كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٢

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 335

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 335
المشاهدات: 37659
تحميل: 5937


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 335 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37659 / تحميل: 5937
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و قال محمد بن المبارك الصوري أظهر السمت بالليل فإنه أشرف من سمتك بالنهار فإن سمت النهار للمخلوقين و سمت الليل لرب العالمين و قال إبراهيم بن أدهم ما صدق الله من أحب أن يشتهر

و من الكلام المعزو إلى عيسى ابن مريم ع إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن رأسه و لحيته و ليمسح شفتيه لئلا يعلم الناس أنه صائم و إذا أعطى بيمينه فليخف عن شماله و إذا صلى فليرخ ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق و من كلام بعض الصالحين آخر ما يخرج من رءوس الصديقين حب الرئاسة

و روى أنس بن مالك عن رسول الله ص أنه قال يحسب المرء من الشر إلا من عصمه الله من السوء أن يشير الناس إليه بالأصابع في دينه و دنياه إن الله لا ينظر إلى صوركم و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم

و قال علي ع تبذل لا تشتهر و لا ترفع شخصك لتذكر بعلم و اسكت و اصمت تسلم تسر الأبرار و تغيظ الفجار و كان خالد بن معدان إذا كثرت حلقته قام مخافة الشهرة و رأى طلحة بن مصرف قوما يمشون معه نحو عشرة فقال فراش نار و ذبان طمع و قال سليمان بن حنظلة بينا نحن حوالي أبي بن كعب نمشي إذ رآه عمر فعلاه بالدرة و قال له انظر من حولك إن الذي أنت فيه ذلة للتابع فتنة للمتبوع و خرج عبد الله بن مسعود من منزله فاتبعه قوم فالتفت إليهم و قال علام تتبعونني فو الله لو تعلمون مني ما أغلق عليه بابي لما تبعني منكم اثنان و قال الحسن خفق النعال حول الرجال مما يثبت عليهم قلوب الحمقى

١٨١

و روي أن رجلا صحب الحسن في طريق فلما فارقه قال أوصني رحمك الله قال إن استطعت أن تعرف و لا تعرف و تمشي و لا يمشى إليك و تسأل و لا تسأل فافعل و خرج أيوب السختياني في سفر فشيعه قوم فقال لو لا أني أعلم أن الله يعلم من قلبي أني لهذا كاره لخشيت المقت من الله و عوتب أيوب على تطويل قميصه فقال إن الشهرة كانت فيما مضى في طوله و هي اليوم في قصره و قال بعضهم كنت مع أبي قلابة إذ دخل رجل عليه كساء فقال إياكم و هذا الحمار الناهق يشير به إلى طالب شهرة و قال رجل لبشر بن الحارث أوصني فقال أخمل ذكرك و طيب مطعمك و كان حوشب يبكي و يقول بلغ اسمي المسجد الجامع و قال بشر ما أعرف رجلا أحب أن يعرف إلا ذهب دينه و افتضح و قال أيضا لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس فهذه الآثار قليل مما ورد عن الصالحين رحمهم الله في ذم الرياء و كون الشهرة طريقا إلى الفتنة

فصل في مدح الخمول و الجنوح إلى العزلة

و قد صرح أمير المؤمنين ع في مدح الأبرار و هم القسم الخامس بمدح الخمول فقال قد أخملتهم التقية يعني الخوف و قد ورد في الأخبار و الآثار شي‏ء كثير في مدح الخمول

قال رسول الله ص رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له

١٨٢

لو أقسم على الله لأبر قسمه

و في رواية ابن مسعود رب ذي طمرين لا يؤبه له و لو سأل الجنة لأعطيها

و في الحديث أيضا عنه ص أ لا أدلكم على أهل الجنة كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره أ لا أدلكم على أهل النار كل متكبر جواظ

و عنه ص أن أهل الجنة الشعث الغبر الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم و إذا خطبوا لم ينكحوا و إذا قالوا لم ينصت لهم حوائج أحدهم تتلجلج في صدره لو قسم نورهم يوم القيامة على الناس لوسعهم

و روي أن عمر دخل المسجد فإذا بمعاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول الله ص فقال ما يبكيك قال سمعت رسول الله ص يقول إن اليسير من الرياء لشرك و إن الله يحب الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا و إذا حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى ينجون من كل غبراء مظلمة

