الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 80851
تحميل: 4606

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80851 / تحميل: 4606
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

١٧- ثوبان مولى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

(...- ٥٤ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة

١. ضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يد بنت هبيرة.

٢. دعاء النبي غير المستجاب.

٣. خروج رايات سود من المشرق.

وهو ثوبان بن بجدد، وقيل: ثوبان بن حجدر، يُكنّى أبا عبد اللّه، وهو من حمير من اليمن، أصابه سباء فاشتراه رسول اللّهفأعتقه، وقال له: إن شئت أن تلحق بمن أنت منهم، وإن شئت أن تكون منّا، فثبت على ولاء رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، ولم يزل معه سفراً وحضراً إلى أن توفي رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فخرج إلى الشام فنزل إلى الرملة وابتنى بها داراً وابتنى بمصر داراً وبحمص داراً، وتوفي بها سنة ٥٤ ه- وشهد فتح مصر.

روى عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث، روى عنه: شدّاد بن أوس، وجبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وأبو سلام ممطور الحبشي، ومعدان بن طلحة، وأبو الاَشعث الصنعاني، وأبو أسماء الرحبي، وأبو الخير اليزنيّ، وغيرهم.(١)

____________________

١ أُسد الغابة: ١/٢٤٩؛ سير أعلام النبلاء:٣/١٥ برقم ٥.

٢٦١

وقد جمعت رواياته في المسند الجامع فبلغت ٦٤ رواية.(١)

كما نقلت عنه روايات رائعة و عزيت إليه أُخرى سقيمة.

روائع أحاديثه

١. أخرج أحمد في مسنده، عن عبد الرحمان بن ميسرة، عن ثوبان، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: استقيموا تفلحوا، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلاّ موَمن.(٢)

٣. أخرج أحمد في مسنده، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قيل لثوبان: حدثنا عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: لتكذبون عليّ سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول: ما من مسلم يسجد للّه سجدة إلاّ رفعه اللّه بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة.(٣)

٣. أخرج أحمد عن أبي زرعة، عن ثوبان، قال: لعن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراشي، والمرتشي، والرائش. (يعني الذي يمشي بينهما).(٤)

٤. أخرج ابن ماجة في سننه، عن عبد اللّه بن أبي الجعد، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزيد في العمر إلاّ البرّ، ولا يردّ القدر إلاّ الدّعاء، وانّ الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها.(٥)

والرواية من دلائل القول بالبداء، وهو تغيير المصير بصالح الاَعمال.

٥. أخرج الترمذي، عن أبي سلمة، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

١ المسند الجامع: ٣/٣١٥- ٣٥٣.

٢ مسند أحمد: ٥/٢٨٠.

٣ مسند أحمد: ٥/٢٨٣.

٤ مسند أحمد: ٥/٢٧٩.

٥ سنن ابن ماجة: ١/٣٥ برقم ٩٠.

٢٦٢

من قال حين يمسي: «رضيت باللّه ربّاً وبالاِسلام ديناً، و بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّاً» كان حقاً على اللّه أن يرضيه.(١)

٦. أخرج الترمذي في سننه، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما أخاف على أُمّتي الاَئمّة المضلّين، قال: وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا تزال طائفة من أُمّتي على الحقّ ظاهرين لا يضرّهم من يخذلهم حتى يأتي أمر اللّه.(٢)

هذه ثلّة من رواياته الرائعة ،وقد عزيت إليه طائفة أُخرى من الروايات ممّا لا تخلو من إشكال:

١. ضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدَ بنت هبيرة

أخرج النسائي في سننه، عن أبي أسماء الرحبي، انّ ثوبان مولى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدَّثه، قال:

جاءت بنت هبيرة إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي يدها فتخ(فقال كذا في كتاب أبي، أي خواتيم ضخام) فجعل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضرب يدها، فدخلت على فاطمة بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تشكو إليها الذي صنع بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب، وقالت: هذه أهداها إليَّ أبو حسن، فدخل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والسلسلة في يدها، فقال يا فاطمة أيغرُّك أنْ يقول الناس: ابنة رسول اللّه وفي يدها سلسلة من نار، ثمّ خرج ولم يقعد.

فأرسلت فاطمةعليها‌السلام بالسلسلة إلى السوق ، فباعتها، واشترت بثمنها غلاماً، وقال مرّة عبداً - و ذكر كلمة معناها - فأعتقته، فحُدِّث بذلك.

