كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٩

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 430

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 430
المشاهدات: 35717
تحميل: 4571


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35717 / تحميل: 4571
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 19

مؤلف:
العربية

فقال غراب لاغتراب و بانة

لبين و فقد من حبيب تعاشره

و قال الشاعر:

و سميته يحيى ليحيا و لم يكن

إلى رد حكم الله فيه سبيل

تيممت فيه الفأل حين رزقته

و لم أدر أن الفأل فيه يفيل

فأما القول في السحر فإن الفقهاء يثبتونه و يقولون فيه القود و قد جاء في الخبر أن رسول الله ص سحره لبيد بن أعصم اليهودي حتى كان يخيل إليه أنه عمل الشي‏ء و لم يعمله.

و روي أن امرأة من يهود سحرته بشعر و قصاص ظفر و جعلت السحر في بئر و أن الله تعالى دله على ذلك فبعث عليا ع فاستخرجه و قتل المرأة و قوم من المتكلمين ينفون هذا عنه ع و يقولون إنه معصوم من مثله.و الفلاسفة تزعم أن السحر من آثار النفس الناطقة و أنه لا يبعد أن يكون في النفوس نفس تؤثر في غير بدنها المرض و الحب و البغض و نحو ذلك و أصحاب الكواكب يجعلون للكواكب في ذلك تأثيرا و أصحاب خواص الأحجار و النبات و غيرها يسندون ذلك إلى الخواص و كلام أمير المؤمنين ع دال على تصحيح ما يدعى من السحر.و أما العدوى

فقد قال رسول الله ص لا عدوى في الإسلام و قال لمن قال أعدى بعضها بعضا يعني الإبل فمن أعدى الأول و قال لا عدوى و لا هامة و لا صفر فالعدوى معروفة و الهامة ما كانت العرب تزعمه في المقتول

٣٨١

لا يؤخذ بثأره و الصفر ما كانت العرب تزعمه من الحية في البطن تعض عند الجوع

نكت في مذاهب العرب و تخيلاتها

و سنذكر هاهنا نكتا ممتعة من مذاهب العرب و تخيلاتها لأن الموضع قد ساقنا إليه أنشد هشام بن الكلبي لأمية بن أبي الصلت:

سنة أزمة تبرح بالناس

ترى للعضاة فيها صريرا

لا على كوكب تنوء و لا ريح

جنوب و لا ترى طحرورا

و يسقون باقر السهل للطود

مهازيل خشية أن تبورا

عاقدين النيران في ثكن الأذناب

منها لكي تهيج البحورا

سلع ما و مثله عشر ما

عامل ما و عالت البيقورا

يروى أن عيسى بن عمر قال ما أدري معنى هذا البيت و يقال إن الأصمعي صحف فيه فقال و غالت البيقورا بالغين المعجمة و فسره غيره فقال عالت بمعنى أثقلت البقر بما حملتها من السلع و العشر و البيقور البقر و عائل غالب أو مثقل و كانت العرب إذا أجدبت و أمسكت السماء عنهم و أرادوا أن يستمطروا عمدوا إلى السلع و العشر فحزموهما و عقدوهما في أذناب البقر و أضرموا فيها النيران و أصعدوها في جبل وعر و اتبعوها يدعون الله و يستسقونه و إنما يضرمون النيران في أذناب البقر تفاؤلا للبرق بالنار و كانوا يسوقونها نحو المغرب من دون الجهات و قال أعرابي:

شفعنا ببيقور إلى هاطل الحيا

فلم يغن عنا ذاك بل زادنا جدبا

فعدنا إلى رب الحيا فأجارنا

و صير جدب الأرض من عنده خصبا

٣٨٢

و قال آخر:

قل لبني نهشل أصحاب الحور

أ تطلبون الغيث جهلا بالبقر

و سلع من بعد ذاك و عشر

ليس بذا يجلل الأرض المطر

و يمكن أن يحمل تفسير الأصمعي على محمل صحيح فيقال غالت بمعنى أهلكت يقال غاله كذا و اغتاله أي أهلكه و غالتهم غول يعني المنية و منه الغضب غول الحلم.و قال آخر:

لما كسونا الأرض أذناب البقر

بالسلع المعقود فيها و العشر

و قال آخر:

يا كحل قد أثقلت أذناب البقر

بسلع يعقد فيها و عشر

فهل تجودين ببرق و مطر

و قال آخر يعيب العرب بفعلهم هذا:

لا در در رجال خاب سعيهم

يستمطرون لدى الإعسار بالعشر

أ جاعل أنت بيقورا مسلعة

ذريعة لك بين الله و المطر

و قال بعض الأذكياء كل أمة قد تحذو في مذاهبها مذاهب ملة أخرى و قد كانت الهند تزعم أن البقر ملائكة سخط الله عليها فجعلها في الأرض و أن لها عنده حرمة و كانوا يلطخون الأبدان بأخثائها و يغسلون الوجوه ببولها و يجعلونها مهور نسائهم و يتبركون بها في جميع أحوالهم فلعل أوائل العرب حذوا هذا الحذو و انتهجوا هذا المسلك

٣٨٣

و للعرب في البقر خيال آخر و ذلك أنهم إذا أوردوها فلم ترد ضربوا الثور ليقتحم الماء فتقتحم البقر بعده و يقولون إن الجن تصد البقر عن الماء و إن الشيطان يركب قرني الثور و قال قائلهم:

إني و قتلي سليكا حين أعقله

كالثور يضرب لما عافت البقر

و قال نهشل بن حري:

كذاك الثور يضرب بالهراوى

إذا ما عافت البقر الظماء

و قال آخر:

كالثور يضرب للورود

إذا تمنعت البقر

فإن كان ليس إلا هذا فليس ذاك بعجيب من البقر و لا بمذهب من مذاهب العرب لأنه قد يجوز أن تمتنع البقر من الورود حتى يرد الثور كما تمتنع الغنم من سلوك الطرق أو دخول الدور و الأخبية حتى يتقدمها الكبش أو التيس و كالنحل تتبع اليعسوب و الكراكي تتبع أميرها و لكن الذي تدل عليه أشعارها أن الثور يرد و يشرب و لا يمتنع و لكن البقر تمتنع و تعاف الماء و قد رأت الثور يشرب فحينئذ يضرب الثور مع إجابته إلى الورود فتشرب البقر عند شربه و هذا هو العجب قال الشاعر:

فإني إذن كالثور يضرب جنبه

إذا لم يعف شربا و عافت صواحبه

و قال آخر:

فلا تجعلوني كالبقير و فحلها

يكسر ضربا و هو للورد طائع

و ما ذنبه إن لم يرد بقراته

و قد فاجأتها عند ذاك الشرائع

٣٨٤

و قال الأعشى:

لكالثور و الجني يضرب وجهه

و ما ذنبه إن عافت الماء مشربا

و ما ذنبه إن عافت الماء باقر

و ما إن يعاف الماء إلا ليضربا

قالوا في تفسيره لما كان امتناعها يتعقبه الضرب حسن أن يقال عافت الماء لتضرب و هذه اللام هي لام العاقبة كقوله لدوا للموت و على هذا فسر أصحابنا قوله سبحانه( وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ ) .و من مذاهب العرب أيضا تعليق الحلي و الجلاجل على اللديغ يرون أنه يفيق بذلك و يقال إنه إنما يعلق عليه لأنهم يرون أنه إن نام يسري السم فيه فيهلك فشغلوه بالحلي و الجلاجل و أصواتها عن النوم و هذا قول النضر بن شميل و بعضهم يقول إنه إذا علق عليه حلي الذهب برأ و إن علق الرصاص أو حلي الرصاص مات.و قيل لبعض الأعراب أ تريدون شهرة فقال إن الحلي لا تشهر و لكنها سنة ورثناها.و قال النابغة:

فبت كأني ساورتني ضئيلة

من الرقش في أنيابها السم ناقع

يسهد من ليل التمام سليمها

لحلي النساء في يديه قعاقع

و قال بعض بني عذرة:

كأني سليم ناله كلم حية

ترى حوله حلي النساء مرصعا

٣٨٥

و قال آخر:

و قد عللوا بالبطل في كل موضع

و غروا كما غر السليم الجلاجل

و قال جميل و ظرف في قوله و لو قاله العباس بن الأحنف لكان ظريفا:

إذا ما لديغ أبرأ الحلي داءه

فحليك أمسى يا بثينة دائيا

و قال عويمر النبهاني و هو يؤكد قول النضر بن شميل:

فبت معنى بالهموم كأنني

سليم نفى عنه الرقاد الجلاجل

و مثله قول الآخر:

كأني سليم سهد الحلي عينه

فراقب من ليل التمام الكواكبا

و يشبه مذهبهم في ضرب الثور مذهبهم في العر يصيب الإبل فيكوى الصحيح ليبرأ السقيم و قال النابغة:

و كلفتني ذنب امرئ و تركته

كذي العر يكوى غيره و هو راتع

و قال بعض الأعراب:

كمن يكوى الصحاح يروم برءا

به من كل جرباء الإهاب

و هذا البيت يبطل رواية من روى بيت النابغة كذي العر بضم العين لأن العر بالضم قرح في مشافر الإبل غير الجرب و العر بالفتح الجرب نفسه فإذا دل الشعر على أنه يكوى الصحيح ليبرأ الأجرب فالواجب أن يكون بيت النابغة كذي العر بالفتح.و مثل هذا البيت قول الآخر:

فألزمتني ذنبا و غيري جره

حنانيك لا يكوى الصحيح بأجربا

إلا أن يكون إطلاق لفظ الجرب على هذا المرض المخصوص من باب المجاز لمشابهته له

٣٨٦

و من تخيلات العرب و مذاهبها أنهم كانوا يفقئون عين الفحل من الإبل إذا بلغت ألفا كأنهم يدفعون العين عنها قال الشاعر:

فقأنا عيونا من فحول بهازر

و أنتم برعي البهم أولى و أجدر

و قال آخر:

وهبتها و كنت ذا امتنان

تفقأ فيها أعين البعران

و قال الآخر:

أعطيتها ألفا و لم تبخل بها

ففقأت عين فحيلها معتافا

و قد ظن قوم أن بيت الفرزدق و هو:

غلبتك بالمفقئ و المعنى

و بيت المحتبي و الخافقات

من هذا الباب و ليس الأمر على ذلك و إنما أراد بالفق‏ء قوله لجرير:

و لست و لو فقأت عينيك واجدا

أخا كلقيط أو أبا مثل دارم

و أراد بالمعنى قوله لجرير أيضا:

و إنك إذ تسعى لتدرك دارما

لأنت المعنى يا جرير المكلف

و أراد بقوله بيت المحتبي قوله:

بيت زرارة محتب بفنائه

و مجاشع و أبو الفوارس نهشل

و بيت الخافقات قوله:

و معصب بالتاج يخفق فوقه

خرق الملوك له خميس جحفل

٣٨٧

فأما مذهبهم في البلية و هي ناقة تعقل عند القبر حتى تموت فمذهب مشهور و البلية أنهم إذا مات منهم كريم بلوا ناقته أو بعيره فعكسوا عنقها و أداروا رأسها إلى مؤخرها و تركوها في حفيرة لا تطعم و لا تسقى حتى تموت و ربما أحرقت بعد موتها و ربما سلخت و ملئ جلدها ثماما و كانوا يزعمون أن من مات و لم يبل عليه حشر ماشيا و من كانت له بلية حشر راكبا على بليته قال جريبة بن الأشيم الفقعسي لابنه:

يا سعد إما أهلكن فإنني

أوصيك إن أخا الوصاة الأقرب

لا أعرفن أباك يحشر خلفكم

تعبا يجر على اليدين و ينكب

و احمل أباك على بعير صالح

و تق الخطيئة إنه هو أصوب

و لعل لي مما جمعت مطية

في الحشر أركبها إذا قيل اركبوا

و قال جريبة أيضا:

إذا مت فادفني بجداء ما بها

سوى الأصرخين أو يفوز راكب

فإن أنت لم تعقر علي مطيتي

فلا قام في مال لك الدهر جالب

و لا تدفنني في صوى و ادفننني

بديمومة تنزو عليها الجنادب

و قد ذكرت في مجموعي المسمى بالعبقري الحسان أن أبا عبد الله الحسين بن محمد بن جعفر الخالعرحمه‌الله ذكر في كتابه في آراء العرب و أديانها هذه الأبيات و استشهد بها على ما كانوا يعتقدون في البلية و قلت إنه وهم في ذلك و إنه ليس في هذه الأبيات دلالة على هذا المعنى و لا لها به تعلق و إنما هي وصية لولده أن يعقر مطيته بعد موته إما لكيلا يركبها غيره بعده أو على هيئة القربان كالهدي المعقور

