موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٥

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 360

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
تصنيف: الصفحات: 360
المشاهدات: 144420
تحميل: 5103


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 144420 / تحميل: 5103
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفصلُ الثامِن

جُهود الإمام لمَنع القِتال

عندما تَحرّك الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع قوّاته من ذي قار، بعث صَعْصَعة بن صُوحان إلى طلحة والزبير وعائشة، ومعه كتاب تحدّث فيه عن إثارتهم للفتنة، وذَكر فيه موقفهم الحاقد الماكر من عثمان بن حُنيف، وحذّرهم من مغبّة عملهم، وعاد صعصعة فأخبره قائلاً: (رأيتُ قوماً ما يُريدون إلاّ قتالك) (1) .

وتأهّبت قوّات الطرفين للحَرب، بَيدَ أنّ الإمام سلام الله عليه منع أصحابه من أن يبدؤوهم بقتال، وحاول في بادئ أمره أن يردع أُولي الفتنة عن الحرب. وإنّ حديثه (عليه السلام) مع قادة جيش الجَمَل، ومع الجيش نفسه يجلب الانتباه (2) ، وبذل قُصارى جُهوده في سبيل المحافظة على الهدوء، والحؤول دون اشتعال نار الحرب، فبعث إلى قادة الجيش رسائل يَحثّهم فيها على عدم الاصطدام (3) ، ثُمّ

____________________

(1) الجَمَل: 313 و314، وراجع الأخبار الطوال: 147.

(2) قُرب الإسناد: 96 / 327، تفسير العيّاشي: 2 / 77 / 23.

(3) نهج البلاغة: الكتاب 54، كشف الغمّة: 1 / 239، الإمامة والسياسة: 1 / 90، الفتوح: 2 / 465.

٢٠١

أوفد مبعوثيه للتفاوض معهم (1) ، ولمّا لم تُثمر جُهوده شيئاً، ذهب بنفسه إليهم (2) . ونلحظ أنّ الإمام (عليه السلام) قد تَرجم لنا في تلك الرسائل والمُحاورات شخصيّته وأبان عظيم قَدره، وأماط اللِثام عن الموقف السابق الذي كان عليه مساعير الحرب، وتحدّث مرّة أُخرى عن قتل عُثمان وكيفيّته بدقّة تامّة، وكشف أبعاد ذلك الحادث، وأغلق على مُثيري الفتنة تشبّثهم بالمعاذير الواهية، ولمّا وجد ذلك عقيماً وتأهّب الفريقان للقتال، أوصى (عليه السلام) أصحابه بمَلْك أنفسهم والمحافظة على الهُدوء، وقال: (لا تعجلوا حتى أُعذِر إلى القوم...)، فقام إليهم فاحتجّ عليهم، فلم يجد عند القوم إجابة.

وبعد اللُتيّا والتي، بعث ابن عبّاس ثانية من أجل التفاوض الأخير، لعلّه يردّعهم عن الحرب؛ لئلاّ تُسفك دماء المسلمين هدراً، بَيدَ أنّ القوم خُتم على سمعهم، فلم يصغوا إلى رسول الإمام، كما لم يصغوا إلى الإمام (عليه السلام) من قبل (3) . وقد كان لعائشة وعبد الله بن الزبير خاصّة الدور الأكبر في ذلك.

8 / 1 رسائلُ الإمامِ إلى رُؤساء الفِتنة

2193 - الأخبار الطوال: أقام عليّ (رضي الله عنه) ثلاثة أيّام يبعث رُسله إلى أهل البصرة، فيدعوهم إلى الرُجوع إلى الطاعة والدخول في الجماعة، فلم يجد عند القوم

____________________

(1) نهج البلاغة: الخُطبة 31، البيان والتبيين: 3 / 221.

(2) تاريخ الطبري: 4 / 508 و509، الكامل في التاريخ: 2 / 334 و335، مسند أبي يعلى: 1 / 320 / 662، مُروج الذهب: 2 / 371.

(3) الجَمَل: 336 - 338.

٢٠٢

إجابة (1) .

2194 - الجَمَل: لمّا سار أمير المؤمنين (عليه السلام) من ذي قار قدّم صعصعة بن صوحان بكتاب إلى طلحة والزبير وعائشة، يُعظّم عليهم حُرمة الإسلام، ويُخوّفهم فيما صنعوه، ويَذكر لهم قُبيح ما ارتكبوه من قَتل مَن قَتلوا من المسلمين، وما صنعوا بصاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عثمان بن حنيف، وقتلهم المسلمين صبراً، ويَعظهم ويدعوهم إلى الطاعة.

قال صعصعة: فقدِمت عليهم فبدأت بطلحة فأعطيته الكتاب وأدّيت إليه الرسالة، فقال: الآن! حين عضّت ابن أبي طالب الحرب يرفق لنا!

ثُمّ جئتُ إلى الزبير، فوجدته ألين من طلحة، ثُمّ جئت إلى عائشة، فوجدتها أسرع الناس إلى الشرّ، فقالت: نعم قد خرجتُ للطلب بدم عثمان، والله لأفعلنّ وأفعلنّ.