____________________

١ سنن الترمذي: ٥/٤٦٥ برقم ٣٣٨٩.

٢ سنن الترمذي: ٤/٥٠٤ برقم ٢٢٢٩.

٢٦٣

فقال: الحمد للّه الذي أنجى فاطمة من النار.(١)

أقول: ثمة تساوَلات:

أوّلاً: انّ الخواتيم التي كانت في يد بنت هبيرة - سواء أكانت من فضة أم من ذهب - لم يكن التزيّن بها محظوراً على المرأة، فكيف يعاتبها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » لا سيما إذا كان اقتناوَها لها مشروعاً كما هو المفروض؟

وثانياً: الظاهر انّ بنت هبيرة كانت بالغة بشهادة انّها كانت تتختم بخواتيم ضخام، ودخلت على فاطمة تشكو إليها ما صنع بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،فكيف يصحّ للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مس يدها بالضرب مع أنّها أجنبية؟! والظاهر انّ الضرب كان بالمباشرة لا بالآلة.

ثالثاً: لو افترضنا جواز الضرب، لكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجلّ من أن يضرب يد بنت هبيرة تأدباً وترهباً، بل كان اللازم أن يأمرها بالمعروف بأُسلوب لائق.

رابعاً: انّ الحديث يدل على أنّه لما دخلت بنت هبيرة على فاطمة واشتكت عمّا صنع بها رسول اللّه، انتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب، وقالت: هذه أهداها إليَّ أبو حسن ، مستظهرة بأنّ التزين بالذهب أمر حلال للمرأة وليس لاَحد الاعتراض عليك.

ومن الواضح انّ فاطمة من أهل البيت الذين طهّرهم اللّه تطهيراً، وهي أجلّ من أن تعترض على أبيها بانتزاع ما في عنقها من الذهب.

خامساً: ثمّ إنّ الحديث يتضمن انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل عليها والسلسلة في يدها، فقال: «يا فاطمة أيغرّك أن يقول الناس ابنة رسول اللّه وفي يدها سلسلة من نار».

____________________

١ سنن النسائي: ٨/١٥٨.

٢٦٤

ثمّ خرج ولم يقعد....

وعندئذٍ يثار السوَال التالي.

إنّ السلسلة التي كانت في يدها لا تخلو عن حالتين، إمّا أن تكون ملكاً للغير غير راض بالتصرف فيها، أو ملكاً لفاطمة.

والاَوّل لا يليق أن ينسب إلى بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي يدور على رضاها وغضبها رضى رسول اللّهوغضبه.

وعلى الثاني كيف يفسّر ما ورد في الحديث«وفي يدها سلسلة من نار»وليس ما تتزيّن به المرأة من أقسام الكنز حتى تكون سلسلة من نار؟!

وأغلب الظن انّ الحديث من الموضوعات التي اختلقها الجهاز الاَموي الحاكم للحطِّ من شأن فاطمة الزهراء وبعلها .فسلام اللّه عليهما يوم ولدا ويوم استشهدا، ويوم يبعثان حيّين.

٢. دعاء النبي غير المستجاب

أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

زوي لي الاَرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وانّ أُمّتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، و أُعطيت الكنزين الاَحمر والاَبيض، وانّي سألت ربّي لاُمّتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوّاً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وانّ ربّي، قال: يا محمد إنّي إذا قضيت قضاء فانّه لا يرد وانّي أعطيتك لاَُمّتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا اسلّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، أو قال: من بين أقطارها حتى يكون

٢٦٥

بعضهم يُهلك بعضاً ويُسبي بعضهم بعضاً.(١)

أقول: وقد رواه الاِمام أحمد بلفظ آخر، عن عبد اللّه بن شداد، عن معاذ بن جبل، وقد ذكرناه في ترجمة معاذ بن جبل.

ومن الواضح انّالحوادث والنوازل التي ألمّت بالمسلمين عبر التاريخ خير شاهد على أنّه سبحانه سلّط عليهم عدواً من غير أنفسهم نتيجة أعمالهم وانحرافهم، فقد بسط الوثنيون المغول نفوذهم على معظم البلاد الاِسلامية واستولوا على حاضرتها بغداد وأبادوا الحرث والنسل.

فكيف يدّعي الحديث بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُعطي سوَله؟!

