الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 80821
تحميل: 4601

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80821 / تحميل: 4601
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

قل لا إله إلاّاللّه أشهد لك بها يوم القيامة، فأبى فأنزل اللّه:( إنّك لا تَهدي مَنْ أَحْبَبْت ) (١)

أقول: إنّ ذلك الحديث ممّا تكذّبه القرائن الكثيرة الدالة على إسلام أبي طالب ويمكن أن نلخصها في ثلاثة طرق:

١. دراسة ما خلّف من الآثار العلمية و الاَدبية.

٢. الاَسلوب العملي الذي نهجه في المجتمع.

٣. آراء أقربائه وأصحابه.

ونحن نستطيع إثبات إيمان أبي طالب من خلال هذه الطرق.

فإنّ الاَشعار(٢) والخطب التي خلّفها أبو طالب تدل بجلاء لا لبس فيه على إيمانه وإخلاصه.

كما انّسيرته العملية وسلوكه المتميز في السنين العشر الاَخيرة من عمره خير شاهد على إيمانه العميق وصلته الوثيقة باللّه سبحانه.

وكم له من المواقف الجليلة مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فانّإيمانه بابن أخيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عميقاً إلى درجة انّه أخذه إلى المصلّى واستسقى به، مُقسماً به على اللّه تعالى أن يكشف العذاب عن قومه، ويرسل رحمته عليهم فاستجاب اللّه دعاءه وأنزل عليهم غيثاً وافراً ممرعاً، بقيت قصته في ذاكرة التاريخ.

وأيضاً كان إيمان أبي طالب برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راسخاً بمكان انّه جازف بحياة أبنائه للحيلولة دون تعرض رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

١ صحيح مسلم:١/٤١، باب أوّل الاِيمان قوله لا إله إلاّاللّه من كتاب الاِيمان.

٢ انظر ديوان أبي طالب : ٣٢.

٣٦١

لخطر القتل والاغتيال ولئلا يمسّه أعداءه بسوء، فكان يضجع ولده علياً في فراشه كي لا يصيب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيُّ مكروه.

ورغم ذلك كلّه، فقدأوصى أولاده حين وفاته قائلاً:

«أُوصيكم بمحمد خيراً فإنّه الاَمين في قريش، وهو الجامع لكلّمن أُوصيكم به، وقد جاء بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان، مخافة الشنئان، وأيم اللّه لكأني أنظر إلى صعاليك العرب، وأهل البرّ في الاَطراف، والمستضعفين من الناس، قد أجابوا دعوته، وصدّقوا كلمته، وعظّموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، فصارت قريش وصناديدها أذناباً، ودورها خراباً، وضعفاوَها أرباباً، وإذا أعظمهم عليه، أحوجُهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده».(١)

وأخيراً فيجدر بنا أن نسأل أقاربه المقربين حول إيمانه، لاَنّ أهل البيت أدرى بما في البيت.

لما مات أبو طالب جاء عليعليه‌السلام إلى رسول اللّهفآذنه بموته، فتوجع توجعاً عظيماًوحزن حزناً شديداً، ثمّ قال له امض فتولّغسله، فإذا رفعته على سريره فاعلمني، ففعل فاعترضه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو محمول على روَوس الرجال، قال: «وصلتْك رحم يا عم، وجزيت خيراً! فلقد ربّيت وكفّلت صغيراً، ونصرت وآزرت كبيراً».

ثمّ تبعه إلى حفرته، فوقف عليه مخاطباً إياه، قائلاً:

«أما واللّه لاستغفرنَّ لك، ولاَشفعنَّ فيك شفاعة يعجب لها الثقلان».(٢)

وفي الختام انظر إلى صلافة الرجل كيف يحكي القصة، فكأنّه كان حاضراً في المجلس، فعرض النبي الشهادة على عمه فأبى، مع أنّ أبا طالب التحق بالرفيق الاَعلى سنة ١٠ للبعثة قبل الهجرة بثلاث سنين، في حين أسلم أبو هريرة

____________________

١ السيرة الحلبية:١/٣٥١- ٣٥٢.

٢ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:١٤/٧٦.

٣٦٢

في العام السابع من الهجرة، وبذلك يتحقق ما ذكرناه من أنّ أبا هريرة كان يدلس.

