كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 417

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 417
المشاهدات: 35674
تحميل: 4581


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35674 / تحميل: 4581
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 18

مؤلف:
العربية

162

وَ قَالَ ع مَنْ مَلَكَ اِسْتَأْثَرَ المعنى أن الأغلب في كل ملك يستأثر على الرعية بالمال و العز و الجاه.و نحو هذا المعنى قولهم من غلب سلب و من عز بز.و نحوه قول أبي الطيب:

و الظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعلة لا يظلم

٣٨١

163

وَ قَالَ ع مَنِ اِسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ وَ مَنْ شَاوَرَ اَلرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا قد تقدم لنا قول كاف في المشورة مدحا و ذما و كان عبد الملك بن صالح الهاشمي يذمها و يقول ما استشرت واحدا قط إلا تكبر علي و تصاغرت له و دخلته العزة و دخلتني الذلة فإياك و المشورة و إن ضاقت عليك المذاهب و اشتبهت عليك المسائل و أداك الاستبداد إلى الخطإ الفادح.و كان عبد الله بن طاهر يذهب إلى هذا المذهب و يقول ما حك جلدك مثل ظفرك و لأن أخطئ مع الاستبداد ألف خطإ أحب إلي من أن أستشير و أرى بعين النقص و الحاجة.و كان يقال الاستشارة إذاعة السر و مخاطرة بالأمر الذي ترومه بالمشاورة فرب مستشار أذاع عنك ما كان فيه فساد تدبيرك.و أما المادحون للمشورة فكثير جدا و قالوا خاطر من استبد برأيه.و قالوا المشورة راحة لك و تعب على غيرك.و قالوا من أكثر من المشورة لم يعدم عند الصواب مادحا و عند الخطإ عاذرا.

٣٨٢

و قالوا المستشير على طرف النجاح و الاستشارة من عزم الأمور.و قالوا المشورة لقاح العقول و رائد الصواب.و من ألفاظهم البديعة ثمرة رأي المشير أحلى من الأري المشور.و قال بشار:

إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن

بعزم نصيح أو مشورة حازم

و لا تجعل الشورى عليك غضاضة

فإن الخوافي عدة للقوادم

٣٨٣

164

وَ قَالَ ع مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَتِ اَلْخِيَرَةُ فِي يَدِهِ بِيَدِهِ قد تقدم القول في السر و الأمر بكتمانه و نذكر هاهنا أشياء أخر.من أمثالهم مقتل الرجل بين لحييه.دنا رجل من آخر فساره فقال إن من حق السر التداني.كان مالك بن مسمع إذا ساره إنسان قال له أظهره فلو كان فيه خير لما كان مكتوما.حكيم يوصي ابنه يا بني كن جوادا بالمال في موضع الحق ضنينا بالإسرار عن جميع الخلق فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر.و من كلامهم سرك من دمك فإذا تكلمت به فقد أرقته.و قال الشاعر:

فلا تفش سرك إلا إليك

فإن لكل نصيح نصيحا

أ لم تر أن غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا

و قال عمر بن عبد العزيز القلوب أوعية الأسرار و الشفاه أقفالها و الألسن مفاتيحها فليحفظ كل امرئ مفتاح سره.

٣٨٤

و قال بعض الحكماء من أفشى سره كثر عليه المتآمرون.أسر رجل إلى صديق سرا ثم قال له أ فهمت قال له بل جهلت قال أ حفظت قال بل نسيت.و قيل لرجل كيف كتمانك السر قال أجحد المخبر و أحلف للمستخبر.أنشد الأصمعي قول الشاعر:

إذا جاوز الاثنين سر فإنه

بنث و تكثير الوشاة قمين

فقال و الله ما أراد بالاثنين إلا الشفتين

٣٨٥

165

وَ قَالَ ع اَلْفَقْرُ اَلْمَوْتُ اَلْأَكْبَرُ

في الحديث المرفوع أشقى الأشقياء من جمع عليه فقر الدنيا و عذاب الآخرة.و أتى بزرجمهر فقير جاهل فقال بئسما اجتمع على هذا البائس فقر ينقص دنياه و جهل يفسد آخرته.شاعر :

خلق المال و اليسار لقوم

و أراني خلقت للإملاق

أنا فيما أرى بقية قوم

خلقوا بعد قسمة الأرزاق

أخذ السيواسي هذا المعنى فقال في قصيدته الطويلة المعروفة بالساسانية :

ليت شعري لما بدا يقسم

الأرزاق في أي مطبق كنت

قرئ على أحد جانبي دينار :

قرنت بالنجح و بي كل ما

يراد من ممتنع يوجد

و على الجانب الآخر :

و كل من كنت له آلفا

فالإنس و الجن له أعبد

٣٨٦

و قال أبو الدرداء من حفظ ماله فقد حفظ الأكثر من دينه و عرضه.بعضهم :

و إذا رأيت صعوبة في مطلب

فاحمل صعوبته على الدينار

تردده كالظهر الذلول فإنه

حجر يلين قوة الأحجار

و من دعاء السلف اللهم إني أعوذ بك من ذل الفقر و بطر الغنى

٣٨٧

166

وَ قَالَ ع مَنْ قَضَى حَقَّ مَنْ لاَ يَقْضِي حَقَّهُ فَقَدْ عَبَّدَهُ عَبَدَهُ عبده بالتشديد أي اتخذه عبدا يقال عبده و استعبده بمعنى واحد و المعني بهذا الكلام مدح من لا يقضي حقه أي من فعل ذلك بإنسان فقد استعبد ذلك الإنسان لأنه لم يفعل معه ذلك مكافاة له عن حق قضاه إياه بل فعل ذلك إنعاما مبتدأ فقد استعبده بذلك.و قال الشاعر في نقيض هذه الحال يخاطب صاحبا له :

كن كأن لم تلاقني قط في الناس

و لا تجعلن ذكراي شوقا

و تيقن بأنني غير راء

لك حقا حتى ترى لي حقا

و بأني مفوق ألف سهم

لك إن فوقت يمينك فوقا

٣٨٨

167

وَ قَالَ ع لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اَلْخَالِقِ هذه الكلمة قد رويت مرفوعة و قد جاء في كلام أبي بكر أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم و قال معاوية لشداد بن أوس قم فاذكر عليا فانتقصه فقام شداد فقال الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده و جعل رضاه عند أهل التقوى آثر من رضا غيره على ذلك مضى أولهم و عليه مضى آخرهم أيها الناس إن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر و إن الدنيا أكل حاضر يأكل منها البر و الفاجر و إن السامع المطيع لله لا حجة عليه و إن السامع العاصي لله لا حجة له و إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و إذا أراد الله بالناس خيرا استعمل عليهم صلحاءهم و قضى بينهم فقهاؤهم و جعل المال في سمحائهم و إذا أراد بالعباد شرا عمل عليهم سفهاؤهم و قضى بينهم جهلاؤهم و جعل المال عند بخلائهم و إن من إصلاح الولاة أن تصلح قرناءها ثم التفت إلى معاوية فقال نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق و غشك من أرضاك بالباطل فقطع معاوية عليه كلامه و أمر بإنزاله ثم لاطفه و أمر له بمال فلما قبضه قال أ لست من السمحاء الذين ذكرت فقال إن كان لك مال غير مال المسلمين أصبته حلالا و أنفقته إفضالا فنعم و إن كان مال المسلمين احتجبته دونهم أصبته اقترافا و أنفقته إسرافا فإن الله يقول( إِنَّ اَلْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ اَلشَّياطِينِ )