٣٨٨

بمكة أو كما كانوا يعقرون عند القبور و مذهبهم في العقر على القبور كقول زياد الأعجم في المغيرة بن المهلب:

إن السماحة و المروءة ضمنا

قبرا بمرو على الطريق الواضح

فإذا مررت بقبره فاعقر به

كوم الهجان و كل طرف سابح

و قال الآخر:

نفرت قلوصي عن حجارة حرة

بنيت على طلق اليدين وهوب

لا تنفري يا ناق منه فإنه

شريب خمر مسعر لحروب

لو لا السفار و بعد خرق مهمه

لتركتها تحبو على العرقوب

و مذهبهم في العقر على القبور مشهور و ليس في هذا الشعر ما يدل على مذهبهم في البلية فإن ظن ظان أن قوله أو يفوز راكب فيه إيماء إلى ذلك فليس الأمر كما ظنه و معنى البيت ادفني بفلاة جداء مقطوعة عن الإنس ليس بها إلا الذئب و الغراب أو أن يعتسف راكبها المفازة و هي المهلكة سموها مفازة على طريق الفأل و قيل إنها تسمى مفازة من فوز أي هلك فليس في هذا البيت ذكر البلية و لكن الخالع أخطأ في إيراده في هذا الباب كما أخطأ في هذا الباب أيضا في إيراده قول مالك بن الريب:

و عطل قلوصي في الركاب فإنها

ستبرد أكبادا و تبكي بواكيا

فظن أن ذلك من هذا الباب الذي نحن فيه و لم يرد الشاعر ذلك و إنما أراد

٣٨٩

لا تركبوا راحلتي بعدي و عطلوها بحيث لا يشاهدها أعادي و أصادقي ذاهبة جائية تحت راكبها فيشمت العدو و يساء الصديق و قد أخطأ الخالع في مواضع عده من هذا الكتاب و أورد أشعارا في غير موضعها و ظنها مناسبة لما هو فيه فمنها ما ذكرناه و منها أنه ذكر مذهب العرب في الحلي و وضعه على اللديغ و استشهد عليه بقول الشاعر:

يلاقي من تذكر آل ليلى

كما يلقى السليم من العداد

و لا وجه لإيراد هذا البيت في هذا الموضع فالعداد معاودة السم الملسوع في كل سنة في الوقت الذي لدغ فيه و ليس هذا من باب الحلي بسبيل.و من ذلك إيراده قول الفرزدق غلبتك بالمفقئ في باب فق‏ء عيون الفحول إذا بلغت الإبل ألفا و قد تقدم شرحنا لموضع الوهم في ذلك و سنذكر هاهنا كثيرا من المواضع التي وهم فيها إن شاء الله.و مما ورد عن العرب في البلية قول بعضهم:

أ بني زودني إذا فارقتني

في القبر راحلة برحل فاتر

للبعث أركبها إذا قيل اركبوا

مستوثقين معا لحشر الحاشر

و قال عويم النبهاني:

أ بني لا تنسى البلية إنها

لأبيك يوم نشوره مركوب

٣٩٠

و من تخيلات العرب و مذاهبها ما حكاه ابن الأعرابي قال كانت العرب إذا نفرت الناقة فسميت لها أمها سكنت من النفار قال الراجز:

أقول و الوجناء بي تقحم

ويلك قل ما اسم أمها يا علكم

علكم اسم عبد له و إنما سأل عبده ترفعا أن يعرف اسم أمها لأن العبيد بالإبل أعرف و هم رعاتها.و أنشد السكري:

فقلت له ما اسم أمها هات فادعها

تجبك و يسكن روعها و نفارها

و مما كانت العرب كالمجتمعة عليه الهامة و ذلك أنهم كانوا يقولون ليس من ميت يموت و لا يقتل إلا و يخرج من رأسه هامة فإن كان قتل و لم يؤخذ بثأره نادت الهامة على قبره اسقوني فإني صدية و عن هذا قال النبي ص لا هامة.و حكي أن أبا زيد كان يقول الهامة مشددة الميم إحدى هوام الأرض و أنها هي المتلونة المذكورة.و قيل إن أبا عبيد قال ما أرى أبا زيد حفظ هذا و قد يسمونها الصدى و الجمع أصداء قال

