موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٥

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 360

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
تصنيف: الصفحات: 360
المشاهدات: 144415
تحميل: 5102


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 144415 / تحميل: 5102
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

على جيش ذات السلاسل، وكان في تلك القرية أبو بكر وعمر، ثُمّ ولاّه عُمر على جيش بالشام، وفتح بيت المقدّس وعدّة من بلاد فلسطين (1) .

2354 - النجوم الزاهرة، عن الليث بن سعد: إنّ عُمر نظر إلى عمرو بن العاص يمشي، فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلاّ أميراً (2) .

2 / 2 - 6 اعترافه بحقّانيّة الإمام

2355 - العُزلة، عن عمرو بن دينار: أخبرني مَن سمع عمرو بن العاص - يوم صفّين - يقول لابنه عبد الله: يا بنيّ، اُنظر أين ترى عليّاً؟

قال: أراه في تلك الكتيبة القتماء، ذات الرماح، عليه عمامة بيضاء.

قال: لله درّ بني عمرو بن مالك، لئن كان تخلّفهم عن هذا الأمر خيراً كان خيراً مبروراً، ولئن كان ذنباً كان ذنباً مغفوراً.

فقال له ابنه: أي أبتِ، فما يمنعك إذ غبطتهم أن ترجع؟!

فقال: يا بنيّ، إنّ الشيخ مثلي إذا دخل في الأمر لم يدَعه حتى يُحكّه (3) .

2356 - العُقد الفريد: عن العتبي، عن أبيه: قال معاوية لعمرو بن العاص: ما أعجب الأشياء؟

قال: غَلَبة مَن لا حقّ له ذا الحقّ على حقّه!

____________________

(1) الأنساب: 3 / 345.

(2) النجوم الزاهرة: 1 / 63، تاريخ دمشق: 46 / 155، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 70 / 15، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 92.

(3) العزلة: 20 / 20.

٣٢١

قال معاوية: أعجبُ مِن ذلك أن يُعطى من لا حقّ له ما ليس له بحقّ من غير غلبة! (1)

2 / 2 - 7 شرط بيعته لمُعاوية

2357 - تاريخ اليعقوبي: كانت مصر والمغرب لعمرو بن العاص طُعمة شرطها له يوم بايع، ونسخة الشرط: هذا ما أعطى معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص مصر، أعطاه أهلها، فهُم له حياته، ولا تنقص طاعته شرطاً.

فقال له وردان مولاه: فيه الشَّعر من بدنك! فجعل عمرو يقرأ الشرط، ولا يقف على ما وقف عليه وردان، فلمّا ختم الكتاب وشهد الشهود، قال له وردان: وما عمرك أيّها الشيخ إلاّ كظِمء حمار (2) ، هلاّ شرطت لعقبك مِن بعدك؟! فاستقال معاويةَ، فلم يُقله، فكان عمرو لا يحمل إليه من مالها شيئاً، يُفرّق الأعطية في الناس، فما فضل من شيء أخذه لنفسه.

وولي عمرو بن العاص مصر عشر سنين، منها لعمر بن الخطّاب أربع سنين، ولعثمان بن عفّان أربع سنين إلاّ شهرين، ولمعاوية سنتين وثلاثة أشهر، وتوفّي وله ثمان وتسعون سَنة، وكان داهيةَ العرب رأياً وحزماً وعقلا ولساناً (3) .

2358 - سِيَر أعلام النبلاء: أتى [عمرو بن العاص] معاوية، فوجده يقصّ ويُذكّر أهل الشام في دم الشهيد، فقال له: يا معاوية، قد أحرقت كبدي بقصصك، أترى

____________________

(1) العُقد الفريد: 3 / 355، أنساب الأشراف: 5 / 84 عن مسلمة.

(2) ما بقي منه إلاّ قدر ظِمء الحمار: أي لم يبقَ من عُمره إلاّ اليسير (لسان العرب: 1 / 116).

(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 221.

٣٢٢

إن خالفنا عليّاً لِفضلٍ منّا عليه؟ لا والله، إن هي إلاّ الدُنيا نتكالب عليها، أما والله، لتقطعنّ لي من دُنياك، أو لأُنابذنّك.

فأعطاه مصر، وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى عليّ (1) .

راجع: تهيّؤ معاوية للحرب / الاستعانة بعمرو بن العاص.