٣٨٩

168

وَ قَالَ ع لاَ يُعَابُ اَلْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ لعل هذه الكلمة قالها في جواب سائل سأله لم أخرت المطالبة بحقك من الإمامة و لا بد من إضمار شي‏ء في الكلام على قولنا و قول الإمامية لأنا نحن نقول الأمر حقه بالأفضلية و هم يقولون إنه حقه بالنص و على كلا التقديرين فلا بد من إضمار شي‏ء في الكلام لأن لقائل أن يقول له ع لو كان حقك من غير أن يكون للمكلفين فيه نصيب لجاز ذلك أن يؤخر كالدين الذي يستحق على زيد يجوز لك أن تؤخره لأنه خالص لك وحدك فأما إذا كان للمكلفين فيه حاجة ماسة لم يكن حقك وحدك لأن مصالح المكلفين منوطة بإمامتك دون إمامة غيرك فكيف يجوز لك تأخير ما فيه مصلحة المكلفين فإذن لا بد من إضمار شي‏ء في الكلام و تقديره لا يعاب المرء بتأخير حقه إذا كان هناك مانع عن طلبه و يستقيم المعنى حينئذ على المذهبين جميعا لأنه إذا كان هناك مانع جاز تقديم غيره عليه و جاز له أن يؤخر طلب حقه خوف الفتنة و الكلام في هذا الموضع مستقصى في تصانيفنا في علم الكلام

٣٩٠

169

وَ قَالَ ع اَلْإِعْجَابُ يَمْنَعُ مِنَ اَلاِزْدِيَادِ اَلاِزْدِيَادَ قد تقدم لنا قول مقنع في العجب و إنما قال ع يمنع من الازدياد لأن المعجب بنفسه ظان أنه قد بلغ الغرض و إنما يطلب الزيادة من يستشعر التقصير لا من يتخيل الكمال و حقيقة العجب ظن الإنسان بنفسه استحقاق منزلة هو غير مستحق لها و لهذا قال بعضهم لرجل رآه معجبا بنفسه يسرني أن أكون عند الناس مثلك في نفسك و أن أكون عند نفسي مثلك عند الناس فتمنى حقيقة ما يقدره ذلك الرجل ثم تمنى أن يكون عارفا بعيوب نفسه كما يعرف الناس عيوب ذلك الرجل المعجب بنفسه.و قيل للحسن من شر الناس قال من يرى أنه خيرهم.و قال بعض الحكماء الكاذب في نهاية البعد من الفضل و المرائي أسوأ حالا من الكاذب لأنه يكذب فعلا و ذاك يكذب قولا و الفعل آكد من القول فأما المعجب بنفسه فأسوأ حالا منهما لأنهما يريان نقص أنفسهما و يريدان إخفاءه و المعجب بنفسه قد عمي عن عيوب نفسه فيراها محاسن و يبديها.و قال هذا الحكيم أيضا ثم إن المرائي و الكاذب قد ينتفع بهما كملاح خاف

٣٩١

ركابه الغرق من مكان مخوف من البحر فبشرهم بتجاوزه قبل أن يتجاوزه لئلا يضطربوا فيتعجل غرقهم.و قد يحمد رياء الرئيس إذا قصد أن يقتدى به في فعل الخير و المعجب لا حظ له في سبب من أسباب المحمدة بحال.و أيضا فلأنك إذا وعظت الكاذب و المرائي فنفسهما تصدقك و تثلبهما لمعرفتهما بنفسهما و المعجب فلجهله بنفسه يظنك في وعظه لاغيا فلا ينتع بمقالك و إلى هذا المعنى أشار سبحانه بقوله( أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) ثم قال سبحانه( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ) تنبيها على أنهم لا يعقلون لإعجابهم.و قال ع ثلاث مهلكات شح مطاع و هوى متبع و إعجاب المرء بنفسه.و في المثل إن إبليس قال إذا ظفرت من ابن آدم بثلاث لم أطالبه بغيرها إذا أعجب بنفسه و استكثر عمله و نسي ذنوبه.و قالت الحكماء كما أن المعجب بفرسه لا يروم أن يستبدل به غيره كذلك المعجب بنفسه لا يريد بحاله بدلا و إن كانت رديئة.و أصل الإعجاب من حب الإنسان لنفسه و قد قال ع حبك الشي‏ء يعمي و يصم و من عمي و صم تعذر عليه رؤية عيوبه و سماعها فلذلك وجب على الإنسان أن يجعل على نفسه عيونا تعرفه عيوبه نحو ما قال عمر أحب الناس إلي امرؤ أهدى إلي عيوبي.و يجب على الإنسان إذا رأى من غيره سيئة أن يرجع إلى نفسه فإن رأى ذلك

