الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 80828
تحميل: 4602

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80828 / تحميل: 4602
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

١. أخرج الحافظ عبد الرحمان بن الجوزي عن أحمد بن زهير: سمعت أبي يقول: قُدم على المهدي بعشرة محدثين فيهم «غياث بن إبراهيم» و كان المهدي يحب الحمام، فقال لغيات: حدّث أمير الموَمنين، فحدّثه بحديث أبي هريرة: «لا سبق إلاّفي خفّ أو حافر أونصل، وزاد فيه: أو جناح، فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم.

فلما قام ، قال المهدي: أشهد أنّ قفاك قفا كذّاب على رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ،وإنّما استجلبت ذلك أنا، وأمر بالحمام فذبحت.(١)

٢. نقل ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر: روي أنّمعاوية بذل لسمرة ابن جندب مائة ألف درهم حتّى يروي انّ هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قُولُهُ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما في قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصام* وَاذا تَولّى سَعى فِي الاَرْضِ لِيُفسِدَ فِيها وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسْلَ واللّهُ لا يُحِبُّ الفَساد ) ، وانّالآية الثانية نزلت في ابن ملجم، وهي قوله تعالى:( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّه ) فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف، فقبل وروى ذلك.(٢)

أخرج ابن الجوزي عن إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ انّه قال: لا يصح عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل معاوية بن أبي سفيان شيء.

وأخرج أيضاً عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل انّه قال: سألت أبي فقلت: ما تقول في علي ومعاوية؟ فأطرق ثمّ قال: «إيش» أقول فيهما؟ انّ عليّاً «عليه‌السلام » كان كثير الاَعداء، ففتش أعداوَه له عيباً، فلم يجدوا فجاءوا إلى رجل قد

____________________

١ الموضوعات:٣/٧٨، باب السبق بالحمام.

٢ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ٤/٧٣.

٤١

حاربه وقاتله فأطروه كياداً منهم له.(١)

أخرج مسلم في صحيحه، عن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، عن أبيه، قال: لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث.

قال ابن أبي عتّاب: فلقيت أنا محمّد بن يحيى بن سعيد القطّان فسألته عنه، فقال عن أبيه: لم نر أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث.

قال مسلم: يقول يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب.(٢)

وكم في ثنايا التاريخ والسير شواهد على المقام وقد اقتصرنا على ما ذكر، لاَنّ الغرض هو الايعاز، لا التبسّط، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى مظانه.(٣)

السبب الرابع: وضع الحديث لنصرة المذهب

انتشرت ظاهرة الجعل بين طائفة عرفوا بالزهد و الورع، وصاروا يتقربون به إلى اللّه سبحانه إذا كان في الكذب نصرة للمذهب، وقد مرّ قول يحيى بن سعيد القطان: ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث.(٤)

وقال القرطبي: لا التفات لما وضعه الواضعون واختلقه المختلقون من الاَحاديث الكاذبة والاَخبار الباطلة في فضل سور القرآن وغير ذلك من فضائل الاَعمال وقد ارتكبها جماعة كثيرة فوضعوا الحديث حسبة كما زعموا، يدعون الناس إلى فضائل الاَعمال، كما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، ومحمد بن عكاشة الكرماني، وأحمد بن عبد اللّه الجويباري وغيرهم، قيل لاَبي عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل

____________________

١ الموضوعات:٢/٢٤.

٢ صحيح مسلم: ١/١٣-١٤، المقدمة.

٣ انظر الغدير: ٥/٢٠٨- ٣٧٨ تجد في طياته شواهد.

٤ مرّ مصدره ولاحظ أيضاً تاريخ بغداد: ٢/٩٨.

٤٢

سور القرآن سورة سورة؟ فقال: إنّي رأيت الناس أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة.(١)

وثمة أُناس افتعلوا أكاذيب على لسان رسول اللّه في مناقب أئمّتهم، فهناك مناقب حيكت في حق أبي حنيفة.(٢)

كما أنّ هناك جماعة حاكوا مناقب لاَئمّة آخرين، فذكروا في حقّ الاِمام الشافعي انّ رسول اللّه، قال: عالم قريش يملىَ طباق الاَرض علماً. وحملوه على محمد ابن إدريس امام الشافعية.(٣)

وأتت المالكية بروايات موضوعة على لسان رسول اللّه، قالوا: انّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » قال: يكاد الناس يضربون أكباد الاِبل، فلا يجدون أعلم من عالم المدينة، وطبقوه على مالك بن أنس.(٤)

وللحنابلة هناك روايات حول إمامهم أخرجها ابن الجوزي في مناقب أحمد فلاحظ.(٥)

وكأنّالنبي تنبأ بأنّ الاُمّة الاِسلامية ستفترق إلى مذاهب أربعة فقهية في ثالث القرون وبعدها، فأخذ بتعريفهم وتبجيلهم، مع أنّ في الاُمّة الاِسلامية من هم، أعلم منهم وأبصر بالكتاب و السنّة.

