عموم النزاع لما لو أمر به لصح اتيانه عبادة وان ترتب عليه أثره التوصلي بمجرد اتيانه إذ عدم الاتصاف بالصحة والفساد بالاضافة إلى الاثر التوصلي لا يمنع من دخوله في محل النزاع بالاضافة إلى الاثر التعبدي (قوله: أو نظر) كما لو كانت الآثار مختلفة باختلاف الانظار مثل نظر العرف ونظر الشرع (قوله: وهو التمامية) على هذا لا يكون الاتصاف بالصحة بالاضافة إلى الاثر إذ التمامية عبارة عن كون الشئ واجدا لجميع ما يعتبر فيه مقابل الناقص الفاقد لبعض ما يعتبر فيه والآثار

٤٢٦

وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في صحة العبادة انما يكون لاجل الاختلاف فيما هو المهم لكل منهما من الاثر بعد الاتفاق ظاهرا على أنها بمعنى التمامية كما هي معناها لغة وعرفا ولما كان غرض الفقيه هو وجوب القضاء أو الاعادة أو عدم الوجوب فسر صحة العبادة بسقوطهما وكان غرض المتكلم هو حصول الامتثال الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة فسرها بما يوافق الامر تارة وبما يوافق الشريعة أخرى

______________________________

لا دخل لها في ذلك نعم الآثار المختلفة ربما تكون مقتضياتها مختلفة بحسب المرتبة فتكون الآثار ملحوظة طريقا إلى تعيين تلك المرتبة لا أنها بنفسها ملحوظة معيارا للاتصاف بالصحة والفساد بل المعيار تلك المرتبة الخاصة المؤثرة في أثر كذا ومن هنا يشكل قوله: التي بالقياس... الخ فلاحظ (قوله: وهكذا الاختلاف) هذا تعريض بمن نسب الاختلاف إلى الفقهاء والمتكلمين في معنى الصحة وأنها عند الفقهاء إسقاط الاعادة والقضاء، وعند المتكلمين موافقة الامر أو الشريعة وحاصل التعريض ان اختلافهم في تعريف الصحة ليس لاختلافهم في معناها بل هي عند الجميع بمعنى واحد لكن لما كان المقصود بتعريفها الاشارة إليها ببعض لوازمها وآثارها وكان الاثر المترتب عليها مختلفا باختلاف مقاصدهم اختلفت تعريفاتها باختلاف الاثر المقصود فعرفها الفقهاء باسقاط الاعادة والقضاء لانه الاثر المقصود في البحث عن فعل المكلف من حيث الاقتضاء والتخيير، وعرفها المتكلمون بموافقة الامر أو الشريعة لكونه أنسب بمقصدهم بالبحث عن حيثية استحقاق الثواب والعقاب، قال في الفصول: وكأن منشأ اختلافهم في ذلك اختلاف محل انظارهم فان الانسب بمقاصد الكلام البحث عن الفعل من حيث قصد الامتثال به ولو في الجملة، والانسب بمقاصد الفقه البحث عنه من حيث تعلق الخطاب بقضائه وعدمه انتهى، أقول: إذا كان المراد من موافقة الامر موافقة نفس المأمور به كما سيأتي في التنبيه الآتي لا إطاعة الامر فهو عين الصحة بمعنى التمامية - حسبما عرفت -

٤٢٧

وحيث أن الامر في الشريعة يكون على اقسام من الواقعي الاولي، والثانوي، والظاهري، والانظار تختلف في أن الاخيرين يفيدان الاجزاء أو لا يفيدان كان الاتيان بعبادة موافقة لامر ومخالفة لآخر ومسقطا للقضاء والاعادة بنظر وغير مسقط لهما بنظر آخر فالعبادة الموافقة للامر الظاهري تكون صحيحة عند المتكلم والفقيه بناء على ان الامر في تفسير الصحة بموافقة الامر أعم من الظاهري مع اقتضائه للاجزاء وعدم اتصافها بها عند الفقيه بموافقته بناء على عدم الاجزاء

