الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية0%

الحديث النبوي بين الرواية والدراية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 676

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 676
المشاهدات: 80841
تحميل: 4604

توضيحات:

الحديث النبوي بين الرواية والدراية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 676 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80841 / تحميل: 4604
الحجم الحجم الحجم
الحديث النبوي بين الرواية والدراية

الحديث النبوي بين الرواية والدراية

مؤلف:
العربية

الثاني: جرت سنة اللّه تبارك وتعالى على كون الشمس ذات أشعة مستنيرة تبثها في الكون و يصل إلى الاَرض مقدار ضئيل جداً منها.

وأمّا روَيتها بلا شعاع، فهي تابعة للاَوضاع الجوية، فإذا كان الجو صحواً تُرى الشمس وهي ترسل بأشعتها، بخلاف ما إذا كان ملبداً لا سيما أوان الطلوع فتراها قرصاً محمّراً.

٢. جزاء من تعزّى بالجاهلية

أخرج أحمد في مسنده، عن أبي عثمان، عن أُبي بن كعب: انّ رجلاً اعتزى، فأعضَّه أُبىُّ بهن أبيه، فقالوا: ما كنت فحّاشاً، قال: إنّا أمرنا بذلك.(١)

وأخرج أيضاً عن عُتيِّ بن ضمرة، عن أُبيّ بن كعب، قال: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول: من تعزّى بعزاء الجاهلية فأعضّوه ولا تكنّوا.(٢)

أقول: إنّ غاية ما كان يجب على أُبي بن كعب أن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر على النحو الذي أمر الكتاب به ، قال سبحانه:( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنةِ وَجادِلْهُمْ بِالّتي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين ) (النحل/١٢٥) لا ما جاء في الرواية من مقابلة المنكر بمنكر أبشع منه.

ناهيك عمّ-ا روي من انّ سباب الموَمن فسوق.(٣)

وما روى عن أُسامة بن زيد حيث قال: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّ اللّه لا يحب كلّفاحش متفحش.(٤)

____________________

١ مسند أحمد: ٥/١٣٣.

٢ مسند أحمد: ٥/١٣٦.

٣ صحيح مسلم:١/٥٨، باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.

٤ مسند أحمد: ٥/٢٠٢.

١٠١

٣. آيتان كانتا عند أُبي بن كعب فقط

أخرج أحمد في مسنده ، عن أبي العالية، عن أُبي بن كعب، انّهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون و يملي عليهم أُبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة( ثُمَّ انصَ-رفوا صَ-رَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأنّهُم قَومٌ لا يَفقَهون ) فظنوا أنّ هذا آخر ما أنزل من القرآن.

فقال لهم أُبي بن كعب: إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرأني بعدها آيتين( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُوَمِنينَ رَوُوفٌ رَحِيم ) إلى( وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الَعَظِيم ) .

ثمّ قال: هذا آخر ما أُنزل من القرآن.(١)

ونعلق على الحديث بالقول:

أوّلاً: قد ثبت فيما سبق انّ القرآن جمع على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف ينسب الجمع إلى عهد الخلافة، فهذه الرواية تعارض ما تضافر من أنّ القرآن جمع على عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثانياً: انّ معنى الرواية انّ بعض آيات الذكر الحكيم وصلت إلينا عن طريق الآحاد وهو أُبي بن كعب، فلولاه لم يكن لها أثر.

ثالثاً: ما ذكره يعارض ما روي عن زيد بن ثابت.

أخرج البخاري: انّ أبا بكر قال لزيد: أنت رجل شاب عاقل لانتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتتبع القرآن وأجمعه - إلى أن قال: قال زيد: فكنت أتتبع القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الاَنصاري لم أجدها مع أحد غيره( لقد جاءَكُمْ رَسُولٌ من أَنفسِكُمْ عزيز عَليهِ ما عنتّم ) حتى خاتمة براءة....(٢)

____________________

١ مسند أحمد: ٥/١٣٤ والآيات ١٢٧ - ١٢٩ من سورة التوبة.

٢ صحيح البخاري: ٦/١٨٣، باب جمع القرآن.

١٠٢

٤. نسيان ما نزل في أحد من الآية

أخرج أحمد في «مسنده»، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب أنّه أُصيب يوم أُحد من الاَنصار أربعة وستون وأُصيب من المهاجرين ستة، فمثلوا بقتلاهم.

فقالت الاَنصار: لئن أصبنا منهم يوماً من الدهر لنربينَّ(١) عليهم. فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل من القوم لا يعرف: لا قريش بعد اليوم، فأنزل اللّه على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وإنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ وَلئِن صَ-بَرتُمْ لَهُوَ خَيْ-رٌ للصّابِرين ) .

