الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 80829
تحميل: 4603

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80829 / تحميل: 4603
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

روّجوا مسألة التشبيه و التجسيم و دسّوها في أحاديث المسلمين. و إن رآها الترمذي حديثاً حسناً صحيحاً، أو صحّحه البخاري حسب ما نقله الترمذي.

ثمّ إنّي وقفت - بعد ما حرّرت ذلك - على كلام للمحقّق السيد حسن السقاف حول الحديث، فنأتي به موجزاً:

يقول: إنّ متن الحديث يشتمل على ألفاظ منكرة توَكد وضعه :

١. إثبات الصورة للّه تعالى، وكذلك إثبات الكفّ له - سبحانه وتعالى عن ذلك - وإنّها بقدر ما بين كتفي سيدنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

«أجمع أهل السنة على استحالة الصورة على اللّه عزّ وجلّ، كما نقل ذلك الاِجماع الشيخ الاِمام عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق (ص ٣٣٢).

وقال الشافعي : والاِجماع أكبر من الحديث المنفرد».(١)

أي إنّ الاِجماع إذا صادمه حديث آحاد أسقط الاحتجاج به، بل يدلّ ذلك على وضعه و انّه لا أصل له كما يقول الحافظ الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه(١/١٣٢).

٢. إثبات الكف هنا إثبات جارحة للّه تعالى ويبعد تأويلها بالقدرة، لاَنّ قدرة اللّه عزّ وجلّ شاملة لجسد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشريف، وإثبات أنّه وجد برد كفّ اللّه تعالى عن ذلك، بين ثدييهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبعّد التأويل بالقدرة، ويوَكد وضع الحديث، لا سيما أنّ الحفاظ كالذهبي قالوا عنه منكَر لاَجل هذه الاَلفاظ وأشباهها.

كما أنّ تأويل قوله: في أحسن صورة، أي أحسن صورة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيه تكلّف لا يخفى، والحديث موضوع لا يثبت.(٢)

____________________

١ سير اعلام النبلاء: ١٠/٢٠ و ٢١، والحلية:٩/١٠٥، وآداب الشافعي لابن أبي حاتم:٢٣١.

٢ ذيل دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه: ٢٨٥- ٢٨٦.

٨١

هذا إذا نظرنا إلى الحديث من جانب المضمون والتطبيق على الاَُصول القطعية، وأمّا إذا أردنا دراسة الحديث من حيث السند، فهو إذن مثل المضمون مرفوض جداً وقد نصّ على ضعف السند أبطال الحديث، فقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات (١/١٢٥)، والحافظ السيوطي في كتابه «اللآلي المصنوعة في الاَحاديث الموضوعة» (١/٣١) وذكر انّ في سنده حماد بن سلمة، وقال الاِمام الحافظ البيهقي في كتابه «الاَسماء والصفات» (ص ٣٠٠): «وقد روي من وجه آخر وكلّها ضعيف».

فإن قال قائل قد حسّن الترمذي الحديث، بل قد صحّحه في بعض الروايات عنه.

قلنا: هذا لا ينفع، لاَنّ الترمذي متساهل في التصحيح والتحسين مضافاً إلى معارضته بتضعيف الحفاظ الذين تعرفت على أسمائهم، فقد صرّحوا بأنّ الحديث منكر و موضوع، فهو مقدَّم على تحسين الترمذي أو تصحيحه.

ولو أردنا نقل كلمات الحفاظ حول الحديث لطال بنا الكلام وهو خارج عن موضوع الكتاب.(١)

٢. إفشاء سر النبي

أخرج الاِمام أحمد، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن معاذ بن جبل، قال: كنت ردف النبي فقال: هل تدري ما حقّ اللّه عزّ وجلّ على عباده؟ قلت: اللّه و رسوله أعلم، قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. قال: هل تدري ما حقّالعباد على اللّه إذا فعلوا ذلك؟ أن يغفر لهم و لا يعذبهم.

____________________

١ لاحظ رسالة «أقوال الحفاظ المنثورة لبيان وضع حديث رأيت ربي في أحسن صورة» ، تأليف حسن السقاف المطبوع في ذيل دفع شبه التشبيه.

