كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 279

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 279
المشاهدات: 33964
تحميل: 4353


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33964 / تحميل: 4353
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

و تكاءدنا شق علينا و منه عقبة كئود و يجوز تكأدنا جاءت هذه الكلمة في أخوات لها تفعل و تفاعل بمعنى و مثله تعهد الضيعة و تعاهدها.و يقال قوله و توارثنا الوحشة كأنه لما مات الأب فاستوحش أهله منه ثم مات الابن فاستوحش منه أهله أيضا صار كان الابن ورث تلك الوحشة من أبيه كما تورث الأموال و هذا من باب الاستعارة.قوله و تهدمت علينا الربوع يقال تهدم فلان على فلان غضبا إذا اشتد غضبه و يجوز أن يكون تهدمت أي تساقطت و روي و تهكمت بالكاف و هو كقولك تهدمت بالتفسيرين جميعا و يعني بالربوع الصموت القبور و جعلها صموتا لأنه لا نطق فيها كما تقول ليل قائم و نهار صائم أي يقام و يصام فيهما و هذا كله على طريق الهز و التحريك و إخراج الكلام في معرض غير المعرض المعهود جعلهم لو كانوا ناطقين مخبرين عن أنفسهم لأتوا بما وصفه من أحوالهم و ورد في الحديث أن عمر حضر جنازة رجل فلما دفن قال لأصحابه قفوا ثم ضرب فأمعن في القبور و استبطأه الناس جدا ثم رجع و قد احمرت عيناه و انتفخت أوداجه فقيل أبطأت يا أمير المؤمنين فما الذي حبسك قال أتيت قبور الأحبة فسلمت فلم يردوا علي السلام فلما ذهبت أقفي ناداني التراب فقال أ لا تسألني يا عمر ما فعلت باليدين قلت ما فعلت بهما قال قطعت الكفين من الرسغين و قطعت الرسغين من الذراعين و قطعت الذراعين من المرفقين و قطعت المرفقين من العضدين و قطعت العضدين من المنكبين و قطعت المنكبين من الكتفين فلما ذهبت أقفي ناداني التراب فقال أ لا تسألني يا عمر ما فعلت بالأبدان و الرجلين قلت ما فعلت قال قطعت الكتفين من الجنبين و قطعت الجنبين من الصلب و قطعت الصلب من الوركين و قطعت الوركين من الفخذين و قطعت الفخذين من الركبتين

١٦١

و قطعت الركبتين من الساقين و قطعت الساقين من القدمين فلما ذهبت أقفي ناداني التراب فقال يا عمر عليك بأكفان لا تبلى فقلت و ما أكفان لا تبلى قال تقوى الله و العمل بطاعته و هذا من الباب الذي نحن بصدده نسب الأقوال المذكورة إلى التراب و هو جماد و لم يكن ذلك و لكنه اعتبر فانقدحت في نفسه هذه المواعظ الحكمية فأفرغها في قالب الحكاية و رتبها على قانون المسألة و الإجابة و أضافها إلى جماد موات لأنه أهز لسامعها إلى تدبرها و لو قال نظرت فاعتبرت في حال الموتى فوجدت التراب قد قطع كذا من كذا لم تبلغ عظته المبلغ الذي بلغته حيث أودعها في الصورة التي اخترعها.قوله ع فلو مثلتهم بعقلك أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك إلى آخر جواب لو هذا الكلام أخذه ابن نباته بعينه فقال فلو كشفتم عنهم أغطية الأجداث بعد ليلتين أو ثلاث لوجدتم الأحداق على الخدود سائلة و الألوان من ضيق اللحود حائلة و هوام الأرض في نواعم الأبدان جائلة و الرءوس الموسدة على الأيمان زائلة ينكرها من كان لها عارفا و يفر عنها من لم يزل لها آنفا.قوله ع ارتسخت أسماعهم ليس معناه ثبتت كما زعمه الراوندي لأنها لم تثبت و إنما ثبتت الهوام فيها بل الصحيح أنه من رسخ الغدير إذا نش ماؤه و نضب و يقال قد ارتسخت الأرض بالمطر إذا ابتلعته حتى يلتقي الثريان.و استكت أي ضاقت و انسدت قال النابغة