فعُدّتُ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلقيته قبل أن يدخل البصرة، فقال: (ما وراءك يا صعصعة؟)

قلتُ: يا أمير المؤمنين، رأيت قوماً ما يريدون إلاّ قتالك.

فقال: (الله المُستعان).

(ثمّ دعا عبد الله بن عبّاس، فقال: انطلِق إليهم فناشدهم وذكّرهم العهد الذي لي في رقابهم) (2) .

____________________

(1) الأخبار الطوال: 147.

(2) الجَمَل: 313.

٢٠٣

2195 - الإمام عليّ (عليه السلام) - من كتاب له إلى طلحة والزبير -: (أمّا بعد، فقد علمتُما - وإن كتمتما - أنّي لم أُرد الناس حتّى أرادوني، ولم أُبايعهم حتّى بايعوني، وإنّكما ممّن أرادني وبايعني، وإنّ العامّة لم تُبايعني لسلطان غالب، ولا لعرض حاضر، فإن كُنتما بايعتُماني طائعين، فارجعا وتوبا إلى الله من قريب، وإن كنتما بايعتُماني كارهين، فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة، وإسراركما المَعصية، ولعمري، ما كنتما بأحقّ المُهاجرين بالتقيّة والكتمان، وإنّ دفعكما هذا الأمر من قَبل أن تدخلا فيه، كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به.

وقد زعمتما أنّي قتلتُ عثمان، فبيني وبينكما من تخلّف عنّي وعنكما من أهل المدينة، ثُمّ يُلزم كلّ امرئ بقدر ما احتمل. فارجعا أيّها الشيخان عن رأيكما، فإنّ الآن أعظم أمركما العار، من قبل أن يتجمّع العار والنار، والسلام) (1) .

2196 - عنه (عليه السلام) - في كتابه إلى عائشة قبل الحرب -: (أمّا بعد، فإنّكِ خرجتِ غاضبة لله ولرسوله، تطلبين أمراً كان عنكِ موضوعاً، ما بالُ النساء والحرب والإصلاح بين الناس؟ تطالبين بدم عثمان، ولعمري لَمَن عرّضكِ للبلاء، وحملك على المعصية، أعظمُ إليكِ ذنباً من قتْلةِ عثمان، وما غضبتِ حتى أغضَبتِ، وما هجتِ حتى هَيَّجتِ، فاتّقي الله وارجعي إلى بيتكِ) (2) .

____________________

(1) نهج البلاغة: الكتاب 54، كشف الغمّة: 1 / 239، الإمامة والسياسة: 1 / 90، الفتوح: 2 / 465 كلّها نحوه.

(2) الإمامة والسياسة: 1 / 90، الفتوح: 2 / 465، المناقب للخوارزمي: 184 / 223، كشف الغمّة: 1 / 239، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 152 كلّها نحوه.

٢٠٤

8 / 2 إشخاص ابن عبّاس إلى الزبير

2197 - البيان والتبيين، عن عبد الله بن مصعب: أرسل عليّ بن أبي طالب (رحمه الله) عبد الله بن عبّاس لمّا قدم البصرة، فقال له:

(ايتِ الزبير ولا تأتِ طلحة؛ فإنّ الزبير أليَن، وإنّك تجد طلحة كالثور عاقصاً (1) قرنه، يركب الصعوبة ويقول: هي أسهل، فأقرئه السلام، وقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق، فما عدا ممّا بدا لك؟!)

قال: فأتيت الزبير، فقال: مرحباً يابن لبابة، أزائراً جئت أم سفيراً؟ قلت: كلّ ذلك، وأبلغته ما قال عليّ.

فقال الزبير: أبلغه السلام وقل له: بيننا وبينك عهد خليفة، ودم خليفة، واجتماع ثلاثة وانفراد واحد، وأُمّ مبرورة، ومشاورة العشيرة، ونشر المصاحف، فنحلّ ما أحلّت، ونُحرّم ما حرّمت (2) .

8 / 3 الاحتجاجات على عائشة

2198 - الفتوح: فلمّا كان من الغد دعا عليّ (رضي الله عنه) زيد (3) بن صوحان وعبد الله بن

____________________

(1) العَقِصُ: الألوى الصعْبُ الأخلاقِ، تشبيهاً بالقرن المُلتوي (النهاية: 3/276).

(2) البيان والتبيين: 3 / 221، عيون الأخبار لابن قُتيبة: 1 / 195، العُقد الفريد: 3 / 314، وراجع نهج البلاغة: الخطبة 31. قال السيّد الشريف: وهو (عليه السلام) أوّل مَن سُمعت منه هذه الكلمة: أعني (فما عدا ممّا بدا) (نهج البلاغة: ذيل الخطبة 31).

(3) في المصدر: (يزيد)، والصحيح ما أثبتناه.

