كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 417

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 417
المشاهدات: 35688
تحميل: 4582


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35688 / تحميل: 4582
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 18

مؤلف:
العربية

( وَ جاؤُ عَلى‏ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ) فقيل له أي الطعام تشتهي قال الدباء بالزيت فقال هشام إن صاحبكم قد كمل.و سمع عمر بن عبد العزيز رجلا ينادي آخر يا أبا العمرين فقال لو كان له عقل لكفاه أحدهما و أرسل ابن لعجل بن لجيم فرسا له في حلبة فجاء سابقا فقيل له سمه باسم يعرف به فقام ففقأ عينه و قال قد سميته الأعور فقال شاعر يهجوه:

رمتني بنو عجل بداء أبيهم

و أي عباد الله أنوك من عجل

أ ليس أبوهم عار عين جواده

فأضحت به الأمثال تضرب بالجهل

و قال أبو كعب القاص في قصصه إن النبي ص قال في كبد حمزة ما علمتم فادعوا الله أن يطعمنا من كبد حمزة.و قال مرة في قصصه اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا و كذا فقيل له إن يوسف لم يأكله الذئب فقال فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.و دخل كعب البقر الهاشمي على محمد بن عبد الله بن طاهر يعزيه في أخيه فقال له أعظم الله مصيبة الأمير فقال الأمير أما فيك فقد فعل و الله لقد هممت أن أحلق لحيتك فقال إنما هي لحية الله و لحية الأمير فليفعل ما أحب.و كان عامر بن كريز أبو عبد الله بن عامر من حمقى قريش نظر إلى عبد الله و هو يخطب و الناس يستحسنون كلامه فقال لإنسان إلى جانبه أنا أخرجته من هذا و أشار إلى متاعه.

١٦١

و من حمقى قريش العاص بن هشام المخزومي و كان أبو لهب قامره فقمره ماله ثم داره ثم قليله و كثيره و أهله و نفسه فاتخذه عبدا و أسلمه قينا فلما كان يوم بدر بعث به بديلا عن نفسه فقتل ببدر قتله عمر بن الخطاب و كان ابن عم أمه.و من الحمقى الأحوص بن جعفر بن عمرو بن حريث قال له يوما مجالسوه ما بال وجهك أصفر أ تشتكي شيئا فرجع إلى أهله و قال يا بني الخيبة أنا شاك و لا تعلمونني اطرحوا علي الثياب و ابعثوا إلي الطبيب.و من حمقى بني عجل حسان بن الغضبان من أهل الكوفة ورث نصف دار أبيه فقال أريد أن أبيع حصتي من الدار و أشتري بالثمن النصف الباقي فتصير الدار كلها لي.و من حمقى قريش بكار بن عبد الملك بن مروان و كان أبوه ينهاه أن يجالس خالد بن يزيد بن معاوية لما يعرف من حمقه فجلس يوما إلى خالد فقال خالد يعبث به هذا و الله المردد في بني عبد مناف فقال بكار أجل أنا و الله كما قال الأول

مردد في بني اللخناء ترديدا

و طار لبكار هذا بازي فقال لصاحب الشرطة أغلق أبواب دمشق لئلا يخرج البازي.و من حمقى قريش معاوية بن مروان بن الحكم بينا هو واقف بباب دمشق ينتظر أخاه عبد الملك على باب طحان و حمار الطحان يدور بالرحى و في عنقه جلجل فقال للطحان لم جعلت في عنق هذا الحمار جلجلا فقال ربما أدركتني نعسة أو سآمة فإذا لم أسمع صوت الجلجل علمت أنه قد نام فصحت به فقال أ رأيته إن قام و حرك رأسه ما علمك به أنه قائم فقال و من لحماري بمثل عقل الأمير.