٣. خروج رايات سود من المشرق

أخرج أحمد في مسنده، عن أبي قلابة، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وإذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان، فأتوها فانّ فيها خليفة اللّه المهدي.(٢)

ونظير ذلك ما أخرجه ابن ماجة عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة، ثمّ لا يصير إلى واحد منهم، ثمّ تطلع الرايات السود من قبل المشرق ويقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم - ثمّ ذكر شيئاً لا أحفظه - فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فانّه خليفة اللّه المهدي.(٣)

قال في الزوائد: هذا اسناد صحيح، رجاله ثقات، ورواه الحاكم في

____________________

١ صحيح مسلم: ٨/١٧١، باب هلاك هذه الا َُمّة بعضهم ببعض من كتاب الفتن.

٢ مسند أحمد: ٥/٢٧٧.

٣ سنن ابن ماجة: ٢/١٣٧٦ برقم ٤٠٨٤.

٢٦٦

المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

إنّ أمثال هذه الروايات - وإن رويت باسناد صحيح - وضعت حينما قامت الدولة العباسية التي وليها أبو العباس السفاح (١٠٨- ١٣٦ه-) - و هو أوّل خليفة عباسي يتولّى زمام الاُمور - فكيف يبشِّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الخليفة المهدي الذي خضَّب الاَرض بدماء المسلمين حتى لُقّب بالسفاح؟!

قال السيوطي: وكان السفاح سريعاً إلى سفك الدماء، فأطمعه في ذلك عُمّاله في المشرق والمغرب، ومن أراد الاِلمام بسيرته فليقرأ ما ذكره ابن الاَثير في تاريخه.(١)

وقد أسرف تجار الحديث وعلماء البلاط العباسي في وضع الحديث في فضل العباس وأولاده ممّا حدا بابن الجوزي أن يذكر قسماً وافراً منها في كتابه «الموضوعات» تحت العناوين التالية:

١. باب في فضل العباس وأولاده.

٢. باب في عدد خلفاء بني العباس.

٣. باب في زيادة ولاية بني العباس على ولاية بني أُمية.

وجاء من يحمل نزعة أموية فوضعوا روايات في غمض بني العباس، نقلها ابن الجوزي تحت ذلك العنوان، وقال في آخره: وقد روي ضد هذا. فنقل باسناده عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أقبلت الرايات السود من خراسان فأتوها فإنّ فيها خليفة اللّه المهدي.

وقال هذا حديث لا أصل له، ولا نعلم أنّ الحسن (الوارد في سند الحديث) سمع من عبيدة ولا ابن عمر سمع من الحسن، قال يحيى: عمر لا شيء(٢) .

____________________

١ الكامل في التاريخ، لابن الاَثير: ٥/٤٠٨.

٢ الموضوعات: ٢/٣٠ - ٣٩.

٢٦٧

١٨- سعد بن أبي وقاص

(٢٨ق.ه- - ٥٤ه-)

سيرته و أحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. إثبات الجهة للّه سبحانه ٢. الطواف أكثر من سبعة أشواط

٣. الرمي بست حصيّات ٤. الطيرة في المرأة والفرس والدار

٥. التنديد بالشعر ٦. لم يسلم أحد قبل سعد

٧. دخول الامة قاطبة الجنة بشفاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٨. عمر أفظ و أغلظ من رسول اللّه ٩. سوَال النبي من اللّه ثلاثاً

١٠. اللّه ليس بأعور ١١. عبد اللّه بن سلام من أصحاب الجنة

هو سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري، يكنّى أبا إسحاق، وأُمّه: حمنة بنت سفيان بن أُمية بن عبد شمس، وقيل حمنة بنت أبي سفيان بن أُمّية أسلم بعد ستة، و قيل بعد أربعة، وكان عمره عندما أسلم ١٧ سنة.

أحد السابقين الاَوّلين، وأحد ستة أهل الشورى، شهد بدراً وأُحداً والخندق والمشاهد كلّها مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبلى يوم

٢٦٨

أحد بلاءً عظيماً، و هو أوّل من أراق دماً في سبيل اللّه، وأوّل من رمى بسهم في سبيله.