٨٢

قال معمر في حديثه: قال: قلت يا رسول اللّه ألا أُبشرِّ الناس قال: دعهم يعملوا.(١)

ورواه البخاري بنفس ذلك النص إلاّ انّه قال: قلت يا رسول اللّه: أفلا أبشّر به الناس، قال: لا تبشرهم فيتّكلوا.(٢)

ورواه مسلم بنفس المضمون في باب من لقي اللّه بالاِيمان و هو غير شاك فيه.(٣)

وللنظر في هذا الحديث كالحديث السابق مجال واسع، فإذا نهاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن البشارة به بقوله:« دعهم يعملوا» أو بقوله:« لا تبشرهم فيتكلوا» فلِمَ أفشى سرّ النبي؟

أضف إلى ذلك انّ ما جاء به النبي لم يكن أمراً مستوراً على المسلمين بل جاء في الذكر الحكيم في قوله سبحانه:( إِنَّ اللّهَ لا يغْفِرُ أَنْ يُشْركَ بِهِوَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاء ) (النساء/٤٨).

نعم، انّ أنس بن مالك برّر إفشاء سرِّ النبي من قِبَلِ معاذ، بقوله: «وأخبر بها معاذاً عند موته تأثماً».(٤)

وقال ابن حجر العسقلاني في تفسير قوله تأثماً: هو بفتح الهمزة و تشديد

____________________

١ مسند أحمد: ٥/٢٢٨.

٢ صحيح البخاري: ٤/٢٨ باب اسم الفرس و الحمار من كتاب فضل الجهاد والسير، و من الطريف انّ البخاري نقل الرواية في هذا الباب (باب اسم الفرس و الحمار) و كم للبخاري من هذه الطرائف و المتصفح في صحيحه يجد انّ طائفة كبيرة من الروايات أوردها تحت عناوين لا تمت لها بصلة، و أنت إذا قارنت بين صحيح البخاري مع الكافي للكليني لوجدت انّ الثاني قد بلغ الغاية في حسن التبويب.

٣ صحيح مسلم: ١/٤٣.

٤ صحيح البخاري: ١/٤٤، كتاب العلم.

٨٣

المثلثة المضمومة، أي خشية الوقوع في الاِثم، والمراد بالاِثم الحاصل من كتمان العلم ودلّ صنيعُ معاذ على أنّه عرف انّ النهي عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم وإلاّلما كان يخبر به أصلاً أو عرف انّ النهي مقيد بالاتكال فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك فإذا زال القيد زال المقيد، و الاَوّل أوجه لكونه أخّر ذلك إلى وقت موته.(١)

وما برَّر به أنس فعل معاذ تبرير غير تام، لاَنّ نهي النبي يدور أمره بين كونه تحريمياً أو تنزيهياً، فعلى الاَوّل يكون الاِظهار موجباً للاِثم دون الكتمان، وعلى الثاني يكون الاِظهار والكتمان على حدّ سواء لكن الكتمان كان أولى من الاِظهار فلم يكن هناك أي إثم حتى يبرِّر عمله هذا بالتأثم و يفسر بالاِثم الحاصل من كتمان العلم.

هذا ما يرجع إلى كلام أنس، وأمّا ما ذكره العسقلاني من أنّ النهي كان تنزيهياً لا تحريميّاً لا يلائمه ظاهر الحديث حيث إنّ الاتكال على الايمان القلبي دون العمل أمر محظور، فلذلك يكون ما يستلزمه - أي الاظهار - منهياً عنه بالنهي التحريمي لا التنزيهي.

وأضعف من ذلك تبريره الثاني حيث قال: إنّ النهي كان مقيداً بالاتكال، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك.

وجه الضعف انّ معاذاً كان واقفاً على أنّ السامع سوف يبثّه بين المسلمين وفيه من يُخشى عليه من الاتكال، فلِمَ أخبره به و لم يأخذ منه عهداً أن لا يخبر به أحداً إلاّ مثله.

فرفضُ الحديث وتنزيه مقام معاذ أولى من قبوله و تبريره بهذه المبررات التي لا تُسمن ولا تغني من جوع.

____________________

١ فتح الباري: ١/١٨٣، كتاب العلم.

٨٤

٣. السذاجة في فهم الشريعة

أخرج الاِمام أحمد، عن أبي ظبيان، عن معاذ بن جبل انّه لما رجع من اليمن، قال: يا رسول اللّه رأيت رجالاً باليمن يسجد بعضهم لبعض أفلا نسجد لك؟ قال: لو كنت آمراً بشراً يسجد لبشر لاَمرت المرأة أن تسجد لزوجها.(١)

ويظهر ممّا رواه كشف الاَستار عن زوائد البزار، انّه بعد ما رجع من الشام سجد للنبيّ، و إليك نصّه:

عن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: انّه أتى الشام فرأى النصارى يسجدون لاَساقفتهم وبطارقتهم ورهبانهم، ورأى اليهود يسجدون لاَحبارهم وعلمائهم وفقهائهم، فقال: لاَي شيء تفعلون هذا؟ قالوا: هذه تحية الاَنبياء، قلنا: فنحن أحقّ أن نصنع بنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قدم على نبيِّ اللّه سجد له، فقال: ما هذا يا معاذ؟! فقال: إنّي أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لاَساقفتهم(٢) ...إلى آخر ما ذكر.