فقال نبي اللّه: كفّوا عن القوم(٢)

وفي رواية السيوطي: فقال رسول اللّه: نصبر ولا نعاقب، كفوا عن القوم إلاّ أربعة(٣) .

نعلق على الحديث، و نقول:

إنّ المفسرين اتّفقوا - تبعاً للروايات - على أنّ قوله سبحانه:( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا... ) نزل في أُحد. حيث إنّ المشركين مثلوا بحمزة وأراد المسلمون أن يمثلوا بسبعين من الكافرين إذا استولوا عليهم في قبال حمزة فنزلت الآية(٤)

وقد تلاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعها الصحابة و مع ذلك كيف يقول القائل يوم فتح مكة: لا قريش بعد اليوم، أو ليس ذلك اجتهاداً في مقابل النص؟

ولو افترضنا انّ القائل لم يسمع كلام اللّه سبحانه - و إن كان الاحتمال بعيداً جداً - فكيف يصحّ لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الآية

____________________

١ لنربين: لنزيدن في التمثيل بقتلاهم.

٢ مسند أحمد: ٥/١٣٥، سنن الترمذي: ٥/٢٩٩ برقم ٣١٢٩، والآية ١٢٦ من سورة النحل.

٣ السيوطي: الدر المنثور: ٥/١٧٩.

٤ الدر المنثور: ٥/١٧٩.

١٠٣

ثانياً في مكة المكرمة أن يقول: نصبر ولا نعاقب أو كفّوا عن القوم؟ أو ليس معنى ذلك انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان موافقاً لنداء المنادي ولكنّه عدل عن رأيه بعد نزول الآية؟ ومعنى ذلك انّ النبي نسي مضمون الآية وصمم على استئصال شأفة قريش حتى عدل عن رأيه بعد نزول الآية مرة أُخرى، وقال: نصبر ولا نعاقب وكأنّه لولا نزول الآية لما صبر و عاقب ولما كفّ عنهم.

والرواية على افتراض الصحة نقلت مضطربة خصوصاً بالنظر إلى سائر صورها.

٥. أوّل من يصافحه الحق عمر

أخرج ابن ماجة في سننه، عن سعيد بن المسيب، عن أُبي بن كعب، قال:

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوّل من يصافحه الحقُّ عمر، وأوّل من يسلّم عليه، وأوّل من يأخذ بيده فيدخله الجنّة.(١)

الحديث ظاهر انّ اللّه سبحانه أوّل من يصافح عمر بن الخطاب وهو يلازم كونه سبحانه ذا يد يصافح بها غيره، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

وإن كان الحديث كناية عن نزول الرحمة عليه قبل كلّ أحد ففي الاُمّة من هو أفضل منه باتّفاق الفريقين فكيف يقدّم المفضول على الفاضل؟!

____________________

١ سنن ابن ماجة: ٢/٣٩ برقم ١٠٤، قال في الزوائد: اسناده ضعيف فيه داود بن عطاء المديني وقد اتّفقوا على ضعفه وباقي رجاله ثقات،وقال السيوطي: قال الحافظ عماد الدين بن كثير في جامع المسانيد، هذا الحديث منكر جداً، وما هو أبعد من أن يكون موضوعاً.

١٠٤

٣- العباس بن عبد المطلب الهاشمي

(٥٤ق ه- - ٣٢ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. اللّه فوق العرش.

٢. أبو طالب في النار.

هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين، وكان من أطول الرجال، وأحسنهم صورة، وأبهاهم، وأجهرهم صوتاً مع الحلم الوافر والسوَدد، وكان العباس في الجاهلية رئيساً في قريش، وإليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية. أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه.

وكان بمكة يكتب إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبار المشركين وكان من بمكة من المسلمين يتقوون به وكان لهم عوناً على إسلامهم، وأراد الهجرة إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مقامك بمكة خير، فلذلك قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر: من لقي العباس فلا يقتله، فانّه أُخرج كرهاً، و مع ذلك أُخذ منه حين الاَسر عشرون أوقية ذهباً، وأُطلق سراحه.

١٠٥

فقال العباس: يا رسول اللّه: إنّي كنت مسلماً، فنزل قوله سبحانه:( يا أَيُّها النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ في أَيْديكُمْ مِنَ الاَسرى إِن يَعْلَمِ اللّهُ في قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُوْتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) (الاَنفال/٧٠).

ثمّ إنّ العباس لما كثر ماله بعد إسلامه أخذ يتفاخر بهذه الآية، ويقول: أعطاني اللّه مكان العشرين أوقية في الاِسلام، عشرين عبداً كلّهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة اللّه.

