كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 417

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 417
المشاهدات: 35675
تحميل: 4581


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35675 / تحميل: 4581
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 18

مؤلف:
العربية

30

وَ قَالَ ع اَلْحَذَرَ اَلْحَذَرَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَتَرَ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ قد تقدم هذا المعنى و هو الاستدراج الذي ذكرناه آنفا

١٤١

31

وَ سُئِلَ ع عَنِ اَلْإِيمَانِ فَقَالَ اَلْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَى اَلصَّبْرِ وَ اَلْيَقِينِ وَ اَلْعَدْلِ وَ اَلْجِهَادِ وَ اَلصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى اَلشَّوْقِ وَ اَلشَّفَقِ وَ اَلزُّهْدِ وَ اَلتَّرَقُّبِ فَمَنِ اِشْتَاقَ إِلَى اَلْجَنَّةِ سَلاَ عَنِ اَلشَّهَوَاتِ وَ مَنْ أَشْفَقَ مِنَ اَلنَّارِ اِجْتَنَبَ اَلْمُحَرَّمَاتِ وَ مَنْ زَهِدَ فِي اَلدُّنْيَا اِسْتَهَانَ بِالْمُصِيبَاتِ وَ مَنِ اِرْتَقَبَ اَلْمَوْتَ سَارَعَ فِي إِلَى اَلْخَيْرَاتِ وَ اَلْيَقِينُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى تَبْصِرَةِ اَلْفِطْنَةِ وَ تَأَوُّلِ اَلْحِكْمَةِ وَ مَوْعِظَةِ اَلْعِبْرَةِ وَ سُنَّةِ اَلْأَوَّلِينَ فَمَنْ تَبَصَّرَ فِي اَلْفِطْنَةِ تَبَيَّنَتْ لَهُ اَلْحِكْمَةُ وَ مَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ اَلْحِكْمَةُ عَرَفَ اَلْعِبْرَةَ وَ مَنْ عَرَفَ اَلْعِبْرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْعَدْلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى غَائِصِ اَلْفَهْمِ وَ غَوْرِ اَلْعِلْمِ وَ زُهْرَةِ اَلْحُكْمِ وَ رَسَاخَةِ اَلْحِلْمِ فَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ غَوْرَ اَلْعِلْمِ وَ مَنْ عَلِمَ غَوْرَ اَلْعِلْمِ صَدَرَ عَنْ شَرَائِعِ اَلْحِلْمِ اَلْحُكْمِ وَ مَنْ حَلُمَ لَمْ يُفَرِّطْ فِي أَمْرِهِ وَ عَاشَ فِي اَلنَّاسِ حَمِيداً وَ اَلْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى اَلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيِ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ اَلصِّدْقِ فِي اَلْمَوَاطِنِ وَ شَنَآنِ اَلْفَاسِقِينَ فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ نَهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ أَرْغَمَ أُنُوفَ اَلْمُنَافِقِينَ وَ مَنْ صَدَقَ فِي اَلْمَوَاطِنِ قَضَى مَا عَلَيْهِ وَ مَنْ شَنِئَ اَلْفَاسِقِينَ وَ غَضِبَ لِلَّهِ غَضِبَ اَللَّهُ لَهُ وَ أَرْضَاهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَ اَلْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَى اَلتَّعَمُّقِ وَ اَلتَّنَازُعِ وَ اَلزَّيْغِ وَ اَلشِّقَاقِ فَمَنْ تَعَمَّقَ لَمْ يُنِبْ إِلَى اَلْحَقِّ وَ مَنْ كَثُرَ نِزَاعُهُ بِالْجَهْلِ دَامَ عَمَاهُ عَنِ اَلْحَقِّ