وربما تدفع العصبية أصحابها إلى وضع حديث في حقّ إمام مذهبهم وإطرائه والحط من شأن إمام مذهب آخر، فروي عن أبي هريرة انّه قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكون في أُمّتي رجل يقال له محمد بن إدريس (الاِمام الشافعي)أضرّ على أُمّتي من إبليس، ويكون في أُمّتي رجل يقال

____________________

١ القرطبي، التذكار: ١٥٥.

٢ انظر تاريخ بغداد: ٢/٢٨٩.

٣ ابن الحوت، أسنى المطالب: ١٤.

٤ ابن الحوت، أسنى المطالب: ١٤.

٥ مناقب أحمد: ٤٥٥.

٤٣

له أبو حنيفة هو سراج أُمّتي، هو سراج أُمّتي.(١)

فلنختم المقال بنقل ما ذكره القاضي عياض حول أسباب الوضع :

أسباب أُخرى للوضع

أمّا أسباب الوضع فكثيرة، وقد ذكر قسماًمنها النووي في شرح صحيح مسلم نقله عن القاضي عياض، وإليك نصه:

الكذابون ضربان: أحدهما ضرب عرفوا بالكذب في حديث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم أنواع:

منهم: من يضع عليه ما لم يقله أصلاً إمّا ترفعاً واستخفافاً كالزنادقة وأشباههم ممن لم يرج للدين وقاراً، وإمّا حسبة بزعمهم وتديناً كجهلة المتعبدين الذين وضعوا الاَحاديث في الفضائل والرغائب، وامّا إغراباً وسمعة كفسقة المحدّثين، وإمّا تعصباً واحتجاجاً كدعاة المبتدعة ومتعصبي المذاهب، وإمّا اتّباعاً لهوى أهل الدنيا فيما أرادوه وطلب العذر لهم فيما أتوه. وقد تعيّن جماعة من كلّطبقة من هذه الطبقات عند أهل الصنعة وعلم الرجال.

ومنهم: من لا يضع متن الحديث، ولكن ربما وضع للمتن الضعيف إسناداً صحيحاً مشهوراً.

ومنهم: من يقلب الاَسانيد أو يزيد فيها ويعتمد ذلك إمّا للاِعراب على غيره، وإمّا لرفع الجهالة عن نفسه.

ومنهم: من يكذب فيدّعي سماع مالم يسمع، ولقاء من لم يلق، ويحدّث بأحاديثهم الصحيحة عنهم.

ومنهم: من يعمد إلى كلام الصحابة وغيرهم وحِكَم العرب والحكماء

____________________

١ الموضوعات:٢/٤٨.

٤٤

فينسبها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١)

هذه الاَسباب الاَربعة وغيرها تبعث الباحث إلى إعمال التمحيص والنظر في كلّ ما روي عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعزي إليه، وعدم الاقتناع بتسمية كتاب صحيحاً والتقوّل بأنّه أصحّ الكتب بعد القرآن.

فلنقتصر على هذه الاَسباب ونترك سائر الاَسباب إلى مجال آخر.

٦- طرق التمحيص

إذا وقفت على ضرورة إعمال التمحيص في السنّة المنسوبة إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلندرس طرقه.

إنّ الطريق الواضح الدارج بين الباحثين في السنّة النبوية هي دراستها على ضوء أسانيد الحديث، فإذا صحّ السند وكان جامعاً للضوابط المقررة في علم الدراية استقبلوه برحابة صدر ويصفونه بالصحيح.

وقد اتّفق المحدّثون على أنّ الاِمام البخاري و مسلم ألّفا صحيحيهما على ذلك الغرار، فلم يخرجا إلاّ الحديث الصحيح على اختلاف طفيف بين البخاري ومسلم في الشروط التي قرّراها للصحّة، حكى ابن الجوزي عن الحاكم النيسابوري: انّ الاَحاديث على ستة أقسام: القسم الاَوّل: ما اتّفق على صحّته وكان أبو عبد اللّه البخاري أوّل من [خرّجج من الصحاح ثمّتبعه مسلم، وكان

____________________

١ شرح صحيح مسلم للنووي، نقله عن القاضي عياض كما في تاريخ التشريع الاِسلامي للشيخ محمد الخضري: ١٠٠، ١٠١.

٤٥

مرادهما، الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن رسول اللّه ولذلك الصحابي راويان ثقتان عنه، ثمّ يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان ثقتان عنه،ثمّ يرويه عنه من أتباع التابعين، الحافظ المتقن المشهور، وله رواة ثقاة، ثمّ يكون شيخ البخاري حافظاً متقناً، فهذه الدرجة العليا.(١)

ولكن الاقتصار في وصف الحديث بالصحّة على وثاقة الراوي وتعاصره مع المرويّ عنه وثبوت نقله عنه، لا يكفي في الركون إليه بل يُشترط فيه وراء عدالة الراوي واتصال السند وضبط الراوي أمر آخر وهو عدم الشذوذ، وإن شئت قلت عدم الاشتمال على العلة القادحة وإلاّفلا يسمن ولا يغني من جوع.

