كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 417

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 417
المشاهدات: 35685
تحميل: 4582


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35685 / تحميل: 4582
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 18

مؤلف:
العربية

69 و من كتاب له ع كتبه إلى الحارث الهمداني

وَ تَمَسَّكْ بِحَبْلِ اَلْقُرْآنِ وَ اِنْتَصِحْهُ اِسْتَنْصِحْهُ وَ أَحِلَّ حَلاَلَهُ وَ حَرِّمْ حَرَامَهُ وَ صَدِّقْ بِمَا سَلَفَ مِنَ اَلْحَقِّ وَ اِعْتَبِرْ بِمَا مَضَى مِنَ اَلدُّنْيَا لِمَا بَقِيَ مِنْهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضاً وَ آخِرَهَا لاَحِقٌ بِأَوَّلِهَا وَ كُلُّهَا حَائِلٌ مُفَارِقٌ وَ عَظِّمِ اِسْمَ اَللَّهِ أَنْ تَذْكُرَهُ إِلاَّ عَلَى حَقٍّ وَ أَكْثِرْ ذِكْرَ اَلْمَوْتِ وَ مَا بَعْدَ اَلْمَوْتِ وَ لاَ تَتَمَنَّ اَلْمَوْتَ إِلاَّ بِشَرْطٍ وَثِيقٍ وَ اِحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ وَ يَكْرَهُهُ يُكْرَهُ لِعَامَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اِحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي اَلسِّرِّ وَ يُسْتَحَى مِنْهُ فِي اَلْعَلاَنِيَةِ وَ اِحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَنْكَرَهُ وَ اِعْتَذَرَ مِنْهُ وَ لاَ تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً لِنِبَالِ اَلْقَوْمِ اَلْقَوْلِ وَ لاَ تُحَدِّثِ اَلنَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ كَذِباً وَ لاَ تَرُدَّ عَلَى اَلنَّاسِ كُلَّ مَا حَدَّثُوكَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ جَهْلاً وَ اِكْظِمِ اَلْغَيْظَ وَ اُحْلُمْ عِنْدَ اَلْغَضَبِ وَ تَجَاوَزْ عِنْدَ اَلْمَقْدِرَةِ تَجَاوَزْ عِنْدَ اَلْمَقْدِرَةِ وَ اُحْلُمْ عِنْدَ اَلْغَضَبِ وَ اِصْفَحْ مَعَ اَلدَّوْلَةِ تَكُنْ لَكَ اَلْعَاقِبَةُ وَ اِسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اَللَّهُ عَلَيْكَ وَ لاَ تُضَيِّعَنَّ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اَللَّهِ عِنْدَكَ وَ لْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ مَا أَنْعَمَ اَللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً مِنْ نَفْسِهِ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ وَ إِنَّكَ فَإِنَّكَ مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَيْرٍ يَبْقَ لَكَ ذُخْرُهُ وَ مَا تُؤَخِّرْهُ يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُهُ

٤١

وَ اِحْذَرْ صَحَابَةَ مَنْ يَفِيلُ رَأْيُهُ وَ يُنْكَرُ عَمَلُهُ فَإِنَّ اَلصَّاحِبَ مُعْتَبَرٌ بِصَاحِبِهِ وَ اُسْكُنِ اَلْأَمْصَارَ اَلْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِمَاعُ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اِحْذَرْ مَنَازِلَ اَلْغَفْلَةِ وَ اَلْجَفَاءِ وَ قِلَّةَ اَلْأَعْوَانِ عَلَى طَاعَةِ اَللَّهِ وَ اُقْصُرْ رَأْيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ وَ إِيَّاكَ وَ مَقَاعِدَ اَلْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ اَلشَّيْطَانِ وَ مَعَارِيضُ اَلْفِتَنِ وَ أَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ اَلشُّكْرِ وَ لاَ تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَشْهَدَ اَلصَّلاَةَ إِلاَّ فَاصِلاً فِي سَبِيلِ اَللَّهِ أَوْ فِي أَمْرٍ تُعْذَرُ بِهِ وَ أَطِعِ اَللَّهَ فِي جُمَلِ جَمِيعِ أُمُورِكَ فَإِنَّ طَاعَةَ اَللَّهِ فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا وَ خَادِعْ نَفْسَكَ فِي اَلْعِبَادَةِ وَ اُرْفُقْ بِهَا وَ لاَ تَقْهَرْهَا وَ خُذْ عَفْوَهَا وَ نَشَاطَهَا إِلاَّ مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ اَلْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَ تَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا وَ إِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ اَلْمَوْتُ وَ أَنْتَ آبِقٌ مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ اَلدُّنْيَا وَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ اَلْفُسَّاقِ فَإِنَّ اَلشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ وَ وَقِّرِ اَللَّهَ وَ أَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ وَ اِحْذَرِ اَلْغَضَبَ فَإِنَّهُ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ وَ اَلسَّلاَمُ

