الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 80857
تحميل: 4606

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80857 / تحميل: 4606
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

اليسرى، فأخرج ذرِّية سوداء، كأنّهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنّة ولا أُبالي، وقال: للذي في كفه اليسرى إلى النار ولا أُبالي.(١)

٤. لا يدخل الجنّة موَمن بسحر

أخرج أحمد عن أبي إدريس عائذ اللّه، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا يدخل الجنة عاق، ولا موَمن بسحْر، ولا مدمن خمر، ولا مكذب بقدر.(٢)

والحديث قابل للنقاش من وجهين:

الاَوّل: ما هو المقصود من الاِيمان بالسحر في قوله: ولا موَمن بسحر؟ فإن أُريد انّ السحر والساحر لا يضران بالمسحور إلاّبإذن منه سبحانه، فهذا ممّا يجب الاِيمان به، فانّ تأثير كلّموَثر ومنه السحر بإذنه سبحانه، قال:( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرءِوَزَوجِهِ وَما هُمْ بِضارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّبِإِذْنِ اللّه ) (البقرة/١٠٢).

وإن أُريد انّالسحر والساحر إنّما يقومان بالاضرار على وجه الاستقلال فلا ريب انّ الاِيمان به شرك في الخالقية و التدبير ولكن لا يختص بتأثير السحر بل الاِيمان بإستقلال كلّ موَثر في التأثير شرك.

الثاني: احتلّت مسألة القدر في الاَحاديث المروية في الصحاح والسنن منزلة رفيعة وصارت ملاكاً للاِيمان والكفر، والمقدار اللازم هو الاِيمان بالقضاء والقدر بنحو لا يجعل الاِنسان مسيّراً في حياته، ولا يسلب الاختيار عنه، ولا يجعله كالريشة في مهبِّ الريح.

وأظن انّ اعطاء تلك المنزلة للقدر وغضّ النظر عن الاَصل الآخر وهو اختيار الاِنسان في فعله وتركه كان لاَجل تبرير عمل السلطات الجائرة من الاَمويين والعباسيين.

____________________

١ مسند أحمد: ٦/٤٤١ وقد سقطت جملة «لا موَمن بسحر» من المطبوع من مسند أحمد في ستة أجزاء ونقله موَلف المسند الجامع : ٢/ ١٣٣، وجامع المسانيد والسنن: ٥/١٠٨.

٢ مسند أحمد: ٦/٤٤١ وقد سقطت جملة «لا موَمن بسحر» من المطبوع من مسند أحمد في ستة أجزاء ونقله موَلف المسند الجامع : ٢/ ١٣٣، وجامع المسانيد والسنن: ٥/١٠٨.

١٤١

٦- عُبادة بن الصامت

(٣٨ق.ه- - ٣٤ه-)

راوية أقضية النبي

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة

١. إفتاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ رجوعه عنه

٢. اللّه ليس بأعور

٣. إخراج الاَمة جميعاً من النار يوم القيامة

عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر الاَنصاري الخزرجي، أبو الوليد، وأُمّه: قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان، شهد العقبة الاُولى والثانية، وآخى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينه و بين أبي مرثد الغنوي، وشهد بدراً وأُحد والمشاهد كلها مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستعمله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بعض الصدقات.

قال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة من الاَنصار: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأُبي بن كعب، وأبو أيّوب، وأبو الدرداء.

وكان «عبادة» يُعلِّم أهل الصفَّة القرآنَ، و لما فتح المسلمون الشام أرسله

١٤٢

عمر ومعه معاذ بن جبل وأبو الدرداء ليعلِّموا الناس القرآن بالشام ويفقِّهوهم في الدين، وكان معاوية خالفه في شيء أنكره «عبادة» فأغلظ له معاوية في القول، فقال عبادة: لا أساكنك بأرض واحدة أبداً ورحل إلى المدينة.(١)

ويظهر ممّا رواه الذهبي عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة انّ عثمان استرحله، بعد ما كتب معاوية إليه: «انّعبادة بن الصامت قد أفسد عليّ الشام وأهله، فاما أن تكفَّه إليك، وإما أن أُخلّي بينه و بين الشام».

فكتب إليه: ان رحّل «عبادة» حتى ترجعه إلى داره بالمدينة.