استعمله عمر بن الخطاب على الجيوش الذين سيّرهم لقتال الفرس، وكان أميرَ الجيش في معركة القادسية وجلولاء، وهو الذي فتح مدائن كسرى بالعراق، وبنى الكوفة وولي العراق ثمّ عزله، فلمّا حضرت عمرَ الوفاةُ جعله أحد أصحاب الشورى، ثمّ استعمله عثمان فولاّه الكوفة ثمّ عزله، و لما قتل عثمان لزم بيته ولم يبايع عليّاً، فلما اعتزل طمع فيه معاوية فكتب إليه يدعوه إلى أن يعينه على الطلب بدم عثمان فأجابه بالاَبيات التالية:

معاوي داوَك الداء العيّاء

وليس لما تجيَ به دواء

أيدعوني أبوحسن عليّ

فلم أردد عليه ما يشاء

وقلت له اعطني سيفاً قصيراً

تميز به العداوة والولاء

أتطمع في الذي أعيا عليّاً

على ما قد طمعت به العفاء

ليوم منه خير منك حيّاً

وميتاً أنت للمرء الفداء(١)

وما حضر سعد وقعة الجمل ولا صفين ولا التحكيم في دومة الجندل.(٢)

يقول ابن مزاحم: وكان سعد بن أبي وقاص قد اعتزل عليّاً ومعاوية، فنزل على ماء لبني سليم بأرض البادية يتشوّف الاَخبار، وكان رجلاً له بأس ورأي في قريش، ولم يكن له في عليٍّ ولا معاوية هوى، فأقبل راكب يُوضِعُ من بعيد فإذا هو بابنه عمر بن سعد فقال له أبوه: مَهْيَمْ.(٣)

____________________

١ أُسد الغابة: ٢/٢٩٠- ٢٩٢.

٢ سير اعلام النبلاء: ١/١٢٢.

٣ مَهْيَمْ: كلمةيمانية معناها ما أمرك وما شأنك.

٢٦٩

فقال: يا أبي ! التقى الناس بصفين و كان بينهم ما قد بلغك حتى تفانوا، ثمّ حكّموا الحكمين: عبد اللّه بن قيس، و عمرو بن العاص، وقد حضر ناس من قريش عندهما، وأنت من أصحاب رسول اللّه و من أهل الشورى ولم تدخل في شيء ممّا تكره هذه الاُمّة، فاحضر دومة الجندل فانّك صاحبها غداً.

فقال: هذا أمر لم أشهد أوّله فلا أشهد آخره، ولو كنت غامساً يدي في هذا الاَمر لغمستها مع عليٍّ، إلى أن قال: فلما جنّه الليل رفع صوته ليسمع ابنه:

دعوت أباك اليوم واللّه للّذي

دعاني إليه القوم والاَمر مقبل

فقلت لهم للموت أهون جرعة

من النّار فاستبقوا أخاكم أو اقتلوا

إلى أن قال:

لو كنت يوماً لا محالة وافداً

تبعت علياً والهوى حيث يجعل(١)

وليس ما جاء في بيته الاَخير أوّل مرة ولا آخرها باح فيها بفضل الاِمام أمير الموَمنين، بل نرى نظائر هذه الكلمات في أحاديثه، حيث ينقل فضائل الاِمام بصدر رحب.

١. أخرج مسلم في صحيحه، عن سعيد بن المسيب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي. قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعداً، فلقيت سعداً فحدثته بما حدثني عامر، فقال: أنا سمعته. فقلت: أنت سمعته؟ فوضع اصبعيه على أُذنيه فقال: نعم، وإلاّفاستكتا.(٢)

ولما كانت الرواية من الدلائل الساطعة على خلافة الاِمام عليعليه‌السلام

____________________

١ وقعة صفين، ابن مزاحم: ٦١٩- ٦٢٠.

٢ صحيح مسلم: ٧/١٢٠، باب من فضائل علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه .

٢٧٠

بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاول بعض المعلِّقين على صحيح مسلم أن يشكِّك في دلالتها على الخلافة وقال: والمستدل بهذا الحديث على أنّ الخلافة له بعد رسول اللّه زائغ عن منهج الصواب، فإنّ الخلافة في الاَهل في حياته لا تقتضي الخلافة في الاُمّة بعد مماته.(١)

وقد عزب عن المعلِّق انّه لو كان المراد خصوص الخلافة في الاَهل لما احتاج إلى استثناء مقام النبوّة بقوله: «إلاّأنّه لا نبي بعدي» فانّ الاستثناء دليل على ثبوت ما كان لهارون من مقامات و مناصب لعلي إلاّالنبوة، وقد جاء في الذكر الحكيم انّه كان وزيراً لموسى وفي الوقت نفسه نبيّاً مثله.

قال سبحانه:( وَاجْعَلْلِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارونَ أَخِي ) (طه/٣٠) وقال سبحانه:( وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارونَ نَبيّاً ) (مريم/٥٣) إلى غير ذلك من الآيات التي تشير بوضوح إلى مناصب هارون العامة في بني إسرائيل، والحديث المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي يسمى «بحديث المنزلة» يُثبت لعلي كلّ ما كان لهارون من مناصب إلاّ النبوة، فيكون الاِمام خليفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووزيره.

٢. أخرج الاِمام أحمد، عن عبد اللّه بن الرقيم الكناني، قال: خرجنا إلى المدينة زمن الجمل، فلقينا سعد بن مالك بها، فقال: أمر رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » بسدّ الاَبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي «عليه‌السلام »(٢)

٣. أخرج مسلم، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبَّ أبا التراب؟

فقال: أما ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسُبّه لاَن تكون لي واحدة منهنّأحبُّ إليَّ من حمر النعم: سمعت رسول اللّه

____________________

١ هامش صحيح مسلم: مطبعة محمد علي صبيح، القاهرة.

٢ مسند أحمد: ١/١٧٥.

٢٧١

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول اللّه خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ انّه لا نبوة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر: لاَُعطينَّ الراية رجلاً يحبُّاللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح اللّه عليه.

ولما نزلت هذه الآية:( فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) دعا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً و فاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللّهمّ هوَلاء أهلي.(١)

ورغم علمه بمواقف عليعليه‌السلام وفضائله لم يمدَّ يد البيعة إليه، نقل الطبري: انّه جيَ بسعد إلى المسجد حتى يبايع علياً فلم يبايع، وقال : لا أُبايع حتى يبايع الناس، واللّه ما عليك مني بأس، قال عليعليه‌السلام : خلُّو سبيله.(٢)

والعجب انّه بعد ما سمع ما ذكره الرسول في حقّ عليعليه‌السلام يصف بيعة الناس لعليٍّ وجهاده مع الناكثين والقاسطين والمارقين، فتنة.

أخرج الاِمام أحمد، عن بسر بن سعيد انّ سعد بن أبي وقاص قال عند قتل عثمان بن عفان: أشهد انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، قال: أفرأيت إن دخل عليّ بيتي وبسط يده إليَّ ليقتلني، قال: كن كابن آدم(٣) (٤)

ارتحل الرسول إلى الرفيق الاَعلى وجابه المسلمون حوادث مرّة مروراً

____________________

١ صحيح مسلم: ٧/١٢٠، باب فضائل علي بن أبي طالب. والآية ٦١ من سورة آل عمران.

٢ تاريخ الطبري: ٣/٤٥١.

٣ أي لا تقتله بل قل: لئن بسطت إليَّ يدك... الخ.

٤ سنن الترمذي: ٤/٤٨٦ برقم ٢١٩٤؛ مسند أحمد: ١/١٨٥.

٢٧٢

بالسقيفة إلى حوادث الردة إلى قتل عثمان، ورغم كل هذه الحوادث فما وجه تخصيص الحديث ببيعة الاِمام عليعليه‌السلام - الذي بايعه معظم الاَنصار والمهاجرين وتمت الحجة على الغائب - دون سائر الحوادث؟

فإذا ثبتت خلافة الخليفتين ببيعة عدّة من المهاجرين والاَنصار وخلافة الخليفة الثالث ببيعة نفر قليل من أعضاء الشورى الستة، فلماذا لا تثبت خلافة الاِمام عليعليه‌السلام ببيعة جماهير الاَنصار والمهاجرين ولم يتخلف إلاّنفر يسير من أصحاب الاَهواء والمصالح؟(١) الرواية على فرض صحتها تنبىَ عن ظهور فتنة على نحو كلي دون أن تحددها، بحدث خاص، لكن ابن أبي وقّاص طبّقها على قتل عثمان وعلى الاَحداث التي تلته، ولذلك لم يبايع علياً «عليه‌السلام » ولم يشارك في الحروب التي خاضها الاِمام مع الناكثين وغيرهم.

ويظهر انّه كان حريصاً على الدنيا ومكباً عليها.

روى ابن سعد قال: انبأنا محمد بن عمر، حدثنا فروة بن زبيد، عن عائشة بنت سعد قالت: أرسل أبي إلى مروان بزكاة خمسة آلاف، وترك يوم مات مائتي ألف وخمسين ألفاً.

