كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 417

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 417
المشاهدات: 35689
تحميل: 4583


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35689 / تحميل: 4583
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 18

مؤلف:
العربية

112

وَ قَالَ ع كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَ مَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وَ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ اَلْقَوْلِ فِيهِ وَ مَا اِبْتَلَى اَللَّهُ أَحَداً بِمِثْلِ اَلْإِمْلاَءِ لَهُ قد تقدم القول في الاستدراج و الإملاء.فأما القول في فتنة الإنسان بحسن القول فيه فقد ذكرنا أيضا طرفا صالحا يتعلق بها.

و قال رسول الله ص لرجل مدح رجلا و قد مر بمجلس رسول الله ص فلم يسمع و لكن قال ويحك لكدت تضرب عنقه لو سمعها لما أفلح

٢٨١

113

وَ قَالَ ع هَلَكَ فِيَّ رَجُلاَنِ مُحِبٌّ غَالٍ وَ مُبْغِضٌ قَالٍ قد تقدم القول في مثل هذا و قد قال رسول الله ص و الله لو لا أني أشفق أن تقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بأحد من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة.و مع كونه ص لم يقل فيه ذلك المقال فقد غلت فيه غلاة كثيرة العدد منتشرة في الدنيا يعتقدون فيه ما يعتقد النصارى في ابن مريم و أشنع من ذلك الاعتقاد.فأما المبغض القالي فقد رأينا من يبغضه و لكن ما رأينا من يلعنه و يصرح بالبراءة منه و يقال إن في عمان و ما والاها من صحار و ما يجري مجراها قوما يعتقدون فيه ما كانت الخوارج تعتقده فيه و أنا أبرأ إلى الله منهما

٢٨٢

114

وَ قَالَ ع إِضَاعَةُ اَلْفُرْصَةِ غُصَّةٌ.

في المثل انتهزوا الفرص فإنها تمر مر السحاب.

و قال الشاعر:

و إن أمكنت فرصة في العدو

فلا يك همك إلا بها

فإن تك لم تأت من بابها

أتاك عدوك من بابها

و إياك من ندم بعدها

و تأميل أخرى و أنى بها...؟

٢٨٣

115

وَ قَالَ ع مَثَلُ اَلدُّنْيَا كَمَثَلِ اَلْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا وَ اَلسَّمُّ اَلنَّاقِعُ فِي جَوْفِهَا يَهْوِي إِلَيْهَا اَلْغِرُّ اَلْجَاهِلُ وَ يَحْذَرُهَا ذُو اَللُّبِّ اَلْعَاقِلُ قد تقدم القول في الدنيا مرارا و قد أخذ أبو العتاهية هذا المعنى فقال إنما الدهر أرقم لين المس و في نابه السقام العقام

٢٨٤

116

وَ قَالَ ع : وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ أَمَّا بَنُو مَخْزُومٍ فَرَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ تُحِبُّ نُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ وَ اَلنِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ وَ أَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً وَ أَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا وَ أَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا وَ أَسْمَحُ عِنْدَ اَلْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا وَ هُمْ أَكْثَرُ وَ أَمْكَرُ وَ أَنْكَرُ وَ نَحْنُ أَفْصَحُ وَ أَنْصَحُ وَ أَصْبَحُ

فصل في نسب بني مخزوم و طرف من أخبارهم

قد تقدم القول في مفاخرة هاشم و عبد شمس فأما بنو مخزوم فإنهم بعد هذين البيتين أفخر قريش و أعظمها شرفا.قال شيخنا أبو عثمان حظيت مخزوم بالأشعار فانتشر لهم صيت عظيم بها و اتفق لهم فيها ما لم يتفق لأحد و ذلك أنه يضرب بهم المثل في العز و المنعة و الجود و الشرف و أوضعوا في كل غاية فمن ذلك قول سيحان الجسري حليف بني أمية في كلمة له و حين يناغي الركب موت هشام فدل ذلك على أن ما تقوله مخزوم في التاريخ حق و ذلك أنهم قالوا كانت قريش و كنانة و من والاهم من الناس يؤرخون بثلاثة أشياء كانوا يقولون كان ذلك زمن

