حقائق الاصول الجزء ١

حقائق الاصول0%

حقائق الاصول مؤلف:
تصنيف: متون أصول الفقه
الصفحات: 571

حقائق الاصول

مؤلف: السيد محسن الطباطبائى الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 571
المشاهدات: 189220
تحميل: 3497


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189220 / تحميل: 3497
الحجم الحجم الحجم
حقائق الاصول

حقائق الاصول الجزء 1

مؤلف:
العربية

ضرورة أن الامر في: جاء زيد لامر كذا، ما استعمل في معنى الغرض بل اللام قد دلت على الغرض. نعم يكون مدخوله مصداقه (فافهم) وهكذا الحال في قوله تعالى: (فلما جاء أمرنا) يكون مصداقا للتعجيب لا مستعملا في مفهومه وكذا في الحادثة والشأن، وبذلك ظهر ما في دعوى الفصول من كون لفظ الامر حقيقة في المعنيين الاولين ولا يبعد دعوى كونه حقيقة

______________________________

*

لو على قدر ما يحاول قلبي

طلبي لم يقر في الغمد عضبي

ولم يستعمل في الكتاب المجيد الا في ذلك فلا يبعد أن يكون المصحح لاستعماله في الامر كون الامر نحوا من السعي نحو المأمور به، وعليه فعد الطلب من معاني الامر يكون من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق، اللهم الا أن يكون الاستعمال فيه بلغ حد الحقيقة التعينية فتأمل. ثم انه يشكل جعل الطلب من معاني الامر من جهة اختلاف المتعلقات الكاشف عن اختلاف المعنى فيقال -: طلب منه كذا، ولا يقال -: أمر منه كذا، ويقال: أمرته بكذا، ولا يقال: طلبته بكذا (قوله: ضرورة أن الامر) تعليل لكون عد المعاني المذكورة من اشتباه المصداق بالمفهوم وحاصل مراده ان عد الشئ معنى للفظ يقتضي كون اللفظ مستعملا فيه، وليس الحال في المعاني المذكورة كذلك فان لفظ الامر لم يستعمل في مفهوم الغرض أو الفعل العجيب أو غيرهما وانما هو مستعمل في معنى واحد يكون مصداقا للغرض تارة وللفعل العجيب أخرى... وهكذا، كما أن معنى زيد تارة يكون مصداقا لمفهوم العالم، واخرى مصداقا لمفهوم العادل... وهكذا، ولا يصح عد العالم والعادل من معاني زيد (قوله: مصداقه فافهم) يمكن أن يكون اشارة إلى أن اللام قد تدخل على نفس المصداق وقد تدخل على نفس المفهوم المضاف إلى مصداقه كما تقول: جئتك لغرض كذا، فالامر في المقام مستعمل استعمال لفظ الغرض بقرينة اضافته إلى (كذا) نعم قولك: جئتك لامر، مستعمل في المصداق. فتأمل (قوله: في الحادثة والشأن) كان الانسب عطف الفعل عليهما لوحدة الجميع

١٤١

في الطلب في الجملة والشئ. هذا بحسب العرف واللغة، وأما بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق على أنه حقيقة في القول المخصوص ومجاز في غيره ولا يخفى انه عليه لا يمكن منه الاشتقاق فان معناه حينئذ لا يكون معنى حدثيا - مع أن الاشتقاقات منه ظاهرا تكون بذلك المعنى المصطلح عليه بينهم لا بالمعنى الآخر (فتدبر) ويمكن ان يكون مرادهم به هو الطلب بالقول لا نفسه تعبيرا عنه بما يدل عليه. نعم القول المخصوص أي صيغة الامر إذا أراد العالي بها الطلب يكون من مصاديق الامر لكنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص (وكيف كان) فالامر سهل لو ثبت النقل ولا مشاحة في الاصطلاح، وإنما المهم بيان ما هو معناه عرفا ولغة ليحمل عليه فيما إذا ورد بلا قرينة، وقد استعمل في غير واحد من المعاني في الكتاب والسنة ولا حجة على أنه على نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز، وما ذكر في الترجيح عند تعارض هذه الاحوال - لو سلم ولم يعارض بمثله - فلا دليل على الترجيح به فلا بد مع التعارض من الرجوع إلى الاصل في مقام العمل. نعم لو علم ظهوره في أحد معانيه - ولو احتمل انه كان للانسباق من الاطلاق - فليحمل عليه وان لم يعلم انه

______________________________

(قوله: في الطلب في الجملة) يعني المخصوص بالخصوصيات المبحوث عنها في الجهات الآتية (قوله: لا يمكن منه الاشتقاق) قال في الفصول: لو ارادوا بالقول المخصوص نفس اللفظ أعني الملفوظ كما هو الظاهر من كلماتهم لكان بمنزلة الاسم والفعل والحرف في مصطلح علماء العربية فكان اللازم عدم صحة الاشتقاق منه لعدم دلالته حينئذ على معنى حدثي... الخ " أقول ": الظاهر منهم ارادة نفس اللفظ بمعناه المصدري وهو التلفظ بالقول المخصوص فلا اشكال، ولعله أشار إليه بقوله: فتدبر (قوله: هو الطلب) كما أصر عليه في الفصول (قوله: بما هو طلب) يعني لا بما هو قول مخصوص والا رجع إلى المعنى الاول (قوله: لو ثبت النقل) يعني إلى القول المخصوص (قوله: فليحمل عليه) عملا

١٤٢

حقيقة فيه بالخصوص أو فيما يعمه كما لا يبعد أن يكون كذلك في المعنى الاول، (الجهة الثانية) الظاهر اعتبار العلو في معنى الامر فلا يكون الطلب من السافل أو المساوى أمرا، ولو أطلق عليه كان بنحو من العناية، كما أن الظاهر عدم اعتبار الاستعلاء فيكون الطلب من العالي أمرا ولو كان مستخفضا لجناحه، وأما احتمال اعتبار أحدهما فضعيف وتقبيح الطالب السافل من العالي المستعلي عليه وتوبيخه بمثل انك لم تأمره ؟ إنما هو على استعلائه لا على أمره حقيقة بعد استعلائه وانما يكون اطلاق الامر على طلبه بحسب ما هو قضية استعلائه (وكيف كان) ففى صحة سلب الامر عن طلب السافل ولو كان مستعليا كفاية (الجهة الثالثة) لا يبعد كون لفظ الامر حقيقة في الوجوب لانسباقه عنه عند اطلاقه، ويؤيده قوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) وقوله - صلى الله عليه وآله -: (لولا أن أشق على امتى لامرتهم بالسواك) وقوله - صلى الله عليه وآله - لبريرة بعد قوله:

______________________________

*

باصالة الظهور التي استقر عليها بناء العقلاء (قوله: كما لا يبعد ان يكون) قد تقدم منه انه لا يبعد كون لفظ الامر حقيقة في الطلب وفى الشئ، وحينئذ فدعوى ظهوره في الاول غير ظاهرة الوجه، والذي يهون الخطب ندرة فرض التردد على نحو يترتب عليه الاثر لاختلاف المعنيين في كيفية الاستعمال من حيث الاشتقاق والجمود والاحتياج إلى المتعلقات وعدمه، فان الامر بمعنى الطلب يتعلق به المطلوب والمطلوب منه وليس كذلك ما كان بمعنى الشئ، وفي الجمع حيث أن جمع الاول أوامر وجمع الثاني أمور فهذا الاختلاف يرفع التردد غالبا (قوله: اعتبار أحدهما) بحيث يكفي في صدق الامر أحد الامرين من كون الطالب عاليا وكونه مستعليا (قوله: وتقبيح الطالب) يعني تقبيح طلب الطالب. ثم إن التقبيح والتوبيخ انما يتعلقان باستحقاق اللوم والعقاب لا باثبات كون الامر حقيقة في طلب المستعلى غير العالي. نعم يثبت ذلك باستعمال الامر فيه في قوله: لم تأمره، لولا أن الاستعمال أعم (قوله: المستعلي) صفة للطالب (قوله: ويؤيده قوله تعالى)

١٤٣

أتأمرني يارسول الله ؟: (لا بل إنما أنا شافع)... إلى غير ذلك، وصحة الاحتجاج على العبد، ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره، وتوبيخه على مجرد مخالفته كما في قوله تعالى: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك) وتقسيمه إلى الايجاب والاستحباب إنما يكون قرينة على ارادة المعنى الاعم منه في مقام تقسيمه، وصحة الاستعمال في معنى أعم من كونه على نحو الحقيقة كما لا يخفى (وأما) ما أفيد من أن الاستعمال فيهما ثابت فلو لم يكن موضوعا للقدر المشترك بينهما لزم الاشتراك أو المجاز فهو غير مفيد، لما مرت الاشارة إليه في الجهة الاولى وفي تعارض الاحوال فراجع، والاستدلال بأن فعل المندوب طاعة وكل طاعة فهو فعل المأمور به، فيه ما لا يخفى من منع الكبرى - لو أريد من المأمور به معناه الحقيقي - وإلا لا يفيد المدعى (الجهة الرابعة) الظاهر أن الطلب الذى يكون هو

______________________________

جعل المذكورات مؤيدات لا أدلة لعله من جهة عدم صلاحيتها للاثبات إذ ليس الا استعمال الامر في الوجوب والاستعمال أعم من الحقيقة، ولعل فهمه في الاول مستند إلى مادة الحذر، والثاني إلى المشقة، وفي الثالث إلى مقابلته بالشفاعة. فتأمل (قوله: وصحة الاحتجاج) معطوف على الانسباق، (قوله: وتقسيمه) هذا دليل للقول بالاعم من الوجوب والاستحباب كما تقدم نظيره في الصحيح والاعم (قوله: أعم من كونه) إلا أن يكون التقسيم بلا تصرف ولا عناية كما هو الظاهر في المقام فيكون حقيقة في الاستحباب ايضا نعم الوجوب مقتضى اطلاقه من دون ترخيص في خلافه، كما سيأتي انشاء الله تعالى

الطلب والارادة

(قوله: الظاهر أن الطلب الذي) يعني ان مفهوم الطلب مقول بالاشتراك بين نوعين (أحدهما) الطلب الذي يكون صفة قائمة بالنفس (وثانيهما) الطلب الانشائي المنتزع من مقام اظهار الارادة بالقول كافعل أو بغيره كالاشارة إلى

١٤٤

معنى الامر ليس هو الطلب الحقيقي الذي يكون طلبا بالحمل الشايع الصناعي بل الطلب الانشائي الذي لا يكون بهذا الحمل طلبا مطلقا بل طلبا انشائيا سواء انشئ بصيغة إفعل أو بمادة الطلب، أو بمادة الامر، أو بغيرهما. ولو أبيت إلا عن كونه موضوعا للطلب فلا أقل من كونه منصرفا إلى الانشائي منه عند اطلاقه كما هو الحال في لفظ الطلب ايضا، وذلك لكثرة الاستعمال في الطلب الانشائي، كما أن الامر في لفظ الارادة على عكس لفظ الطلب والمنصرف عنها عند اطلاقها هو

______________________________

المخاطب بأن يفعل، والاول هو الطلب الحقيقي الذي يكون له وجود عيني في النفس، والثاني هو الطلب الانشائي فقولنا: الامر معناه الطلب يراد منه ان الامر معناه الطلب الانشائي الايقاعي لا الطلب الحقيقي، فإذا قال المولى لعبده: افعل، ولم يكن في نفسه طلب للفعل كما في الاوامر الامتحانية صدق ان المولى آمر ولا يتوقف صدق ذلك على كون المولى طالبا في نفسه للفعل (قوله: معنى الامر) يعني معنى مادة الامر (قوله: الذي يكون) كان الاولى أن يقول: المعبر عنه بلفظ الطلب مطلقا مقابل الطلب الاعتباري المعبر عنه بلفظ الطلب الانشائي، لما عرفت من أن لفظ الطلب مشترك بين نحوي الطلب فالطلب الحقيقي عين الطلب لا انه يحمل عليه بالحمل الشايع وانما الذي يحمل عليه الطلب بالحمل الشايع هو الطلب الخارجي الحقيقي، وهكذا الحال في قوله: الذي لا يكون... الخ، إذ الفرق بين الطلب الحقيقي والانشائي الاعتباري هو الفرق بين الماء المطلق والمضاف، لكن ظاهر العبارة كون لفظ الطلب موضوعا للجامع بين النحوين فيكون مشتركا معنويا لا لفظيا وهو غير ظاهر. هذا بناء على كون الطلب الانشائي نحوا آخر من انحاء الطلب في قبال الطلب الحقيقي أما لو كان هو الطلب الحقيقي إنشاء ادعاء فلفظ الطلب ليس موضوعا الا للطلب الحقيقي لا غير إذ ليس هناك نحو آخر للطلب سواه، (قوله: سواء انشئ) سيأتي أن الظاهر ان صيغة افعل موضوعة لانشاء المادة لا انشاء الطلب (قوله: موضوعا للطلب) يعني الجامع بين الحقيقي

