ايمان أبي طالب وسيرته

ايمان أبي طالب وسيرته0%

ايمان أبي طالب وسيرته مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 145

ايمان أبي طالب وسيرته

مؤلف: العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي
تصنيف:

الصفحات: 145
المشاهدات: 30204
تحميل: 5793

توضيحات:

ايمان أبي طالب وسيرته
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 145 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30204 / تحميل: 5793
الحجم الحجم الحجم
ايمان أبي طالب وسيرته

ايمان أبي طالب وسيرته

مؤلف:
العربية

١١ - سيدنا أبو طالب وقريش:

قال أبن إسحاق: لما بادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومه بالإسلام، وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه، فيما بلغني، حتى ذكر آلهتهم وعابها. فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه، وأجمعوا خلافه وعداوته، إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام وهم قليل مستخفون، وحدب(١) على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمه أبو طالب ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمر الله مظهراً لأمره، لا يرده عنه شيء.

وقال: إن قريشاً حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: يابن اخي إن قومك جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فأبق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق، قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نه قد بدا لعمه فيه بداء، وأنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر أو يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته». قال: ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يا بن أخي. قال: فاقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إذهب يا بن أخي فقل ماأحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبداً.

ثم إن قريشاً حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإسلامه وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة، فقالوا له: يا با ابا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره، واتخذه ولداً فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك، هذا الذي قد خالفك دينك ودين آبائك

____________

(١) حدب: عطف عليه ومنع له. (المؤلف)

٤١

وفرق جماعة قومك، وسفه أحلامهم، فنقتله، فإنم هو رجل برجل، قال: والله لبئس ما تسومونني؛ أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟ هذا والله ما لا يكون أبدا. قال: فقال المطعم بن عدي بن نوفل: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً، فقال أبو طالب لمطعم: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك أو كما قال.

قال: فحقب الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، وبادى بعضهم بعضاً، فقال أبو طالب عند ذلك يعرض بالمطعم بن عدي ويعم من خذله من عبد مناف ومن عاداه من قبائل قريش؛ ويذكر ما سألوه وما تباعد من أمرهم:

ألا قـــل لعمرو والوليد ومطعمٍ

ألا ليت حظي من حياطتكم بكـــر(١)

من الخــور حبحاب كثير رغاؤه

يرش على الساقين من بوله قطــر(٢)

تخلف خلف الــورد ليس بلاحق

إذا ما عل الفيفاء قيل لــــه وبر(٣)

أرى أخــــوينا من أبينا وأمنا

إذا سئلا قالا إلــى غيرنا الأمــر

بلـــى لهما أمر ولكن تجرجما

كما جرجمت من رأس ذي علق صخر(٤)

أخص خصوصاً عبد شمس ونوفلاً

هما نبذانا مثل مــا ينبذ الجمـــر

همـــا أغمزا للقوم في أخويهما

فقد أصبحا منهم أكفهمـــا صفــر

همـا اشركا في المجد من لا ابالة

من الناس إلا ان يرش له ذكــــره(٥)

____________

(١) البكر: الفتي من الإبل. (المؤلف)

(٢) الخور جمع أخور: الضعيف. حبحاب بالمهملتين: القصير. ويروى بالجيمين المعجمتين: الكثير الكلام. ويروى بالخاء المعجمة ومعناه: الضعيف. (المؤلف)

(٣) الفيفاء: الأرض القفر. وبر: دويبة على قدر الهرة. (المؤلف)

(٤) تجرجما: سقطا وانحدرا، يقال: تجرجم الشيء إذا سقط. ذو علق: جبل في ديار بني أسد. (المؤلف)

(٥) يرس له ذكر ذكراً خفيفاً. رس الحديث: حدث به في خفاء. (المؤلف)

٤٢

وتيم ومخزوم وزهرة منهم

وكانوا لنا مولـى إذا بني النصر(١)

فــوالله لا تنفك منا عداوة

ولا منهم ما كـان من نسلنا شفر(٢)

فقد سفهت أحلامهم وعقولهم

وكانوا كجفرٍ بئس ما صنعت جفر

قال ابن هشام: تركنا منها بيتين أقذع فيهما.

قال الأميني: حذف أبن هشام منها ثلاثة أبيات لا تخفى على أي أحد غايته الوحيدة فيه، وإن الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره، ألا وهي:

وما ذاك إلا سؤدد خصنا بـه

إله العباد واصطفانا لـه الفخر

رجال تمالوا حاسدين وبغضة

لأهل العلـــى فبينهم أبداً وتر

وليد أبوه كان عبداً لجدنــا

إلى علجةٍ زرقاء جال بها السحر

يريد به الوليد بن المغيرة وكان من المستهزئين بالنبي الأعظم ومن الذين مشوا إلى أبي طالب عليه السلام في أمر النبي صلى لله عليه وآله وسلم وقد نزل قوله تعالى:( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ) (٣) وكان يسمى: الوحيد في قومه(٤) .

ثم قام أبو طالب - حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون - في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقيام دونه فاجتمعوا إليه وقاموا معه، وأجابوه ما دعاهم، إليه، إلا ما كان من أبي لهب عدو الله الملعون.

فلما رأى أبو طالب من قومه ما سره في جهدهم معه وحدبهم عليه؛ جعل يمدحهم ويذكر قديمهم؛ ويذكر فضل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم، ومكانه منهم، ليشد لهم

____________

(١) في سيرة ابن هشام: ١ / ٢٨٧: إذ بغي النصر.