إنّ الوثوق بهذا الحديث أمر عسير، فلو صحّ لدلّ على سذاجة الرجل في فهم الشريعة، وذلك لاَنّ السجود و إن لم يساوق العبادة، إذ ربَّ سجود لا يعد عبادة كسجود الملائكة لآدم وسجود يعقوب وأولاده ليوسف، بيد انّ السجود في عهد النبي كان رمزاً للعبادة ومجسِّداً لها ومظهراً من مظاهرها، فكيف خفيت تلك الحقيقة على ذلك الصحابي و سجد للنبي، في حين انّ الناس يرونه عبادة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

إنّ هذا العمل يناسب شأن الاَعرابي البعيدعن الاِسلام وتعاليمه لا لمثل

____________________

١ مسند أحمد: ٥/٢٢٧ و ٢٢٨ و نقله أيضاً على وجه التفصيل في ٤/٣٨١.

٢ المسند الجامع: ١٥/٢٣٥ برقم ١١٥٢٧، نقلاً عن كشف الاستار عن زوائد البزار: ٢/١٧٥ برقم ١٤٦١.

٨٥

معاذ بن جبل الذي تربّى في أحضان الرسالة.

أخرج الدارمي عن ابن بريدة عن أبيه، قال:

جاء أعرابي إلى النبي، فقال: يا رسول اللّه إئذن لي فلاَسجد لك، قال: لو كنت آمراً أحداً يسجد لاَحد لاَمرت المرأة تسجد لزوجها.(١)

ومن العجب انّ الدارمي نقل الحديث أيضاً عن قيس بن سعد انّه قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول اللّه أحقّ أن يُسجد له، فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: انّي أتيت الحيرة... إلى آخر ما ذكر.(٢)

أضف إلى ذلك كيف أخذ معاذ مثل ذلك الاَمر من النصارى حيث رآهم يسجدون للاَساقفة والرهبان والاَحبار على الرغم من انّه أعلم الاَُمة بالحلال و الحرام و اقرأ الناس للقرآن؟!

٤. عدم استجابة دعاء النبي

أخرج الاِمام أحمد في مسنده، عن عبد اللّه بن شداد، عن معاذ بن جبل، قال: وجدت رسول اللّه قائماً يصلي، فقمت خلفه فأطال الصلاة، فلما قضى الصلاة، قال: قلت يا رسول اللّه لقد صليت صلاة طويلة؟ فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي صليت صلاة رغبة ورهبة: سألت اللّه عزّ وجلّ ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يهلك أُمّتي غرقاً فأعطانيها، وسألته أن لا يظهر عليهم عدواً ليس منهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردّها عليّ.(٣)

____________________

١ سنن الدارمي:١/٣٤٢، باب النهي أن يسجد لاَحد.

٢ سنن الدارمي: ١/٣٤١، باب النهي أن يسجد لاَحد؛ وأخرجه أيضاً أبو داود برقم ٢١٤٠ وقد أسهب الثاني في نقل الحديث.

٣ مسند الاِمام أحمد: ٥/٢٤٠.

٨٦

إنّ لاستجابة الدعاء شرائط خاصة ذكرت في كتب الاَدعية و الاَخلاق، ومن تلك الشرائط أن لا يكون الدعاء على خلاف السنن السائدة على الكون، مثلاً من دعا بالخلود لنفسه فلا تستجاب دعوته، وذلك لاَنّه سبحانه يقول:( وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْد أَفَإِنْ مت فَهُمُ الخالِدُون ) (الاَنبياء/٣٤) وبما انّ الاختلاف في التفكير أمر ذاتي للبشر فلا يتسنّى للنبي أن يطلب من اللّه سبحانه عدم اختلاف أُمّته و وحدة كلمتهم قال سبحانه:( وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً واحدةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفينَ * إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلمَةُ رَبِّكَ لاََمْلاَََنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّة وَالنّاسِ أَجْمَعين ) (هود/١١٨- ١١٩).

فقد تعلقت مشيئته سبحانه في الاَزل باختلاف الناس في التفكير والعقيدة، وبما انّ الاختلاف أمر طبيعي لكافّة البشر، فبعث اللّه النبيين للقضاء بينهم، قال سبحانه:( كانَ النّاسُ أُمّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرينَ وَأنزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ بِالحَقِّ ليَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيما اخْتَلَفُوا فِيه وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدى اللّهُ الَّذينَ آمَنُوا لمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيم ) (البقرة/٢١٣).

