كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٩

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 334
المشاهدات: 49713
تحميل: 4642


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 334 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49713 / تحميل: 4642
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 9

مؤلف:
العربية

إليك غدا قالوا هذا أمير العرب و أصلهم فكان ذلك أشد لكلبهم عليك و أما ما ذكرت من مسير القوم فإن الله هو أكره لسيرهم منك و هو أقدر على تغيير ما يكره و أما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة و إنما كنا نقاتل بالصبر و النصر.فقال عمر أجل هذا الرأي و قد كنت أحب أن أتابع عليه فأشيروا علي برجل أوليه ذلك الثغر قالوا أنت أفضل رأيا فقال أشيروا علي به و اجعلوه عراقيا قالوا أنت أعلم بأهل العراق و قد وفدوا عليك فرأيتهم و كلمتهم قال أما و الله لأولين أمرهم رجلا يكون عمدا لأول الأسنة قيل و من هو يا أمير المؤمنين قال النعمان بن مقرن قالوا هو لها.و كان النعمان يومئذ بالبصرة فكتب إليه عمر فولاه أمر الجيش.قال أبو جعفر كتب إليه عمر سر إلى نهاوند فقد وليتك حرب الفيروزان و كان المقدم على جيوش كسرى فإن حدث بك حدث فعلى الناس حذيفة بن اليمان فإن حدث به حدث فعلى الناس نعيم بن مقرن فإن فتح الله عليكم فاقسم على الناس ما أفاء الله عليهم و لا ترفع إلي منه شيئا و إن نكث القوم فلا تراني و لا أراك و قد جعلت معك طليحة بن خويلد و عمرو بن معديكرب لعلمهما بالحرب فاستشرهما و لا تولهما شيئا.قال أبو جعفر فسار النعمان بالعرب حتى وافى نهاوند و ذلك في السنة السابعة من خلافة عمر و تراءى الجمعان و نشب القتال و حجزهم المسلمون في خنادقهم و اعتصموا بالحصون و المدن و شق على المسلمين ذلك فأشار طليحة عليه فقال أرى أن تبعث خيلا ببعض القوم و تحمشهم فإذا استحمشوا خرج بعضهم و اختلطوا بكم

١٠١

فاستطردوا لهم فإنهم يطمعون بذلك ثم تعطف عليهم حتى يقضي الله بيننا و بينهم بما يحب.ففعل النعمان ذلك فكان كما ظن طليحة و انقطع العجم عن حصونهم بعض الانقطاع فلما أمعنوا في الانكشاف للمسلمين حمل النعمان بالناس فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع السامعون مثله و زلق بالنعمان فرسه فصرع و أصيب و تناول الراية نعيم أخوه فأتى حذيفة لها فدفعها إليه و كتم المسلمون مصاب أميرهم و اقتتلوا حتى أظلم الليل و رجعوا و المسلمون وراءهم فعمي عليهم قصدهم فتركوه و غشيهم المسلمون بالسيوف فقتلوا منهم ما لا يحصى و أدرك المسلمون الفيروزان و هو هارب و قد انتهى إلى ثنية مشحونة ببغال موقرة عسلا فحبسته على أجله فقتل فقال المسلمون إن لله جنودا من عسل.و دخل المسلمون نهاوند فاحتووا على ما فيها و كانت أنفال هذا اليوم عظيمة فحملت إلى عمر فلما رآها بكى فقال له المسلمون إن هذا اليوم يوم سرور و جذل فما بكاؤك قال ما أظن أن الله تعالى زوي هذا عن رسول الله ص و عن أبي بكر إلا لخير أراده بهما و لا أراه فتحه علي إلا لشر أريد بي إن هذا المال لا يلبث أن يفتن الناس.ثم رفع يده إلى السماء يدعو و يقول اللهم اعصمني و لا تكلني إلى نفسي يقولها مرارا ثم قسمه بين المسلمين عن آخره