2 / 2 - 8 شدّة أسَفَه عند الموت

2359 - الاستيعاب، عن الشافعي: دخل ابن عبّاس على عمرو بن العاص في مَرضه، فسلّم عليه وقال: كيف أصبحتَ يا أبا عبد الله؟

قال: أصلحتُ من دنياي قليلاً، وأفسدتُ من ديني كثيراً، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت، والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفُزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان يُنجيني أن أهرب هربت، فصُرت كالمنجنيق بين السماء والأرض ; لا أرقى بيدين، ولا أهبط برجلين، فعِظني بعِظة أنتفع بها يابن أخي.

فقال له ابن عبّاس: هيهات يا أبا عبد الله! صار ابن أخيك أخاك، ولا تشاء أن أبكي إلاّ بكيت، كيف يُؤمن برحيل مَن هو مقيم؟

فقال عمرو: على حينها، من حين ابن بضع وثمانين سَنة تقنّطني من رحمة ربّي، اللّهمّ إنّ ابن عبّاس يُقنّطني من رحمتك، فخذ منّي حتى ترضى.

____________________

(1) سِير أعلام النبلاء: 3 / 72 / 15، تاريخ دمشق: 46 / 166 نحوه، النجوم الزاهرة: 1 / 63، وفيه: (فأعطاه مصر، يُعطي أهلها عطاءهم، وما بقي فله) بدل (فأعطاه مصر...).

٣٢٣

قال ابن عبّاس: هيهات يا أبا عبد الله! أخذتَ جديداً، وتُعطي خَلقاً؟!

فقال عمرو: ما لي ولك يابن عبّاس! ما أُرسل كلمة إلاّ أرسلتَ نقيضها (1) .

2360 - تاريخ اليعقوبي: لمّا حضرتْ عمراً الوفاة، قال لابنه: لودّ أبوك أنّه كان مات في غزاة ذات السلاسل، إنّي قد دخلت في أُمور لا أدري ما حُجّتي عند الله فيها.

ثُمّ نظر إلى ماله فرأي كثرته، فقال: يا ليته كان بعراً، يا ليتني مِتّ قبل هذا اليوم بثلاثين سَنة، أصلحتُ لمعاوية دُنياه، وأفسدتُ ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عُمّي عليّ رُشدي حتّى حضرني أجَلي، كأنّي بمعاوية قد حوى مالي، وأساء فيكم خلافتي.

وتوفّي عمرو ليلة الفطر سنة 43، فأقرّ معاوية ابنه عبد الله بن عمرو (2) .

2 / 3 عبيد الله بن عُمر

وُلد عبيد الله بن عُمر بن الخطّاب في زمن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) (3) ، وعندما قُتل أبوه على يد أبي لؤلؤة حمل على الهرمزان - وكان عليلاً - وعلى ابنة أبي لؤلؤة - وكانت صغيرةً - وجُفينة - وكان من أهل الذمّة - وقَتلهم (4) .

____________________

(1) الاستيعاب: 3 / 269 / 1953، وراجع أُسد الغابة: 4 / 234 / 3971، وشرح نهج البلاغة: 6 / 323.

(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 222.

(3) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 568، أُسد الغابة: 3 / 522 / 3473، الاستيعاب: 3 / 132 / 1737، الإصابة: 5 / 41 / 6255.

(4) الطبقات الكُبرى: 5 / 15 و16، تاريخ الطبري: 4 / 239 وص 240 و243، مُروج الذهب: 2 / 388، الكامل في التاريخ: 2 / 226، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 296 وص 568، الإصابة: 5 / 42 / 6255، أُسد الغابة: 5223 / 3473، الأوائل لأبي هلال: 1 / 126.

٣٢٤

حَكم عليه الصحابة - ومنهم أمير المؤمنين (عليه السلام) - بالقتل، لكنّ عُثمان عفا عنه (1) وأمره بالهرب من الإمام (عليه السلام)، وقد اقطع له عثمان كويفة ابن عمر في قرب الكوفة فلم يزل بها (2) .

ولمّا تسلّم أمير المؤمنين (عليه السلام) زمام الخلافة لحق عبيد الله بمعاوية ; خوفاً من القصاص، وصار أميراً على خيّالته (3) .

نشط كثيراً لأجل معاوية في صفّين، بَيدَ أنّه قُتل أثناء الحَرب (4) ، وقد اختُلف في قاتله فقيل: قتله أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقيل: مالك الأشتر، وقيل: عمّار بن ياسر (5) .

2361 - مُروج الذَهب: قد كان عبيد الله بن عُمر لحق بمعاوية ; خوفاً من عليّ أن

____________________

(1) السُنن الكبرى: 8 / 108 / 16083، الطبقات الكبرى: 5 / 17، أنساب الأشراف: 6 / 130، تاريخ الطبري: 2394، الكامل في التاريخ: 2 / 226، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 568، أُسد الغابة: 3 / 523 / 3473، الإصابة: 5 / 43 / 6255.