١٤٥

الارادة الحقيقية، واختلافهما في ذلك ألجأ بعض أصحابنا إلى الميل إلى ما ذهب إليه الاشاعرة من المغايرة بين الطلب والارادة خلافا لقاطبة أهل الحق والمعتزلة من اتحادهما، فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما هو الحق في المقام وان حققناه في بعض فوائدنا إلا أن الحوالة لما لم تكن عن المحذور خالية والاعادة بلا فائدة ولا إفادة كان المناسب هو التعرض هاهنا أيضا " فاعلم " أن الحق - كما عليه اهله وفاقا للمعتزلة وخلافا للاشاعرة هو اتحاد الطلب والارادة بمعنى أن لفظيهما موضوعان بازاء مفهوم واحد وما بازاء أحدهما في الخارج يكون بازاء الآخر والطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الارادة الانشائية (وبالجملة): هما متحدان مفهوما وانشاء وخارجا لا ان الطلب الانشائي الذى هو المنصرف إليه باطلاقه - كما عرفت - متحد مع الارادة الحقيقية التي ينصرف إليها اطلاقها ايضا ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس وأبين من الامس، فإذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد ففي مراجعة

______________________________

والانشائي (قوله: الارادة الحقيقية) يعني التي هي صفة قائمة بالنفس، (قوله: والاعادة) معطوف بلحاظ المعنى على اسم تكن وبلحاظ قواعد التركيب على الحوالة إلا انه فاسد المعنى (قوله: هو اتحاد الطلب والارادة) قد عرفت الاشكال في كون الطلب من الصفات النفسانية وان المستفاد من ملاحظة موارد استعماله: انه السعي نحو المطلوب وأن البناء على كونه موضوعا ايضا لغير هذا المعنى يقتضي كونه مفهوما منتزعا عن مقام اظهار الارادة وابرازها ولا يرتبط بالارادة وليس قائما بالنفس قيام الارادة بها، فالبناء على مغايرته للارادة حينئذ لا يشد عضد الاشعري القائل بانه صفة في النفس غير الارادة مدلول للكلام اللفظي ليثبت مدعاه من قدم الكلام النفسي الذي هو مدلول الكلام اللفظي كما لا يخفى، (قوله: مفهوم واحد) فهما مترادفان (قوله: وما بازاء أحدهما) يعني الفرد الخارجي لاحدهما هو الفرد الخارجي للآخر (قوله: لا أن الطلب) معطوف على قوله: ان لفظيهما... الخ (قوله: اظهر من الشمس) إذ

١٤٦

الوجدان عند طلب شئ والامر به حقيقة كفاية فلا يحتاج إلى مزيد بيان واقامة برهان، فان الانسان لا يجد غير الارادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها يكون هو الطلب غيرها سوى ما هو مقدمة تحققها عند خطور الشئ، والميل وهيجان الرغبة إليه، والتصديق بفائدته، وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لاجلها (وبالجملة) لا يكاد يكون غير الصفات المعروفة والارادة هناك صفة اخرى قائمة بها يكون هو الطلب فلا محيص عن اتحاد الارادة والطلب وان يكون ذاك الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات في ارادة فعله بالمباشرة، أو المستتبع لامره عبيده به فيما لو اراده لا كذلك مسمى بالطلب والارادة كما يعبر به تارة وبها اخرى كما لا يخفى. وكذا الحال في سائر الصيغ الانشائية والجمل الخبرية فانه لا يكون غير الصفات المعروفة القائمة بالنفس من الترجي والتمني والعلم... إلى غير ذلك صفة أخرى كانت قائمة بالنفس وقد دل اللفظ عليها كما قيل:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وقد انقدح مما حققناه

______________________________

الارادة الحقيقة كما ذكر صفة في النفس والطلب الانشائي اعتبار محض منتزع عن مقام اظهار الارادة فكيف يشتبه أحدهما بالآخر (قوله: فان الانسان) بيان للوجدان (قوله: هو الطلب) يعني كما يدعيه الاشاعرة (قوله: وهو الجزم) بيان لما هو، يعني ان الجزم بدفع ما يمنع عن طلب الشئ لاجل الفائدة وان كان من صفات النفس الا انه مقدمة للارادة لا انه الطلب النفسي الذي يدعيه الاشعري " أقول ": كون الجزم مقدمة للارادة غير ظاهر بل الظاهر كونه معلولا لها. نعم هو مقدمة لطلبه من الغير. فتأمل (قوله: في ارادة فعله) وهي الارادة التكوينية (قوله: لو اراده لا كذلك) وهي الارادة التشريعية (قوله: به تارة) قد عرفت انه محل اشكال (قوله: صفة اخرى) اسم يكون (قوله: كما قيل) هذا البيت استشهد به الاشاعرة على مدعاهم

١٤٧

ما في استدلال الاشاعرة على المغايرة بالامر مع عدم الارادة كما في صورتي الاختبار والاعتذار: من الخلل، فانه كما لا إرادة حقيقية في الصورتين لا طلب كذلك فيهما، والذى يكون فيهما إنما هو الطلب الانشائي الايقاعى الذى هو مدلول الصيغة أو المادة ولم يكن بينا ولا مبينا في الاستدلال مغايرته مع الارادة الانشائية، (وبالجملة): الذى يتكفله الدليل ليس الا الانفكاك بين الارادة الحقيقية والطلب المنشأ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما وهو مما لا محيص عن الالتزام به - كما عرفت - ولكنه لا يضر بدعوى الاتحاد أصلا لمكان هذه المغايرة والانفكاك بين الطلب الحقيقي والانشائي كما لا يخفى (ثم) إنه يمكن مما حققناه ان يقع الصلح بين الطرفين ولم يكن نزاع في البين بان يكون المراد بحديث الاتحاد ما عرفت من العينية مفهوما ووجودا حقيقيا وانشائيا ويكون المراد بالمغايرة والاثنينية هو اثنينية الانشائي من الطلب - كما هو كثيرا ما يراد من إطلاق لفظه - والحقيقي من الارادة - كما هو المراد غالبا منها حين اطلاقها -