و نبئت خير الناس أنك لمتني

و تلك التي تستك منها المسامع

١٦٢

قوله و اكتحلت أبصارهم بالتراب فخسفت أي غارت و ذهبت في الرأس و أخذ المتنبي قوله و اكتحلت أبصارهم بالتراب فقال:

يدفن بعضنا بعضا و يمشي

أواخرنا على هام الأوالي

و كم عين مقبلة النواحي

كحيل بالجنادل و الرمال

و مغض كان لا يغضي لخطب

و بال كان يفكر في الهزال

و ذلاقة الألسن حدتها ذلق اللسان و السنان يذلق ذلقا أي ذرب فهو ذلق و أذلق.و همدت بالفتح سكنت و خمدت و عاث أفسد و قوله جديد بلى من فن البديع لأن الجدة ضد البلى و قد أخذ الشاعر هذه اللفظة فقال:

يا دار غادرني جديد بلاك

رث الجديد فهل رثيث لذاك

و سمجها قبح صورتها و قد سمج الشي‏ء بالضم فهو سمج بالسكون ثم ضخم فهو ضخم و يجوز فهو سمج بالكسر مثل خشن فهو خشن.قوله و سهل طرق الآفة إليها و ذلك أنه إذا استولى العنصر الترابي على الأعضاء قوي استعدادها للاستحالة من صورتها الأولى إلى غيرها.و مستسلمات أي منقادة طائعة غير عاصية فليس لها أيد تدفع عنها و لا لها قلوب تجزع و تحزن لما نزل بها.و الأشجان جمع شجن و هو الحزن.و الأقذاء جمع قذى و هو ما يسقط في العين فيؤذيها.

١٦٣

قوله صفة حال لا تنتقل أي لا تنتقل إلى حسن و صلاح و ليس يريد لا تنتقل مطلقا لأنها تنتقل إلى فساد و اضمحلال.و رجل عزيز أي حدث و عزيز الجسد أي طري و أنيق اللون معجب اللون و غذي ترف قذ غذي بالترف و هو التنعم المطغي.و ربيب شرف أي قد ربي في الشرف و العز و يقال رب فلان ولده يربه ربا و رباه يربيه تربية.و يتعلل بالسرور يتلهى به عن غيره و يفزع إلى السلوة يلتجئ إليها و ضنا أي بخلا و غضارة العيش نعيمه و لينه.و شحاحة أي بخلا شححت بالكسر أشح و شححت أيضا بالفتح أشح و أشح بالضم و الكسر شحا و شحاحة و رجل شحيح و شحاح بالفتح و قوم شحاح و أشحة.و يضحك إلى الدنيا و تضحك إليه كناية عن الفرح بالعمر و العيشة و كذا كل واحد منهما يضحك إلى صاحبه لشدة الصفاء كأن الدنيا تحبه و هو يحبها.و عيش غفول قد غفل عن صاحبه فهو مستغرق في العيش لم ينتبه له الدهر فيكدر عليه وقته قال الشاعر:

و كان المرء في غفلات عيش

كأن الدهر عنها في وثاق

و قال الآخر:

ألا إن أحلى العيش ما سمحت به

صروف الليالي و الحوادث نوم

قوله إذ وطئ الدهر به حسكة أي إذ أوطأه الدهر حسكة و الهاء في حسكة ترجع إلى الدهر عدي الفعل بحرف الجر كما تقول قام زيد بعمرو أي أقامه.