٢٠٥

عبّاس، فقال لهما:

(امضيا إلى عائشة فقولا لها: ألم يأمركِ الله تبارك وتعالى أن تقرّي في بيتك؟ فخُدعت وانخدعتِ، واستُنفرتِ فنَفرتِ، فاتّقي الله الذي إليه مرجعكِ ومعادُكِ، وتوبي إليه فإنّه يقبل التوبة عن عباده، ولا يحملنّك قرابة طلحة وحُبّ عبد الله بن الزبير على الأعمال التي تسعى بك إلى النار.

قال: فانطلقا إليها وبلّغاها رسالة عليّ (رضي الله عنه)، فقالت عائشة: ما أنا برادّة عليكم شيئاً، فإنّي أعلم أنّي لا طاقة لي بحُجج عليّ بن أبي طالب، فرجعا إليه وأخبراه بالخبر (1) .

2199 - تاريخ الطبري، عن القاسم بن محمّد: أقبل جارية بن قدامة السعدي، فقال: يا أُمّ المؤمنين، والله، لقتل عثمان بن عفّان أهون من خروجكِ من بيتكِ على هذا الجَمَل الملعون عرضة للسلاح، إنّه قد كان لكِ من الله سترٌ وحُرمة، فهتكتِ ستركِ وأبحتِ حُرمتك، إنّه مَن رأى قتالكِ فإنّه يرى قتلك، وإن كُنتِ أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلكِ، وإن كُنتِ أتيتنا مُستكرهة فاستعيني بالناس (2) .

2200 - المحاسن والمساوئ، عن الحسن البصري: إنّ الأحنف بن قيس قال لعائشة يوم الجَمَل: يا أُمّ المؤمنين، هل عهد عليكِ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هذا المسير؟ قالت: اللهمّ لا، قال: فهل وجدتِهِ في شيء من كتاب الله جلّ ذِكره؟ قالت: ما نقرأ إلاّ ما تقرؤون، قال: فهل رأيتِ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) استعان بشيء من نسائه إذا كان في

____________________

(1) الفتوح: 2 / 467.

(2) تاريخ الطبري: 4 / 465، الكامل في التاريخ: 2 / 318، الإمامة والسياسة: 1 / 88، البداية والنهاية: 7 / 233، وفيه (حارثة) بدل (جارية)، وكلاهما نحوه.

٢٠٦

قلّة والمشركون في كثرة؟ قالت: اللّهمّ لا، قال الأحنف: فإذن ما هو ذنبنا؟! (1)

2201 - فتح الباري، عن الحسن: إنّ عائشة أرسلت إلى أبي بكرة، فقال: إنّكِ لأُمّ، وإنّ حقّكِ لَعظيم، ولكن سمعتُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (لن يُفلح قوم تملكهم امرأة) (2) .

2202 - مُروج الذهب: قام عمّار بن ياسر بين الصَفّين، فقال: أيّها الناس، ما أنصفتم نبيّكم حين كففتم عقائلكم في الخدور، وأبرزتم عقيلته للسيوف، وعائشة على جَمل في هودج من دفوف الخشب قد ألبسوه المسوح وجلود البقر، وجعلوا دونه اللبود، وقد غشي على ذلك بالدروع، فدنا عمّار من موضعها، فنادي: إلى ماذا تدعين؟ قالت: إلى الطلب بدم عثمان، فقال: قاتل الله في هذا اليوم الباغي والطالب بغير الحقّ، ثُمّ قال: أيّها الناس، إنّكم لتعلمون أيّنا الممالئ في قتل عثمان (3) .

2203 - مجمع الزوائد، عن سعيد بن كوز: كُنت مع مولاي يوم الجَمَل، فأقبل فارس، فقال: يا أُمّ المؤمنين، فقالت عائشة: سلوه مَن هو؟ قيل: مَن أنت؟ قال: أنا عمّار بن ياسر، قالت: قولوا له: ما تريد؟ قال: أُنشدكِ بالله الذي أنزل الكتاب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بيتكِ، أتعلمين أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جعل عليّاً وصيّاً على أهله، وفي أهله؟ قالت: اللهمّ نعم، قال: فما لك؟ قالت: أطلب بدم عثمان أمير المؤمنين، قال: فتكلّم.

ثُمّ جاء فوارس أربعة فهتف بهم رجل منهم، ثم قال: تقول عائشة:

____________________

(1) المحاسن والمساوئ: 49.

(2) فتح الباري: 13 / 56.

(3) مُروج الذهب: 2 / 370.

٢٠٧

ابن أبي طالب وربّ الكعبة، سلوه مَن هو؟ ما يُريد؟

قالوا: مَن أنت؟

قال: (أنا عليّ بن أبي طالب).

قالت: سلوه ما يُريد؟

قالوا: ما تريد؟

قال: (أُنشدكِ بالله الذي أنزل الكتاب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بيتكِ، أتعلمين أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جعلني وصيّاً على أهله، وفي أهله؟)

قالت: اللّهمّ نعم.