(٢) شفر. أحد. يقال: ما بالدار شفر، أي ما بها أحد. (المؤلف)

(٣) المدثر: ١١.

(٤) الروض الأنف: ١ / ١٧٣ (٣ / ٦٢)، تفسير البيضاوي: ٢ / ٥٦٢ ( ٢ / ٥٤٢)، الكشاف: ٣ / ٢٣٠ (٤ / ٦٤٧)، تاريخ ابن كثير: ٤ / ٤٤٣ (٣ / ٧٨) تفسير الخازن: ٤ / ٣٤٥ (٤ / ٣٢٨). (المؤلف)

٤٣

رأيهم، وليحدبوا معه على أمره؛ فقال:

إذا اجتمعت يوماً قريش لمفخر

فعبد منافٍ سرها وصميمهــــا(١)

فإن حصلت أشراف عبد منافها

ففي هاشم أشرافهـــا وقديمهـا

وإن فخرت يوماً فـإن محمداً

هو المصطفى من سرهـا وكريمها

تداعت قريش غثهـا وسمينها

علينا فلم تظفر وطاشت حلــومها(٢)

وكنا قديماً لا نقـــر ظلامةً

إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمهــا(٣)

ونحمي حماها كل يوم كريهةٍ

ونضرب عن أحجارها من يرومها

بنا انتعش العـود الذواء وإنما

بأكنافنا تندى وتنمى أرومهــــا(٤)

سيرة ابن هشام (١ / ٢٧٥ - ٢٨٣)، طبقات ابن سعد (١ / ١٨٦)، تاريخ الطبري (٢ / ٢١٨)، ديوان أبي طالب (ص ٢٤)، الروض الأنف (١ / ١٧١، ١٧٢)، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ٣٠٦)، تاريخ ابن كثير (٢ / ١٢٦، ٢٥٨، و ٣ / ٤٢، ٤٨، ٤٩)، عيون الأثر (١ / ٩٩، ١٠٠)، تاريخ أي الفداء (١ / ١١٧)، السيرة الحلبية (١ / ٣٠٦، أسنى المطالب (ص ١٥) فقال: هذه الابيات من غرر مدائح أبي طالب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الدالة على تصديقه اياه، طلبة الطالب (ص ٥ - ٩)(٥) .

____________

(١) سرها وصميمها: خالصها وكريمها. قال: فلان من سر قومه. أي: من خيارهم ولبابهم وأشرافهم. (المؤلف)

(٢) طاشت حلومها: ذهبت عقولها. (المؤلف)

(٣) ثنوا: عطفوا. صعر جمع أصعر: المائل. يقال: صعر خده. أي أماله الى جهة كما يفعل المتكبر. (المؤلف)

(٤) انتعش: ظهرت فيه الخضرة. الذواء: اليابس. الأكناف: النواحي. الأرومة: الأصل. (المؤلف)

(٥) السيرة النبوية: ١ / ٢٨٢ - ٢٨٨، الطبقات الكبرى: ١ / ٢٠٢، تاريخ الأمم والملوك: ٢ / ٣٢٢ - ٣٢٨، ديوان أبي طالب: ص ٧٢، الروض الأنف: ٣ / ٤٨ن ٦٠، شرح نهج البلاغة: ١٤ / ٥٣ - ٥٥ كتاب ٩، البداية والنهاية: ٢ / ١٤٨، ٣١٧، ج ٣ / ٥٦، ٦٤، ٦٥، عيون الأثر: ١ / ١٣١ - ١٣٣، السيرة الحلبية: ١ / ٢٨٧، أسنى المطالب: ص ٢٨.

٤٤

١٢ - سيد الأباطح وصحيفة قريش:

اجتمع قريش وتشاوروا أن يكتبوا كتاباً تعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب أن لا ينكحوا إليهم ولا يبيعوا منهم شيئاً ولا يتبايعوا، ولا يقبلوا منهم صلحاً أبداًَ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للقتل، ويخلوا بينهم وبينه، وكتبوه في صحيفة بخط منصور بن عكرمة، أو بخط بغيض بن عامر، أو بخط النضر ابن الحرث، أو بخط هشام بن عمرو، أو بخط طلحة بن أبي طلحة، أو بخط منصور ابن عبد، وعلقوا منها صحيفة في الكعبة هلال المحرم سنة سبع من النبوة، وكان اجتماعهم بخيف بني كنانة وهو المحصب، فانحاز بنو هشام وبنو المطلب إلى أبي طالب ودخلوا معه في الشعب إلا أبا لهب فكان مع قريش، فأقاموا على ذلك سنتين وقيل ثلاث سنين، وإنهم جهدوا في الشعب حتى كانوا يأكلون الخبط(١) وورق الشجر.

قال ابن كثير: كان أبو طاب مدة إقامتهم بالشعب يأمره صلى الله عليه وآله وسلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شراً وغائلة، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه أو بني عمه أن يضطجع على فراش المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ويأمر هو أن يأتي بغض فرشهم فيرقد عليها.

ثم إن الله تعالى أوحى إلى النبي صلى الله علية وآله وسلم أن الأرضة أكلت جميع ما في الصحيفة من القطيعة والظلم فلم تدع سوى اسم الله فقط، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمه أبا طالب بذلك، فقال: يا بن أخي أربك أخبرك بهذا؟ قال: «نعم». قال: والثواقب ما كذبتني قط. فانطلق في عصابة من بني هاشم والمطلب حتى أتوا لمسجد، فأنكر قريش ذلك، وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أبو طالب:

____________

(١) الخبط: الورق المتساقط من الشجر.