كيف يطلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اللّه سبحانه أن لا يجعل بأسهم بينهم، و هو القائل«افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين و سبعين فرقة و افترقت النصارى على إحدى أو اثنتين و سبعين فرقة و تفترق أُمّتي على ثلاث و سبعين فرقة»؟

رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.(١)

هذا ما يرجع إلى الفقرة الثالثة التي رُدَّ فيها دعاء النبي، وأمّا الفقرة الثانية

____________________

١ المستدرك على الصحيحين: ١/١٢٨.

٨٧

أعني قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سألته أن لا يظهر عليهم عدواً ليس منهم فأعطانيها» فاقرأها ثمّ تابع الحوادث والن-وازل التي أل-مَّت بالمسلمين عبر القرون، فقد تسلط عليهم الوثنيون المغول، و الصليبيون قرابة قرنين، وفعلوا ما فعلوا، و ليست الجرائم التي اقترفها الصهاينة ببعيدة عن القارىَ الكريم.

هذه دراسة إجمالية لبعض ما روي عن ذلك الصحابي الجليل، فانّ منافاة تلك الاَحاديث مع الاَُصول المسلمة تغني الباحث عن دراسة أسانيدها. ولا يصدنا عن النقد ورود الحديث في صحيح البخاري كما هو الحال في حديث إفشاء سر النبي، أو كونه مما صححه البخاري حسب نقل الترمذي كما هو الحال في حديث التجسيم.

فإذا كان معاذ يأتي أمام العلماء برتوة، أو كان أعلم الناس بحلال اللّه وحرامه، فهو أجلّ من أن يكون ناقلاً لتلك الروايات عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥. دراسة تحليلية حول حديث اجتهاده

روى أصحاب السنن والمسانيد انّ رسول اللّه بعثه إلى اليمن للقضاء فسأله عن أُمور أجاب عنها معاذ، وقد احتجّ أصحاب القياس بهذا الحديث على حجّيته.

وهذا الحديث قابل للمناقشة من وجهين:

الاَوّل: دراسة أسانيده، و انّه هل ورد بسند قابل للاحتجاج به أو لا ؟

الثاني: على فرض صحّة سنده، فهل يمكن الاحتجاج به على حجّية القياس أو لا ؟

٨٨

دراسة أسانيد حديث الاجتهاد

احتجّ غير واحد من أصحاب القياس بحديث معاذ بن جبل، والاحتجاج فرع إتقان الرواية سنداً ومتناً، وإليك بيانها:

عن الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة، عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص، عن معاذ:

إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين بعثه إلى اليمن، فقال: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟

قال: أقضي بما في كتاب اللّه.

قال: فإن لم يكن في كتاب اللّه؟

قال: فبسنّة رسول اللّه.

قال: فإن لم يكن في سنّة رسول اللّه؟

قال: أجتهد رأيي، لا آلو.

قال: فضرب رسول اللّه صدري، ثمّ قال: الحمد للّه الذي وفّق رسول رسول اللّه لما يرضى رسول اللّه(١)

وقد استدلّ به الاِمام الشافعي، فقال بعدما أفاد - أنّ القياس حجّة فيما لم يكن في المورد نصّ كتاب أو سنّة -: فما القياس؟ أهو الاجتهاد أم هما

____________________

١ مسند أحمد: ٥/٢٣٠، وسنن الدارمي:١٧٠، وسنن أبي داود: برقم ٣٥٩٣، وسنن الترمذي: برقم ١٣٢٨، ينتهي سند الجميع إلى حارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ من أهل حمص.

٨٩

مفترقان؟ثمّ أجاب: هما اسمان لمعنى واحد.(١)

وقال في موضع آخر: أمّا الكتاب والسنّة فيدلاّن على ذلك، لاَنّه إذا أمر النبي بالاجتهاد فالاجتهاد أبداً لا يكون إلاّ على طلب شيء، وطلب الشيء لا يكون إلاّبدلائل، والدلائل هي القياس.(٢)

وقال أبو الحسين البصري: وجه الاستدلال به أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صوّبه في قوله: أجتهد رأيي عند الانتقال من الكتاب والسنّة، فعلمنا أنّ قوله: أجتهد رأيي، لم ينصرف إلى الحكم بالكتاب والسنّة.(٣)

وثمّة كلمات مماثلة لما ذكرنا في تقريب الاستدلال به.

لكنّ الحديث ضعيف سنداً، وغير تام دلالة.