١٤٢

وَ مَنْ زَاغَ سَاءَتْ عِنْدَهُ اَلْحَسَنَةُ وَ حَسُنَتْ عِنْدَهُ اَلسَّيِّئَةُ وَ سَكِرَ سُكْرَ اَلضَّلاَلَةِ وَ مَنْ شَاقَّ وَعُرَتْ عَلَيْهِ طُرُقُهُ وَ أَعْضَلَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَ ضَاقَ عَلَيْهِ مَخْرَجُهُ وَ اَلشَّكُّ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى اَلتَّمَارِي وَ اَلْهَوْلِ وَ اَلتَّرَدُّدِ وَ اَلاِسْتِسْلاَمِ فَمَنْ جَعَلَ اَلْمِرَاءَ دَيْدَناً لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ وَ مَنْ هَالَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَ مَنْ تَرَدَّدَ فِي اَلرَّيْبِ وَطِئَتْهُ سَنَابِكُ اَلشَّيَاطِينِ وَ مَنِ اِسْتَسْلَمَ لِهَلَكَةِ اَلدُّنْيَا وَ اَلآْخِرَةِ هَلَكَ فِيهِمَا قال الرضيرحمه‌الله تعالى و بعد هذا كلام تركنا ذكره خوف الإطالة و الخروج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب من هذا الفصل أخذت الصوفية و أصحاب الطريقة و الحقيقة كثيرا من فنونهم في علومهم و من تأمل كلام سهل بن عبد الله التستري و كلام الجنيد و السري و غيرهم رأى هذه الكلمات في فرش كلامهم تلوح كالكواكب الزاهرة و كل المقامات و الأحوال المذكورة في هذا الفصل قد تقدم قولنا فيها

نبذ و حكايات مما وقع بين يدي الملوك

و نذكر هاهنا الصدق في المواطن و بين يدي الملوك و من يغضب لله و ينهى عن المنكر و يقوم بالحق و لا يبالي بالسلطان و لا يراقبه.

١٤٣

دخل عمر بن عبد العزيز على سليمان بن عبد الملك و عنده أيوب ابنه و هو يومئذ ولي عهده قد عقد له من بعده فجاء إنسان يطلب ميراثا من بعض نساء الخلفاء فقال سليمان ما إخال النساء يرثن في العقار شيئا فقال عمر بن عبد العزيز سبحان الله و أين كتاب الله فقال سليمان يا غلام اذهب فأتني بسجل عبد الملك الذي كتب في ذلك فقال له عمر لكأنك أرسلت إلى المصحف فقال أيوب بن سليمان و الله ليوشكن الرجل يتكلم بمثل هذا عند أمير المؤمنين فلا يشعر حتى يفارقه رأسه فقال عمر إذا أفضى الأمر إليك و إلى أمثالك كان ما يدخل على الإسلام أشد مما يخشى عليكم من هذا القول ثم قام فخرج.و روى إبراهيم بن هشام بن يحيى قال حدثني أبي عن جدي قال كان عمر بن عبد العزيز ينهى سليمان بن عبد الملك عن قتل الحرورية و يقول ضمنهم الحبوس حتى يحدثوا توبة فأتي سليمان بحروري مستقتل و عنده عمر بن عبد العزيز فقال سليمان للحروري ما ذا تقول قال ما أقول يا فاسق يا ابن الفاسق فقال سليمان لعمر ما ترى يا أبا حفص فسكت فقال أقسمت عليك لتخبرني ما ذا ترى عليه فقال أرى أن تشتمه كما شتمك و تشتم أباه كما شتم أباك فقال سليمان ليس إلا قال ليس إلا فلم يرجع سليمان إلى قوله و أمر بضرب عنق الحروري.و روى ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار قال بينما المنصور يطوف ليلا بالبيت سمع قائلا يقول اللهم إليك أشكو ظهور البغي و الفساد و ما يحول بين الحق و أهله من الطمع فخرج المنصور فجلس ناحية من المسجد و أرسل إلى الرجل يدعوه فصلى ركعتين و استلم الركن و أقبل على المنصور فسلم عليه بالخلافة فقال المنصور ما الذي سمعتك تقوله من ظهور البغي و الفساد في الأرض و ما يحول بين الحق

