كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 417

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 417
المشاهدات: 35684
تحميل: 4582


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35684 / تحميل: 4582
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 18

مؤلف:
العربية

60

وَ قَالَ ع إِذَا حُيِّيتَ بِتَحِيَّةٍ فَحَيِّ بِأَحْسَنَ مِنْهَا وَ إِذَا أُسْدِيَتْ إِلَيْكَ يَدٌ فكَاَفِئْهَا بِمَا يُرْبِي عَلَيْهَا وَ اَلْفَضْلُ مَعَ ذَلِكَ لِلْبَادِئِ اللفظة الأولى من القرآن العزيز و الثانية تتضمن معنى مشهورا.و قوله و الفضل مع ذلك للبادئ يقال في الكرم و الحث على فعل الخير.و روى المدائني قال قدم على أسد بن عبد الله القشيري بخراسان رجل فدخل مع الناس فقال أصلح الله الأمير إن لي عندك يدا قال و ما يدك قال أخذت بركابك يوم كذا قال صدقت حاجتك قال توليني أبيورد قال لم قال لأكسب مائة ألف درهم قال فإنا قد أمرنا لك بها الساعة فنكون قد بلغناك ما تحب و أقررنا صاحبنا على عمله قال أصلح الله الأمير إنك لم تقض ذمامي قال و لم و قد أعطيتك ما أملت قال فأين الإمارة و أين حب الأمر و النهي قال قد وليتك أبيورد و سوغت لك ما أمرت لك به و أعفيتك من المحاسبة إن صرفتك عنها قال و لم تصرفني عنها و لا يكون الصرف إلا من عجز أو خيانة

٢٠١

و أنا بري‏ء منهما قال اذهب فأنت أميرها ما دامت لنا خراسان فلم يزل أميرا على أبيورد حتى عزل أسد.قال المدائني و جاء رجل إلى نصر بن سيار يذكر قرابة قال و ما قرابتك قال ولدتني و إياك فلانة قال نصر قرابة عورة قال إن العورة كالشن البالي يرقعه أهله فينتفعون به قال حاجتك قال مائة ناقة لاقح و مائة نعجة ربى أي معها أولادها قال أما النعاج فخذها و أما النوق فنأمر لك بأثمانها.و روى الشعبي قال حضرت مجلس زياد و حضره رجل فقال أيها الأمير إن لي حرمة أ فأذكرها قال هاتها قال رأيتك بالطائف و أنت غليم ذو ذؤابة و قد أحاطت بك جماعة من الغلمان و أنت تركض هذا مرة برجلك و تنطح هذا مرة برأسك و تكدم مرة بأنيابك فكانوا مرة ينثالون عليك و هذه حالهم و مرة يندون عنك و أنت تتبعهم حتى كاثروك و استقووا عليك فجئت حتى أخرجتك من بينهم و أنت سليم و كلهم جريح قال صدقت أنت ذاك الرجل قال أنا ذاك قال حاجتك قال الغنى عن الطلب قال يا غلام أعطه كل صفراء و بيضاء عندك فنظر فإذا قيمة كل ما يملك ذلك اليوم من الذهب و الفضة أربعة و خمسون ألف درهم فأخذها و انصرف فقيل له بعد ذلك أنت رأيت زيادا و هو غلام بذلك الحال قال إي و الله لقد رأيته و قد اكتنفه صبيان صغيران كأنهما من سخال المعز فلو لا أني أدركته لظننت أنهما يأتيان على نفسه.و جاء رجل إلى معاوية و هو في مجلس العامة فقال يا أمير المؤمنين إن لي حرمة قال و ما هي قال دنوت من ركابك يوم صفين و قد قربت فرسك لتفر و أهل

٢٠٢

العراق قد رأوا الفتح و الظفر فقلت لك و الله لو كانت هند بنت عتبة مكانك ما فرت و لا اختارت إلا أن تموت كريمة أو تعيش حميدة أين تفر و قد قلدتك العرب أزمة أمورها و أعطتك قياد أعنتها فقلت لي اخفض صوتك لا أم لك ثم تماسكت و ثبت و ثابت إليك حماتك و تمثلت حينئذ بشعر أحفظ منه:

و قولي كلما جشأت و جاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي

فقال معاوية صدقت وددت أنك الآن أيضا خفضت من صوتك يا غلام أعطه خمسين ألف درهم فلو كنت أحسنت في الأدب لأحسنا لك في الزيادة

٢٠٣

61

وَ قَالَ ع اَلشَّفِيعُ جَنَاحُ اَلطَّالِبِ

جاء في الحديث مرفوعا اشفعوا إلي تؤجروا و يقضي الله على لسان نبيه ما شاء.و قال المأمون لإبراهيم بن المهدي لما عفا عنه إن أعظم يدا عندك من عفوي عنك أني لم أجرعك مرارة امتنان الشافعين.و من كلام قابوس بن وشمكير بزند الشفيع تورى نار النجاح و من كف المفيض ينتظر فوز القداح.قال المبرد أتاني رجل يستشفع بي في حاجة فأنشدني لنفسه:

إني قصدتك لا أدلى بمعرفة

و لا بقربى و لكن قد فشت نعمك

فبت حيران مكروبا يؤرقني

ذل الغريب و يغشيني الكرى كرمك

و لو هممت بغير العرف ما علقت

به يداك و لا انقادت له شيمك

ما زلت أنكب حتى زلزلت قدمي

فاحتل لتثبيتها لا زلزلت قدمك

قال فشفعت له و قمت بأمره حتى بلغت له ما أحب.بزرجمهر من لم يستغن بنفسه عن شفيعه و وسائله وهت قوى أسبابه و كان إلى

٢٠٤

الحرمان أقرب منه إلى بلوغ المراد و مثله من لم يرغب أوداؤه في اجتنابه لم يحظ بمدح شفعائه و مثله إذا زرت الملوك فإن حسبي شفيعا عندهم أن يعرفوني.كلم الأحنف مصعب بن الزبير في قوم حبسهم فقال أصلح الله الأمير إن كان هؤلاء حبسوا في باطل فالحق يخرجهم و إن كانوا حبسوا في حق فالعفو يسعهم فأمر بإخراجهم.آخر:

إذا أنت لم تعطفك إلا شفاعة

فلا خير في ود يكون بشافع

خرج العطاء في أيام المنصور و أقام الشقراني من ولد شقران مولى رسول الله ص ببابه أياما لا يصل إليه عطاؤه فخرج جعفر بن محمد من عند المنصور فقام الشقراني إليه فذكر له حاجته فرحب به ثم دخل ثانيا إلى المنصور و خرج و عطاء الشقراني في كمه فصبه في كمه ثم قال يا شقران إن الحسن من كل أحد حسن و إنه منك أحسن لمكانك منا و إن القبيح من كل أحد قبيح و هو منك أقبح لمكانك منا فاستحسن الناس ما قاله و ذلك لأن الشقراني كان صاحب شراب قالوا فانظر كيف أحسن السعي في استنجاز طلبته و كيف رحب به و أكرمه مع معرفته بحاله و كيف وعظه و نهاه عن المنكر على وجه التعريض قال الزمخشري و ما هو إلا من أخلاق الأنبياء.كتب سعيد بن حميد شفاعة لرجل كتابي هذا كتاب معتن بمن كتب له واثق بمن كتب إليه و لن يضيع حامله بين الثقة و العناية إن شاء الله.أبو الطيب:

إذا عرضت حاج إليه فنفسه

إلى نفسه فيها شفيع مشفع

٢٠٥

محمد بن جعفر و المنصور

كان المنصور معجبا بمحادثة محمد بن جعفر بن عبيد الله بن العباس و كان الناس لعظم قدره عند المنصور يفزعون إليه في الشفاعات و قضاء الحاجات فثقل ذلك على المنصور فحجبه مدة ثم تتبعته نفسه فحادث الربيع فيه و قال إنه لا صبر لي عنه لكني قد ذكرت شفاعاته فقال الربيع أنا أشترط ألا يعود فكلمه الربيع فقال نعم فمكث أياما لا يشفع ثم وقف له قوم من قريش و غيرهم برقاع و هو يريد دار المنصور فسألوه أن يأخذ رقاعهم فقص عليهم القصة فضرعوا إليه و سألوه فقال أما إذ أبيتم قبول العذر فإني لا أقبضها منكم و لكن هلموا فاجعلوها في كمي فقذفوها في كمه و دخل على المنصور و هو في الخضراء يشرف على مدينة السلام و ما حولها بين البساتين و الضياع فقال له أ ما ترى إلى حسنها قال بلى يا أمير المؤمنين فبارك الله لك فيما آتاك و هنأك بإتمام نعمته عليك فيما أعطاك فما بنت العرب في دولة الإسلام و لا العجم في سالف الأيام أحصن و لا أحسن من مدينتك و لكن سمجتها في عيني خصلة قال ما هي قال ليس لي فيها ضيعة فضحك و قال نحسنها في عينك ثلاث ضياع قد أقطعتكها فقال أنت و الله يا أمير المؤمنين شريف الموارد كريم المصادر فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه و جعلت الرقاع تبدر من كميه في أثناء كلامه و خطابه للمنصور و هو يلتفت إليها و يقول ارجعن خاسئات ثم يعود إلى حديثه فقال المنصور ما هذه بحقي عليك أ لا أعلمتني خبرها فأعلمه فضحك فقال أبيت يا ابن معلم الخير إلا كرما ثم تمثل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

٢٠٦

لسنا و إن أحسابنا كملت

يوما على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنا

تبني و نفعل مثل ما فعلوا

ثم أخذها و تصفحها و وقع فيها كلها بما طلب أصحابها.قال محمد بن جعفر فخرجت من عنده و قد ربحت و أربحت.قال المبرد لعبد الله بن يحيى بن خاقان أنا أشفع إليك أصلحك الله في أمر فلان فقال له قد سمعت و أطعت و سأفعل في أمره كذا فما كان من نقص فعلي و ما كان من زيادة فله قال المبرد أنت أطال الله بقاءك كما قال زهير:

و جار سار معتمدا إلينا

أجاءته المخافة و الرجاء

ضمنا ماله فغدا سليما

علينا نقصه و له النماء

و قال دعبل:

و إن امرأ أسدى إلي بشافع

إليه و يرجو الشكر مني لأحمق

شفيعك يا شكر الحوائج إنه

يصونك عن مكروهها و هو يخلق

آخر:

مضى زمنى و الناس يستشفعون بي

فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع

آخر:

و نبئت ليلى أرسلت بشفاعة

إلي فهلا نفس ليلى شفيعها

أ أكرم من ليلى علي فتبتغي

به الجاه أم كنت امرأ لا أطيعها

٢٠٧

آخر:

و من يكن الفضل بن يحيى بن خالد

شفيعا له عند الخليفة ينجح

آخر:

و إذا امرؤ أسدى إليك صنيعة

من جاهه فكأنها من ماله

و هذا مثل قول الآخر:

و عطاء غيرك إن بذلت

عناية فيه عطاؤك

ابن الرومي:

ينام الذي استسعاك في الأمر إنه

إذا أيقظ الملهوف مثلك ناما

كفى العود منك البدء في كل موقف

و جردت للجلى فكنت حساما

فما لك تنبو في يدي عن ضريبتي

و لم أرث من هز و كنت كهاما

٢٠٨

62

وَ قَالَ ع أَهْلُ اَلدُّنْيَا كَرَكْبٍ يُسَارُ بِهِمْ وَ هُمْ نِيَامٌ هذا التشبيه واقع و هو صورة الحال لا محالة.و قد أتيت بهذا المعنى في رسالة لي كتبتها إلى بعض الأصدقاء تعزية فقلت و لو تأمل الناس أحوالهم و تبينوا مآلهم لعلموا أن المقيم منهم بوطنه و الساكن إلى سكنه أخو سفر يسرى به و هو لا يسري و راكب بحر يجرى به و هو لا يدري

٢٠٩

63

وَ قَالَ ع فَقْدُ اَلْأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ.

مثل هذا قول الشاعر:

فلا تحسبي أن الغريب الذي نأى

و لكن من تنأين عنه غريب

و مثله قوله ع الغريب من ليس له حبيب.