قال: فدخل على عثمان فلم يفجأه إلاّ به وهو معه في الدار، فالتفت إليه، فقال: يا عبادة مالك ولنا؟ فقام «عبادة»بين ظهراني الناس، فقال: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول: سيلي أُموركم بعدي رجال يعرّفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، ولا تضلّوا بربِّكم.

إنّ عبادة بن الصامت من الرجال الغيارى الذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يرضخون أمام جور الجائرين.

روى الذهبي، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه انّ عبادة بن الصامت مرّت عليه قطارة، وهو بالشام تحمل الخمر، فقال: ما هذه، أزيت؟ قيل: لا، بل خمر يباع لفلان! فأخذ شفرة من السوق، فقام إليها، فلم يذر فيها راوية إلاّ بقرها - وأبو هريرة إذ ذاك في الشام - فأرسل فلان - يعني معاوية - إلى أبي هريرة، فقال: ألا تمسك عنّا أخاك عبادة، أمّا بالغدوات فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأمّا بالعشيّ فيقعد في المسجد ليس له عمل إلاّ شتم أعراضنا وعيبنا!!

____________________

١ أُسد الغابة: ٣/١٠٦.

١٤٣

قال: فأتاه أبو هريرة ، فقال: يا عبادة مالك ولمعاوية، ذَرْه وما حُمّل، فقال: لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع و الطاعة والاَمر بالمعروف و النهي عن المنكر وألا يأخذنا في اللّه لومة لائم، فسكت أبو هريرة وكتب فلان - معاوية - إلى عثمان: إنّعبادة قد أفسد عليّ الشام.(١)

أقول: هذا هو الفرق بين صحابي مكبّ على عتبة بلاط معاوية فيسكت امام منكراته، وحمل الخمر إلى قصوره، وبين صحابيّ جليل كعبادة بن الصامت بايع رسول اللّه على السمع و الطاعة والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن لا يأخذه في اللّه لومة لائم.

والعجب انّالراوي لا يذكر اسم من يُحمل إليه الخمر ويقول يباع لفلان ويعني به معاوية بن أبي سفيان والشاهد على ذلك انّ أبا هريرة، قال: «يا عبادة مالك و لمعاوية، ذره وما حُمل » فلولا انّالخمر يحمل إلى قصوره فما معنى هذا الكلام؟

نعم حاول معاوية أن يستر فعله القبيح، وقال: يفسد على أهل الذمة متاجرهم ملْمِحاً بذلك إلى أنّ البائع والمشتري من أهل الذمة.

قال الذهبي: كان عبادة رجلاً طوالاً جسيماً جميلاً، مات بالرملة سنة ٣٤ه- و هو ابن ٧٢ سنة، ونقل انّه قُبِّ-ر ببيت المقدس.

ساق له «بقيّ» في مسنده ١٨١ حديثاً، وله في البخاري و مسلم ستة، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بحديثين.(٢)

وله روايات رائعة نذكر منها شيئاً.

____________________

١ سير اعلام النبلاء: ٢/٩-١٠ برقم ١.

٢ سير اعلام النبلاء: ٢/١٠-١١ برقم ١.

١٤٤

روائع رواياته

١. أخرج الاِمام أحمد في مسنده، عن جنادة بن أبي أُمية، قال: سمعت عبادة بن الصامت، يقول:

إنّ رجلاً أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: يا نبي اللّه أي العمل أفضل؟ قال: الاِيمان باللّه، والتصديق به، وجهاد في سبيله، قال: أُريد أهون من ذلك يا رسول اللّه، قال: السماحة والصبر، قال: أُريد أهون من ذلك يا رسول اللّه، قال: لاتتهم اللّه تبارك وتعالى في شيء قضى لك به.(١)

٢. أخرج ابن ماجة، عن الصّنابحي، عن عبادة بن الصامت، انّه سمع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول: ما من عبد يسجد للّه سجدة إلاّ كتب اللّه له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة، فاستكثروا من السجود.(٢)

٣.أخرج مسلم في صحيحه، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.(٣)

٤. أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي الاَشعث، قال: غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في اعطيات الناس فتسارع الناس في ذلك.

فبلغ عبادة بن الصامت، فقام، فقال:إنّي سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبرّ بالبرّ والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، و الملح بالملح، إلاّ سواء بسواء، عيناً بعين، فمن زاد أو

____________________

١ مسند أحمد: ٥/٣١٨- ٣١٩.