والعجب انّ أكثر المحدّثين التزموا بالشروط الثلاثة الاُولى ولم يلتزموا بالشرط الرابع مع أنّ الشذوذ والعلة في المضمون يوَدي إلى عدم الوثوق بالحديث وإن صحّ السند. وسيوافيك انّ المنهج الذي نهجناه في مجال التمحيص من شُعَب هذا الشرط، فتربّص حتى حين.

يقول الاِمام أحمد: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «إذا سمعتم الحديث عنّي، تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون انّه منكم قريب، فأنا أولاكم به؛ وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم، وترون انّه منكم بعيد، فأنا أبعدكم منه.(٢)

فعلى الباحث رعاية جميع الشروط المقررة للصحّة في الحديث، إذ الاقتصار على عدالة الراوي وتعاصره وضبطه لا يورث الاطمئنان والوثوق بالحديث إذا كان المضمون شاذاً ومشتملاً على العلة.

يقول الحافظ الحاكم النيسابوري: وإنّما يُعلّل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فانّ حديث المجروح ساقط واه، وعلّة الحديث، يكثر في

____________________

١ الموضوعات: ١/٣٢،وقد علّق محقق الكتاب على المنقول بشيء، فلاحظ.

٢ مسند أحمد: ٥/٤٢٥.

٤٦

أحاديث الثقات ان يحدِّثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولاً، والحجّة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير...».(١)

وقال الحافظ ابن الجوزي في «دفع شبه التشبيه»: اعلم انّ للاَحاديث دقائق وآفات لا يعرفها إلاّ العلماء الفقهاء، تارة في نظمها وتارة في كشف معناها.(٢)

وعلى كلّ تقدير فقد دعت هذه الاَسباب ونظائرها كثيراً من المحقّقين إلى تمحيص السنة النبوية بطرق خاصة يجمعها دراسة السند إرسالاً واسناداً، صحة وضعفاً، وهناك ألوان للتأليف في هذا المضمار:

أ جمع الاَخبار الضعاف والموضوعات

قد قام غير واحد من الباحثين بالتأليف على هذا النمط نذكر منهم ما يلي:

١. «الموضوعات» لموَلفه أبي الفرج عبد الرحمان بن علي بن محمد الجوزي(٥١٠-٥٩٧ه-) طبع مرّتين في ثلاثة أجزاء.

قال ابن الحوزي: لما لم يتمكّن أحد أن يدخل في القرآن ما ليس منه، أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول اللّه، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ اللّه علماء يذبّون عن النقل، ويوضّحون الصحيح،ويفضحون القبيح، وما يخلي اللّه منهم عصراً من الاَعصار، غير انّ هذا الضرب قد قلّ في هذا الزمان فصار أعز من عنقاء مغرب.

وقد كانوا إذا عُدُّوا قليلاً

فقد صاروا أعزّ من القليل(٣)

٢. المقاصد الحسنة في كثير من الاَحاديث المشتهرة على الاَلسنة: للشيخ

____________________

١ الحاكم النيسابوري، معرفة علوم الحديث: ١١٢.

٢ ابن الجوزي: دفع شبه التشبيه: ١٤٣.

٣ لاحظ سلسلة الاَحاديث الضعيفة والموضوعة:١/٦.

٤٧

أبي عبد اللّه محمد بن عبد الرحمان السخاوي(المتوفّى سنة ٩٠٢ه-) رتّبه على حروف أوائل الاَحاديث.

٣. اللآلىَ المصنوعة في الاَحاديث الموضوعة: للاِمام جلال الدين عبد الرحمان السيوطي(٨٤٨ - ٩١١ ه-) وقد طبع في جزءين.

يقول في مقدمته: إنّ من مهمات الدين التنبيه على ما وضع من الحديث واختلق على سيّد المرسلينص وصحابته أجمعين، إلى أن قال: ثمّ بدا لي في هذه السنة وهي سنة ٩٠٥ استئناف التعقبات على وجه مبسوط ،وإلحاق موضوعات كثيرة فاتت أبا الفرج فلم يذكرها.(١)

٤. تمييز الطيب من الخبيث مما يدور على ألسنة الناس من الحديث: لعبد الرحمان بن علي الشيباني الشافعي(٨٦٦ - ٩٤٤ه-) المعروف بالدِّيبع(بكسر الدال وسكون الياء و فتح الباء)ذكر انّه رأى المقاصد كتاباً حسناً لكنّه بالغ في تطويله فجرّده و تتبع في جميع ما ذكره من التصحيح والتمريض وترك من وراءه وجعله على الحروف أيضاً وزاد فيه زيادات مميزة، بقلت.