(2) الجَمل: 176، مُعجم البلدان: 4 / 496.

(3) الطبقات الكُبرى: 5 / 17، مُروج الذهب: 2 / 388، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 542 وص 568، وفيه: (كان مُقدّم جيش معاوية يوم صفّين)، أُسد الغابة: 3 / 523 / 3473، الاستيعاب: 3 / 132 / 1737، الإصابة: 435 / 6255.

(4) الطبقات الكُبرى: 5 / 17، تاريخ الطبري: 4 / 574 وج 5 / 34، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 297، الاستيعاب: 3 / 133 / 1737، البداية والنهاية: 7 / 266.

(5) الطبقات الكبرى: 5 / 19، مُروج الذهب: 2 / 395، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 569، أُسد الغابة: 3 / 523 / 3473، وفيها أقوال أُخر. وقعة صفّين: 429.

٣٢٥

يُقيده بالهرمزان، وذلك أنّ أبا لؤلؤة - غُلام المغيرة بن شعبة - قاتل عمر، وكان في أرض العجم غلاماً للهرمزان، فلمّا قتل عمر شدّ عبيد الله على الهرمزان فقتله، وقال: لا أترك بالمدينة فارسيّاً ولا في غيرها إلاّ قتلته بأبي.

وكان الهرمزان عليلاً في الوقت الذي قُتل فيه عمر، فلمّا صارت الخلافة إلى عليّ أراد قتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان ; لقتله إيّاه ظُلماً من غير سبب استحقّه، فلجأ إلى معاوية (1) .

2362 - وقعة صفّين، عن الجرجاني: لمّا قدِمَ عبيد الله بن عُمر بن الخطّاب على معاوية بالشام، أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص، فقال: يا عمرو، إنّ الله قد أحيا لك عُمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله بن عُمر، وقد رأيت أن أُقيمه خطيباً فيشهد على عليّ بقتل عثمان، وينال منه. فقال: الرأي ما رأيت. فبعث إليه فأُتي، فقال له معاوية: يابن أخي، إنّ لك اسم أبيك، فانظر بملء عينيك، وتكلّم بكلّ فيك ; فأنت المأمون المصدّق، فاصعد المنبر واشتم عليّاً، واشهد عليه أنّه قتل عثمان.

فقال: يا أمير المؤمنين، أمّا شتميه فإنّه عليّ بن أبي طالب، وأُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم، فما عساي أن أقول في حَسَبه؟! وأمّا بأسه، فهو الشجاع المطرق، وأمّا أيّامه فما قد عرفت، ولكنّي مُلزمه دم عثمان.

فقال عمرو بن العاص: إذن والله قد نكأت القرحة.

فلمّا خرج عبيد الله قال معاوية: أما والله لولا قتله الهرمزان، ومخافة عليّ على نفسه ما أتانا أبداً، ألم ترَ إلى تقريظه عليّاً؟! فقال عمرو: يا معاوية، إن لم

____________________

(1) مروج الذهب: 2 / 388.

٣٢٦

تغلب فاخلب. فخرج حديثه إلى عبيد الله، فلمّا قام خطيباً تكلّم بحاجته، حتّى إذا أتى إلى أمر عليّ أمسك ولم يقُل شيئاً، فقال له معاوية: ابن أخي، إنّك بين عيّ أو خيانة! فبعث إليه: كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان، وعرفت أنّ الناس محتملوها عنّي فتركتها (1) .

2363 - مُروج الذَهب - في تفصيل وقعة صفّين -: كان عبيد الله بن عُمر إذا خرج إلى القتال قام إليه نساؤه فشددن عليه سلاحه، ما خلا الشيبانيّة بنت هانئ بن قبيصة، فخرج في هذا اليوم، وأقبل على الشيبانيّة، وقال لها: إنّي قد عبّأت اليوم لقومك، وايمُ الله، إنّي لأرجو أن أربط بكلّ طنب من أطناب فسطاطي سيّداً منهم.

فقالت له: ما أبغض إلاّ أن تقاتلهم.

قال: ولِمَ؟

قالت: لأنّه لم يتوجّه إليهم صنديد في جاهليّة ولا إسلام وفي رأسه صعر إلاّ أبادوه، وأخاف أن يقتلوك، وكأنّي بك قتيلاً وقد أتيتهم أسألهم أن يهبوا لي جيفتك. فرماها بقوس فشجّها، وقال لها: ستعلمين بمن آتيك من زُعماء قومك.