وقال الزبير بن بكار: كان سعد قد اعتزل في آخر عمره في قصر بناه بطرف حمراء الاَسد.

روى نوح بن يزيد، عن إبراهيم بن سعد: انّ سعداً مات وهو ابن ٨٢ سنة في سنة ٥٦ه-، وقيل سنة ٥٧ه-، وقال المدائني: توفي سنة ٥٥ وعلى قول سنة ٥٤.(٢)

____________________

١ لاحظ تاريخ الطبري : ٣/٤٥٢، وقد ذكر وجه إعراض قليل من الصحابة عن بيعة علي «عليه‌السلام ».

٢ سيرة أعلام النبلاء: ١/١٢٢، وحمراء الاَسد موضع على ثمانية أميال من المدينة على يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة، وإليها انتهى رسول اللّه في مطاردة المشركين يوم أُحد.

٢٧٣

قال الذهبي: روى جملة صالحة من الحديث، وله في الصحيحين ١٥ حديثاً، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم ١٨ حديثاً، وقال أيضاً: وقع له في مسند «بَقي بن مخلد» ٢٧٠ حديثاً فمن ذاك في الصحيح ٣٨ حديثاً.(١)

وقد جمعت أحاديثه في المسند الجامع فبلغت ١٤٤ رواية(٢)

وعلى أية حال فهو صحابي، وله ما لسائر الصحابة من الفضل والكمال، ولا يعني ذلك براءته من كلِّ رين وشين، فلنذكر شيئاً من روائع أحاديثه.

روائع أحاديثه

١. أخرج ابن ماجة في سننه، عن محمد بن سعد، عن سعد قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.(٣)

٢. أخرج الترمذي في سننه، عن محمد بن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل انّه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس، وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحج. فقال الضحاك بن قيس: لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر اللّه، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي.

فقال الضحاك بن قيس: فإنّ عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك.

فقال سعد: قد صنعها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصنعنا معه.(٤)

وهذه الرواية حجّة على من يقلد الخليفة في إفتائه بحرمة المتعتين، متعة الحج ومتعة النساء.

وقد روى الاِمام البخاري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمان، عن عبد اللّه بن عمر، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي انّه مسح على الخفين.

____________________

١ سير أعلام النبلاء: ١/٩٣و١٢٤.

٢ المسند الجامع: ٦/٦٣ برقم ٢٣٩.

٣ سنن ابن ماجة: ٢/١٣٠٠ برقم ٣٩٤١.

٤ سنن الترمذي: ٣/١٨٥ برقم ٨٢٣.

٢٧٤

وانّ عبد اللّه بن عمر سأل عمر عن ذلك، فقال: نعم إذاحدثك شيئاً سعدُ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا تسأل عنه غيره.(١)

وعلى ذلك فقد حدّث سعد عن حلية المتعتين فيجب على الخليفة وغيره اتّباعه.

٣. أخرج الدارمي في سننه، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص، قال: لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان ممّن ترك النساء، بعث إليه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا عثمان: إنّي لم أوَمر بالرهبانية، أرغبتَ عن سنتي؟

قال: لا، يا رسول اللّه، قالص: إنّ من سنتي ان أُصلِّ-ي وأنام، وأصوم وأطعم وأنكح وأطلق، فمن رغب عن سنتي فليس مني، يا عثمان إنّ لاَهلك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً.

قال سعد: فواللّه لقد كان أجمع رجال من المسلمين على أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن هو أقرّ عثمان على ما هو عليه، ان نختصي فنتبتل.(٢)

٤. أخرج مسلم في صحيحه ،عن خالد ،عن أبي عثمان قال: لمّا ادُّعي زياد لقيت أبا بكرة فقلت له: ما هذا الذي صنعتم؟ انّي سمعت سعد بن أبي وقاص، يقول: سَمِعَ أُذناي من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول: من ادّعى أباً في الاِسلام غير أبيه يعلم انّه غير أبيه فالجنّة عليه حرام.(٣)

٥. أخرج الترمذي في مسنده، عن صالح بن أبي حسان، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: إنّ اللّه طيّب، يحب الطيّب، نظيف يحبُّ النّظافة، كريم

____________________

١ صحيح البخاري: ١/٤٧، باب المسح على الخفين؛ مسند أحمد: ١/١٥.