٢ سنن ابن ماجة: ١/٤٥٧ برقم ١٤٢٤.

٣ صحيح مسلم: ٢/٩، باب وجوب قراءة الفاتحة.

١٤٥

ازداد فقد أربى، فردّ الناس ما أخذوا.

فبلغ ذلك معاوية فقام خطيباً، فقال: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث قد كنّا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه.

فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثمّ قال: لنحدثنّ بما سمعنا من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إن كره معاوية (أو قال و إن رغم) ما أُبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.(١)

٥. أخرج أحمد عن عبادة بن نسيّ، عن عبادة بن الصامت، انّالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، قال: ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: الذي يقاتل فيقتل في سبيل اللّه تعالى، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّشهداء أُمّتي إذاً لقليل، القتيل في سبيل اللّه تبارك و تعالى شهيد، والمطعون شهيد، والمبطون شهيد، و المرأة تموت بجمع شهيد - يعنى النفساء -(٢)

٦. أخرج أحمد في مسنده، عن المطلب، عن عبادة بن الصامت، انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: اضمنوا لي ستاً من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم.(٣)

٧. أخرج أحمد في مسنده عن أبي قبيل المعافريّ، عن عبادة بن الصامت، انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ليس من أُمّتي من لم يجلّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقّه.(٤)

____________________

١ صحيح مسلم: ٥/٤٤، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً.

٢ مسند أحمد: ٥/٣١٥.

٣ مسند أحمد: ٥/٣٢٣.

٤ مسند أحمد: ٥/٣٢٣.

١٤٦

٨. أخرج أحمد في مسنده، عن أبي أمامة، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليكم بالجهاد في سبيل اللّه تبارك وتعالى، فإنّه باب من أبواب الجنة، يذهب اللّه به الهمَّ والغمَّ.(١)

٩.أخرج البخاري في صحيحه، عن عبادة بن الوليد، عن عبادة بن الصامت، قال:

بايعنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على السَّمع والطّاعة، في المنْشَط والمكره، أن لا ننازع الاَمر أهله، وأن نقول بالحقّ حيثما كنّا، لا نخاف في اللّه لومة لائم.(٢)

١٠. أخرج مسلم في صحيحه ،عن أنس بن مالك، عن عبادة بن الصامت، انّ نبي اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال:

من أحبَّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه، ومن كره لقاء اللّه كره لقاءه.(٣)

أقول: إنّ عبادة بن الصامت راوية أقضية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي من جلائل رواياته غير انّ ابن ماجة فرّقها في مواضع مختلفة من سننه ولم يذكرها جملة واحدة.

نعم ذكرها عبد اللّه بن أحمد في زيادته على مسند أبيه في مكان واحد.(٤)

ومن أقضيته المعروفة: أن لا ضرر ولا ضرار ، و انّه ليس لعرق ظالم حق.

اقتصرنا على هذا المقدار من روائع رواياته لطولها وضيق المجال.

وقد عزيت إليه روايات، لا تنسجم مع الضوابط الماضية.

____________________

١ مسند أحمد: ٥/٣١٩.

٢ صحيح البخاري: ٩/٧٧، باب كيف يبايع الاِمام الناس.

٣ صحيح مسلم: ٨/٦٥، باب من أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه.

٤ ابن ماجة تحت رقم ٢٢١٣ ،٢٣٤٠، ٢٤٨٣، ٢٤٨٨، ٢٦٤٣، ٢٦٧٥؛ مسند أحمد: ٥/٣٢٦.

١٤٧

١. إفتاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ رجوعه عنه

أخرج أبو داود، عن سلمة بن المحبق، عن عبادة بن الصامت، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ناس لسعد بن عبادة: يا أبا ثابت، قد نزلت الحدود، لو انّك وجدت مع امراتك رجلاً، كيف كنت صانعاً ؟ قال: كنت ضاربهما بالسيف حتى يسكتا، أفأنا أذهب فأجمع أربعة شهداء؟! فإلى ذلك قد قضى الحاجة، فانطلقوا فاجتمعوا عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: يا رسول اللّه ألم تر إلى أبي ثابت، قال: كذا وكذا؟ فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفى بالسيف شاهداً، ثمّ قال: لا، لا، أخاف أن يتتايع(١) فيها السكران والغيران.(٢)

وحاصل الحديث انّ أبا ثابت قال: إنّي لو شاهدت الواقعة لقتلت ولا أصبر إلى أن أذهب فأجمع أربعة شهداء لاَنّه يلازم قضاء الحاجة والفراغ من الزنا.