٤٥

يا معشر قريش جرت بيننا وبينكم أمور لم تذكر في صحيفتكم، فأتوا بها، لعل أن يكون بينننا وبينكم صلح، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا بها فأتوا بها وهم لا يشكون أن أبا طالب يدفع إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فوضعوها بينهم وقبل أن تفتح قالوا لأبي طالب: قد آن لكم أن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم، فقال: أتيتكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم، إن ابن أخي أخبرني - ولم يكذبني - أن الله قد بعث على صحيفتكم دابة فلم تترك فيها إلا اسم الله فقط، فإن كان كما يقول فأفيقوا عما أنتم عليه، فوالله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا. ون كان باطلاً دفعناه إليكم فقتلتم أو استحييتم! فقالوا: رضينا. ففتحوها فوجدوها كما قال صلى الله عليه وآله وسلم. فقالوا: هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغياً وعدوانا.

وإن أبا طالب قال لهم بعد أن وجدوا الأمر كما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم: علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبين أنكم أولى بالظلم والقطيعة؟ ودخل هو ومن معه بين أستار الكعبة وقال: اللهم انصرنا على من ظلمنا، وقطع أرحامنا، وساتحل ما يحرم عليه منا.

وعند ذلك مشت طائفة من قريش في نقض تلك الصحيفة فقال ابو طالب:

ألا هل أتى بحرينا(١) صنع ربنا

على نأيهم والله بــالناس أرود(٢)

فيخبرهــم أن الصحيفة مزقت

وأن كل ما لم يرضـه الله مفسد

تراوحهـــا إفك وسحر مجمع

ولم يلف سحر آخر الدهر يصعد

تداعى لها مــن ليس فيا بقرقر

فطائرها في رأسهـــا يتردد(٣)

____________

(١) يريد به من كان هاجر من المسلمين إلى الحبشة في البحر. (المؤلف)

(٢) أرود: أرفق. (المؤلف)

(٣) القرقر: اللين السهل. وقال السهيلي: من ليس فيها بقرقر: أي ليس بذليل وطائرها: أي حظها من الشؤم والشر، وفي التنزيل( أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) الإسراء: ١٣. (المؤلف)

٤٦

وكانت كفـــاءً وقعــــة بأثيمةٍ

ليقطع منهـــا ساعـــد ومقلد

ويظعن أهـــــل المكتين فيهربوا

فرائصهم مــن خشية الشر ترعد

ويترك حـــراك يقلب أمــــره

أيتهم فيها عند ذاك و ينجــــد(١)

وتصعد بيـــــن الاخشبين كتيبة

لها حدج سهـــم وقوس ومرهد(٢)

فمن ينش مـــن حضار مكة عزه

فعرتنا فــي بطن مكـــة أتلد(٣)

نشأنا بهـا والناس فيهــــا قلائل

فلم تنفك نزداد خيراً و نحمـــد

ونطعم حتـــى يترك الناس فضلهم

إذا جعلت أيدي المفيضين تـرعد(٤)

جزى الله رهطاً بالحجون تتابعوا(٥)

على ملأ يهدي لحزم ويـــرشد

قعوداً لدى خطم الحجـــون كأنهم

مقاولة(٦) بل هم أعز و أمجــد

أعان عليها كـــل صقــر كأنه

إذا ما مشى في رفرف الدرع أحرد(٧)

ألا إن خير الناس نفســــاً ووالداً

إذا عد سادات البرية أحمــــد

نبـــي الإلـــه والكريم بأصله

وأخلاقـه وهـــو الرشيد المؤيد

جريء علــى جلى الخطوب كأنه

شهاب بكفــــــي قابس يتوقد(٨)

____________

(١) الحراث: المكتسب. يتهم: يأتي تهامة. ينجد: يأتي نجداً. (المؤلف)

(٢) الأخشبان: جبلان بمكة. المرهد: الرمح للين. (المؤلف)

(٣) ينش: أي ينشأ بحذف الهمزة على غير قياس. أتلد: أقدم. (المؤلف)

(٤) المفيضين: الضاربون بقداح الميسر. يريد سلام الله عليه: أنهم يطعمون إذا بجل الناس. (المؤلف)

(٥) في سيرة ابن هشام: تبايعوا. والمقصود بهم الأشخاص الذين سعوا في نقض الصحيفة التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة بني هاشم.

(٦) المقاولة: الملوك. (المؤلف)

(٧) رفرف الدرع: ما فضل منها. أحرد: بطيء المشي لثقل الدرع. (المؤلف)

(٨) وفي رواية:

حزيم على جل الأمور كأنه

شهاب بكفي قابس يتوقد

(المؤلف)

٤٧

مــن الأكرمين من لؤي بن غالب

إذا سيـــم خسفاً وجهـه يتربد(١)

طويل النجاد(٢) خارج نصف ساقه

علــى وجهه يسقى الغمام ويسعد

عظيـــم الرمــاد سيد ابن سيد

يحض على مقرى الضيوف ويحشد

ويبني لأبناء العشيرة صالحـــاً

إذا نحن طفنا فــي البلاد ويمهـد

ألظ(٣) بهذا الصلـــح كل مبراً

عظيم اللواء أمــره ثــم يحمد

قضوا ما قضوا في ليلهم ثم اصبحوا

على مهل وسائــر الناس رقـد

هـم رجعوا سهل بن بيضاء راضياً

وسر أبو بكـر بهـــا ومحمد(٤)