وممّا يدل على أنّه أسلم قبل الهجرة هو انّه حضر بيعة العقبة في أسفلها، وقال لمن حضر فيها من أهل يثرب: يا معشر الخزرج، قد دعوتم محمداً إلى ما دعوتموه، وهو من أعزّ الناس في عشيرته، يمنعه واللّه من كان منّا على قوله و من لم يكن، وقد أبى محمد الناس كلهم غيركم، فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب، واستقلال بعداوة العرب قاطبة، فانّها سترميكم عن قوس واحدة، فارتوَوا رأيكم وائتمروا أمركم، فانّ أحسن الحديث أصدقه.

توفي سنة ٣٢ من الهجرة وله ٨٦ سنة.

يقول الذهبي: وله قبة عظيمة شاهقة على قبره بالبقيع.(١)

وهو من المقلين في الرواية.

جُمِعَتْ أحاديثه في المسند الجامع، فبلغت ٢١ رواية.(٢)

____________________

١ ومن عجيب ما وقفت عليه في سير أعلام النبلاء انّه يقول: وقد صار الملك في ذرية العباس، واستمر ذلك وتداوله تسعة وثلاثون خليفة إلى وقتنا هذا، وذلك ستمائة عام، أوّلهم السفاح وخليفة زماننا، المستكفي له الاسم المنبري والعقد والحل بيد السلطان الملك الناصر أيدهم اللّه (سير اعلام النبلاء: ٢/٩٩-١٠٠).

وجه التعجب هو انّ الذهبي توفي عام ٧٤٨ ه- فكيف يقول (إلى وقتنا هذا و ذلك ستمائة عام) وليس في العبارة ما يفيد انّه ينقل ذلك عن غيره، وقد قضى الوثنيون من المغول على الخلافة العباسية قبل أن يولد الذهبي وذلك عام ٦٥٦ من الهجرة فلاحظ.

٢ المسند الجامع: ٨/١٢٢-١٣٧ برقم ٣٣٧، وقد راجعنا في ترجمة العباس سير أعلام النبلاء: ٢/٧٨ برقم ١١ ؛ أُسد الغابة:٣/١٠٩.

١٠٦

من روائع رواياته

١. أخرج مسلم في صحيحه، عن عامر بن سعد، عن العباس بن عبد المطلب، أنّه سمع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: «ذاق طعم الاِيمان من رضى باللّه ربّاً، وبالاِسلام ديناً و بمحمّد رسولاً ».(١)

٢. أخرج الترمذي، عن عبد اللّه بن الحارث، عن العباس بن عبد المطلب، قال: قلت: يا رسول اللّه، علّمني شيئاً أسأله اللّه عزّ وجلّ؟

قال: سل اللّه العافية، فمكثت أياماً، ثمّجئت، فقلت: يا رسول اللّه: علمني شيئاً أسأله اللّه، فقال لي: يا عباس، يا عمّ رسول اللّه: سلوا اللّه العافية في الدنيا والآخرة.(٢)

هذا بعض ما روي عنه من روائع أحاديثه، وعزيت إليه أحاديث أُخرى لا تستقيم مع الضوابط السالفة الذكر.

١. اللّه فوق العرش

أخرج ابن ماجة في سننه، عن الاَحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب، قال:كنت بالبطحاء في عصابة، وفيهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمرّت به سحابة فنظر إليها. فقال ما تسمون هذه؟

قالوا: السحاب، قال: والمزن، قالوا: «والمزن»: قال:«والعنان» قال أبو بكر: قالوا: والعنان، قال: كم ترون بينكم وبين السماء؟ قالوا: لا ندري.

قال: فإنّ بينكم وبينها إمّا واحداً أو اثنين أو ثلاثاً وسبعين سنة، والسماء

____________________

١ صحيح مسلم:١/٤٦، باب من لقي اللّه بالاِيمان.

٢ سنن الترمذي: ٥/٥٣٤ برقم ٣٥١٤، الباب ٨٥.

١٠٧

فوقها كذلك حتى عدَّ سبع سماوات. ثمّ فوق السماء السابعة بحر، بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماءٍ. ثمَّ فوق ذلك ثمانية أوعال. بين أظلافهنّ ورُكَّبِهنَّ كما بين سماء إلى سماء، ثمّ على ظهورهنَّ العرش. بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء. ثمّاللّه فوق ذلك تبارك وتعالى.(١)

إنّ الحديث يخالف القرآن أوّلاً، والعقل الصريح ثانياً.

أمّا الاَوّل، انّ الذكر الحكيم يعرّفه سبحانه موجوداً منزهاً من أن يحويه زمان أو مكان قال سبحانه:( هُوَ الاَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيم ) إلى أن قال:( يَعْلَمُ ما يَلِجُ في الاَرْض وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما ينزل مِنَ السَّماء وَ ما يَعرجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُم وَاللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِير ) (الحديد/٣- ٤).