و قال ابن مسعود كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب خلقان الثياب تعرفون عند أهل السماء و تخفون عند أهل الأرض

و في حديث أبي أمامة يرفعه قال الله تعالى إن أغبط أوليائي لعبد مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة و قد أحسن عبادة ربه و أطاعه في السر و كان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع

و في الحديث السعيد من خمل صيته و قل تراثه و سهلت منيته و قلت بواكيه

١٨٣

و قال الفضيل روي لي أن الله تعالى يقول في بعض ما يمن به على عبده أ لم أنعم عليك أ لم أسترك أ لم أخمل ذكرك و كان الخليل بن أحمد يقول في دعائه اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك و اجعلني عند نفسي من أوضع خلقك و اجعلني عند الناس من أوسط خلقك و قال إبراهيم بن أدهم ما قرت عيني ليلة قط في الدنيا إلا مرة بت ليلة في بعض مساجد قرى الشام و كان بي علة البطن فجرني المؤذن برجلي حتى أخرجني من المسجد و قال الفضيل إن قدرت على ألا تعرف فافعل و ما عليك ألا تعرف و ما عليك ألا يثنى عليك و ما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله تعالى فإن قيل فما قولك في شهرة الأنبياء و الأئمة ع و أكابر الفقهاء المجتهدين قيل إن المذموم طلب الشهرة فأما وجودها من الله تعالى من غير تكلف من العبد و لا طلب فليس بمذموم بل لا بد من وجود إنسان يشتهر أمره فإن بطريقه ينصلح العالم و مثال ذلك الغرقى الذين بينهم غريق ضعيف الأولى به ألا يعرفه أحد منهم لئلا يتعلق به فيهلك و يهلكوا معه فإن كان بينهم سابح قوي مشهور بالقوة فالأولى ألا يكون مجهولا بل ينبغي أن يعرف ليتعلقوا به فينجو هو و يتخلصوا من الغرق بطريقه

١٨٤

33 و من خطبة له ع عند خروجه لقتال أهل البصرة

و فيها حكمة مبعث الرسل ثم يذكر فضله و يذم الخارجين قَالَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْعَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ بِذِي قَارٍ وَ هُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُ هَذَا اَلنَّعْلِ فَقُلْتُ لاَ قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ ع وَ اَللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلاَّ أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ اَلنَّاسَ فَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ص وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ اَلْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَ لاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً فَسَاقَ اَلنَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ وَ بَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَ اِطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ أَمَا وَ اَللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى وَلَّتْ تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا مَا ضَعُفْتُ عَجَزْتُ [ ضَعُفْتُ ] وَ لاَ جَبُنْتُ [ وَهَنْتُ ] وَ إِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِهَا فَلَأَنْقُبَنَّ [ فَلَأَثْقُبَنَّ ] اَلْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ اَلْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ مَا لِي وَ لِقُرَيْشٍ وَ اَللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ وَ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ وَ إِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالْأَمْسِ كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ اَلْيَوْمَ وَ اَللَّهِ مَا تَنْقِمُ مِنَّا قُرَيْشٌ إِلاَّ أَنَّ اَللَّهَ اِخْتَارَنَا عَلَيْهِمْ فَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي حَيِّزِنَا فَكَانُوا كَمَا قَالَ اَلْأَوَّلُ