٥. سلسلة الاَحاديث الضعيفة والموضوعة: تأليف محمد ناصر الدين الالباني المعاصر في خمسة أجزاء، كل جزء يشتمل على خمسمائة حديث تكلم على أسانيدها ويحكم عليها بالضعف أو النكارة أو الوضع أو البطلان، وأحاديث تلك الاَجزاء هي أحاديث الجامع الصغير للاِمام السيوطي قام بتغيير ترتيبها والكلام على أسانيدها ونقل كلام العلماء في ذلك، والعجب انّه قد تناقض في كلامه عليها.

وممّا يوَسف له أنّ الالباني ليس منصفاً في قضائه حيث يميل إلى القول بالتجسيم وإنكار فضائل أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ويظهر ذلك بوضوح من خلال كتابه هذا.

____________________

١ اللآلىَ المصنوعة في الاَحاديث الموضوعة: ١/٢-٣، طبع دار المعرفة، بيروت.

٤٨

ب. ضعاف السنن الاَربعة وصحاحها:

وهي عبارة عن ثمانية كتب بالنحو التالي:

١. صحيح سنن الترمذي(٣) مجلدات.

٢. ضعيف سنن الترمذي مجلد واحد.

٣. صحيح سنن النسائي(٣) مجلدات.

٤. ضعيف سنن النسائي مجلد واحد.

٥. صحيح سنن أبي داود(٣) مجلدات.

٦. ضعيف سنن أبي داود مجلد واحد.

٧. صحيح سنن ابن ماجة مجلدان.

٨. ضعيف سنن ابن ماجة مجلد واحد.

وعمل الالباني في هذه الكتب انّه جاء إلى كل كتاب من كتب السنن الاَربعة المشهورة وحصر الاَحاديث الصحيحة فيها فأخرجها في كتاب، كما حصر الاَحاديث الضعيفة بنظره وأخرجها في كتاب مستقل آخر. ونحن نوافقه أنّ في تلك الكتب أحاديث صحيحة وأُخرى ضعيفة، لكن لا نوافقه على تصحيح بعض الاَحاديث وتضعيف بعضها الآخر.

ج. تخريج أحاديث كتاب خاص

وثمة نمط آخر في التأليف في هذا المضمار، وهو تبيين حال الاَحاديث الواردة في كتاب فقهي أو كلامي أو أخلاقي نظير:

١. نص الراية لاَحاديث الهداية: للحافظ الذيلعي.

٢. المغني عن حمل الاَسفار في الاَسفار في تخريج ما في الاحياء من الاَخبار: للحافظ العراقي.

٤٩

٣. تلخيص الخير في تحريم أحاديث الرافعي الكبير: للحافظ ابن حجر العسقلاني.

٤. تخريج أحاديث الكشاف: للعسقلاني أيضاً.

لا شكّ انّ كلّ من وقف على ما بذله هوَلاء الاَقطاب من الجهود في تمحيص السنة النبوية من الموضوعات والمندسّات والمحرّمات يُثمِّن جهودهم ويقدِّر عملهم، ومع ذلك فلم يحقِّقوا الغاية المنشودة من وراء تلك التصانيف، وقد اشتملت الصحاح والمسانيد على روايات تخالف الكتاب العزيز، والسنة النبوية، والتاريخ الصحيح، والعقل الحصيف، وجعلوها في عداد الصحاح يُحتجُّ بها في مجالي العقيدة و الشريعة.

والذي عاقهم عن الوصول إلى تلك الغاية المنشودة أمران:

الاَوّل: انّهم اقتصروا في مقام التمحيص على دراسة الاَسانيد، فصحّحُوا الاَسانيد أو ضعّفوها، وخرجوا بنتائج باهرة ووصفوا كثيراً من الروايات بالضعف والوضع.

انّهم اقتصروا على مناقشة الاَسانيد ولم يهتموا بمناقشة المضامين وتطبيقها على الضوابط القطعية التي لا مناص لمسلم عن الاَخذ بها، فلو انّهم سلكوا ذلك الطريق منضمّاً إلى الطريق الآخر لنالوا الغاية المنشودة.

وهذا هو الطريق الذي سلكناه في هذا الكتاب كما سيوافيك شرحه.

الثاني: انّهم ناقشوا الاَسانيد إلى التابعين بجد وحماس، ولكنّهم جعلوا عدالة الصحابي هي الاَصل، سواء أكان معلوم الحال أم مجهولها، فأضفوا على جميع الصحابة هالة من القداسة وجعلوهم في منأى عن النقد بحيث لا يصحّ التعرض لهم وإن صدر عنهم ما صدر، ولا يتسرب الشكّ إليهم، ولا يتسع المجال لتجريحهم.