وقال عزّ من قائل:( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمسةٍ إِلاّهُوَ سادِسُهُمْ ولا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ القِيامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ) (المجادلة/٧).

وما تلوناه عليك من الآيات وغيرها صريحة في أنّه سبحانه موجود فوق أن يحوطه زمان ومكان خاص بل الاَزمنة والاَمكنة إليه سواسية، فهو كائن في جميعها وهذه الكينونة لا تعني حلول ذاته في الاَمكنة و الاَزمنة تعالى عن ذلك علواً كبيراً ، بل المراد حضوره في الكون لاَجل قيام الاَشياء به قيام المعلول بعلته والصورة الذهنية بالنفس بل أدق و ألطف من ذلك، ومعه كيف يصحّ ما في الرواية انّ اللّه فوق العرش؟!

وممّا لا ينقضي منه العجب انّ إمام الحنابلة صار يوَول هذه الآيات بأنّ المراد إحاطة علمه بالاَشياء لا إحاطة وجوده وإلاّ يلزم أن يكون وجوده في

____________________

١ سنن ابن ماجة: ١/٦٩ برقم ١٩٣. و «أوعال» جمع «وَعِل» وهو تيس الجبل وكأنّها كناية عن الملائكة بصورته، و «إظلاف» جمع «الظِلْف» للبقر والغنم، كالمحفر للفرس.

١٠٨

الاَمكنة غير النقية والنزيهة.(١)

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره تأويل بلا دليل، ولو قام أحد من المعتزلة أو غيرهم بتفسير الآيات على النحو الذي ذكره إمام الحنابلة، لرُمي بالجهمية.

وأمّا الثاني فلاَنّه سبحانه هو الخالق للعرش، فأين كان قبل أن يخلق العرش؟ وإلاّيلزم قدم العرش كقدمه سبحانه و يلزم منه تعدد القديم، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

٢. أبو طالب في النار

أخرج مسلم في صحيحه، عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل، عن العباس ابن عبد المطلب، انّه قال: يا رسول اللّه، هل نفعتَ أبا طالب بشيء فانّه كان يحوطك ويغضب لك.

قال: نعم، هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الاَسفل من النار.(٢)

إنّ الحديث يخالف الكتاب والسنّة الثابتة، وذلك لاَنّه لو افترضنا انّ أبا طالب مات مشركاً لما قبلت شفاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّه، والمفروض انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفّع له فأخرجه من الدرك الاَسفل إلى ضحضاح من نار، مع أنّه سبحانه يقول:( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَة* إِلاّ أَصْحابَ اليَمِين* في جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ* عَنِ الْمُجْرِمينَ* ما سَلَكَكُمْ في سَقَر ) إلى قوله سبحانه:( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعةُ الشّافِعين ) (المدثر / ٣٨ - ٤٨).

____________________

١ وعلى ذلك جرى الحنابلة و السطحيون من الاَشاعرة. لاحظ كتاب السنة لاَحمد ٤٧ ؛ و عون المعبود في سنن أبي داود:١٣/٣٤.

٢ صحيح مسلم: ١/١٣٤- ١٣٥، باب شفاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاَبي طالب.

١٠٩

فشفاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للموَمنين من أُمّته المذنبين منهم لا للمشركين، كيف وقال سبحانه:( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيع ) (الاَنعام/٧٠).

فالحديث موضوع على لسان أخي أبي طالب ليُغرّ الناس به.

ويكفيك في كون الحديث موضوعاً انّه سبحانه حكى انّ آل فرعون يعرضون على النار صباحاً ومساءً قبل القيامة وبعدها يُدخلون أشدّ العذاب، قال سبحانه:( النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) (غافر/٤٦) و المفروض انّ أبا طالب انتقل إلى عالم البرزخ ولم تقم قيامته بعد، فكيف يدخله سبحانه في الدرك الاَسفل من النار ثمّ يخفف عنه بشفاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجعل في ضحضاح من نار؟! أوَ كان هو أكثر جرماً من فرعون وآله مع أنّه كان كفيلاً للنبي وناصره طيلة ٤٢ سنة وقد لاقى في سبيل المحافظة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لاقى من المصائب والمتاعب، التي حفظها التاريخ؟!

أضف إلى ذلك ما في السند حيث إنّ عبد الملك بن عمير اللخمي الكوفي الوارد في السند هو الذي طال عمره وساء حفظه. قال أبو حاتم: ليس بحافظ تغيّر حفظه. وقال أحمد: ضعيف يغلط. وقال ابن معين: مخلط. وقال ابن خراش: كان شعبة لا يرضاه. وذكر الكوسج عن أحمد انّه ضعفه جداً.(١) ثمّ إنّ الدلائل القاطعة تثبت إيمان أبي طالب، فالرواية كما هي مخالفة

____________________

١ ميزان الاعتدال: ٢/١٥١.