١٤٤

و أهله من الطمع فو الله لقد حشوت مسامعي ما أرمضني فقال يا أمير المؤمنين إن أمنتني على نفسي أنبأتك بالأمور من أصولها و إلا احتجزت منك و اقتصرت على نفسي فلي فيها شاغل قال أنت آمن على نفسك فقل فقال إن الذي دخله الطمع حتى حال بينه و بين إصلاح ما ظهر من البغي و الفساد لأنت قال ويحك و كيف يدخلني الطمع و الصفراء و البيضاء في قبضتي و الحلو و الحامض عندي قال و هل دخل أحد من الطمع ما دخلك إن الله عز و جل استرعاك المسلمين و أموالهم فأغفلت أمورهم و اهتممت بجمع أموالهم و جعلت بينك و بينهم حجبا من الجص و الآجر و أبوابا من الحديد و حجبة معهم السلاح ثم سجنت نفسك فيها منهم و بعثت عمالك في جباية الأموال و جمعها فقويتهم بالسلاح و الرجال و الكراع و أمرت بألا يدخل عليك إلا فلان و فلان نفر سميتهم و لم تأمر بإيصال المظلوم و الملهوف و لا الجائع و الفقير و لا الضعيف و العاري و لا أحد ممن له في هذا المال حق فما زال هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك و آثرتهم على رعيتك و أمرت ألا يحجبوا عنك يجبون الأموال و يجمعونها و يحجبونها و قالوا هذا رجل قد خان الله فما لنا لا نخونه و قد سخرنا فائتمروا على ألا يصل إليك من أخبار الناس شي‏ء إلا ما أرادوا و لا يخرج لك عامل فيخالف أمرهم إلا بغضوه عندك و بغوه الغوائل حتى تسقط منزلته و يصغر قدره فلما انتشر ذلك عنك و عنهم أعظمهم الناس و هابوهم و كان أول من صانعهم عمالك بالهدايا و الأموال ليقووا بها على ظلم رعيتك ثم فعل ذلك ذوو القدرة و الثروة من رعيتك لينالوا به ظلم من دونهم فامتلأت بلاد الله بالطمع بغيا و فسادا و صار هؤلاء القوم شركاءك في سلطنتك و أنت غافل فإن جاء متظلم حيل بينه و بين دخول

١٤٥

دارك و إن أراد رفع قصته إليك عند ظهورك وجدك و قد نهيت عن ذلك و وقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم فإن جاء المتظلم إليه أرسلوا إلى صاحب المظالم ألا يرفع إليك قصته و لا يكشف لك حاله فيجيبهم خوفا منك فلا يزال المظلوم يختلف نحوه و يلوذ به و يستغيث إليه و هو يدفعه و يعتل عليه و إذا أجهد و أحرج و ظهرت أنت لبعض شأنك صرخ بين يديك فيضرب ضربا مبرحا ليكون نكالا لغيره و أنت تنظر و لا تنكر فما بقاء الإسلام على هذا.و لقد كنت أيام شبيبتي أسافر إلى الصين فقدمتها مرة و قد أصيب ملكها بسمعه فبكى بكاء شديدا فحداه جلساؤه على الصبر فقال أما إني لست أبكي للبلية النازلة و لكن أبكي للمظلوم بالباب يصرخ فلا أسمع صوته ثم قال أما إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادوا في الناس ألا يلبس ثوبا أحمر إلا مظلوم ثم كان يركب الفيل طرفي نهاره ينظر هل يرى مظلوما فهذا مشرك بالله غلبت رأفته بالمشركين على شح نفسه و أنت مؤمن بالله من أهل بيت نبيه لا تغلبك رأفتك بالمسلمين على شح نفسك فإن كنت إنما تجمع المال لولدك فقد أراك الله تعالى عبرا في الطفل يسقط من بطن أمه ما له على الأرض مال و ما من مال يومئذ إلا و دونه يد شحيحة تحويه فلا يزال الله يلطف بذلك الطفل حتى تعظم رغبة الناس إليه و لست بالذي تعطي و لكن الله يعطي من يشاء ما يشاء و إن قلت إنما أجمع المال لتشييد السلطان فقد أراك الله عبرا في بني أمية ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب و الفضة و أعدوا من الرجال و السلاح و الكراع حين أراد الله بهم ما أراد و إن قلت أجمع المال لطلب غاية هي أجسم من الغاية التي أنا فيها فو الله ما فوق ما أنت فيه إلا منزلة لا تدرك إلا بخلاف ما أنت عليه انظر هل تعاقب من عصاك بأشد من القتل قال لا قال فإن الملك الذي خولك ما خولك