١٦٤

و قواه جمع قوة و هي المرة من مرائر الحبل و هذا الكلام استعارة.و من كثب من قرب و البث الحزن و البث أيضا الأمر الباطن الدخيل.و نجي الهم ما يناجيك و يسارك و الفترات أوائل المرض.و آنس ما كان بصحته منصوب على الحال و قال الراوندي في الشرح هذا من باب أخطب ما يكون الأمير قائما ثم ذكر أن العامل في الحال فترات قال تقديره فترات آنس ما كان و ما ذكره الراوندي فاسد فإنه ليس هذا من باب أخطب ما يكون الأمير قائما لأن ذلك حال سد مسد خبر المبتدإ و ليس هاهنا مبتدأ و أيضا فليس العامل في الحال فترات و لا فتر بل العامل تولدت و القار البارد.فإن قلت لم قال تسكين الحار بالقار و تحريك البارد بالحار و لأي معنى جعل الأول التسكين و الثاني التحريك قلت لأن من شأن الحرارة التهييج و التثوير فاستعمل في قهرها بالبارد لفظة التسكين و من شأن البرودة التخدير و التجميد فاستعمل في قهرها بالحار لفظة التحريك.قوله و لا اعتدل بممازج لتلك الطبائع إلا أمد منها كل ذات داء أي و لا استعمل دواء مفردا معتدل المزاج أو مركبا كذلك إلا و أمد كل طبيعة منها ذات مرض بمرض زائد على الأول.و ينبغي أن يكون قوله و لا اعتدل بممازج أي و لا رام الاعتدال لممتزج لأنه لو حصل له الاعتدال لكان قد برئ من مرضه فسمي محاولة الاعتدال اعتدالا لأنه بالاستدلال المعتدلات قد تهيأ للاعتدال فكان قد اعتدل بالقوة.و ينبغي أيضا أن يكون قد حذف مفعول أمد و تقديره بمرض كما قدرناه نحن و حذف المفعولات كثير واسع.

١٦٥

قوله حتى فتر معلله لأن معللي المرض في أوائل المرض يكون عندهم نشاط لأنهم يرجون البرء فإذا رأوا أمارات الهلاك فترت همتهم.قوله و ذهل ممرضه ذهل بالفتح و هذا كالأول لأن الممرض إذا أعيا عليه المرض و انسدت عليه أبواب التدبير يذهل.قوله و تعايا أهله بصفة دائه أي تعاطوا العي و تساكتوا إذا سئلوا عنه و هذه عادة أهل المريض المثقل يجمجمون إذا سئلوا عن حاله.قوله و تنازعوا دونه شجى خبر يكتمونه أي تخاصموا في خبر ذي شجى أي خبر ذي غصة يتنازعونه و هم حول المريض سترا دونه و هو لا يعلم بنجواهم و بما يفيضون فيه من أمره.فقائل منهم هو لمآبه أي قد أشفى على الموت و آخر يمنيهم إياب عافيته أي عودها آب فلان إلى أهله أي عاد.و آخر يقول قد رأينا مثل هذا و من بلغ إلى أعظم من هذا ثم عوفي فيمني أهله عود عافيته.و آخر يصبر أهله على فقده و يذكر فضيلة الصبر و ينهاهم عن الجزع و يروي لهم أخبار الماضين.و أسى أهليهم و الأسى جمع أسوة و هو ما يتأسى به الإنسان قالت الخنساء

و ما يبكون مثل أخي و لكن

أسلي النفس عنه بالتأسي

قوله على جناح من فراق الدنيا أي سرعان ما يفارقها لأن من كان على جناح طائر فأوشك به أن يسقط.