______________________________

لا أنه لازمها نعم اسقاط الاعادة من اللوازم جزما (قوله: وحيث ان الامر في الشريعة) شروع في تحقيق ما اشتهر من ان النسبة بين التعريفين عموم مطلق لان كل ما يسقط الاعادة يوافق الامر ولا عكس كما في الصلاة بالطهارة المستصحبة فانها موافقة للامر وليست مسقطة للاعادة وحاصل ما ذكره في تحقيق ذلك أن ما ذكر إنما يتم لو كان المراد من الامر المذكور في تعريف الصحة عند المتكلم الاعم من الامر الظاهري وبنينا على عدم الاجزاء بموافقته أما لو انتفى أحدهما كما لو بنينا على الاجزاء بموافقته فالتعريفان متساويان إذ الصلاة بالطهارة المستصحبة تكون مسقطة للاعادة حينئذ وكذا يكونان متساويين لو كان المراد بالامر المذكور في تعريف الصحة هو الامر الواقعي وقلنا بعدم الاجزاء بموافقة الامر الظاهري إذ الصلاة المذكورة لا تكون موافقة للامر الواقعي كما لا تكون مسقطة للاعادة (ومنه) يظهر انه لو كان المراد بالامر المذكور في تعريف الصحة هو الامر الواقعي وقلنا بالاجزاء بموافقة الامر الظاهري كان تعريف الفقهاء أعم من تعريف المتكلمين (قوله: بموافقة الامر) متعلق بتفسير (قوله: أعم) خبر (أن) (قوله: مع اقتضائه) يعني مع البناء على اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء (قوله: وعدم اتصافها) مبتدأ خبره (بناء) والجملة معطوفة على قوله: تكون صحيحة، يعني لا تكون العبادة صحيحة عند الفقيه والمتكلم معا بناء على عدم اقتضاء الامر الظاهري للاجزآء وعلى كون الامر المذكور في التعريف هو

٤٢٨

وكونه مراعى بموافقة الامر الواقعي عند المتكلم بناء على كون الامر في تفسيرها خصوص الواقعي (تنبيه) وهو انه لا شبهة في أن الصحة والفساد

______________________________

الامر الواقعي (قوله: وكونه) مبتدأ خبره (بناء) وضميره راجع إلى الاتصاف (قوله: لا شبهة في أن الصحة) شروع في تحقيق أن صفتي الصحة والفساد من الاحكام الشرعية الوضعية المجعولة استقلالا أو تبعا أو من الاحكام العقلية أو من الاعتباريات التي لا دخل للشارع ولا للعقل فيها اصلا، وحاصل ما ذكره (قدس سره) أن الصحة عند المتكلم - حيث فسرها بموافقة الامر - تكون من الاضافات القائمة بين الماتي به والمأمور به منتزعة من كون المأتي به واجدا لجميع الخصوصيات المأخوذة في المأمور به شرطا أو شطرا فتكون الصحة نظير المشاكلة والمشابهة والمماثلة والمطابقة القائمة بين المتشاكلين والمتشابهين والمتماثلين والمتطابقين التي لا يتوقف اعتبارها على جعل جاعل وليست من قبيل الاحكام العقلية (وأما) عند الفقيه - حيث فسرها بسقوط القضاء - فيختلف حالها باختلاف الموصوف بها فان كان الموصوف بها هو الفعل المطابق للمأمور به بالامر الواقعي فهى من الاحكام العقلية وان كان الموصوف بها الفعل المطابق للمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهري فهى بالاضافة إلى الامر الاضطراري والظاهري أيضا كذلك أما بالاضافة إلى الامر الواقعي فان كان المأتي بها وافيا بتمام الغرض الاصلي للامر المذكور فهى أيضا من الاحكام العقلية وان لم يكون وافيا به فهى من الاحكام الشرعية المجعولة للشارع إذ العقل لا يستقل بسقوط الاعادة والقضاء في الفرض المذكور وإنما يكون بجعل الشارع لا غير. هذا بالنسبة إلى طبيعة الفعل المأمور به وأما بالنسبة إلى الافعال الجزئية الصادرة من المكلف فصحتها بمعنى مسقطيتها للامر الواقعي عقلية لا غير ناشئة من انطباق الكلي عليها لا غير. هذا كله في العبادات (وأما) في المعاملات فصحتها بمعنى ترتب الاثر عليها ليست إلا من المجعولات الشرعية حيث أن ترتب الاثر انما يكون بجعل الشرع لا غير. هذا بالنسبة إلى

٤٢٩

عند المتكلم وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتي به مع المأمور به وعدمها وأما الصحة بمعنى سقوط القضاء والاعادة عند الفقيه فهي من لوازم الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي الاولي عقلا حيث لا يكاد يعقل ثبوت الاعادة أو القضاء معه جزما فالصحة بهذا المعنى فيه وان كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف الا انه ليس بامر اعتباري ينتزع كما توهم بل مما يستقل به العقل كما يستقل باستحقاق المثوبة به وفي غيره فالسقوط ربما يكون مجعولا وكان الحكم به تخفيفا ومنة على العباد مع ثبوت المقتضي لثبوتهما كما عرفت في مسألة الاجزاء كما ربما يحكم بثبوتهما فيكون الصحة والفساد فيه حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين (نعم) الصحة والفساد في الموارد