٢ سنن الدارمي: ٢/١٣٣، باب النهي عن التبتل.

٣ صحيح مسلم: ١/٥٧، باب بيان من رغب عن أبيه وهو يعلم من كتاب الاِيمان.

٢٧٥

يحبُّ الكرم، جواد يحبُّ الجود، فنظِّفوا - أُراهُ - قال: أفنيتكم ولاتشبَّهوا باليهود.(١)

٦. أخرج ابن ماجة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خياركم من تعلَّم القرآن وعلمه، قال: وأخذ بيدي فأقعدني مقعدي هذا، أُقرىُ.(٢)

٧. أخرج أحمد في مسنده، عن أبي بكر بن حفص: قال سعد: إنّي سمعت رسول اللّه، يقول: نعم الميتة، أنْ يموت الرجل دون حقّه.(٣)

٨. أخرج النسائي في سننه، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، أنّه ظن انّ له فضلاً على من دونه من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال نبي اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما ينصر اللّه هذه الاُمّة بضعيفها بدعوتهم، وصلاتهم وإخلاصهم.(٤)

٩. أخرج أحمد في مسنده، عن ابن سعد بن أبي وقاص، قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول:

إنّ الاِيمان بدأ غريباً وسيعود كما بدأ، فطوبى يومئذٍ للغرباء إذا فسد الناس، والذي نفس أبي القاسم بيده، ليأرزنَّ الاِيمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها.(٥)

١٠. أخرج أحمد في مسنده، عن عمر بن سعد عن أبيه، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

عجبت للموَمن إذا أصابه خير حمد اللّه وشكر، وإن أصابته مصيبة، حمد اللّه وصبر، فالموَمن يوَجر في كلِّ أمره حتّى يوَجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته.(٦)

____________________

١ سنن الترمذي: ٥/١١١ برقم ٢٧٩٩. قوله «أراه» صيغة متكلم مجهول وهو قول الراوي: أي الذي فهمت من كلامه أنّه قال.

٢ سنن ابن ماجة: ١/٧٧ برقم ٢١٣.

٣ مسند أحمد: ١/١٨٤.

٤ سنن النسائي: ٦/٤٥.

٥ مسند أحمد: ١/١٨٤.

٦ مسند أحمد: ١/١٧٣.

٢٧٦

إلى غير ذلك من روائع أحاديثه، وقد عزّيت إليه أحاديث سقيمة نشير إلى بعضها:

١. إثبات الجهة للّه سبحانه

أخرج عبد حميد، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة أن يقتل من جرت عليه المواسي، و أن يقسم أموالهم وذراريهم، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لقد حكم فيهم اليوم بحكم اللّه عزّوجلَّ، الذي حكم فوق سبع سماوات».(١)

هذه الرواية بظاهرها تثبت الجهة للّه سبحانه وانّه فوق سبع سماوات، وما هذا شأنه فله جهة ومكان متحيّز فيه، وهو يلازم التجسيم - نعوذ باللّه - في حين انّه سبحانه يعرف نفسه على خلاف ما في هذه الرواية ويقول سبحانه:( هُوَ الاَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليمٌ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الاَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الاَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِير ) (الحديد/٣ و ٤).

ويقول سبحانه:( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّهُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَة إِلاّهُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوم القِيامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ) (المجادلة/٧)

فعلى ضوء هذه الآيات فاللّه سبحانه هو الموجود المحيط بجميع

____________________

١ مسند حميد برقم ١٤٩؛ فضائل الصحابة للنسائي برقم ١١٩.

٢٧٧

الممكنات وهو الذي معنا أينما كنّا وما من نجوى إلاّهو مع من يناجيه، ومثله لا يكون متحيزاً فوق سبع سماوات.

نعم كونه معنا أو في كلّمكان ليس بمعنى حلوله فينا، أو في الاَشياء بل المراد إحاطته القيومية بما سواه وكونه قائماً به، وهو غير الحلول في الاَشياء.

والعجب انّ السلفية المغرورة بأمثال هذه الرواية يأوّلون هذه الآيات بأنّ المراد علمه سبحانه بالظاهر والباطن أو علمه بما يجري في مجلس النجوى وهذا هو التأويل الذي لو قام به مسلم لرُمي بالجهمية.