٣٩٢

موجودا فيها نزعها و لم يغفل عنها فما أحسن ما قال المتنبي:

و من جهلت نفسه قدره

رأى غيره منه ما لا يرى

و أما التيه و ماهيته فهو قريب من العجب لكن المعجب يصدق نفسه و هما فيما يظن بها و التياه يصدقها قطعا كأنه متحير في تيه و يمكن أن يفرق بينهما بأمر آخر و يقول إن المعجب قد يعجب بنفسه و لا يؤذي أحدا بذلك الإعجاب و التياه يضم إلى الإعجاب الغض من الناس و الترفع عليهم فيستلزم ذلك الأذى لهم فكل تائه معجب و ليس كل معجب تائها

٣٩٣

170

وَ قَالَ ع اَلْأَمْرُ قَرِيبٌ وَ اَلاِصْطِحَابُ قَلِيلٌ هذه الكلمة تذكر بالموت و سرعة زوال الدنيا و قال أبو العلاء:

نفسي و جسمي لما استجمعا صنعا

شرا إلى فجل الواحد الصمد

فالجسم يعذل فيه النفس مجتهدا

و تلك تزعم أن الظالم الجسد

إذا هما بعد طول الصحبة افترقا

فإن ذاك لأحداث الزمان يد

و أصبح الجوهر الحساس في محن

موصولة و استراح الآخر الجمد

٣٩٤

171

وَ قَالَ ع قَدْ أَضَاءَ اَلصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ هذا الكلام جار مجرى المثل و مثله

و الشمس لا تخفى عن الأبصار

و مثله

إن الغزالة لا تخفى عن البصر

و قال ابن هانئ يمدح المعتز:

فاستيقظوا من رقدة و تنبهوا

ما بالصباح عن العيون خفاء

ليست سماء الله ما ترونها

لكن أرضا تحتويه سماء

٣٩٥

172

وَ قَالَ ع تَرْكُ اَلذَّنْبِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ اَلتَّوْبَةِ اَلْمَعُونَةِ هذا حق لأن ترك الذنب هو الإحجام عنه و هذا سهل على من يعرف أثر الذنب على ما ذا يكون و هو أسهل من أن يواقع الإنسان الذنب ثم يطلب التوبة فقد لا يخلص داعيه إليها ثم لو خلص فكيف له بحصوله على شروطها و هي أن يندم على القبيح لأنه قبيح لا لخوف العقاب و لا لرجاء الثواب ثم لا يكفيه أن يتوب من الزنا وحده و لا من شرب الخمر وحده بل لا تصح توبته حتى تكون عامة شاملة لكل القبائح فيندم على ما قال و يود أنه لم يفعل و يعزم على ألا يعاود معصية أصلا و إن نقض التوبة عادت عليه الآثام القديمة و العقاب المستحق و لا الذي كان سقط بالتوبة على رأي كثير من أرباب علم الكلام و لا ريب أن ترك الذنب من الابتداء أسهل من طلب توبة هذه صفتها.و هذا الكلام جار مجرى المثل يضرب لمن يشرع في أمر يخاطر فيه و يرجو أن يتخلص منه فيما بعد بوجه من الوجوه