٥٠

والعجب انّهم مع ادّعاء الاِجماع على قداسة الصحابة، وانّهم فوق مستوى الجرح والتعديل، رووا عشرات الاَحاديث التي اختارها أصحاب الصحاح حول ارتداد الصحابة عن الدين والتمرّد على أُصوله ومبادئه على نحو لا يدع مجالاً للريب في أنّهم كانوا كسائر الناس فيهم الصالح والطالح، والمنافق والموَمن، إلى غير ذلك من الاَصناف التي يقف عليها المتتبع لآيات الذكر الحكيم والسنّة النبوية، وهذا أمر عجيب جداً.

وهذان الاَمران (الاقتصار على مناقشة الاَسانيد دون المضامين، وتحديدها إلى التابعين دون الصحابة) صارا سبباً لاِضفاء الصحّة على كثير من الاِسرائيليات التي تسرّبت إلى الصحاح عن طريق بعض الصحابة الذين كانوا عيالاً على مائدة كعب الاَحبار ومن كان على مشربه، بحجة انّكلّصحابي عادل، وانّهم لا يخضعون للجرح والتعديل، ولو انّهم سلكوا ذينك الطريقين مع ما بذلوا من الجهود في تصحيح الاَسانيد وتضعيفها والوقوف على ثقات الرجال وضعافهم، لاَصبحت السنّة النبوية بين المسلمين خالصة من كلّ شائبة ونقيّة عن كل شين.

ومن المغالاة في القول ما ذكره ابن الاَثير حيث قال: الصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاّ في الجرح والتعديل، فانّهم كلهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح، لاَنّ اللّه عزّوجلّ ورسوله زكّياهم وعدّلاهم، وذلك مشهور لا يحتاج لذكره.(١)

أقول: إنّه سبحانه مدح لفيفاً من الصحابة في قسم من آياته وفي الوقت نفسه تحامل على قسم منهم، فقال سبحانه:( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) (الحجرات/٦) وليس الفاسق إلاّ أحد الصحابة، وهو الوليد بن عقبة أو صحابي آخر مثله، وقال سبحانه:( وَإِذا رَأَوا تِجارَةً أَوْلَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً ) (الجمعة/١١).

____________________

١ أُسد الغابة:١/٣.

٥١

وقال سبحانه:( وَمِنْ أَهْلِالْمَدِينَةِ مَردُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (التوبة/١٠١).

وهوَلاء المنافقون كانوا مندسين بين الصحابة لا يعرف المنافق من الموَمن، ومع ذلك فكيف يمكن الحكم بعدالة الجميع بحجّة انّه سبحانه مدح لفيفاً منهم في بيعة الرضوان قال سبحانه:( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُوَمِنينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة ) (الفتح/١٨)مع أنّه لم يكن يتجاوز عدد الحاضرين في بيعة الرضوان عن ألف وثمانمائة(١) ؟! فكيف يمكن الحكم على عدالة جميع من رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآمن به من أوّل البعثة إلى أن لقى ربّه، بحجة انّاللّه سبحانه قد رضي عن جمع منهم مع أنّ نسبتهم إلى جميع الصحابة نسبة الاثنين إلى المائة؟!

وأغرب ممّا ذكره ابن حجر، ما أسنده الخطيب إلى أبي زرعة الرازي، قال:

إذا رأيت الرجل ينقص أحداً من أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاعلم انّه زنديق، وذلك أنّ الرسول حقّ، والقرآن حق، وما جاء به حقّ، وإنّما أدّى إلينا ذلك كلّه الصحابة، وهوَلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة.(٢)

أقول: يلاحظ عليه بأمرين:

الاَوّل: انّ الصحابة والتابعين فيما ذكره سواء والتابعون كالصحابة في أنّالكتاب والسنة قد وصلا إلينا عن طريقهما، فكيف يخضع التابعون للجرح والتعديل دون الصحابة؟!

الثاني: انّ الغاية من وراء الفحص عن عدالة الصحابة هي التعرف على الصالحين والطالحين والموَمنين والمنافقين والمتثبّتين في طريق الدين والمشرفين على الارتداد(٣) حتى يتسنّى لنا أخذ الدين عن الصلحاء والموَمنين

____________________

١ السيرة النبوية: ٢/٣٠٩؛ مجمع البيان:٢/٢٨٨.

٢ الاصابة:١/١٠.

٣ لاحظ آل عمران: ١٥٤.

٥٢

والمتثبتين والتجنب عن غيرهم، فلو قام الرجل بعبء التحقيق لما كان عليه لوم فلو قال أبو زرعة مكان قوله الآنف الذكر:«إذا رأيت الرجل يتفحّص عن أحد من أصحاب الرسول لغاية العلم بصدقه وتقواه حتى يأخذ دينه من الخِيَرة الصادقين، ويحترز عن الآخرين، فاعلم أنّه من جملة المحققين في الدين» لكان أحسن وأولى.