أمّا السند، ففيه الاُمور التالية:

١. إنّ أبا عون محمد بن عبيد اللّه الثقفي الوارد في السند، مجهول لم يعرف.

٢. إنّ الحارث بن عمرو، مجهول مثله، ولم يعرف سوى أنّه ابن أخي المغيرة بن شعبة.

٣. إنّ الحارث بن عمرو، ينقل عن أُناس من أهل حمص وهم مجهولون فتكون الرواية مرسلة. وبعد هذه الاُمور ، أفيصحّ الاستدلال بحديث يرويه مجهول عن مجهول عن مجاهيل؟!

قال ابن حزم: وأمّا خبر معاذ، فإنّه لا يحلّ الاحتجاج به لسقوطه، وذلك أنّه لم يرو قطّ إلاّ من طريق الحارث بن عمرو وهو مجهول لا يدري أحد من هو ، حدّثني أحمد بن محمد العذري، حدثنا أبو ذر الهروي، حدثنا زاهر بن أحمد

____________________

١ الشافعي: الرسالة: ٤٧٧ و٥٠٥، طبع مصر ، تحقيق أحمد محمد شاكر.

٢ الشافعي: الرسالة: ٤٧٧ و٥٠٥، طبع مصر ، تحقيق أحمد محمد شاكر.

٣ أبو الحسين البصري: المعتمد:٢/٢٢٢.

٩٠

الفقيه، حدثنا زنجويه بن محمد النيسابوري، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري فذكر سند هذا الحديث، وقال: رفعه في اجتهاد الرأي.

قال البخاري: ولا يعرف الحارث إلاّ بهذا ولا يصحّ. هذا نصّ كلام البخاري في تاريخه الاَوسط، ثمّ هو عن رجال من أهل حمص لا يُدرى من هم.(١)

وقال الذهبي: الحارث بن عمرو، عن رجال، عن معاذ بحديث الاجتهاد، قال البخاري: لا يصحّ حديثه.

قلت: تفرّد به أبو عون(محمد بن عبيد اللّه الثقفي) عن الحارث بن عمرو الثقفي ابن أخي المغيرة وما روى عن الحارث، غير أبي عون و هو مجهول.

وقال الترمذي: ليس إسناده عندي بمتّصل.(٢)

وقال السيد المرتضى: إنّ حديث معاذ خبر واحد، وبمثله لا تثبت الاَُصول المعلومة، ولو ثبتت بأخبار الآحاد لم يجز ثبوتها بمثل خبر معاذ، لاَنّ رُواته مجهولون.وقيل: رواه جماعة من أصحاب معاذ ولم يُذكَروا.(٣)

دراسة دلالة الحديث

وأمّا الدلالة، فهي مبنيّة على مساواة الاجتهاد مع القياس أو شموله له، وهو غير ثابت، قال المرتضى: ولا يُنكر أن يكون معنى قوله: «أجتهد رأيي» أي أجتهد حتى أجد حكم اللّه تعالى في الحادثة، من الكتاب والسنّة، إذ كان في أحكام اللّه

____________________

١ ابن حزم: الاِحكام: ٥/٢٠٧.

٢ الذهبي: ميزان الاعتدال:١/٤٣٩ برقم ١٦٣٥.

٣ المرتضى: الذريعة إلى أُصول الشريعة: ٢/٧٧٣.

٩١

فيهما ما لا يتوصّل إليه إلاّ بالاجتهاد، ولا يوجد في ظواهر النصوص، فادّعاوَهم أنّ إلحاق الفروع بالاُصول في الحكم لعلّة يستخرجها القياس، هو الاجتهاد الذي عناه في الخبر ، ممّا لا دليل عليه ولا سبيل إلى تصحيحه.(١)

على أنّ تجويز القياس في القضاء لا يكون دليلاً على تجويزه في الاِفتاء، لاَنّ القضاء أمر لا يمكن تأخيره، بخلاف الاِفتاء، فالاستدلال بجواز القياس في القضاء على جوازه في الاِفتاء، مبنيّ على صحّة القياس وهو دور واضح.

ثمّ إنّ ثمة نقطة جديرة بالذكر، وهي أنّ القضاء منصب خطير لا يشغله إلاّالعارف بالكتاب والسنّة والخبير في فصل الخصومات، فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي نصبه للقضاء لابدّ أن يعلِّمه الكتاب والسنّة أوّلاً، و يكون واقفاً على مدى إحاطته بهما ثانياً، ثم يبعثه إلى القضاء وفصل الخصومات، ومع المعرفة التامّة لحال القاضي يكون السوَال بقوله: «فكيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب اللّه» أمراً لغواً ، وهذا يعرب عن أنّ الحديث لم ينقل على الوجه الصحيح، وستوافيك الصور الاُخرى للرواية.