متــى شرك الأقوام في جل أمرنا

وكنا قديمــــا ً قبلهــا نتودد

وكنـــا قديمــا ً لا نقر ظلامةً

وندرك مــــا شئنا ولا نتشدد

فيال قصي هــل لكم في نفوسكم

وهل لكم فيها يجــــيء به غد

فأني وإياكــــم كما قـل قائل

لديك البيان لو تكلمت أســــود(٥)

طبقات ابن سعد (١ / ١٧٣، ١٩٢)، سيرة ابن هشام ٥١ / ٣٩٩ - ٤٠٤)، عيون الاخبار لابن قتيبة (٢ / ١٥١)، تاريخ اليعقوبي (٢ / ٢٢)، الاستيعاب ترجمة سهل بن بيضاء (٢ / ٥٧٠)، صفة الصفوة ( ١ / ٣٥ )، الروض الانف ( ١ / ٣٣١ ) خزانة الأدب للبغدادي (١ / ٢٥٢)، تاريخ ابن كثير (٣ / ٨٤، ٩٥ / ٩٧)، عيون الأثر (١ / ١٢٧)،

____________

(١) سيم - بالبناء للمجهول -: كلف. الخسف: الذل. يتربد: يتغير إلى السواد. (المؤلف)

(٢) النجاد: حمائل السيف. (المؤلف)

(٣) ألظ: ألح ولزم. (المؤلف)

(٤) ذكر الشطر الثاني في الديوان هكذا: وسر إمام العالمين محمد. وسهل بن بيضاء صحابي أسلم بمكة وأخفى إسلامه، وهو الذي مشى الى النفر الذين قاموا في شأن الصحيفة، حتى اجتمع له منهم عدة تبرروا منها وأنكروها.

(٥) أسود: جبل، قتل فيه قتيل فلم يعرف قاتله، فقال أولياء المقتول: لديك البيان لو تكلمت أسود. فذهب مثلاً. توجد في ديوان أبي طالب (ص ٤٦ و ٩٦) أبيات من هذه القصيدة غير ما ذكر لم نجدها في غيره. (المؤلف)

٤٨

الخصائص الكبرى (١ / ١٥١)، ديوان ابي طالب ( ص١٣)، السيرة الحلبية (١ / ٣٥٧ - ٣٦٧)، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية (١ / ٢٨٦ - ٢٩٠)، طلبة الطالب (ص ٩، ١٥، ٤٤)، أسنى المطالب (ص ١١ - ١٣)(١) .

وذكر ابن الأثير قصة الصحيفة في الكامل(٢) (٢ / ٣٦) فقال: قال أبو طالب في أمر الصحيفة وأكل الأرضة ما فيها من ظلم وقطيعة رحمٍ أبياتاً، منها:

وقد كان في أمر الصحيفة عبرة

متى ما يخبر غائب القوم يعجب

محـا الله منها كفرهم وعقوقهم

وما نقموا من ناطق الحق معرب

فأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً

ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب

١٣ - وصية ابي طالب عند موته:

عن الكلبي قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال: يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب، فيكم السيد المطاع، وفيكم المقدام الشجاع، الواسع الباع، واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إلا أحرزتموه، ولا شرفاً إلا أدركتموه، فلكم بذلك على الناس الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب وعلى حربكم إلب، وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية - يعني الكعبة - فإن فيها مرضاة للرب، وقواماً للمعاش، وثباتاً للوطأة، صلوا أرحامكم ولا تقطعوها فإن صلة الرحم منسأة في الأجل، وزيادة في العدد، واتركوا

____________

(١) الطبقات الكبرى: ١ / ١٨٨، ٢٠٨، السيرة النبوية: ٢ / ١٤ - ١٩، تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٣١، الاستيعاب: القسم الثاني / ٦٦٠ رقم ١٠٨٠، صفة لصفوة: ١ / ٩٨ رقم ١، الروض الأنف: ٣ / ٣٤١، خزانة الأدب: ٢ / ٥٧، البداية والنهاية: ٣ / ١٠٦، ١٢١، ١٢٢، عيون الأثر: ١ / ١٦٥،الخصائص الكبرى: ٢٤٩١، ديوان أبي طالب: ٤٥ - ٤٦، السيرة الحلبية ١ / ٣٣٧ - ٣٤٥، السيرة النبوية: ١ / ١٣٧، أسنى المطالب: ص ١٩ - ٢٢.

(٢) الكامل في التاريخ: ١ / ٥٠٤ - ٥٠٧.

٤٩

البغي والعقوق ففيها هلكة القرون قبلكم، أجيبوا الداعي، وأعطوا السائل فإن فيهما شرف الحياة والممات، وعليكم بصدق الحديث، وأداء الأمانة، فإن فيهما محبة في الخاص، ومكرمة في العام.

وإني أوصيكم بمحمد خيراً فإنه الأمين في قريش، والصديق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به، وقد جاءنا بأمر قبله الجنان، وأنكره اللسان مخافة الشنآن، وأيم الله كأني أنظر الى صعاليك العرب وأهل الأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته، وصدقوا كلمته، وعظموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً، ودورها خراباً، وضعفاؤها أرباباً، وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها، وأصفت له فؤادها، وأعطته قيادها، دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم، كونوا له ولاةً ولخزبه حماةً، والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة، وفي اجلي تأخير، لكففت عنه الهزاهز، ولدافعت عنه الدواهي.

