كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٢

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 335

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 335
المشاهدات: 37657
تحميل: 5937


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 335 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37657 / تحميل: 5937
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال بما رأيت قال رأيت عمر بن عبد العزيز و قد مات فخلف أحد عشر ابنا و بلغت تركته سبعة عشر دينارا كفن منها بخمسة دنانير و اشتري موضع قبره بدينارين و أصاب كل واحد من ولده دون الدينار ثم رأيت هشام بن عبد الملك و قد مات و خلف عشرة ذكور فأصاب كل واحد من ولده ألف ألف دينار و رأيت رجلا من ولد عمر بن عبد العزيز قد حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله و رأيت رجلا من ولد هشام يسأل الناس ليتصدقوا عليه حسان بن أبي سنان ما شي‏ء أهون من ورع إذا رابك شي‏ء فدعه مورق العجلي لقد سألت الله حاجة أربعين سنة ما قضاها و لا يئست منها قيل و ما هي قال ترك ما لا يعنيني قتادة إن الله ليعطي العبد على نية الآخرة ما يسأله من الدنيا و لا يعطيه على نية الدنيا إلا الدنيا من كلام محمد بن واسع ليس في النار عذاب أشد على أهلها من علمهم بأنه ليس لكربهم تنفيس و لا لضيقتهم ترفيه و لا لعذابهم غاية و ليس في الجنة نعيم أبلغ من علم أهلها بأن ذلك الملك لا يزول عنهم قال بعض الملوك لبعض الزهاد أذمم لي الدنيا قال أيها الملك هي الآخذة لما تعطي المورثة بعد ذلك الندم السالبة ما تكسو المورثة بعد ذلك الفضوح تسد بالأراذل مكان الأفاضل و بالعجزة مكان الحزمة تجد في كل من كل خلفا و ترضى بكل من كل بدلا تسكن دار كل قرن قرنا و تطعم سؤر كل قوم قوما و من كلام الحجاج و كان مع غشمه و إلحاده واعظا بليغا مفوها خطب فقال اللهم أرني الغي غيا فأتجنبه و أرني الهدى هدى فأتبعه و لا تكلني إلى نفسي فأضل

١٠١

ضلالا بعيدا و الله ما أحب أن ما مضى من الدنيا بعمامتي هذه و لما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء و قال مالك بن دينار غدوت إلى الجمعة فجلست قريبا من المنبر فصعد الحجاج فسمعته يقول امرؤ زور عمله امرؤ حاسب نفسه امرؤ فكر فيما يقرؤه في صحيفته و يراه في ميزانه امرؤ كان عند قلبه زاجر و عند همه آمر امرؤ أخذ بعنان قلبه كما يأخذ الرجل بخطام جمله فإن قاده إلى طاعة الله تبعه و إن قاده إلى معصية الله كفه إننا و الله ما خلقنا للفناء و إنما خلقنا للبقاء و إنما ننتقل من دار إلى دار و خطب يوما فقال إن الله أمرنا بطلب الآخرة و كفانا مئونة الدنيا فليته كفانا مئونة الآخرة و أمرنا بطلب الدنيا فقال الحسن ضالة المؤمن خرجت من قلب المنافق و من الكلام المنسوب إليه و أكثر الناس يروونه

عن أمير المؤمنين ع أيها الناس اقدعوا هذه الأنفس فإنها أسأل شي‏ء إذا أعطيت و أبخل لشي‏ء إذا سئلت فرحم الله امرأ جعل لنفسه خطاما و زماما فقادها بخطامها إلى طاعة الله و عطفها بزمامها عن معصية الله فإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله و من كلامه أن امرأ أتت عليه ساعة من عمره لم يذكر فيها ربه و يستغفر من ذنبه و يفكر في معاده لجدير أن يطول حزنه و يتضاعف أسفه إن الله كتب على الدنيا الفناء و على الآخرة البقاء فلا بقاء لما كتب عليه الفناء و لا فناء لما كتب عليه البقاء فلا يغرنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة و اقهروا طول الأمل بقصر الأجل