١٤٦

لا يعاقب من عصاه بالقتل بالخلود في العذاب الأليم و قد رأى ما قد عقدت عليه قلبك و عملته جوارحك و نظر إليه بصرك و اجترحته يداك و مشت إليه رجلاك و انظر هل يغني عنك ما شححت عليه من أمر الدنيا إذا انتزعه من يدك و دعاك إلى الحساب على ما منحك.فبكى المنصور و قال ليتني لم أخلق ويحك فكيف أحتال لنفسي قال إن للناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم و يرضون بقولهم فاجعلهم بطانتك يرشدوك و شاورهم في أمرك يسددوك قال قد بعثت إليهم فهربوا مني قال نعم خافوا أن تحملهم على طريقك و لكن افتح بابك و سهل حجابك و انظر المظلوم و اقمع الظالم و خذ الفي‏ء و الصدقات مما حل و طاب و اقسمه بالحق و العدل على أهله و أنا الضامن عنهم أن يأتوك و يسعدوك على صلاح الأمة.و جاء المؤذنون فسلموا عليه و نادوا بالصلاة فقام و صلى و عاد إلى مجلسه فطلب الرجل فلم يوجد.و روى ابن قتيبة أيضا في الكتاب المذكور أن عمرو بن عبيد قال للمنصور إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها و اذكر ليلة تتمخض لك صبيحتها عن يوم القيامة قال يعني ليلة موته فوجم المنصور فقال الربيع حسبك فقد عممت أمير المؤمنين فقال عمرو بن عبيد إن هذا صحبك عشرين سنة لم ير عليه أن ينصحك يوما واحدا و لم يعمل وراء بابك بشي‏ء مما في كتاب الله و لا في سنة نبيه قال أبو جعفر فما أصنع قد قلت لك خاتمي في يدك فهلم أنت و أصحابك فاكفني فقال عمرو دعنا بعدلك نسخ بأنفسنا بعونك و ببابك مظالم كثيرة فارددها نعلم أنك صادق.

١٤٧

و قال ابن قتيبة في الكتاب المذكور و قد قام أعرابي بين يدي سليمان بن عبد الملك بنحو هذا قال له إني مكلمك يا أمير المؤمنين بكلام فيه بعض الغلظة فاحتمله إن كرهته فإن وراءه ما تحب قال قل قال إني سأطلق لساني بما خرست عنه الألسن من عظتك تأدية لحق الله إنك قد تكنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم فابتاعوا دنياهم بدينهم فهم حرب الآخرة سلم الدنيا فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه فإنهم لم يألوا الأمانة تضييعا و الأمة خسفا و أنت مسئول عما اجترحوا و ليسوا مسئولين عما اجترحت فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره قال فقال سليمان أما أنت يا أعرابي فإنك قد سللت علينا عاجلا لسانك و هو أقطع سيفيك فقال أجل لقد سللته و لكن لك لا عليك

١٤٨

32

وَ قَالَ ع فَاعِلُ اَلْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ وَ فَاعِلُ اَلشَّرِّ شَرٌّ مِنْهُ قد نظمت أنا هذا اللفظ و المعنى فقلت في جملة أبيات لي:

خير البضائع للإنسان مكرمة

تنمي و تزكو إذا بارت بضائعه

فالخير خير و خير منه فاعله

و الشر شر و شر منه صانعه

فإن قلت كيف يكون فاعل الخير خيرا من الخير و فاعل الشر شرا من الشر مع أن فاعل الخير إنما كان ممدوحا لأجل الخير و فاعل الشر إنما كان مذموما لأجل الشر فإذا كان الخير و الشر هما سببا المدح و الذم و هما الأصل في ذلك فكيف يكون فاعلاهما خيرا و شرا منهما.قلت لأن الخير و الشر ليسا عبارة عن ذات حية قادرة و إنما هما فعلان أو فعل و عدم فعل أو عدمان فلو قطع النظر عن الذات الحية القادرة التي يصدران عنها لما انتفع أحد بهما و لا استضر فالنفع و الضرر إنما حصلا من الحي الموصوف بهما لا منهما على انفرادهما فلذلك كان فاعل الخير خيرا من الخير و فاعل الشر شرا من الشر