قال: (فمالكِ؟)

قالت: أطلب بدم أمير المؤمنين عثمان.

قال: (أريني قتلة عثمان!!) ثُمّ انصرف والتحَم القتال (1) .

2204 - المحاسن والمساوئ، عن سالم بن أبي الجعد: فلمّا كان حرب الجَمَل أقبلت [عائشة] في هودج من حديد، وهي تنظر من مَنظر قد صُيّرَ لها في هودجها، فقالت لرجل من ضبّة وهو آخذ بخطام جَملها أو بعيرها: أين ترى عليّ بن أبي طالب؟ قال: ها هو ذا واقف رافع يده إلى السماء، فنظرت فقالت: ما أشبهه بأخيه!

قال الضبّي: ومَن أخوه؟

قالت: رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

قال: فلا أراني أُقاتل رجلا هو أخو رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فنبذ خطام راحلتها من يده

____________________

(1) مجمع الزوائد: 7 / 479 / 12038، وراجع الإيضاح: 77، وسعد السعود: 237.

٢٠٨

ومال إليه (1) .

8 / 4 خطبة الإمام لمّا رجعت رُسُله

2205 - الأمالي للطوسي، عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي: لمّا رجعت رُسل أمير المؤمنين (عليه السلام) من عند طلحة والزبير وعائشة، يؤذنونه بالحرب، قام فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على محمّد وآله، ثُمّ قال:

(يا أيّها الناس، إنّي قد راقبت هؤلاء القوم كيما يرعووا أو يرجعوا، وقد وبّختهم بنكثهم وعرّفتهم بغيّهم، فليسوا يستجيبون، ألا وقد بعثوا إليّ أن أبرز للطعان، أصبر للجلاد، فإنّما منّتك نفسك من أبنائنا الأباطيل، هَبِلَتْهم الهَبول (2) ، قد كنت وما أُهدّد بالحرب، ولا أُرهب بالضرب، وأنا على ما وعدني ربّي من النصر والتأييد والظَفر، وإنّي لعلى يقين من ربّي، وفي غير شُبهة من أمري.

أيّها الناس، إنّ الموت لا يفوته المُقيم، ولا يعجزه الهارب، ليس عن الموت محيص، من لم يمت يُقتل، إنّ أفضل الموت القتل، والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من موت على فراش.

يا عجباً لطلحة! ألّب على ابن عفّان حتّى إذا قُتل أعطاني صفقة يمينه طائعاً، ثُمّ نكث بيعتي، وطفق ينعى ابن عفّان ظالماً، وجاء يطلبني يزعم بدمه، والله، ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث: لئن كان ابن عفّان ظالماً، كما كان يزعم حين حصره وألّب عليه، إنّه لينبغي أن يؤازر قاتليه وأن يُنابذ ناصريه، وإن كان

____________________

(1) المحاسن والمساوئ: 49.

(2) هَبِلَتْهم الهَبُول: أي ثَكِلَتْهم الثَّكُول، وهي من النساء التي لا يَبْقى لها وَلَدٌ (النهاية: 5 / 240).

٢٠٩

في تلك الحال مظلوماً، إنّه لينبغي أن يكون معه، وإن كان في شكّ من الخصلتين، لقد كان ينبغي أن يعتزله ويلزم بيته ويدع الناس جانباً، فما فعل من هذه الخصال واحدة، وها هو ذا قد أعطاني صفقة يمينه غير مرّة ثُمّ نكث بيعته، اللّهمّ فخذه ولا تُمهله.

ألا وإنّ الزبير قطع رحمي وقرابتي، ونكث بيعتي، ونصب لي الحرب، وهو يعلم أنّه ظالم لي، اللّهمّ فاكفِنيه بما شئت) (1) .

8 / 5 تحذير شباب قُريش مِن الحَرب

2206 - الجَمَل، عن صفوان: لمّا تصافّ الناس يوم الجَمَل صاح صائح من أصحاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب: يا معاشر شباب قريش، أراكم قد لججتم وغلبتم على أمركم هذا، وإنّي أُنشدكم الله أن تحقنوا دماءكم ولا تقتلوا أنفسكم، اتّقوا الأشتر النخعي وجندب بن زهير العامري، فإنّ الأشتر نشر درعه حتى يعفو أثره، وإنّ جندباً يخرم درعه حتى يشمّر عنه، وفي رايته علامة حمراء، فلمّا التقى الناس أقبل الأشتر وجندب قِبال الجَمَل يرفلان في السلاح حتى قتلا عبد الرحمان بن عتّاب بن أسيد ومعبد بن زهير بن خلف بن أُميّة، وعمد جندب لابن الزبير، فلمّا عرفه قال: أتركك لعائشة...

وروى محمّد بن موسى، عن محمّد بن إبراهيم، عن أبيه قال: سمعت معاذ بن عبيد الله التميمي، وكان قد حضر الجَمَل يقول: لمّا التقينا واصطففنا نادى منادي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): يا معاشر قريش، اتّقوا الله على أنفسكم، فإنّي أعلم أنّكم

____________________

(1) الأمالي للطوسي: 169 / 284، وراجع نهج البلاغة: الخطبة 174.