ثُمّ توجّه، فحمل عليه حريث بن جابر الجعفي فطعنه فقتله، وقيل: إنّ الأشتر النخعي هو الذي قتله، وقيل: إنّ عليّاً ضربه ضربة فقطع ما عليه من الحديد حتّى خالط سيفه حشوة جوفه.

وإنّ عليّاً قال حين هرب فطلبه ليقيد منه بالهرمزان: (لئن فاتني في هذا اليوم يفوتني في غيره).

____________________

(1) وقعة صفّين: 82، بحار الأنوار: 32 / 383 / 342 - 356، شرح نهج البلاغة: 3 / 100.

٣٢٧

وكلّم نساؤه معاوية في جيفته، فأمر أن تأتين ربيعة فتبذلن في جيفته عشرة آلاف، ففعلن ذلك.

فاستأمرت ربيعة عليّاً، فقال لهم: (إنّما جيفته جيفة كلب لا يحلّ بيعها، ولكن قد أجبتُهم إلى ذلك، فاجعلوا جيفته لبنت هانئ بن قبيصة الشيباني زوجته)، فقالوا لنسوة عبيد الله: إن شئتنّ شددناه إلى ذنب بغل، ثُمّ ضربناه حتّى يدخل إلى عسكر مُعاوية، فصرخن وقلن: هذا أشدّ علينا، وأخبرن معاوية بذلك، فقال لهنّ: ائتوا الشيبانيّة فسلوها أن تكلّمهم في جيفته، ففعلن.

وأتت القوم، وقالت: أنا بنت هانئ بن قبيصة، وهذا زوجي القاطع الظالم، وقد حذّرته ما صار إليه، فَهِبوا إليّ جيفتَه، ففعلوا. وألقت إليهم بمطرف خزّ فأدرجوه فيه، ودفعوه إليها، فمضت به، وكان قد شدّ في رجله إلى طنب فسطاط من فساطيطهم (1) .

2 / 4 عبد الله بن عمرو بن العاص

وُلد في سنة 38 قبل الهجرة، وأسلم وهاجر إلى المدينة بعد سنة 7 هـ (2) . وأبوه عمرو بن العاص يكبره بإحدى عشرة أو اثنتي عشرة سنة!! (3)

يبدو أنّه كان في البداية يمنع أباه من الذهاب إلى معاوية، ويطلب منه أن

____________________

(1) مُروج الذهب: 2 / 395، وراجع الاستيعاب: 3 / 133 / 1737، والطبقات الكبرى: 5 / 18.

(2) سِيَر أعلام النُبلاء: 3 / 91 / 17.

(3) سِيَر أعلام النُبلاء: 3/80/17، تاريخ الإسلام للذهبي: 5/163/55، أُسد الغابة: 3/346/3092، الإصابة: 4 / 166 / 4865، الاستيعاب: 3 / 86 / 1636، البداية والنهاية: 8 / 263.

٣٢٨

يعتزله، وكان يعلم بأفضليّة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويرى أنّ معاوية صاحب دُنيا، بَيدَ أنّه صحب أباه في توجّهه إلى معاوية، وكان على ميمنة جيشه في حرب صفّين (1) ، وعلى قول: كان صاحب راية أبيه عمرو بن العاص فيها (2) .

ولي الكوفة في أيّام معاوية مُدّة (3) ، ثُمّ ولاّه مصر بعد هلاك أبيه (4) .

ورث من أبيه قناطير مُقنطرة من الذهب المصري، فكان من مُلوك الصحابة (5) .

وكان يُصحِر بندمه على حضوره في صفّين، ويقول: لوددتُ أنّي مِتّ قبلها بعشرين سَنة، أو بعشر سنين (6) .

ومات بمصر سنة 65 هـ (7) .

2364 - مسند ابن حنبل، عن حنظلة بن خويلد العنبري: بينما أنا عند معاوية، إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمّار، يقول كلّ واحد منهما: أنا قتلته، فقال

____________________

(1) سِيَر أعلام النُبلاء: 3/91/17، تاريخ الإسلام للذهبي: 5/165/55، أُسد الغابة: 3/347/3092، الأخبار الطوال: 172، وفيه: (هو على الخيل)، البداية والنهاية: 7 / 261، وفيه: (هو على الميسرة).

(2) الفتوح: 3 / 26، الطبقات الكُبرى: 4 / 266، وفيه: (كانت بيده الراية).

(3) سِيَر أعلام النُبلاء: 3 / 91 / 17، تاريخ الطبري: 5 / 166، الكامل في التاريخ: 2 / 451، تاريخ الإسلام للذَهبي: 5 / 165 / 55، البداية والنهاية: 8 / 264.