١١٠

للكتاب والسنّة، تخالف أيضاً التاريخ الصحيح. يقول العلاّمة الاَميني في هذا الصدد: أمّا ما ناء به سيد الاَباطح أبو طالب سلام اللّه عليه من عمل بارّ وسعي مشكور في نصرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكلاءته والذّب عنه والدعوة إليه وإلى دينه الحنيف منذ بدء البعثة إلى أن لفظ أبو طالب نفسه الاَخير، فكلّها نصوص على إسلامه الصحيح وإيمانه الخالص وخضوعه للرسالة الاِلهية.(١) كما أنّ الظاهر من الحديث انّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام بهذه الشفاعة وهو في الدنيا مع أنّ الظاهر من حديث آخر انّه سيقوم بها في الآخرة. أخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري انّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر عنده عمّه أبو طالب، فقال: لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه.(٢)

____________________

١ الغدير: ٧/٣٧٠ بتلخيص.

٢ صحيح مسلم: ١/١٣٥، باب شفاعة النبي لاَبي طالب.

١١١

٤- عبد اللّه بن مسعود

(حدود ٣٣ ق.ه- - ٣٣ ه-)

سيرته وأحاديثه الرائعة

أحاديثه السقيمة:

١. كل سيوجّه لما خلق له ٢. سبق الكتاب على الاختيار

٣. أُمرنا بالسب ٤. الجماع لا يبطل الصوم

٥. لا عبرة بأذان بلال ٦. لا عدوى ولا صفر

٧. النساء يخلين المجلس لكي... ٨. النساء أكثر أهل النار

عبد اللّه بن مسعود بن غافل بن حبيب، أبو عبد الرحمان الهذليّ المكيّ المهاجريّ البدريّ حليف بني زهرة، كان من السابقين الاَوّلين شهد بدراً وهاجر الهجرتين، حدَّث عنه أبو موسى وأبو هريرة وابن عباس وجابر وأنس ولفيف من التابعين.

يذكر هو بدايات إسلامه، ويقول: قدمتُ مكة مع عمومة لي أو أناس من قومي، نبتاع منها متاعاً، وكان في بغيتنا شراء عطر، فأرشدونا على العباس فانتهينا إليه، وهو جالس إلى زمزم، فجلسنا إليه، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا، أبيض تعلوه حمرة، له وفرة جعدة إلى أنصاف اذنيه، أشمّ، أقنى، أذلف

١١٢

أدعج العينين، برّاق الثنايا، دقيق المسربة، شثن الكفين و القدمين، كثّ اللحية عليه ثوبان أبيضان، كأنّه القمر ليلة البدر، يمشي على يمينه غلام حسن الوجه، مراهق أو محتلم، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها، حتى قصد نحو الحجر، فاستلم ثم استلم الغلام واستلمت المرأة ثمّ طاف بالبيت سبعاً، وهما يطوفان معه، ثمّ استقبل الركن، فرفع يده وكبّ-ر، وقام ثمّ ركع، ثمّ سجد ثمّ قام فرأينا شيئاً أنكرناه لم نكن نعرفه بمكة فأقبلنا على العباس، فقلنا: يا أبا الفضل! إنّهذا الدين حدَث فيكم أو أمر لم نكن نعرفه؟ قال: أجل واللّه ما تعرفون، هذا ابن أخي محمد ابن عبد اللّه والغلام علي بن أبي طالب، والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته أما واللّه ما على وجه الاَرض أحد نعلمه يعبد اللّه بهذا الدين إلاّهوَلاء الثلاثة.(١)

كان ابن مسعود أوّل من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اجتمع يوماً أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: واللّه ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قطُّ فَمَنْ رجل يُسمعه، فقال عبد اللّه بن مسعود: أنا، فقالوا: إنّا نخشاهم عليك إنّما نريد رجلاً له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه، فقال: دعوني فانّ اللّه سيمنعني فغدا عبد اللّه حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتهاحتى قام عند المقام، فقال رافعاً صوته: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم( الرّحمنُ* عَلَّمَ القُرآنَ ) فاستقبلها فقرأ بها، فتأملوا فجعلوا يقولون ما يقول ابن أُم عبد، ثمّ قالوا: إنّه ليتلو بعض ما جاء به محمد فقاموا فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء اللّه أن يبلغ ثمّانصرف إلى أصحابه وقد أثّروا بوجهه، فقالوا : هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء اللّه قط أهون عليَّ منهم الآن ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غداً، قالوا: حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون.(٢)

وقد بعثه عمر إلى الكوفة ليعلّمهم أُمور دينهم وبعث عماراً أميراً وكتب

____________________

١ سير اعلام النبلاء: ١/٤٦٣ برقم ٨٧.