و كيف حياة أصداء و هام

و قال أبو دواد الإيادي:

سلط الموت و المنون عليهم

فلهم في صدى المقابر هام

٣٩١

و قال بعضهم لابنه:

و لا تزقون لي هامة فوق مرقب

فإن زقاء الهام للمرء عائب

تنادي ألا اسقوني و كل صدى به

و تلك التي تبيض منها الذوائب

يقول له لا تترك ثأري إن قتلت فإنك إن تركته صاحت هامتي اسقوني فإن كل صدى و هو هاهنا العطش بأبيك و تلك التي تبيض منها الذوائب لصعوبتها و شدتها كما يقال أمر يشيب رأس الوليد و يحتمل أن يريد به صعوبة الأمر عليه و هو مقبور إذا لم يثأر به و يحتمل أن يريد به صعوبة الأمر على ابنه يعني أن ذلك عار عليك و قال ذو الإصبع:

يا عمرو إلا تدع شتمي و منقصتي

أضربك حيث تقول الهامة اسقوني

و قال آخر:

فيا رب إن أهلك و لم ترو هامتي

بليلى أمت لا قبر أعطش من قبري

و يحتمل هذا البيت أن يكون خارجا عن هذا المعنى الذي نحن فيه و أن يكون ري هامته الذي طلبه من ربه هو وصال ليلى و هما في الدنيا و هم يكنون عما يشفيهم بأنه يروي هامتهم.و قال مغلس الفقسي:

و إن أخاكم قد علمت مكانه

بسفح قبا تسفي عليه الأعاصر

له هامة تدعو إذا الليل جنها

بني عامر هل للهلالي ثائر

و قال توبة بن الحمير:

و لو أن ليلى الأخيلية سلمت

علي و دوني جندل و صفائح

٣٩٢

لسلمت تسليم البشاشة أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

و قال قيس بن الملوح و هو المجنون:

و لو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا

و من دوننا رمس من الأرض أنكب

لظل صدى رمسي و إن كنت رمة

لصوت صدى ليلى يهش و يطرب

و قال حميد بن ثور:

ألا هل صدى أم الوليد مكلم

صداي إذا ما كنت رمسا و أعظما

و مما أبطله الإسلام قول العرب بالصفر زعموا أن في البطن حية إذا جاع الإنسان عضت على شرسوفه و كبده و قيل هو الجوع بعينه ليس أنها تعض بعد حصول الجوع فأما لفظ الحديث

لا عدوى و لا هامة و لا صفر و لا غول فإن أبا عبيدة معمر بن المثنى قال هو صفر الشهر الذي بعد المحرم قال نهى ع عن تأخيرهم المحرم إلى صفر يعني ما كانوا يفعلونه من النسي‏ء و لم يوافق أحد من العلماء أبا عبيدة على هذا التفسير و قال الشاعر:

لا يتأرى لما في القدر يرقبه

و لا يعض على شرسوفه الصفر

و قال بعض شعراء بني عبس يذكر قيس بن زهير لما هجر الناس و سكن الفيافي

٣٩٣

و أنس بالوحش ثم رأى ليلة نارا فعشا إليها فشم عندها قتار اللحم فنازعته شهوته فغلبها و قهرها و مال إلى شجرة سلم فلم يزل يكدمها و يأكل من خبطها إلى أن مات:

إن قيسا كان ميتته

كرم و الحي منطلق

شام نارا بالهوى فهوى

و شجاع البطن يختفق

في دريس ليس يستره

رب حر ثوبه خلق

و قوله بالهوى اسم موضع بعينه و قال أبو النجم العجلي:

إنك يا خير فتى نستعدي

على زمان مسنت بجهد

عضا كعض صفر بكبد

و قال آخر:

أرد شجاع البطن قد تعلمينه

و أوثر غيري من عيالك بالطعم

و من خرافات العرب أن الرجل منهم كان إذا أراد دخول قرية فخاف وباءها أو جنها وقف على بابها قبل أن يدخلها فنهق نهيق الحمار ثم علق عليه كعب أرنب كان ذلك عوذة له و رقية من الوباء و الجن و يسمون هذا النهيق التعشير قال شاعرهم:

و لا ينفع التعشير أن حم واقع

و لا زعزع و لا كعب أرنب

و قال الهيثم بن عدي خرج عروة بن الورد إلى خيبر في رفقه ليمتاروا فلما قربوا منها عشروا و عاف عروة أن يفعل فعلهم و قال

٣٩٤

لعمري لئن عشرت من خيفة الردى

نهاق حمير إنني لجزوع

فلا وألت تلك النفوس و لا أتت

قفولا إلى الأوطان و هي جميع

و قالوا إلا انهق لا تضرك خيبر

و ذلك من فعل اليهود ولوع

الولوع بالضم الكذب ولع الرجل إذا كذب فيقال إن رفقته مرضوا و مات بعضهم و نجا عروة من الموت و المرض.و قال آخر:

لا ينجينك من حمام واقع

كعب تعلقه و لا تعشير

و يشابه هذا أن الرجل منهم كان إذا ضل في فلاة قلب قميصه و صفق بيديه كأنه يومئ بهما إلى إنسان فيهتدي قال أعرابي:

قلبت ثيابي و الظنون تجول بي

و ترمي برحلي نحو كل سبيل

فلأيا بلأي ما عرفت جليتي

و أبصرت قصدا لم يصب بدليل

و قال أبو العملس الطائي:

فلو أبصرتني بلوى بطان

أصفق بالبنان على البنان

فأقلب تارة خوفا ردائي

و أصرخ تارة بأبي فلان

لقلت أبو العملس قد دهاه

من الجنان خالعة العنان

و الأصل في قلب الثياب التفاؤل بقلب الحال و قد جاء في الشريعة الإسلامية نحو ذلك في الاستسقاء

٣٩٥

و من مذاهب العرب أن الرجل منهم كان إذا سافر عمد إلى خيط فعقده في غصن شجرة أو في ساقها فإذا عاد نظر إلى ذلك الخيط فإن وجده بحاله علم أن زوجته لم تخنه و إن لم يجده أو وجده محلولا قال قد خانتني و ذلك العقد يسمى الرتم و يقال بل كانوا يعقدون طرفا من غصن الشجرة بطرف غصن آخر و قال الراجز:

هل ينفعنك اليوم إن همت بهم

كثرة ما توصي و تعقاد الرتم

و قال آخر:

خانته لما رأت شيبا بمفرقه

و غره حلفها و العقد للرتم

و قال آخر:

لا تحسبن رتائما عقدتها

تنبيك عنها باليقين الصادق

و قال آخر:

يعلل عمرو بالرتائم قلبه

و في الحي ظبي قد أحلت محارمه

فما نفعت تلك الوصايا و لا جنت

عليه سوى ما لا يحب رتائمه

و قال آخر:

ما ذا الذي تنفعك الرتائم

إذ أصبحت و عشقها ملازم

و هي على لذاتها تداوم

يزورها طب الفؤاد عارم

بكل أدواء النساء عالم

و قد كانوا يعقدون الرتم للحمى و يرون أن من حلها انتقلت الحمى إليه و قال الشاعر:

حللت رتيمة فمكثت شهرا

أكابد كل مكروه الدواء

٣٩٦

و قال ابن السكيت إن العرب كانت تقول إن المرأة المقلات و هي التي لا يعيش لها ولد إذا وطئت القتيل الشريف عاش ولدها قال بشر بن أبي خازم:

تظل مقاليت النساء تطأنه

يقلن أ لا يلقى على المرء مئزر

و قال أبو عبيدة تتخطاه المقلات سبع مرات فذلك وطؤها له.و قال ابن الأعرابي يمرون به و يطئون حوله و قيل إنما كانوا يفعلون ذلك بالشريف يقتل غدرا أو قودا.و قال الكميت:

و تطيل المرزآت المقاليت

إليه القعود بعد القيام

و قال الآخر:

تركنا الشعثمين برمل خبت

تزورهما مقاليت النساء

و قال الآخر:

بنفسي التي تمشي المقاليت حوله

يطاف له كشحا هضيما مهشما

و قال آخر:

تباشرت المقالت حين قالوا

ثوى عمرو بن مرة بالحفير

و من تخيلات العرب و خرافاتها أن الغلام منهم كان إذا سقطت له سن أخذها بين السبابة و الإبهام و استقبل الشمس إذا طلعت و قذف بها و قال يا شمس أبدليني بسن أحسن منها و ليجر في ظلمها إياتك أو تقول إياؤك و هما جميعا شعاع الشمس قال طرفة

٣٩٧

سقته إياة الشمس

و إلى هذا الخيال أشار شاعرهم بقوله:

شادن يجلو إذا ما ابتسمت

عن أقاح كأقاح الرمل غر

بدلته الشمس من منبته

بردا أبيض مصقول الأشر

و قال آخر:

و أشنب واضح عذب الثنايا

كأن رضابه صافي المدام

كسته الشمس لونا من سناها

فلاح كأنه برق الغمام

و قال آخر:

بذي أشر عذب المذاق تفردت

به الشمس حتى عاد أبيض ناصعا

و الناس اليوم في صبيانهم على هذا المذهب.و كانت العرب تعتقد أن دم الرئيس يشفي من عضة الكلب الكلب.و قال الشاعر:

بناة مكارم و أساة جرح

دماؤهم من الكلب الشفاء

و قال عبد الله بن الزبير الأسدي:

من خير بيت علمناه و أكرمه

كانت دماؤهم تشفي من الكلب

و قال الكميت:

أحلامكم لسقام الجهل شافية

كما دماؤكم تشفي من الكلب

و من تخيلات العرب أنهم كانوا إذا خافوا على الرجل الجنون و تعرض الأرواح

٣٩٨

الخبيثة له نجسوه بتعليق الأقذار عليه كخرقة الحيض و عظام الموتى قالوا و أنفع من ذلك أن تعلق عليه طامث عظام موتى ثم لا يراها يومه ذلك و أنشدوا للمزق العبدي:

فلو أن عندي جارتين و راقيا

و علق أنجاسا على المعلق

قالوا و التنجيس يشفي إلا من العشق قال أعرابي:

يقولون علق يا لك الخير رمة

و هل ينفع التنجيس من كان عاشقا

و قالت امرأة و قد نجست ولدها فلم ينفعه و مات:

نجسته لو ينفع التنجيس

و الموت لا تفوته النفوس

و كان أبو مهدية يعلق في عنقه العظام و الصوف حذر الموت و أنشدوا:

أتوني بأنجاس لهم و منجس

فقلت لهم ما قدر الله كائن

و من مذاهبهم أن الرجل منهم كان إذا خدرت رجله ذكر من يحب أو دعاه فيذهب خدرها.و روي أن عبد الله بن عمر خدرت رجله فقيل له ادع أحب الناس إليك فقال يا رسول الله.و قال الشاعر:

على أن رجلي لا يزال امذلالها

مقيما بها حتى أجيلك في فكري

و قال كثير:

إذا مذلت رجلي ذكرتك أشتفي

بدعواك من مذل بها فيهون

و قال جميل:

و أنت لعيني قرة حين نلتقي

و ذكرك يشفيني إذا خدرت رجلي

٣٩٩

و قالت امرأة:

إذا خدرت رجلي دعوت ابن مصعب

فإن قلت عبد الله أجلى فتورها

و قال آخر:

صب محب إذا ما رجله خدرت

نادى كبيشة حتى يذهب الخدر

و قال المؤمل:

و الله ما خدرت رجلي و لا عثرت

إلا ذكرتك حتى يذهب الخدر

و قال الوليد بن يزيد:

أثيبي هائما كلفا معنى

إذا خدرت له رجل دعاك

و نظير هذا الوهم أن الرجل منهم كان إذا اختلجت عينه قال أرى من أحبه فإن كان غائبا توقع قدومه و إن كان بعيدا توقع قربه.و قال بشر:

إذا اختلجت عيني أقول لعلها

فتاة بني عمرو بها العين تلمع

و قال آخر:

إذا اختلجت عيني تيقنت أنني

أراك و إن كان المزار بعيدا

و قال آخر:

إذا اختلجت عيني أقول لعلها

لرؤيتها تهتاج عيني و تطرف

و هذا الوهم باق في الناس اليوم.و من مذاهبهم أن الرجل منهم كان إذا عشق و لم يسل و أفرط عليه العشق حمله

٤٠٠