الحارث الأعور و نسبه

هو الحارث الأعور صاحب أمير المؤمنين ع و هو الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد بن نخلة بن حرث بن سبع بن صعب بن معاوية الهمداني كان أحد

٤٢

الفقهاء له قول في الفتيا و كان صاحب علي ع و إليه تنسب الشيعة الخطاب الذي خاطبه به في قوله ع:

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

و هي أبيات مشهورة قد ذكرناها فيما تقدم

نبذ من الأقوال الحكيمة

و قد اشتمل هذا الفصل على وصايا جليلة الموقع منها قوله و تمسك بحبل القرآن

جاء في الخبر المرفوع لما ذكر الثقلين فقال أحدهما كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض طرف بيد الله و طرف بأيديكم.و منها قوله انتصحه أي عده ناصحا لك فيما أمرك به و نهاك عنه.و منها قوله و أحل حلاله و حرم حرامه أي احكم بين الناس في الحلال و الحرام بما نص عليه القرآن.و منها قوله و صدق بما سلف من الحق أي صدق بما تضمنه القرآن من أيام الله و مثلاته في الأمم السالفة لما عصوا و كذبوا.و منها قوله و اعتبر بما مضى من الدنيا لما بقي منها و في المثل إذا شئت أن تنظر الدنيا بعدك فانظرها بعد غيرك و قال الشاعر:

و ما نحن إلا مثلهم غير أننا

أقمنا قليلا بعدهم ثم نرحل

و يناسب قوله و آخرها لاحق بأولها و كلها حائل مفارق قوله أيضا ع

٤٣

في غير هذا الفصل الماضي للمقيم عبرة و الميت للحي عظة و ليس لأمس عودة و لا المرء من غد على ثقة الأول للأوسط رائد و الأوسط للأخير قائد و كل بكل لاحق و الكل للكل مفارق.و منها قوله و عظم اسم الله أن تذكره إلا على حق قال الله سبحانه( وَ لا تَجْعَلُوا اَللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) و قد نهى عن الحلف بالله في الكذب و الصدق أما في أحدهما فمحرم و أما في الآخر فمكروه و لذلك لا يجوز ذكر اسمه تعالى في لغو القول و الهزء و العبث.و منها قوله و أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت جاء في الخبر المرفوع أكثروا ذكر هاذم اللذات و ما بعد الموت العقاب و الثواب في القبر و في الآخرة.و منها قوله و لا تتمن الموت إلا بشرط وثيق هذه كلمة شريفة عظيمة القدر أي لا تتمن الموت إلا و أنت واثق من أعمالك الصالحة أنها تؤديك إلى الجنة و تنقذك من النار و هذا هو معنى قوله تعالى لليهود( إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ اَلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا اَلْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اَللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) .و منها قوله و احذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه و يكرهه لعامة المسلمين و احذر كل عمل يعمل في السر و يستحيا منه في العلانية و احذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره و اعتذر منه و هذه الوصايا الثلاث متقاربة في المعنى و يشملها معنى قول الشاعر:

لا تنه عن خلق و تأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

٤٤

و قال الله تعالى حاكيا عن نبي من أنبيائه( وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى‏ ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ ) .و من كلام الجنيد الصوفي ليكن عملك من وراء سترك كعملك من وراء الزجاج الصافي و في المثل و هو منسوب إلى علي ع إياك و ما يعتذر منه.و منها قوله و لا تجعل عرضك غرضا لنبال القوم قال الشاعر:

لا تستتر أبدا ما لا تقوم له

و لا تهيجن من عريسة الأسدا

إن الزنابير إن حركتها سفها

من كورها أوجعت من لسعها الجسدا

و قال:

مقالة السوء إلى أهلها

أسرع من منحدر سائل

و من دعا الناس إلى ذمه

ذموه بالحق و بالباطل

و منها قوله و لا تحدث الناس بكل ما سمعت فكفى بذلك كذبا قد نهى أن يحدث الإنسان بكل ما رأى من العجائب فضلا عما سمع لأن الحديث الغريب المعجب تسارع النفس إلى تكذيبه و إلى أن تقوم الدلالة على صدقه قد فرط من سوء الظن فيه ما فرط.و يقال إن بعض العلوية قال في حضرة عضد الدولة ببغداد عندنا في الكوفة نبق وزن كل نبقة مثقالان فاستطرف الملك ذلك و كاد يكذبه الحاضرون فلما قام ذكر ذلك لأبيه فأرسل حماما كان عنده في الحال إلى الكوفة يأمر وكلاءه بإرسال مائة حمامة في رجلي كل واحدة نبقتان من ذلك النبق فجاء النبق في بكرة الغد و حمل إلى عضد الدولة فاستحسنه و صدقه حينئذ ثم قال له لعمري لقد صدقت

٤٥

و لكن لا تحدث فيما بعد بكل ما رأيت من الغرائب فليس كل وقت يتهيأ لك إرسال الحمام.و كان يقال الناس يكتبون أحسن ما يسمعون و يحفظون أحسن ما يكتبون و يتحدثون بأحسن ما يحفظون و الأصدق نوع تحت جنس الأحسن و منها قوله و لا ترد على الناس كل ما حدثوك فكفى بذلك جهلا من الجهل المبادرة بإنكار ما يسمعه و قال ابن سينا في آخر الإشارات إياك أن يكون تكيسك و تبرؤك من العامة هو أن تنبري منكرا لكل شي‏ء فلذلك عجز و طيش و ليس الخرق في تكذيبك ما لم يستبن لك بعد جليته دون الخرق في تصديقك بما لم تقم بين يديك بينة بل عليك الاعتصام بحبل التوقف و إن أزعجك استنكار ما يوعيه سمعك مما لم يبرهن على استحالته لك فالصواب أن تسرح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذدك عنها قائم البرهان.و منها قوله و اكظم الغيظ قد مدح الله تعالى ذلك فقال( وَ اَلْكاظِمِينَ اَلْغَيْظَ ) و روي أن عبدا لموسى بن جعفر ع قدم إليه صحفة فيها طعام حار فعجل فصبها على رأسه و وجهه فغضب فقال له( وَ اَلْكاظِمِينَ اَلْغَيْظَ ) قال قد كظمت قال( وَ اَلْعافِينَ عَنِ اَلنَّاسِ ) قال قد عفوت قال( وَ اَللَّهُ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ ) قال أنت حر لوجه الله و قد نحلتك ضيعتي الفلانية.و منها قوله و احلم عند الغضب هذه مناسبة الأولى و قد تقدم منا قول كثير في الحلم و فضله و كذلك القول في قوله ع و تجاوز عند القدرة و كان يقال القدرة تذهب الحفيظة.