٢٨٥

مبنى الكعبة و كان ذلك من مجي‏ء الفيل و كان ذلك عام مات هشام بن المغيرة كما كانت العرب تؤرخ فتقول كان ذلك زمن الفطحل و كان ذلك زمن الحيان و كان ذلك زمن الحجارة و كان ذلك عام الحجاف و الرواة تجعل ضرب المثل من أعظم المفاخر و أظهر الدلائل و الشعر كما علمت كما يرفع يضع كما رفع من بني أنف الناقة قول الحطيئة:

قوم هم الأنف و الأذناب غيرهم

و من يسوي بأنف الناقة الذنبا

و كما وضع من بني نمير قول جرير:

فعض الطرف إنك من نمير

فلا كعبا بلغت و لا كلابا

فلقيت نمير من هذا البيت ما لقيت.و جعلهم الشاعر مثلا فيمن وضعه الهجاء و هو يهجو قوما من العرب:

و سوف يزيدكم ضعة هجائي

كما وضع الهجاء بني نمير

و نمير قبيل شريف و قد ثلم في شرفهم هذا البيت.و قال ابن غزالة الكندي و هو يمدح بني شيبان و لم يكن في موضع رغبة إلى بني مخزوم و لا في موضع رهبة:

كأني إذ حططت الرحل فيهم

بمكة حين حل بها هشام

فضرب بهشام المثل.و قال رجل من بني حزم أحد بني سلمى و هو يمدح حرب بن معاوية الخفاجي و خفاجة من بني عقيل:

إلى حزن الحزون سمت ركابي

بوابل خلفها عسلان جيش

٢٨٦

فلما أن أنخت إلى ذراه

أمنت فراشني منه بريش

توسط بيته في آل كعب

كبيت بني مغيرة في قريش

فضرب المثل ببيتهم في قريش.و قال عبد الرحمن بن حسان لعبد الرحمن بن الحكم:

ما رست أكيس من بني قحطان

صعب الذرا متمنع الأركان

إني طمعت بفخر من لو رامه

آل المغيرة أو بنو ذكوان

لملأتها خيلا تضب لثاتها

مثل الدبا و كواسر العقبان

منهم هشام و الوليد و عدلهم

و أبو أمية مفزع الركبان

فضرب المثل بآل المغيرة.و أما بنو ذكوان فبنو بدر بن عمرو بن حوية بن ذكوان أحد بني عدي بن فزارة منهم حذيفة و حمل و رهطهما و قال مالك بن نويرة:

أ لم ينه عنا فخر بكر بن وائل

هزيمتهم في كل يوم لزام

فمنهن يوم الشر أو يوم منعج

و بالجزع إذ قسمن حي عصام

أحاديث شاعت في معد و غيرها

و خبرها الركبان حي هشام

فجعل قريشا كلها حيا لهشام.و قال عبد الله بن ثور الخفاجي:

و أصبح بطن مكة مقشعرا

كأن الأرض ليس بها هشام

و هذا مثل و فوق المثل.قالوا و قال الخروف الكلبي و قد مر به ناس من تجار قريش يريدون الشام بادين

٢٨٧

قشفين ما لكم معاشر قريش هكذا أجدبتم أم مات هشام فجعل موت هشام بإزاء الجدب و المحل و في هذا المعنى قال مسافر بن أبي عمرو:

تقول لنا الركبان في كل منزل

أ مات هشام أم أصابكم جدب

فجعل موت هشام و فقد الغيث سواء.

