موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٥

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 360

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
تصنيف: الصفحات: 360
المشاهدات: 144423
تحميل: 5103


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 144423 / تحميل: 5103
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

2170 - مُروج الذَهب - في ذكر أصحاب الجمل -: فأتَوا البصرة، فخرج إليهم عُثمان بن حنيف فمانعهم، وجرى بينهم قتال، ثُمّ إنّهم اصطلحوا بعد ذلك على كفّ الحرب إلى قدوم عليّ.

فلمّا كان في بعض الليالي بيّتوا عُثمان بن حنيف، فأسروه وضربوه ونتفوا لحيته، ثُمّ إنّ القوم استرجعوا وخافوا على مخلّفيهم بالمدينة من أخيه سهل بن حنيف وغيره من الأنصار، فخلّوا عنه.

وأرادوا بيت المال، فمانعهم الخُزّان والموكّلون به وهم السبابِجة (1) ، فقُتل منهم سبعون رجلاً غير مَن جُرح، وخمسون من السبعين ضُربت رقابهم صبراً من بعد الأسر، وهؤلاء أوّل من قُتل ظُلماً في الإسلام وصبراً.

وقتلوا حُكَيم بن جَبَلة العبدي، وكان من سادات عبد القيس، وزُهّاد ربيعة ونسّاكها (2) .

2171 - تاريخ الطبري، عن الزهري - في ذكر أصحاب الجمل -: فقدموا البصرة وعليها عُثمان بن حنيف، فقال لهم عُثمان: ما نقمتم على صاحبكم؟

فقالوا: لم نرَه أولى بها منّا، وقد صنع ما صنع.

قال: فإنّ الرجل أمّرني، فأكتب إليه فأُعلمه ما جئتم له، على أن أُصلّي بالناس حتّى يأتينا كتابه، فوقفوا عليه وكَتب.

فلم يلبث إلاّ يومين حتّى وثبوا عليه فقاتلوه بالزابوقة عند مدينة الرزق (3) ،

____________________

(1) السبابِجة: قوم من السِند كانوا بالبصرة حُرّاس السجن (الصحاح: 1 / 321).

(2) مُروج الذهب: 2 / 367، وراجع الكافئة: 17 / 17.

(3) هي إحدى مسالح العجم بالبصرة قبل أن يختطّها المسلمون (معجم البلدان: 3/41).

١٨١

فظهروا وأخذوا عثمان، فأرادوا قتله، ثُمّ خَشُوا غضب الأنصار، فنالوه في شعره وجسده (1) .

2172 - أنساب الأشراف، عن أبي مخنف: صاروا [أهل البصرة] فرقتين: فرقة مع عائشة وأصحابها، وفرقة مع ابن حنيف... وتأهّبوا للقتال، فانتهوا إلى الزابوقة، وأصبح عثمان بن حنيف، فزحف إليهم، فقاتلهم أشدّ قتال، فكثرت بينهم القتلى، وفشت فيهم الجراح.

ثُمّ إنّ الناس تداعوا إلى الصُلح، فكتبوا بينهم كتاباً بالموادعة إلى قدوم عليّ، على أن لا يعرض بعضهم لبعض في سوق ولا مشرعة، وأنّ لعثمان بن حنيف دار الإمارة وبيت المال والمسجد، وأنّ طلحة والزبير ينزلان ومَن معهما حيث شاؤوا، ثُمّ انصرف الناس وألقَوا السلاح.

وتناظر طلحة والزبير، فقال طلحة: والله لئن قدم عليٌّ البصرة ليأخذنّ بأعناقنا، فعزما على تبييت ابن حنيف وهو لا يشعر، وواطآ أصحابهما على ذلك، حتّى إذا كانت ليلة ريح وظلمة جاؤوا إلى ابن حنيف وهو يصلّي بالناس العشاء الآخرة، فأخذوه وأمروا به فوُطئ وطئاً شديداً، ونتفوا لحيته وشاربيه، فقال لهما: إنّ سهلاً حيّ بالمدينة، والله لئن شاكني شوكة ليضعنّ السيف في بني أبيكما ـ يُخاطب بذلك طلحة والزبير - فكفّا عنه وحبساه.