أَدَمْتَ لَعَمْرِي شُرْبَكَ اَلْمَحْضَ صَابِحاً

وَ أَكْلَكَ بِالزُّبْدِ اَلْمُقَشَّرَةَ اَلْبُجْرَا

وَ نَحْنُ وَهَبْنَاكَ اَلْعَلاَءَ وَ لَمْ تَكُنْ

عَلِيّاً وَ حُطْنَا حَوْلَكَ اَلْجُرْدَ وَ اَلسُّمْرَا

١٨٥

ذو قار موضع قريب من البصرة و هو المكان الذي كانت فيه الحرب بين العرب و الفرس و نصرت العرب على الفرس قبل الإسلام و يخصف نعله أي يخرزها و بوأهم محلتهم أسكنهم منزلهم أي ضرب الناس بسيفه على الإسلام حتى أوصلهم إليه و مثله و بلغهم منجاتهم إلا أن في هذه الفاصلة ذكر النجاة مصرحا به فاستقامت قناتهم استقاموا على الإسلام أي كانت قناتهم معوجة فاستقامت و اطمأنت صفاتهم كانت متقلقلة متزلزلة فاطمأنت و استقرت و هذه كلها استعارات ثم أقسم أنه كان في ساقتها حتى تولت بحذافيرها الأصل في ساقتها أن يكون جمع سائق كحائض و حاضة و حائك و حاكة ثم استعملت لفظة الساقة للأخير لأن السائق إنما يكون في آخر الركب أو الجيش و شبه ع أمر الجاهلية إما بعجاجة ثائرة أو بكتيبة مقبلة للحرب فقال إني طردتها فولت بين يدي و لم أزل في ساقتها أنا أطردها و هي تنطرد أمامي حتى تولت بأسرها و لم يبق منها شي‏ء ما عجزت عنها و لا جبنت منها ثم قال و إن مسيري هذا لمثلها فلأنقبن الباطل كأنه جعل الباطل كشي‏ء قد اشتمل على الحق و احتوى عليه و صار الحق في طيه كالشي‏ء الكامن المستتر فيه فأقسم لينقبن ذلك الباطل إلى أن يخرج الحق من جنبه و هذا من باب الاستعارة أيضا

١٨٦

ثم قال لقد قاتلت قريشا كافرين و لأقاتلنهم مفتونين لأن الباغي على الإمام مفتون فاسق و هذا الكلام يؤكد قول أصحابنا إن أصحاب صفين و الجمل ليسوا بكفار خلافا للإمامية فإنهم يزعمون أنهم كفار

خبر يوم ذي قار

روى أبو مخنف عن الكلبي عن أبي صالح عن زيد بن علي عن ابن عباس قال لما نزلنا مع علي ع ذا قار قلت يا أمير المؤمنين ما أقل من يأتيك من أهل الكوفة فيما أظن فقال و الله ليأتيني منهم ستة آلاف و خمسمائة و ستون رجلا لا يزيدون و لا ينقصون قال ابن عباس فدخلني و الله من ذلك شك شديد في قوله و قلت في نفسي و الله إن قدموا لأعدنهم قال أبو مخنف فحدث ابن إسحاق عن عمه عبد الرحمن بن يسار قال نفر إلى علي ع إلى ذي قار من الكوفة في البحر و البر ستة آلاف و خمسمائة و ستون رجلا أقام علي بذي قار خمسة عشر يوما حتى سمع صهيل الخيل و شحيح البغال حوله قال فلما سار بهم منقلة قال ابن عباس و الله لأعدنهم فإن كانوا كما قال و إلا أتممتهم من غيرهم فإن الناس قد كانوا سمعوا قوله قال فعرضتهم فو الله ما وجدتهم يزيدون رجلا و لا ينقصون رجلا فقلت الله أكبر صدق الله و رسوله ثم سرنا قال أبو مخنف و لما بلغ حذيفة بن اليمان أن عليا قد قدم ذا قار و استنفر الناس دعا

١٨٧

أصحابه فوعظهم و ذكرهم الله و زهدهم في الدنيا و رغبهم في الآخرة و قال لهم الحقوا بأمير المؤمنين و وصي سيد المرسلين فإن من الحق أن تنصروه و هذا الحسن ابنه و عمار قد قدما الكوفة يستنفران الناس فانفروا قال فنفر أصحاب حذيفة إلى أمير المؤمنين و مكث حذيفة بعد ذلك خمس عشرة ليلة و توفيرحمه‌الله تعالى قال أبو مخنف و قال هاشم بن عتبة المرقال يذكر نفورهم إلى علي ع

و سرنا إلى خير البرية كلها

على علمنا أنا إلى الله نرجع

نوقره في فضله و نجله

و في الله ما نرجو و ما نتوقع

و نخصف أخفاف المطي على الوجا

و في الله ما نزجي و في الله نوضع

دلفنا بجمع آثروا الحق و الهدى

إلى ذي تقى في نصره نتسرع

نكافح عنه و السيوف شهيرة

تصافح أعناق الرجال فتقطع

قال أبو مخنف فلما قدم أهل الكوفة على علي ع سلموا عليه و قالوا الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي اختصنا بموازرتك و أكرمنا بنصرتك قد أجبناك طائعين غير مكرهين فمرنا بأمرك