قال الفخر الرازي: إنّ الحديث يقتضي أنّه سأله عمّا به يقضي بعد أن نصبه للقضاء، وذلك لا يجوز لاَنّ جواز نصبه للقضاء مشروط بصلاحيته للقضاء، وهذه الصلاحية إنّما تثبت لو ثبت كونه عالماً بالشيء الذي يجب أن يقضي به، والشيء الذي لا يجب أن يقضي به.(٢)

على أنّ الظاهر من سيرة «معاذ» أنّه لم يكن يجتهد برأيه في الاَحكام و إنّما كان يتوقّف حتى يسأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

١ الذريعة:٢/٧٧٦.

٢ الرازي: المحصول: ٢/٢٥٥.

٩٢

روى يحيى بن الحكم أنّمعاذاً قال: بعثني رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُصدِّق أهلَ اليمن، وأمرني أن آخذ من البقر من كلِّ ثلاثين تبيعاً، و من كلّ أربعين مُسِنَّةً قال: فعرضوا عليّ أن آخذ من الاَربعين فأبيت ذاك، وقلت لهم: حتى أسأل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك.

فقدمتُ، فأخبرت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمرني أن آخذ من كلّثلاثين تبيعاً، و من كلّ أربعين مُسِنَّةً.(١)

فإذا كانت هذه سيرته فكيف يقضي بالظنون و الاعتبارات؟

ثمّ إنّ المتمسّكين بالحديث لمّا رأوا ضعف الحديث سنداً ودلالة، حاولوا تصحيح التمسّك به بقولهم بأنّ خبر معاذ خبر مشهور ولو كان مرسلاً، لكنّ الاُمّة تلقّته بالقبول.(٢)

ولنا هاهنا وقفة قصيرة، وهي أنّ اشتهار الحديث نتيجة الاستدلال به على القياس ولولا كونه مصدراً لمقالة أهل القياس لما نال تلك الشهرة.

يقول السيد المرتضى: أمّا تلقّي الاُمّة له بالقبول، فغير معلوم، فقد بيّنا أنّ قبول الاُمّة لاَمثال هذه الاَخبار كقبولهم لمسّ الذكر ، و ما جرى مجراه ممّا لا يُقطع به ولا يُعلم صحّته.(٣)

إلى هنا تمّت مناقشة الحديث سنداً ودلالة، وتبيّن أنّ الحديث غير صالح للاحتجاج به.

____________________

١ مسند أحمد بن حنبل:٥/٢٤٠؛ المسند الجامع: ١٥/٢٣٠ برقم (١١٥١٨- ٤١).

٢ الاَرموي: التحصيل من المحصول: ٢/١٦٣.

٣ الذريعة إلى أُصول الشريعة: ٢/٧٧٤.

٩٣

الصور الاُخرى للحديث

إنّ الحديث قد ورد بصور مختلفة وبينها اختلاف كثير في المضمون، وإليك هذه الصور:

الصورة الاُولى: ما رواه ابن حزم قال: حدثنا حمام وأبو عمر الطلمنكي، قال حمام: حدثنا أبو محمد الباجي، حدثنا عبد اللّه بن يونس، قال: حدثنا بقي حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة.

وقال الطلمنكي: حدثنا ابن مفرج، حدثنا إبراهيم بن أحمد بن فراس، قال: حدثنا محمد بن علي بن زيد، حدثنا سعيد بن منصور، ثمّ اتّفق ابن أبي شيبة وسعيد كلاهما عن أبي معاوية الضرير. حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن محمد بن عبيد اللّه الثقفي - أبو عون - قال: لمّا بعث رسول اللّه معاذ إلى اليمن، قال: يا معاذ بم تقضي؟ قال: أقضي بما في كتاب اللّه، قال: فإن جاءك أمر ليس في كتاب اللّه ولم يقض به نبيّه؟ قال: أقضي بما قضى به الصالحون. قال: فإن جاءك أمر ليس في كتاب اللّه ولم يقض به نبيّه ولا قضى به الصالحون؟ قال: أومَّ الحقّ جهدي.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد للّه الذي جعل رسول رسول اللّه يقضي بما يُرضي به رسول اللّه.(١)

ترى أنّمعاذاً يقدّم ما قضى به الصالحون على كلّ شيء، بعد الكتاب والسنّة، ولعلّ مراده هي الاَعراف السائدة بين المجتمعات التي تكون مرجعاً للقضاء كما هو مقرّر في محله.