ولا شكّ انّ ما رواه من الموضوعات لصالح الجهاز الاَموي الحاكم للحطّ من شأن الاِمام أمير الموَمنين عليعليه‌السلام برمي أبيه بالكفر حين وفاته.

٢٤. أبو هريرة ينسب ما سمعه عن الفضل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أخرج مسلم في صحيحه، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمان، عن أبي بكر، قال: سمعت أبا هريرة يقصّ يقول في قصصه: من أدركه الفجر جنباً فلا يصم.

فذكرت ذلك لعبد الرحمان بن الحارث(لاَبيه) فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمان وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأُمّ سلمة -رضي‌الله‌عنه ما - فسألهما عبد الرحمان عن ذلك، قال: فكلتاهما قالت: كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصبح جنباً من غير حلم(١) ثمّ يصوم.

قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان فذكر ذلك له عبد الرحمان، فقال مروان: عزمت عليك إلاّما ذهبت إلى أبي هريرة فرددت عليه ما يقول.(٢)

قال: فجئنا أبا هريرة وأبو بكر حاضر ذلك كلّه، قال: فذكر له عبد الرحمان.

فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك، قال: نعم، قال: هما أعلم ثمَّ ردّ أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

١ أي مدركاً الفجر متيمماً وطاهراً بالطهارة الترابية.

٢ يريد بذلك الاِشفاق على أبي هريرة حتى لا يتسع خطأه حيث ألزمهما بالذهاب إلى أبي هريرة وإعلامهما ما ذكرا حتى يتدارك الرجل خطأه.

٣٦٣

قال: فرجع أبو هريرة عمّا كان يقول في ذلك، قلت لعبد الملك: أقالتا في رمضان، قال: كذلك كان يصبح جنباً من غير حلم ثمّ يصوم.(١)

وعلى هذا لا يبقى أي اعتماد بأحاديثه إذ ينسب ما سمعه من كعب إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما سمعه من الفضل إليه أيضاً، فبهذه التدليسات الواضحة يخرج عن كونه ثقة في الحديث، أُسوة في الرواية.

٢٥. إبراهيم يخاصم ربّه

أخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:

يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب انّك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فيقول اللّه: إنّي حرّمت الجنة على الكافرين.(٢)

وفي الحديث تساوَلات وتأملات يجعلها في عداد الموضوعات:

الاَوّل: يتضمن الحديث انّ إبراهيم كان يتصور بأنّ عذاب أبيه يوم القيامة يعود عليه بالخزي، وذلك مما لا يتخيّله مسلم واع فكيف بإبراهيم خليل الرحمن، لاَنّه سبحانه أعلن منذ بدء الخليقة انّه خلق الجنة للموَمنين والنار للكافرين.

الثاني: انّه سبحانه : يحكي انّإبراهيم تبرّأ من أبيه بعد ما تبين انّه عدو للّه قال سبحانه:( ما كانَ للنّبي والّذينَ آمَنُوا أَنْيَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكينَ وَلَو كانُوا أُولي قُربى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصحابُ الجَحيم* وَ ما كان اسْتِغْفارُ إِبْراهيمَ لاَبيهِ إِلاّ عَنْ مَوعِدِةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أنّهُ عَدُوٌّ للّهِ تَبَ-رّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبراهيمَ لاَوّاهٌ حَليم ) (التوبة/١١٣- ١١٤).

____________________

١ صحيح مسلم:٣/١٣٧، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب من كتاب الصوم.

٢ صحيح البخاري:٦/١١١، باب تفسير سورة الشعراء من كتاب التفسير.

٣٦٤

وسياق الآية يكشف عن أنّ التبري كان في الحياة الدنيا، ومع ذلك فكيف يطلب له النجاة يوم القيامة ويشتكي إلى اللّه تبارك وتعالى؟!