٣٩٦

173

وَ قَالَ ع كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ تَمْنَعُ مَنَعَتْ أَكَلاَتٍ أخذ هذا المعنى بلفظه الحريري فقال في المقامات رب أكلة هاضت الآكل و منعته مآكل و أخذه أبو العلاف الشاعر فقال في سنوره الذي يرثيه:

أردت أن تأكل الفراخ و لا

يأكلك الدهر أكل مضطهد

يا من لذيذ الفراخ أوقعه

ويحك هلا قنعت بالقدد

كم أكلة خامرت حشا شره

فأخرجت روحه من الجسد

نوادر المكثرين من الأكل

و كان ابن عياش المنتوف يمازح المنصور أبا جعفر فيحتمله على أنه كان جدا كله فقدم المنصور لجلسائه يوما بطة كثيرة الدهن فأكلوا و جعل يأمرهم بالازدياد من الأكل لطيبها فقال ابن عياش قد علمت غرضك يا أمير المؤمنين إنما تريد أن ترميهم منها بالحجاب يعني الهيضة فلا يأكلوا إلى عشرة أيام شيئا.و في المثل أكلة أبي خارجة و قال أعرابي و هو يدعو الله بباب الكعبة اللهم

٣٩٧

ميتة كميتة أبي خارجة فسألوه فقال أكل بذجا و هو الحمل و شرب وطبا من اللبن و يروى من النبيذ و هو كالحوض من جلود ينبذ فيه و نام في الشمس فمات فلقي الله تعالى شبعان ريان دفيئا.و العرب تعير بكثرة الأكل و تعيب بالجشع و الشره و النهم و قد كان فيهم قوم موصوفون بكثرة الأكل منهم معاوية قال أبو الحسن المدائني في كتاب الأكلة كان يأكل في اليوم أربع أكلات أخراهن عظماهن ثم يتعشى بعدها بثريدة عليها بصل كثير و دهن كثير قد شغلها و كان أكله فاحشا يأكل فيلطخ منديلين أو ثلاثة قبل أن يفرغ و كان يأكل حتى يستلقي و يقول يا غلام ارفع فلأني و الله ما شبعت و لكن مللت.و كان عبيد الله بن زياد يأكل في اليوم خمس أكلات أخراهن خبية بعسل و يوضع بين يديه بعد أن يفرغ الطعام عناق أو جدي فيأتي عليه وحده.و كان سليمان بن عبد الملك المصيبة العظمى في الأكل دخل إلى الرافقة فقال لصاحب طعامه أطعمنا اليوم من خرفان الرافقة و دخل الحمام فأطال ثم خرج فأكل ثلاثين خروفا بثمانين رغيفا ثم قعد على المائدة فأكل مع الناس كأنه لم يأكل شيئا.و قال الشمردل وكيل آل عمرو بن العاص قدم سليمان الطائف و قد عرفت استجاعته فدخل هو و عمر بن عبد العزيز و أيوب ابنه إلى بستان لي هناك يعرف بالرهط فقال ناهيك بمالك هذا لو لا جرار فيه قلت يا أمير المؤمنين إنها ليست بجرار و لكنها جرار الزبيب فضحك ثم جاء حتى ألقى صدره على غصن شجرة هناك و قال يا شمردل أ ما عندك شي‏ء تطعمني و قد كنت استعددت له فقلت بلى و الله عندي جدي كانت تغدو عليه حافلة و تروح عليه أخرى فقال عجل به فجئته