٢ أُسد الغابة: ٣/٢٥٧.

١١٣

إليهم: انّهما من النجباء من أصحاب محمّد من أهل بدر، فاقتدوا بهما، واسمعوا من قولهما، وقد آثرتكم بعبد اللّهبن مسعود على نفسي.(١)

وكان بينه و بين عثمان مشاحة لاَنّ عثمان عزل سعد بن أبي وقاص ونصب مكانه الوليد بن عقبة، وكان مفاتيح بيت المال بيد عبد اللّه بن مسعود، وكان لا يأتمر بما يأمره الوليد بن عقبة في التصرف في أموال بيت المال إلى أن اضطر إلى التخلي عن هذا المنصب، وألقى مفاتيح بيت المال إلى الوليد بن عقبة، وقال: من غيّر غيّر اللّه ما به، ومن بدَّل أسخط اللّه عليه، وما أرى صاحبكم إلاّوقد غيّر وبدَّل، أيُعزل مثل سعد بن أبي وقاص ويُولّى الوليد وكان يتكلم بكلام لا يدعه وهو: انّ أصدق الحديث كتاب اللّه، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملّة إبراهيم، وأحسن السنن سنّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخير الهدى هدى الاَنبياء، وأشرف الحديث ذكر اللّه وخير القصص القرآن، وخير الاُمور عواقبها، وشر الاَمور محدثاتها - إلى أن قال: - وشر الندامة ندامة القيامة، وشر الضلالة الضلالة بعد الهدى، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى.(٢)

اًفكتب الوليد إلى عثمان بذلك، فكتب إليه عثمان يأمره بإشخاصه فاجتمع الناس، فقالوا:أقم، ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه، فقال: إنّها ستكون أُمور وفتن لا أحبُّ أن أكون أوّل من فتحها، فردّ الناس وخرج إلى عثمان.(٣)

وعلى أيّة حال لما مرض ابن مسعود أوصى أن لا يصلّي عليه عثمان فدفن بالبقيع، وعثمان لا يعلم فلما علم غضب، وقال: سبقتموني به، فقال له عمار بن ياسر: إنّه أوصى أن لا تصلّي عليه، فتمثل الزبير:

____________________

١ الاستيعاب: ٢/٣١٥؛ الاِصابة: ٢/٣٦٠-٣٦٢ برقم ٤٩٥٤.

٢ حلية الاَولياء:١/١٣٤- ١٣٩ برقم ٢١.

٣ سير اعلام النبلاء:١/٤٨٩؛ الاِصابة: ٢/٣٦٠ - ٣٦١ برقم ٤٩٥٤.

١١٤

لاَلفينّك بعد الموت تندبن--ي وفي حياتي ما زودتني زادا(١)

توفي سنة ثلاث وثلاثين وكان عمره يوم توفي بضعاً وستين سنة.

وأخيراً اتّفقا له في الصحيحين على ٦٤ حديثا،ً وانفرد له البخاري بإخراج٢١حديثاً، ومسلم بإخراج ٣٥ حديثاً. وله عند بَقيّ بالمكرر ٨٤٠ حديثاً.

وقد جُ-مِعت أحاديثه في المسند الجامع فبلغت ٤٨٦ حديثاً.

فلنذكر شيئاً من روائع أحاديثه:

١. أخرج الاِمام أحمد في مسنده عن أبي الاَحوص عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سباب المسلم أخاه فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه.(٢)

٢. أخرج مسلم في صحيحه عن سعد بن أياس أبي عمرو الشيباني عن عبد اللّه بن مسعود، قال: سألت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّ العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها، قال: قلت: ثمّ أيّ؟ قال: برُّالوالدين، قال: قلت: ثمّ أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل اللّه فما تركت استزيده إلاّ إرعاءً عليه.(٣)

٣. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي الاَحوص، عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الاَيدي ثلاثة فيد اللّه العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى.(٤) وفي مسند ابن خزيمة (هذه الزيادة) إلى يوم القيامة، فاستعفّ عن السوَال ما استطعت.(٥)

____________________

١ الغدير: ٩/٥؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد: ١/٢٣٦؛ المستدرك: ٣/٣١٣؛ الاستيعاب: ٢/٣١٦.

٢ مسند أحمد:١/٤٤٦؛ ورواه النسائي أيضاً في ٧/١٢١، باب قتال المسلم مختصراً إلى قوله وقتاله كفر.

٣ صحيح مسلم: ١/٦٣، باب بيان كون الاِيمان باللّه تعالى أفضل الاَعمال.

٤ مسند أحمد: ١/٤٤٦.

٥ لاحظ المسند الجامع: ١١/٥٨٦.