______________________________

طبيعة المعاملة وأما بالنسبة إلى المعاملات الجزئية فصحتها عقلية ناشئة عن انطباق الطبيعة المجعولة سببا على المعاملة الجزئية الخارجية كما تقدم نظيره في العبادات، " أقول ": يأتي التنبيه على موقع النظر في كلامه (قوله: عند المتكلم) هذا هدم لما حققه هو (ره) وغيره من كون الصحة عند الجميع بمعنى واحد كما سبق فكأنه مبني على ما اشتهر من اختلاف معنى الصحة عند المتكلم والفقيه أخذا بظاهر التعريفين (قوله: ينتزعان من مطابقة) بل هما حينئذ عين المطابقة والمخالفة ينتزعان من كون المأتي به واجدا لما يعتبر في المأمور به شطرا أو شرطا لا من المطابقة وعدمها (قوله: بمعنى سقوط) السقوط لا يصح جعله صفة للمأتي به وانما وصفه الاسقاط فيكون منتزعا من السقوط الذي هو من اللوازم الاعتبارية للازم العقلي لا عين اللازم العقلي فتأمل (قوله: كما توهم) يعني في التقريرات فتأمل (قوله: في غيره) يعني الاتيان بالمأمور به الاضطراري أو الظاهري والضمير راجع إلى الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي (قوله: يكون مجعولا) يعني حيث لا يكون وافيا بالغرض يعني وربما لا يكون مجعولا حيث يكون وافيا به (قوله: لثبوتهما) يعني الاعادة والقضاء (قوله: فيكون الصحة والفساد) إذ الصحة عين سقوط الاعادة والقضاء والفساد عين

٤٣٠

الخاصة لا يكاد يكونان مجعولين بل انما هي يتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به. هذا في العبادات، وأما الصحة في المعاملات فهى تكون مجعولة حيث كان ترتب الاثر على معاملة إنما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو إمضاء ضرورة أنه لو لا جعله لما كان يترتب عليه لاصالة الفساد (نعم) صحة كل معاملة شخصية وفسادها ليس الا لاجل انطباقها مع ما هو المجعول سببا وعدمه كما هو الحال في التكليفية من الاحكام ضرورة ان اتصاف المأتي به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما ليس الا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام (السابع) لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعول عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد. نعم كان الاصل في المسألة الفرعية الفساد لو لم يكن هناك اطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة وأما العبادة

______________________________

ثبوتهما وهما شرعيان (قوله: بمجرد الانطباق) أقول: إذا كان الانطباق حقيقيا فالاثر الثابت للمنطبق إذا كان شرعيا كان للمنطبق عليه كذلك فأثره ليس عقليا بل الانطباق عقلي لا غير (قوله: نعم صحة كل معاملة) كما تقدم ذلك في العبادات " أقول ": إذا كانت الصحة بمعنى التمامية فحيث عرفت أن التمامية إنما تكون بالاضافة إلى مرتبة معينة امتنع ان يتصف بها نفس الطبيعة بلا فرق بين العبادة والمعاملة حيث لا مرتبة يكون الاتصاف بلحاظها بل لا بد أن يكون المتصف بها نفس الافعال الجزئية الخارجية بلحاظ موافقتها للطبيعة المأمور بها أو المجعول لها الاثر فلاحظ. والله سبحانه أعلم (قوله: لا أصل في المسألة) أما اصالة عدم دلالة النهي أو عدم حجيته في الفساد فيتوقف جريانهما على الشك في الدلالة المستتبع للشك في الحجية لكنه ممتنع لان الدلالة كالعلم من الامور الوجدانية التي لا تقبل الشك فيمتنع الشك في الحجية ايضا. نعم يمكن الشك في الدلالة بالنسبة إلى غير أهل اللسان لكن جريان أصالة عدم الدلالة يتوقف على كون الاثر العملي أثرا للدلالة الواقعية فيجري أصالة عدم الدلالة لنفيه (وكيف كان) فلو جرت أصالة عدم الدلالة على الفساد لم تصلح لاثبات الصحة إذ الصحة ليست من