٤٦

و منها قوله و اصفح مع الدولة تكن لك العاقبة هذه كانت شيمة رسول الله ص و شيمة علي ع أما شيمة رسول الله ص فظفر بمشركي مكة و عفا عنهم كما سبق القول فيه في عام الفتح و أما علي ع فظفر بأصحاب الجمل و قد شقوا عصا الإسلام عليه و طعنوا فيه و في خلافته فعفا عنهم مع علمه بأنهم يفسدون عليه أمره فيما بعد و يصيرون إلى معاوية إما بأنفسهم أو بآرائهم و مكتوباتهم و هذا أعظم من الصفح عن أهل مكة لأن أهل مكة لم يبق لهم لما فتحت فئة يتحيزون إليها و يفسدون الدين عندها.و منها قوله و استصلح كل نعمة أنعمها الله عليك معنى استصلحها استدمها لأنه إذا استدامها فقد أصلحها فإن بقاءها صلاح لها و استدامتها بالشكر.و منها قوله و لا تضيعن نعمة من نعم الله عندك أي واس الناس منها و أحسن إليهم و اجعل بعضها لنفسك و بعضها للصدقة و الإيثار فإنك إن لم تفعل ذلك تكن قد أضعتها.و منها قوله و لير عليك أثر النعمة قد أمر بأن يظهر الإنسان على نفسه آثار نعمة الله عليه و قال سبحانه( وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) و قال الرشيد لجعفر قم بنا لنمضي إلى منزل الأصمعي فمضيا إليه خفية و معهما خادم معه ألف دينار ليدفع ذلك إليه فدخلا داره فوجدا كساء جرداء و بارية سملاء و حصيرا مقطوعا و خباء قديمة و أباريق من خزف و دواة من زجاج و دفاتر عليها التراب و حيطانا مملوءة من نسج العناكب فوجم الرشيد و سأله مسائل غشة لم تكن من غرضه و إنما قطع بها خجله و قال الرشيد لجعفر أ لا ترى إلى نفس هذا المهين قد بررناه بأكثر

٤٧

من خمسين ألف دينار و هذه حاله لم تظهر عليه آثار نعمتنا و الله لا دفعت إليه شيئا و خرج و لم يعطه.و منها قوله و اعلم أن أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمة من نفسه و أهله و ماله أي أفضلهم إنفاقا في البر و الخير من ماله و هي التقدمة قال الله تعالى( وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ ) فأما النفس و الأهل فإن تقدمتهما في الجهاد و قد تكون التقدمة في النفس بأن يشفع شفاعة حسنة أو يحضر عند السلطان بكلام طيب و ثناء حسن و أن يصلح بين المتخاصمين و نحو ذلك و التقدمة في الأهل أن يحج بولده و زوجته و يكلفهما المشاق في طاعة الله و أن يؤدب ولده إن أذنب و أن يقيم عليه الحد و نحو ذلك.و منها قوله و ما تقدم من خير يبق لك زخره و ما تؤخره يكن لغيرك خيره و قد سبق مثل هذا و أن ما يتركه الإنسان بعده فقد حرم نفعه و كأنما كان يكدح لغيره و ذلك من الشقاوة و قلة التوفيق.و منها قوله و احذر صحابة من يفيل رأيه الصحابة بفتح الصاد مصدر صحبت و الصحابة بالفتح أيضا جمع صاحب و المراد هاهنا الأول و فال رأيه فسد و هذا المعنى قد تكرر و قال طرفة:

عن المرء لا تسأل و سل عن قرينه

فإن القرين بالمقارن يقتدي

و منها قوله و اسكن الأمصار العظام قد قيل لا تسكن إلا في مصر فيه سوق قائمة و نهر جار و طبيب حاذق و سلطان عادل فأما منازل الغفلة و الجفاء فمثل قرى السواد الصغار فإن أهلها لا نور فيهم و لا ضوء عليهم و إنما هم كالدواب