١١٥

٤. أخرج ابن ماجة عن عمرو بن مرة، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على ناقته المخضرمة بعرفات، فقال: أتدرون أيّ يوم هذا، وأيّ شهر هذا، وأيّ بلد هذا؟ قالوا: هذا بلد حرام، وشهر حرام، ويوم حرام، قال: ألا وإنّ أموالكم ودماءكم عليكم حرام كحرمة شهركم هذا، في بلدكم هذا، في يومكم هذا. ألا وإنّي فرطكم على الحوض وأكاثر بكم الاَمم فلا تسوِّدوا وجهي، ألا وإنّي مُسْتَنْقِذٌ أناساً، ومُسْتَنْقَذٌ منِّي أناس، فأقول: يا ربِّ أُصيحابي؟ فيقول: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك.(١)

في الزوائد: اسناده صحيح.

وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أنّ صحبة الرسول لا تلازم العدالة، وانّه ليس كلّ صحابي عادلاً بل انّ بعضهم أحدثوا وابتدعوا على وجه مُنعوا من الدخول على الحوض مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هذا نسيج وحده في هذا الموضوع، بل روى البخاري في كتاب الفتن نفس ذلك المضمون.

عن أبي وائل، قال: قال عبد اللّه، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا فرطكم على الحوض ليرفعنَّ إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لاَناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربي أصحابي، يقول: لا تدري ماأحدثوا بعدك.

وروى أيضاً عن عبد الرحمان بن أبي حازم، قال: سمعت سهل بن سعد، يقول: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليرد عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثمّ يُحال بيني وبينهم.

قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدِّثهم هذا، فقال:

____________________

١ سنن ابن ماجة: ٢/١٠١٦ برقم ٣٠٥٧.

١١٦

هكذا سمعتَ سهلاً، فقلت: نعم، قال: وأنا أشهد عن أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه، قال: إنّهم منّي، فيقال: إنّك لا تدري ما بدّلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي.(١)

٥. أخرج الاِمام أحمد، عن أبي الاَحوص، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ اللّه عزّوجلّ جعل حسنة ابن آدم بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلاّالصوم، والصوم لي، وأنا اجزي به، وللصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة يوم القيامة، ولخلوف فم الصائم أطيب عند اللّه من ريح المسك.(٢)

٦. أخرج أبو داود عن ابن لعبد اللّه بن مسعود، عن ابن مسعود، قال: لا رضاع إلاّما شدّ العظم وأنبت اللحم.(٣)

وروى الاِمام أحمد في مسنده عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يحرم من الرضاع إلاّما أنبت اللحم وانشر العظم.(٤)

وهذا الحديث يشطب على كثير من الآراء التي تُصوِّر انّخمس رضعات أو عشر رضعات أو المص والمصتان ينشرن الحرمة، والتفصيل في محله.

٧. أخرج النسائي عن أبي وائل عن عبد اللّه بن مسعود عن رسول اللّه، قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر.(٥)

٨. أخرج الاِمام مسلم عن أبي و ائل عن عبد اللّه بن مسعود، قال: جاء

____________________

١ صحيح البخاري: ٩/٤٦ ، كتاب الفتن.

٢ مسند أحمد:١/٤٤٦.

٣ سنن أبي داود: ٢/٢٢٢ برقم ٢٠٥٩.

٤ مسند أحمد: ١/٤٣٢.

٥ سنن النسائي: ٦/١٨١، باب إلحاق الولد بالفراش إذا لم ينفه صاحب الفراش.

١١٧

رجل إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول اللّه، كيف ترى في رجل أحبَّ قوماً ولما يلحق بهم، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المرء مع من أحب.(١)

إنّ من أحبّشيئاً يتبعه ويجعله أُسوة، قال سبحانه «نقلاً عن أصحاب الجحيم» :( يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ) (الفرقان/٢٨) وقال سبحانه:( الاَخِلاّءُ يَومَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاّ الْمُتَّقِين ) (الزخرف/٦٧).

٩. أخرج أبو داود، عن أبي وائل، عن عبد اللّه، قال: سمعت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: «الغناء ينبت النفاق في القلب».(٢)

١٠. أخرج ابن ماجة، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه، عن أبيه، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له».(٣)

١١. أخرج الترمذي، عن ربعي بن خراش، عن عبد اللّهبن مسعود قال: ثلاثة يحبهم اللّه: رجل قام من الليل يتلو كتاب اللّه، ورجل تصدَّق صدقة بيمينه يخفيها، أراه قال: من شماله، ورجل كان في سرية فانهزم أصحابه فاستقبل العدوَّ.(٤)

١٢. أخرج مسلم في صحيحه، عن أبي وائل، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الصدق برّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ العبد ليتحرّى الصدق حتى يكتب عند اللّه صدّيقاً؛ وإنّ الكذب فجور، وإنّالفجور يهدي إلى النار، وإنّالعبد ليتحرّى الكذب حتى يكتب كذاباً».(٥)

____________________

١ صحيح مسلم : ٨/٤٣، باب المرء مع من أحب، من كتاب البر والصلة والآداب.