٢١٠

قد خرجتم وظننتم أنّ الأمر لا يبلغ إلى هذا، فالله الله في أنفسكم، فإنّ السيف ليس له بُقياً، فإن أحببتم فانصرفوا حتى نحاكم هؤلاء القوم، وإن أحببتم فإليّ، فإنّكم آمنون بأمان الله.

فاستحيينا أشدّ الحياء، وأبصرنا ما نحن فيه، ولكنّ الحِفاظ (1) حملنا على الصبر مع عائشة حتى قُتل مَن قُتل منّا، فوَ الله، لقد رأيت أصحاب عليّ (عليه السلام)، وقد وصلوا إلى الجَمَل وصاح منهم صائح: اِعقروه، فعقروه فوقع، فنادى عليّ (عليه السلام): (مَن طرح السلاح فهو آمن، ومَن دخل بيته فهو آمن)، فوَ الله ما رأيت أكرم عفواً منه.

وروى سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمي، قال، قال ابن الزبير: إنّي لواقف في يمين رَجل من قريش إذ صاح صائح: يا معشر قريش، أُحذّركم الرجلين: جندباً العامري والأشتر النخعي. وسمعت عمّاراً يقول لأصحابنا: ما تُريدون؟ وما تطلبون؟ فناديناه: نَطلب بدَم عثمان، فإن خلّيتم بيننا وبين قَتلته رجعنا عنكم. فقال عمّار: لو سألتمونا أن ترجعوا عنّا بئس الفحل، فإنّه ألأم الغنم فحلاً وشرّها لجماً ما أعطيناكموه. ثُمّ التحم القتال وناديناهم: مكّنونا من قَتلة عثمان ونرجع عنكم. فنادانا عمّار: قد فعلنا، هذه عائشة وطلحة والزبير قتلوه عَطشاً، فابدؤوا بهم، فإذا فرغتم منهم تعالوا إلينا نبذل لكم الحقّ. فأسكت والله أصحاب الجَمَل كلّهم (2) .

____________________

(1) الحِفَاظ: الذبُّ عن المَحارم والمنع لها عند الحروب، والاسم الحفيظة. والحفاظ: المحافظة على العهد. (لسان العرب: 7 / 442).

(2) الجَمَل: 364، وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 183، وأنساب الأشراف: 3 / 57، والأخبار الطوال: 151.

٢١١

8 / 6 اعتزال شابّين مِن الحرب

2207 - تاريخ الطبري، عن القاسم بن محمّد: خرج غلام شابّ من بني سعد إلى طلحة والزبير، فقال: أمّا أنت يا زبير، فحواريّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأمّا أنت يا طلحة، فوقيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بيدك، وأرى أُمّكما معكما، فهل جئتما بنسائكما؟ قالا: لا، قال: فما أنا منكما في شيء، واعتزل.

وقال السعدي في ذلك:

صـنتم حـلائلكم وقُـدتُم أُمّكم هـذا لـعمرك قـلّة الإنصافِ

أُمـرت بـجرِّ ذيولها في بيتها فهوت تشقّ البيد بالإيجاف (1)

غـرضاً يـقاتل دونها أبناؤها بـالنبل والـخطِّيّ والأسياف

هُتكت بطلحة والزبير ستورها هـذا الـمخبّر عـنهم والكافي

وأقبل غلام من جُهينة على محمّد بن طلحة - وكان محمّد رجلاً عابداً - فقال: أخبرني عن قَتلة عثمان؟

فقال: نعم، دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثُلث على صاحبة الهودج - يعني عائشة - وثُلث على صاحب الجَمَل الأحمر - يعني طلحة - وثُلث على عليّ ابن أبي طالب.

وضحك الغلام، وقال: ألا أراني على ضلال؟! ولحق بعليّ، وقال في ذلك شعراً:

سألت ابن طلحة عن هالك بجوف المدينة لم يقبر

فقال: ثلاثة رهط هُم أماتوا ابن عفّان واستعبر

____________________

(1) الإيجاف: سُرْعَة السَّيْر، وقد أَوْجَفَ دَابَّتَه يُوجِفُها إيجافاً، إذا حَثَّها (النهاية: 5 / 157).

٢١٢

فـثُلث عـلى تـلك في خدرها وثـلث عـلى راكـب الأحمر

وثـلث عـليّ ابـن أبي طالب ونحـن بـدَوّيـة قـرقـر

فـقلت: صـدقت على الأوّلين وأخطأت في الثالث الأزهر (1)

8 / 7 الإقدام الشجاع لإنقاذ العدوّ

2208 - مُروج الذهب: خرج عليّ بنفسه حاسراً على بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لا سلاح عليه، فنادى: (يا زبير، اُخرج إليّ)، فخرج إليه الزبير شاكّاً في سلاحه، فقيل ذلك لعائشة، فقالت: وا ثُكلك يا أسماء، فقيل لها: إنّ عليّاً حاسِر، فاطمأنّت. واعتنق كلّ واحد منهما صاحبه.