قال فقام فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله و قال مرحبا بأهل الكوفة بيوتات العرب و وجوهها و أهل الفضل و فرسانها و أشد العرب مودة لرسول الله ص و لأهل بيته و لذلك بعثت إليكم و استصرختكم عند نقض طلحة و الزبير بيعتي عن غير جور مني و لا حدث و لعمري لو لم تنصروني بأهل الكوفة لرجوت أن يكفيني الله غوغاء الناس و طغام أهل البصرة مع أن عامة من بها و وجوهها و أهل الفضل و الدين قد اعتزلوها و رغبوا عنها فقام رءوس القبائل فخطبوا و بذلوا له النصر فأمرهم بالرحيل إلى البصرة

١٨٨

34 و من خطبة له ع في استنفار الناس إلى أهل الشام

أُفٍّ لَكُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا مِنَ اَلآْخِرَةِ عِوَضاً وَ بِالذُّلِّ مِنَ اَلْعِزِّ خَلَفاً إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ اَلْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ وَ مِنَ اَلذُّهُولِ فِي سَكْرَةٍ يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حِوَارِي فَتَعْمَهُونَ فَكَأَنَّ وَ كَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لاَ تَعْقِلُونَ مَا أَنْتُمْ لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اَللَّيَالِي وَ مَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ بِكُمْ وَ لاَ زَوَافِرَ عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ مَا أَنْتُمْ إِلاَّ كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا فَكُلَّمَا جُمِعَتْ [ اِجْتَمَعَتْ ] مِنْ جَانِبٍ اِنْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ لَبِئْسَ لَعَمْرُ اَللَّهِ سُعْرُ نَارِ اَلْحَرْبِ أَنْتُمْ تُكَادُونَ وَ لاَ تَكِيدُونَ وَ تُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلاَ تَمْتَعِضُونَ لاَ يُنَامُ عَنْكُمْ وَ أَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ غُلِبَ وَ اَللَّهِ اَلْمُتَخَاذِلُونَ وَ اَيْمُ اَللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ [ حَمَشَ ] اَلْوَغَى وَ اِسْتَحَرَّ اَلْمَوْتُ قَدِ اِنْفَرَجْتُمْ عَنِ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ اِنْفِرَاجَ اَلرَّأْسِ وَ اَللَّهِ إِنَّ اِمْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَ يَهْشِمُ عَظْمَهُ وَ يَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ اَلْهَامِ وَ تَطِيحُ اَلسَّوَاعِدُ وَ اَلْأَقْدَامُ وَ يَفْعَلُ اَللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَ لَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ

١٨٩

لَكُمْ وَ تَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَ تَعْلِيمُكُمْ كَيْلاَ تَجْهَلُوا وَ تَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا وَ أَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَ اَلنَّصِيحَةُ فِي اَلْمَشْهَدِ وَ اَلْمَغِيبِ وَ اَلْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ وَ اَلطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ أف لكم كلمة استقذار و مهانة و فيها لغات و يرتج يغلق و الحوار المحاورة و المخاطبة و تعمهون من العمه و هو التحير و التردد الماضي عمه بالكسر و قوله دارت أعينكم من قوله تعالى( يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ اَلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ اَلْمَوْتِ ) و من قوله( تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى‏ عَلَيْهِ مِنَ اَلْمَوْتِ ) و قلوبكم مألوسة من الألس بسكون اللام و هو الجنون و اختلاط العقل قوله ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي كلمة تقال للأبد تقول لا أفعله سجيس الليالي و سجيس عجيس و سجيس الأوجس معنى ذلك كله الدهر و الزمان و أبدا قوله ما أنتم بركن يمال بكم أي لستم بركن يستند إليكم و يمال على العدو بعزكم و قوتكم قوله و لا زوافر عز جمع زافرة و زافرة الرجل أنصاره و عشيرته و يجوز أن يكون زوافر عز أي حوامل عز زفرت الجمل أزفره زفرا أي حملته قوله سعر نار الحرب جمع ساعر كقولك قوم كظم للغيظ جمع كاظم