١٠٢

147 و من خطبة له ع

فَبَعَثَ اَللَّهُ مُحَمَّداً ص بِالْحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ اَلْأَوْثَانِ إِلَى عِبَادَتِهِ وَ مِنْ طَاعَةِ اَلشَّيْطَانِ إِلَى طَاعَتِهِ بِقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَهُ وَ أَحْكَمَهُ لِيَعْلَمَ اَلْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ وَ لِيُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدُوهُ وَ لِيُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوهُ فَتَجَلَّى لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ وَ خَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ وَ كَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلاَتِ وَ اِحْتَصَدَ مَنِ اِحْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ الأوثان جمع وثن و هو الصنم و يجمع أيضا على وثن مثل أسد و آساد و أسد و سمي وثنا لانتصابه و بقائه على حال واحدة من قولك وثن فلان بالمكان فهو واثن و هو الثابت الدائم.قوله فتجلى سبحانه لهم أي ظهر من غير أن يرى بالبصر بل بما نبههم عليه في القرآن من قصص الأولين و ما حل بهم من النقمة عند مخالفة الرسل.و المثلات بضم الثاء العقوبات.فإن قلت ظاهر هذا الكلام أن الرسول ع بعث إلى الناس ليقروا بالصانع و يثبتوه و هذا خلاف قول المعتزلة لأن فائدة الرسالة عندهم هي إلطاف

١٠٣

المكلفين بالأحكام الشرعية المقربة إلى الواجبات العقلية و المبعدة من المقبحات العقلية و لا مدخل للرسول في معرفة البارئ سبحانه لأن العقل يوجبها و إن لم يبعث الرسل.قلت إن كثيرا من شيوخنا أوجبوا بعثة الرسل إذا كان في حثهم المكلفين على ما في العقول فائدة و هو مذهب شيخنا أبي عليرحمه‌الله فلا يمتنع أن يكون إرسال محمد ص إلى العرب و غيرهم لأن الله تعالى علم أنهم مع تنبيهه إياهم على ما هو واجب في عقولهم من المعرفة أقرب إلى حصول المعرفة فحينئذ يكون بعثه لطفا و يستقيم كلام أمير المؤمنين : وَ إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْ‏ءٌ أَخْفَى مِنَ اَلْحَقِّ وَ لاَ أَظْهَرَ مِنَ اَلْبَاطِلِ وَ لاَ أَكْثَرَ مِنَ اَلْكَذِبِ عَلَى اَللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ اَلزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ اَلْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ وَ لاَ أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ لاَ فِي اَلْبِلاَدِ شَيْ‏ءٌ أَنْكَرَ مِنَ اَلْمَعْرُوفِ وَ لاَ أَعْرَفَ مِنَ اَلْمُنْكَرِ فَقَدْ نَبَذَ اَلْكِتَابَ حَمَلَتُهُ وَ تَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذٍ وَ أَهْلُهُ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ وَ صَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ لاَ يُؤْوِيهِمَا مُؤْوٍ فَالْكِتَابُ وَ أَهْلُهُ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ فِي اَلنَّاسِ وَ لَيْسَا فِيهِمْ وَ مَعَهُمْ وَ لَيْسَا مَعَهُمْ لِأَنَّ اَلضَّلاَلَةَ لاَ تُوَافِقُ اَلْهُدَى وَ إِنِ اِجْتَمَعَا فَاجْتَمَعَ اَلْقَوْمُ عَلَى اَلْفُرْقَةِ وَ اِفْتَرَقُوا عَنِ اَلْجَمَاعَةِ كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ اَلْكِتَابِ وَ لَيْسَ اَلْكِتَابُ إِمَامَهُمْ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ اِسْمُهُ وَ لاَ يَعْرِفُونَ إِلاَّ خَطَّهُ وَ زَبْرَهُ وَ مِنْ قَبْلُ مَا مَثَلُوا مَثَّلُوا بِالصَّالِحِينَ كُلَّ مُثْلَةٍ وَ سَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اَللَّهِ فِرْيَةً وَ جَعَلُوا