١٦٢

و قال معاوية لحميه و قد دخل بابنته تلك الليلة فافتضها لقد ملأتنا ابنتك البارحة دما فقال إنها من نسوة يخبأن ذلك لأزواجهن.و من حمقى قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك قال يوما لعن الله الوليد أخي فلقد كان فاجرا أرادني على الفاحشة فقال له قائل من أهله اسكت ويحك فو الله إن كان هم لقد فعل.و خطب سعيد بن العاص عائشة ابنة عثمان فقالت هو أحمق لا أتزوجه أبدا له برذونان لونهما واحد عند الناس و يحمل مؤنة اثنين.و ممن كان يحمق من قريش عتبة بن أبي سفيان بن حرب و عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان و عبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب و سهل بن عمرو أخو سهيل بن عمرو بن العاص و كان عبد الملك بن مروان يقول أحمق بيت في قريش آل قيس بن مخرمة.و من القبائل المشهورة بالحمق الأزد كتب مسلمة بن عبد الملك إلى يزيد بن المهلب لما خرج عليهم أنك لست بصاحب هذا الأمر إن صاحبه مغمور موتور و أنت مشهور غير موتور فقام إليه رجل من الأزد فقال قدم ابنك مخلدا حتى يقتل فتصير موتورا.و قام رجل من الأزد إلى عبيد الله بن زياد فقال أصلح الله الأمير إن امرأتي هلكت و قد أردت أن أتزوج أمها و هذا عريفي فأعني في الصداق فقال في كم أنت من العطاء فقال في سبعمائة فقال حطوا من عطائه أربعمائة يكفيك ثلاثمائة.و مدح رجل منهم المهلب فقال:

نعم أمير الرفقة المهلب

أبيض وضاح كتيس الحلب

١٦٣

فقال المهلب حسبك يرحمك الله.و كان عبد الملك بن هلال عنده زنبيل مملوء حصا للتسبيح فكان يسبح بواحدة واحدة فإذا مل طرح اثنتين اثنتين ثم ثلاثا ثلاثا فإذا ازداد ملالة قبض قبضة و قال سبحان الله عددك فإذا ضجر أخذ بعرا الزنبيل و قلبه و قال سبحان الله بعدد هذا.و دخل قوم منزل الخريمي لبعض الأمر فجاء وقت صلاة الظهر فسألوه عن القبلة فقال إنما تركتها منذ شهر.و حكى بعضهم قال رأيت أعرابيا يبكي فسألته عن سبب بكائه فقال بلغني أن جالوت قتل مظلوما.وصف بعضهم أحمق فقال يسمع غير ما يقال و يحفظ غير ما يسمع و يكتب غير ما يحفظ و يحدث بغير ما يكتب.قال المأمون لثمامة ما جهد البلاء يا أبا معن قال عالم يجري عليه حكم جاهل قال من أين قلت هذا قال حبسني الرشيد عند مسرور الكبير فضيق علي أنفاسي فسمعته يوما يقرأ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) بفتح الذال فقلت له لا تقل أيها الأمير هكذا قل( لِلْمُكَذِّبِينَ ) و كسرت له الذال لأن المكذبين هم الأنبياء فقال قد كان يقال لي عنك أنك قدري فلا نجوت إن نجوت الليلة مني فعاينت منه تلك الليلة الموت من شدة ما عذبني.قال أعرابي لابنه يا بني كن سبعا خالصا أو ذئبا حائسا أو كلبا حارسا و لا تكن أحمق ناقصا.

١٦٤

و كان يقال لو لا ظلمة الخطإ ما أشرق نور الصواب.و قال أبو سعيد السيرافي رأيت متكلما ببغداد بلغ به نقصه في العربية أنه قال في مجلس مشهور إن العبد مضطر بفتح الطاء و الله مضطر بكسرها و زعم أن من قال الله مضطر عبد إلى كذا بالفتح كافر فانظر أين بلغ به جهله و إلى أي رذيلة أداه نقصه.وصف بعضهم إنسانا أحمق فقال و الله للحكمة أزل عن قلبه من المداد عن الأديم الدهين.مر عمر بن الخطاب على رماة غرض فسمع بعضهم يقول أخطيت و أسبت فقال له مه فإن سوء اللحن شر من سوء الرماية.تضجر عمر بن عبد العزيز من كلام رجل بين يديه فقال له صاحب شرطته قم فقد أوذيت أمير المؤمنين فقال عمر و الله إنك لأشد أذى لي بكلامك هذا منه.و من حمقى العرب و جهلائهم كلاب بن صعصعة خرج إخوته يشترون خيلا فخرج معهم فجاء بعجل يقوده فقيل له ما هذا فقال فرس اشتريته قالوا يا مائق هذه بقرة أ ما ترى قرنيها فرجع إلى منزله فقطع قرنيها ثم قادها فقال لهم قد أعدتها فرسا كما تريدون فأولاده يدعون بني فارس البقرة.و كان شذرة بن الزبرقان بن بدر من الحمقى جاء يوم الجمعة إلى المسجد الجامع فأخذ بعضادتي الباب ثم رفع صوته سلام عليكم أ يلج شذرة فقيل له هذا يوم لا يستأذن فيه فقال أ و يلج مثلي على قوم و لم يعرف له مكانه.