وللعسقلاني كلام نذكره بنصه: اختلفوا في الوقت الذي تبرأ فيه إبراهيم من أبيه فقيل: كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات آزر مشركاً، وهذا أخرجه الطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس و اسناده صحيح، وفي رواية: «فلما مات لم يستغفر له»، و من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه، قال: «استغفر له ما كان حياً فلما مات أمسك» و أورده أيضاً من طريق مجاهد وقتادة و عمرو بن دينار نحو ذلك، وقيل إنّما تبرأ منه يوم القيامة لما يئس منه حين مسخ على ما صرح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها.(١)

وضعف الوجه الثاني واضح، لاَنّه على خلاف سياق الآية، والآية بصدد تعليم أصحاب الرسول من أنّه ليس لهم الاستغفار للمشركين اقتداء بإبراهيم حيث إنّه بعد ما تبيّن انّ أباه عدو للّه تبرأ منه ولم يستغفر إلى آخر حياته فيجب أن يقتدوا به، فجعل ظرف التبري يوم القيامة مخالف لسياق الآية.

قال الرازي في تفسيره في وصف إبراهيمعليه‌السلام بالاَواه والحليم ما لفظه:

اعلم انّه تعالى إنّما وصفه بهذين الوصفين في هذا المقام، لاَنّه تعالى وصفه بشدة الرقة والشفقة والخوف والوجل، ومن كان كذلك فانّه تعظم رقته على أبيه وأولاده، فبيّن تعالى انّه مع هذه العادة، تبرّأ من أبيه وغلظ قلبه عليه لما ظهر له إصراره على الكفر فأنتم بهذا المعنى، أولى ولذلك وصفه أيضاً بأنّه حليم، لاَنّ أحد أسباب الحلم رقة القلب وشدة العطف لاَنّ المرء إذا كان حاله هكذا، اشتد حلمه عند الغضب.(٢)

____________________

١ فتح الباري: ٨/٥٠٠- ٥٠١.

٢ مفاتيح الغيب:١٦/٢١١، في تفسير الآية ١١٤ من سورة التوبة.

٣٦٥

وربما يقال انّاللّه إذا أدخل أباه النار فقد أخزاه لقوله سبحانه:( رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَفَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظّالِمينَ مِنْ أَنْصار ) (آل عمران/١٩٢).

وخزي الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في الوعد.(١)

وما ذكره أخيراً توهم باطل، لاَنّه سبحانه قطع الصلة بين الكافر و المسلم قال سبحانه:( وَنادىنُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْ-حَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمينَ* قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِح ) (هود/٤٥-٤٦).فلا يعود خزي الوالد إلى الولد، بعد انقطاع الصلة، كما لا يعود خزي أبي لهب إلى النبي الاَعظمص.

٢٦. دخول امرأة في النار بسبب هرّة

أخرج البخاري في صحيحه، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:

دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها فلم تُطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الاَرض.(٢)

وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه، عن هشام، عن أبيه، عن أبي هريرة، انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:

عُذِّبت امرأة في هرة لم تُطعمها ولم تُسقها ولم تتركها تأكل من خشاش الاَرض.(٣)

____________________

١ فتح الباري: ٨/٥٠١، نقلاً عن الكرماني في شرحه على صحيح البخاري.

٢ صحيح البخاري: ٤/١٣٠، باب خمس من الدواب فواسق يقتلنّفي الحرم من كتاب بدء الخلق.

٣ صحيح مسلم:٧/٤٤، باب تحريم قتل الهرة من كتاب قتل الحيات وغيرها.

٣٦٦

أقول: إنّ قوله: في هرّة بمعنى بسبب هرة.

وقد استشهد الاَدباء بهذا الحديث على أنّ «في» تأتي بمعنى «اللام» وعلى هذا فيجب أن تكون المرأة مسلمة موَمنة حتى يكون الحبس هو السبب الوحيد لدخولها في النار ولا يصحّ حملها على الكافرة، لاَنّها تدخل النار سواء حبست أم لا، وعلى ذلك فكيف يُدخل سبحانه عبداً موَمناً النار بسبب قتل هرّة؟

أخرج أحمد في مسنده، عن الشعبي، عن علقمة، قال: كنّا عند عائشة فدخل أبو هريرة فقالت: أنت الذي تحدث انّ امرأة عذبت في هرّة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها ؟ فقال: سمعته منه، يعني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال عبد اللّه بن أحمد: كذا قال أبي.