١٠٤

فِي اَلْحَسَنَةِ عُقُوبَةَ اَلسَّيِّئَةِ وَ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وَ تَغَيُّبِ آجَالِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ اَلْمَوْعُودُ اَلَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ اَلْمَعْذِرَةُ وَ تُرْفَعُ عَنْهُ اَلتَّوْبَةُ وَ تَحُلُّ مَعَهُ اَلْقَارِعَةُ وَ اَلنِّقْمَةُ أخبر ع أنه سيأتي على الناس زمان من صفته كذا و كذا و قد رأيناه و رآه من كان قبلنا أيضا قال شعبة إمام المحدثين تسعة أعشار الحديث كذب.و قال الدارقطني ما الحديث الصحيح في الحديث إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود و أما غلبة الباطل على الحق حتى يخفى الحق عنده فظاهرة.و أبور أفسد من بار الشي‏ء أي هلك و السلعة المتاع و نبذ الكتاب ألقاه و لا يؤويهما لا يضمهما إليه و ينزلهما عنده.و الزبر مصدر زبرت أزبر بالضم أي كتبت و جاء يزبر بالكسر و الزبر بالكسر الكتاب و جمعه زبور مثل قدر و قدور و قرأ بعضهم وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً أي كتبا و الزبور بفتح الزاي الكتاب المزبور فعول بمعنى مفعول و قال الأصمعي سمعت أعرابيا يقول أنا أعرف بزبرتي أي خطي و كتابتي.و مثلوا بالصالحين بالتخفيف نكلوا بهم مثلت بفلان أمثل بالضم مثلا بالفتح و سكون الثاء و الاسم المثلة بالضم و من روى مثلوا بالتشديد أراد جدعوهم بعد قتلهم.و على في قوله و سموا صدقهم على الله فرية ليست متعلقة بصدقهم بل بفرية

١٠٥

أي و سموا صدقهم فرية على الله فإن امتنع أن يتعلق حرف الجر به لتقدمه عليه و هو مصدر فليكن متعلقا بفعل مقدر دل عليه هذا المصدر الظاهر و روي و جعلوا في الحسنة العقوبة السيئة و الرواية الأولى بالإضافة أكثر و أحسن.و الموعود هاهنا الموت و القارعة المصيبة تقرع أي تلقى بشدة و قوة : أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّهُ مَنِ اِسْتَنْصَحَ اَللَّهَ وُفِّقَ وَ مَنِ اِتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلاً هُدِيَ لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ فَإِنَّ جَارَ اَللَّهِ آمِنٌ وَ عَدُوَّهُ خَائِفٌ وَ إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اَللَّهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ فَإِنَّ رِفْعَةَ اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ وَ سَلاَمَةَ اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ اَلْحَقِّ نِفَارَ اَلصَّحِيحِ مِنَ اَلْأَجْرَبِ وَ اَلْبَارِئِ مِنْ ذِي اَلسَّقَمِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا اَلرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا اَلَّذِي تَرَكَهُ وَ لَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ اَلْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا اَلَّذِي نَقَضَهُ وَ لَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا اَلَّذِي نَبَذَهُ فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُمْ عَيْشُ اَلْعِلْمِ وَ مَوْتُ اَلْجَهْلِ هُمُ اَلَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَ صَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ وَ ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ لاَ يُخَالِفُونَ اَلدِّينَ وَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وَ صَامِتٌ نَاطِقٌ من استنصح الله من أطاع أوامره و علم أنه يهديه إلى مصالحه و يرده عن مفاسده و يرشده إلى ما فيه نجاته و يصرفه عما فيه عطبه.

١٠٦

و التي هي أقوم يعني الحالة و الخلة التي اتباعها أقوم و هذا من الألفاظ القرآنية قال سبحانه( إِنَّ هذَا اَلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) و المراد بتلك الحالة المعرفة بالله و توحيده و وعد له.ثم نهى ع عن التكبر و التعظم و قال إن رفعة القوم الذين يعرفون عظمة الله أن يتواضعوا له و ما هاهنا بمعنى أي شي‏ء و من روى بالنصب جعلها زائدة و قد ورد في ذم التعظم و التكبر ما يطول استقصاؤه و هو مذموم على العباد فكيف بمن يتعظم على الخالق سبحانه و إنه لمن الهالكين و قال رسول الله ص لما افتخر أنا سيد ولد آدم ثم قال و لا فخر فجهر بلفظة الافتخار ثم أسقط استطالة الكبر و إنما جهر بما جهر به لأنه أقامه مقام شكر النعمة و التحدث بها و في الحديث المرفوع عنه ص أن الله قد أذهب عنكم حمية الجاهلية و فخرها بالآباء الناس بنو آدم و آدم من تراب مؤمن تقي و فاجر شقي لينتهين أقوام يفخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من جعلان تدفع النتن بأنفها.قوله و اعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه فيه تنبيه على أنه يجب البراءة من أهل الضلال و هو قول أصحابنا جميعهم فإنهم بين مكفر لمن خالف أصول التوحيد و العدل و هم الأكثرون أو مفسق و هم الأقلون و ليس أحد منهم معذورا عند أصحابنا و إن ضل بعد النظر كما لا نعذر اليهود و النصارى إذا ضلوا بعد النظر.ثم قال ع فالتمسوا ذلك عند أهله هذا كناية عنه ع و كثيرا ما يسلك هذا المسلك و يعرض هذا التعريض و هو الصادق الأمين العارف بأسرار الإلهية.