١٤٩

33

وَ قَالَ ع كُنْ سَمَحاً وَ لاَ تَكُنْ مُبَذِّراً وَ كُنْ مُقَدِّراً وَ لاَ تَكُنْ مُقَتِّراً كل كلام جاء في هذا فهو مأخوذ من قوله سبحانه( وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‏ عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ اَلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ) .و نحو قوله إِنَّ اَلْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ اَلشَّياطِينِ وَ كانَ اَلشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً

١٥٠

34

وَ قَالَ ع أَشْرَفُ اَلْغِنَى تَرْكُ اَلْمُنَى قد سبق منا قول كثير في المنى و نذكر هاهنا ما لم نذكره هناك.سئل عبيد الله بن أبي بكر أي شي‏ء أدوم متاعا فقال المنى.و قال بلال بن أبي بردة ما يسرني بنصيبي من المنى حمر النعم.و كان يقال الأماني للنفس كالرونق للبصر.و من كلام بعض الحكماء الأماني تعمي أعين البصائر و الحظ يأتي من لا يأتيه و ربما كان الطمع وعاء حشوه المتالف و سائقا يدعو إلى الندامة و أشقى الناس بالسلطان صاحبه كما أن أقرب الأشياء إلى النار أسرعها إحراقا و لا يدرك الغني بالسلطان إلا نفس خائفة و جسم تعب و دين منكتم و إن كان البحر كدر الماء فهو بعيد الهواء

١٥١

35

وَ قَالَ ع مَنْ أَسْرَعَ إِلَى اَلنَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ قَالُوا فِيهِ مَا بِمَا لاَ يَعْلَمُونَ هذا المعنى كثير واسع و لنقتصر هاهنا فيه على حكاية ذكرها المبرد في الكامل

فى مجلس قتيبة بن مسلم الباهلىّ

قال لما فتح قتيبة بن مسلم سمرقند أفضى إلى أثاث لم ير مثله و إلى آلات لم ير مثلها فأراد أن يري الناس عظيم ما أنعم الله به عليه و يعرفهم أقدار القوم الذين ظهر عليهم فأمر بدار ففرشت و في صحنها قدور يرتقى إليها بالسلالم فإذا الحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي قد أقبل و الناس جلوس على مراتبهم و الحضين شيخ كبير فلما رآه عبد الله بن مسلم قال لأخيه قتيبة ائذن لي في معاتبته قال لا ترده لأنه خبيث الجواب فأبى عبد الله إلا أن يأذن له و كان عبد الله يضعف و قد كان تسور حائطا إلى امرأة قبل ذلك فأقبل على الحضين فقال أ من الباب دخلت يا أبا ساسان

١٥٢

قال أجل أسن عمك عن تسور الحيطان قال أ رأيت هذه القدور قال هي أعظم من ألا ترى قال ما أحسب بكر بن وائل رأى مثلها قال أجل و لا غيلان و لو كان رآها سمي شبعان و لم يسم غيلان قال له عبد الله يا أبا ساسان أ تعرف الذي يقول:

عزلنا و أمرنا و بكر بن وائل

تجر خصاها تبتغي من تحالفه

قال أجل أعرفه و أعرف الذي يقول:

بأدنى العزم قاد بني قشير

و من كانت له أسرى كلاب

و خيبة من يخيب على غني

و باهلة بن يعصر و الركاب

يريد يا خيبة من يخيب قال أ فتعرف الذي يقول:

كأن فقاح الأزد حول ابن مسمع

إذا عرقت أفواه بكر بن وائل

قال نعم أعرفه و أعرف الذي يقول:

قوم قتيبة أمهم و أبوهم

لو لا قتيبة أصبحوا في مجهل

قال أما الشعر فأراك ترويه فهل تقرأ من القرآن شيئا قال أقرأ منه الأكثر الأطيب( هَلْ أَتى‏ عَلَى اَلْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ اَلدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) فأغضبه فقال و الله لقد بلغني أن امرأة الحضين حملت إليه و هي حبلى من غيره