فقالت: هل تدري ما كانت المرأة؟ انّ المرأة مع ما فعلت كانت كافرة، و انّ الموَمن أكرم على اللّه عزّ وجلّ من أن يعذبه في هرّة، فإذا حدثتَ عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانظر كيف تحدّث.(١)

وكلام السيدة عائشة لا يخلو عن نقاش، فانّ ظاهر الحديث انّ سبب الدخول هو الحبس لا الكفر ، فلو كانت كافرة فهي تدخل النار على كل حال سواء حبست الهرة أم لم تحبسها، فالحديث رواية مصطنعة اختلقتها يد الدّس لا سيما انّ أبا هريرة كان له شغف كبير بالهرة حيث كان يلعب بها، فلما وقف انّ امرأة قامت بهذا العمل عزَّ عليه قتل الهرة فصنع ذلك الحديث.

٢٧. في جناحي الذبابة داء وشفاء

أخرج البخاري في صحيحه عن عبيد بن حنين، قال: سمعت أبا هريرة ،

____________________

١ مسند أحمد:٢/٥١٩.

٣٦٧

يقول: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثمّ لينزعه، فانّ في إحدى جناحيه داءً والاَخرى شفاءً.(١)

ومعنى الحديث: فليغمسه كلّه حتى يغسل كلا الجناحين بالماء ويقابل الداء بالدواء، وقوله: ثمّ لينزعه إشارة إلى انّالماء سيشرب و المرق يوَكل بعد طرحها.

وعلى ذلك فأحد جناحي الذباب داء وفي الجناح الآخر دواء فيزول ذلك الداء بفضل الدواء عند غمس كلا جناحيه.

هذا هوالمفهوم من الرواية.

والاعتقاد بصحّة الحديث مشكل جدّاً وقد كشف العلم من أنّ الذباب يحمل في جناحيه الجراثيم المهلكة والمضرة، ولم أر أحداً من العقلاء، يتفوّه بهذه المقالة.

مضافاً إلى أنّ الذباب قذر تتنفر القلوب من روَيته، فكيف يأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغمسه إذا سقط في الماء الذي فيه طعام أو شراب، ثمّ أكل أو شرب ما في ذلك الاِناء؟!

هذه إلمامة عابرة بروايات أبي هريرة التي تركت مضاعفات خطيرة على الحديث النبوي.

ومن تفحص ما رواه في الجنة والنار و ما يقصه من بني إسرائيل لوقف على أنّ أبا هريرة كان قصّاصّاً ذا خيال واسع يخلق أساطير في أبواب مختلفة ويسوقها في قالب الحديث، فمن أراد التفصيل فليدرس رواياته في الصحيحين.

____________________

١ صحيح البخاري: ٤/١٣٠، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، فإنّ في إحدى جناحيه داء وفي الاَُخرى شفاء من كتاب بدء الخلق.

٣٦٨

٢٠- عقبة بن عامر الجُهَني

(... - ٥٨ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. النبي يلعن المحلِّل والمحلَّل له

٢. النبي يلبس الحرير

٣. كلّ ميت يختم على عمله إلاّ المرابط

٤. أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص

٥. حقّ الضيافة يوَخذ عنوة

عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو الجهني، يكنى أبا حماد، روى عنه أبو عشّانة، انّه قال: قدم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا في غنم لي أرعاها فتركتها ثمّذهبت إليه، فقلت: تبايعني يا رسول اللّه، قال: فمن أنت، فأخبرته، فقال: أيّما أحبّ إليك، تبايعني بيعة أعرابية، أو بيعة هجرة؟

قلت: بيعة هجرة، فبايعني.

وكان من أصحاب معاوية بن أبي سفيان، وولي مصر وسكنها، وتوفي بها سنة ٥٨ ه-، وروى عنه من الصحابة: ابن عباس، وأبو أيّوب، وأبو امامة وغيرهم.

٣٦٩

ومن التابعين: أبو الخير، وعلي بن رباح، وأبو قبيل، وسعيد بن المسيب وغيرهم، وشهد صفين مع معاوية، وشهد فتوح الشام، وكان هو البريد إلى عمر بفتح دمشق، وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن.

قال الذهبي: له في مسند بَقيّ خمسة وخمسون حديثاً(١) ولكن جمعت أحاديثه في المسند الجامع فبلغت ١١٢ حديثاً(٢)

نذكر من روائع رواياته التي يدل سمو معانيها على صحّة مضمونها شيئاً ثم نعرج إلى أحاديثه السقيمة.