١٠٧

ثم ذكر أن هؤلاء الذين أمر باتباعهم ينبئ حكمهم عن علمهم و ذلك لأن الامتحان يظهر خبيئة الإنسان.ثم قال و صمتهم عن نطقهم صمت العارف أبلغ من نطق غيره و لا يخفى فضل الفاضل و إن كان صامتا.ثم ذكر أنهم لا يخالفون الدين لأنهم قوامه و أربابه و لا يختلفون فيه لأن الحق في التوحيد و العدل واحد فالدين بينهم شاهد صادق يأخذون بحكمه كما يؤخذ بحكم الشاهد الصادق.و صامت ناطق لأنه لا ينطق بنفسه بل لا بد له من مترجم فهو صامت في الصورة و هو في المعنى أنطق الناطقين لأن الأوامر و النواهي و الآداب كلها مبنية عليه و متفرعة عليه

١٠٨

148 و من كلام له ع في ذكر أهل البصرة

كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجُو اَلْأَمْرَ لَهُ وَ يَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ لاَ يَمُتَّانِ إِلَى اَللَّهِ بِحَبْلٍ وَ لاَ يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ وَ عَمَّا قَلِيلٍ يَكْشِفُ قِنَاعَهُ بِهِ وَ اَللَّهِ لَئِنْ أَصَابُوا اَلَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِعَنَّ هَذَا نَفْسَ هَذَا وَ لَيَأْتِيَنَّ هَذَا عَلَى هَذَا قَدْ قَامَتِ اَلْفِئَةُ اَلْبَاغِيَةُ فَأَيْنَ اَلْمُحْتَسِبُونَ قَدْ سُنَّتَ لَهُمُ اَلسُّنَنُ وَ قُدِّمَ لَهُمُ اَلْخَبَرُ وَ لِكُلِّ ضَلَّةٍ عِلَّةٌ وَ لِكُلِّ نَاكِثٍ شُبْهَةٌ وَ اَللَّهِ لاَ أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اَللَّدْمِ يَسْمَعُ اَلنَّاعِيَ وَ يَحْضُرُ اَلْبَاكِيَ ثُمَّ لاَ يَعْتَبِرُ ضمير التثنية راجع إلى طلحة و الزبيررضي‌الله‌عنه ما و يمتان يتوسلان الماضي ثلاثي مت يمت بالضم و الضب الحقد و المحتسبون طالبو الحسبة و هي الأجر و مستمع اللدم كناية عن الضبع تسمع وقع الحجر بباب جحرها من يد الصائد فتنخذل و تكف

١٠٩

جوارحها إليها حتى يدخل عليها فيربطها يقول لا أكون مقرا بالضيم راغنا أسمع الناعي المخبر عن قتل عسكر الجمل لحكيم بن جبلة و أتباعه فلا يكون عندي من التغيير و الإنكار لذلك إلا أن أسمعه و أحضر الباكين على قتلاهم.و قوله لكل ضلة علة و لكل ناكث شبهة هو جواب سؤال مقدر كأنه يقول إن قيل لأي سبب خرج هؤلاء فإنه لا بد أن يكون لهم تأويل في خروجهم و قد قيل إنهم يطالبون بدم عثمان فهو ع قال كل ضلالة فلا بد لها من علة اقتضتها و كل ناكث فلا بد له من شبهة يستند إليها.و قوله لينتزعن هذا نفس هذا قول صحيح لا ريب فيه لأن الرئاسة لا يمكن أن يدبرها اثنان معا فلو صح لهما ما أراداه لوثب أحدهما على الآخر فقتله فإن الملك عقيم و قد ذكر أرباب السيرة أن الرجلين اختلفا من قبل وقوع الحرب فإنهما اختلفا في الصلاة فأقامت عائشة محمد بن طلحة و عبد الله بن الزبير يصلي هذا يوما و هذا يوما إلى أن تنقضي الحرب.ثم إن عبد الله بن الزبير ادعى أن عثمان نص عليه بالخلافة يوم الدار و احتج في ذلك بأنه استخلفه على الصلاة و احتج تارة أخرى بنص صريح زعمه و ادعاه و طلب طلحة من عائشة أن يسلم الناس عليه بالإمرة و أدلى إليها بالتيمية و أدلى الزبير إليها بأسماء أختها فأمرت الناس أن يسلموا عليهما معا بالإمرة.و اختلفا في تولي القتال فطلبه كل منهما أولا ثم نكل كل منهما عنه و تفادى منه و قد ذكرنا في الأجزاء المتقدمة قطعة صالحة من أخبار الجمل