(4) تاريخ الطبري: 5 / 181 وص 229، الكامل في التاريخ: 2 / 458 وص 478، البداية والنهاية: 8 / 24 وص 31.

(5) سِيَر أعلام النُبلاء: 3 / 90 / 17.

(6) الطبقات الكُبرى: 4/266، سِيَر أعلام النُبلاء: 3/92/17، تاريخ الإسلام للذهبي: 5/166/55، أُسد الغابة: 3 / 347 / 3092، الاستيعاب: 3 / 87 / 1636.

(7) سِيَر أعلام النُبلاء: 3 / 94 / 17، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 166 / 55، الكامل في التاريخ: 2 / 661، الطُبقات الكبرى: 4 / 268، أُسد الغابة: 3 / 348 / 3093، الإصابة: 4 / 167 / 4865، الاستيعاب: 3 / 88 / 1636، وفي الثلاثة الأخيرة أقوال أُخر، البداية والنهاية: 8 / 263.

٣٢٩

عبد الله بن عمرو: ليَطِب به أحدُكما نفساً لصاحبه ; فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (تقتله الفئة الباغية).

قال معاوية: فما بالك معنا؟! قال: إنّ أبي شكاني إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: (أطِع أباك ما دام حيّاً، ولا تعصِه)، فأنا معكم، ولست أُقاتل (1) .

2365 - المُعجم الأوسط، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه: كُنت في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عُمرو، إذ مرّ الحسين بن عليّ فسلّم، فردّ عليه القوم وسكت عبد الله بن عمرو، ثُمّ رفع ابن عمرو صوته بعدما سكت القوم، فقال: وعليك السلام ورحمة والله وبركاته.

ثُمّ أقبل على القوم، فقال: ألا أُخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قالوا: بلى، قال: هو هذا المُقفّى، والله ما كلّمته كلمة، ولا كلّمني كلمة، مُنذ ليال صفّين، ووالله، لأن يرضى عنّي أحبّ إليّ من أن يكون لي مثل أُحد.

فقال له أبو سعيد الخدري: ألا تغدو إليه؟

قال: بلى.

فتواعدا أن يغدوا إليه، وغدوت معهما، فاستأذن أبو سعيد: فأذن له، فدخلنا، فاستأذن لابن عمرو، فلم يزَل به حتّى أذن له الحسين، فدخل، فلمّا رآه أبو سعيد زحل (2) له، وهو جالس إلى جنب الحسين، فمدّه الحسين إليه، فقام ابن عمرو، فلم يجلس، فلمّا رأى ذلك خلّى عن أبي سعيد، فأزحل له، فجلس بينهما، فقصّ أبو سعيد القصّة.

____________________

(1) مسند ابن حنبل: 2 / 564 / 6549، العُقد الفريد: 3 / 335، وفيه: إلى (الباغية).

(2) زَحَلَ عن مكانه: تنحّى (تاج العروس: 14 / 304).

٣٣٠

فقال: (أكذلك يابن عمرو؟ أتعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟)

قال: إي وربّ الكعبة، إنّك لأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء.

قال: (فما حملك على أن قاتلتني وأبي يوم صفّين؟! والله لأبي خير منّي)، قال: أجل، ولكن عمراً شكاني إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: إنّ عبد الله يقوم الليل، ويصوم النهار. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (صلّ ونَم، وصُم وأفطر، وأطِع عمراً)، فلمّا كان يوم صفّين أقسم عليّ. والله، ما كثّرت لهم سواداً، ولا اخترطت لهم سيفاً، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم.

فقال له الحسين: (أما علمت أنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؟)

قال: بلى (1) .

2 / 5 عبد الرحمان بن خالد بن الوليد

من شُجعان قُريش، ومِن أعداء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وبني هاشم (2) .

كان والياً على حِمص في عهد عثمان، وأشخص إليه عثمان المخرجين من الكوفة (3) .

____________________

(1) المُعجم الأوسط: 4 / 181 / 3917، أُسد الغابة: 3 / 347 / 3092 نحوه، وفيه: إلى (و لا رميت بسهم)، وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 4 / 73.

(2) الاستيعاب: 2 / 372 / 1410، أُسد الغابة: 3 / 436 / 3293.

(3) أنساب الأشراف: 6 / 156، تاريخ الطبري: 4 / 321 وص 325، الكامل في التاريخ: 2 / 269، البداية والنهاية: 7 / 166.