١٩٠

و تمتعضون تأنفون و تغضبون و حمس الوغى اشتد و أصل الوغى الصوت و الجلبة ثم سميت الحرب نفسها وغى لما فيها من الأصوات و الجلبة و استحر الموت أي اشتد و قوله انفرجتم انفراج الرأس أي كما ينفلق الرأس فيذهب نصفه يمنة و نصفه شامة و المشرفية السيوف المنسوبة إلى مشارف و هي قرى من أرض العرب تدنو من الريف و لا يقال مشارفي كما لا يقال جعافري لمن ينسب إلى جعافر و فراش الهام العظام الخفيفة تلي القحف و قال الراوندي في تفسير قوله انفراج الرأس أراد به انفرجتم عني رأسا أي قطعا و عرفه بالألف و اللام و هذا غير صحيح لأن رأسا لا يعرف قال و له تفسير آخر أن يكون المعنى انفراج رأس من أدنى رأسه إلى غيره ثم حرف رأسه عنه و هذا أيضا غير صحيح لأنه لا خصوصية للرأس في ذلك فإن اليد و الرجل إذا أدنيتهما من شخص ثم حرفتهما عنه فقد انفرج ما بين ذلك العضو و بينه فأي معنى لتخصيص الرأس بالذكر فأما قوله أنت فكن ذاك فإنه إنما خاطب من يمكن عدوه من نفسه كائنا من كان غير معين و لا مخصص و لكن الرواية وردت بأنه خاطب بذلك الأشعث بن قيس فإنه روي أنه قال له ع و هو يخطب و يلوم الناس على تثبيطهم و تقاعدهم هلا فعلت فعل ابن عفان فقال له إن فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له و لا وثيقة معه إن امرأ أمكن عدوه من نفسه يهشم عظمه و يفري جلده لضعيف رأيه مأفون عقله أنت فكن ذاك إن أحببت فأما أنا فدون أن أعطي ذاك ضرب بالمشرفية الفصل

١٩١

و يمكن أن تكون الرواية صحيحة و الخطاب عام لكل من أمكن من نفسه فلا منافاة بينهما و قد نظمت أنا هذه الألفاظ في أبيات كتبتها إلى صاحب لي في ضمن مكتوب اقتضاها و هي

إن امرأ أمكن من نفسه

عدوه يجدع آرابه

لا يدفع الضيم و لا ينكر الذل

و لا يحصن جلبابه

لفائل الرأي ضعيف القوى

قد صرم الخذلان أسبابه

أنت فكن ذاك فإني امرؤ

لا يرهب الخطب إذا نابه

إن قال دهر لم يطع أو شحا

له فم أدرد أنيابه

أو سامه الخسف أبى و انتضى

دون مرام الخسف قرضابه

أخزر غضبان شديد السطا

يقدر أن يترك ما رابه

خطب أمير المؤمنين ع بهذه الخطبة بعد فراغه من أمر الخوارج و قد كان قام بالنهروان فحمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد فإن الله قد أحسن نصركم فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم من أهل الشام فقاموا إليه فقالوا يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا و كلت سيوفنا و انصلتت أسنة رماحنا و عاد أكثرها قصدا ارجع بنا إلى مصرنا نستعد بأحسن عدتنا و لعل أمير المؤمنين يزيد في عددنا مثل من هلك منا فإنه أقوى لنا على عدونا

١٩٢

فكان جوابه ع( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم و لا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ) فتلكئوا عليه و قالوا إن البرد شديد فقال إنهم يجدون البرد كما تجدون فتلكئوا و أبوا فقال أف لكم إنها سنة جرت ثم تلا قوله تعالى( قالُوا يا مُوسى‏ إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ ) فقام منهم ناس فقالوا يا أمير المؤمنين الجراح فاشية في الناس و كان أهل النهروان قد أكثروا الجراح في عسكر أمير المؤمنين ع فارجع إلى الكوفة فأقم بها أياما ثم اخرج خار الله لك فرجع إلى الكوفة عن غير رضا