٤٨

و الأنعام همهم الحرث و الفلاحة و لا يفقهون شيئا أصلا فمجاورتهم تعمي القلب و تظلم الحس و إذا لم يجد الإنسان من يعينه على طاعة الله و على تعلم العلم قصر فيهما.و منها قوله و اقصر رأيك على ما يعنيك كان يقال من دخل فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه.و منها نهيه إياه عن القعود في الأسواق قد جاء في المثل السوق محل الفسوق.و جاء في الخبر المرفوع الأسواق مواطن إبليس و جنده و ذلك لأنها قلما تخلو عن الأيمان الكاذبة و البيوع الفاسدة و هي أيضا مجمع النساء المومسات و فجار الرجال و فيها اجتماع أرباب الأهواء و البدع فلا يخلو أن يتجادل اثنان منهم في المذاهب و النحل فيفضي إلى الفتن.و منها قوله و انظر إلى من فضلت عليه كان يقال انظر إلى من دونك و لا تنظر إلى من فوقك و قد بين ع السر فيه فقال إن ذلك من أبواب الشكر و صدق ع لأنك إذا رأيت جاهلا و أنت عالم أو عالما و أنت أعلم منه أو فقيرا و أنت أغنى منه أو مبتلى بسقم و أنت معافى عنه كان ذلك باعثا و داعيا لك إلى الشكر.و منها نهيه عن السفر يوم الجمعة ينبغي أن يكون هذا النهي عن السفر يوم الجمعة قبل الصلاة و أما بعد الصلاة فلا بأس به و استثنى فقال إلا فاصلا في سبيل الله أي شاخصا إلى الجهاد.قال أو في أمر تعذر به أي لضرورة دعتك إلى ذلك.

٤٩

و قد ورد نهي كثير عن السفر يوم الجمعة قبل أداء الفرض على أن من الناس من كره ذلك بعد الصلاة أيضا و هو قول شاذ.و منها قوله و أطع الله في جمل أمورك أي في جملتها و فيها كلها و ليس يعني في جملتها دون تفاصيلها قال فإن طاعة الله فاضلة على غيرها و صدق ع لأنها توجب السعادة الدائمة و الخلاص من الشقاء الدائم و لا أفضل مما يؤدي إلى ذلك.و منها قوله و خادع نفسك في العبادة أمره أن يتلطف بنفسه في النوافل و أن يخادعها و لا يقهرها فتمل و تضجر و تترك بل يأخذ عفوها و يتوخى أوقات النشاط و انشراح الصدر للعبادة.قال فأما الفرائض فحكمها غير هذا الحكم عليك أن تقوم بها كرهتها النفس أو لم تكرهها ثم أمره أن يقوم بالفريضة في وقتها و لا يؤخرها عنه فتصير قضاء.و منها قوله و إياك أن ينزل بك المنون و أنت آبق من ربك في طلب الدنيا هذه وصية شريفة جدا جعل طالب الدنيا المعرض عن الله عند موته كالعبد الآبق يقدم به على مولاه أسيرا مكتوفا ناكس الرأس فما ظنك به حينئذ.و منها قوله و إياك و مصاحبة الفساق فإن الشر بالشر ملحق يقول إن الطباع ينزع بعضها إلى بعض فلا تصحبن الفساق فإنه ينزع بك ما فيك من طبع الشر إلى مساعدتهم على الفسوق و المعصية و ما هو إلا كالنار تقوى بالنار فإذا لم تجاورها و تمازجها نار كانت إلى الانطفاء و الخمود أقرب.

٥٠

و روي ملحق بكسر الحاء و قد جاء ذلك في الخبر النبوي فإن عذابك بالكفار ملحق بالكسر.و منها قوله و أحب أحباءه

قد جاء في الخبر لا يكمل إيمان امرئ حتى يحب من أحب الله و يبغض من أبغض الله و منها قوله و احذر الغضب قد تقدم لنا كلام طويل في الغضب و قال إنسان للنبي ص أوصني قال لا تغضب فقال زدني فقال لا تغضب قال زدني قال لا أجد لك مزيدا و إنما جعله ع جندا عظيما من جنود إبليس لأنه أصل الظلم و القتل و إفساد كل أمر صالح و هو إحدى القوتين المشئومتين اللتين لم يخلق أضر منهما على الإنسان و هما منبع الشر الغضب و الشهوة