١٥٣

قال فما تحرك الشيخ عن هيئته الأولى ثم قال على رسله و ما يكون تلد غلاما على فراشي فيقال فلان بن الحضين كما يقال عبد الله بن مسلم فأقبل قتيبة على عبد الله و قال لا يبعد الله غيرك.قلت هو الحضين بالضاد المعجمة و ليس في العرب من اسمه الحضين بالضاد المعجمة غيره

١٥٤

36

وَ قَالَ ع مَنْ أَطَالَ اَلْأَمَلَ أَسَاءَ اَلْعَمَلَ قد تقدم منا كلام في الأمل.و قيل لبعض الصالحين أ لك حاجة إلى بغداد قال ما أحب أن أبسط أملي حتى تذهب إلى بغداد و تعود.و قال أبو عثمان النهدي قد أتت علي ثلاثون و مائة سنة ما من شي‏ء إلا و أجد فيه النقص إلا أملي فإني وجدته كما هو أو يزيد

١٥٥

37

وَ قَالَ ع وَ قَدْ لَقِيَهُ عِنْدَ مَسِيرِهِ إِلَى اَلشَّامِ دَهَاقِينُ اَلْأَنْبَارِ فَتَرَجَّلُوا لَهُ وَ اِشْتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا اَلَّذِي صَنَعْتُمُوهُ فَقَالُوا خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا فَقَالَ وَ اَللَّهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا أُمَرَاؤُكُمْ وَ إِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَ تَشْقَوْنَ بِهِ فِي أُخْرَاكُمْ آخِرَتِكُمْ وَ مَا أَخْسَرَ اَلْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا اَلْعِقَابُ وَ أَرْبَحَ اَلدَّعَةَ مَعَهَا اَلْأَمَانُ مِنَ اَلنَّارِ اشتدوا بين يديه أسرعوا شيئا فنهاهم عن ذلك و قال إنكم تشقون به على أنفسكم لما فيه من تعب الأبدان و تشقون به في آخرتكم تخضعون للولاة كما زعمتم أنه خلق و عادة لكم خضوعا تطلبون به الدنيا و المنافع العاجلة فيها و كل خضوع و تذلل لغير الله فهو معصية.ثم ذكر أن الخسران المبين مشقة عاجلة يتبعها عقاب الآخرة و الربح البين دعة عاجلة يتبعها الأمان من النار

١٥٦

38

وَ قَالَ ع لاِبْنِهِ اَلْحَسَنِ ع يَا بُنَيَّ اِحْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَ أَرْبَعاً لاَ يَضُرُّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ إِنَّ أَغْنَى اَلْغِنَى اَلْعَقْلُ وَ أَكْبَرَ اَلْفَقْرِ اَلْحُمْقُ وَ أَوْحَشَ اَلْوَحْشَةِ اَلْعُجْبُ وَ أَكْرَمَ اَلْحَسَبِ حُسْنُ اَلْخُلُقِ يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّكَ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْبَخِيلِ فَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْفَاجِرِ فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ اَلْكَذَّابِ فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ يُقَرِّبُ عَلَيْكَ اَلْبَعِيدَ وَ يُبَعِّدُ عَلَيْكَ اَلْقَرِيبَ هذا الفصل يتضمن ذكر العقل و الحمق و العجب و حسن الخلق و البخل و الفجور و الكذب و قد تقدم كلامنا في هذه الخصال أجمع و قد أخذت قوله ع إياك و مصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك فقلت في أبيات لي:

حياتك لا تصحبن الجهول

فلا خير في صحبة الأخرق

يظن أخو الجهل أن الضلال

عين الرشاد فلا يتقي

و يكسب صاحبه حمقه

فيسرق منه و لا يسرق

و أقسم أن العدو اللبيب

خير من المشفق الأحمق

١٥٧

39

وَ قَالَ ع لاَ قُرْبَةَ بِالنَّوَافِلِ إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ هذا الكلام يمكن أن يحمل على حقيقته و يمكن أن يحمل على مجازه فإن حمل على حقيقته فقد ذهب إلى هذا المذهب كثير من الفقهاء و هو مذهب الإمامية و هو أنه لا يصح التنفل ممن عليه قضاء فريضة فاتته لا في الصلاة و لا في غيرها فأما الحج فمتفق عليه بين المسلمين أنه لا يصح الابتداء بنفله و إذا نوى نية النفل و لم يكن قد حج حجة الإسلام وقع حجه فرضا فأما نوافل الزكاة فما عرفت أحدا قال إنه لا يثاب المتصدق بها و إن كان لم يؤد الزكاة الواجبة و أما إذا حمل على مجازه فإن معناه يجب الابتداء بالأهم و تقديمه على ما ليس بأهم فتدخل هذه الكلمة في الآداب السلطانية و الإخوانية نحو أن تقول لمن توصيه لا تبدأ بخدمة حاجب الملك قبل أن تبدأ بخدمة ولد الملك فإنك إنما تروم القربة للملك بالخدمة و لا قربة إليه في تأخير خدمة ولده و تقديم خدمة غلامه و حمل الكلمة على حقيقتها أولى لأن اهتمام أمير المؤمنين ع بالأمور الدينية و الشرعية في وصاياه و منثور كلامه أعظم

١٥٨

40

وَ قَالَ ع لِسَانُ اَلْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ وَ قَلْبُ اَلْأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ قال الرضيرحمه‌الله تعالى و هذا من المعاني العجيبة الشريفة و المراد به أن العاقل لا يطلق لسانه إلا بعد مشاورة الروية و مؤامرة الفكرة و الأحمق تسبق حذفات لسانه و فلتات كلامه مراجعة فكره و مماخضة رأيه فكان لسان العاقل تابع لقلبه و كان قلب الأحمق تابع للسانه قال و قد روي عنه ع هذا المعنى بلفظ آخر و هو قوله قلب الأحمق في فيه و لسان العاقل في قلبه و معناهما واحد قد تقدم القول في العقل و الحمق و نذكر هاهنا زيادات أخرى

أقوال و حكايات حول الحمقى

قالوا كل شي‏ء يعز إذا قل و العقل كلما كان أكثر كان أعز و أغلى.و كان عبد الملك يقول أنا للعاقل المدبر أرجى مني للأحمق المقبل.قيل لبعضهم ما جماع العقل فقال ما رأيته مجتمعا في أحد فأصفه و ما لا يوجد كاملا فلا حد له.

١٥٩

و قال الزهري إذا أنكرت عقلك فاقدحه بعاقل.و قيل عظمت المئونة في عاقل متجاهل و جاهل متعاقل.و قيل الأحمق يتحفظ من كل شي‏ء إلا من نفسه.و قيل لبعضهم العقل أفضل أم الجد فقال العقل من الجد.و خطب رجلان إلى ديماووس الحكيم ابنته و كان أحدهما فقيرا و الآخر غنيا فزوجها من الفقير فسأله الإسكندر عن ذلك فقال لأن الغني كان أحمق فكنت أخاف عليه الفقر و الفقير كان عاقلا فرجوت له الغنى.و قال أرسطو العاقل يوافق العاقل و الأحمق لا يوافق العاقل و لا أحمق كالعود المستقيم الذي ينطبق على المستقيم فأما المعوج فإنه لا ينطبق على المعوج و لا على المستقيم.و قال بعضهم لأن أزاول أحمق أحب إلي من أن أزاول نصف أحمق أعني الجاهل المتعاقل.و اعلم أن أخبار الحمقى و نوادرهم كثيرة إلا أنا نذكر منها هاهنا ما يليق بكتابنا فإنه كتاب نزهناه عن الخلاعة و الفحش إجلالا لمنصب أمير المؤمنين.قال هشام بن عبد الملك يوما لأصحابه إن حمق الرجل يعرف بخصال أربع طول لحيته و بشاعة كنيته و نقش خاتمه و إفراط نهمته فدخل عليه شيخ طويل العثنون فقال هشام أما هذا فقد جاء بواحدة فانظروا أين هو من الباقي قالوا له ما كنية الشيخ قال أبو الياقوت فسألوه عن نقش خاتمه فإذا هو

١٦٠