روائع أحاديثه:

١. أخرج أحمد في مسنده، عن أبي عُشّانة، انّه سمع عقبة بن عامر، يقول: لا أقول اليوم على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مالم يقل. سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول:

من كذب قال ما لم أقل فليتبوّأ بيتاً من جهنَّم.(٣)

٢. أخرج مسلم في صحيحه، عن مرثد بن عبد اللّه اليزنيّ، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ أحقّ الشّرط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج.(٤)

٣. أخرج أحمد في مسنده، عن الحسن، عن عقبة بن عامر انّ نبي اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: إذا أنكح وليان فهو للاَوّل منهما، وإذا باع من رجلين فهو للاَوّل منهما.(٥)

٤. أخرج أحمد في مسنده، عن قيس الجذاميّ، عن عقبة بن عامر

____________________

١ طبقات ابن سعد: ٤/٣٤٣؛ أُسد الغابة: ٣/٤١٧؛ سير أعلام النبلاء: ٢/٤٦٧ برقم ٩٠.

٢ المسند الجامع: ١٥/٨٣.

٣ مسند أحمد: ٤/١٥٩.

٤ صحيح مسلم: ٤/١٤٠، باب الوفاء بالشروط في النكاح.

٥ مسند أحمد: ٤/١٤٩.

٣٧٠

الجهنيّ، انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: من أعتق رقبة مسلمة فهي فداوَه من النّار.(١)

٥. أخرج مسلم في صحيحه، عن عبد الرحمان بن شماسة انّه سمع عقبة بن عامر على المنبر، يقول: إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: الموَمن أخو الموَمن، فلا يحلّ للموَمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتّى يذر.(٢)

٦.أخرج ابن ماجة، عن عبد الرحمان بن شماسة، عن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول: المسلم أخو المسلم، ولا يحلّ لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه عيب، إلاّبيّنه له.(٣)

٧. أخرج ابن ماجة، عن أبي سعيد الرعينيّ أنّ عبد اللّه بن مالك اليحصبي أنّ عقبة بن عامر أخبره: انّ أُخته نذرت أن تمشي حافية، غير مختمرة، وأنّه ذكر ذلك لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: مُرها فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيّام.(٤)

٨. أخرج النسائي، عن ابن مجيرة، عن عقبة بن عامر: انّ رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، قال: خمس من قبض في شيء منهنّ فهو شهيد: المقتول في سبيل اللّه شهيد، والغرق في سبيل اللّه شهيد، و المبطون في سبيل اللّه شهيد، و المطعون في سبيل اللّه شهيد، والنفساء في سبيل اللّه شهيد.(٥)

٩.أخرج أحمد في مسنده، عن فروة بن مجاهد اللخني، عن عقبة بن عامر، قال: لقيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: لي: يا عقبة بن عامر، صل من قطعك، واعط من حَرَمك، واعفو عمن ظلمك.(٦)

____________________

١ مسند أحمد: ٤/١٤٧.

٢ صحيح مسلم: ٤/١٣٩، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه.

٣ سنن ابن ماجة: ٢/٧٥٥ برقم ٢٢٤٦.

٤ سنن ابن ماجة: ١/٦٨٩ برقم ٢١٣٤.

٥ سنن النسائي: ٦/٣٧.

٦ مسند أحمد: ٤/١٥٨.

٣٧١

١٠. أخرج مسلم في صحيحه عن مرثد، عن عقبة بن عامر، قامعلى قتلى أُحد، ثمّ صعد المنبر كالمودّع للاَحياء والاَموات، فقال: إنّي فرطكم على الحوض وانّ عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة، إنّي لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم، قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر.(١)

هذا شيء من روائع رواياته، وإليك نزراً من رواياته السقيمة التي تعزى إليه ولا تمتلك الضوابط التي أومأنا إليها في صدر الكتاب، وإليك بيانها.

١. النبي يلعن المحلِّل والمحلّل له

أخرج ابن ماجة في سننه عن أبي مصعب مشرح بن هاعان، قال: قال عقبة بن عامر: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: هو المحلِّل، لعن اللّه المحلِّل والمحلَّل له.(٢)

وروى عكرمة، عن ابن عباس: قال: لعن رسول اللّه المحلل والمحلل له.