كما أنّ مراده أومّ الحقّ هو اعمال النظر والاستدلال في الاُصول والقواعد الواردة في الكتاب والسنّة.

____________________

١ ابن حزم: الاِحكام: ٥/٢٠٨.

٩٤

أضف إلى ذلك أنّ الرواية مرسلة، لاَنّ أبا عون لا يروي عن «معاذ» مباشرة لتأخر طبقته في الحديث عن «معاذ» بطبقتين.

الصورة الثانية: عن عبد الرحمان بن غنم، قال: حدثنا معاذ بن جبل، قال: لمّا بعثني رسول اللّه إلى اليمن، قال: لا تقضينّولا تفصِلنّ إلاّبما تعلم، وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تبيّنه أو تكتب إليَّ فيه.(١)

وهي: متّصلة السند ، ولكن المتن غير ما جاء في الحديث، بل يغايره تماماً، وينفي مقالة أهل القياس.

الصورة الثالثة: وردت في الكتب الاَُصولية صورة ثالثة للرواية، ولعلّها منقولة بالمعنى.

قال أبو الحسين البصريّ : روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال لمعاذ وأبي موسى الاَشعري، وقد أنفذهما إلى اليمن: بم تقضيان؟

قالا: إن لم نجد الحكم في السنّة، قسنا الاَمر بالاَمر، فما كان أقرب إلى الحقّ عملنا به.(٢)

كما نقله الرازي في المحصول، وقال: روي أنّه أنفذ معاذاً وأبا موسى الاَشعري إلى اليمن فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما: بم تقضيان؟ فقالا: إذا لم نجد الحكم في السنّة نقيس الاَمر بالاَمر فما كان أقرب إلى الحقّ عملنا به.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصبتما.(٣)

____________________

١ أخرجه ابن ماجة في سننه: ١/٢١ برقم ٥٥.

٢ أبو الحسين البصري: المعتمد:٢/٢٢٢.

٣ الفخر الرازي: المحصول: ٢/٢٥٤.

٩٥

وتبعه الاَرموي في التحصيل من المحصول.(١)

والظاهر أنّ الحديث نقل بالمعنى حسب فهم الراوي، ولم نعثر على هذا النصّ في الصحاح والمسانيد.

نعم أخرج أحمد، عن أبي بردة، عن أبي موسى أنّ رسول اللّهبعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن فأمرهما أن يعلّما الناس القرآن.(٢)

____________________

١ التحصيل من المحصول: ٢/١٦٣.

٢ مسند أحمد بن حنبل: ٤/٣٩٧.

٩٦

٢- أُبيّ بن كعب الاَنصاري

( - ٣٠ ه- )

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١.طلوع الشمس بيضاء لا شعاع لها.

٢. جزاء من تعزَّى بالجاهلية.

٣. آيتان كانتا عند أُبيِّ بن كعب.

٤. نسيان ما نزل في أحد من الآية.

٥. أوّل من يصافحه الحقّ عمر.

أُبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن نجار، أبو منذر الاَنصاري النجاريّ المدنيّ، المقرىَ البدري، يكنّى أبا الطفيل.

شهد العقبة وبدراً، وجمع القرآن في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرض عليه وحفظ عنه علماً.

روي عن أنس انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لاُبي بن كعب: إنّاللّه أمرني أن اقرأ عليك القرآن، وفي لفظ: أمرني أن اقرئك القرآن.

٩٧

قال: اللّه سماني لك؟ قال: نعم، قال: وذُكرت عند ربّالعالمين؟ قال: نعم، فذرفت عيناه.

روى عنه: عبادة بن الصامت، و ابن عباس، وعبد اللّه بن خباب، و ابنه الطفيل ابن أُبي.

وكان أُبي يكتب في الجاهلية قبل الاِسلام، و كانت الكتابة في العرب نادرة، وكان يكتب في الاِسلام الوحي لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعهده إذا عاهد، وصلحه إذا صالح، ولاَُبي في الكتب الستة نيف و ستون حديثاً، وله في مسند «بَقيّ بن مَ-خْلَد» مائة و أربعة وستون حديثاً منها في البخاري ومسلم ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بسبعة.

وقد اختلفوا في تاريخ وفاته، فمن قائل بأنّه تُوفّي في خلافة عمر بن الخطاب عام ٢٢ ه-، ولما نُعي إلى عمر، قال: اليوم مات سيد المسلمين.