٤٣١

فكذلك لعدم الامر بها مع النهى عنها كما لا يخفى (الثامن) ان متعلق النهي إما أن يكون نفس العبادة أو جزءها أو شرطها الخارج عنها أو وصفها الملازم لها كالجهر(١) والاخفات للقراءة أو وصفها غير الملازم كالغصبية لا كون الصلاة

______________________________

*

اللوازم الشرعية لعدم الدلالة بل ولا العقلية فلا بد من إعمال الاصل في المسألة الفرعية وهو في المعاملة يقتضي الفساد لاصالة عدم ترتب الاثر مع الشك في ترتبه إلا أن يكون إطلاق أو عموم يقتضي ترتب الاثر على المعاملة فيكون هو المرجع لانه حاكم على الاصل (قوله: فكذلك) يعني الاصل فيها الفساد لان صحة العبادة موقوفة على الامر ولا أمر مع النهي المفروض تعلقه بالعبادة " أقول ": ملاك الامر كاف في صحة العبادة مع أن لازم ذلك الفساد واقعا لا الفساد ظاهرا الذي هو مقتضى الاصل في محل البحث. ولاجل ذلك يظهر الاشكال في تعليل الفساد بالنهي الموجب لامتناع التقرب المعتبر فيها. نعم لو شك في كون مقتضى النهي الفساد للشك في منع المبغوضية الفعلية عن التقرب المعتبر في العبادة فقد تقدم أن الاصل فيه الاحتياط والفساد أو البراءة والصحة في مبحث التعبدي والتوصلي ثم ان في بعض النسخ بدل قوله: واما العبادة فكذلك لعدم الامر بها مع النهي عنها، قوله: وأما العبادة فكذلك لو كان الشك في اصل ثبوت الامر أو في صحة المأتي به... الخ وقد ضرب عليها في بعض النسخ ولعل الوجه فيه أن الصور المذكورة فيها كلها مشتركة في كون الشك في الصحة من جهة الشك في المشروعية وهو خارج عن محل الكلام لان الكلام في الشك في اقتضاء النهي فلاحظ، (قوله: كالجهر والاخفات للقراءة) يعني كما لو كان المنهي عنه خصوص الجهر بالقراءة أو الاخفات بها لا مطلق الجهر أو الاخفات وإلا كان منفكا عن الصلاة كالغصب

______________

(١) فان كل واحد منهما لا يكاد ينفك عن القراءة وان كانت هي تنفك عن أحدهما فالنهي عن أيهما يكون مساوقا للنهي عنها كما لا يخفى. (منه قدس سره) (*)

٤٣٢

المنفكة عنها لا ريب في دخول القسم الاول في محل النزاع وكذا القسم الثاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة الا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها الا مع الاقتصار عليه لا مع الاتيان بغيره مما لا نهى عنه الا أن يستلزم محذورا آخر (وأما) القسم الثالث فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة الا فيما كان عبادة كى يكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به (وبالجملة) لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به لو لم يكن موجبا لفساده كما إذا

______________________________

(قوله: وكذا القسم الثاني) لا يخفى أن تقسيم متعلق النهي إلى الاقسام المذكورة (تارة) يكون لاجل التعرض لدخول جميعها في محل النزاع وأن النهي عن كل واحد منها يقتضي فساده أولا ؟ (وأخرى) لاجل التعرض لان النهي فيما عدا القسم الاول يسري إلى نفس العبادة أو لا ؟ (وثالثة) لاجل التعرض لان بطلان المنهي عنه فيما عدا القسم الاول أو حرمته يقتضي بطلان العبادة أولا ؟ وقد اضطرب كلام المصنف (ره) في التعرض لهذه الجهات فقد جرى في بعض الاقسام على غير ما جرى عليه في البعض الآخر كما يظهر بأدنى تأمل في العبارة (قوله: بلحاظ أن جزء العبادة عبادة) إذ الكل عين أجزائه فإذا كان الامر بالكل عباديا كان كل واحد من الاوامر الضمنية المتعلقة بكل واحد من الاجزاء كذلك. نعم تعليل دخول النهي عن الجزء في محل النزاع بذلك لا يخلو من خفاء إذ يكفي فيه كون الجزء مما يتصف بالصحة والفساد وان لم يكن عبادة وليس النزاع مختصا بالنهي عن العبادة فتأمل (قوله: إلا مع الاقتصار) إذ حينئذ يكون الكل كأن لم يؤت بجزئه وعدم الجزء عدم الكل (قوله: لا مع الاتيان) يعني لا مع الاتيان بالجزء ثانيا صحيحا إذ الكل حينئذ واجد لجزئه (قوله: إلا أن يستلزم محذورا) كما لو كان الاتيان بالجزء ثانيا موجبا لزيادة الجزء وكانت الزيادة مانعة من صحة الكل فانه يبطل الكل حينئذ على كل حال (قوله: موجبا لفساد العبادة) إذ توهم ايجابه لذلك إما لان حرمة الشرط تسري إلى نفس المشروط

٤٣٣

كانت عبادة (وأما) القسم الرابع فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقا للنهى عنها لاستحالة كون القراءة التي يجهر بها مأمورا بها مع كون الجهر بها منهيا عنه فعلا كما لا يخفى.