الروض الأنف (١ / ٢٥٩)، المواهب (١ / ٧٢)، تاريخ الخميس (١ / ٣٣٩)، ثمرات الأوراق هامش المستطرف (٢ / ٩)، بلوغ الإرب (١ / ٣٢٧)، السيرة الحلبية (١ / ٣٧٥) السيرة لزيني دحلان هامش الحلبية (١ / ٩٣)، أسنى المطالب (ص ٥)(١) .

قل الأميني: في هذه الوصية الطافحة بالإيمان والرشاد دلالة واضحة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أرجأ تصديقه باللسان إلى هذه الآونة التي يئس فيها من الحياة حذرا شنآن قومه المستتبع لانثياله عنه، المؤدي إلى ضعف المنة(٢) وتفكك القوى، فلا يتسنى له حينئذ الذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن الإيمان به مستقراً في الجنان من

____________

(١) الروض الأنف: ٤ / ٣٠، المواهب اللدنية: ١ / ٢٦٥، تاريخ الخميس: ١ / ٣٠٠، ثمرات الأوراق: ص ٢٩٤، السيرة الحلبية: ١ / ٣٥٢، السيرة النبوية: ١ / ٤٥، أسنى المطالب: ص ١١.

(٢) المنة: القوة.

٥٠

أول يومه، لكنه لما شعر بأزوف الأجل وفوات الغاية المذكورة أبدى ما أجنته أضالعه(١) فأوصى بالنبي صلى الله علية وآله وسلم بوصيته الخالدة.

١٤ - وصية أبي طالب لبني أبيه:

أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى(٢) : أن أبا طالب حضرته الوفاة دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد، وما اتبعتم أمره، فاتبعوه وعينوه ترشدوا.

وفي لفظ: يا معشر بني هاشم أطيعوا محمداً وصدقوه تفلحوا وترشدوا.

وتوجد هذه الوصية(٣) في تذكرة السبط (ص ٥)، الخصائص الكبرى (١ / ٨٧)، السيرة الحلبية (١ / ٣٧٢، ٣٧٥)، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية (١ / ٩٢، ٢٩٣)، أسنى المطالب (ص ١٠). و رأى البرزنجي هذا الحديث دليلاً على إيمان أبي طالب ونعما هو، قال: قلت: جدا أن يعرف أن الرشاد في اتباعه ويأمر غيره بذلك ثم يتركه هو.

قال الأميني: ليس في العقل السليم مساغ للقول بأن هذه المواقف كلها لم تنبعث عن خضوع أبي طالب للدين الحنيف وتصديقه للصادع به صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا فماذا الذي كان يجدوه إلى مخاشنة قريش ومقاساة الأذى منهم وتعكير الصفو من حياته لا سيما أيام كان هو والصفوة من فئته في الشعب، فلا حياة هنيئة، ولا عيش رغداً، ولا أمن يطمأن به، ولا خطر مدروءاً، يتحمل الجفاء والقطيعة والقسوة المؤلمة من قومه، فماذا

____________

(١) أجنه: أخفاء وستره.

(٢) الطبقات الكبرى: ١ / ١٢٣.

(٣) تذكرة الخواص: ص ٨، الخصائص الكبرى: ١ / ١٤٧، السيرة الحلبية: ١ / ٣٥٢، السيرة النبوية: ١ / ٤٥ و ١٤٠، أسنى المطالب: ص ١٧.

٥١

الذي أقدمه على هذه كلها؟ وماذا الذي حصره وحبسه في الشعب عدة سنين تجاه أمر لا يقول بصدقه ولا يخبت إلى حقيقته؟ لاها الله لم يكن كل ذلك إلا عن إيمان ثابت، وتصديق وتسليم وإعان بما جاء به نبي الإسلام، يظهر ذلك للقارئ المستشف لجزئيات كل من هذه القصص، ولم تكن القرابة والقومية بمفردها تدعوه إلى مقاساة تلكم المشاق كما لم تدع أبا لهب أخاه، وهب أن القرابة تدعوه الى الذب عنه صلى الله عليه وآله وسلم لكنها لا تدعوا إلى المصارحة بتصديقه وأن ما جاء به حق، وأنه نبي كموسى خط في أول الكتب، وأن من اقتص اثره فهو المهتدي، وأن الضال من ازور عنه وتخلف، إلى أمثل ذلك من مصارحات قالها بملء فمه، ودعا إليه صلى الله عليه وآله وسلم فيها بأعلى هتافه.

١٥ - حديث عن أبي طالب:

ذكر ابن حجر في الإصابة (٤ / ١١٦) من طريق إسحاق بن عيسى الهاشمي عن أبي رافع قال: سمعت أبا طالب يقول: سمعت ابن أخي محمد بن عبد الله يقول: إن ربه بعثه بصلة الأرحام وأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه غيره ومحمد الصدوق الأمين.

وذكره السيد زيني دحلان في أسنى المطالب(١) (ص ٦) وقال: أخرجه الخطيب، وأخرجه السيد فخار بن معد في كتاب الحجة(٢) ( ص ٢٦) من طريق الحافظ أبي نعيم الإصبهاني، وبإسناد آخر من طريق أبي الفرج الاصبهاني، وروى الشيخ إبراهيم الحنبلي في نهاية الطلب عن عروة الثقفي قال: سمعت أبا طالب رضي الله عنه يقول: حدثني بن أخي الصادق الأمين وكان والله صدوقاً: إن ربه أرسله بصلة الأرحام، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وكان يقول: اشكر ترزق، ولا تكفر تعذب.