فلما عُرض كلام أبي ثابت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفى بالسيف شاهداً، أي يوضع هذا السيف موضع الشهداء، ولا يحتاج إلى أن يذهب الزوج إلى جمع أربعة شهداء.

ثمّ إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بداله في إمضاء عمل أبي ثابت لاَنّ تجويز قتلهنّ، ربما تكون ذريعة لقتل النساء بلا جرم، وذلك إمّا لغيرة الزوج أو غضبه.

هذا هو مفاد الحديث ومعنى ذلك انّ النبي أفتى بشيء ثمّ رجع عنه، وهذا ينافي الاَُصول المسلمة من حيث إنّه لا ينطق إلاّ عن وحي. إلاّ أن يحمل كلامه الاَوّل على المزاح والهزل في القول، و هو كما ترى ليس على ذلك الحمل قرينة.

____________________

١ يتتايع على وزن يتتابع وزناً وهو التمادي والتهافت في الشر والفساد والمراد من «سكران»: صاحب الغيظ والغضب، يقال سكر فلان على فلان أي غضب واغتاظ، و«الغيران» بفتح العين المعجمة أي صاحب الغيرة.

٢ سنن ابن داود: ٤/١٤٤ برقم ٤٤١٧.

١٤٨

وكفى في ضعف الحديث انّ أبا داود صاحب السنن، قال: الفضل بن دلهم(الوارد في سند الحديث) ليس بالحفاظ كان قصاباً بواسط.(١)

٢. اللّه ليس بأعور

أخرج أبو داود عن جنادة بن أبي أُمية، عن عبادة بن الصامت، انّه قال: إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّي قد حدثتكم عن الدّجال، حتى خشيت أن لا تعقلوا، وإنّ مسيح الدّجال رجل قصير أفحج، جعد، أعور، مطموس العين، ليس بناتئة ولا حجراء، فإن ألبس عليكم فاعلموا انّ ربكم ليس بأعور.(٢)

فانّ معنى ذلك انّ لربنا عيناً مادية ليست بعوراء، وقد عزي هذا الحديث إلى غير واحد من الصحابة كما سيأتي.

٣.اخراج الاَمّة من النار يوم القيامة

أخرج أحمد في مسنده، عن روح بن زنباع، عن عبادة بن الصامت، قال:

فقد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة أصحابه، وكانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم، ففزعوا، وظنوا انّ اللّه تبارك و تعالى اختار له أصحاباً غيرهم، فإذا هم بخيال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكبَّروا حين رأوه، قالوا: يا رسول اللّه أشفقنا أن يكون اللّه تبارك و تعالى، اختار لك أصحاباً غيرنا، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا، بل أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة انّ اللّه تعالى أيقظني، فقال: يا محمد إنّي لم أبعث نبياً ولا رسولاً إلاّوقد سألني مسألة أعطيتها إيّاه فاسأل يا محمّد تُعْطَ، فقلت: مسألتي شفاعة لاَمتي يوم القيامة، فقال أبوبكر: يا رسول اللّه، وما الشفاعة؟ قال: أقول: يا ربِّ، شفاعتي التي اختبأت عندك،

____________________

١ سنن أبي داود: ٤/١٤٤ برقم ٤٤١٧.

٢ سنن أبي داود: ٤/١١٦ برقم ٤٣٢٠.

١٤٩

فيقول الربّ تبارك و تعالى: نعم، فيُخرج ربي تبارك وتعالى بقية أُمتي من النار فينبذهم في الجنة.(١)

إنّ ظاهر الحديث انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشفع لقاطبة أُمّته يوم القيامة فيخرج المحكومون بالنار عنها وينبذون في الجنة وهذا ما لا يذعن به القرآن الكريم، وذلك لاَنّ أصنافاً من الاَمّة الاِسلامية محكومون بالخلود أو بالمكث في النار أحقاباً كالقاتل، قال سبحانه:( وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَالَّتي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْذلِكَ يَلْقَ أثاماً* يُضاعَفْ لَهُ العَذابُ يَوْمَ القِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً ) (الفرقان/٦٨- ٦٩).