أقول: ورد النصّ في القرآن الكريم على أنّ من طلّق زوجته ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، قال سبحانه:( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْ-رَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ ) (البقرة/٢٣٠).

وعلى ضوء ذلك فمن تزوج مطلقة ثلاثاً لم يرتكب أمراً محرّماً ولا مكروهاً، غاية الاَمر لو طلّقها يجوز للزوج المطلِّق نكاحها من بعد طلاق المحلِّل وإلاّ فتبقى الزوجة في حبالته.

____________________

١ صحيح مسلم: ٧/٦٨.

٢ سنن ابن ماجة: ١/٦٢٢ برقم ١٩٣٦.

٣٧٢

وإذاً فما هو المبرّر للعن المحلّل؟! وأوضح منه لعن المحلَّل له، فانّاللعن رهن ارتكاب أمر محرم أو مبغوض من قبل الشارع.

نعم لو شرطت الزوجة طلاقها في العقد الثاني بعد المسّ فالنكاح باطل إذا قلنا بأنّ الشرط الفاسد مفسد، أو الشرط باطل والنكاح صحيح، فلا يحلّللزوج الثاني إلاّ إذا ذاق الزوج الثاني عُسيلتها، وذاقت الزوجة عُسيلته فلو طلق عن رضا واختيار فتحل للزوج الاَوّل فما هو وجه اللّعن؟

وتعليل اللعن بارتكاب فعل مكروه ممنوع موضوعاً وحكماً.

٢. النبي يلبس الحرير

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، انّه قال: أهدي لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرّوج(١) حرير فلبسه، ثمّصلى فيه، ثمّ انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له، ثمّ قال: لا ينبغي هذا للمتقين.(٢)

إنّ لبسهص الفرّوج، إمّا كان قبل تحريم الحرير على الرجال أو بعده، فالثاني لا يصحّ أن ينسب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاَنّه ينافي عصمتهص.

وأمّا الاَوّل فلبسه وصلاته كانت جائزة وعندئذ فما هو وجه التعبير عن ذلك العمل الحلال بقوله: «ثمّ انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له، ثمّ قال: لا ينبغي هذا للمتقين»؟! فانّه لا يناسب مكانة العمل الحلال، ويحتمل أن يكون ذيل الحديث من تصورات الراوي.

ويوَيده ما رواه مسلم، عن جابر بن عبد اللّه، انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبس يوماً قباءً من ديباج أُهدي له ثمّ أوشك أنْ نزعه، فأرسل به إلى عمر

____________________

١ الفروج هو قباء له شق من خلفه.

٢ صحيح مسلم: ٦/١٤٣، باب إباحة لبس الحرير للرجل إذ كان به حكة أو نحوها.

٣٧٣

بن الخطاب، فقيل له: قد أوشك ما نزعته يا رسول اللّه؟ فقال: نهاني عنه جبرئيل، فجاءه عمر يبكي، فقال: يا رسول اللّه كرهت أمراً واعطيتنيه فمالي؟ قال: إنّي لم أعطكه لتلبسه انّما أعطيتكه تبيعه، فباعه بألفي درهم.(١)

والظاهر وحدة الواقعة ولكن ليس في الحديث الثاني ما في الحديث الاَوّل من أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزعه نزعاً شديداً كالكاره له.

٣. كلّ ميت يختم على عمله إلاّالمرابط

أخرج الدارمي عن مشرح، قال: سمعت عقبة بن عامر، يقول: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول: كلّ ميت يختم على عمله إلاّالمرابط في سبيل اللّه فانّه يجزى له عمله حتى يبعث.(٢)

الحديث ظاهر في الحصر، و لكنّه يخالف ما نقل عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنّه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّمن ثلاث.

أخرج ابن ماجة، عن عبد اللّه بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير ما يخلِّف الرجل من بعده ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجري يبلغه أجرها، وعلم يعملُ به من بعده.(٣)

والحديث يدل على أنّ غير المرابط أيضاً لا يختم على عمله.

نعم لو حاولنا الجمع بين الروايتين فلا محيص من حمل الحصر الاَوّل على الحصر الاِضافي لا الحقيقي، وإن كان الحمل على خلاف الظاهر.