____________

(١) أسنى المطالب: ص ١٥.

(٢) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٣٥.

٥٢

- ٣ -

ما يروي عنه آله وذووه من طرق العامة فحسب

أما رجال آل هاشم، وأبناء عبد المطلب، وولد أبي طالب، فلم يؤثر عنهم إلا الهتاف بايمانه الثابت، وأن ما كان يؤثره في نصرة النبي الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم كان منبعثاً عن تدين بما صدع به صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت أدرى بما فيه.

قال ابن الأثير في جامع الأصول: وما أسلم من أعمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير حمزة والعباس وأبي طالب عند أهل البيت عليهم السلام. انتهى.

نعم: هتفوا بذلك في أجيالهم وأدوارهم بملء الأفواه وبكل صراحة وجبهوا من خالفهم في ذلك.

إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

١ - قال ابن أبي الحديد في شرحه(١) (٣ / ٣١٢): روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبد المطلب وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة: إن أبا طالب ما مات حتى قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. والخبر مشهور أن أبا طالب عند الموت قال كلاماً خفياً، فأصغى إليه أخوه العباس(٢) ، وروي عن علي عليه السلام أنه قال: «ما مات

____________

(١) شرح نهج البلاغة: ١٤ / ٧١ كتاب ٩.

(٢) راجع سيرة بن هشام: ٢ / ٢٧ (٢ / ٥٩)، دلائل النبوة للبيهقي (٢ / ٣٤٦)، تاريخ ابن كثير: ٣ / ١٢٣ (٣ / ١٥٢)، عيون الأثر لأبن سيد الناس: ١ / ١٣١ (١ / ١٧٣)، الإصابة: ٤ / ١١٦ (رقم ٦٨٥)، المواهب اللدنية: ١ / ٧١ (١ / ٢٦٢)، السيرة الحلبية: ١ / ٣٧٢ (١ / ٣٥٠)، السيرة الدحلانية هامش الحلبية: ١ / ٨٩ (السيرة النبوية: ١ / ٤٤)، أسنى المطالب: ص ٢٠ (ص ٣٥). (المؤلف)

٥٣

أبو طالب حتى أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه الرضا".

وذكر أبو الفداء والشعراني عن ابن عباس: أن أبا طلب لما أشتد مرضه قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عم قلها استحل لك بها الشفاعة يوم القيامة يعني الشهادة، فقال له أبو طالب: يا بن أخي لولا مخافة السبة وأن تظن قريش إنما قلتها جزعاً من الموت لقلتها. فلما تقارب من أبي طالب الموت جعل يحرك شفتيه فأصغى إلية العباس بإذنه وقال: والله يا بن أخي لقد قال الكلمة التي أمرته أن يقولها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحمد لله الذي هداك يا عم(١) .

وقال السيد أحمد زيني دحلان في السيرة الحلبية(٢) (١ / ٩٤): نقل الشيخ السحيمي في شرحه على شرح جوهرة التوحيد عن الإمام الشعراني والسبكي وجماعة أن ذلك الحديث - أعني حديث العباس - ثبت عند بعض أهل الكشف وصح عندهم سلامه.

قال الأميني: ذكرنا هذا الحديث مجاراة للقوم وإلا فما كانت حاجة أبي طالب مسيسة عند الموت إلى التلفظ بتينك الكلمتين اللتين كرس حياته الثمينة للهتاف بمفادهما في شعره ونشره، والدعوة إليهما، والذب عمن صدع بهما، ومعاناة الأ هوال دونهما حتى يومه الأخير. ما كانت حاجة أبي طالب مسيسة عندئذ إلى التفوه بها كأمر مستجد، فمتى كفر هو؟ ومتى ضل؟ حتى يؤمن ويهتدي بهما، أليس من الشهادة قوله الذي أسلفناه (ص ٣٣١).

ليعلم خير الناس أن محمداً

وزير لموسى والمسيح ابن مريم

أتانا بهـدي مثل ما أتيا به

فكل بأمـر الله يهدي ويعصـم

وإنكــم تتلونه في كتابكم

بصدق حديثٍ لا حـديث مبرجم

____________

(١) تاريخ أبي الفداء: ١ / ١٢٠، كشف للشعراني: ٢ / ١٤٤. (المؤلف)

(٢) السيرة النبوية: ١ / ٤٦.

٥٤

وقوله في (ص ٣٣٢):

أمين حبيب في العباد مســوم

بخاتم رب قاهر في الخـواتــم

نبي أتاه الوحي من عند ربــه

ومـن قال لا يقرع بها سن نـادم

وقوله في (ص ٣٣٢):

ألــم تعلموا أنا وجدنا محمداً

رسولاً كموسى خط في أول الكتب

وقوله في (ص٣٣٤):

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر بذاك وقـر منك عيـونا

ودعـوتني وعلمت أنك ناصحي

ولقد دعـوت وكنت ثــم أمينا

ولقــد علمت بأن ديــن محمد

من خيـر أديان البريـــة دينا

وقوله في (ص ٣٣٥):

أو تــؤمنوا بكتاب منزل عجب

على نبي كموسى أو كذي النون

وقوله في (ص ٣٣٧):