٥١

70 و من كتاب له ع إلى سهل بن حنيف الأنصاري و هو عامله على المدينة في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِمَّنْ قِبَلَكَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَلاَ تَأْسَفْ عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ وَ يَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ فَكَفَى لَهُمْ غَيّاً وَ لَكَ مِنْهُمْ شَافِياً فِرَارُهُمْ مِنَ اَلْهُدَى وَ اَلْحَقِّ وَ إِيضَاعُهُمْ إِلَى اَلْعَمَى وَ اَلْجَهْلِ فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَ مُهْطِعُونَ إِلَيْهَا قَدْ عَرَفُوا اَلْعَدْلَ وَ رَأَوْهُ وَ سَمِعُوهُ وَ وَعَوْهُ وَ عَلِمُوا أَنَّ اَلنَّاسَ عِنْدَنَا فِي اَلْحَقِّ أُسْوَةٌ فَهَرَبُوا إِلَى اَلْأَثَرَةِ فَبُعْداً لَهُمْ وَ سُحْقاً إِنَّهُمْ وَ اَللَّهِ لَمْ يَفِرُّوا يَنْفِرُوا مِنْ جَوْرٍ وَ لَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ وَ إِنَّا لَنَطْمَعُ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اَللَّهُ لَنَا صَعْبَهُ وَ يُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَهُ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ وَ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اَللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ قد تقدم نسب سهل بن حنيف و أخيه عثمان فيما مضى.و يتسللون يخرجون إلى معاوية هاربين في خفية و استتار.قال فلا تأسف أي لا تحزن و الغي الضلال.قال و لك منهم شافيا أي يكفيك في الانتقام منهم و شفاء النفس من عقوبتهم أنهم يتسللون إلى معاوية.

٥٢

قال ارض لمن غاب عنك غيبته فذاك ذنب عقابه فيه.و الإيضاع الإسراع وضع البعير أي أسرع و أوضعه صاحبه قال:

رأى برقا فأوضع فوق بكر

فلا يك ما أسال و لا أعاما

و مهطعون مسرعون أيضا و الأثرة الاستئثار يقول قد عرفوا أني لا أقسم إلا بالسوية و أني لا أنفل قوما على قوم و لا أعطي على الأحساب و الأنساب كما فعل غيري فتركوني و هربوا إلى من يستأثر و يؤثر.قال فبعدا لهم و سحقا دعاء عليهم بالبعد و الهلاك.و روي أنهم لم ينفروا بالنون من نفر ثم ذكر أنه راج من الله أن يذلل له صعب هذا الأمر و يسهل له حزنه و الحزن ما غلظ من الأرض و ضده السهل

٥٣

71 و من كتاب له ع إلى المنذر بن الجارود العبدي

و قد كان استعمله على بعض النواحي فخان الأمانة في بعض ما ولاه من أعماله : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلاَحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ وَ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ وَ تَسْلُكُ سَبِيلَهُ فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لاَ تَدَعُ لِهَوَاكَ اِنْقِيَاداً وَ لاَ تُبْقِي لآِخِرَتِكَ عَتَاداً تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ وَ تَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ وَ لَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَ شِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ وَ مَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ اَللَّهُ : قال الرضيرضي‌الله‌عنه : المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين ع إنه لنظار في عطفيه مختال في برديه تفال في شراكيه

٥٤

ذكر المنذر و أبيه الجارود

هو المنذر بن الجارود و اسم الجارود بشر بن خنيس بن المعلى و هو الحارث بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بيتهم بيت الشرف في عبد القيس و إنما سمي الجارود لبيت قاله بعض الشعراء فيه في آخره.

كما جرد الجارود بكر بن وائل

و وفد الجارود على النبي ص في سنة تسع و قيل في سنة عشر.و ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب أنه كان نصرانيا فأسلم و حسن إسلامه و كان قد وفد مع المنذر بن ساوى في جماعة من عبد القيس و قال:

شهدت بأن الله حق و سامحت

بنات فؤادي بالشهادة و النهض

فأبلغ رسول الله مني رسالة

بأني حنيف حيث كنت من الأرض

قال و قد اختلف في نسبه اختلافا كثيرا فقيل بشر بن المعلى بن خنيس و قيل بشر بن خنيس بن المعلى و قيل بشر بن عمرو بن العلاء و قيل بشر بن عمرو بن المعلى و كنيته أبو عتاب و يكنى أيضا أبا المنذر.و سكن الجارود البصرة و قتل بأرض فارس و قيل بل قتل بنهاوند مع النعمان بن مقرن و قيل إن عثمان بن العاص بعث الجارود في بعث نحو ساحل فارس فقتل