فالخلود إمّا بمعنى المكث في النار دائماً أو كناية عن المكث فيها حقبة طويلة يصح أن يطلق عليها الخلود، ومع ذلك كيف يخرجون من النار في نفس يوم القيامة لا بعده؟

أضف إلى ذلك انّللشفاعة شروطاً أهمها وجود الصلة المعنويّة بين الشافع والمشفوع له، ومن الواضح انّ هذه الصلة ليست متوفرة في جميع الاُمّة، فمن أحبط عمله لا تشمله الشفاعة وإن كان مسلماً.

قال سبحانه:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِبَعْضكُمْ لِبَعْضٍ أن تَحْبَطَ أَعمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ) (الحجرات/٢).

ومثله المرابي الذي عدّه سبحانه محارباً للّه، وقال:

( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُوَوسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُون ) (البقرة/٢٧٩).

____________________

١ مسند أحمد: ٥/٣٢٥.

١٥٠

إنّ القول بالشفاعة بهذا المعنى يورث الجرأة في الاَمّة الاِسلامية فيتكلون عليها في نطاق العمل، بذريعة انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيشفع للاَمّة بأسرها حينها ستخرج من النار و تنبذ في الجنة.

أضف إلى ذلك انّ التعبير عن الدخول في الجنة بالنبذ فيها لا يخلو عن نوع تحقير للمشفوع له، وهو لا يناسب كرامته سبحانه، وكرامة نبيهص.

١٥١

٧- طلحة بن عبيد اللّه التيمي

(٢٦ق. ه- - ٣٦ه- )

سيرته وأحاديث الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١.تأبير النخل لا يُغني عن شيء.

٢. عمروبن العاص من صلحاء قريش.

طلحة بن عبيد اللّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم القرشي التيمي، وأُمه الصعبة بنت عبد اللّهبن مالك، وهو من السابقين الاَوّلين إلى الاِسلام، فلما هاجر المسلمون إلى المدينة آخى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين طلحة وبين أبي أيّوب الاَنصاري، وهو أحد أصحاب الشورى، ولم يشهد بدراً وشهد أُحداً وما بعدها من المشاهد، وبايع بيعة الرضوان وأبلى يوم أُحد بلاءً عظيماً، ووقى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه و اتّقى عنه النبل بيده.(١)

وقد اتفق أصحاب المعاجم انّه كان يملك ثروة عظيمة.

نقل الذهبي عن ابن سعد، قال: كان طلحة يغلّ بالعراق أربعمائة ألف،

____________________

١ أُسد الغابة: ٣/٥٩- ٦٠.

١٥٢

ويغلُّ بالسراة عشرة آلاف دينار، أو أقل أو أكثر، وبالاَعراض(١) له غلات، وكان لا يدع أحداً من بني تيم عائلاً إلاّ كفاه و قضى دينه، ولقد كان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كلّ سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى عن فلان التيمي ثلاثين ألفاً. كما قضى عن عبد اللّه بن عامر بن كريز ثمانين ألف درهم.

قال الحميدي: كانت غلة طلحة كلّ يوم ألف وافٍ.(٢)

ثمّ نقل عن الواقدي عن موسى بن طلحة انّ معاوية سأله، كم ترك أبو محمد (طلحة) من العين؟ قال: ترك الفي ألف درهم و مائتي ألف درهم و من الذهب مائتي ألف دينار.(٣)

هذه الثروة المكتنزة ملكها الرجل في عصر الخلفاء في حين انّأباذر كان يجود بنفسه جوعاً في ربذة.

وقد مات عليعليه‌السلام ولم يترك من البيضاء والصفراء إلاّ سبعمائة درهم.

وقال ابن سعد نقلاً عن بنت عوف، قالت: قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم، ومائتا ألف درهم، وقُوِّمت أُصوله وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم.(٤)

ولو أراد الباحث أن يجمع روَوس ما كان يملكه طلحة فعليه الرجوع إلى كتب التاريخ،والحديث عن ثروته التي اقتناه بعد رحيل الرسول خارج عن نطاق البحث، وقد أشرنا إليها في المقام ليعلم ان نكث-ه لبيعة علي بن أبي طالب «عليه‌السلام » لم يكن إلاّ لعدم تحمّله لسيرة الاِمام في بيت المال، إذ هو القائل لمّا تصدى للخلافة.