______________________________

وحمله القوشجي على اعتقاد الشاعر ثبوت كلام نفسي تقليدا أو على كون المقصود الاصلى من الكلام هو الدلالة على ما في الضمير، وبهذا الاعتبار يسمى كلاما فاطلق اسم الدال على المدلول وحصره تنبيها على انه آلة يتوصل بها إليه فكأنه هو المستحق لاسم تلك الآلة... الخ (قوله: ما في استدلال الاشاعرة) يعني أن الاشاعرة ادعوا ان الطلب غير الارادة واستدلوا عليه بانه قد يأمر الرجل بما لا يريده كالمختبر لعبده انه يطيعه أو لا وكمن يريد أن يعتذر عن ضرب عبده فانه يأمر عبده فيعصيه العبد فيضربه معتذرا بانه عصاه إذ الامر في هذين المقامين ليس عن ارادة نفسية (قوله: من الخلل) بيان لما في قوله: مافى الاستدلال (قوله: فانه كما لا إرادة) بيان لوجه الخلل (قال) القوشجي: واعترض عليه بان الموجود في هاتين الصورتين صيغة الامر لا حقيقته إذ لا طلب فيهما أصلا كما لا ارادة قطعا (قوله: بين الطلب)

١٤٨

فيرجع النزاع لفظيا. فافهم (دفع وهم) لا يخفى انه ليس غرض الاصحاب والمعتزلة من نفي غير الصفات المشهورة وأنه ليس صفة أخرى قائمة بالنفس كانت كلاما نفسيا مدلولا للكلام اللفظى كما يقول به الاشاعرة أن هذه الصفات المشهورة مدلولات للكلام " فان قلت ": فماذا يكون مدلولا عليه عند الاصحاب والمعتزلة " قلت ": أما الجمل الخبرية فهى دالة على ثبوت النسبة بين طرفيها أو نفيها في نفس الامر من ذهن أو خارج

______________________________

متعلق بالمغايرة والانفكاك (قوله: فيرجع النزاع لفظيا فافهم) لعله اشارة إلى امتناع كون النزاع لفظيا وتوضيحه: انه لا خلاف ظاهرا في انه سبحانه متكلم وانما الخلاف في المراد من كلامه وفى انه حادث أو قديم فالمحكي عن المعتزلة والحنابلة والكرامية ان كلامه أصوات وحروف وان اختلفوا في انه قائم بغيره لا بذاته كما يقول المعتزلة أو بذاته كما يقول الحنابلة والكرامية، وعن الاشاعرة ان كلامه ليس من جنس الاصوات والحروف بل معنى قائم بذاته يسمى الكلام النفسي، ثم المحكي عن المعتزلة والكرامية أنه حادث وعن الاشاعرة والحنابلة أنه قديم فمذهب الاشاعرة في الكلام انه معنى قائم بذاته تعالى قديم وحيث تعذر عليهم تفسيره بالعلم والارادة والكراهة ونحوها ضرورة انها ليست كلاما اضطروا إلى تفسيره في الخبر بالنسبة وفي الانشاء بالطلب والمنع ونحوهما فالطلب عندهم صفة قائمة بذاته سبحانه قديم فلا مجال لان يريدوا به الطلب الانشائي إذ ليس هو من صفات النفس ولا هو قديم (قوله: المشهورة) وهي العلم والارادة واخواتهما مما تقدمت إليه الاشارة (قوله: ان هذه الصفات) خبر ليس الاولى (قوله: اما الجمل الخبرية فهي دالة) قد تقدم سابقا انه لا اختلاف بين الخبر والانشاء في المعنى فالمعنى المدلول عليه بالخبر هو المعنى المدلول عليه بالانشاء وانما الاختلاف بينهما في كيفية الاستعمال، فالخبر يستعمل في معناه بقصد حكايته عنه والانشاء يستعمل في معناه بقصد ايجاده فمعنى زيد حر خبرا وانشاء واحد فما يدل

١٤٩

كالانسان نوع أو كاتب. وأما الصيغ الانشائية فهي - على ما حققناه في بعض فوائدنا - موجدة لمعانيها في نفس الامر، أي (قصد ثبوت معانيها وتحققها بها) وهذا نحو من الوجود وربما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبار مترتب عليه شرعا وعرفا آثار كما هو الحال في صيغ العقود والايقاعات (نعم) لا مضايقة في دلالة مثل صيغة الطلب والاستفهام والترجى والتمنى بالدلالة الالتزامية على ثبوت هذه الصفات حقيقة إما لاجل وضعها لايقاعها فيما إذا كان الداعي إليه ثبوت هذه الصفات أو انصراف إطلاقها إلى هذه الصورة، فلو لم تكن هناك قرينة كان إنشاء الطلب أو الاستفهام أو غيرهما بصيغتهما لاجل قيام الطلب والاستفهام وغيرهما بالنفس وضعا أو اطلاقا

*

(اشكال ودفع) أما الاشكال فهو انه يلزم - بناء على اتحاد الطلب والارادة - في تكليف الكفار بالايمان بل مطلق أهل العصيان في العمل بالاركان إما أن لا يكون هناك تكليف

______________________________

عليه من المعنى حال كونه خبرا هو الذي يدل عليه حال كونه انشاء وصدوره في مقام الحكاية دال على كون المتكلم قاصدا به ثبوت النسبة كما ان صدوره في مقام الانشاء دال على كون المتكلم به قاصدا به ايجاد مضمونه ومعناه فالدلالة اللفظية الكلامية للخبر والانشاء واحدة لاتحاد المعنى والمدلول وانما الاختلاف في الدلالة غير اللفظية، ومنه يظهر ان الاولى عدم التفصيل بين الجمل الخبرية والصيغ الانشائية في مدلول الكلام اللفظي (قوله: كالانسان نوع) مثال لما كان ظرف الحمل هو الذهن لان النوعية ظرفها الذهن بخلاف الكتابة فان ظرفها الخارج (قوله: موجدة لمعانيها) قد عرفت ان هذا ليس مدلولا للكلام اللفظي (قوله: نحو من الوجود) لانه وجود انشائي في قبال الوجود الحقيقي في الذهن أو في الخارج (قوله: يكون هذا) يعني الانشاء وقصد ثبوت المعنى (قوله: كما في صيغ العقود) فانها يترتب عليها انتزاع عنوان مثل الملكية والزوجية والحرية وغيرها التي يترتب عليها آثار شرعية وعرفية (قوله: نعم لا مضايقة) يعنى