١١٠

من أخبار يوم الجمل

و روى أبو مخنف قال لما تزاحف الناس يوم الجمل و التقوا قال علي ع لأصحابه لا يرمين رجل منكم بسهم و لا يطعن أحدكم فيهم برمح حتى أحدث إليكم و حتى يبدءوكم بالقتال و بالقتل فرمى أصحاب الجمل عسكر علي ع بالنبل رميا شديدا متتابعا فضج إليه أصحابه و قالوا عقرتنا سهامهم يا أمير المؤمنين و جي‏ء برجل إليه و إنه لفي فسطاط له صغير فقيل له هذا فلان قد قتل فقال اللهم اشهد ثم قال أعذروا إلى القوم فأتي برجل آخر فقيل و هذا قد قتل فقال اللهم اشهد أعذروا إلى القوم ثم أقبل عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي و هو من أصحاب رسول الله ص يحمل أخاه عبد الرحمن بن بديل قد أصابه سهم فقتله فوضعه بين يدي علي ع و قال يا أمير المؤمنين هذا أخي قد قتل فعند ذلك استرجع علي ع و دعا بدرع رسول الله ص ذات الفضول فلبسها فتدلت بطنه فرفعها بيده و قال لبعض أهله فحزم وسطه بعمامة و تقلد ذا الفقار و دفع إلى ابنه محمد راية رسول الله ص السوداء و تعرف بالعقاب و قال لحسن و حسين ع إنما دفعت الراية إلى أخيكما و تركتكما لمكانكما من رسول الله ص.

قال أبو مخنف و طاف علي ع على أصحابه و هو يقرأ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ اَلَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ اَلْبَأْساءُ وَ اَلضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ اَلرَّسُولُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى‏ نَصْرُ اَللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اَللَّهِ قَرِيبٌ )

١١١

ثم قال أفرغ الله علينا و عليكم الصبر و أعز لنا و لكم النصر و كان لنا و لكم ظهيرا في كل أمر ثم رفع مصحفا بيده فقال من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلى ما فيه و له الجنة فقام غلام شاب اسمه مسلم عليه قباء أبيض فقال أنا آخذه فنظر إليه علي و قال يا فتى إن أخذته فإن يدك اليمنى تقطع فتأخذه بيدك اليسرى فتقطع ثم تضرب بالسيف حتى تقتل فقال لا صبر لي على ذلك فنادى علي ثانية فقام الغلام و أعاد عليه القول و أعاد الغلام القول مرارا حتى قال الغلام أنا آخذه و هذا الذي ذكرت في الله قليل فأخذه و انطلق فلما خالطهم ناداهم هذا كتاب الله بيننا و بينكم فضربه رجل فقطع يده اليمنى فتناوله باليسرى فضربه أخرى فقطع اليسرى فاحتضنه فضربوه بأسيافهم حتى قتل فقالت أم ذريح العبدية في ذلك:

يا رب إن مسلما أتاهم

بمصحف أرسله مولاهم

للعدل و الإيمان قد دعاهم

يتلو كتاب الله لا يخشاهم

فخضبوا من دمه ظباهم

و أمهم واقفة تراهم

تأمرهم بالغي لا تنهاهم

قال أبو مخنف فعند ذلك أمر علي ع ولده محمدا أن يحمل الراية فحمل و حمل معه الناس و استحر القتل في الفريقين و قامت الحرب على ساق

١١٢

مقتل طلحة و الزبير

قال فأما طلحة فإن أهل الجمل لما تضعضعوا قال مروان لا أطلب ثار عثمان من طلحة بعد اليوم فانتحى له بسهم فأصاب ساقه فقطع أكحله فجعل الدم يبض فاستدعى من مولى له بغلة فركبها و أدبر و قال لمولاه ويحك أ ما من مكان أقدر فيه على النزول فقد قتلني الدم فيقول له مولاه انج و إلا لحقك القوم فقال بالله ما رأيت مصرع شيخ أضيع من مصرعي هذا حتى انتهى إلى دار من دور البصرة فنزلها و مات بها.و قد روي أنه رمي قبل أن يرميه مروان و جرح في غير موضع من جسده.