____________________

١ اعراض المدينة قراها التي في أوديتها.

٢ الوافي درهم وأربعة دوانق.

٣ سير اعلام النبلاء: ١/٣٢-٣٣.

٤ طبقات ابن سعد: ٣/٢٢٢.

١٥٣

«واللّه لو وجدته قد تزوّج به النساء وملك به الاِماء لرددته، فانّ في العدل سعة و من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق».(١)

إنّ الرجل نكث بيعته مع عليعليه‌السلام ، فقاد حرب الجمل على الاِمام المفترضة طاعته، امّا بنص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو الحقّ، أو باعتبار بيعة المهاجرين والاَنصار له، فندم قبل هلاكه - ولما ينفعه الن-دم - فقتل عام ٣٦ه- في جمادى الآخرة، ودفن قريباً من البصرة، وبذلك يعلم حال ما روي في حقّه من الفضائل.

وله في مسند «بَقيّ بن مَخْلَد» ثمانية وثلاثون حديثاً له حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة أحاديث، وقد جمعت رواياته في المسند الجامع فبلغت ٢٢ حديثاً(٢) وهو من المقلّين في حقل الحديث.

وله أحاديث رائعة و إن عزي إليه مالا تنطبق عليه الموازين السالفة الذكر.

روائع أحاديثه:

١. أخرج البخاري في صحيحه، عن أبي سهيل بن مالك، عن أبيه انّه سمع طلحة بن عبد اللّه، يقول: جاء رجل إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دويّصوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الاِسلام.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل عليَّ غيرها، قال: لا، إلاّ أن تطوّع، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيام رمضان، قال: هل عليّ غيره، قال: لا، إلاّ أن تطوّع، قال: وذكر له رسول اللّه «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » الزكاة، قال: هل عليَّ غيرها، قال: لا، إلاّ أن تطوّع، قال: فأدبر الرجل، وهو يقول: واللّه لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

١ نهج البلاغة: الخطبة رقم ١٣.

٢ المسند الجامع: ٧/٥٤٧ برقم ٣٢٠.

١٥٤

أفلح ان صدق.(١)

٢. أخرج أحمد، عن يحيى بن طلحة، عن أبيه طلحة بن عبيد اللّه: انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا رأى الهلال، قال: اللهمّ أهلّه علينا باليمن والاِيمان، والسلامة والاِسلام، ربي وربك اللّه.(٢)

٣. أخرج أحمد، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، قال:

قلنا: يا رسول اللّه، كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد.(٣)

وقد رويت عنه روايات تخالف الضوابط المذكورة.

١. تأبير النخل لا يُغني عن شيء

أخرج مسلم في صحيحه عن موسى بن طلحة عن أبيه، قال:

مررت مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوم على روَوس النخل، فقال: ما يصنع هوَلاء.

فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الاَُنثى فيتلقح.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أظن يغني ذلك شيئاً، قال: فأُخبروا بذلك فتركوه، فأُخبر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك، فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فانّي إنّما ظننت ظنّاً فلا توَاخذوني بالظن، ولكن إذا حدّثتكم عن اللّه شيئاً فخذوا به فإنّي لن اكذب على اللّه عزّ وجلّ.(٤)

____________________

١ صحيح البخاري: ١/١٤، باب الزكاة من الاِسلام؛ صحيح مسلم: ١/٣٠، كتاب الاِيمان.

٢ مسند أحمد: ١/١٦٢.

٣ مسند أحمد: ١/١٦٢.

٤ صحيح مسلم: ٧/٩٥، باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي.

١٥٥

وروى عن رافع بن خديج: قال: قدم نبي اللّه المدينة وهم يأبرون النخل، يقولون يلقِّحون النخل، فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنعه، قال: لعلّكم لو لم تفعلوا كان خيراً فتركوه، فنقصت، قال: فذكروا ذلك له، فقال: إنّما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنّما أنا بشر.(١)

والعجب انّمسلم النيسابوري موَلف الصحيح ذكر الحديث في باب «أسماه» بوجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي.

نحن نعلق على الحديث تعليقاً مختصراً، ونحيل التفصيل إلى القارىَ.