١٦٥

و استعمل معاوية عاملا من كلب فخطب يوما فذكر المجوس فقال لعنهم الله ينكحون أمهاتهم و الله لو أعطيت عشرة آلاف درهم ما نكحت أمي فبلغ ذلك معاوية فقال قبحه الله أ ترونه لو زادوه فعل و عزله.و شرد بعير لهبنقة و اسمه يزيد بن شروان فجعل ينادي لمن أتى به بعيران فقيل له كيف تبذل ويلك بعيرين في بعير فقال لحلاوة الوجدان.و سرق من أعرابي حمار فقيل له أ سرق حمارك قال نعم و أحمد الله فقيل له على ما ذا تحمده قال كيف لم أكن عليه.و خطب وكيع بن أبي سود بخراسان فقال إن الله خلق السماوات و الأرض في ستة أشهر فقيل له إنها ستة أيام فقال و الله لقد قلتها و أنا أستقلها.و أجريت خيل فطلع فيها فرس سابق فجعل رجل من النظارة يكبر و يثبت من الفرح فقال له رجل إلى جانبه يا فتى أ هذا الفرس السابق لك قال لا و لكن اللجام لي.و قيل لأبي السفاح الأعرابي عند موته أوص فقال إنا الكرام يوم طخفة قالوا قل خيرا يا أبا السفاح قال إن أحبت امرأتي فأعطوها بعيرا قالوا قل خيرا قال إذا مات غلامي فهو حر.و قيل لرجل عند موته قل لا إله إلا الله فأعرض فأعادوا عليه مرارا فقال لهم أخبروني عن أبي طالب قالها عند موته قالوا و ما أنت و أبو طالب فقال أرغب بنفسي عن ذلك الشريف.

١٦٦

و قيل لآخر عند موته أ لا توصي فقال أنا مغفور لي قالوا قل إن شاء الله قال قد شاء الله ذلك قالوا يا هذا لا تدع الوصية فقال لابني أخيه يا ابني حريث ارفعا وسادي و احتفظا بالحلة الجياد فإنما حولكما الأعادي.و قيل لمعلم بن معلم ما لك أحمق فقال لو لم أكن أحمق لكنت ولد زنا

١٦٧

41

وَ قَالَ ع لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ فِي عِلَّةٍ اِعْتَلَّهَا جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْكَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ اَلسَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ اَلْأَوْرَاقِ وَ إِنَّمَا اَلْأَجْرُ فِي اَلْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ اَلْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ اَلْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ اَلنِّيَّةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ اَلصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْجَنَّةَ قال الرضيرحمه‌الله تعالى و أقول صدق ع إن المرض لا أجر فيه لأنه من قبيل ما يستحق عليه العوض لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابل فعل العبد فبينهما فرق قد بينه ع كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب ينبغي أن يحمل كلام أمير المؤمنين ع في هذا الفصل على تأويل يطابق ما تدل عليه العقول و ألا يحمل على ظاهره و ذلك لأن المرض إذا استحق عليه الإنسان

١٦٨

العوض لم يجز أن يقال إن العوض يحط السيئات بنفسه لا على قول أصحابنا و لا على قول الإمامية أما الإمامية فإنهم مرجئة لا يذهبون إلى التحابط و أما أصحابنا فإنهم لا تحابط عندهم إلا في الثواب و العقاب فأما العقاب و العوض فلا تحابط بينهما لأن التحابط بين الثواب و العقاب إنما كان باعتبار التنافي بينهما من حيث كان أحدهما يتضمن الإجلال و الإعظام و الآخر يتضمن الاستخفاف و الإهانة و محال أن يكون الإنسان الواحد مهانا معظما في حال واحدة و لما كان العوض لا يتضمن إجلالا و إعظاما و إنما هو نفع خالص فقط لم يكن منافيا للعقاب و جاز أن يجتمع للإنسان الواحد في الوقت الواحد كونه مستحقا للعقاب و العوض إما بأن يوفر العوض عليه في دار الدنيا و إما بأن يوصل إليه في الآخرة قبل عقابه إن لم يمنع الإجماع من ذلك في حق الكافر و إما أن يخفف عليه بعض عقابه و يجعل ذلك بدلا من العوض الذي كان سبيله أن يوصل إليه و إذا ثبت ذلك وجب أن يجعل كلام أمير المؤمنين ع على تأويل صحيح و هو الذي أراده ع لأنه كان أعرف الناس بهذه المعاني و منه تعلم المتكلمون علم الكلام و هو أن المرض و الألم يحط الله تعالى عن الإنسان المبتلى به ما يستحقه من العقاب على معاصيه السالفة تفضلا منه سبحانه فلما كان إسقاط العقاب متعقبا للمرض و واقعا بعده بلا فصل جاز أن يطلق اللفظ بأن المرض يحط السيئات و يحتها حت الورق كما جاز أن يطلق اللفظ بأن الجماع يحبل المرأة و بأن سقي البذر الماء ينبته إن كان الولد و الزرع عند المتكلمين وقعا من الله تعالى على سبيل الاختيار لا على الإيجاب و لكنه أجرى العادة و أن يفعل ذلك عقيب الجماع و عقيب سقي البذر الماء.فإن قلت أ يجوز أن يقال إن الله تعالى يمرض الإنسان المستحق للعقاب و يكون إنما أمرضه ليسقط عنه العقاب لا غير.