و روى أبو الحسن المدائني أن عليا ع مر بطلحة و هو يكيد بنفسه فوقف عليه و قال أما و الله إن كنت لأبغض أن أراكم مصرعين في البلاد و لكن ما حتم واقع ثم تمثل:

و ما تدري إذا أزمعت أمرا

بأي الأرض يدركك المقيل

و ما يدري الفقير متى غناه

و لا يدري الغني متى يعيل

١١٣

و ما تدري إذا ألقحت شولا

أ تنتج بعد ذلك أم تحيل

و أما الزبير فقتله ابن جرموز غيلة بوادي السباع و هو منصرف عن الحرب نادم على ما فرط منه و تقدم ذكر كيفية قتله فيما سبق.و روى الكلبي قال كان العرق الذي أصابه السهم إذا أمسكه طلحة بيده استمسك و إذا رفع يده عنه سال فقال طلحة هذا سهم أرسله الله تعالى و كان أمر الله قدرا مقدورا ما رأيت كاليوم دم قرشي أضيع.قال و كان الحسن البصري إذا سمع هذا و حكي له يقول ذق عقعق.و روى أبو مخنف عن عبد الله بن عون عن نافع قال سمعت مروان بن الحكم يقول أنا قتلت طلحة.و قال أبو مخنف و قد قال عبد الملك بن مروان لو لا أن أبي أخبرني أنه رمى طلحة فقتله ما تركت تيميا إلا قتلته بعثمان قال يعني أن محمد بن أبي بكر و طلحة قتلاه و كانا تيميين.قال أبو مخنف و حدثنا عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب بن عبد الله قال مررت بطلحة و إن معه عصابة يقاتل بهم و قد فشت فيهم الجراح و كثرهم الناس فرأيته جريحا و السيف في يده و أصحابه يتصدعون عنه رجلا فرجلا و اثنين فاثنين و أنا أسمعه و هو يقول عباد الله الصبر الصبر فإن بعد الصبر النصر و الأجر

١١٤

فقلت له النجاء النجاء ثكلتك أمك فو الله ما أجرت و لا نصرت و لكنك وزرت و خسرت ثم صحت بأصحابه فانذعروا عنه و لو شئت أن أطعنه لطعنته فقلت له أما و الله لو شئت لجدلتك في هذا الصعيد فقال و الله لهلكت هلاك الدنيا و الآخرة إذن فقلت له و الله لقد أمسيت و إن دمك لحلال و إنك لمن النادمين فانصرف و معه ثلاثة نفر و ما أدري كيف كان أمره إلا أني أعلم أنه قد هلك.و روي أن طلحة قال ذلك اليوم ما كنت أظن أن هذه الآية نزلت فينا( وَ اِتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) .و روى المدائني قال لما أدبر طلحة و هو جريح يرتاد مكانا ينزله جعل يقول لمن يمر به من أصحاب علي ع أنا طلحة من يجيرني يكررها قال فكان الحسن البصري إذا ذكر ذلك يقول لقد كان في جوار عريض