و قال عبد الله بن سلمة بن قشير:

دعيني أصطبح يا بكر إني

رأيت الموت نقب عن هشام

و قال أبو الطمحان القيني أو أخوه:

و كانت قريش لا تخون حريمها

من الخوف حتى ناهضت بهشام

و قال أبو بكر بن شعوب لقومه كنانة:

يا قومنا لا تهلكوا إخفاتا

إن هشام القرشي ماتا

و قال خداش بن زهير:

و قد كنت هجاء لهم ثم كفكفوا

نوافذ قولي بالهمام هشام

و قال علي بن هرمة عم إبراهيم بن هرمة:

و من يرتئي مدحي فإن مدائحي

نوافق عند الأكرمين سوام

نوافق عند المشتري الحمد بالندى

نفاق بنات الحارث بن هشام

و قال الشاعر و هو يهجو رجلا:

أ حسبت أن أباك يوم نسبتني

في المجد كان الحارث بن هشام

أولى قريش بالمكارم كلها

في الجاهلية كان و الإسلام

٢٨٨

و قال الأسود بن يعفر النهشلي:

إن الأكارم من قريش كلها

شهدوا فراموا الأمر كل مرام

حتى إذا كثر التجادل بينهم

حزم الأمور الحارث بن هشام

و قال ثابت قطنة أو كعب الأشقري لمحمد بن الأشعث بن قيس:

أ توعدني بالأشعثي و مالك

و تفخر جهلا بالوسيط الطماطم

كأنك بالبطحاء تذمر حارثا

و خالد سيف الدين بين الملاحم

و قال الخزاعي في كلمته التي يذكر فيها أبا أحيحة:

له سرة البطحاء و العد و الثرى

و لا كهاشم الخير و القلب مردف

و سأل معاوية صعصعة بن صوحان العبدي عن قبائل قريش فقال إن قلنا غضبتم و إن سكتنا غضبتم فقال أقسمت عليك قال فيمن يقول شاعركم:

و عشرة كلهم سيد

آباء سادات و أبناؤها

إن يسألوا يعطوا و إن يعدموا

يبيض من مكة بطحاؤها

و قال عبد الرحمن بن سيحان الجسري حليف بني أمية و هو يهجو عبد الله بن مطيع من بني عدي:

حرام كنتي مني بسوء

و أذكر صاحبي أبدا بذام

لقد أصرمت ود بني مطيع

حرام الدهر للرجل الحرام

و إن خيف الزمان مددت حبلا

متينا من حبال بني هاشم

وريق عودهم أبدا رطيب

إذا ما اهتز عيدان الكرام

٢٨٩

و قال أبو طالب بن عبد المطلب و هو يفخر بخاليه هشام و الوليد على أبي سفيان بن حرب:

و خالي هشام بن المغيرة ثاقب

إذا هم يوما كالحسام المهند

و خالي الوليد العدل عال مكانه

و خال أبي سفيان عمرو بن مرثد

و قال ابن الزبعرى فيهم:

لهم مشية ليست تليق بغيرهم

إذا احدودب المثرون في السنة الجدب

و قال شاعر من بني هوازن أحد بني أنف الناقة حين سقى إبله عبد الله بن أبي أمية المخزومي بعد أن منعه الزبرقان بن بدر:

أ تدري من منعت سيال حوض

سليل خضارم منعوا البطاحا

أ زاد الركب تمنع أم هشاما

و ذا الرمحين أمنعهم سلاحا

هم منعوا الأباطح دون فهر

و من بالخيف و البلد الكفاحا

بضرب دون بيضهم طلخف

إذا الملهوف لاذ بهم و صاحا

و ما تدري بأيهم تلاقي

صدور المشرفية و الرماحا

فقال عبد الله بن أبي أمية مجيبا له:

لعمري لأنت المرء يحسن باديا

و تحسن عودا شيمة و تصنعا

عرفت لقوم مجدهم و قديمهم

و كنت لما أسديت أهلا و موضعا

قالوا و كان الوليد بن المغيرة يجلس بذي المجاز فيحكم بين العرب أيام عكاظ و قد كان رجل من بني عامر بن لؤي رافق رجلا من بني عبد مناف بن قصي فجرى بينهما كلام في حبل فعلاه بالعصا حتى قتله فكاد دمه يطل فقام دونه أبو طالب