١٦٩

قلت لا لأنه قادر على أن يسقط عنه العقاب ابتداء و لا يجوز إنزال الألم إلا حيث لا يمكن اقتناص العوض المجزى به إليه إلا بطريق الألم و إلا كان فعل الألم عبثا أ لا ترى أنه لا يجوز أن يستحق زيد على عمرو ألف درهم فيضربه و يقول إنما أضربه لأجعل ما يناله من ألم الضرب مسقطا لما استحقه من الدراهم عليه و تذمه العقلاء و يسفهونه و يقولون له فهلا وهبتها له و أسقطتها عنه من غير حاجة إلى أن تضربه و تؤلمه و البحث المستقصى في هذه المسائل مذكور في كتبي الكلامية فليرجع إليها و أيضا فإن الآلام قد تنزل بالأنبياء و ليسوا ذوي ذنوب و معاص ليقال إنها تحطها عنهم.فأما قوله ع و إنما الأجر في القول إلى آخر الفصل فإنه ع قسم أسباب الثواب أقساما فقال لما كان المرض لا يقتضي الثواب لأنه ليس فعل المكلف و إنما يستحق المكلف الثواب على ما كان من فعله وجب أن يبين ما الذي يستحق به المكلف الثواب و الذي يستحق المكلف به ذلك أن يفعل فعلا إما من أفعال الجوارح و إما من أفعال القلوب فأفعال الجوارح إما قول باللسان أو عمل ببعض الجوارح و عبر عن سائر الجوارح عدا اللسان بالأيدي و الأقدام لأن أكثر ما يفعل بها و إن كان قد يفعل بغيرها نحو مجامعة الرجل زوجته إذا قصد به تحصينها و تحصينه عن الزناء و نحو أن ينحي حجرا ثقيلا برأسه عن صدر إنسان قد يقتله و غير ذلك و أما أفعال القلوب فهي العزوم و الإرادات و النظر و العلوم و الظنون و الندم فعبر ع عن جميع ذلك بقوله بصدق النية و السريرة الصالحة و اكتفى بذلك عن تعديد هذه الأجناس.فإن قلت فإن الإنسان قد يستحق الثواب على ألا يفعل القبيح و هذا يخرم الحصر الذي حصره أمير المؤمنين قلت يجوز أن يكون يذهب مذهب أبي علي في أن القادر بقدرة لا يخلو عن الأخذ و الترك

١٧٠

42

وَ قَالَ ع فِي ذِكْرِ خَبَّابٍ خَبَّابِ بْنِ اَلْأَرَتِّ رَحِمَ اَللَّهُ خَبَّابَ بْنَ اَلْأَرَتِّ فَلَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِباً وَ هَاجَرَ طَائِعاً وَ عَاشَ مُجَاهِداً طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ اَلْمَعَادَ وَ عَمِلَ لِلْحِسَابِ وَ قَنِعَ بِالْكَفَافِ وَ رَضِيَ عَنِ اَللَّهِ قَنِعَ بِالْكَفَافِ وَ رَضِيَ عَنِ اَللَّهِ وَ عَاشَ مُجَاهِداً 44 طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ اَلْمَعَادَ وَ عَمِلَ لِلْحِسَابِ وَ قَنِعَ بِالْكَفَافِ وَ رَضِيَ عَنِ اَللَّهِ

خباب بن الأرت

هو خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم يكنى أبا عبد الله و قيل أبا محمد و قيل أبا يحيى أصابه سبي فبيع بمكة.و كانت أمه ختانة و خباب من فقراء المسلمين و خيارهم و كان به مرض و كان في الجاهلية قينا حدادا يعمل السيوف و هو قديم الإسلام قيل إنه كان سادس ستة و شهد بدرا و ما بعدها من المشاهد و هو معدود في المعذبين في الله سأله عمر بن الخطاب