١٥٠

جدي إن لم يكن هناك ارادة حيث انه لا يكون حينئذ طلب حقيقي، واعتباره في الطلب الجدي ربما يكون من البديهي، وإن كان هناك ارادة

______________________________

ان ما تقدم كان في بيان المدلول المطابقي للانشاء والا فيمكن دعوى دلالة الصيغ الانشائية بالدلالة الالتزامية على الصفات المذكورة، اما باللزوم العقلي نظير دلالة العمى على البصر بان كانت الصفة مأخوذة قيدا في الموضوع له بأن تكون (لعل) مثلا موضوعة لانشاء الترجي المقيد بكونه عن ترج نفساني وهكذا حال الباقيات، واما باللزوم العرفي الناشئ من كثرة الاستعمال المؤدية إلى انصراف الذهن إلى صورة وجود الصفة فتكون الصفات الحقيقية المذكورة مدلولا عليها بالصيغ المستعملة في انشائها وايقاعها دلالة التزامية عقلية وضعية أو عرفية اطلاقية

تنبيه

حيث عرفت ان الانشاء مستعمل في معنى الخبر بقصد ايجاده اعتبارا الذي هو نحو آخر من الوجود يعبر عنه بالوجود الانشائي كما هو ظاهر المصنف (ره) أو ايجاده ادعاء بما له من الوجود نقول: تارة يكون المقصود بالانشاء جعل محض النسبة بين المنتسبين الحاصل بجعل احدهما للآخر كما في قولك: عبدي حر وهند طالق، فان المقصود جعل الحرية للعبد والطلاق لهند، واخرى يكون المقصود جعل نسبة خاصة مثل: أزيد حر، وهل هند طالق، فان المتكلم لم يقصد جعل محض النسبة بين الحرية والطلاق لزيد وهند وإنما قصد جعل نسبة خاصة بينهما وخصوصيتها انها نسبة مجهولة الثبوت يراد العلم بتحققها بطرفيها، وهكذا الحال في مثل لعل زيدا قائم فان المقصود جعل نسبة خاصة بين القيام وزيد وخصوصيتها انها متوقعة عند المتكلم وقس عليه نظائره، فمفاد الهيئة دائما نسبة قد يتقوم انشاؤها بانشاء المادة وقد لا يتقوم بذلك (قوله: جدى) يعني فيكون التكليف صوريا نظير الامر الامتحاني (قوله: واعتباره) يعني الطلب الحقيقي

١٥١

فكيف تتخلف عن المراد ؟ ولا يكاد يتخلف (إذا اراد الله شيئا يقول له كن فيكون) (واما الدفع) فهو ان استحالة التخلف إنما يكون في الارادة التكوينية

______________________________

*

الذي هو عين الارادة (قوله: تتخلف عن) لكون المفروض عدم تحقق المراد (قوله: في الارادة التكوينية) الارادة التكوينية والتشريعية من سنخ واحد وانما الاختلاف في كيفية التعلق بالمراد (وتوضيح ذلك): ان الوجود إذا كان له مقدمات يتوقف على كل واحدة منها فكل واحدة من المقدمات لها دخل في جهة من جهات ذلك الوجود ولو كانت دخيلة في جهة واحدة امتنع ان تكون مقدمات متعددة بل كانت مقدمة واحدة، ثم المصلحة الداعية إلى ارادة الوجود المذكورة قد تكون بحيث تقتضي حفظ الوجود من جميع الجهات وبلحاظ جميع المقدمات وقد تكون بحيث تقتضي حفظه بلحاظ جهة دون جهة، فان كانت المصلحة على النحو الاول اقتضت تعلق الارادة به من جميع الجهات بحيث ينشأ من تلك الارادة النفسية ارادة غيرية بعدد المقدمات تتعلق كل واحدة من الارادات بواحدة من المقدمات، وان كانت على النحو الثاني اقتضت تعلق الارادة به من الجهة الخاصة دون غيرها فينشأ من تلك الارادة النفسية ارادة غيرية تتعلق بالمقدمة الحافظة للوجود من تلك الجهة لا غير، وحيث ان صدور الفعل من المكلف في فرض عدم الداعي النفسي إليه يتوقف على امور: (منها) تشريع الحكم الشرعي وجعله، (ومنها) علم المكلف به الموجب لحدوث الداعي العقلي إلى فعله، (ومنها) عدم مزاحمة الداعي العقلي بالداوعي الشهوية إلى خلافه، كان تشريع الحكم من مقدمات وجود الفعل من المكلف ووجوده حافظ لبعض جهات وجود الفعل وكانت ارادة الشارع المتعلقة بالفعل بلحاظ جهة وجوده من حيث التشريع ارادة له تشريعية، فالارادة التشريعية هي ارادة الشئ بلحاظ وجوده من حيث التشريع وتقابلها الارادة التكوينية وهي المتعلقة بالفعل من جميع جهات وجوده وكونه، ومنه يظهر أن امتناع تخلف المراد عن الارادة إنما هو في المراد بالارادة التكوينية لا التشريعية إذ الثانية لم تتعلق بالمراد من جميع جهات وجوده وإنما تعلقت به من

١٥٢

وهو العلم بالنظام على النحو الكامل التام دون الارادة التشريعية وهو العلم بالمصلحة في فعل المكلف، وما لا محيص عنه في التكليف إنما هو هذه الارادة التشريعية لا التكوينية فإذا توافقتا فلا بد من الطاعة والايمان وإذا تخالفتا فلا محيص عن ان يختار الكفر والعصيان (ان قلت): إذا كان الكفر والعصيان والطاعة والايمان بارادته تعالى التي لا تكاد تتخلف عن المراد فلا يصح ان يتعلق بها التكليف لكونها خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلا (قلت): إنما يخرج بذلك عن الاختيار لو لم