١٠٢

و نقلت من أمالي أبي أحمد العسكريرحمه‌الله تعالى قال خطب الحجاج يوما فقال أيها الناس قد أصبحتم في أجل منقوص و عمل محفوظ رب دائب مضيع و ساع لغيره و الموت في أعقابكم و النار بين أيديكم و الجنة أمامكم خذوا من أنفسكم لأنفسكم و من غناكم لفقركم و مما في أيديكم لما بين أيديكم فكان ما قد مضى من الدنيا لم يكن و كان الأموات لم يكونوا أحياء و كل ما ترونه فإنه ذاهب هذه شمس عاد و ثمود و قرون كثيرة بين ذلك هذه الشمس التي طلعت على التبابعة و الأكاسرة و خزائنهم السائرة بين أيديهم و قصورهم المشيدة ثم طلعت على قبورهم أين الملوك الأولون أين الجبابرة المتكبرون المحاسب الله و الصراط منصوب و جهنم تزفر و تتوقد و أهل الجنة ينعمون هم في روضة يحبرون جعلنا الله و إياكم من الذين( إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً ) قال فكان الحسنرحمه‌الله تعالى يقول أ لا تعجبون من هذا الفاجر يرقى عتبات المنبر فيتكلم بكلام الأنبياء و ينزل فيفتك فتك الجبارين يوافق الله في قوله و يخالفه في فعله

استطراد بلاغي في الكلام على المقابلة

و أما ما ذكره الرضيرحمه‌الله تعالى من المقابلة بين السبقة و الغاية فنكته جيدة من علم البيان و نحن نذكر فيها أبحاثا نافعة فنقول إما أن يقابل الشي‏ء ضده أو ما ليس بضده فالأول كالسواد و البياض و هو قسمان أحدهما مقابله في اللفظ و المعنى

١٠٣

و الثاني مقابله في المعنى لا في اللفظ أما الأول فكقوله تعالى( فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً ) فالضحك ضد البكاء و القليل ضد الكثير و كذلك قوله تعالى لِكَيْلا( تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ )

و من كلام النبي ص خير المال عين ساهرة لعين نائمة

و من كلام أمير المؤمنين ع لعثمان أن الحق ثقيل مري‏ء و أن الباطل خفيف وبي‏ء و أنت رجل إن صدقت سخطت و إن كذبت رضيت

و كذلك قوله ع لما قالت الخوارج لا حكم إلا لله كلمة حق أريد بها باطل و قال الحجاج لسعيد بن جبير لما أراد قتله ما اسمك فقال سعيد بن جبير فقال بل شقي بن كسير و قال ابن الأثير في كتابه المسمى بالمثل السائر إن هذا النوع من المقابلة غير مختص بلغة العرب فإنه لما مات قباذ أحد ملوك الفرس قال وزيره حركنا بسكونه و في أول كتاب الفصول لبقراط في الطب العمر قصير و الصناعة طويلة و هذا الكتاب على لغة اليونان قلت أي حاجة به إلى هذا التكلف و هل هذه الدعوى من الأمور التي يجوز أن يعتري الشك و الشبهة فيها ليأتي بحكاية مواضع من غير كلام العرب يحتج بها أ ليس كل قبيلة و كل أمة لها لغة تختص بها أ ليس الألفاظ دلالات على ما في الأنفس

١٠٤

من المعاني فإذا خطر في النفس كلام يتضمن أمرين ضدين فلا بد لصاحب ذلك الخاطر سواء أ كان عربيا أم فارسيا أم زنجيا أم حبشيا أن ينطق بلفظ يدل على تلك المعاني المتضادة و هذا أمر يعم العقلاء كلهم على أن تلك اللفظة التي قالها ما قيلت في موت قباذ و إنما قيلت في موت الإسكندر لما تكلمت الحكماء و هم حول تابوته بما تكلموا به من الحكم و مما جاء من هذا القسم من المقابلة في الكتاب العزيز قوله تعالى في صفة الواقعة( خافِضَةٌ رافِعَةٌ ) لأنها تخفض العاصين و ترفع المطيعين و قوله تعالى( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ اَلرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ اَلْعَذابُ ) و قوله( أَذِلَّةٍ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى اَلْكافِرِينَ ) و من هذا الباب