٢. الطواف أكثر من سبعة أشواط

أخرج أحمد، عن مجاهد، عن سعد بن مالك قال: طفنا مع رسول اللّه، فمنّا من طاف سبعاً، و منّا من طاف ثمانياً، و منّا من طاف أكثر من ذلك، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا حرج(١)

إنّ الحجّ عبادة جماعية شرعها اللّه سبحانه منذ عهد إبراهيم وقد حرِّفت بمرور الزمان إلى أن بعث نبي الاِسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعلّم الناس معالم الحج في العام العاشر من الهجرة ولم يحج بعد الهجرة إلاّمرّة واحدة وان اعتمر غير مرّة وقد جاءت صفة حجّ النبي في رواية جابر بن عبد اللّه (رض) ورواه مسلم على تفصيله وفيها قال جابر: لسنا ننوي إلاّ الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمّل ثلاثاً و مشى أربعاً ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيمعليه‌السلام فقرأ:( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ مُصلّى ) (٢)

فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رمّل ثلاثاً أي أسرع في مشيه وهزَّ منكبيه من الاَشواط الثلاثة الاُول ومشى على عادته في الاَربعة الاَخيرة، وصار

____________________

١ مسند أحمد: ١/١٨٤.

٢ صحيح مسلم: ٣/٣٩، باب حجّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٧٨

المجموع سبعة أشواط.

فإذا كان هذا طواف النبي والمسلمون وراءه، فكيف يمكن أن يطوف واحد سبعة، وآخر ثمانية، وثالث أكثر من ذلك، وكان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » بصدد تعليم آداب الحج و المسلمون بصدد التعلّم؟!

فالحديث مع تضمّنه جواز الزيادة في العبادة، بعيد عن موقف المسلمين يومذاك الذين كانوا وراء النبي في اعمال الحج كما هو صريح الرواية حيث يقول: «طفنا مع رسول اللّه فمنّا من طاف سبعاً».

٣. الرمي بست حصيات

أخرج النسائي في سننه، عن ابن أبي نُجيح قال: قال مجاهد: قال سعد: رجعنا في الحجة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعضنا يقول رميت بسبع حصيات وبعضنا يقول رميت بست فلم يعب بعضهم على بعض.

ثمّ روى عن قتادة قال: سمعت أبا مجلز يقول: سألت ابن عباس عن شيء من أمر الجمار، فقال: ما أدري رماها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بست أو بسبع.(١)

روى مسلم في صحيحه، عن جابر في باب صفة حجّ النبي، قال: ثمّ سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبِّر مع كل حصاة منها، كلّحصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي.(٢)

وقد تقدم انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بصدد تعليم آداب

____________________

١ سنن النسائي: ٥/٢٧٥، باب عدد الحصى التي يرمى بها الجمار.

٢ صحيح مسلم: ٣/٤٢، باب حجّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٧٩

الحج وفرائضه ومحظوراته وقد حرص المسلمون على التعلم، فكيف يصح انّه رمى بعضهم بسبع، وبعضهم الآخر بست، ولا يعيب بعضهم على بعض؟

وما رواه النسائي عن ابن عباس انّه قال: ما أدري رماها رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » بست أو سبع يخالف ما رواه في الباب التالي عن ابن عباس عن طريق أخيه الفضل بن العباس، قال: كنت ردف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فلم يزل يلبّي حتى رمى جمرة العقبة فرماهابسبع حصيات يكبر مع كلّ حصاة.(١)

٤. الطيرة في المرأة والفرس والدار

أخرج أبو داود، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك، انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا هامة ولا عدوى ولا طيرة، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار.(٢)

وأخرج أحمد في مسنده، عن سعيد بن المسيب قال: سألت سعد بن أبي وقاص، عن الطيرة؟ فانتهرني، وقال: من حدَّثك؟ فكرهت أن أحدثه من حدثني، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا عدوى ولا طيرة ولا هام، إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار، وإذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تَهبطوا، وإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تفرّوا منه.(٣)

وأخرج أيضاً، عن سعد بن أبي وقاص، انّ رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » قال: إذا كان الطاعون بأرض فلا تهبطوا عليه، و إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تفرّوا منه.(٤)

____________________

١ سنن النسائي: ٥/٢٧٥، باب التكبير مع كلّحصاة.

٢ سنن أبي داود: ٣/١٩ برقم ٣٩٢١.

٣ مسند أحمد: ١/١٨٠و١٨٦.

٤ مسند أحمد: ١/١٨٠و١٨٦.

٢٨٠