______________________________

*

جهة تشريع حكمه فكيف يكون عدم وجود المراد تخلفا له عن الارادة بل يكون وجوده تخلفا للارادة عنه وهو ممتنع كتخلف المراد عن الارادة نعم لو لم يحفظ وجود المراد من قبل التشريع يلزم تخلف المراد عن الارادة لكن المفروض حفظه كذلك بتحقق التشريع كما هو ظاهر (قوله: وهو العلم بالنظام) سيأتي أن اتحاد الارادة مع العلم خارجي لا مفهومي (قوله: بالمصلحة في فعل) يعني الداعية إلى إرادته من حيث تشريع حكمه لا مطلقا وإلا كانت تكوينية كما عرفت (قوله: في التكليف) يعني في كون التكليف جديا حقيقيا لا صوريا (قوله: فإذا توافقتا) يعني إذا توافقت الارادة التكوينية مع الارادة التشريعية في المتعلق بأن كان الواجب الشرعي مرادا بالارادة التكوينية فلا بد من تحقق الواجب لامتناع تخلف المراد عن الارادة (قوله: وإذا تخالفتا) يعني بأن تعلقت الارادة التكوينية بالكفر والعصيان فلابد من تحققهما لامتناع تخلف المراد بها عنها. ثم ان الكفر والعصيان إذا كانا عدميين لم يتوقف تحققهما على تعلق الارادة التكوينية بهما بل يكفي فيه عدم ارادة الطاعة والايمان فالتخالف يكون بمجرد عدم تعلق الارادة التكوينية بما تتعلق به الارادة التشريعية لا بتعلقها بغيره (قوله: خارجة عن الاختيار) لكون الفعل الاختياري ما يكون ناشئا عن ارادة الفاعل والمفروض أنها صادرة عن إرادة الله سبحانه التكوينية (قوله: قلت: انما يخرج بذلك) يعني أن تعلق الارادة التكوينية بالعناوين المذكورة

١٥٣

يكن تعلق الارادة بها مسبوقة بمقدماتها الاختيارية، وإلا فلا بد من صدورها بالاختيار والا لزم تخلف ارادته عن مراده تعالى عن ذلك علوا كبيرا (ان قلت): إن الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين بارادتهما الا انهما منتهيان إلى مالا بالاختيار كيف وقد سبقهما الارادة الازلية والمشية الآلهية ؟ ومعه كيف تصح المؤاخذة على ما يكون بالاخرة بلا اختيار ؟ (قلت): العقاب إنما يستتبعه الكفر والعصيان التابعان للاختيار الناشئ عن مقدماته الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللازمة لخصوص ذاتهما، فان السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

______________________________

*

يكون على نحوين: (أحدهما) أن تتعلق بها بلا توسط إرادة العبد كتعلقها بسائر الممكنات الموجودة، (وثانيهما) أن تتعلق بها بتوسط إرادة العبد، مثلا يكون خصوص الكفر الصادر عن إرادة الكافر متعلقا للارادة التكوينية الالاهية لا مطلق الكفر، فان كان التعلق على النحو الاول أوجب كون صدور العناوين المذكورة من العباد بلا اختيار منهم - كما ذكر في الاشكال - أما لو كان التعلق على النحو الثاني وجب أن يكون صدورها عن إرادة العبد واختياره لئلا يلزم تخلف المراد عن الارادة وهو ممتنع، ومنه يظهر فساد ما زعمه الجبري من عدم صدور فعل العبد عن ارادته بعد تسليم وجود الارادة له (قوله: مسبوقة) حال من الضمير في (بها) (قوله: بمقدماتها الاختيارية) كان الاولى ان يقول: بمقدماتها الموجبة لكونها اختيارية، إذ مقدمات الفعل ليست اختيارية بل نفس الفعل اختياري (قوله: منتهيان إلى مالا بالاختيار كيف) يعني أن ارادة العبد للكفر والعصيان وإن كانت هي المؤثرة فيهما إلا أنها لما كانت من الممكنات كانت بالآخرة مستندة إلى إرادة الواجب سبحانه التي هي واجبة لانها عين ذاته سبحانه فتكون واجبة بوجوب ذاته، وإذا كانت ارادة العبد كذلك كانت غير اختيارية، وحينئذ لا يصح العقاب على الكفر والعصيان لانه بالآخرة يكون بلا اختيار (قوله: قلت العقاب إنما يستتبعه) حاصله: ان العقاب في

١٥٤

والناس معادن كمعادن الذهب والفضة - كما في الخبر - والذاتى لا يعلل فانقطع سؤال انه لم جعل السعيد سعيدا والشقي شقيا، فان السعيد سعيد بنفسه والشقي شقي كذلك، وإنما أوجدهما الله تعالى (قلم اينجا رسيد وسر بشكست) قد انتهى الكلام في المقام إلى ما ربما لا يسعه كثير من الافهام ومن الله الرشد والهداية وبه الاعتصام (وهم ودفع) لعلك تقول إذا كانت الارادة التشريعية منه تعالى عين علمه بصلاح الفعل لزم - بناء على أن تكون عين الطلب - كون المنشأ بالصيغة في الخطابات الآلهية هو العلم وهو بمكان من البطلان، لكنك غفلت

______________________________

*

الآخرة على المعصية ليس ناشئا عن الاستحقاق حتى يتوجه الاشكال المذكور من عدم الاستحقاق على ما لا يكون بالاختيار بل هو من اللوازم الذاتية لها، وحينئذ فيكون وجودها علة وجوده فيترتب عليها ترتب المعلول على علته (أقول): الاشكال المذكور ان تم كان مانعا عن حسن التكليف أيضا ولا يختص منعه بحسن العقاب إذ التكليف والعقاب توأمان لا يحسن أحدهما في ظرف قبح الآخر فإذا كان مجرد كون الفعل اختياريا موجبا لحسن التكليف كان موجبا لحسن العقاب. مضافا إلى ان اندفاع الاشكال بما ذكره (قدس سره) يوجب ثبوت الاشكال في حسن العقاب بالنسبة إلى الموالي العرفية إذ لا مجال لدعوى كون عقابهم للعبد كان من جهة الملازمة الذاتية بينه وبين المعصية كما هو ظاهر إذ لا ريب في كونه فعلا اختياريا للموالي ناشئا عن ترجيح وجوده على عدمه، مع ان دعوى كون العقاب في الآخرة كذلك خلاف ظاهر الآيات والروايات بل لعله خلاف المرتكزات الضرورية الاسلامية (فالاولى) ان يقال: إن ارادة العبد لو كانت مخلوقة فيه بلا توسط العقل والقدرة تم الاشكال، بل لم يحسن التكليف أيضا كما هو الحال في افعال الصبيان والمجانين والحيوانات كافة أما لو كانت بتوسط العقل والقدرة فلا مانع عقلا من حسن التكليف، ولا من حسن العقاب على مخالفته والرجوع إلى العقلاء أوضح شاهد بما ذكرناه (قوله: هو العلم) لان المنشأ فيها هو الطلب وهو عين العلم بمقتضى قياس المساوات