أمر الناس بعد وقعة النهروان

و روى نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن نمير بن وعلة عن أبي وداك قال لما كره القوم المسير إلى الشام عقيب واقعة النهروان أقبل بهم أمير المؤمنين فأنزلهم النخيلة و أمر الناس أن يلزموا معسكرهم و يوطنوا على الجهاد أنفسهم و أن يقلوا زيارة النساء و أبنائهم حتى يسير بهم إلى عدوهم و كان ذلك هو الرأي لو فعلوه لكنهم لم يفعلوا و أقبلوا يتسللون و يدخلون الكوفة فتركوه ع و ما معه من الناس إلا رجال من وجوههم قليل و بقي المعسكر خاليا فلا من دخل الكوفة خرج إليه و لا من أقام معه صبر فلما رأى ذلك دخل الكوفة

١٩٣

قال نصر بن مزاحم فخطب الناس بالكوفة و هي أول خطبة خطبها بعد قدومه من حرب الخوارج فقال أيها الناس استعدوا لقتال عدو في جهادهم القربة إلى الله عز و جل و درك الوسيلة عنده قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه موزعين بالجور و الظلم لا يعدلون به جفاة عن الكتاب نكب عن الدين يعمهون في الطغيان و يتسكعون في غمرة الضلال ف أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ اَلْخَيْلِ و توكلوا على الله و كفى بالله وكيلا قال فلم ينفروا و لم ينشروا فتركهم أياما ثم خطبهم فقال أف لكم لقد سئمت عتابكم أ رضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا الفصل الذي شرحناه آنفا إلى آخره و زاد فيه أنتم أسود الشرى في الدعة و ثعالب رواغة حين البأس إن أخا الحرب اليقظان ألا إن المغلوب مقهور و مسلوب

و روى الأعمش عن الحكم بن عتيبة عن قيس بن أبي حازم قال سمعت عليا ع على منبر الكوفة و هو يقول يا أبناء المهاجرين انفروا إلى أئمة الكفر و بقية الأحزاب و أولياء الشيطان انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا فو الله الذي فلق الحبة و برأ النسمة إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئا قلت هذا قيس بن أبي حازم و هو الذي روى حديث إنكم لترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا نضامون في رؤيته و قد طعن مشايخنا المتكلمون فيه و قالوا إنه فاسق و لا تقبل روايته لأنه قال إني سمعت عليا يخطب على منبر الكوفة

١٩٤

و يقول انفروا إلى بقية الأحزاب فأبغضته و دخل بغضه في قلبي و من يبغض عليا ع لا تقبل روايته فإن قيل فما يقول مشايخكم في قوله ع انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا أ ليس هذا طعنا منه ع في عثمان قيل الأشهر الأكثر في الرواية صدر الحديث و أما عجز الحديث فليس بمشهور تلك الشهرة و إن صح حملناه على أنه أراد به معاوية و سمى ناصريه مقاتلين على دمه لأنهم يحامون عن دمه و من حامى عن دم إنسان فقد قاتل عليه و روى أبو نعيم الحافظ قال حدثنا أبو عاصم الثقفي قال جاءت امرأة من بني عبس إلى علي ع و هو يخطب بهذه الخطبة على منبر الكوفة فقالت يا أمير المؤمنين ثلاث بلبلن القلوب عليك قال و ما هن ويحك قالت رضاك بالقضية و أخذك بالدنية و جزعك عند البلية فقال إنما أنت امرأة فاذهبي فاجلسي على ذيلك فقالت لا و الله ما من جلوس إلا تحت ظلال السيوف

و روى عمرو بن شمر الجعفي عن جابر عن رفيع بن فرقد البجلي قال سمعت عليا ع يقول يا أهل الكوفة لقد ضربتكم بالدرة التي أعظ بها السفهاء فما أراكم تنتهون و لقد ضربتكم بالسياط التي أقيم بها الحدود فما أراكم ترعوون فلم يبق إلا أن أضربكم بسيفي و إني لأعلم ما يقومكم و لكني لا أحب أن ألي ذلك منكم وا عجبا لكم و لأهل الشام أميرهم يعصي الله و هم يطيعونه و أميركم يطيع الله و أنتم تعصونه و الله لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني و لو سقت الدنيا بحذافيرها إلى الكافر لما أحبني و ذلك أنه قضى ما قضى على لسان النبي الأمي أنه لا يبغضني