٢٩٠

بن عبد المطلب و قدمه إلى الوليد فاستحلفه خمسين يمينا أنه ما قتله ففي ذلك يقول أبو طالب:

أ من أجل حبل ذي رمام علوته

بمنسأة قد جاء حبل و أحبل

هلم إلى حكم ابن صخرة إنه

سيحكم فيما بيننا ثم يعدل

و قال أبو طالب أيضا في كلمة له:

و حكمك يبقي الخير إن عز أمره

تخمط و استعلى على الأضعف الفرد

و قال أبو طالب أيضا يرثي أبا أمية زاد الركب و هو خاله:

كأن على رضراض قص و جندل

من اليبس أو تحت الفراش المجامر

على خير حاف من معد و ناعل

إذا الخير يرجي أو إذا الشر حاسر

ألا إن زاد الركب غير مدافع

بسرو سحيم غيبته المقابر

تنادوا بأن لا سيد اليوم فيهم

و قد فجع الحيان كعب و عامر

و كان إذا يأتي من الشام قافلا

تقدمه قبل الدنو البشائر

فيصبح آل الله بيضا ثيابهم

و قدما حباهم و العيون كواسر

أخو جفنة لا تبرح الدهر عندنا

مجعجعة تدمي وشاء و باقر

ضروب بنصل السيف سوق سمانها

إذا أرسلوا يوما فإنك عاقر

فيا لك من راع رميت بآلة

شراعية تخضر منه الأظافر

و قال أبو طالب أيضا يرثي خاله هشام بن المغيرة

٢٩١

فقدنا عميد الحي و الركن خاشع

كفقد أبي عثمان و البيت و الحجر

و كان هشام بن المغيرة عصمة

إذا عرك الناس المخاوف و الفقر

بأبياته كانت أرامل قومه

تلوذ و أيتام العشيرة و السفر

فودت قريش لو فدته بشطرها

و قل لعمري لو فدوه له الشطر

نقول لعمرو أنت منه و إننا

لنرجوك في جل الملمات يا عمرو

عمرو هذا هو أبو جهل بن هشام و أبو عثمان هو هشام.

و قالت ضباعة بنت عامر بن سلمة بن قرط ترثيه:

إن أبا عثمان لم أنسه

و إن صبرا عن بكاه لحوب

تفاقدوا من معشر ما لهم

أي ذنوب صوبوا في القليب

و قال حسان بن ثابت و هو يهجو أبا جهل و كان يكنى أبا الحكم:

الناس كنوه أبا حكم

و الله كناه أبا جهل

أبقت رئاسته لأسرته

لؤم الفروع و دقة الأصل

فاعترف له بالرئاسة و التقدم.و قال أبو عبيد معمر بن المثنى لما تنافر عامر بن الطفيل و علقمة بن علاثة إلى هرم بن قطبة و توارى عنهما أرسل إليهما عليكما بالفتى الحديث السن الحديد الذهن فصارا إلى أبي جهل فقال له ابن الزبعرى:

فلا تحكم فداك أبي و خالي

و كن كالمرء حاكم آل عمرو

٢٩٢

فأبى أن يحكم فرجعا إلى هرم.

و قال عبد الله بن ثور:

هريقا من دموعكما سجاما

ضباع و حاربي نوحا قياما

فمن للركب إذ جاءوا طروقا

و غلقت البيوت فلا هشاما

و قال أيضا في كلمة له:

و ما ولدت نساء بني نزار

و لا رشحن أكرم من هشام

هشام بن المغيرة خير فهر

و أفضل من سقى صوب الغمام

و قال عمارة بن أبي طرفة الهذلي سمعت ابن جريح يقول في كلام له هلك سيد البطحاء بالرعاف قلت و من سيد البطحاء قال هشام بن المغيرة.و قال النبي ص لو دخل أحد من مشركي قريش الجنة لدخلها هشام بن المغيرة كان أبذلهم للمعروف و أحملهم للكل و قال عمر بن الخطاب لا قليل في الله و لا كثير في غير الله و لو بالخلق الجزل و الفعال الدثر تنال المثوبة لنالها هشام بن المغيرة و لكن بتوحيد الله و الجهاد في سبيله.و قال خداش بن زهير في يوم شمطة و هو أحد أيام الفجار و هو عدو قريش و خصمها:

و بلغ أن بلغت بنا هشاما

و ذا الرمحين بلغ و الوليدا

أولئك إن يكن في الناس جود

فإن لديهم حسبا و جودا

هم خير المعاشر من قريش

و أوراها إذا قدحوا زنودا

٢٩٣

و قال أيضا و ذكرهما في تلك الحروب:

يا شدة ما شددنا غير كاذبة

على سخينة لو لا الليل و الحرم

إذا ثقفنا هشاما بالوليد و لو

أنا ثقفنا هشاما شالت الجذم

و ذكرهم ابن الزبعرى في تلك الحروب فقال:

ألا لله قوم

ولدت أخت بني سهم

هشام و أبو عبد

مناف مدره الخصم

و ذو الرمحين أشباك

من القوة و الحزم

فهذان يذودان

و ذا عن كثب يرمي

و هم يوم عكاظ

منعوا الناس من الهزم

بجأواء طحون فخمة

القونس كالنجم

أسود تزدهى الأقران

مناعون للهضم

فإن أحلف و بيت الله

لا أحلف على إثم

و ما من إخوة بين

دروب الشام و الردم

بأزكى من بني ريطة

أو أرزن من حلم

ريطة هي أم ولد المغيرة و هي ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب و أبو عبد مناف هو أبو أمية بن المغيرة و يعرف بزاد الركب و اسمه حذيفة و إنما قيل له زاد الركب لأنه كان إذا خرج مسافرا لم يتزود معه أحد و كانت

٢٩٤

عنده عاتكة بنت عبد المطلب بن هشام و أما ذو الرمحين فهو أبو ربيعة بن المغيرة و اسمه عمرو و كان المغيرة يكنى باسم ابنه الأكبر و هو هاشم و لم يعقب إلا من حنتمة ابنته و هي أم عمر بن الخطاب.و قال ابن الزبعرى يمدح أبا جهل:

رب نديم ماجد الأصل

مهذب الأعراق و النجل

منهم أبو عبد مناف و كم

سربت بالضخم على العدل

عمرو الندى ذاك و أشياعه

ما شئت من قول و من فعل

و قال الورد بن خلاس السهمي سهم بأهله يمدح الوليد:

إذا كنت في حيي جذيمة ثاويا

فعند عظيم القريتين وليد

فذاك وحيد الرأي مشترك الندى

و عصمة ملهوف الجنان عميد

و قال أيضا:

إن الوليدين و الأبناء ضاحية

ربا تهامة في الميسور و العسر

هم الغياث و بعض القوم قرقمة

عز الذليل و غيظ الحاسد الوغر

و قال:

و رهطك يا ابن الغيث أكرم محتد

و امنع للجار اللهيف المهضم

قالوا الغيث لقب المغيرة و جعل الوليد و أخاه هشاما ربي تهامة كما قال لبيد بن ربيعة في حذيفة بن بدر:

و أهلكن يوما رب كندة و ابنه

و رب معد بين خبت و عرعر

فجعله رب معد.