نصرت الـرسول رسول المليك

ببيض تلألأ كلمع البـــروق

أذب وأحمــي رســـول الله

حمايــــة حام عليه شفيق

وقوله في (ص ٣٤٠):

فأيده رب العباد بنصـــره

وأظهر ديناً حقه غيــر باطل

وقوله في ص ( ٣٥٦ ):

٥٥

والله لا أخــذل لنبـــي ولا

يخذله من بنـــي ذو حسب

نــحـن وهذا النبـي ننصره

نضرب عنـه الأعداء بالشهب

وقوله في (ص ٣٤٥):

أتبغون قتلاً للنبـــــي محمد

خصصتم علـى شؤم بطول أثام

وقوله في (ص ٣٥٧):

فصبراً أبا يعلى علـى دين أحمد

وكن مظهراً للدين وفقت صابرا

وحط من أتى بالحق من عند ربه

بصدق وعزم لا تكن حمز كافرا

فقد سرني إذ قلت إنك مــؤمن

فكن لرسول الله في الله ناصـرا

وقوله وقد رواه أبو الفرج الأصبهاني:

زعمت قريش أن أحمد ساحــر

كذبوا ورب الراقصات إلى الحرم(١)

ما زلت أعرفه بصدق حديثــه

وهو الأمين على الحرائب والحرم

وقوله المروي من طريق أبي الفرج الإصبهاني كما في كتاب الحجة(٢) (ص ٧٢) ومن طريق الحسن بن محمد بن جرير كما في تفسير أبي الفتوح(٣) (٤ / ٢١٢).

قل لمن كان من كنانة فـي العز

وأهل الندى وأهـــل المعالي

قد أتاكم مـــن المليك رسول

فاقبلوه بصالح الأعمــــال

وانصروا أحمداً فــإن من اللـ

ـه رداءً عليه غيـــر مدال

وقوله من أبيات في شرح ابن أبي الحديد(٤) (٣ / ٣١٥):

____________

(١) أراد بالراقصات إلى الحر الإبل الراكضات. رقص الجمل إذا ركض. (المؤلف)

(٢) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٢٨١.

(٣) تفسير أبي الفتوح: ٨ / ٤٧٣.

(٤) شرح نهج البلاغة: ٤ / ٧٨ كتاب ٩.

٥٦

فخير بني هاشم أحمد

رسول الإله على فترة(١)

ولو كان يؤثر أقل من هذا عن أحد من الصحابة لطبل له، وزمر من يتشبث بالطحلب في سرد الفضائل لبعضهم مغالاةً فيهم، لكني أجد إسلام أبي طالب مستعصياً فهمه على هؤلاء ولو صرخ بألف هتاف من ضرائب هذه. لماذا؟ أنا لا أدري!

٢ - أخرج ابن سعد في طبقاته(٢) (١ / ١٠٥) عن عبيد الله بن بي رافع عن علي قال: أخبرت رسول الله صلى لله عليه وآله وسلم بموت أبي طالب، فبكى ثم قال: اذهب فاغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه.

وفي لفظ الواقدي: فبكى بكاءً شديداً ثم قال: اذهب فاغسله. إلخ. وأخرجه(٣) ابن عساكر كما في أسنى المطالب (ص ٢١)، والبيهقي في دلائل النبوة، وذكره سبط ابن الجوزي في التذكرة (ص ٦) وابن أبي الحديد في شرحه (٣ / ٣١٤)، والحلبي في السيرة (١ / ٣٧٣)، والسيد زيني دحلان في هامش السيرة الحلبية (١ / ٩٠)، والبرزنجي في نجاة أبي طالب وصححه كما في أسنى المطالب (ص ٣٥) وقال: أخرجه أيضاً أبو داود، وابن الجارود، وابن خزيمة وقال: إنما ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم المشي في جنازته أتقاءً من شر سفهاء قريش. وعدم صلاته لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذٍ.

____________

(١) اشار إلى قوله تعالى: ( قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ ) { المائدة: ١٩} وتوجد الأبيات في كتاب الحجة للسيد فخار: ص ٧٤ {ص ٢٨٣}. (المؤلف)

(٢) الطبقات الكبرى: ١ / ١٢٣.

(٣) مختصر تاريخ مدينة دمشق: ٢٩ / ٣٢ أسنى المطالب: ص ٣٨، دلائل النبوة: ٢ / ٣٤٨، تذكرة الخواص: ص ٨، شرح نهج البلاغة ١٤ / ٧٦ كتاب ٩، السيرة الحلبية: ١ / ٣٥١، السيرة النبوية: ١ / ٤٤، أسنى المطالب: ص ٦٢.

٥٧

عن السلمي وغيره: توفي أبو طالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من حين نبئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وتوفيت خديجة بعده بشهر وخمسة ايام فاجتمع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها وعلى عمه حزن شديد حتى سمي ذلك العام عام الحزن.

طبقات ابن سعد (١ / ١٠٦)، الامتاع للمقريزي (ص ٢٧)، تاريخ ابن كثير (٣ / ١٣٤)، السيرة الحلبية (١ / ٣٧٣)، السيرة لزيني دحلان هامش الحلبية (١ / ٢٩١)، أسنى المطالب (ص ١١)(١) .