أوّلاً: نفترض انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن نبيّاً، ولا أفضل الخليقة، ولم ينزل عليه الكتاب والحكمة، بل كان عربياً صميماً ولد في أرض الحجاز و عاش بين ظهراني قومه وغيرهم في الحضر والبادية، وقد توالى سفره إلى الشام، وكلّ من هذا شأنه يقف على أنّ النخيل لا يثمر إلاّ بالتلقيح، فما معنى سوَاله ما يصنع هوَلاء؟ فيجيبونه انّهم «يلقحونه».

أفيمكن أن يكون هذا الشيء البسيط خافياً على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

ثانياً: كيف يمكن للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النهي عن التلقيح الذي هو سنة من سنن اللّه أودعها في الطبيعة، قال سبحانه:( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّت ِاللّهِ تَحْوِيلاً ) (فاطر/٤٣) ومع ذلك فكيف يقول: ما أظن يغني ذلك شيئاً.

ثالثاً: انّ الاعتذار الوارد في الرواية يسيء الظن بكل ما يخبر به عن اللّه بلسانه ويخرج من شفتيه، وأسوأ من ذلك ما نسب إليه من الاعتذار بقوله: «وإذا حدثتكم عن اللّه شيئاً فخذوا به، فإنّي لن أكذب على اللّه عزّوجلّ»لاَنّ فيه

____________________

١ شرح النووي على صحيح مسلم: ١٥/١٢٥-١٢٦، الباب ٣٨، كتاب الفضائل.

١٥٦

تلميحاً إلى أنّه - و العياذ باللّه - يكذب في مواضع أُخر.

فلو كانت الرواية ونظائرها مصدراً للعقيدة فسيعقبها - العياذ باللّه - جهل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأبسط السنن الجارية في الحياة فهل يصحّ التفوّه بذلك؟!

كيف يصحّ للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعتذر عمّا قال، بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنّما أنا بشر، مع أنّهيقول في جواب عبد اللّه بن عمر (حيث نقل إليه اعتراض قريش عليه) «بأنّه يكتب كل شيء يسمعه من رسول اللّه، ورسول اللّه بشر يتكلّم في الغضب والرضا». مومياً باصبعه إلى فيه: اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلاّ حق.(١)

٢. عمرو بن العاص من صلحاء قريش

أخرج أحمد في مسنده عن ابن أبي مليكة، قال: قال طلحة بن عبيد: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول: إنّ عمرو بن العاص من صالحي قريش.(٢)

ورواه الترمذي بالسند التالي: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا أبو أُسامة عن نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة، قال: قال طلحة بن عبيد اللّه...الخ.

وقال الترمذي: هذا حديث إنّما نعرفه من حديث نافع بن عمر الجمحي، ونافع ثقة وليس اسناده بمتصل،وابن أبي مليكة لم يدرك طلحة.

إذا كان هذا حال السند، فيعرف به حال المضمون ولكن يكفي لنا دراسة إجمالية لسيرة عمرو بن العاص ليتبين انّه هل كان من الصالحين؟ بل الرواية

____________________

١ سنن أبي داود: ٣/٣١٨ برقم ٣٦٤٦.

٢ مسند أحمد: ١/١٦١، ونقله الترمذي برقم ٣٨٤٥.

١٥٧

تخالف ما هو الثابت في التاريخ الصحيح.

وإليك هذه الوثيقة التاريخية:

لما علم معاوية انّالاَمر لم يتم له ان لم يبايعه عمرو، فقال له: يا عمرو؟ اتَّبعْني، قال: لماذا؟للآخرة؟ فواللّه ما معك آخرة، أم للدنيا؟ فواللّه لا كان حتى أكون شريكك فيها.

قال: فأنت شريكي فيها، قال: فاكتب لي مصر وكورها.

فكتب له مصر وكورها وكتب في آخر الكتاب وعلى عمرو السمع والطاعة.

قال عمرو : واكتب: انّ السمع و الطاعة لا ينقصان من شرطه شيئاً.

قال معاوية: لا ينظر الناس إلى هذا، قال عمرو: حتى تكتب.

قال: فكتب، واللّه ما يجد بُدّاً من كتابتها،... وعمرو يقول له، إنّما أُبايعك بها ديني.