ومنهم من يقول: إنّه مات في خلافة عثمان سنة ٣٠ه-، ويرجحه ابن حجر، ويقول: هو أثبت الاَقاويل ،ويوَيده ما دار بينه و بين عثمان من الحوار في قوله سبحانه:( وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرهُمْ بِعَذابٍ أَليم ) (التوبة/٣٤) وكان عثمان يقرأه بلا واو «الذين» خلافاً لاَبي فكان يقرأه «والذين» فطال الحوار بينهما، فقال أُبي غاضباً: لتلحقنّها أو لاَضعنّ سيفي على عاتقي، وهو يريد بأنّه لابدّ من أن تعود الواو عاطفة إلى مكانها أو ليتوصل إلى ذلك بالقوة(١) .(٢)

و بلغت أحاديثه في المسند الجامع ٩٢ حديثاً.(٣)

ولنذكر من روائع رواياته شيئاً ثمّ نردفها بما لا يصحّ عزوه إليه.

____________________

١ الدر المنثور، في تفسير الآية.

٢ أُسد الغابة: ١/٤٩؛ الطبقات الكبرى: ٣/٤٩٨؛ سير اعلام النبلاء: ١/٣٨٩ برقم ٨٢.

٣ المسند الجامع: ١/١٧ برقم ٣.

٩٨

روائع أحاديثه

١. أخرج عبد اللّه بن أحمد، عن ابن أبي الجوزاء ،عن أُبي بن كعب، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نَفَساً يفرغ الآكل من طعامه في مَهَل، ويقضي المتوضىَ حاجته في مهل.(١)

٢. أخرج ابن ماجة، عن أبي بصير، عن أُبي بن كعب: قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاة الرجل وحده أربعاً وعشرين، أو خمساً وعشرين درجة.(٢)

٣. أخرج أحمد في مسنده، عن الحسن، انّ عمر أراد أن ينهى عن متعة الحجّ، فقال له أُبي: ليس ذلك لك، قد تمتعنا مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينهنا عن ذلك، فاضرب عن ذلك عمر ، و أراد أن ينهى عن حلل الحبرة لانّها تصبغ بالبول، فقال له أُبي: ليس ذلك لك قد لبسهنَّ النبي ولبسناهنَّ في عهده.(٣)

٤. أخرج ابن ماجة، عن أبي رافع، عن أُبي بن كعب، انّ النبيكان يعتكف العشر الاَواخر من رمضان، فسافر عاماً، فلما كان من العام المقبل اعتكف عشرين يوماً.(٤)

٥. أخرج البخاري في صحيحه عن سويد بن غفلة، قال: لقيت أُبي بن كعب... فقال: وجدت صرّة على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها مائة دينار، فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: عرِّفها حولاً.

فعرَّفتها حولاً فلم أجد من يعرفها، ثمّ أتيته، فقال:عرِّفها حولاً، فعرَّفتها فلم

____________________

١ مسند أحمد: ٥/١٤٣.

٢ سنن ابن ماجة: ١/٢٥٩ برقم ٧٩٠.

٣ مسند أحمد: ٥/١٤٣.

٤ سنن ابن ماجة: ١/٥٦٢ برقم ١٧٧٠.

٩٩

أجد، ثمّ أتيته ثلاثاً، فقال: احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلاّ فاستمتع بها ،فاستمتعت.

قال شعبة: فلقيته يعني سلمة بن كهيل بعد بمكة، فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحداً.(١)

وقد اتّفق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام على أنّه يكفي تعريفها حولاً واحداً، ولعلّ أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتعريف ثلاثة أحوال للتأكد أو لكون اللقطة ذات قيمة مالية لا يستهان بها.

وإليك بعض رواياته السقيمة التي عزيت إليه:

١. طلوع الشمس بيضاء لا شعاع لها

أخرج مسلم في صحيحه، عن زرّ بن حبيش، قال: سمعت أُبي بن كعب، يقول: وقيل له: إنّ عبد اللّه بن مسعود، يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر، فقال أُبي: واللّه الذي لا إله إلاّ هو انّها لفي رمضان، و واللّه انّي لاَعلم أي ليلة هي هي الليلة التي أمرنا بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقيامها، هي ليلة صبيحة ٢٧، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.(٢)

أقول: ثمّة اشكالان على الحديث:

الاَوّل: انّ من جرّب طلوع الشمس في صبيحة يوم السابع والعشرين من رمضان يرى انّ-ها لا تختلف عن طلوعها في صبيحة اليوم السابق واللاحق، وما ذكره ليس له واقع ملموس.

____________________

١ صحيح البخاري: ٣/١٢٦، كتاب اللقطة، الحديث الاَوّل؛ صحيح مسلم: ٥/١٣٦، كتاب اللقطة.

٢ صحيح مسلم: ٢/١٧٨، باب الترغيب في قيام رمضان.

١٠٠