قول النبي ص للأنصار إنكم لتكثرون عند الفزع و تقلون عند الطمع و مما جاء من ذلك في الشعر قول الفرزدق يهجو قبيلة جرير:

يستيقظون إلى نهيق حميرهم

و تنام أعينهم عن الأوتار

و قال آخر:

فلا الجود يفني المال و الجد مقبل

و لا البخل يبقي المال و الجد مدبر

١٠٥

و قال أبو تمام:

ما إن ترى الأحساب بيضا وضحا

إلا بحيث ترى المنايا سودا

و كذلك قال من هذه القصيدة أيضا

شرف على أولى الزمان و إنما

خلق المناسب ما يكون جديدا

و أما القسم الثاني من القسم الأول و هو مقابلة الشي‏ء بضده بالمعنى لا باللفظ فكقول المقنع الكندي

لهم جل مالي إن تتابع لي غنى

و إن قل مالي لا أكلفهم رفدا

فقوله إن تتابع لي غنى في قوة قوله إن كثر مالي و الكثرة ضد القلة فهو إذن مقابل بالمعنى لا باللفظ بعينه و من هذا الباب قول البحتري

تقيض لي من حيث لا أعلم النوى

و يسري إلي الشوق من حيث أعلم

فقوله لا أعلم ليس ضدا لقوله أعلم لكنه نقيض له و في قوة قوله أجهل و الجهل ضد العلم و من لطيف ما وقعت المقابلة به من هذا النوع قول أبي تمام

مها الوحش إلا أن هاتا أوانس

قنا الخط إلا أن تلك ذوابل

١٠٦

فقابل بين هاتا و بين تلك و هي مقابلة معنوية لا لفظية لأن هاتا للحاضرة و تلك للغائبة و الحضور ضد الغيبة و أما مقابلة الشي‏ء لما ليس بضده فإما أن يكون مثلا أو مخالفا و الأول على ضربين مقابلة المفرد بالمفرد و مقابلة الجملة بالجملة مثال مقابلة المفرد بالمفرد قوله تعالى( نَسُوا اَللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) و قوله( وَ مَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً ) هكذا قال نصر الله بن الأثير قال و هذا مراعى في القرآن الكريم إذا كان جوابا كما تقدم من الآيتين و كقوله وَ جَزاءُ( سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) و قوله( مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ) . قال و قد كان يجوز أن يقول من كفر فعليه ذنبه لكن الأحسن هو إعادة اللفظ فأما إذا كان غير جواب لم تلزم فيه هذه المراعاة اللفظية بل قد تقابل اللفظة بلفظة تفيد معناها و إن لم تكن هي بعينها نحو قوله تعالى( وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ ) فقال يفعلون و لم يقل يعملون و كذلك قوله تعالى( فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ ) و لم يقل قالوا لا تفزع و كذلك قوله تعالى( إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ) و لم يقل كنتم تخوضون و تلعبون

١٠٧

قال و نحو ذلك من الأبيات الشعرية قول أبي تمام:

بسط الرجاء لنا برغم نوائب

كثرت بهن مصارع الآمال

فقال الآمال عوض الرجاء قال أبو الطيب:

إني لأعلم و اللبيب خبير

أن الحياة و إن حرصت غرور

فقال خبير و لم يقل عليم قال و إنما حسن ذلك لأنه ليس بجواب و إنما هو كلام مبتدأ قلت الصحيح أن هذه الآيات و هي قوله تعالى( نَسُوا اَللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) و ما شابهها ليست من باب المقابلة التي نحن في ذكرها و أنها نوع آخر و لو سميت المماثلة أو المكافأة لكان أولى و الدليل على ذلك أن هذا الرجل حد المقابلة في أول الباب الذي ذكر هذا البحث فيه فقال إنها ضد التجنيس لأن التجنيس أن يكون اللفظ واحدا مختلف المعنى و هذه لا بد أن تتضمن معنيين ضدين و إن كان التضاد مأخوذا في حدها فقد خرجت هذه الآيات من باب المقابلة و كانت نوعا آخر و أيضا فإن قوله تعالى( وَ مَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً ) ليس من سلك الآيات الأخرى لأنه بالواو و الآيات الأخرى بالفاء و الفاء جواب و الواو ليست بجواب و أيضا فإنا إذا تأملنا القرآن العزيز لم نجد ما ذكره هذا الرجل مطردا قال تعالى( أَمَّا مَنِ اِسْتَغْنى‏ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَ ما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى‏ وَ هُوَ يَخْشى‏ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) فلم يقل في الثانية و أما من جاءك يسعى و هو فقير و قال تعالى( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‏ وَ اِتَّقى‏ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى‏ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ وَ أَمَّا مَنْ

١٠٨

بَخِلَ وَ اِسْتَغْنى‏ وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى‏ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ) ‏ فقابل بين أعطى و بخل و لم يقابل بين اتقى و استغنى و مثل هذا في القرآن العزيز كثير و أكثر من الكثير و قد بان الآن أن التقسيم الأول فاسد و أنه لا مقابلة إلا بين الأضداد و ما يجري مجراها و أما مقابلة الجملة بالجملة في تقابل المتماثلين فإنه إذا كانت إحداهما في معنى الأخرى وقعت المقابلة و الأغلب أن تقابل الجملة الماضية بالماضية و المستقبلة بالمستقبلة و قد تقابل الجملة الماضية بالمستقبلة فمن ذلك قوله تعالى( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى‏ نَفْسِي وَ إِنِ اِهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ) فإن هذا تقابل من جهة المعنى لأنه لو كان من جهة اللفظ لقال و إن اهتديت فإنما أهتدي لها و وجه التقابل المعنوي هو أن كل ما على النفس فهو بها أعني كل ما هو عليها وبال و ضرر فهو منها و بسببها لأنها الأمارة بالسوء و كل ما لها مما ينفعها فهو بهداية ربها و توفيقه لها و من ذلك قوله تعالى( أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اَللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَ اَلنَّهارَ مُبْصِراً ) فإنه لم يراع التقابل اللفظي و لو راعاه لقال و النهار ليبصروا فيه و إنما المراعاة لجانب المعنى لأن معنى مبصرا ليبصروا فيه طرق التقلب في الحاجات و أما مقابلة المخالف فهو على وجهين أحدهما أن يكون بين المقابل و المقابل نوع مناسبة و تقابل كقول القائل:

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة

و من إساءة أهل السوء إحسانا

١٠٩

فقابل الظلم بالمغفرة و هي مخالفة له ليست مثله و لا ضده و إنما الظلم ضد العدل إلا أنه لما كانت المغفرة قريبة من العدل حسنت المقابلة بينها و بين الظلم و نحو هذا قوله تعالى( أَشِدَّاءُ عَلَى اَلْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) فإن الرحمة ليست ضدا للشدة و إنما ضد الشدة اللين إلا أنه لما كانت الرحمة سببا للين حسنت المقابلة بينها و بين الشدة و كذلك قوله تعالى( إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا ) فإن المصيبة أخص من السيئة فالتقابل هاهنا من جهة العموم و الخصوص الوجه الثاني ما كان بين المقابل و المقابل بعد و ذلك مما لا يحسن استعماله كقول امرأة من العرب لابنها و قد تزوج بامرأة غير محمودة:

تربص بها الأيام عل صروفها

سترمي بها في جاحم متسعر

فكم من كريم قد مناه إلهه

بمذمومة الأخلاق واسعة الحر

فمذمومة ليست في مقابلة واسعة و لو كانت قالت بضيقة الأخلاق كانت المقابلة صحيحة و الشعر مستقيما و كذلك قول المتنبي:

لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها

سرور محب أو مساءة مجرم

فالمقابلة الصحيحة بين المحب و المبغض لا بين المحب و المجرم قلت إن لقائل أن يقول هلا قلت في هذا ما قلت في السيئة و المصيبة أ لست القائل إن التقابل حسن بين المصيبة و السيئة لكنه تقابل العموم و الخصوص و هذا الموضع مثله أيضا لأن كل مبغض لك مجرم إليك لأن مجرد البغضة جرم ففيهما عموم و خصوص بل لقائل أن يقول كل مجرم مبغض و كل مبغض مجرم و هذا صحيح مطرد

١١٠

29 و من خطبة له ع

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ اَلْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ كَلاَمُكُمْ يُوهِي اَلصُّمَّ اَلصِّلاَبَ وَ فِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ اَلْأَعْدَاءَ تَقُولُونَ فِي اَلْمَجَالِسِ [ مَجَالِسِكُمْ ] كَيْتَ وَ كَيْتَ فَإِذَا جَاءَ اَلْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ وَ لاَ اِسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ وَ سَأَلْتُمُونِي اَلتَّطْوِيلَ دِفَاعَ ذِي اَلدَّيْنِ اَلْمَطُولِ لاَ يَمْنَعُ اَلضَّيْمَ اَلذَّلِيلُ وَ لاَ يُدْرَكُ اَلْحَقُّ إِلاَّ بِالْجِدِّ أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ وَ مَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ اَلْمَغْرُورُ وَ اَللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ وَ مَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَ اَللَّهِ بِالسَّهْمِ اَلْأَخْيَبِ وَ مَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ أَصْبَحْتُ وَ اَللَّهِ لاَ أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ وَ لاَ أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَ لاَ أُوعِدُ اَلْعَدُوَّ بِكُمْ مَا بَالُكُمْ مَا دَوَاؤُكُمْ مَا طِبُّكُمْ اَلْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ أَ قَوْلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ [ عَمَلٍ ] وَ غَفْلَةٍ مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ [ عِفَّةٍ ] وَ طَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ حيدي حياد كلمة يقولها الهارب الفار و هي نظيرة قولهم فيحي فياح

١١١

أي اتسعي و صمي صمام للداهية و أصلها من حاد عن الشي‏ء أي انحرف و حياد مبنية على الكسر و كذلك ما كان من بابها نحو قولهم بدار أي ليأخذ كل واحد قرنه و قولهم خراج في لعبة للصبيان أي اخرجوا و الباء في قوله بأضاليل متعلقة بأعاليل نفسها أي يتعللون بالأضاليل التي لا جدوى لها و السهم الأفوق المكسور الفوق و هو مدخل الوتر و الناصل الذي لا نصل فيه يخاطبهم فيقول لهم أبدانكم مجتمعة و أهواؤكم مختلفة متكلمون بما هو في الشدة و القوة يوهي الجبال الصم الصلبة و عند الحرب يظهر أن ذلك الكلام لم يكن له ثمرة تقولون في المجالس كيت و كيت أي سنفعل و سنفعل و كيت و كيت كناية عن الحديث كما كني بفلان عن العلم و لا تستعمل إلا مكررة و هما مخففان من كية و قد استعملت على الأصل و هي مبنية على الفتح و قد روى أئمة العربية فيها الضم و الكسر أيضا فإذا جاء القتال فررتم و قلتم الفرار الفرار ثم أخذ في الشكوى فقال من دعاكم لم تعز دعوته و من قاساكم لم يسترح قلبه دأبكم التعلل بالأمور الباطلة و الأماني الكاذبة و سألتموني الإرجاء و تأخر الحرب كمن يمطل بدين لازم له و الضيم لا يدفعه الذليل و لا يدرك الحق إلا بالجد فيه و الاجتهاد و عدم الانكماش و باقي الفصل ظاهر المعنى

١١٢

و قوله القوم رجال أمثالكم مثل قول الشاعر:

قاتلوا القوم يا خزاع و لا

يدخلكم من قتالهم فشل

القوم أمثالكم لهم شعر

في الرأس لا ينشرون إن قتلوا

و هذه الخطبة خطب بها أمير المؤمنين ع في غارة الضحاك بن قيس و نحن نقصها هنا

غارة الضحاك بن قيس و نتف من أخباره

روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات قال كانت غارة الضحاك بن قيس بعد الحكمين و قبل قتال النهروان و ذلك أن معاوية لما بلغه أن عليا ع بعد واقعة الحكمين تحمل إليه مقبلا هاله ذلك فخرج من دمشق معسكرا و بعث إلى كور الشام فصاح بها أن عليا قد سار إليكم و كتب إليهم نسخة واحدة فقرئت على الناس أما بعد فإنا كنا كتبنا كتابا بيننا و بين علي و شرطنا فيه شروطا و حكمنا رجلين يحكمان علينا و عليه بحكم الكتاب لا يعدوانه و جعلنا عهد الله و ميثاقه على من نكث العهد و لم يمض الحكم و إن حكمي الذي كنت حكمته أثبتني و إن حكمه خلعه و قد أقبل إليكم ظالما( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ ) تجهزوا للحرب بأحسن الجهاز و أعدوا آلة القتال و أقبلوا خفافا و ثقالا يسرنا الله و إياكم لصالح الأعمال!

١١٣

فاجتمع إليه الناس من كل كورة و أرادوا المسير إلى صفين فاستشارهم و قال إن عليا قد خرج من الكوفة و عهد العاهد به أنه فارق النخيلة فقال حبيب بن مسلمة فإني أرى أن نخرج حتى ننزل منزلنا الذي كنا فيه فإنه منزل مبارك و قد متعنا الله به و أعطانا من عدونا فيه النصف و قال عمرو بن العاص إني أرى لك أن تسير بالجنود حتى توغلها في سلطانهم من أرض الجزيرة فإن ذلك أقوى لجندك و أذل لأهل حربك فقال معاوية و الله إني لأعرف أن الذي تقول كما تقول و لكن الناس لا يطيقون ذلك قال عمرو إنها أرض رفيقة فقال معاوية إن جهد الناس أن يبلغوا منزلهم الذي كانوا به يعني صفين فمكثوا يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة حتى قدمت عليهم عيونهم أن عليا اختلف عليه أصحابه ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة و أنه قد رجع عنكم إليهم فكبر الناس سرورا لانصرافه عنهم و ما ألقى الله عز و جل من الخلاف بينهم فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه منتظرا لما يكون من علي و أصحابه و هل يقبل بالناس أم لا فما برح حتى جاء الخبر أن عليا قد قتل أولئك الخوارج و أنه أراد بعد قتلهم أن يقبل بالناس و أنهم استنظروه و دافعوه فسر بذلك هو و من قبله من الناس قال و روى ابن أبي سيف عن يزيد بن يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري قال جاءنا كتاب عمارة بن عقبة بن أبي معيط و كان بالكوفة مقيما و نحن معسكرون مع معاوية نتخوف أن يفرغ علي من الخوارج ثم يقبل إلينا و نحن نقول إن أقبل إلينا كان أفضل المكان الذي نستقبله به المكان الذي لقيناه فيه العام الماضي فكان في كتاب عمارة بن عقبة أما بعد فإن عليا خرج عليه قراء

١١٤

أصحابه و نساكهم فخرج إليهم فقتلهم و قد فسد عليه جنده و أهل مصره و وقعت بينهم العداوة و تفرقوا أشد الفرقة و أحببت إعلامك لتحمد الله و السلام قال عبد الرحمن بن مسعدة فقرأه معاوية على وجه أخيه عتبة و على الوليد بن عقبة و على أبي الأعور السلمي ثم نظر إلى أخيه عتبة و إلى الوليد بن عقبة و قال للوليد لقد رضي أخوك أن يكون لنا عينا فضحك الوليد و قال إن في ذلك أيضا لنفعا و روى أبو جعفر الطبري قال كان عمارة مقيما بالكوفة بعد قتل عثمان لم يهجه علي ع و لم يذعره و كان يكتب إلى معاوية بالأخبار سرا و من شعر الوليد لأخيه عمارة يحرضه