١٦٦

قوله إذ عرض له عارض يعني الموت و من غصصه جمع غصة و هو ما يعترض مجرى الأنفاس و يقال إن كل ميت من الحيوان لا يموت إلا خنقا و ذلك لأنه من النفس يدخل فلا يخرج عوضه أو يخرج فلا يدخل عوضه و يلزم من ذلك الاختناق لأن الرئة لا تبقى حينئذ مروحة للقلب و إذا لم تروحه اختنق.قوله فتحيرت نوافذ فطنته أي تلك الفطنة النافذة الثاقبة تحيرت عند الموت و تبلدت.قوله و يبست رطوبة لسانه لأن الرطوبة اللعابية التي بها يكون الذوق تنشف حينئذ و يبطل الإحساس باللسان تبعا لسقوط القوة.قوله فكم من مهم من جوابه عرفه فعي عن رده نحو أن يكون له مال مدفون يسأل عنه حال ما يكون محتضرا فيحاول أن يعرف أهله به فلا يستطيع و يعجز عن رد جوابهم و قد رأينا من عجز عن الكلام فأشار إشارة فهموا معناها و هي الدواة و الكاغذ فلما حضر ذلك أخذ القلم و كتب في الكاغذ ما لم يفهم و يده ترعد ثم مات قوله و دعاء مؤلم لقلبه سمعه فتصام عنه أظهر الصمم لأنه لا حيلة له.ثم وصف ذلك الدعاء فقال من كبير كان يعظمه نحو صراخ الوالد على الولد و الولد يسمع و لا يستطيع الكلام و صغير كان يرحمه نحو صراخ الولد على الوالد و هو يسمع و لا قدرة له على جوابه.ثم ذكر غمرات الدنيا فقال إنها أفظع من أن تحيط الصفات بها و تستغرقها أي تأتي على كنهها و تعبر عن حقائقها.قوله أو تعتدل على عقول أهل الدنيا هذا كلام لطيف فصيح غامض و معناه

١٦٧

أن غمرات الموت و أهواله عظيمة جدا لا تستقيم على العقول و لا تقبلها إذا شرحت لها و وصفت كما هي على الحقيقة بل تنبو عنها و لا نصدق بما يقال فيها فعبر عن عدم استقامتها على العقول بقوله أو يعتدل كأنه جعلها كالشي‏ء المعوج عند العقل فهو غير مصدق به

إيراد أشعار و حكايات في وصف الموت و أحوال الموتى

و مما يناسب ما ذكر من حال الإنسان قول الشاعر:

بينا الفتى مرح الخطا فرحا بما

يسعى له إذ قيل قد مرض الفتى

إذ قيل بات بليلة ما نامها

إذ قيل أصبح مثقلا ما يرتجى

إذ قيل أمسى شاخصا و موجها

إذ قيل فارقهم و حل به الردى

و قال أبو النجم العجلي:

و المرء كالحالم في المنام

يقول إني مدرك أمامي

في قابل ما فاتني في العام

و المرء يدنيه إلى الحمام

مر الليالي السود و الأيام

إن الفتى يصبح للأسقام

كالغرض المنصوب للسهام

أخطأ رام و أصاب رام

و قال عمران بن حطان:

أ في كل عام مرضة ثم نقهة

و ينعى و لا ينعى متى ذا إلى متى

١٦٨

و لا بد من يوم يجي‏ء و ليلة

يسوقان حتفا راح نحوك أو غدا

و جاء في الحديث أن رسول الله ص مر بمقبرة فنادى يا أهل القبور الموحشة و الربوع المعطلة أ لا أخبركم بما حدث بعدكم تزوج نساؤكم و تبوئت مساكنكم و قسمت أموالكم هل أنتم مخبرون بما عاينتم ثم قال ألا إنهم لو أذن لهم في الجواب لقالوا وجدنا خير الزاد التقوى.و نظر الحسن إلى رجل يجود بنفسه فقال إن أمرا هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله و إن أمرا هذا أوله لجدير أن يخاف آخره.و قال عبده بن الطبيب و يعجبني قوله على الحال التي كان عليها فإنه كان أسود لصا من لصوص بني سعد بن زيد مناه بن تميم.