وكتب عمرو إلى معاوية:

معاوي لا أُعطيك ديني ولم أنل

به منك دنيا فانظرن كيف تصنع

وما الدين والدُّنيا سواءٌ وإنّني

لآخذ ما تُعطي ورأسي مقنَّع(١)

ومن أراد أن يقف على شخصيته من حيث نسبه وإسلامه ودهائه، فعليه أن يطالع كلمات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّه وكلمات الاِمام أمير الموَمنينعليه‌السلام وسائر الصحابة والتابعين ليقف على أنّه هل كان من الصلحاء أو أنّه كان بوَرة الفتن والفساد؟

وقد قام العلاّمة المحقّق عبد الحسين الاَميني بدراسة وافية لسيرته في كتابه الغدير.(٢)

____________________

١ العقد الفريد: ٥/٩٢، دار الكتب العلمية.

٢ الغدير:٢/١١٤- ١٧٦.

١٥٨

٨- حذيفة بن اليمان العبسي

( - ٣٦ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. نفاة القدر مجوس هذه الاُمة

٢.وجوب إطاعة الجائر

٣. الاقتداء بالشيخين

٤. غفران اللّه لمن أمر بحرق نفسه بالنار

٥. الدجال معه ماء ونار

٦. محمد بن مسلمة مصون عن الفتنة

هو حذيفة بن حسل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن غطفان، أبو عبد اللّه العبسي، و اليمان لقب حسل بن جابر، وإنّما قيل له ذلك، لاَنّه أصاب دماً في قومه فهرب إلى المدينة، وحالف بني عبد الاشهل من الاَنصار، فسماه قومه اليمان لاَنّه حالف الاَنصار وهم من اليمن.

روى عنه: ابنه أبو عبيدة، وعمر بن الخطاب، وقيس بن أبي حازم، وأبو وائل، و زيد بن وهب وغيرهم، وهاجر إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخيّره بين الهجرة والنصرة، فاختار النصرة، وشهد مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُحداً، وقتل أبوه بها(١) قال الواقدي: آخى رسول اللّه بين حذيفة وعمار.

____________________

١ أُسد الغابة: ١/٣٩٠- ٣٩١.

١٥٩

سئل عليّ عن حذيفة، فقال: «عَلِمَ المنافقين، وسئل عن المعضلات، فإن تسألوه تجدوه بها عالماً» ولي حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة. وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أسرّ إلى حذيفة أسماء المنافقين، وضبط عنه الفتن الكائنة في الاَُمة، وقد ناشده عمر، أ أنا من المنافقين؟ فقال: لا، ولا أُزكي أحداً بعدك.

قال ابن سيرين: بعث عمر حذيفة على المدائن، فَقُرِىَ عهده عليهم، فقالوا: سل ما شئت، قال: طعام آكله ، وعلف حماري هذا - ما دمت فيكم - من تبن، فأقام فيهم ما شاء اللّه ثمّكتب إليه عمر: أقدم.

فلما بلغ عمر قدومه، كمن له على الطريق، فلما رآه على الحالة التي خرج عليها، أتاه فالتزمه، وقال أنت أخي وأنا أخوك.(١)

وقد وقف حذيفة بن اليمان على المنافقين وأسمائهم عندما كان يسوق ناقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقودها عمار بن ياسر عند الرجوع من غزوة تبوك، فبينا هم يسيرون إذ التفت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى خلفه، فرأى في ضوء ليلة مقمرة فرساناً متلثمين لحقوا به من وراء لينفّروا به ناقته، وهم يتخافتون، فغضب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصاح بهم، وأمر حذيفة أن يضرب وجوه رواحلهم، قائلاً: إضرب وجوه رواحلهم.

فارعبهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصياحه بهم إرعاباً شديداً، وعرفوا بأنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم بمكرهم وموَامرتهم، فاسرعوا تاركين العقبة حتى خالطوا الناس.

يقول حذيفة: فعرفتهم برواحلهم، وذكرتهم لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلت: يا رسول اللّه الا تبعث إليهم لتقتلهم؟ فأجابه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لحن ملوَه الحنان والعاطفة:

إنّ اللّه أمرني أن أعرض عنهم، وأكره أن يقول الناس: إنّه دعا أُناساً من

____________________

١ سير اعلام النبلاء: ٢/ ٣٦٣-٣٦٦.

١٦٠