إن يك ظني في عمارة صادقا

ينم ثم لا يطلب بذحل و لا وتر

يبيت و أوتار ابن عفان عنده

مخيمة بين الخورنق فالقصر

تمشي رخي البال مستشزر القوى

كأنك لم تسمع بقتل أبي عمرو

ألا إن خير الناس بعد ثلاثة

قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

قال فأجابه الفضل بن العباس بن عتبة:

أ تطلب ثأرا لست منه و لا له

و ما لابن ذكوان الصفوري و الوتر

١١٥

كما افتخرت بنت الحمار بأمها

و تنسى أباها إذ تسامى أولو الفخر

ألا إن خير الناس بعد نبيهم

وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر

و أول من صلى و صنو نبيه

و أول من أردى الغواة لدى بدر

أما معنى قوله و ما لابن ذكوان الصفوري فإن الوليد هو ابن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو و اسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس و قد ذكر جماعة من النسابين أن ذكوان كان مولى لأمية بن عبد شمس فتبناه و كناه أبا عمرو فبنوه موال و ليسوا من بني أمية لصلبه و الصفوري منسوب إلى صفورية قرية من قرى الروم قال إبراهيم بن هلال الثقفي فعند ذلك دعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري و قال له سر حتى تمر بناحية الكوفة و ترتفع عنها ما استطعت فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه و إن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليها و إذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى و لا تقيمن لخيل بلغك أنها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف فأقبل الضحاك فنهب الأموال و قتل من لقي من الأعراب حتى مر بالثعلبية

١١٦

فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الهذلي و هو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله ص فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة و قتل معه ناسا من أصحابه قال فروى إبراهيم بن مبارك البجلي عن أبيه عن بكر بن عيسى عن أبي روق قال حدثني أبي قال سمعت عليا ع و قد خرج إلى الناس و هو يقول على المنبر يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو بن عميس و إلى جيوش لكم قد أصيب منهم طرف اخرجوا فقاتلوا عدوكم و امنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين فردوا عليه ردا ضعيفا و رأى منهم عجزا و فشلا فقال و الله لوددت أن لي بكل ثمانية منكم رجلا منهم ويحكم اخرجوا معي ثم فروا عني ما بدا لكم فو الله ما أكره لقاء ربي على نيتي و بصيرتي و في ذلك روح لي عظيم و فرج من مناجاتكم و مقاساتكم ثم نزل فخرج يمشي حتى بلغ الغريين ثم دعا حجر بن عدي الكندي فعقد له على أربعة آلاف و روى محمد بن يعقوب الكليني قال استصرخ أمير المؤمنين ع الناس عقيب غارة الضحاك بن قيس الفهري على أطراف أعماله فتقاعدوا عنه فخطبهم فقال

ما عزت دعوة من دعاكم

و لا استراح قلب من قاساكم

الفصل إلى آخره قال إبراهيم الثقفي فخرج حجر بن عدي حتى مر بالسماوة و هي أرض كلب

١١٧

فلقي بها إمرأ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي و هم أصهار الحسين بن علي بن أبي طالب ع فكانوا أدلاءه في الطريق و على المياه فلم يزل مغذا في أثر الضحاك حتى لقيه بناحية تدمر فواقعه فاقتتلوا ساعة فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا و قتل من أصحاب حجر رجلان و حجز الليل بينهم فمضى الضحاك فلما أصبحوا لم يجدوا له و لأصحابه أثرا و كان الضحاك يقول بعد أنا ابن قيس أنا أبو أنيس أنا قاتل عمرو بن عميس قال و كتب في أثر هذه الوقعة عقيل بن أبي طالب إلى أخيه أمير المؤمنين ع حين بلغه خذلان أهل الكوفة و تقاعدهم به لعبد الله علي أمير المؤمنين ع من عقيل بن أبي طالب سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله حارسك من كل سوء و عاصمك من كل مكروه و على كل حال إني قد خرجت إلى مكة معتمرا فلقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء فعرفت المنكر في وجوههم فقلت إلى أين يا أبناء الشانئين أ بمعاوية تلحقون عداوة و الله منكم قديما غير مستنكرة تريدون بها إطفاء نور الله و تبديل أمره فأسمعني القوم و أسمعتهم فلما قدمت مكة سمعت أهلها يتحدثون أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة فاحتمل من أموالها ما شاء ثم انكفأ راجعا سالما فأف لحياة في دهر جرأ عليك الضحاك و ما الضحاك فقع بقرقر و قد توهمت حيث بلغني ذلك أن شيعتك و أنصارك خذلوك فاكتب إلي يا ابن أمي برأيك فإن كنت الموت تريد تحملت إليك ببني أخيك