______________________________

(ففيه) أنه لا وجه له مع تمايز الوجودين (وإما) لان حرمته تقتضي فساده الموجب لفساد المشروط (ففيه) أن ذلك ممنوع إذا لم يكن عبادة (وإما) لان حرمته تمنع من كونه شرطا ويكون الشرط غيره من الافراد المباحة لئلا يلزم اجتماع الامر المقدمي والنهي (ففيه) أن عدم تعلق الامر المقدمي به لا يوجب ارتفاع ملاكه وهو كاف في ترتب المشروط عليه (قوله: مساوق للنهي) ان كان ذلك للتلازم بين الصفة والموصوف فقد تقدم عدم وجوب اتحاد المتلازمين في الحكم. نعم يمتنع الامر بالموصوف مع النهي عن الوصف لامتناع اختلاف المتلازمين في الحكم لكن امتناع الامر لا يقتضي البطلان لكفاية ملاك الامر في الصحة كما تقدم في مبحث الضد وان كان ذلك لاتحادهما في الوجود فسراية النهي تبتني على القول بالامتناع كالوصف المفارق ومجرد المفارقة وعدمها لا يقتضيان الفرق بينهما كما تقدم في المبحث السابق في اعتبار المندوحة (قوله: فيكون النهي عن الجهر) اعلم أن الجهر شدة في الصوت وتأكد في وجوده والوجود المتأكد لما كان منحلا إلى مراتب متكثرة هي حصص للطبيعي جاز اجتماع الامر والنهي فيه لان موضوع الامر غير موضوع النهي فالقراءة الجهرية جاز أن تكون بذاتها مأمورا بها وبوصفها منهيا عنها نظير ما لو أذن المالك أن يستعمل من طعامه مثقال فاستعمل مثقالان استعمالا واحدا إذ يكون استعمال مثقال مباحا واستعمال مثقال محرما وعليه فلو جهرت المرأة في القراءة والاذان بنحو يسمع صوتها الاجنبي متلذذا بنحو يؤدي إلى حرمة الجهر صح أذانها وقراءتها وأثمت بالجهر كما هو مذهب جماعة كالوحيد البهبهاني وصاحب الحدائق وغيرهما، (قوله: مأمورا بها) لكن استحالة الامر لا تقتضي النهي ولا الفساد

٤٣٤

وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقا كما في القسم الخامس فان النهي عنه لا يسرى إلى إلى الموصوف الا فيما إذا اتحد معه وجودا بناء على امتناع الاجتماع، وأما بناء على الجواز فلا يسري إليه كما عرفت في المسألة السابقة. هذا حال النهى المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف (وأما) النهي عن العبادة لاجل أحد هذه الامور فحاله حال النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق وبعبارة أخرى كان النهي عنها بالعرض وان كان النهي عنه على نحو الحقيقة والوصف بحاله وان كان بواسطة أحدها الا أنه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض كان حاله حال النهي في القسم الاول فلا تغفل. ومما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة يظهر حال الاقسام في المعاملة فلا يكون بيانها على حدة بمهم كما أن تفصيل الاقوال في الدلالة على الفساد وعدمها التي ربما تزيد على العشرة - على ما قيل - كذلك إنما المهم بيان ما هو الحق في المسألة ولا بد في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الاقوال من بسط المقال في مقامين (الاول) في العبادات فنقول وعلى الله الاتكال: إن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها ولو كانت جزء عبادة بما هو عبادة كما عرفت مقتض لفسادها لدلالته