و لقد علمت بأن قصري حفرة

غبراء يحملني إليها شرجع

فبكى بناتي شجوهن و زوجتي

و الأقربون إلي ثم تصدعوا

و تركت في غبراء يكره وردها

تسفي على الريح ثم أودع

أن الحوادث يخترمن و إنما

عمر الفتى في أهله مستودع

و نظير هذه الأبيات في رويها و عروضها قول متمم بن نويرة اليربوعي:

و لقد علمت و لا محالة أنني

للحادثات فهل تريني أجزع

أهلكن عادا ثم آل محرق

فتركنهم بلدا و ما قد جمعوا

١٦٩

و لهن كان الحارثان كلاهما

و لهن كان أخو المصانع تبع

فعددت آبائي إلى عرق الثرى

فدعوتهم فعلمت أن لم يسمعوا

ذهبوا فلم أدركهم ودعتهم

غول أتوها و الطريق المهيع

لا بد من تلف مصيب فانتظر

أ بأرض قومك أم بأخرى تصرع

و ليأتين عليك يوم مرة

يبكى عليك مقنعا لا تسمع

لما فتح خالد بن الوليد عين التمر سال عن الحرقة بنت النعمان بن المنذر فدل عليها فأتاها و كانت عمياء فسألها عن حالها فقالت لقد طلعت علينا الشمس ما شي‏ء يدب تحت الخورنق إلا تحت أيدينا ثم غربت و قد رحمنا كل من يدور به و ما بيت دخلته حبرة إلا دخلته عبرة ثم قالت:

و بينا نسوس الناس و الأمر أمرنا

إذا نحن فيه سوقة نتنصف

فأف لدنيا لا يدوم نعيمها

تقلب تارات بنا و تصرف

فقال قائل ممن كان حول خالد قاتل الله عدي بن زيد لكأنه ينظر إليها حين يقول

إن للدهر صرعة فاحذرنها

لا تبيتن قد أمنت الدهورا

قد يبيت الفتى معافى فيردى

و لقد كان آمنا مسرورا

دخل عبد الله بن العباس على عبد الملك بن مروان يوم قر و هو على فرش

١٧٠

يكاد يغيب فيها فقال يا ابن عباس إني لأحسب اليوم باردا قال أجل و إن ابن هند عاش في مثل ما ترى عشرين أميرا و عشرين خليفة ثم هو ذاك على قبره ثمامة تهتز.فيقال إن عبد الملك أرسل إلى قبر معاوية فوجد عليه ثمامة نابتة.كان محمد بن عبد الله بن طاهر في قصره ببغداد على دجلة فإذا بحشيش على وجه الماء في وسطه قصبة على رأسها رقعة فأمر بها فوجد هذا:

تاه الأعيرج و استولى به البطر

فقل له خير ما استعملته الحذر

أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت

و لم تخف سوء ما يأتي به القدر

و سالمتك الليالي فاغتررت بها

و عند صفو الليالي يحدث الكدر

فلم ينتفع بنفسه أياما.عدي بن زيد:

أيها الشامت المعير بالدهر

أ أنت المبرأ الموفور

أم لديك العهد الوثيق من الأيام

بل أنت جاهل مغرور

من رأيت المنون خلدن أم من

ذا عليه من أن يضام خفير

أين كسرى كسرى الملوك أنو شروان

أم أين قبله سابور

و بنو الأصفر الكرام ملوك الروم

و لم يبق منهم مذكور

١٧١

و أخو الحضر إذ بناه و إذ دجلة

تجبى إليه و الخابور

لم يهبه ريب المنون فباد

الملك عنه فبابه مهجور

شاده مرمرا و جلله كلسا

فللطير في ذراه وكور

و تبين رب الخورنق إذ أشرف

يوما و للهدى تفكير

سره حاله و كثرة ما يملك

و البحر معرضا و السدير

فارعوى قلبه و قال فما غبطة

حي إلى الممات يصير

ثم بعد الفلاح و الملك و الأمة

وارتهم هناك القبور

ثم أضحوا كأنهم ورق جف

فألوت به الصبا و الدبور

قد اتفق الناس على أن هذه الأبيات أحسن ما قيل من القريض في هذا المعنى و أن الشعراء كلهم أخذوا منها و احتذوا في هذا المعنى حذوها.و قال الرضي أبو الحسنرضي‌الله‌عنه