١٧١

أيام خلافته ما لقيت من أهل مكة فقال انظر إلى ظهري فنظر فقال ما رأيت كاليوم ظهر رجل فقال خباب أوقدوا لي نارا و سحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري.و جاء خباب إلى عمر فجعل يقول ادنه ادنه ثم قال له ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا أن يكون عمار بن ياسر نزل خباب إلى الكوفة و مات بها في سنة سبع و ثلاثين و قيل سنة تسع و ثلاثين بعد أن شهد مع أمير المؤمنين علي ع صفين و نهروان و صلى عليه علي ع و كانت سنه يوم مات ثلاثا و سبعين سنة و دفن بظهر الكوفة.و هو أول من دفن بظهر الكوفة و عبد الله بن خباب هو الذي قتلته الخوارج فاحتج علي ع به و طلبهم بدمه و قد تقدم ذكر ذلك

١٧٢

43

وَ قَالَ ع : لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ اَلْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هَذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَا أَبْغَضَنِي وَ لَوْ صَبَبْتُ اَلدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا عَلَى اَلْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي وَ ذَلِكَ أَنَّهُ قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ اَلنَّبِيِّ اَلْأُمِّيِّ ص أَنَّهُ قَالَ يَا عَلِيُّ لاَ يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ وَ لاَ يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ جماتها بالفتح جمع جمة و هي المكان يجتمع فيه الماء و هذه استعارة و الخيشوم أقصى الأنف.و مراده ع من هذا الفصل إذكار الناس ما قاله فيه رسول الله ص و هو لا يبغضك مؤمن و لا يحبك منافق و هي كلمة حق و ذلك لأن الإيمان و بغضه ع لا يجتمعان لأن بغضه كبيرة و صاحب الكبيرة عندنا لا يسمى مؤمنا و أما المنافق فهو الذي يظهر الإسلام و يبطن الكفر و الكافر بعقيدته لا يحب عليا ع لأن المراد من الخبر المحبة الدينية و من لا يعتقد الإسلام لا يحب أحدا من أهل الإسلام لإسلامه و جهاده في الدين فقد بان أن الكلمة حق و هذا الخبر مروي في الصحاح بغير هذا اللفظ

لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق و قد فسرناه فيما سبق

١٧٣

44

وَ قَالَ ع سَيِّئَةٌ تَسُوءُكَ خَيْرٌ عِنْدَ اَللَّهِ مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ هذا حق لأن الإنسان إذا وقع منه القبيح ثم ساءه ذلك و ندم عليه و تاب حقيقة التوبة كفرت توبته معصيته فسقط ما كان يستحقه من العقاب و حصل له ثواب التوبة و أما من فعل واجبا و استحق به ثوابا ثم خامره الإعجاب بنفسه و الإدلال على الله تعالى بعلمه و التيه على الناس بعبادته و اجتهاده فإنه يكون قد أحبط ثواب عبادته بما شفعها من القبيح الذي أتاه و هو العجب و التيه و الإدلال على الله تعالى فيعود لا مثابا و لا معاقبا لأنه يتكافأ الاستحقاقان.و لا ريب أن من حصل له ثواب التوبة و سقط عنه عقاب المعصية خير ممن خرج من الأمرين كفافا لا عليه و لا له

١٧٤

45

وَ قَالَ ع قَدْرُ اَلرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ قد تقدم الكلام في كل هذه الشيم و الخصال ثم نقول هاهنا إن كبر الهمة خلق مختص بالإنسان فقط و أما سائر الحيوانات فليس يوجد فيها ذلك و إنما يتجرأ كل نوع منها الفعل بقدر ما في طبعه و علو الهمة حال متوسطة محمودة بين حالتين طرفي رذيلتين و هما الندح و تسمية الحكماء التفتح و صغر الهمة و تسمية الناس الدناءة فالتفتح تأهل الإنسان لما لا يستحقه و صغر الهمة تركه لما يستحقه لضعف في نفسه فهذان مذمومان و العدالة و هي الوسط بينهما محمودة و هي علو الهمة و ينبغي أن يعلم أن المتفتح جاهل أحمق و صغير الهمة ليس بجاهل و لا أحمق و لكنه دني‏ء ضعيف قاصر و إذا أردت التحقيق فالكبير الهمة من لا يرضى بالهمم الحيوانية و لا يقنع لنفسه أن يكون عند رعاية بطنه و فرجه بل يجتهد في معرفة صانع العالم و مصنوعاته و في اكتساب المكارم الشرعية ليكون من خلفاء الله و أوليائه في الدنيا و مجاوريه في الآخرة و لذلك قيل من عظمت همته لم يرض بقنية مستردة و حياة مستعارة فإن أمكنك