____________________

١ صحيح مسلم:٦/١٤١.

٢ سنن الدارمي: ٢/٢١١، باب فضل من مات مرابطاً؛ وأخرجه أحمد في مسنده:٤/١٥٠.

٣ سنن ابن ماجة: ١/٨٨ برقم ٢٤١ باختلاف يسير في اللفظ.

٣٧٤

٤. أسلم الناس و آمن عمرو بن العاص

أخرج الترمذي، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص.(١)

قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلاّ من حديث أبي لهيعة عن مشرح بن هاعان وليس اسناده بقوي.

أقول: تشير الرواية إلى أنّ عمرو بن العاص آمن بلسانه وقلبه و الآخرون أسلموا بلسانهم لا بقلبهم، وهذا ممّا يخالف الواقع، إذ قد آمن قبله أُناس من المهاجرين الذين اتّفق المسلمون على إيمانهم وتصديقهم، كعلي بن أبي طالب وعبد اللّه بن مسعود وجندب بن جنادة(أبي ذر) وجعفر الطيار، وحمزة بن عبد المطلب، ولفيف من الاَنصار كأُبي بن كعب وأسعد بن زرارة وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وعندئذٍ فلو صحت الرواية فلابدّ أن يحمل الناس على طائفة خاصة من قريش وغيرهم الذين آمنوا مع عمرو بن العاص، فهوَلاء أسلموا - إسلام الاَعراب - و عمرو بن العاص آمن، فلاحظ.

٥. حقّالضيافة يوَخذ عنوة

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، انّه قال: قلنا يا رسول اللّه انّك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا، فما ترى؟ فقال لنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حقّ الضيف الذي ينبغي لهم.(٢)

____________________

١ سنن الترمذي: ٥/٦٨٧ برقم ٣٨٤٤.

٢ صحيح مسلم: ٥/١٣٨، باب الضيافة ونحوها من كتاب اللقطة.

٣٧٥

أقول: الضيافة سيرة عقلائية قامت على أساس تكريم الضيف الوارد وتبجيله واحترامه عن طيب نفس.

وأمّا إذا لم تكن مصحوبة بطيب النفس فتفقد الضيافة معناها، وتزيد في الطين بلّة إذا قام الضيف بأخذ حقّه من المضيِّف جبراً وعنفاً فهذا ينبت العداوة والبغضاء بينهما، فلا يصلح للاِسلام الداعي إلى الاَخاء والتسامح أن يأمر الضيف بأخذ حقّه من المضيف.

ولما كانت الرواية على خلاف الاَصل الثابت في الاِسلام، أعني قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحلّ مال امرىَ مسلم إلاّبطيب نفسه» أو قوله: «الناس مسلّطون على أموالهم»، ذهب شرّاح الحديث إلى تأويله بتأويلات مجانفة عن الحق.

من حمله على المضطرين، أو تأويله بأنّ المراد من أخذ الحقّ هو الاَخذ من أعراضهم بالاَلسنة وذكر لوَمهم وبخلهم للناس والعيب عليهم وذمهم إلى غير ذلك من الوجوه الموَوِّلة.

والتأويل الاَوّل وإن كان لا بأس به في ذاته، لكنّه يخالف ظاهر الحديث، وأمّا الثاني فبعيدعن روح الاِسلام وهو أن يسوِّغ للضيف ذكر أخيه باللوَم، والاَخذ من عرضه بحجّة انّه لم يضيّفه، وقد ذكر الاِمام النووي تأويلات أُخرى.(١)

أضف إلى ذلك انّه يخالف ما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي شريح العدوي، قال: سمعت أُذناي وأبصرت عيناي حين تكلّم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: من كان يوَمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا: وما جائزته يا رسول اللّه؟ قال: يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام، قال: قال: فما وراء ذلك فهو صدقة عليه.

____________________

١ شرح صحيح مسلم، للنووي: ١٢/٢٧٥.

٣٧٦

وقال: من كان يوَمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت.(١)

ومعنى الحديث انّه ليس وراء ذينك الاَمرين شيء آخر وهو أخذ حقّ الضيافة من المضيِّف.