و قال الشاعر:

أسرة المرء والداه و فيما

بين حضنيهما الحياة تطيب

و إذا وليا عن المرء يوما

فهو في الناس أجنبي غريب

و قال آخر:

إذا ما مضى القرن الذي كنت فيهم

و خلفت في قرن فأنت غريب

٢١٠

64

وَ قَالَ ع فَوْتُ اَلْحَاجَةِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِهَا إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا قد سبق هذا المعنى و ذكرنا كثيرا مما قيل فيه.و كان يقال لا تطلبوا الحوائج إلى ثلاثة إلى عبد يقول الأمر إلى غيري و إلى رجل حديث الغنى و إلى تاجر همته أن يستربح في كل عشرين دينارا حبة واحدة

٢١١

65

وَ قَالَ ع لاَ تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ اَلْقَلِيلِ فَإِنَّ اَلْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ هذا نوع من الحث على الإفضال و الجود لطيف و قد استعمل كثيرا في الهدية و الاعتذار لقلتها و قد تقدم منا قول شاف في مدح السخاء و الجود.و كان يقال أفضل على من شئت تكن أميره و احتج إلى من شئت تكن أسيره و استغن عمن شئت تكن نظيره.و سئل أرسطو هل من جود يستطاع أن يتناول به كل أحد قال نعم أن تنوي الخير لكل أحد

٢١٢

66

وَ قَالَ ع اَلْعَفَافُ زِينَةُ اَلْفَقْرِ وَ اَلشُّكْرُ زِينَةُ اَلْغِنَى.

من الأبيات المشهورة:

فإذا افتقرت فلا تكن

متخشعا و تجمل

و من أمثالهم المشهورة تجوع الحرة و لا تأكل بثدييها.و أنشد الأصمعي لبعضهم:

أقسم بالله لمص النوى

و شرب ماء القلب المالحه

أحسن بالإنسان من ذله

و من سؤال الأوجه الكالحه

فاستغن بالله تكن ذا غنى

مغتبطا بالصفقة الرابحه

طوبى لمن تصبح ميزانه

يوم يلاقي ربه راجحه

و قال بعضهم وقفت على كنيف و في أسفله كناف و هو ينشد:

و أكرم نفسي عن أمور كثيرة

ألا إن إكرام النفوس من العقل

٢١٣

و أبخل بالفضل المبين على الألى

رأيتهم لا يكرمون ذوي الفضل

و ما شانني كنس الكنيف و إنما

يشين الفتى أن يجتدي نائل النذل

و أقبح مما بي وقوفي مؤملا

نوال فتى مثلي و أي فتى مثلي

و أما كون الشكر زينة الغنى فقد تقدم من القول ما هو كاف.و كان يقال العلم بغير عمل قول باطل و النعمة بغير شكر جيد عاطل

٢١٤

67

وَ قَالَ ع إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلاَ تُبَلْ كَيْفَ مَا كُنْتَ قد أعجم تفسير هذه الكلمة على جماعة من الناس و قالوا المشهور في كلام الحكماء إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون و لا معنى لقوله فلا تبل كيف كنت و جهلوا مراده ع.و مراده إذا لم يكن ما تريد فلا تبل بذلك أي لا تكترث بفوت مرادك و لا تبتئس بالحرمان و لو وقف على هذا لتم الكلام و كمل المعنى و صار هذا مثل قوله فلا تكثر على ما فاتك منها أسفا و مثل قول الله تعالى( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ ) لكنه تمم و أكد فقال كيف كنت أي لا تبل بفوت ما كنت أملته و لا تحمل لذلك هما كيف كنت و على أي حال كنت من حبس أو مرض أو فقر أو فقد حبيب و على الجملة لا تبال الدهر و لا تكترث بما يعكس عليك من غرضك و يحرمك من أملك و ليكن هذا الإهوان به و الاحتقار له مما تعتمده دائما على أي حال أفضى بك الدهر إليها و هذا واضح

٢١٥

68

وَ قَالَ ع لاَ يُرَى اَلْجَاهِلُ تَرَى اَلْجَاهِلَ إِلاَّ مُفْرِطاً أَوْ مُفَرِّطاً العدالة هي الخلق المتوسط و هو محمود بين مذمومين فالشجاعة محفوفة بالتهور و الجبن و الذكاء بالغباوة و الجربزة و الجود بالشح و التبذير و الحلم بالجمادية و الاستشاطة و على هذا كل ضدين من الأخلاق فبينهما خلق متوسط و هو المسمى بالعدالة فلذلك لا يرى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا كصاحب الغيرة فهو إما أن يفرط فيها فيخرج عن القانون الصحيح فيغار لا من موجب بل بالوهم و بالخيال و بالوسواس و إما أن يفرط فلا يبحث عن حال نسائه و لا يبالي ما صنعن و كلا الأمرين مذموم و المحمود الاعتدال.و من كلام بعض الحكماء إذا صح العقل التحم بالأدب كالتحام الطعام بالجسد الصحيح و إذا مرض العقل نبا عنه ما يستمع من الأدب كما يقي‏ء الممعود ما أكل من الطعام فلو آثر الجاهل أن يتعلم شيئا من الأدب لتحول ذلك الأدب جهلا كما يتحول ما خالط جوف المريض من طيب الطعام داء