٣٩٨

به مشويا كأنه عكة سمن فأكله لا يدعو عليه عمر و لا ابنه حتى إذا بقي فخذ قال يا عمر هلم قال إني صائم ثم قال يا شمردل أ ما عندك شي‏ء قلت بلى دجاجات خمس كأنهن رئلان النعام فقال هات فأتيته بهن فكان يأخذ برجل الدجاجة حتى يعري عظامها ثم يلقيها حتى أتى عليهن ثم قال ويحك يا شمردل أ ما عندك شي‏ء قلت بلى سويق كأنه قراضة الذهب ملتوت بعسل و سمن قال هلم فجئته بعس تغيب فيه الرأس فأخذه فلطم به جبهته حتى أتى عليه فلما فرغ تجشأ كأنه صارخ في جب ثم التفت إلى طباخه فقال ويحك أ فرغت من طبيخك قال نعم قال و ما هو قال نيف و ثمانون قدرا قال فأتني بها قدرا قدرا فعرضها عليه و كان يأكل من كل قدر لقمتين أو ثلاثا ثم مسح يده و استلقى على قفاه و أذن للناس و وضعت الموائد فقعد فأكل مع الناس كأنه لم يطعم شيئا.قالوا و كان الطعام الذي مات منه سليمان أنه قال لديراني كان صديقه قبل الخلافة ويحك لا تقطعني ألطافك التي كنت تلطفني بها على عهد الوليد أخي قال فأتيته يوما بزنبيلين كبيرين أحدهما بيض مسلوق و الآخر تين فقال لقمنيه فكنت أقشر البيضة و أقرنها بالتينة و ألقمه حتى أتى على الزنبيلين فأصابته تخمة عظيمة و مات و يحكى أن عمرو بن معديكرب أكل عنزا رباعية و فرقا من ذرة و الفرق ثلاثة آصع و قال لامرأته عالجي لنا هذا الكبش حتى أرجع فجعلت توقد تحته و تأخذ عضوا عضوا فتأكله فاطلعت فإذا ليس في القدر إلا المرق فقامت إلى كبش آخر فذبحته و طبخته ثم أقبل عمرو فثردت له في جفنة العجين و كفأت القدر عليها فمد يده و قال يا أم ثور دونك الغداء قالت قد أكلت فأكل الكبش كله ثم اضطجع و دعاها إلى الفراش فلم يستطع الفعل فقالت له كيف تستطيع و بيني و بينك كبشان.

٣٩٩

و قد روي هذا الخبر عن بعض العرب و قيل إنه أكل حوارا و أكلت امرأته حائلا فلما أراد أن يدنو منها و عجز قالت له كيف تصل إلي و بيني و بينك بعيران.و كان الحجاج عظيم الأكل قال مسلم بن قتيبة كنت في دار الحجاج مع ولده و أنا غلام فقيل قد جاء الأمير فدخل الحجاج فأمر بتنور فنصب و أمر رجلا أن يخبز له خبز الماء و دعا بسمك فأتوه به فجعل يأكل حتى أكل ثمانين جاما من السمك بثمانين رغيفا من خبز الملة.و كان هلال بن أشعر المازني موصوفا بكثرة الأكل أكل ثلاث جفان ثريد و استسقى فجاءوه بقربة مملوءة نبيذا فوضعوا فمها في فمه حتى شربها بأسرها.و كان هلال بن أبي بردة أكولا قال قصابه جاءني رسوله سحرة فأتيته و بين يديه كانون فيه جمر و تيس ضخم فقال دونك هذا التيس فاذبحه فذبحته و سلخته فقال أخرج هذا الكانون إلى الرواق و شرح اللحم و كبه على النار فجعلت كلما استوى شي‏ء قدمته إليه حتى لم يبق من التيس إلا العظام و قطعة لحم على الجمر فقال لي كلها فأكلتها ثم شرب خمسة أقداح و ناولني قدحا فشربته فهزني و جاءته جارية ببرمة فيها ناهضان و دجاجتان و أرغفة فأكل ذلك كله ثم جاءته جارية أخرى بقصعة مغطاة لا أدري ما فيها فضحك إلى الجارية فقال ويحك لم يبق في بطني موضع لهذا فضحكت الجارية و انصرفت فقال لي الحق بأهلك.

٤٠٠