٣٣١

وكان معاوية يَعُدّه ولده (1) ، وكان من أُمراء جيشه في صفّين، وكان لواء أهل الشام بيده عند اشتداد الحرب (2) ، وكان أخوه مُهاجر مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في الجَمل، وصفّين (3) .

كما كان من القادة المُحاربين في بعض الأيّام في معارك ذي الحجّة (4) .

لعنه أمير المؤمنين (عليه السلام) في الصلاة (5) .

هذا، وقد نُقلت عنه كلمات في الثناء على شجاعة الإمام (عليه السلام) (6) .

تولّى حكومة حمص مدّةً في خلافة معاوية، ولمّا عرف معاوية هوى الشاميّين في حكومة عبد الرحمان بعده، قتله بالسمّ؛ لئلاّ يُنافس يزيدَ على الحُكم (7) .

2366 - وقعة صفّين، عن عبد الرحمان بن خالد بن الوليد - في وصف الإمام عليّ (عليه السلام) -: أما والله لقد رأيتنا يوماً من الأيّام وقد غشينا ثُعبان مثل الطود الأرعن

____________________

(1) وقعة صفّين: 430.

(2) الأخبار الطوال: 172، البداية والنهاية: 7 / 261، وقعة صفّين: 395.

(3) تاريخ الطبري: 5 / 54، أُسد الغابة: 3 / 436 / 3293، الاستيعاب: 2 / 373 / 1410، الإصابة: 5 / 27 / 6223، البداية والنهاية: 7 / 258.

(4) تاريخ الطبري: 4 / 574، البداية والنهاية: 7 / 258، وقعة صفّين: 195.

(5) أنساب الأشراف: 3 / 126، تاريخ الطبري: 5 / 71، الكامل في التاريخ: 2 / 397، البداية والنهاية: 7 / 284، وقعة صفّين: 552.

(6) وقعة صفّين: 387.

(7) أنساب الأشراف: 5 / 118، أُسد الغابة: 3 / 436 / 3293، تاريخ الطبري: 5 / 227، الاستيعاب: 2 / 373 / 1410، الكامل في التاريخ: 2 / 476، تاريخ اليعقوبي: 2 / 223.

٣٣٢

قد أثار قسطلاً (1) حال بيننا وبين الأُفق، وهو على أدهم شائل، يضربهم بسيفه ضرب غرائب الإبل، كاشراً عن أنيابه كشر المخدر الحَرِب.

فقال معاوية: والله إنّه كان يُجالد ويُقاتل عن تِرة له وعليه (2) .

راجع: القسم الخامس عشر / عدّة من مبغضيه / أبو الأعور وبسر بن أرطاة والوليد بن عقبة.

____________________

(1) القسطل: الغبار الساطع (لسان العرب: 11 / 557).

(2) وقعة صفّين: 387، شرح نهج البلاغة: 8 / 53.

٣٣٣

٣٣٤

الفصل الثالث

السياسة العلويّة

3 / 1 عزل مُعاوية

ذكرنا سابقاً أنّ أولى الأعمال التي اتّخذها الإمام عليّ (عليه السلام) بعد مُبايعة الناس له على طريق الشروع بالإصلاحات هو عزل عُمّال عُثمان (1) . وكان الساسة من أصحاب الإمام لا يرون من المصلحة عزل شخصين، هما: معاوية وأبي موسى الأشعري.

وأخيراً، وبعد الكثير من التوضيحات وفي أعقاب وساطة مالك الأشتر، وافق أمير المؤمنين (عليه السلام) على إبقاء أبي موسى الأشعري. أمّا بالنسبة إلى معاوية، فلم تُفلح جميع الجهود التي بُذلت لإقناع الإمام بإبقائه في مَنصبه، إذ كان لا يرى جواز إبقائه والياً ولو لحظة واحدة.

____________________

(1) راجع: القسم الخامس / الإصلاحات العلويّة / عزل عُمّال عثمان.

٣٣٥

أمّا بالنسبة إلى معاوية، فهو لم يبايع الإمام، ولم يترك أهل الشام يُبايعونه، وبدأ منذ اليوم الأوّل لخلافة الإمام بالتآمر عليه، ممهّداً بذلك الأجواء للصدام العسكري.