فقال له عليّ: (ويحك يا زبير، ما الذي أخرجك؟!) قال: دم عثمان، قال: (قتل الله أولانا بدم عثمان، أما تذكر يوم لقيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بني بياضة وهو راكب حماره، فضحك إليّ رسول الله، وضحكت إليه، وأنت معه، فقلت أنت: يا رسول الله، ما يدع عليّ زهوه.

فقال لك: ليس به زهو، أتُحبّه يا زبير؟

فقلت: إنّي والله لأُحبّه.

فقال لك: إنّك والله ستُقاتله وأنت له ظالم).

فقال الزبير: أستغفر الله، والله لو ذكرتها ما خرجت.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 465، الكامل في التاريخ: 2 / 318، وفيه: إلى (والكافي)، وراجع تاريخ المدينة: 4 / 1173، والإمامة والسياسة: 1 / 84.

٢١٣

فقال له (عليه السلام): (يا زبير، ارجع)، فقال: وكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان (1) ؟ هذا والله العار الذي لا يُغسل.

فقال (عليه السلام): (يا زبير، ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار).

فرجع الزبير وهو يقول:

اخترت عاراً على نار مؤجّجة ما إن يقوم لها خلق من الطين

نادى عليّ بأمرٍ لستُ أجهله عار لعمرك في الدنيا وفي الدين

فقلت: حسبك من عدل أبا حسن فبعض هذا الذي قد قلتَ يكفيني.

فقال ابنه عبد الله: أين تذهب وتدعنا؟ فقال: يا بنيّ، أذكرني أبو الحسن بأمر كُنت قد أنسيته، فقال: لا والله، ولكنّك فررت من سيوف بني عبد المطّلب ; فإنّها طِوال حداد، تحملها فتية أنجاد، قال: لا والله، ولكنّي ذكرت ما أنسانيه الدهر، فاخترت العار على النار، أبالجبن تعيّرني لا أبا لك؟ ثُمّ أمال سنانه وشدّ في الميمنة.

فقال عليّ: أفرجوا له فقد هاجوه.

ثُمّ رجع فشدّ في الميسرة، ثُمّ رجع فشدّ في القلب، ثُمّ عاد إلى ابنه، فقال: أيفعل هذا جبان؟! ثُمّ مضى مُنصرفاً (2) .

2209 - تاريخ الطبري، عن الزهري: خرج عليّ على فرسه، فدعا الزبير، فتواقفا، فقال عليّ للزبير:

____________________

(1) البِطان: الحزامُ الذي يَلي البَطْنَ. وأيضاً: حِزام الرَّحل والقَتَب (لسان العرب: 13 / 56).

(2) مُروج الذَهب: 2 / 371، وراجع أنساب الأشراف: 3 / 51، والفتوح: 2 / 469، والإمامة والسياسة: 1 / 92، والمناقب للخوارزمي: 179 / 216، وتاريخ اليعقوبي: 2 / 182.

٢١٤

(ما جاء بك؟)

قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلاً، ولا أولى به منّا.

فقال عليّ: (لست له أهلاً بعد عُثمان، قد كنّا نعدّك من بني عبد المُطّلب حتى بلغ ابنك ابن السوء، ففرّق بيننا وبينك). وعظّم عليه أشياء، فذكر أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) مرّ عليهما، فقال لعليّ (عليه السلام): (ما يقول ابن عمّتك؟ ليقاتلنّك وهو لك ظالم).

فانصرف عنه الزبير، وقال: فإنّي لا أُقاتلك.

فرجع إلى ابنه عبد الله، فقال: ما لي في هذه الحرب بصيرة، فقال له ابنه: إنّك قد خرجت على بصيرة، ولكنّك رأيت رايات ابن أبي طالب، وعرفت أنّ تحتها الموت، فجبنت. فأحفظه (1) حتى أرعد وغضب، وقال: ويحك! إنّي قد حلفت له ألاّ أُقاتله، فقال له ابنه: كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس، فأعتقه، وقام في الصفّ معهم.

وكان عليّ قال للزبير: (أتطلب منّي دم عثمان وأنت قَتلته؟! سلّط الله على أشدّنا عليه اليوم ما يكره) (2) .

2210 - تاريخ الطبري، عن قتادة: سار عليّ من الزاوية يُريد طلحة والزبير وعائشة، وساروا من الفرضة يُريدون عليّاً، فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سَنة ستّ وثلاثين يوم الخميس، فلمّا تراءى

____________________

(1) أحفَظَه: أغضبه، من الحفيظة: الغضب (النهاية: 1 / 408).

(2) تاريخ الطبري: 4 / 508، الكامل في التاريخ: 2 / 335 نحوه، وراجع أُسد الغابة: 2 / 310 / 1732، ومسند أبي يعلى: 1 / 320 / 662، والبداية والنهاية: 7 / 241، والأمالي للطوسي: 137 / 223، والصراط المستقيم: 3 / 120.