١١٨

و ولد أبيك فعشنا معك ما عشت و متنا معك إذا مت فو الله ما أحب أن أبقى في الدنيا بعدك فواقا و أقسم بالأعز الأجل أن عيشا نعيشه بعدك في الحياة لغير هني‏ء و لا مري‏ء و لا نجيع و السلام عليك و رحمة الله و بركاته

فكتب إليه ع من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عقيل بن أبي طالب سلام الله عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد كلأنا الله و إياك كلاءة من يخشاه بالغيب إنه حميد مجيد قد وصل إلي كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي تذكر فيه أنك لقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح مقبلا من قديد في نحو من أربعين فارسا من أبناء الطلقاء متوجهين إلى جهة الغرب و أن ابن أبي سرح طالما كاد الله و رسوله و كتابه و صد عن سبيله و بغاها عوجا فدع ابن أبي سرح و دع عنك قريشا و خلهم و تركاضهم في الضلال و تجوالهم في الشقاق ألا و إن العرب قد أجمعت على حرب أخيك اليوم إجماعها على حرب رسول الله ص قبل اليوم فأصبحوا قد جهلوا حقه و جحدوا فضله و بادروه العداوة و نصبوا له الحرب و جهدوا عليه كل الجهد و جروا إليه جيش الأحزاب اللهم فاجز قريشا عني الجوازي فقد قطعت رحمي و تظاهرت على و دفعتني عن حقي و سلبتني سلطان ابن أمي و سلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول و سابقتي في الإسلام إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه و لا أظن الله يعرفه و الحمد لله على كل حال فأما ما ذكرته من غارة الضحاك على أهل الحيرة فهو أقل و أزل من أن يلم بها

١١٩

أو يدنو منها و لكنه قد كان أقبل في جريدة خيل فأخذ على السماوة حتى مر بواقصة و شراف و القطقطانة مما والى ذلك الصقع فوجهت إليه جندا كثيفا من المسلمين فلما بلغه ذلك فر هاربا فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق و قد أمعن و كان ذلك حين طفلت الشمس للإياب فتناوشوا القتال قليلا كلا و لا فلم يصبر لوقع المشرفية و ولى هاربا و قتل من أصحابه بضعة عشر رجلا و نجا جريضا بعد ما أخذ منه بالمخنق فلأيا بلأي ما نجا فأما ما سألتني أن أكتب لك برأيي فيما أنا فيه فإن رأيي جهاد المحلين حتى ألقى الله لا يزيدني كثرة الناس معي عزة و لا تفرقهم عني وحشة لأنني محق و الله مع المحق و و الله ما أكره الموت على الحق و ما الخير كله إلا بعد الموت لمن كان محقا و أما ما عرضت به من مسيرك إلي ببنيك و بني أبيك فلا حاجة لي في ذلك فأقم راشدا محمودا فو الله ما أحب أن تهلكوا معي إن هلكت و لا تحسبن ابن أمك و لو أسلمه الناس متخشعا و لا متضرعا إنه لكما قال أخو بني سليم:

فإن تسأليني كيف أنت فإنني

صبور على ريب الزمان صليب

يعز علي أن ترى بي كآبة

فيشمت عاد أو يساء حبيب

قال إبراهيم بن هلال الثقفي و ذكر محمد بن مخنف أنه سمع الضحاك بن قيس بعد ذلك بزمان يخطب على منبر الكوفة و قد كان بلغه أن قوما من أهلها يشتمون عثمان

١٢٠