ومن غير الصحيح أن يتهم العالم أحداً، يريد التثبت في أُمور الدين والتحقيق في مطالب الشريعة، بالزندقة، وانّه يريد جرح شهود المسلمين لاِبطال الكتاب والسنّة، وما شهود المسلمين إلاّالآلاف الموَلفة من أصحابهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يضر بالكتاب والسنّة جرح لفيف منهم وتعديل قسم منهم، وليس الدين قائماً بهذا الصنف من المجروحين «ما هكذا تورد يا سعد الاِبل».

٧- منهجنا في تمحيص السنّة

قد عرفت أنّ منهج تلك الثلة من المحقّقين في الحكم على الاَحاديث بالصحة أو السقم هو الاُصول المسلمة في علم أُصول الحديث، ومصطلحه، يعتمدون غالباً على الاَسانيد دون المضامين وعلى تنصيص علماء الرجال كوثاقة الراوي وضعفه، وربما يتعرضون لنكارة المتن وغرابته ولا يخرجون عن تلك الضوابط والقواعد الرائجة في مختلف العصور.

لكنّ هناك منهجاً علمياً آخر قلّالالتفات إليه من قبل نقاد الحديث، وهو عبارة عن عرض الحديث على الكتاب أوّلاً، والسنة المتواترة أو المستفيضة التي تلقّاها الاعلام وجهابذة الحديث بالقبول ثانياً، والعقل الحصيف الذي به عرفنا اللّه سبحانه وأنبياءه وخلفاءه ثالثاً، والتاريخ الصحيح رابعاً، واتّفاق الاُمّة خامساً.

٥٣

فلو وجدنا الحديث مخالفاً لواحد من تلك الحجج القطعية، لَحكمنا عليه بالوضع أو الدسّ أو الضعف حسب اختلاف مراتب المخالفة.

وممّا يجب إلفات الاَنظار إليه هو انّه لا يشترط في ثبوت الحديث كونه موافقاً لهذه الضوابط بل يشترط عدم مخالفته لها، فبالمخالفة يسقط الحديث عن الحجّية، ولاِيضاح الحال نذكر لكلّ من هذه الضوابط مثالاً أو مثالين:

الاَوّل: عرض الحديث على الكتاب

القرآن الكريم هو المرجع الاَوّل للمسلمين في الشريعة والعقيدة، وقد عرّف نفسه بأنّ فيه تبياناً لكلّ شيء، قال:( وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) (النحل/٨٩).

والمراد من الشيء في الآية إمّا المعنى العام، أو المعنى الخاص، أي العقيدة والشريعة، والمعنى الثاني هو القدر المتيقن، فيجب أن يكون ميزاناً للحقّ والباطل فيما ينسب إلى العقيدة والشريعة من طرق الروايات.

كما انّه سبحانه عرّّفه في مكان آخر بأنّه المهيمن على جميع الكتب السماويّة( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْه ) (المائدة/٤٨).

فإذا كان القرآن مهيمناً على جميع الكتب السماوية وميزاناً للحقّ والباطل الواردين فيها، فأولى أن يكون مهيمناً على ما ينسب إلى صاحب الشريعة المحمّدية من صحيح وسقيم.

وعلى ضوء ذلك فالمعيار الاَوّل لتمييز الباطل عن الصحيح هو مخالفة الكتاب وعدمها، فإذا كان الخبر المروي بسند صحيح مخالفاً لنص القرآن يُضرب به عرض الجدار إلاّإذا كان ناسخاً للحكم الشرعي الوارد في القرآن، ومن المعلوم انّ النسخ محدّد بموارد خاصة ولا يقبل فيه إلاّ إذا كان الخبر متواتراً

٥٤

حتى يُصبح ناسخاً للقرآن وإلاّفلا يترك الوحي القطعي بالخبر الواحد.

أخرج الرازي في تفسيره عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال: إذا رُوي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب اللّه، فإن وافقه فأقبلوه، وإلاّفردّوه.(١)

وقد تضافر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمّة أهل البيت لزوم عرض الحديث على الكتاب عند الشكّ في الصحّة أو عند تعارض الخبرين.

روى الحرّ العاملي في وسائله باسناده عن السكوني قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ على كلّحق حقيقة وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب اللّه فخذوه، وما خالف كتاب اللّه فدعوه».

وروى أيوب بن الحرّ، قال: سمعت أبا عبد اللّهعليه‌السلام يقول: «كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة، وكلّ شيء لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف».(٢)

والمراد من عرض الحديث على الكتاب هو إحراز عدم المخالفة لا الموافقة، إذ ليست الثانية شرطاً في حجّية الحديث وإنّما المخالفة مسقطة له عن الحجّية، وعلى ذلك يكون الشرط عدم المخالفة للكتاب وليس المراد منها، هي المخالفة بنحو العموم والخصوص أو الاِطلاق والتقييد فانّ مثل هذه المخالفة أمر رائج في التشريع بل المراد المخالفة المطلقة كما يتضح ممّا نذكره من النموذجين:

١. تعذيب الميت ببكاء أهله

أخرج مسلم عن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: الميت يُعذَّب في قبره بما نيح عليه.