لفت نظر: عين ابن سعد لوفاة بي طالب يوم النصف من شوال كما سمعت، وقال أبو الفداء في تاريخه (١ / ١٢٠) توفي في شوال، وأوعز القسطلاني في المواهب(٢) (١ / ٧١) موته في شوال إلى لقيل، وقال المقريزي في الإمتاع (ص ٢٧): توفي أول ذي القعدة وقيل: النصف من شوال، وقال الزرقاني في شرح المواهب (١ / ٢٩١): مات بعد خروجهم من الشعب في ثامن عشر رمضان سنة عشر، وفي الاستيعاب: خرجوا من الشعب في أول سنة خمسين وتوفي أبو طالب بعده بستة أشهر فتكون وفاته في رجب. انتهى. وهذا الاختلاف موجود في تآليف الشيعة أيضاً.

٣ - أخرج البيهقي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاد من جنازة أبي طالب فقال: «وصلتك رحم، وجزيت خيراً يا عم» وفي لفظ الخطيب: عارض النبي جنازة أبي طالب فقال: «وصلتك رحم، جزاك الله خيراً يا عم».

دلائل النبوة للبيهقي، تاريخ الخطيب البغدادي (١٣ / ١٩٦)، تاريخ ابن كثير

____________

(١) الطبقات الكبرى: ١ / ١٢٥، البداية والنهاية: ٣ / ١٥٦، السيرة الحلبية: ١ / ٣٤٦، السيرة النبوية: ١ / ١٣٩، أسنى المطالب: ص ١٤، ٢٠.

(٢) المواهب اللدنية: ١ / ٢٦٢.

٥٨

(٣ / ١٢٥)، تذكرة السبط (ص ٦)، نهاية الطلب للشيخ إبراهيم الحنفي كما في الطرائف (ص ٨٦)، الإصابة (٤ / ١١٦)، شرح شواهد المغني (ص ١٣٦)(١) .

وقال اليعقوبي في تاريخه(٢) (٢ / ٢٦): لما قيل لرسول الله: إن أبا طالب قد مات عظم ذلك في قبله واشتد له جزعه، ثم دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرات وجبينه الأيسر ثلاث مرات، ثم قال: «يا عم ربيت صغيرا، وكفلت يتيماً، ونصرت كبيراً، فجزاك الله عني خيراً، ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول: وصلتك رحم، وجزيت خيراً».

٤ - عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث قال: قال العباس: يا رسول الله أترجو لأبي طالب؟ قال: «كل الخير أرجو من ربي».

أخرجه ابن سعد في الطبقات(٣) (١ / ١٠٦) بسند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحاح وهم: عفان بن مسلم، وحماد بن سلمة، وثابت البنائي(٤) ، وإسحاق ابن عبد الله.

وأخرجه ابن عساكر(٥) كما في الخصائص الكبرى(٦) (١ / ٨٧)، والفقيه الحنفي

____________

(١) دلائل النبوة ٢ / ٣٤٩، البداية والنهاية: ٣ / ١٥٥، تذكرة الخواص: ص ٨، الطرائف: ص ٣٠٥ ح ٣٩٣، شرح شواهد المغني: ١ / ٣٩٧ رقم ١٩٧.

(٢) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٣٥.

(٣) الطبقات الكبرى: ١ / ١٢٤.

(٤) في الخصائص الكبرى: البناني، كذا ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى: ٧ / ٢٣٢، والذهبي في سير أعلام النبلاء: ٥ / ٢٢٠، وفي تذكرة الحفاظ: ١ / ١٢٥.

(٥) مختصر تاريخ مدينة دمشق: ٢٩ / ٣٢.

(٦) الخصائص الكبرى: ١ / ١٤٧.

٥٩

الشيخ إبراهيم الدينوري في نهاية الطلب كما في الطرائف(١) (ص ٦٨)، وذكره ابن أبي الحديد في شرحه(٢) (٣ / ٣١١)، والسيوطي في التعظيم والمنة (ص ٧) نقلاً عن ابن سعد.

٥ - وعن أنس بن مالك قال: أتى أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله لقد أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يصطبح(٣) ، ثم أنشد:

أتيناك والعــذراء يدمي لبانها

وقد شغلت أم الصبي عــن الطفل

وألقــى بكفيه الصبي استكانةً

من الجوع ضعفاً ما يمـرولا يحلي

ولا شيء مما يأكل الناس عندنا

سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل(٤)

وليس لنا إلا إليك فـــرارنا

وأين فرار الناس إلا إلــى الرسل

فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: «اللهم سقنا غيثاً مغيثاً سحاً طبقاً غير رائث، تنبت به الزرع وتملأ به الضرع، وتحيي به الأرض بعد موتها، وكذلك تخرجون».

فما استتم الدعاء حتى التقت السماء بروقها؛ فجاء أهل البطانة يضجون: يا رسول الله الغرق، فقال: «حوالينا ولا علينا». فانجاب السحاب عن المدينة كالإكليل، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه وقال: «لله در أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه، من الذي ينشدنا شعره؟ فقال علي بن أبي طالب كرم الله

____________

(١) الطرائف: ص ٣٠٥ ح ٣٩٤.

(٢) شرح نهج البلاغة: ١٤ / ٦٨ كتاب ٩.

(٣) أطت الإبل: أنت تعباً أو حنيناً. يصطبح: يشرب اللبن صباحاً.

(٤) العهز: وبر الإبل يخط بالدم ثم يشوى بالنار، وكان أهل الجاهلية يتخذونه طعاماً في سني المجاعة. الفسل: الحقير الذي لا قيمة له.

٦٠