١٥٥

عن أن اتحاد الارادة مع العلم بالصلاح إنما يكون خارجا لا مفهوما، وقد عرفت أن المنشأ ليس الا المفهوم لا الطلب الخارجي ولا غر واصلا في اتحاد الارادة والعلم عينا وخارجا، بل لا محيص عنه في جميع صفاته تعالى لرجوع الصفات إلى ذاته المقدسة قال (أمير المؤمنين) صلوات الله وسلامه عليه: (وكمال توحيده الاخلاص له، وكمال الاخلاص له نفى الصفات عنه)

الفصل الثاني

فيما يتعلق بصيغة الامر وفيه مباحث (الاول) أنه ربما يذكر للصيغة معان قد استعملت فيها وقد عد منها الترجي والتمني والتهديد والانذار والاهانة والاحتقار

______________________________

(قوله: أن اتحاد الارادة) يعني اتحاد الارادة والعلم إنما يكون في الخارج لان صفاته تعالى عين ذاته، لا ان مفهوم الارادة عين مفهوم العلم وان كان المحكي عن كثير من المعتزلة ذلك، بل هو ظاهر المحقق الطوسي (ره) في التجريد حيث قال: ومنها - أي الكيفيات النفسانية - الارادة والكراهة وهما نوعان من العلم. انتهى، لكن المحكي عن بعض المعتزلة انها الميل المتعقب لاعتقاد النفع وهو المراد من الشوق في كلام المصنف (ره) فيما تقدم كما ان المحكي عن بعض الاشاعرة أنها غير العلم والميل، بل قد تتحقق بدونهما فضلا عن ان تكون عين أحدهما (قوله: الا المفهوم) يعني وهو غير مفهوم العلم

صيغة الامر

(قوله: التمني) نحو ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي (قوله: التهديد) نحو قوله تعالى: اعملوا ما شئتم (قوله: الانذار) نحو قوله تعالى: تمتعوا في داركم (قوله: الاهانة) نحو قوله تعالى: ذق إنك أنت العزيز الكريم (قوله: الاحتقار) نحو قوله تعالى: بل ألقوا ما أنتم ملقون

١٥٦

والتعجيز والتسخير... إلى غير ذلك. وهذا كما ترى ضرورة ان الصيغة ما استعملت في واحد منها، بل لم تستعمل إلا في إنشاء الطلب إلا أن الداعي إلى ذلك كما يكون تارة هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعي يكون أخرى أحد هذه الامور كما لا يخفى، وقصارى ما يمكن أن يدعى أن تكون الصيغة موضوعة لانشاء الطلب فيما إذا كان بداعي البعث والتحريك لا بداع آخر منها فيكون إنشاء الطلب بها بعثا حقيقة وإنشاؤه بها

______________________________

(قوله: والتعجيز) نحو قوله تعالى: فأتوا بسورة من مثله (قوله: والتسخير) نحو قوله تعالى: كونوا قردة خاسئين (قوله: إلى غير ذلك) كالارشاد، والتكوين والامتنان، والتسوية، والاباحة (قوله: إلا في إنشاء الطلب) قد تقدمت الاشارة إلى أن هيئة (إفعل) موضوعة وضع الحروف للنسب والاضافات، فالمراد من كونها موضوعة للطلب مستعملة فيه أنها موضوعة للنسبة الطلبية القائمة بين الطالب والمطلوب، فهي حاكية عن تلك النسبة ومستعملة فيها، إلا أن في كونها كذلك تأملا، بل الظاهر أنها موضوعة للنسبة التكوينية القائمة بين المكون والمكون فمعنى (اضرب): كن ضاربا، ومعنى: كن ضاربا، جعله ضاربا فهي لانشاء المادة المنتسبة إلى المتكلم نسبة التكوين، واستفادة الطلب منها من جهة ملازمة التكوين لتحقق إرادته في نفس المكون فهى تحكي عن الطلب النفسي بالالتزام على النحو المذكور وهي في جميع الموارد مستعملة في التكوين حقيقة كما في قوله تعالى: (إن الله إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) أو ادعاء كما في سائر موارد استعمالها، لا في إنشاء النسبة الطلبية كما قد يظهر بالتأمل (قوله: هو البعث والتحريك) يعني الاعتبار بين الادعائيين المترتبين على إظهار الارادة بالصيغة لدلالتها عليها كما عرفت (قوله: هذه الامور) يعني التي عدت معاني للصيغة فان الظاهر أنها دواع إلى تكوين المادة وإنشائها (قوله: بداعي البحث والتحريك) فيكون الداعي المذكور قيدا في الموضوع

١٥٧

تهديدا مجازا وهذا غير كونها مستعملة في التهديد وغيره فلا تغفل (إيقاظ) لا يخفى أن ما ذكرناه في صيغة الامر جار في سائر الصيغ الانشائية فكما يكون الداعي إلى انشاء التمنى أو الترجي أو الاستفهام بصيغها (تارة) هو ثبوت هذه الصفات حقيقة يكون الداعي غيرها (أخرى) فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها واستعمالها في غيرها إذا وقعت في كلامه تعالى لاستحالة مثل هذه المعاني في حقه تبارك وتعالى مما لازمه العجز أو الجهل، وأنه لا وجه له فان المستحيل إنما هو الحقيقي منها لا الانشائى الايقاعى الذى يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة كما عرفت، ففى كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الايقاعية الانشائية ايضا لا لاظهار ثبوتها حقيقة بل لامر آخر - حسبما يقتضيه الحال - من إظهار المحبة أو الانكار أو التقرير... إلى غير ذلك (ومنه) ظهر أن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي ايضا (المبحث الثاني) في ان الصيغة