٢١٥

الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح، فقيل لعلّي: هذا الزبير، قال: (أما إنّه أحرى الرجلين إن ذُكّر بالله أن يذكره)، وخرج طلحة، فخرج إليهما عليّ، فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابّهم، فقال عليّ: (لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلا ورجالا، إن كنتما أعددتما عند الله عُذراً فاتّقيا الله سبحانه، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، ألم أكن أخاكما في دينكما، تُحرّمان دمي وأُحرّم دماءكما؟! فهل من حدث أحلّ لكما دمي؟) قال طلحة: ألّبت الناس على عُثمان، قال عليّ: ( يَوْمَـئـِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) (1) يا طلحة تطلب بدم عثمان، فلعن الله قتلة عثمان) (2) .

2211 - شرح نهج البلاغة: برز عليّ (عليه السلام) يوم الجَمَل، ونادى بالزبير: يا أبا عبد الله، مراراً، فخرج الزبير، فتقاربا حتى اختلفت أعناق خيلهما.

فقال له عليّ (عليه السلام): (إنّما دعوتك لأُذكّرك حديثاً قاله لي ولك رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أتذكر يوم رآك وأنت معتنقي، فقال لك: أتحبّه؟

قلت: وما لي لا أُحبّه وهو أخي وابن خالي؟!

فقال: أما إنّك ستُحاربه وأنت ظالم له).

فاسترجع الزبير، وقال: أذكرتني ما أنسانيه الدهر، ورجع إلى صفوفه، فقال له عبد الله ابنه: لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به!

فقال: أذكرني عليّ حديثاً أنسانيه الدهر، فلا أُحاربه أبداً، وإنّي لراجع

____________________

(1) النور: 25.

(2) تاريخ الطبري: 3 / 501، الكامل في التاريخ: 2 / 334، وفيه: من (فلمّا تراءى الجمعان)، وراجع البداية والنهاية: 7 / 241.

٢١٦

وتارككم منذ اليوم.

فقال له عبد الله: ما أراك إلاّ جبنت عن سيوف بني عبد المُطّلب، إنّها لسيوف حِداد، تحملها فتية أنجاد.

فقال الزبير: ويلك! أتهيجني على حربه! أما إنّي قد حلفت ألاّ أُحاربه.

قال: كفّر عن يمينك، لا تتحدّث نساء قريش أنّك جبنت، وما كنت جباناً.

فقال الزبير: غلامي مكحول حرّ كفّارة عن يميني، ثُمّ أنصل سنان رمحه، وحمل على عسكر عليّ (عليه السلام) برمح لا سنان له.

فقال عليّ (عليه السلام): (أفرجوا له، فإنّه مُحرج).

ثُمّ عاد إلى أصحابه، ثُمّ حمل ثانية، ثُمّ ثالثة، ثُمّ قال لابنه: أجبناً ويلك ترى؟! فقال: لقد أعذرت (1) .

2212 - تاريخ اليعقوبي: قال عليّ بن أبي طالب للزبير: (يا أبا عبد الله، اُدنُ إليّ أُذكّرك كلاما سمعته أنا وأنت من رسول الله).

فقال الزبير لعليّ: لي الأمان؟

قال عليّ: (عليك الأمان)، فبرز إليه فذكّره الكلام.

فقال: اللهمّ إنّي ما ذكرت هذا إلاّ هذه الساعة، وثنى عِنان فرسه لينصرف، فقال له عبد الله: إلى أين؟ قال: ذكّرني عليّ كلاماً قاله رسول الله. قال: كلاّ، ولكنّك رأيت سيوف بني هاشم حِداداً تحملها شداد. قال: ويلك! ومثلي يُعيّر

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 233، وراجع الأخبار الطوال: 147، والفُصول المُختارة: 142، والأمالي للطوسي: 137 / 223، وبشارة المصطفى: 247.

٢١٧

بالجبن؟ هلم إليّ الرمح. وأخذ الرُمح وحمل على أصحاب عليّ.

فقال عليّ: (أفرجوا للشيخ، إنّه مُحرَج).

فشقّ الميمنة والميسرة والقلب ثُمّ رجع، فقال لابنه: لا أُمّ لك، أيفعل هذا جبان؟! وانصرف (1) .

8 / 8 عاقبة الزبير

2213 - الجَمَل، عن مروان بن الحكم: هربَ الزبير فارّاً إلى المدينة حتى أتى وادي السباع، فرفع الأحنف صوته وقال: ما أصنع بالزبير؟ قد لفّ بين غارين (2) من الناس حتى قتل بعضهم بعضاً، ثُمّ هو يريد اللحاق بأهله.

فسمع ذلك ابن جرموز، فخرج في طلبه واتّبعه رجل من مجاشع حتى لحقاه، فلمّا رآهما الزبير حذّرهما.