١٩٥

مؤمن و لا يحبني كافر و قد خاب من حمل ظلما و الله لتصبرن يا أهل الكوفة على قتال عدوكم أو ليسلطن الله عليكم قوما أنتم أولى بالحق منهم فليعذبنكم أ فمن قتلة بالسيف تحيدون إلى موتة على الفراش و الله لموتة على الفراش أشد من ضربة ألف سيف قلت ما أحسن قول أبي العيناء و قد قال له المتوكل إلى متى تمدح الناس و تهجوهم فقال ما أحسنوا و أساءوا و هذا أمير المؤمنين ع و هو سيد البشر بعد رسول الله ص يمدح الكوفة و أهلها عقيب الانتصار على أصحاب الجمل بما قد ذكرنا بعضه و سنذكر باقيه مدحا ليس باليسير و لا بالمستصغر و يقول للكوفة عند نظره إليها أهلا بك و بأهلك ما أرادك جبار بكيد إلا قصمه الله و يثني عليها و على أهلها حسب ذمه للبصرة و عيبه لها و دعائه عليها و على أهلها فلما خذله أهل الكوفة يوم التحكيم و تقاعدوا عن نصره على أهل الشام و خرج منهم الخوارج و مرق منهم المراق ثم استنفرهم بعد فلم ينفروا و استصرخهم فلم يصرخوا و رأى منهم دلائل الوهن و أمارات الفشل انقلب ذلك المدح ذما و ذلك الثناء استزادة و تقريعا و تهجينا و هذا أمر مركوز في طبيعة البشر و قد كان رسول الله ص كذلك و القرآن العزيز أيضا كذلك أثنى على الأنصار لما نهضوا و ذمهم لما قعدوا في غزاة تبوك فقال( فَرِحَ اَلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اَللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ ) الآيات إلى أنرضي‌الله‌عنه م فقال( وَ عَلَى

١٩٦

اَلثَّلاثَةِ اَلَّذِينَ خُلِّفُوا ) أي عن رسول الله( حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ اَلْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ... ) الآية

مناقب علي و ذكر طرف من أخباره في عدله و زهده

روى علي بن محمد بن أبي سيف المدائني عن فضيل بن الجعد قال آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين ع أمر المال فإنه لم يكن يفضل شريفا على مشروف و لا عربيا على عجمي و لا يصانع الرؤساء و أمراء القبائل كما يصنع الملوك و لا يستميل أحدا إلى نفسه و كان معاوية بخلاف ذلك فترك الناس عليا و التحقوا بمعاوية فشكا علي ع إلى الأشتر تخاذل أصحابه و فرار بعضهم إلى معاوية فقال الأشتر يا أمير المؤمنين إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة و أهل الكوفة و رأي الناس واحد و قد اختلفوا بعد و تعادوا و ضعفت النية و قل العدد و أنت تأخذهم بالعدل و تعمل فيهم بالحق و تنصف الوضيع من الشريف فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به و اغتموا من العدل إذ صاروا فيه و رأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء و الشرف فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا و قل من ليس للدنيا بصاحب و أكثرهم يجتوي الحق و يشتري الباطل و يؤثر الدنيا فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الرجال و تصف نصيحتهم لك و تستخلص ودهم صنع الله لك يا أمير المؤمنين و كبت أعداءك و فض جمعهم و أوهن كيدهم و شتت أمورهم إنه بما يعملون خبير

فقال علي ع :

١٩٧

أما ما ذكرت من عملنا و سيرتنا بالعدل فإن الله عز و جل يقول( مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) و أنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف و أما ما ذكرت من أن الحق ثقل عليهم ففارقونا لذلك فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من جور و لا لجئوا إذ فارقونا إلى عدل و لم يلتمسوا إلا دنيا زائلة عنهم كأن قد فارقوها و ليسألن يوم القيامة أ للدنيا أرادوا أم لله عملوا و أما ما ذكرت من بذل الأموال و اصطناع الرجال فإنه لا يسعنا أن نؤتي امرأ من الفي‏ء أكثر من حقه و قد قال الله سبحانه و تعالى و قوله الحق( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اَللَّهِ وَ اَللَّهُ مَعَ اَلصَّابِرِينَ ) و قد بعث الله محمدا ص وحده فكثره بعد القلة و أعز فئته بعد الذلة و إن يرد الله أن يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه و يسهل لنا حزنه و أنا قابل من رأيك ما كان لله عز و جل رضا و أنت من آمن الناس عندي و أنصحهم لي و أوثقهم في نفسي إن شاء الله و ذكر الشعبي قال دخلت الرحبة بالكوفة و أنا غلام في غلمان فإذا أنا بعلي ع قائما على صبرتين من ذهب و فضة و معه مخفقة و هو يطرد الناس بمخفقته ثم يرجع إلى المال فيقسمه بين الناس حتى لم يبق منه شي‏ء ثم انصرف و لم يحمل إلى بيته قليلا و لا كثيرا فرجعت إلى أبي فقلت له لقد رأيت اليوم خير الناس أو أحمق الناس قال من هو يا بني قلت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رأيته يصنع كذا فقصصت عليه فبكى و قال يا بني بل رأيت خير الناس