٢٩٥

قالوا يدل على قدر مخزوم ما رأينا من تعظيم القرآن لشأنهم دون غيرهم من سائر قريش قال الله تعالى مخبرا عن العرب إنهم قالوا( لَوْ لا نُزِّلَ هذَا اَلْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ اَلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) فأحد الرجلين العظيمين بلا شك الوليد بن المغيرة و الآخر مختلف فيه أ هو عروة بن مسعود أم جد المختار بن أبي عبيد.و قال سبحانه في الوليد( ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَ جَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً وَ بَنِينَ شُهُوداً ) الآيات.قالوا و في الوليد نزلت( أَمَّا مَنِ اِسْتَغْنى‏ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ) .و في أبي جهل نزلت( ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْكَرِيمُ ) .و فيه نزلت( فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ) .و في مخزوم( وَ ذَرْنِي وَ اَلْمُكَذِّبِينَ أُولِي اَلنَّعْمَةِ ) .و فيهم نزلت( ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ ) .و زعم اليقطري أبو اليقظان و أبو الحسن أن الحجاج سأل أعشى همدان عن بيوتات قريش في الجاهلية فقال إني قد آليت ألا أنفر أحدا على أحد و لكن أقول و تسمعون قالوا فقل قال من أيهم المحبب في أهله المؤرخ بذكره محلي الكعبة و ضارب القبة و الملقب بالخير و صاحب الخير و المير قالوا من بني مخزوم قال فمن أيهم ضجيع بسباسة و المنحور عنه ألف ناقة و زاد الركب و مبيض البطحاء قالوا من بني مخزوم قال فمن أيهم كان المقنع في حكمه و المنفذ وصيته على تهكمه و عدل الجميع في الرفادة و أول من وضع أساس الكعبة قالوا من بني مخزوم قال فمن

٢٩٦

أيهم صاحب الأريكة و مطعم الخزيرة قالوا من بني مخزوم قال فمن أيهم الإخوة العشرة الكرام البررة قالوا من بني مخزوم قال فهو ذاك فقال رجل من بني أمية أيها الأمير لو كان لهم مع قديمهم حديث إسلام فقال الحجاج أ و ما علمت بأن منهم رداد الردة و قاتل مسيلمة و آسر طليحة و المدرك بالطائلة مع الفتوح العظام و الأيادي الجسام فهذا آخر ما ذكره أبو عثمان.و يمكن أن يزاد عليه فيقال قالت مخزوم ما أنصفنا من اقتصر في ذكرنا على أن قال مخزوم ريحانة قريش تحب حديث رجالهم و النكاح في نسائهم و لنا في الجاهلية و الإسلام أثر عظيم و رجال كثيرة و رؤساء شهيرة فمنا المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم كان سيد قريش في الجاهلية و هو الذي منع فزارة من الحج لما عير خشين بن لأي الفزاري ثم الشمخي قوما من قريش إنهم يأخذون ما ينحره العرب من الإبل في الموسم فقال خشين لما منع من الحج:

يا رب هل عندك من عقيره

أصلح مالي و أدع تنحيره

فإن منا مانع المغيره

و مانعا بعد منى بثيره

و مانعا بيتك أن أزوره

منا بنو المغيرة العشرة أمهم ريطة و قد تقدم ذكر نسبها و أمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي و أمها الحظيا بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة أول امرأة من قريش ضربت قباب الأدم بذي المجاز و لها يقول الشاعر:

مضى بالصالحات بنو الحظيا

و كان بسيفهم يغنى الفقير

فمن هؤلاء أعني الحظيا الوليد بن المغيرة أمه صخرة بنت الحارث بن عبد الله

٢٩٧

بن عبد شمس القشيري كان أبو طالب بن عبد المطلب يفتخر بأنه خاله و كفاك من رجل يفتخر أبو طالب بخئولته أ لا ترى إلى قول أبي طالب:

و خالي الوليد قد عرفتم مكانه

و خالي أبو العاصي إياس بن معبد

و منهم حفص بن المغيرة و كان شريفا و عثمان بن المغيرة و كان شريفا و منهم السيد المطاع هشام بن المغيرة و كان سيد قريش غير مدافع له يقول أبو بكر بن الأسود بن شعوب يرثيه:

ذريني أصطبح يا بكر إني

رأيت الموت نقب عن هشام

تخيره و لم يعدل سواه

و نعم المرء بالبلد الحرام

و كنت إذا ألاقيه كأني

إلى حرم و في شهر حرام

فود بنو المغيرة لو فدوه

بألف مقاتل و بألف رام

و ود بنو المغيرة لو فدوه

بألف من رجال أو سوام

فبكيه ضباع و لا تملي

هشاما إنه غيث الأنام

و يقول له الحارث بن أمية الضمري:

ألا هلك القناص و الحامل الثقلا

و من لا يضن عن عشيرته فضلا

و حرب أبا عثمان أطفأت نارها

و لو لا هشام أوقدت حطبا جزلا

و عان تريك يستكين لعلة

فككت أبا عثمان عن يده الغلا

ألا لست كالهلكى فتبكى بكاءهم

و لكن أرى الهلاك في جنبه و غلا

غداة غدت تبكي ضباعة غيثنا

هشاما و قد أعلت بمهلكه ضحلا

أ لم تريا أن الأمانة أصعدت

مع النعش إذ ولى و كان لها أهلا

٢٩٨

و قال أيضا يبكيه و يرثيه:

و أصبح بطن مكة مقشعرا

شديد المحل ليس به هشام

يروح كأنه أشلاء سوط

و فوق جفانه شحم ركام

فللكبراء أكل كيف شاءوا

و للولدان لقم و اغتنام

فبكيه ضباع و لا تملي

ثمال الناس إن قحط الغمام

و إن بني المغيرة من قريش

هم الرأس المقدم و السنام

و ضباعة التي تذكرها الشعراء زوجة هشام و هي من بني قشير.قال الزبير بن بكار فلما قال الحارث ألا لست كالهلكى البيت عظم ذلك على بني عبد مناف فأغروا به حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي حليف بني عبد شمس و كانت قريش رضيت به و استعملته على سقائها ففر منه الحارث و قال:

أفر من الأباطح كل يوم

مخافة أن ينكل بي حكيم

فهدم حكيم داره فأعطاه بنو هشام داره التي بأجياد عوضا منها.و قال عبد الله بن ثور البكائي يرثيه:

هريقي من دموعهما سجاما

ضباع و جاوبى نوحا قياما

على خير البرية لن تراه

و لن تلقى مواهبه العظاما

جواد مثل سيل الغيث يوما

إذا علجانه يعلو الإكاما

إذا ما كان عام ذو عرام

حسبت قدوره جبلا صياما

٢٩٩

فمن للركب إذا مسوا طروقا

و غلقت البيوت فلا هشاما

و أوحش بطن مكة بعد أنس

و مجد كان فيها قد أقاما

فلم أر مثله في أهل نجد

و لا فيمن بغورك يا تهاما

قال الزبير و كان فارس قريش في الجاهلية هشام بن المغيرة و أبو لبيد بن عبدة بن حجرة بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي و كان يقال لهشام فارس البطحاء فلما هلكا كان فارسي قريش بعدهما عمرو بن عبد العامري المقتول يوم الخندق و ضرار بن الخطاب المحاربي الفهري ثم هبيرة بن أبي وهب و عكرمة بن أبي جهل المخزوميان قالوا و كان عام مات هشام تاريخا كعام الفيل و عام الفجار و عام بنيان الكعبة و كان هشام رئيس بني مخزوم يوم الفجار.قالوا و منا أبو جهل بن هشام و اسمه عمرو و كنيته أبو الحكم و إنما كناه أبا جهل رسول الله ص كان سيدا أدخلته قريش دار الندوة فسودته و أجلسته فوق الجلة من شيوخ قريش و هو غلام لم يطر شاربه و هو أحد من ساد على الصبا و الحارث بن هشام أخو أبي جهل كان شريفا مذكورا و له يقول كعب بن الأشرف اليهودي الطائي:

نبئت أن الحارث بن هشام

في الناس يبني المكرمات و يجمع

ليزور يثرب بالجموع و إنما

يبني على الحسب القديم الأروع

و هو الذي هاجر من مكة إلى الشام بأهله و ماله في خلافة عمر بن الخطاب فتبعه أهل مكة يبكون فرق و بكى و قال إنا لو كنا نستبدل دارا بدار و جارا

٣٠٠