٢ سنن أبي داود: ٤/٢٨٢ برقم ٤٩٢٧.

٣ سنن ابن ماجة: ٢/١٤٢٠ برقم ٤٢٥٠.

٤ سنن الترمذي: ٤/٦٩٧ برقم ٢٥٦٧.

٥ صحيح مسلم: ٨/٢٩، باب قبح الكذب وحسن الصدق، من كتاب البر والصلة والآداب.

١١٨

وله - رضوان اللّه عليه - أحاديث أُخرى يعرب شموخ مضمونها عن صحّتها، نعم عُزِّي إليه أحاديث لا تخلو عن إشكال أوإشكالات ولابدّ من دراستها على ضوء الضوابط التي ألمعنا إليها في مقدمة الكتاب. وإليك البيان:

١. كلٌّ سيوجّه لما خلق له

أخرج الاِمام أحمد، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه، قال: قال عبد اللّه، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً على حالها لا تغير، فإذا مضت الاَربعون صارت علقة، ثمّمضغة كذلك، ثمّ عظاماً كذلك، فإذا أراد اللّه أن يسوِّي خلقه بعث إليها ملكاً، فيقول الملك الذي يليه أي ربّأذكر أم أُنثى، أشقي أم سعيد، أقصير أم طويل، أناقص أم زائد، قوته وأجله، أصحيح أم سقيم، قال: فيُكتب ذلك كلّه فقال رجل من القوم: ففيم العمل إذاً وقد فرغ من هذا كلّه؟ قال: اعملوا فكلّسيوجه لما خلق له.(١)

إنّ مضمون الحديث لا يفترق عن الجبر قيد شعرة، ولاَجل ذلك لما سمع الحاضر كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، استغرب، وقال: «ففيم العمل إذاً وقد فرغ من هذا كلّه» أي إذا كان كلّشيء مقدّراً تقديراً قطعيّاً لا يتغير ولا يتبدل، شاء الاِنسان أم لم يشأ، فما فائدة العمل والقيام بالفرائض والاجتناب عن المحرمات؟

وما أجيب به في الرواية عن السوَال، أعني قوله: «اعملوا فكلّسيوجه لما خلق له». جواب غير مقنع بل تقرير للاِشكال، فانّ محصّل الجواب انّ اللّه سبحانه قدَّر مصير كلّإنسان حيثما كان جنيناً، فكتب على جبين بعضهم السعادة، وعلى جبين الآخر الشقاء، وقد فرغ من التقدير فلا يبدل ولا يغيّر. وكل سيوجه لما خلق له.

____________________

١ مسند أحمد: ١/٣٧٤.

١١٩

وأنت جد عليم بأنّه إذا فرغ سبحانه من التقدير، وكلّإنسان سيوجه لما خلق له شاء أم لم يشأ، فيكون العمل والطاعة لغواً، لاَنّ تقديره سبحانه لا يتغير ولا يبدّل ،فهو سينتهي إلى الجنة عمل أم لم يعمل، فما هو فائدة العمل كما سينتهي إلى النار، عصى أم لم يعص؟

٢. سبق الكتاب على الاختيار

أخرج مسلم في صحيحه، عن زيد بن وهب عن عبد اللّه بن مسعود، قال: حدّثنا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الصادق المصدوق: إنّ أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أُمّه أربعين يوماً ثمّ يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثمّ يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثمّ يرسل الملك فينفخ فيه الرّوح ويوَمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقيٌّ أو سعيدٌ، فوالذي لا إله غيره انّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتى ما يكون بينه وبينها إلاّذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وانّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه و بينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها.(١)

قال الاِمام النووي عند شرحه لهذا الحديث:« إنّ المراد بالذراع التمثيل للقرب من موته ودخوله عقبه وانّتلك الدار ما بقي بينه و بين أن يصلها إلاّكمن بقي بينه و بين موضع من الاَرض ذراع.

ثمّأضاف: والمراد بهذا الحديث انّهذا قد يقع في نادر من الناس لا انّه غالب فيهم. ثمّإنّه من لطف اللّه تعالى وسعة رحمته انقلاب الناس من الشر إلى الخير في كثرة، وأمّا انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور ونهاية القلة، وهو نحو قوله تعالى: «إنّ رحمتي سبقت غضبي وغلبت غضبي».

____________________

١ صحيح مسلم: ٨/٤٤ باب كيفية خلق الآدمي في بطن أُمّه من كتاب القدر.

١٢٠