٥٥

بموضع يعرف بعقبة الجارود و كان قبل ذلك يعرف بعقبة الطين فلما قتل الجارود فيه عرفه الناس بعقبة الجارود و ذلك في سنة إحدى و عشرين.و قد روي عن النبي ص أحاديث و روي عنه و أمه دريمكة بنت رويم الشيبانية.و قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب التاج إن رسول الله ص أكرم الجارود و عبد القيس حين وفدا إليه و قال للأنصار قوموا إلى إخوانكم و أشبه الناس بكم قال لأنهم أصحاب نخل كما أن الأوس و الخزرج أصحاب نخل و مسكنهم البحرين و اليمامة قال أبو عبيدة و قال عمر بن الخطاب لو لا أني سمعت رسول الله ص يقول إن هذا الأمر لا يكون إلا في قريش لما عدلت بالخلافة عن الجارود بن بشر بن المعلى و لا تخالجني في ذلك الأمور.قال أبو عبيدة و لعبد القيس ست خصال فاقت بها على العرب منها أسود العرب بيتا و أشرفهم رهطا الجارود هو و ولده.و منها أشجع العرب حكيم بن جبلة قطعت رجله يوم الجمل فأخذها بيده و زحف على قاتله فضربه بها حتى قتله و هو يقول:

يا نفس لا تراعي

إن قطعت كراعي

إن معي ذراعي

فلا يعرف في العرب أحد صنع صنيعه.و منها أعبد العرب هرم بن حيان صاحب أويس القرني.و منها أجود العرب عبد الله بن سواد بن همام غزا السند في أربعة آلاف ففتحها و أطعم الجيش كله ذاهبا و قافلا فبلغه أن رجلا من الجيش مرض فاشتهى خبيصا

٥٦

فأمر باتخاذ الخبيص لأربعة آلاف إنسان فأطعمهم حتى فضل و تقدم إليهم ألا يوقد أحد منهم نارا لطعام في عسكره مع ناره.و منها أخطب العرب مصقلة بن رقبة به يضرب المثل فيقال أخطب من مصقلة.و منها أهدى العرب في الجاهلية و أبعدهم مغارا و أثرا في الأرض في عدوه و هو دعيميص الرمل كان يعرف بالنجوم هداية و كان أهدى من القطا يدفن بيض النعام في الرمل مملوءا ماء ثم يعود إليه فيستخرجه.فأما المنذر بن الجارود فكان شريفا و ابنه الحكم بن المنذر يتلوه في الشرف و المنذر غير معدود في الصحابة و لا رأى رسول الله ص و لا ولد له في أيامه و كان تائها معجبا بنفسه و في الحكم ابنه يقول الراجز:

يا حكم بن المنذر بن الجارود

أنت الجواد ابن الجواد المحمود

سرادق المجد عليك ممدود

و كان يقال أطوع الناس في قومه الجارود بن بشر بن المعلى لما قبض رسول الله ص فارتدت العرب خطب قومه فقال أيها الناس إن كان محمد قد مات فإن الله حتى لا يموت فاستمسكوا بدينكم و من ذهب له في هذه الفتنة دينار أو درهم أو بقرة أو شاة فعلي مثلاه فما خالفه من عبد القيس أحد.قوله ع إن صلاح أبيك غرني منك قد ذكرنا حال الجارود و صحبته و صلاحه و كثيرا ما يغتر الإنسان بحال الآباء فيظن أن الأبناء على منهاجهم فلا يكون و الأمر كذلك( يُخْرِجُ اَلْحَيَّ مِنَ اَلْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ اَلْمَيِّتَ مِنَ اَلْحَيِّ ) .