______________________________

*

(قوله: تهديدا مجازا) لانه غير الموضوع له (قوله: في سائر الصيغ) قد عرفت أن سائر الصيغ الانشائية إنما تكون موضوعة للنسب والاضافات الخاصة أعني النسبة القائمة بين المتمنى والمتمني والمترجى والمترجي والمستفهم عنه والمستفهم أو غير ذلك فالمراد من إنشائها ينبغي أن يكون إنشاء النسب المخصوصة (قوله: لاستحالة) متعلق بالالتزام (قوله: العجز أو الجهل) الاول في الترجي والتمني والثاني في الاستفهام (قوله: وانه لا وجه له) تأكيد لقوله: لا وجه للالتزام، (قوله: فان المستحيل) يعني أن المستحيل عليه تعالى هو الحقيقي من التمني والترجي والاستفهام لا الانشائي الذي هو ايجاد النسب الخاصة (قوله: لا لاظهار ثبوتها) وإن كان إظهار ثبوتها غير ممتنع عليه سبحانه بل الممتنع نفس ثبوتها إلا أن الكلام المشتمل على أدواتها ليس مما قصد منه إظهار ثبوتها بل قصد منه أمر آخر (قوله: ومنه ظهر) لا يبعد ان يكون مقصودهم ما ذكره المصنف (ره)

١٥٨

حقيقة في الوجوب أو في الندب أو فيهما أو في المشترك بينهما " وجوه " بل " أقوال " لا يبعد تبادر الوجوب عند استعماله بلا قرينة، ويؤيده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال ارادة الندب مع الاعتراف بعدم دلالته عليه بحال أو مقال وكثرة الاستعمال فيه في الكتاب والسنة وغيرهما لا يوجب نقله إليه أو حمله عليه لكثرة استعماله في الوجوب أيضا - مع ان الاستعمال وإن كثر فيه إلا أنه كان مع القرينة المصحوبة، وكثرة الاستعمال

______________________________

*

وان كانت كلماتهم غير وافية به (قوله: حقيقة في الوجوب) الوجوب الحقيقي (أعني الثبوت) ليس معنى الصيغة ضرورة وكذا الوجوب الادعائي الاعتباري فالمراد من كون الصيغة حقيقة في الوجوب أنها حقيقة في معنى يكون منشأ لاعتبار الوجوب وادعائه وذلك المعنى هو النسبة الطلبية - حسبما هو المشهور - أو التكوينية - حسبما عرفت - وحيث أن الوجوب ينتزع من مقام إظهار الارادة مع عدم الترخيص في ترك المراد بشهادة عدم اعتباره من الامر بالشئ مع الترخيص في تركه مع أن الامر المذكور لا قصور فيه من حيث كونه مظهرا للارادة فدعوى كونها حقيقة في الوجوب تتوقف على دلالتها على الارادة وعلى عدم الترخيص في ترك المراد كان اللازم القول بعدم كونها حقيقة في الوجوب فاستعمالها في موارد الترخيص في ترك المراد لا يكون مجازا نعم مع الشك في الترخيص يبنى على عدمه عند العقلاء، فيكفي الشك فيه في اعتبار الوجوب عقلا ولا يحتاج إلى ثبوت عدم الترخيص فهي من حيث هي مشتركة بين الوجوب والاستحباب لكن ما لم يثبت الترخيص يحكم بالوجوب (قوله: لا يبعد تبادر) قد عرفت أن دعوى تبادر الوجوب مساوقة لدعوى دلالة الصيغة على عدم الترخيص في ترك المادة وهو غير ظاهر بل ممنوع (قوله: باحتمال ارادة) قد عرفت أن مجرد عدم ثبوت الترخيص كاف في اعتبار الوجوب عند العقل (قوله: دلالته عليه) يعني على الندب (قوله: مع القرينة المصحوبة) ولا ينافيه كون

١٥٩

كذلك في المعنى المجازى لا يوجب صيرورته مشهورا فيه ليرجح أو يتوقف - على الخلاف في المجاز المشهور - كيف وقد كثر استعمال العام في الخاص حتى قيل: ما من عام إلا وقد خص، ولم ينثلم به ظهوره في العموم، بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على ارادة الخصوص (المبحث الثالث) هل الجمل الخبرية التى تستعمل في مقام الطلب والبعث مثل يغتسل ويتوضأ ويعيد ظاهرة في الوجوب ؟ أولا لتعدد المجازات فيها وليس الوجوب بأقواها بعد تعذر حملها

______________________________

اكثر المستحبات قد استفيد استحبابها من الجمع العرفي بين دليلي الالتزام والترخيص كما يظهر بأدنى ملاحظة للكتب الفقهية الاستدلالية، فان دليل الترخيص يكشف عن ثبوت القرينة الصارفة المتصلة لا أنه بنفسه قرينة حتى تكون القرينة مصحوبة بل هو حجة على القرينة لا أقل من احتمال ذلك فتأمل (قوله: كذلك) يعني مع القرينة المصحوبة (قوله: صيرورته مشهورا) لان المناسبة لا تكون بين اللفظ مطلقا والمعنى بل بين اللفظ المصحوب للقرينة وبين المعنى فلا موجب للانتقال إلى المعنى المجازي من مجرد اللفظ حتى يحصل الاجمال أو الظهور في غير المعنى الحقيقي (قوله: كيف وقد) استشهاد لما ذكره يعني أن العمومات على اختلافها من المعرف باللام، وكل، وجميع، وغيرها قد كثر استعمالها في الخصوص حتى قيل: ما من عام إلا وقد خص، ولم تمنع هذه الكثرة عن حملها على العموم إذا لم تكن قرينة على الخصوص " أقول ": التخصيص في قولهم: ما من عام... الخ يراد به التخصيص بالمنفصل بقرينة فرض العام، ولاجل ذلك أيضا لا مجال لما تقدم من كون الخاص حجة على القرينة المصحوبة لان القرينة مانعة عن كونه عاما ويظهر منه (ره) الاعتراف بذلك في فصل تعيين الظاهر من مبحث التعارض وعليه فلا يكون نظيرا لما نحن فيه بل قد يشكل في الحمل على العموم لان الاستعمال بالخصوص كان بلا قرينة مصحوبة - مضافا إلى أن اقتضاء التخصيص للتجوز بالعام محل الكلام كما يأتي فلا يشبه المقام فتأمل (قوله: قرينة بالخصوص) بل

١٦٠