______________________________

(قوله: وهذا بخلاف) قد عرفت الاشكال في الفرق (قوله: من قبيل الوصف) بأن لا يكون ناشئا عن مبغوضية العبادة بل كان عن بغض أحد هذه الامور وان كانت نفس العبادة واقعة في حيز النهي اللفظي (قوله: عنها بالعرض) يعني عن بعض بالعرض (قوله: وإن كان النهي) معادل قوله: إن كان من قبيل (قوله: والوصف بحاله) يعني بحال نفسه بأن يكون عن بعض نفس العبادة وان كان الوجه في بعضها أحد تلك الامور فيكون من قبيل الواسطة في الثبوت التي هي علة ثبوت العارض للمعروض لا الواسطة في العروض التي يكون العروض عليها أولا وبالذات وبتوسطها يكون لغيرها ثانيا وبالعرض (قوله: حاله حال النهي) إذ مناط الفساد هو المبغوضية التي لا فرق فيها بين الذاتية والعرضية

٤٣٥

على حرمتها ذاتا ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الامر أو الشريعة مع الحرمة. وكذا بمعنى سقوط الاعادة فانه مترتب على اتيانها بقصد القربة وكانت مما يصلح لان يتقرب بها ومع الحرمة لا يكاد يصلح لذلك ويأتي قصدها من الملتفت إلى حرمتها كما لا يخفى (لا يقال):

______________________________

*

لاحد هذه الامور (قوله: على حرمتها ذاتا) لا ريب في أن طبع النهي مجردا عن القرائن يقتضي ذلك. نعم قد تقوم قرينة على خلافه فيكون ظاهرا في نفي الوجوب أو نفي المشروعية أو ارشادا إلى خلل موجب للفساد وعلى الاول فان كان دليل يقتضي مشروعيتها من عموم أو إطلاق أو أصل شرعي جاز الاتيان بها بعنوان كونها عبادة مشروعة وإلا جاز الاتيان بها كذلك رجاء مشروعيتها وعلى الاخيرين فان كان النهي قطعيا امتنع الاتيان بها بعنوان كونها عبادة أصلا وإن كان ظنيا أمكن الاتيان بها رجاء (قوله: بمعنى موافقة الامر) إذ الحرمة موجبة لكون الفعل معصية وذلك مانع من تحقق الموافقة سواء أكان المراد بها إطاعة الامر بالمعنى المعتبر في العبادة أم موافقة نفس المأمور به إذ التحريم يوجب انطباق عنوان المعصية على الفعل المنافي لعباديته حسبما تقدم في المبحث السابق ويشير إليه المصنف (ره) هنا فلا يكون الفعل مأمورا به لمضادته للنهي ولا واجدا لمقتضيه لما عرفت سابقا من أن مصلحة الامر العبادي ملازمة لاتيانه بعنوان عبادي فمع امتناع اتيانه كذلك يمتنع كونه مصلحة وعليه فلا يكون المأتي به حينئذ موافقا للمأمور به لان موضوع الامر بمقتضى تبعية الامر للمصلحة أن يكون خصوص الحصة الملازمة للداعي لا غير فحيث لا يكون الفعل المحرم موضوعا للامر ولا للمصلحة لا يكون مصداقا للمأمور به وبهذا يظهر عدم سقوط الاعادة، ومن ذلك يظهر أيضا أن الانسب التعرض لتعليل مانعية الحرمة عن الصحة بمعنى الموافقة ثم إيكال وجه مانعيتها عنها بمعنى السقوط إلى ذلك لا اهماله والتعرض لخصوص الثاني (قوله: ويأتي قصدها) معطوف على قوله: يصلح، يعني يمتنع

٤٣٦

هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية ولا يكاد يتصف بها العبادة لعدم الحرمة بدون قصد القربة وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها الا تشريعا ومعه تكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة ومعه لا تتصف بحرمة أخرى لامتناع اجتماع المثلين كالضدين (فانه يقال): لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة - لو كان مأمورا به - بالحرمة الذاتية مثلا صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها بمعنى انه لو أمر به كان عبادة لا يسقط الامر به الا إذا اتي به بقصد القربة كصوم سائر الايام هذا فيما إذا لم يكن