____________________

١ صحيح مسلم: ٥/١٣٨، باب الضيافة ونحوها من كتاب اللقطة.

٣٧٧

٢١- جبير بن مُطعِم

( - ٥٩ه-)

سيرته و أحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. لعرشه سبحانه اطيط كاطيط رحل الاِبل

٢. نزول اللّه في كلّليلة إلى السماء الدنيا

ابن عَدِّيّ بن نوفَل بن عبد مناف بن قصيّ، شيخ قريش في زمانه، أبو محمد، ويقال أبو عدي القرشي النوفلي، ابن عمِّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

من الطلقاء الذين حَسُن إسلامُهم،وقد قدم المدينة في فداء الاَسارى من قومه.

وكان أبوه هو الذي قام في نقض صحيفة القطيعة،وكان يحنو على أهل الشِّعب ويصلْهم في السرّ، ولذلك يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر:

«لو كان مُطْعِم بن عديّ حيّاً وكلّمني في هوَلاء النّتنى لتركتهم له» وهو الذي أجار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين رجع من الطائف حتى طاف بعمرة.

روى عنه: ولداه محمد ونافع، وسليمان بن صرد، وسعيد بن المسيب،

٣٧٨

وأبو سلمة بن عبد الرحمان،وعبد الرحمان بن أزهر، وعبد اللّه بن باباه، ويحيى بن عبد الرحمان بن حاطب، و إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف.

توفي جبير بن مطعم سنة تسع و خمسين.(١)

وقدجمعت أحاديثه في المسند الجامع فبلغت ثلاثين حديثاً.(٢) عزيت إليه روايات رائعة وأُخرى سقيمة.

فمن روائع رواياته

أخرج أبو داود في سننه، عن عبد اللّه بن أبي سليمان، عن جبير بن مطعم، أنّرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:

«ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منّا من قاتل على عصبية، وليس منّا من مات على عصبية».(٣)

وقد رويت عنه ما لا تستقيم مع الضوابط التي تلوناها في صدر الكتاب.

١. للعرش اطيط كاطيط الرحل

أخرج أبو داود، عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن جدّه، قال: أتى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرابي، فقال: يا رسول اللّه، جهدت الاَنفس،وضاعت العيال، ونهكتِالاَموال، وهلكت الاَنعام فاستسق اللّه لنا، فإنّا نستشفع بك على اللّه، ونستشفع باللّه عليك.

____________________

١ سير أعلام النبلاء: ٣/٩٥ برقم ١٨.

٢ المسند الجامع: ٤/٤٦١ برقم ٨٥.

٣ سنن أبي داود: ٤/٢٣٢ برقم ٥١٢١.

٣٧٩

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ويحك، أتدري ما تقول؟ وسبَّح رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمازال يسبِّح حتى عُرفَ ذلك في وجوه أصحابه، ثمّ قال: ويحك، انّه لا يستشفع باللّه، على أحد من خلقه، شأن اللّه أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما اللّه؟ إنّعرشه على سماواته لهكذا - و قال باصابعه: مثلَ القبَّة عليه، و إنّه ليئط به أطيط الرحل بالراكب.(١)

قال الطيبي في عون المعبود:

١. «لهكذا» بفتح اللام الابتدائية دخلت على خبر «إنّ » تأكيداً للحكم.

٢. «قال بأصابعه» أي أشار بها.

٣..«مثل القبّة عليه» قال القارىَ: حال من العرش أي مماثلاً لها على ما في جوفها.

قال الطيّبي: هو حال من المشار به، و«في قال» معنى الاِشارة، أي أشار بأصابعه إلى مشابهة هذه الهيئة وهي الهيئة الحاصلة للاَصابع الموضوعة على الكف، مثل حالة الاِشارة.

٤. و«انّه» أي العرش.

٥. «ليئطُّ» بكسر الهمزة وتشديد المهملة أي يُصوِّت.

٦. «به»أي باللّه تعالى.

٧. «أطيط الرحل» أي كصوته، والرحل كور الناقة.

٨. «بالراكب» أي الثقيل.

وفي النهاية: أي انّالعرش ليعجز عن حمله وعظمته، إذ كان معلوماً ان

____________________

١ سنن أبي داود: ٤/٢٣٢ برقم ٤٧٢٦.

٣٨٠