قوله فيما رقي بالتشديد أي فيما رفع إلي و أصله أن يكون الإنسان في موضع عال

٥٧

فيرقى إليه شي‏ء و كان العلو هاهنا هو علو المرتبة بين الإمام و الأمير و نحوه قولهم تعال باعتبار علو رتبة الآمر على المأمور و اللام في لهواك متعلقة بمحذوف دل عليه انقيادا و لا يتعلق بنفس انقياد لأن المتعلق من حروف الجر بالمصدر لا يجوز أن يتقدم على المصدر.و العتاد العدة.قوله و تصل عشيرتك كان فيما رقي إليه عنه أنه يقتطع المال و يفيضه على رهطه و قومه و يخرج بعضه في لذاته و مآربه.قوله لجمل أهلك العرب تضرب بالجمل المثل في الهوان قال:

لقد عظم البعير بغير لب

و لم يستغن بالعظم البعير

يصرفه الصبي بكل وجه

و يحبسه على الخسف الجرير

و تضربه الوليدة بالهراوى

فلا غير لديه و لا نكير

فأما شسع النعل فضرب المثل بها في الاستهانة مشهور لابتذالها و وطئها الأقدام في التراب.ثم ذكر أنه من كان بصفته فليس بأهل لكذا و لا كذا إلى أن قال أو يشرك في أمانة و قد جعل الله تعالى البلاد و الرعايا أمانة في ذمة الإمام فإذا استعمل العمال على البلاد و الرعايا فقد شركهم في تلك الأمانة.قال أو يؤمن على جباية أي على استجباء الخراج و جمعه و هذه الرواية التي سمعناها و من الناس من يرويها على خيانة و هكذا رواها الراوندي و لم يرو الرواية الصحيحة التي ذكرناها نحن و قال يكون على متعلقة بمحذوف أو بيؤمن نفسها و هو بعيد و متكلف.

٥٨

ثم أمره أن يقبل إليه و هذه كناية عن العزل.فأما الكلمات التي ذكرها الرضي عنه ع في أمر المنذر فهي دالة على أنه نسبه إلى التيه و العجب فقال نظار في عطفيه أي جانبيه ينظر تارة هكذا و تارة هكذا ينظر لنفسه و يستحسن هيئته و لبسته و ينظر هل عنده نقص في ذلك أو عيب فيستدركه بإزالته كما يفعل أرباب الزهو و من يدعي لنفسه الحسن و الملاحة.قال مختال في برديه يمشي الخيلاء عجبا قال محمد بن واسع لابن له و قد رآه يختال في برد له ادن فدنا فقال من أين جاءتك هذه الخيلاء ويلك أما أمك فأمة ابتعتها بمائتي درهم و أما أبوك فلا أكثر الله في الناس أمثاله.قوله تفال في شراكيه الشراك السير الذي يكون في النعل على ظهر القدم.و التفل بالسكون مصدر تفل أي بصق و التفل محركا البصاق نفسه و إنما يفعله المعجب و التائه في شراكيه ليذهب عنهما الغبار و الوسخ يتفل فيهما و يمسحهما ليعودا كالجديدين

٥٩

72 و من كتاب له ع إلى عبد الله بن العباسرضي‌الله‌عنه

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ لَسْتُ بِسَابِقٍ أَجَلَكَ وَ لاَ مَرْزُوقٍ مَا لَيْسَ لَكَ وَ اِعْلَمْ بِأَنَّ اَلدَّهْرَ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ وَ يَوْمٌ عَلَيْكَ وَ أَنَّ اَلدُّنْيَا دَارُ دُوَلٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ وَ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْهُ بِقُوَّتِكَ قد تقدم شرح مثل هذا الكلام و هذا معنى مطروق قد قال الناس فيه فأكثروا قال الشاعر:

قد يرزق العاجز الضعيف و ما

شد بكور رحلا و لا قتبا

و يحرم المرء ذو الجلادة و الرأي

و من لا يزال مغتربا

و من جيد ما قيل في هذا المعنى قول أبي يعقوب الخريمي:

هل الدهر إلا صرفه و نوائبه

و سراء عيش زائل و مصائبه

يقول الفتى ثمرت مالي و إنما

لوارثه ما ثمر المال كاسبه

٦٠