______________________________

قصد القربة من الملتفت أما الغافل بل مطلق المعذور فلا مانع من صحة عبادته. نعم تتوقف على وجود جهة مصححة للتقرب ويمكن اثباتها بعموم أو اطلاق يقتضي وجود مصلحة في الفعل مطلقا وقد تقدم الكلام في ذلك في مقدمات المسألة السابقة والتنبيه الاول منها فراجع وتأمل (قوله: هذا لو كان النهي) كما اعترف به المستدل حيث اخذ ذلك في مقدمات الاستدلال (قوله: لعدم الحرمة بدون) لان الفعل بدون قصد القربة ليس عبادة فلا يكون موضوعا للنهي المفروض كون موضوعه العبادة (قوله: إلا تشريعا) حيث لا أمر بها ليقصد التقرب به فلا بد أن يكون التقرب بالامر التشريعي " أقول ": سيأتي أن هذا اعتراف بفساده العبادة حينئذ (قوله: لامتناع اجتماع) أقول: الممتنع اجتماعهما بحديهما ليكونا وجودين ممتازين أما اجتماعهما بذاتيهما على نحو يكون أحدهما مؤكدا للآخر فلا امتناع فيه بل هو واقع كثيرا (قوله: لا ضير في اتصاف) راجع إلى منع قول المعترض: لعدم الحرمة بدون قصد القربة، وأنه إنما يتم لو كان المراد بالعبادة التي هي موضوع الحرمة الذاتية خصوص ما كان معنونا بعنوان العبادية وليس كذلك إذ المراد بها ما لو تعلق به أمر لكان أمرا تعبديا ومثله ينطبق على الفعل وان لم يؤت به بعنوان العبادة " أقول ": إن أريد امكان ذلك فهو في محله وان أريد أن محل الكلام ذلك فهو بعيد فان محل الكلام النواهي الواردة في الكتاب والسنة المتعلقة بالعبادة بعنوان كونها عبادة كالنهي عن صوم يوم العيد

٤٣٧

ذاتا عبادة كالسجود لله تعالى ونحوه وإلا كان محرما مع كونه فعلا عبادة مثلا إذا نهي الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى كان عبادة محرمة ذاتا حينئذ لما فيه من المفسدة والمبغوضية في هذا الحال مع انه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية بناء على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفا بالحرمة بل انما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب كما هو الحال في التجرى والانقياد فافهم. هذا مع أنه لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة لكان دالا على الفساد لدلالته على الحرمة التشريعية فانه لا أقل من دلالته على انها ليست بمأمور بها وان عمها اطلاق دليل الامر بها أو عمومه (نعم) لو لم يكن النهي عنها إلا عرضا كما إذا نهى عنها فيما كانت ضدا لواجب مثلا لا يكون مقتضيا للفساد بناء على عدم الاقتضاء للامر بالشئ للنهي عن الضد الا كذلك (أي عرضا)

______________________________

وصلاة الحائض وغيرهما فلاحظ (قوله: ذاتا عبادة) قد تقدم الكلام فيه (قوله: فعلا عبادة) يعني بدون قصد القربة (قوله: ما هو من افعال القلب) كون التشريع من أفعال القلب (أعني البناء على كون حكم الواقعة كذا) هو المطابق للمفهوم منه كما يظهر بملاحظة موارد استعماله في الكتاب والسنة ومراجعة كتب اللغة إلا أن في اختصاص القبح العقلي به وعدم كونه في الفعل تأملا أو منعا بل الظاهر من بناء العقلاء كون القبح الحاصل في الفعل الجاري على طبق التشريع أأكد منه في نفس التشريع وفي مراجعة العقلاء شهادة بذلك، (قوله: كما هو الحال) سيأتي في محله انشاء الله تعالى ان التجري والانقياد ينتزعان من الفعل الخارجي الصادر من المكلف في مقام الاطاعة والعصيان لا من نفس فعل القلب (قوله: ليست بمأمور بها) فانه كاف في الفساد ولو لم نقل بالحرمة التشريعية ولا بدلالة النهي عليها (قوله: وان عمها اطلاق) فيكون النهي مخصصا أو مقيدا (قوله: إلا عرضا) بالمعنى المتقدم (قوله: بناء على عدم) الانسب وقوع هذا الكلام قبل قوله: لا يكون مقتضيا للفساد فانه

٤٣٨

فيخصص به أو يقيد (المقام الثاني) في المعاملات ونخبة القول: أن النهي الدال على حرمتها لا يقتضي الفساد لعدم الملازمة فيها لغة ولا عرفا بين حرمتها وفسادها اصلا كانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل المباشرة أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبيب

______________________________

لا يصح علة له بل لما قبله (قوله: فيخصص به أو يقيد) الظاهر ان هذا في اصل العبارة واقع قبل قوله: نعم لو لم... الخ (قوله: بنفس المعاملة) المراد من المعاملة وجود السبب كالعقد ومن مضمونها وجود المسبب كالملكية ومن التسبيب ايجاد السبب بما أنه سبب إلى مسببه ومن التسبب ايجاد المسبب بما انه مسبب عن سببه فالفرق بين المعاملة والتسبيب اعتباري كما ان الفرق بين مضمونها والتسبب كذلك وعليه كان المناسب إما ترك ذكر التسبب اكتفاء بذكر المضمون لانه عينه أو ذكر التسبيب كما ذكر التسبب لانه غير نفس المعاملة اعتبارا، وكيف كان فما ذكره من أن تحريم السبب أو المسبب لا يقتضي الفساد في محله ويكفي في وضوح الاول ما ثبت بالضرورة من تحريم بعض الاسباب مع ترتب مسبباتها كالغصب والاتلاف المترتب عليهما الضمان وعدم اتصافهما بالصحة والفساد كما تقدم لا دخل له فيما نحن فيه، وأما الثاني فوضوحه في المؤثرات الحقيقة كالافعال التوليدية ظاهر وأما في المؤثرات الاعتبارية التي هي محل الكلام فقد يشكل من جهة أن مبغوضية المسبب تمنع من اعتبار الشارع السببية لاسبابها لان اعتبار السببية ناشئ من اعتبار نفس المسبب مترتبا على وجود السبب وحيث أن الاعتبار لابد أن يكون عن ارادة امتنع تحققه في ظرف كراهة المسبب لكن هذا الاشكال لو تم اقتضى المنع من تحريم المسبب لانه فعل الشارع لا المكلف، فلو بني على صحة تحريمه بما أنه فعل للمكلف ولو بالتسبيب لم يتوجه إذ يكون حينئذ ناشئا عن ارادة المكلف لا إرادة الجاعل (فلابد) أولا من بيان أنها من أفعال المكلف - ولو التوليدية - ليصح كونها موضوعا للتكليف من الحرمة وغيرها ثم يحكم بان تحريمها لا يقتضي الفساد فنقول: الامور الاعتبارية إنما تكون بالاعتبار الذي هو فعل المعتبر شارعا

٤٣٩

أو بالتسبب بها إليه وان لم يكن السبب ولا المسبب - بما هو فعل من الافعال - بحرام وانما يقتضي الفساد فيما إذا كان دالا على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها مثل النهي عن أكل الثمن أو المثمن

______________________________

*

كان أو غيره وليست من الآثار المترتبة على أسبابها وقد تقدم أن دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري ليس كدخل المؤثر في المتأثر والسبب في المسبب بل دخله إنما هو من قبيل دخل الداعي في تحقق المراد فيكون بوجوده العلمي شرطا في تحقق الارادة التي هي العلة التامة لحصول الاعتبار من المعتبر الذي به يكون الامر الاعتباري فيمتنع أن تكون من أفعال فاعل المعاملة وكان التكليف بها تكليفا بفعل الغير شارعا كان أو غيره وهو ممتنع فالنواهي المتعلقة بمثل هذه الامور الاعتبارية الموجهة لفاعل المعاملة لابد من صرفها إلى نفس المعاملة أو صرفها إلى جهة من جهات وجود الامر الاعتباري لان المعاملة إذا كانت شرطا في تحقق الاعتبار توقف عليها الامر الاعتباري وكان لوجودها نحو دخل في وجوده فيكون النهي عن الامر الاعتباري راجعا إلى النهي عن حفظ وجوده من قبل المعاملة لا حفظ وجوده مطلقا فتأمل وهذا أيضا راجع إلى الاول تقريبا فلا يقتضي الا حرمة نفس المعاملة فلاحظ (قوله: أو بالتسبب) معطوف على نفس المعاملة لا على التسبيب ثم ان تحريم المضمون أو التسبب بالمعاملة إليه ليس من محل الكلام في المسألة أذ محله النهي عن المعاملة لا غير (قوله: وان لم يكن) بيان للفرق بين تحريم التسبب وتحريم ما قبله ومبنى الفرق اختلاف مفهوم التسبب مع مفهوم المعاملة ذاتا ومع مفهوم المضمون اعتبارا كما عرفت (قوله: حرمة ما لا يكاد يحرم) هذا أيضا ليس مما نحن فيه. ثم ان اقتضاء تحريم ذلك للفساد (تارة) يكون لاجل التلازم بينهما واقعا إما لقيام الدليل على ذلك أو من جهة أن المحرم هو الاثر المصحح لاعتبار المضمون بحيث لو حرم كان اعتبار المضمون لغوا (وأخرى) يكون التلازم عرفيا بحيث يجوز اجتماع تحريمه مع الصحة فالنهي حينئذ يدل باللزوم العرفي على الفساد والنهي عن أكل الثمن أو المثمن يجوز ان يكون من

٤٤٠