٢١٦

وَ قَالَ ع إِذَا تَمَّ اَلْعَقْلُ نَقَصَ اَلْكَلاَمُ قد سبق القول في هذا المعنى.و كان يقال إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت و يهرب من الناس فاقربوا منه فإنه يلقى الحكمة

٢١٧

70

وَ قَالَ ع اَلدَّهْرُ يُخْلِقُ اَلْأَبْدَانَ وَ يُجَدِّدُ اَلآْمَالَ وَ يُقَرِّبُ اَلْمَنِيَّةَ وَ يُبَاعِدُ اَلْأُمْنِيَّةَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ نَصِبَ وَ مَنْ فَاتَهُ تَعِبَ قد سبق لنا قول طويل عريض في ذكر الدهر و الدنيا و نذكر الآن شيئا آخر قال بعض الحكماء الدنيا تسر لتغر و تفيد لتكيد كم راقد في ظلها قد أيقظته و واثق بها قد خذلته بهذا الخلق عرفت و على هذا الشرط صوحبت.و كتب الإسكندر إلى أرسطوطاليس عظني فكتب إليه إذا صفت لك السلامة فجدد ذكر العطب و إذا اطمأن بك الأمن فاستشعر الخوف و إذا بلغت نهاية الأمل فاذكر الموت و إذا أحببت نفسك فلا تجعل لها نصيبا في الإساءة و قال شاعر فأحسن:

كأنك لم تسمع بأخبار من مضى

و لم تر بالباقين ما صنع الدهر

فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم

عفاها محال الريح بعدك و القطر

و هل أبصرت عيناك حيا بمنزل

على الدهر إلا بالعراء له قبر

فلا تحسبن الوفر مالا جمعته

و لكن ما قدمت من صالح وفر

٢١٨

مضى جامعوا الأموال لم يتزودوا

سوى الفقر يا بؤسى لمن زاده الفقر

فحتام لا تصحو و قد قرب المدى

و حتام لا ينجاب عن قلبك السكر

بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا

و تذكر قولي حين لا ينفع الذكر

و ما بين ميلاد الفتى و وفاته

إذا انتصح الأقوام أنفسهم عمر

لأن الذي يأتيه شبه الذي مضى

و ما هو إلا وقتك الضيق النزر

فصبرا على الأيام حتى تجوزها

فعما قليل بعدها يحمد الصبر

٢١٩

71

وَ قَالَ ع مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ وَ لْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ وَ مُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَ مُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ اَلنَّاسِ وَ مُؤَدِّبِهِمْ الفروع تابعة للأصول فإذا كان الأصل معوجا استحال أن يكون الفرع مستقيما كما قال صاحب المثل و هل يستقيم الظل و العود أعوج فمن نصب نفسه للناس إماما و لم يكن قد علم نفسه ما انتصب ليعلمه الناس كان مثل من نصب نفسه ليعلم الناس الصياغة و النجارة و هو لا يحسن أن يصوغ خاتما و لا ينجر لوحا و هذا نوع من السفه بل هو السفه كله ثم قال ع و ينبغي أن يكون تأديبه لهم بفعله و سيرته قبل تأديبه لهم بلسانه و ذلك لأن الفعل أدل على حال الإنسان من القول.ثم قال و معلم نفسه و مؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس و مؤدبهم و هذا حق لأن من علم نفسه محاسن الأخلاق أعظم قدرا ممن تعاطى تعليم الناس ذلك و هو غير عامل بشي‏ء منه فأما من علم نفسه و علم الناس فهو أفضل و أجل ممن اقتصر على تعليم نفسه فقط لا شبهة في ذلك

٢٢٠