انظر إلى هذا الأنام بعبرة

لا يعجنك خلقه و رواؤه

فتراه كالورق النضير تقصفت

أغصانه و تسلبت شجراؤه

أني تحاماه المنون و إنما

خلقت مراعي للردى خضراؤه

أم كيف تأمل فلتة أجساده

من ذا الزمان و حشوها أدواؤه

١٧٢

لا تعجبن فما العجيب فناؤه

بيد المنون بل العجيب بقاؤه

إنا لنعجب كيف حم حمامه

عن صحة و يغيب عنا داؤه

من طاح في سبل الردى آباؤه

فليسلكن طريقهم أبناؤه

و مؤمر نزلوا به في سوقة

لا شكله فيهم و لا نظراؤه

قد كان يفرق ظله أقرانه

و يغض دون جلاله أكفاؤه

و محجب ضربت عليه مهابة

يعشي العيون بهاؤه و ضياؤه

نادته من خلف الحجاب منية

أمم فكان جوابها حوباؤه

شقت إليه سيوفه و رماحه

و أميط عنه عبيده و إماؤه

لم يغنه من كان ود لو أنه

قبل المنون من المنون فداؤه

حرم عليه الذل إلا أنه

أبدا ليشهد بالجلال بناؤه

متخشع بعد الأنيس جنابه

متضائل بعد القطين فناؤه

عريان تطرد كل ريح تربه

و يطيع أول أمرها حصباؤه

و لقد مررت ببرزخ فسألته

أين الألى ضمتهم أرجاؤه

مثل المطي بواركا أجداثه

تسفي على جنباتها بوغاؤه

ناديته فخفى علي جوابه

بالقول إلا ما زقت أصداؤه

١٧٣

من ناظر مطروفه ألحاظه

أو خاطر مظلولة سوداؤه

أو واجد مكظومة زفراته

أو حاقد منسية شحناؤه

و مسندين على الجنوب كأنهم

شرب تخاذل بالطلا أعضاؤه

تحت الصعيد لغير إشفاق إلى

يوم المعاد يضمهم أحشاؤه

أكلتهم الأرض التي ولدتهم

أكل الضروس حلت له أكلاؤه

و قال أيضا:

و تفرق البعداء بعد تجمع

صعب فكيف تفرق القرباء

و خلائق الدنيا خلائق مومس

للمنع آونة و للإعطاء

طورا تبادلك الصفاء و تارة

تلقاك تنكرها من البغضاء

و تداول الأيام يبلينا كما

يبلي الرشاء تطاوح الأرجاء

و كان طول العمر روحة راكب

قضى اللغوب و جد في الإسراء

لهفي على القوم الأولى غادرتهم

و عليهم طبق من البيداء

١٧٤

متوسدين على الخدود كأنما

كرعوا على ظمإ من الصهباء

صور ضننت على العيون بلحظها

أمسيت أوقرها من البوغاء

و نواظر كحل التراب جفونها

قد كنت أحرسها من الأقذاء

قربت ضرائحهم على زوارها

و نأوا عن الطلاب أي تناء

و لبئس ما يلقى بعقر ديارهم

أذن المصيخ بها و عين الرائي

١٧٥

217 و من كلام له ع قاله عند تلاوته

يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ اَلْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللَّهِ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى جَعَلَ اَلذِّكْرَ جَلاءً لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ اَلْوَقْرَةِ وَ تُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ اَلْعَشْوَةِ وَ تَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ اَلْمُعَانَدَةِ وَ مَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلاَؤُهُ فِي اَلْبُرْهَةِ بَعْدَ اَلْبُرْهَةِ وَ فِي أَزْمَانِ اَلْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَ كَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي اَلْأَسْمَاعِ وَ اَلْأَبْصَارِ اَلْأَبْصَارِ وَ اَلْأَسْمَاعِ وَ اَلْأَفْئِدَةِ يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اَللَّهِ وَ يُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ اَلْأَدِلَّةِ فِي اَلْفَلَوَاتِ مَنْ أَخَذَ اَلْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ وَ مَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَ شِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ اَلطَّرِيقَ وَ حَذَّرُوهُ مِنَ اَلْهَلَكَةِ وَ كَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ اَلظُّلُمَاتِ وَ أَدِلَّةَ تِلْكَ اَلشُّبُهَاتِ وَ إِنَّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ اَلدُّنْيَا بَدَلاً فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْهُ يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ اَلْحَيَاةِ وَ يَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ فِي أَسْمَاعِ اَلْغَافِلِينَ وَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَ يَأْتَمِرُونَ بِهِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ فَكَأَنَّهُمْ قَطَعُوا اَلدُّنْيَا إِلَى اَلآْخِرَةِ وَ هُمْ فِيهَا فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا

١٧٦

اِطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ اَلْبَرْزَخِ فِي طُولِ اَلْإِقَامَةِ فِيهِ وَ حَقَّقَتِ اَلْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لِأَهْلِ اَلدُّنْيَا حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ يَرَى اَلنَّاسُ وَ يَسْمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ اَلْمَحْمُودَةِ وَ مَجَالِسِهِمُ اَلْمَشْهُودَةِ وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ أَعْمَالِهِمْ وَ فَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وَ كَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فيهَا وَ حَمَّلُوا ثقَلَ أَوْزَاِرِهمْ ظُهُورَهُمْ فَضَعُفُوا عَنِ اَلاِسْتِقْلاَلِ بِهَا فَنَشَجُوا نَشِيجاً وَ تَجَاوَبُوا نَحِيباً يَعِجُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَ اِعْتِرَافٍ لَرَأَيْتَ أَعْلاَمَ هُدًى وَ مَصَابِيحَ دُجًى قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ اَلْمَلاَئِكَةُ وَ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ اَلسَّكِينَةُ وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ اَلسَّمَاءِ وَ أُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ اَلْكَرَامَاتِ فِي مَقْعَدٍ اِطَّلَعَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ اَلتَّجَاوُزِ رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلَى فَضْلِهِ وَ أُسَارَى ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ جَرَحَ طُولُ اَلْأَسَى قُلُوبَهُمْ وَ طُولُ اَلْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَى اَللَّهِ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعَةٌ يَسْأَلُونَ مَنْ لاَ تَضِيقُ لَدَيْهِ اَلْمَنَادِحُ وَ لاَ يَخِيبُ عَلَيْهِ اَلرَّاغِبُونَ فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ اَلْأَنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ من قرأ يسبح له فيها بفتح الباء ارتفع رجال عنده بوجهين

١٧٧

أحدهما أن يضمر له فعل يكون هو فاعله تقديره يسبحه رجال و دل على يسبحه يسبح كما قال الشاعر:

ليبك يزيد ضارع لخصومة

و مختبط مما تطيح الطوائح

أي يبكيه ضارع و دل على يبكيه ليبك.و الثاني أن يكون خبر مبتدإ محذوف تقديره المسبحون رجال و من قرأ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بكسر الباء فرجال فاعل و أوقع لفظ التجارة في مقابلة لفظ البيع إما لأنه أراد بالتجارة هاهنا الشراء خاصة أو لأنه عمم بالتجارة المشتملة على البيع و الشراء ثم خص البيع لأنه أدخل في باب الإلهاء لأن البيع يحصل ربحه بيقين و ليس كذلك الشراء و الذكر يكون تارة باللسان و تارة بالقلب فالذي باللسان نحو التسبيح و التكبير و التهليل و التحميد و الدعاء و الذي بالقلب فهو التعظيم و التبجيل و الاعتراف و الطاعة.و جلوت السيف و القلب جلاء بالكسر و جلوت اليهود عن المدينة جلاء بالفتح.و الوقرة الثقل في الأذن و العشوة بالفتح فعله من العشا في العين و آلاؤه نعمه.فإن قلت أي معنى تحت قوله عزت آلاؤه و عزت بمعنى قلت و هل يجوز مثل ذلك في تعظيم الله.قلت عزت هاهنا ليس بمعنى قلت و لكن بمعنى كرمت و عظمت تقول منه عززت على فلان بالفتح أي كرمت عليه و عظمت عنده و فلان عزيز علينا أي كريم معظم.

١٧٨

و البرهة من الدهر المدة الطويلة و يجوز فتح الباء.و أزمان الفترات ما يكون منها بين النوبتين.و ناجاهم في فكرهم ألهمهم بخلاف مناجاة الرسل ببعث الملائكة إليهم و كذلك و كلمهم في ذات عقولهم فاستصبحوا بنور يقظة صار ذلك النور مصباحا لهم يستضيئون به.قوله من أخذ القصد حمدوا إليهم طريقه إلى هاهنا هي التي في قولهم أحمد الله إليك أي منهيا ذلك إليك أو مفضيا به إليك و نحو ذلك و طريقة العرب في الحذف في مثل هذا معلومة قال سبحانه وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً أي لجعلنا بدلا منكم ملائكة و قال الشاعر:

فليس لنا من ماء زمزم شربة

مبردة بانت على طهيان

أي عوضا من ماء زمزم.قوله و من أخذ يمينا و شمالا أي ضل عن الجادة.و إلى في قوله ذموا إليه الطريق مثل إلى الأولى.و يهتفون بالزواجر يصوتون بها هتفت الحمامة تهتف هتفا و هتف زيد بالغنم هتافا بالكسر و قوس هتافة و هتفى أي ذات صوت.و القسط العدل و يأتمرون به يمتثلون الأمر.و قوله فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة إلى قوله و يسمعون ما لا يسمعون هو شرح قوله عن نفسه ع لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.و الأوزار الذنوب و النشيج صوت البكاء و المقعد موضع القعود.

١٧٩

و يد قارعة تطرق باب الرحمة و هذا الكلام مجاز.و المنادح المواضع الواسعة.و على في قوله و لا يخيب عليه الراغبون متعلقة بمحذوف مثل إلى المتقدم ذكرها و التقدير نادمين عليه.و الحسيب المحاسب.و اعلم أن هذا الكلام في الظاهر صفة حال القصاص و المتصدين لإنكار المنكرات أ لا تراه يقول يذكرون بأيام الله أي بالأيام التي كانت فيها النقمة بالعصاة و يخوفون مقامه من قوله تعالى( وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) ثم قال فمن سلك القصد حمدوه و من عدل عن الطريق ذموا طريقه و خوفوه الهلاك ثم قال يهتفون بالزواجر عن المحارم في أسماع الغافلين و يأمرون بالقسط و ينهون عن المنكر.و هذا كله إيضاح لما قلناه أولا إن ظاهر الكلام شرح حال القصاص و أرباب المواعظ في المجامع و الطرقات و المتصدين لإنكار القبائح و باطن الكلام شرح حال العارفين الذين هم صفوة الله تعالى من خلقه و هو ع دائما يكني عنهم و يرمز إليهم على أنه في هذا الموضع قد صرح بهم في قوله حتى كأنهم يرون ما لا يرى الناس و يسمعون ما لا يسمعون.و قد ذكر من مقامات العارفين في هذا الفصل الذكر و محاسبة النفس و البكاء و النحيب و الندم و التوبة و الدعاء و الفاقة و الذلة و الحزن و هو الأسى الذي ذكر أنه جرح قلوبهم بطوله

١٨٠