١٧٥

أن تقتني قنية مؤبدة و حياة مخلدة فافعل غير مكترث بقلة من يصحبك و يعينك على ذلك فإنه كما قيل

إذا عظم المطلوب قل المساعد

و كما قيل

طرق العلاء قليلة الإيناس

و أما الكلام في الصدق و المروءة و الشجاعة و الأنفة و العفة و الغيرة فقد تقدم كثير منه و سيأتي ما هو أكثر فيما بعد إن شاء الله تعالى

١٧٦

46

وَ قَالَ ع اَلظَّفَرُ بِالْحَزْمِ وَ اَلْحَزْمُ بِإِجَالَةِ اَلرَّأْيِ وَ اَلرَّأْيُ بِتَحْصِينِ اَلْأَسْرَارِ قد تقدم القول في كتمان السر و إذاعته.و قال الحكماء السر ضربان أحدهما ما يلقى إلى الإنسان من حديث ليستكتم و ذلك إما لفظا كقول القائل اكتم ما أقوله لك و إما حالا و هو أن يجهر بالقول حال انفراد صاحبه أو يخفض صوته حيث يخاطبه أو يخفيه عن مجالسيه و لهذا قيل إذا حدثك إنسان و التفت إليه فهو أمانة.و الضرب الثاني نوعان أحدهما أن يكون حديثا في نفسك تستقبح إشاعته و الثاني أن يكون أمرا تريد أن تفعله.و إلى الأول أشار النبي ص بقوله من أتى منكم شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عز و جل و إلى الثاني أشار من قال من الوهن و الضعف إعلان الأمر قبل إحكامه و كتمان الضرب الأول من الوفاء و هو مخصوص بعوام الناس و كتمان الضرب الثاني من المروءة و الحزم و النوع الثاني من نوعيه أخص بالملوك و أصحاب السياسات.قالوا و إذاعة السر من قلة الصبر و ضيق الصدر و يوصف به ضعفة الرجال

١٧٧

و النساء و الصبيان و السبب في أنه يصعب كتمان السر أن للإنسان قوتين إحداهما آخذة و الأخرى معطية و كل واحدة منهما تتشوق إلى فعلها الخاص بها و لو لا أن الله تعالى وكل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزود فعلى الإنسان أن يمسك هذه القوة و لا يطلقها إلا حيث يجب إطلاقها فإنها إن لم تزم و تخطم تقحمت بصاحبها في كل مهلكة

١٧٨

47

وَ قَالَ ع اِحْذَرُوا صَوْلَةَ اَلْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اَللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ ليس يعني بالجوع و الشبع ما يتعارفه الناس و إنما المراد احذروا صولة الكريم إذا ضيم و امتهن و احذروا صولة اللئيم إذا أكرم و مثل المعنى الأول قول الشاعر:

لا يصبر الحر تحت ضيم

و إنما يصبر الحمار

و مثل المعنى الثاني قول أبي الطيب:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

و إن أنت أكرمت اللئيم تمردا

١٧٩

48

وَ قَالَ ع قُلُوبُ اَلرِّجَالِ وَحْشِيَّةٌ فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ هذا مثل قولهم من لان استمال و من قسا نفر و ما استعبد الحر بمثل الإحسان إليه و قال الشاعر:

و إني لوحشي إذا ما زجرتني

و إني إذا ألفتني لألوف

فأما قول عمارة بن عقيل:

تبحثتم سخطي فكدر بحثكم

نخيلة نفس كان صفوا ضميرها

و لم يلبث التخشين نفسا كريمة

على قومها أن يستمر مريرها

و ما النفس إلا نطفة بقرارة

إذا لم تكدر كان صفوا غديرها

فيكاد يخالف قول أمير المؤمنين ع في الأصل لأن أمير المؤمنين ع جعل أصل طبيعة القلوب التوحش و إنما تستمال لأمر خارج و هو التألف و الإحسان و عمارة جعل أصل طبيعة النفس الصفو و السلامة و إنما تتكدر و تجمح لأمر خارج و هو الإساءة و الإيحاش

١٨٠