وأوّل سؤال يُثار في هذا المجال هو: كيف يُمكن تبرير عمل الإمام هذا من الوجهة السياسيّة؟ ألم يكن من الأفضل أن يُبقي الإمامُ معاوية في منصبه في بداية خلافته إلى حين استتباب الأُمور، وإلى أن يُبايع هو وأهل الشام، ثُمّ يعزله من بعد ذلك، لكي لا تقع حرب صفّين، ولكي تستقرّ الحكومة الإسلاميّة بقيادته؟ ألم يكن الحفاظ على وحدة كلمة الأُمّة وديمومة النظام الإسلامي - وهما من أوجب الواجبات - يقضيان بإبقاء معاوية على ولاية الشام ولو مؤقّتاً؟

٣٣٦

دفاع عن سياسة عزل معاوية

استناداً إلى ما يتبنّاه الإمام في سياسة وإدارة النظام الإسلامي التي سبق شَرحها (1) يُمكن الردّ على هذه التساؤلات بكلّ سهولة، بَيدَ أنّ هذه السياسة توجد بشأنها أُمور مُهمّة لا بدّ من الإشارة إليها هاهنا:

دافع ابن أبي الحديد عن هذه السياسة بالتفصيل، ونحن نورد النقاط المهمّة فيها:

استدلّ ابن أبي الحديد ابتداءً من خلال المصادر والوثائق التاريخيّة على أنّ معاوية ما كان يُبايع الإمام في أيّة ظُروف كانت، ثُمّ أشار إلى المبادئ الدينيّة التي كان يسير عليها الإمام في تعيين وعزل الولاة والعمّال، ثُمّ أورد في ختام المطاف تحليلاً رصيناً لعالم يُدعى ابن سنان بَيّنَ فيه عدم إمكانيّة إبقاء معاوية في الظُروف التي بايع فيها الناس عليّاً من بعد قتل عثمان ; لأنّها ستجعل الإمام يواجه في أوّل حكومته أوضاعاً كالتي انتهى إليها عثمان في أُواخر حُكمه.

____________________

(1) راجع: القسم الخامس / السياسة في المدرستين / دفاع عامّ عن كفاءة الإمام السياسيّة.

٣٣٧

1 - إبقاء معاوية في منصبه لا يدعوه إلى البيعة

نقل ابن أبي الحديد فيما يخصّ انتقاد سياسة الإمام بعزل معاوية: (منها قولهم: لو كان حين بُويع له بالخلافة في المدينة أقرّ معاوية على الشام إلى أن يستقرّ الأمر له ويتوطّد ويُبايعه معاوية وأهل الشام ثُمّ يعزله بعد ذلك، لكان قد كُفي ما جرى بينهما من الحرب.

والجواب: إنّ قرائن الأحوال حينئذ قد كان عِلم أمير المؤمنين (عليه السلام) منها أنّ معاوية لا يُبايع له، وإن أقرّه على ولاية الشام، بل كان إقراره له على إمرة الشام أقوى لحال معاوية، وآكد في الامتناع من البيعة ; لأنّه لا يخلو صاحب السؤال إمّا أن يقول: كان ينبغي أن يُطالبه بالبيعة ويقرن إلى ذلك تقليده بالشام فيكون الأمران معاً، أو يتقدّم منه (عليه السلام) المُطالبة بالبيعة، أو يتقدّم منه إقراره على الشام وتتأخّر المطالبة بالبيعة إلى وقت ثانٍ.

فإن كان الأوّل، فمن المُمكن أن يقرأ معاوية على أهل الشام تقليده بالإمرة فيؤكّد حاله عندهم، ويقرّر في أنفسهم: لولا أنّه أهل لذلك لما اعتمده عليّ (عليه السلام) معه، ثُمّ يُماطله بالبيعة ويُحاجزه عنها.

وإن كان الثاني، فهو الذي فعله أمير المؤمنين (عليه السلام).

وإن كان الثالث، فهو كالقسم الأوّل، بل هو آكد فيما يُريده معاوية من الخلاف والعصيان.

وكيف يتوهّم مَن يعرف السِيَر أنّ معاوية كان يُبايع له لو أقرّه على الشام، وبينه وبينه ما لا تبرك الإبل عليه من التِّرات القديمة والأحقاد، وهو الذي قتل حنظلة أخاه، والوليد خاله، وعتبة جدّه، في مقام واحد!! ثُمّ ما جرى بينهما في أيّام

٣٣٨

عثمان حتى أغلظ كلّ واحد منهما لصاحبه، وحتى تهدّده معاوية وقال له: إنّي شاخص إلى الشام وتارك عندك هذا الشيخ - يعني عثمان - والله لئن انحصّت منه شعرة واحدة لأضربنّك بمئة ألف سيف...

وأمّا قول ابن عبّاس - له (عليه السلام): ولِّهِ شهراً واعزله دهراً -، وما أشار به المغيرة بن شعبة، فإنّهما ما توهّماه وما غلب على ظنونها وخطر بقلوبهما.