____________________

١ التفسير الكبير : ٣/٢٥٩ ، طبع سنة ١٣٠٨ ه-.

٢ وسائل الشيعة:١٨/٧٨، كتاب القضاء، الباب التاسع من أبواب صفات القاضي، الحديث ١٠، و ١٤.

٥٥

وأخرج أيضاً عن ابن عمر انّه لما طعن عمر أُغمي عليه فصيح عليه، فلمّ-ا أفاق، قال: أما علمتم انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّالميت ليعذب ببكاء الحي.(١)

هذه الرواية وإن رواها مسلم بطرق مختلفة لكنّها مرفوضة جداً لاَنّ-ها تخالف صريح القرآن.

قال سبحانه:( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (الاَنعام/١٦٤).

وقال سبحانه:( وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيءٌ وَلَو كانَ ذا قُربى ) (فاطر/١٨).

فكيف يمكن أن نقبل انّ الميت البريء، يُعذَّب بفعل الغير وهو شيء يرفضه العقل والفطرة وقيل:

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم

فكأنّن---ي سب-ابة المتن--دّم

ولاَجل ذلك ردّت السيدة عائشة هذه الرواية.

أخرج مسلم أيضاً: انّها قالت: لا واللّه ما قاله رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قط، إنّ الميت يعذب ببكاء أحد، ولكنّه قال: إنّ الكافر يزيده اللّه ببكاء أهله عذاباً وانّ اللّه لهو أضحك و أبكى ( ولا تَزر وازرة وزر أُخرى...) إلى أن قال: لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت: إنّكم لتحدثونني عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطىَ.(٢)

وهذه الرواية وإن دفعت بعض الاِشكال ولكنّها لم تقلعه، لاَنّ مقتضى الآية هو العموم وهو انّالاِنسان لا يعذب بفعل غيره سواء أكان مسلماً أو كافراً لعمومية العلة( لا تَزر وازرة وزر أُخرى ) مع سعة حكم العقل بقبح عقاب البريء بذنب الآخر.

والصحيح في ذلك ما رواه حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه

____________________

١ صحيح مسلم:٣/٤١، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

٢ صحيح مسلم:٣/٤٣، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

٥٦

قال: ذكر عند عائشة قول ابن عمر : الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فقالت: رحم اللّه أبا عبد الرحمان سمع شيئاً فلم يحفظه إنّما مرّت على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنازة يهودي وهم يبكون عليه، فقال: أنتم تبكون وانّه ليعذب.(١) أي يعذب بأعماله التي اقترفها في حال حياته.

٢. الاحتجاج بالقدر

أخرج البخاري في أبواب التهجد بالليل عن الزهري قال: أخبرني علي بن الحسين انّ الحسين بن علي أخبره انّعلي بن أبي طالب قال: إنّرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرقه وفاطمة بنت النبيعليه‌السلام ، فقال لهم: ألا تصلون.

فقال علي: فقلت يا رسول اللّه: «أنفسنا بيد اللّه»فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قال له ذلك ولم يرجع إليه شيئاً، ثمّ سمعه وهو مدبر يضرب فخذه، وهو يقول:( وكانَ الاِنسانُ أكثرَ شيءٍ جَدَلاً ) (٢)

والحديث موضوع على لسان أئمّة أهل البيت وقد تولّى كبره أحد من ورد في الاسناد وذلك:

أوّلاً: انّ الاحتجاج بالقدر وتبرير العقائد الفاسدة والاَعمال السيئة به من سيرة المشركين، وقد نقل القرآن الكريم عنهم ذلك وقال:

( سَيَقُولُ الّذينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباوُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسنا قُلْهَلْعِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّالظنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّتَخْرُصُونَ ) (الاَنعام/١٤٨).

____________________

١ صحيح مسلم:٣/٤٤، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

٢ صحيح البخاري:٩/١٠٦، باب قوله تعالى( وكان الانسان أكثر شيء جدلاً ) من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة. والآية ٥٤ من سورة الكهف.

٥٧

وأشار إليها في آية أُخرى أيضاً قال سبحانه:( وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءنا وَاللّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلى اللّهِما لا تَعْلَمُونَ ) (الاَعراف/٢٨). وليس مرادهم من قولهم :( وَاللّهُ أَمَرَنا بِها ) سوى انّه سبحانه قدّر ذلك ولازمه الاَمر به فليس لنا المحيص عن السير وراء التقدير.