١١٥

149 و من كلام له ع قبل موته

أَيُّهَا اَلنَّاسُ كُلُّ اِمْرِئٍ لاَقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ اَلْأَجَلُ مَسَاقُ اَلنَّفْسِ وَ اَلْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ كَمْ أَطْرَدْتُ اَلْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا اَلْأَمْرِ فَأَبَى اَللَّهُ إِلاَّ إِخْفَاءَهُ هَيْهَاتَ عِلْمٌ مَخْزُونٌ أَمَّا وَصِيَّتِي فَاللَّهَ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ مُحَمَّداً ص فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ اَلْعَمُودَيْنِ وَ أَوْقِدُوا هَذَيْنِ اَلْمِصْبَاحَيْنِ وَ خَلاَكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا حُمِّلَ كُلُّ اِمْرِئٍ مِنْكُمْ مَجْهُودَهُ وَ خُفِّفَ عَنِ اَلْجَهَلَةِ رَبٌّ رَحِيمٌ وَ دِينٌ قَوِيمٌ وَ إِمَامٌ عَلِيمٌ أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ وَ أَنَا اَلْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ غَفَرَ اَللَّهُ لِي وَ لَكُمْ إِنْ ثَبَتَتِ اَلْوَطْأَةُ فِي هَذِهِ اَلْمَزَلَّةِ فَذَاكَ وَ إِنْ تَدْحَضِ اَلْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ وَ مَهَبِّ مَهَابِّ رِيَاحٍ وَ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ اِضْمَحَلَّ فِي اَلْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا وَ عَفَا فِي اَلْأَرْضِ مَخَطُّهَا وَ إِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً وَ سَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلاَءً سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ وَ صَامِتَةً بَعْدَ نُطْقٍ لِيَعِظَكُمْ هُدُوئِي لِيَعِظْكُمْ هُدُوِّي وَ خُفُوتُ إِطْرَاقِي وَ سُكُونُ أَطْرَافِي فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ اَلْمَنْطِقِ اَلْبَلِيغِ وَ اَلْقَوْلِ اَلْمَسْمُوعِ

١١٦

وَدَاعِي لَكُمْ وَدَاعُ اِمْرِئٍ مُرْصِدٍ لِلتَّلاَقِي غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي وَ يَكْشِفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي وَ تَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَ قِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي أطردت الرجل إذا أمرت بإخراجه و طرده و طردته إذا نفيته و أخرجته فالإطراد أدل على العز و القهر من الطرد و كأنه ع جعل الأيام أشخاصا يأمر بإخراجهم و إبعادهم عنه أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي و أي وقت يكون بعينه و في أي أرض يكون يوما يوما فإذا لم أجده في اليوم أطردته و استقبلت غده فأبحث فيه أيضا فلا أعلم فأبعده و أطرده و أستأنف يوما آخر هكذا حتى وقع المقدور و هذا الكلام يدل على أنه لم يكن يعرف حال قتله معرفة مفصلة من جميع الوجوه و أن رسول الله ص أعلمه بذلك علما مجملا لأنه قد ثبت أنه ص قال له ستضرب على هذه و أشار إلى هامته فتخضب منها هذه و أشار إلى لحيته و ثبت أنه ص قال له أ تعلم من أشقى الأولين قال نعم عاقر الناقة فقال له أ تعلم من أشقى الآخرين قال لا قال من يضربك هاهنا فيخضب هذه.و كلام أمير المؤمنين ع يدل على أنه بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنه يموت من ضربته أ لا تراه يقول إن ثبتت الوطأة في هذه المزلة فذاك و إن تدحض فإنما كنا في أفياء أغصان و مهاب رياح أي إن سلمت فذاك الذي تطلبونه يخاطب أهله و أولاده و لا ينبغي أن يقال فذاك ما أطلبه لأنه ع كان يطلب الآخرة

١١٧

أكثر من الدنيا و في كلامه المنقول عنه ما يؤكد ما قلناه و هو قوله إن عشت فأنا ولي دمي و إن مت فضربة بضربة.و ليس قوله ع و أنا اليوم عبرة لكم و غدا مفارقكم و ما يجري مجراه من ألفاظ الفصل بناقض لما قلناه و ذلك لأنه لا يعني غدا بعينه بل ما يستقبل من الزمان كما يقول الإنسان الصحيح أنا غدا ميت فما لي أحرص على الدنيا و لأن الإنسان قد يقول في مرضه الشديد لأهله و ولده ودعتكم و أنا مفارقكم و سوف يخلو منزلي مني و تتأسفون على فراقي و تعرفون موضعي بعدي كله على غلبة الظن و قد يقصد الصالحون به العظة و الاعتبار و جذب السامعين إلى جانب التقوى و ردعهم عن الهوى و حب الدنيا.فإن قلت فما تصنع بقوله ع لابن ملجم:

أريد حباءه و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

و قول الخلص من شيعته فهلا تقتله فقال فكيف أقتل قاتلي و تارة قال إنه لم يقتلني فكيف أقتل من لم يقتل و كيف قال في البط الصائح خلفه في المسجد ليلة ضربه ابن ملجم