١٩٨

و روى محمد بن فضيل عن هارون بن عنترة عن زاذان قال انطلقت مع قنبر غلام علي ع فإذا هو يقول قم يا أمير المؤمنين فقد خبأت لك خبيئا قال و ما هو ويحك قال قم معي فانطلق به إلى بيته و إذا بغرارة مملوءة من جامات ذهبا و فضة فقال يا أمير المؤمنين رأيتك لا تترك شيئا إلا قسمته فادخرت لك هذا من بيت المال فقال علي ع ويحك يا قنبر لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا عظيمة ثم سل سيفه و ضربه ضربات كثيرة فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه و آخر ثلثه و نحو ذلك ثم دعا بالناس فقال اقسموه بالحصص ثم قام إلى بيت المال فقسم ما وجد فيه ثم رأى في البيت إبرا و مسال فقال و لتقسموا هذا فقالوا لا حاجة لنا فيه و قد كان علي ع يأخذ من كل عامل مما يعمل فضحك و قال ليؤخذن شره مع خيره و روى عبد الرحمن بن عجلان قال كان علي ع يقسم بين الناس الأبزار و الحرف و الكمون و كذا و كذا

و روى مجمع التيمي قال كان علي ع يكنس بيت المال كل جمعة و يصلي فيه ركعتين و يقول ليشهد لي يوم القيامة

و روى بكر بن عيسى عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال شهدت عليا ع و قد جاءه مال من الجبل فقام و قمنا معه و جاء الناس يزدحمون فأخذ حبالا فوصلها بيده و عقد بعضها إلى بعض ثم أدارها حول المال و قال لا أحل لأحد أن يجاوز هذا الحبل قال فقعد الناس كلهم من وراء الحبل و دخل هو فقال أين رءوس الأسباع و كانت الكوفة يومئذ أسباعا فجعلوا يحملون هذه الجوالق إلى هذه الجوالق و هذا إلى هذا حتى استوت القسمة سبعة أجزاء و وجد مع المتاع

١٩٩

رغيف فقال اكسروه سبع كسر و ضعوا على كل جزء كسرة ثم قال:

هذا جناي و خياره فيه

إذ كل جان يده إلى فيه

ثم أقرع عليها و دفعها إلى رءوس الأسباع فجعل كل رجل منهم يدعو قومه فيحملون الجواليق

و روى مجمع عن أبي رجاء قال أخرج علي ع سيفا إلى السوق فقال من يشتري مني هذا فو الذي نفس علي بيده لو كان عندي ثمن إزار ما بعته فقلت له أنا أبيعك إزارا و أنسئك ثمنه إلى عطائك فدفعت إليه إزارا إلى عطائه فلما قبض عطاءه دفع إلي ثمن الإزار

و روى هارون بن سعيد قال قال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لعلي ع يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فو الله ما لي نفقة إلا أن أبيع دابتي فقال لا و الله ما أجد لك شيئا إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك

و روى بكر بن عيسى قال كان علي ع يقول يا أهل الكوفة إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي و رحلي و غلامي فلان فأنا خائن فكانت نفقته تأتيه من غلته بالمدينة بينبع و كان يطعم الناس منها الخبز و اللحم و يأكل هو الثريد بالزيت

و روى أبو إسحاق الهمداني أن امرأتين أتتا عليا ع إحداهما من العرب و الأخرى من الموالي فسألتاه فدفع إليهما دراهم و طعاما بالسواء فقالت إحداهما

٢٠٠