فقالا: يا حواريّ رسول الله، أنت في ذمّتنا لا يصل إليك أحد، وسايره ابن جرموز، فبينا هو يسايره ويستأخر، والزبير يُفارقه، قال: يا أبا عبد الله، انزع درعك فاجعلها على فرسك، فإنّها تُثقلك وتُعييك، فنزعها الزبير، وجعل عمرو بن جرموز ينكص ويتأخّر، والزبير يناديه أن يلحقه، وهو يجري بفرسه ثُمّ ينحاز عنه، حتى اطمأنّ إليه ولم يُنكر تأخّره عنه، فحمل عليه وطعنه بين كتفيه فأخرج السنان من ثدييه، ونزل فاحتزّ رأسه وجاء به إلى الأحنف، فأنفذه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).

فلمّا رأى رأس الزبير وسيفه قال: (ناولني السيف)، فناوله، فهزّه وقال:

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 182.

(2) الغار: الجمع الكثير من الناس، والقبيلة العظيمة (المحيط في اللغة: 5 / 124).

٢١٨

(سيف طالما قاتل به بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولكنّ الحين ومصارع السوء)

ثُمّ تفرّس في وجه الزبير وقال: (لقد كان لك برسول الله (صلّى الله عليه وآله) صُحبة ومنه قرابة، ولكنّ الشيطان دخل منخريك، فأوردك هذا المورد) (1) .

8 / 9 مناقشات الإمام وطلحة

2214 - مُروج الذَهب: ثُمّ نادى عليّ (رضي الله عنه) طلحة حين رجع الزبير: (يا أبا محمّد، ما الذي أخرجك؟)

قال: الطلب بدم عثمان.

قال عليّ: (قتل الله أولانا بدم عثمان، أما سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه)؟ وأنت أوّل مَن بايعني ثُمّ نكثت، وقد قال الله عزّ وجلّ: ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ) (2) (3) .

2215 - الإمامة والسياسة - في ذِكر مخاطبة الإمام (عليه السلام) لطلحة -:

قال طلحة: اعتزل هذا الأمر، ونجعله شورى بين المسلمين، فإن رضوا بك دخلتُ فيما دخل فيه الناس، وإن رضوا غيرك كُنتَ رجلاً من المسلمين.

____________________

(1) الجَمَل: 390 وص 387 عن محمّد بن إبراهيم، الطبقات الكبرى: 3 / 111 عن خالد بن سمير، وكلاهما نحوه، وراجع تاريخ الطبري: 4 / 498 وص534، وأنساب الأشراف: 3 / 49 - 54، ومروج الذَهب: 2 / 372، والكامل في التاريخ: 2 / 338.

(2) الفتح: 10.

(3) مُروج الذهب: 2/373، وراجع المستدرك على الصحيحين: 3/419/5594، والمناقب للخوارزمي: 182 / 221.

٢١٩

قال عليّ: (أولم تُبايعني يا أبا محمّد طائعاً غير مُكره؟ فما كُنت لأترك بيعتي).

قال طلحة: بايعتك والسيف في عُنقي.

قال: (ألم تعلم أنّي ما أكرهت أحداً على البيعة؟ ولو كنتُ مُكرهاً أحداً لأكرهت سعداً، وابن عمر، ومحمّد بن مسلمة، أبوا البيعة واعتزلوا، فتركتهم).

قال طلحة: كنّا في الشورى ستّة، فمات اثنان وقد كرهناك، ونحن ثلاثة.

قال عليّ: (إنّما كان لكما ألاّ ترضيا قبل الرضا وقبل البيعة، وأمّا الآن، فليس لكما غير ما رضيتما به، إلاّ أن تخرجا ممّا بويعت عليه بحَدَث، فإن كنت أحدثت حدثاً فسمّوه لي. وأخرجتم أُمّكم عائشة، وتركتم نساءكم، فهذا أعظم الحَدث منكم، أرضى هذا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تهتكوا ستراً ضربه عليها، وتُخرجوها منه؟!)

فقال طلحة: إنّما جاءت للإصلاح.

قال عليّ (عليه السلام): (هي لعمر الله إلى من يُصلح لها أمرها أحوج. أيّها الشيخ اقبل النُصح، وارضَ بالتوبة مع العار، قبل أن يكون العار والنار) (1) .

8 / 10 فشلُ آخِر الجُهود

2216 - الجَمَل: قال ابن عبّاس: قلت [لأمير المؤمنين (عليه السلام) ]: ما تنتظر؟! والله، ما يُعطيك القوم إلاّ السيف، فاحمل عليهم قبل أن يحملوا عليك.

فقال: (نستظهر بالله عليهم).

قال ابن عبّاس: فوَ الله، ما رِمتُ من مكاني حتى طلع عليّ نشّابهم كأنّه جَراد مُنتشر، فقلت: أما ترى يا أمير المؤمنين إلى ما يصنع القوم؟! مُرنا ندفعهم.

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1 / 95.

٢٢٠