وقد كان عرب الجاهلية على تلك العقيدة وبقيت رواسبه إلى عهد الرسالة وبعده، روى عبد اللّه بن عمر انّه جاء رجل إلى أبي بكر، فقال: أرأيت الزنى بقدر؟ قال: نعم، قال: فإنّ اللّه قدّر عليّ ثمّ يعذبني، قال: نعم يابن اللخناء، أما واللّه لو كان عندي إنسان أمرته أن يجأ أنفك.(١)

لقد كان استغراب الرجل في محله إذا كان التقدير ملازماً لسلب الاختيار عن الاِنسان، لذلك قال: «فانّ اللّه قدر عليّثمّ يعذبني» و لما عجز الخليفة عن الاِجابة بمنطق الاستدلال توسل بمنطق القوة وانّه لو كان هنا رجل لاَمره أن يجأ أنفه.

لا شكّ انّ القضاء والقدر من تعاليم القرآن ومن العقائد الاِسلامية، لكن لا على وجه يسلب الاختيار عن الاِنسان ويجعله مكتوف الاَيدي على صعيد الحياة.

وما جاء في الرواية من الاجابة، إنّما يحتج به المشرك لا إمام المسلمين والذي تربى في احضان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ نعومة أظفاره.

ثانياً: لو افترضنا انّ الاِمام وزوجه فاتت عنهما صلاة الليل لغلبة النعاس عليهما، فعندما يطرق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بابهما تحنناً وتلطفاً، فمقتضى أدب أهل البيتعليهم‌السلام أن يواجها أباهما بالشكر والامتنان لا بمجادلة وكلمة لاذعة، ولا بإلقاء المسوَولية على عاتق مقدِّر الاَقدار.

____________________

١ تاريخ الخلفاء للسيوطي:٩٥.

٥٨

ثالثاً: كيف ينقل الراوي حديث ترك التهجد والتنفل بنافلة الليل مع أنّ عليّاً كان أحد عبّاد زمانه، فمنه تعلّم الآخرون التهجد والتجافي عن المضاجع آناء الليل؟!

قال ابن أبي الحديد: وأمّا العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوماً، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل، وملازمة الاَوراد وقيام النافلة، وما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصّفين ليلة الهرير، فيصلّي عليه ورده، والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يميناً وشمالاً، فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته! وما ظنّك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده.

وأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته، ووقفت على ما فيها من تعظيم اللّه سبحانه وإجلاله،وما يتضمّنه من الخضوع لهيبته، و الخشوع لعزته والاستخذاء له، عرفت ما ينطوي عليه من الاخلاص، وفهمت من أيّقلب خرجت، وعلى أيّ لسان جرت!

وقيل لعلي بن الحسينعليهما‌السلام وكان أعبد أهل زمانه: أين عبادتك من عبادة جَدّك؟ قال: عبادتي عند عبادة جدّي، كعبادة جدّي عند عبادة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١)

والحق ما رواه أنس «انّ النبيّ كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر كلّما خرج إلى الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت( إنَّما يُريدُ اللّهُ ليُذْهِبَ عَنْكُم الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا ) (٢)

____________________

١ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:١/٢٧.

٢ لاحظ في الوقوف على مصادر الرواية : تفسير الطبري: ٢٢/٥ - ٧ ، والدر المنثور: ٥/١٩٨- ١٩٩.

٥٩

الثاني: عرض الحديث على السنّة المتواترة

إنّالسنّة المتواترة كالكتاب العزيز كلاهما قطعيان بَيدَ انّ الكتاب وحي بلفظه ومعناه، والسنّة وحي بمعناها لا بلفظها. فتكون معياراً لتميز الحقّ عن الباطل، وقد مرّ في حديث أيوب بن الحر عن الصادقعليه‌السلام انّه قال: كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة.

وفي رواية عمر بن حنظلة عن الاِمام الصادقعليه‌السلام في الخبرين المتعارضين انّه ينظر إلى ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة فيوَخذ به.

وروى ابن أبي يعفور عن الاِمام الصادقعليه‌السلام : قال: سألته عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به، قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب اللّه أو من قول رسول اللّه وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به.(١)

والمراد من عرض الحديث على السنة المتواترة ليس هو إحراز موافقته لها، بل إحراز عدم مخالفته لها لكون المخالفة مسقطة للحجية.

فالسنة المتواترة أو المستفيضة كالقرآن الكريم فلو ورد حديث يخالفها لا يوَخذ به بالملاك الذي ذكرناه في الكتاب.

نعم لا تشترط الموافقة، وإليك المثال:

أخرج أحمد في مسنده عن وهب بن كيسان مولى ابن الزبير، قال: سمعت عبد اللّه بن الزبير في يوم العيد يقول، حين صلّى قبل الخطبة ثمّ قام يخطب الناس:

[فيجيب على اعتراض الناس بتقديم الصلاة على الخطبتينج بقوله: كلاًّ

____________________

١ وسائل الشيعة:١٨، الباب التاسع من أبواب صفات القاضي، الحديث ١و١١.

٦٠