دعوهن فإنهن نوائح و كيف قال تلك الليلة

إني رأيت رسول الله ص فشكوت إليه و قلت ما لقيت من أمتك من الأود و اللدد فقال ادع الله عليهم فقلت اللهم أبدلني بهم خيرا منهم و أبدلهم بي شرا مني و كيف قال إني لا أقتل محاربا و إنما أقتل فتكا و غيلة يقتلني رجل خامل الذكر.و قد جاء عنه ع من هذا الباب آثار كثيرة.قلت كل هذا لا يدل على أنه كان يعلم الأمر مفصلا من جميع الوجوه أ لا ترى أنه

١١٨

ليس في الأخبار و الآثار ما يدل على الوقت الذي يقتل فيه بعينه و لا على المكان الذي يقتل فيه بعينه و أما ابن ملجم فمن الجائز أن يكون علم أنه هو الذي يقتله و لم يعلم علما محققا أن هذه الضربة تزهق نفسه الشريفة منها بل قد كان يجوز أن يبل و يفيق منها ثم يكون قتله فيما بعد على يد ابن ملجم و إن طال الأمد و ليس هذا بمستحيل و قد وقع مثله فإن عبد الملك جرح عمرو بن سعيد الأشدق في أيام معاوية على منافرة كانت بينهما فعفا عمرو عنه ثم كان من القضاء و القدر أن عبد الملك قتل عمرا أيضا بيده ذبحا كما تذبح الشاة.و أما قوله في البط دعوهن فإنهن نوائح فلعله علم أنه تلك الليلة يصاب و يجرح و إن لم يعلم أنه يموت منه و النوائح قد ينحن على المقتول و قد ينحن على المجروح و المنام و الدعاء لا يدل على العلم بالوقت بعينه و لا يدل على أن إجابة دعائه تكون على الفور لا محالة.ثم نعود إلى الشرح أما قوله كل امرئ لاق ما يفر منه في فراره أي إذا كان مقدورا و إلا فقد رأينا من يفر من الشي‏ء و يسلم لأنه لم يقدر و هذا من قوله تعالى( وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ و قوله لَبَرَزَ اَلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ اَلْقَتْلُ إِلى‏ مَضاجِعِهِمْ ) و من قوله تعالى( قُلْ إِنَّ اَلْمَوْتَ اَلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ) و في القرآن العزيز مثل هذا كثير.قوله و الأجل مساق النفس أي الأمر الذي تساق إليه و تنتهي عنده و تقف إذا بلغته فلا يبقى له حينئذ أكلة في الدنيا.

١١٩

قوله و الهرب منه موافاته هذا كلام خارج مخرج المبالغة في عدم النجاة و كون الفرار غير مغن و لا عاصم من الموت يقول الهرب بعينه من الموت موافاة للموت أي إتيان إليه كأنه لم يرتض بأن يقول الهارب لا بد أن ينتهي إلى الموت بل جعل نفس الهرب هو ملاقاة الموت.قوله أبحثها أي أكشفها و أكثر ما يستعمل بحث معدى بحرف الجر و قد عداه هاهنا إلى الأيام بنفسه و إلى مكنون الأمر بحرف الجر و قد جاء بحثت الدجاجة التراب أي نبشته.قوله فأبى الله إلا إخفاءه هيهات علم مخزون تقديره هيهات ذلك مبتدأ و خبره هيهات اسم للفعل معناها بعد أي علم هذا العيب علم مخزون مصون لم أطلع عليه.فإن قلت ما معنى قوله كم أطردت الأيام أبحثها و هل علم الإنسان بموته كيف يكون و في أي وقت يكون و في أي أرض يكون مما يمكن استدراكه بالنظر و الفكر و البحث.قلت مراده ع أني كنت في أيام رسول الله ص أسأله كثيرا عن هذا الغيب فما أنبأني منه إلا بأمور إجمالية غير مفصلة و لم يأذن الله تعالى في اطلاعي على تفاصيل ذلك.قوله فالله لا تشركوا به شيئا الرواية المشهورة فالله بالنصب و كذلك محمدا بتقدير فعل لأن الوصية تستدعي الفعل بعدها أي وحدوا الله و قد روي بالرفع و هو جائز على المبتدأ و الخبر.قوله أقيموا هذين العمودين و أوقدوا هذين المصباحين و خلاكم ذم ما لم تشردوا كلام داخل في باب الاستعارة شبه الكتاب و السنة بعمودي الخيمة و بمصباحين

١٢٠