وعليّ (عليه السلام) كان أعلم بحاله مع معاوية، وأنّها لا تقبل العلاج والتدبير، وكيف يخطر ببال عارف بحال معاوية ونكره ودهائه، وما كان في نفسه من عليّ (عليه السلام) من قتل عثمان، ومن قبل قتل عثمان أنّه يقبل إقرار عليّ (عليه السلام) له على الشام، وينخدع بذلك، ويُبايع ويعطي صفقة يمينه! إنّ معاوية لأدهى من أن يُكاد بذلك، وإنّ عليّاً (عليه السلام) لأعرف بمعاوية ممّن ظنّ أنّه لو استماله بإقراره لبايع له. ولم يكن عند عليّ (عليه السلام) دواء لهذا المرض إلاّ السيف ; لأنّ الحال إليه كانت تؤول لا محالة، فجعل الآخر أوّلاً (1) .

2 - إبقاء معاوية كان يزعزع الحكومة المركزيّة

لم يكن إبقاء معاوية على ولاية الشام يقوّي ركائز حكومة الإمام، بل إنّه كان يؤدّي إلى زعزعتها منذ البداية.

وقد جاء تحليل ابن سنان في هذا المضمار على النحو التالي:

إنّا قد علمنا أنّ أحد الأحداث التي نقمت على عثمان وأفضت بالمسلمين إلى

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 10 / 233. قال ابن أبي الحديد في سياق كلامه: وأنا أذكر في هذا الموضع خبراً رواه الزبير بن بكّار في الموفّقيّات ; ليعلم مَن يقف عليه أنّ معاوية لم يكن لينجذب إلى طاعة عليّ (عليه السلام) أبداً، ولا يعطيه البيعة، وأنّ مضادّته له ومُباينته إيّاه كمضادّة السواد للبياض لا يجتمعان أبداً، وكمباينة السلب للإيجاب، فإنّها مباينة لا يمكن زوالها أصلاً.

٣٣٩

حصاره وقتله تولية معاوية الشام مع ما ظهر من جوره وعدوانه، ومُخالفة أحكام الدين في سلطانه، وقد خوطب عثمان في ذلك، فاعتذر بأنّ عُمر ولاّه قبله، فلم يَقبل المسلمون عذره، ولا قنعوا منه إلاّ بعزله، حتى أفضى الأمر إلى ما أفضى.

وكان عليّ (عليه السلام) من أكثر المسلمين لذلك كراهية، وأعرفهم بما فيه من الفساد في الدين، فلو أنّه (عليه السلام) افتتح عقد الخلافة له بتوليته معاوية الشام وإقراره فيه، أليس كان يبتدئ في أوّل أمره بما انتهى إليه عثمان في آخره، فأفضى إلى خلعه وقتله؟! ولو كان ذلك في حُكم الشريعة سائغاً والوزر فيه مأموناً لكان غلطاً قبيحاً في السياسة، وسبباً قويّاً للعصيان والمُخالفة، ولم يكن يُمكنه (عليه السلام) أن يقول للمسلمين: إنّ حقيقة رأيي عزل معاوية عند استقرار الأمر وطاعة الجمهور لي، وإنّ قصدي بإقراره على الولاية مُخادعته وتعجيل طاعته ومُبايعة الأجناد الذين قِبَله، ثُمّ أستأنف بعد ذلك فيه ما يستحقّه من العزل، وأعمل فيه بموجب العدل ; لأنّ إظهاره (عليه السلام) لهذا العزم كان يتّصل خبره بمعاوية، فيفسد التدبير الذي شرع فيه، وينتقض الرأي الذي عوّل عليه (1) .

3 - إبقاء معاوية يتعارض مع المباني السياسيّة للإمام

قدّم ابن سنان ردّاً آخر على الطعن بسياسته في عزل معاوية، وفيه إشارة إلى مُبانيه السياسيّة في الحكم (2) ، ويسمّيه جواباً حقيقيّاً، ويقول فيه: واعلم أنّ حقيقة الجواب هو أنّ عليّاً (عليه السلام) كان لا يرى مُخالفة الشرع لأجل السياسة، سواء أكانت تلك السياسة دينيّة أو دُنيويّة، أمّا الدنيويّة، فنحو أن يتوهّم الإمام في إنسان أنّه يروم فساد خلافته من غير أن يثبت ذلك عليه يقيناً، فإنّ عليّاً (عليه السلام) لم يكن يستحلّ

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 10 / 247.

(2) جاء شرح المباني السياسيّة للإمام (عليه السلام) بالتفصيل في مدخل القسم الخامس.

٣٤٠