وبعثا عبد الله بن الزبير في جماعة إلى بيت المال وعليه قوم من السبابجة يكونون أربعين، ويُقال: أربعمئة، فامتنعوا من تسليمه دون قدوم عليّ،

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 469، الكامل في التاريخ: 2 / 319، وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 181.

١٨٢

فقتلوهم ورئيسهم أبا سلمة الزُّطّي، وكان عبداً صالحاً (1) .

2173 - الإمامة والسياسة: ذكروا أنّه لمّا اختلف القوم اصطلحوا على أنّ لعُثمان بن حنيف دار الإمارة ومسجدها وبيت المال، وأن ينزل أصحابه حيث شاؤوا من البصرة، وأن ينزل طلحة والزبير وأصحابهما حيث شاؤوا حتّى يقدم عليّ، فإن اجتمعوا دخلوا فيما دخل فيه الناس، وإن يتفرّقوا يلحق كلّ قوم بأهوائهم، عليهم بذلك عهد الله وميثاقه، وذمّة نبيّه، وأشهدوا شهوداً من الفريقين جميعاً.

فانصرف عثمان، فدخل دار الإمارة، وأمر أصحابه أن يلحقوا بمنازلهم، ويضعوا سلاحهم، وافترق الناس...، فمكث عثمان بن حنيف في الدار أيّاماً، ثُمّ إنّ طلحة والزبير ومروان بن الحكم أتَوه نصف الليل في جماعة معهم - في ليلة مُظلمة سوداء مطيرة - وعثمان نائم، فقتلوا أربعين رجلاً من الحَرس، فخرج عثمان بن حنيف، فشدّ عليه مروان فأسرَه، وقتل أصحابه (2) .

2174 - الجَمَل - في ذكر ما حَدث بعد مُصالحة عُثمان بن حنيف وأصحاب الجَمَل -: طلب طلحةُ والزبير غُدْرَته، حتّى كانت ليلة مُظلمة ذات رياح، فخرج طلحة والزبير وأصحابهما حتّى أتَوا دار الإمارة وعثمان بن حنيف غافل عنهم، وعلى الباب السبابجة يحرسون بيوت الأموال - وكانوا قوماً من الزُّطّ (3) قد استبصروا وأكل السجود جباههم، وائتمنهم عثمان على بيت المال ودار الإمارة - فأكبّ عليهم القوم وأخذوهم من أربع جوانبهم، ووضعوا فيهم السيف،

____________________

(1) أنساب الأشراف: 3 / 26، وراجع تاريخ الطبري: 4 / 464 وص 467 و506، والكامل في التاريخ: 2 / 318.

(2) الإمامة والسياسة: 1 / 88.

(3) الزُّطّ: جنس من السودان والهنود (النهاية: 2 / 302).

١٨٣

فقتلوا منهم أربعين رجلاً صبراً، يتولّى منهم ذلك الزبير خاصّة، ثُمّ هجموا على عثمان فأوثقوه رباطاً، وعمدوا إلى لحيته - وكان شيخاً كثّ اللحية - فنتفوها حتّى لم يبقَ منها شيء ولا شعرة واحدة. وقال طلحة: عذِّبوا الفاسق، وانتفوا شعر حاجبيه، وأشفار عينيه، وأوثِقوه بالحديد (1) .

راجع: تاريخ الطبري: 4 / 469، الكامل في التاريخ: 2 / 319،

مُروج الذهب: 2 / 367، أنساب الأشراف: 3 / 26،

الإمامة والسياسة: 1 / 88، تاريخ اليعقوبي: 2 / 181.

6 / 6 أمرُ عائشة بقتل عثمان بن حنيف

2175 - الجَمَل: قال طلحة والزبير لعائشة [ بعدما أخذا عثمان بن حنيف ]: ما تأمرين في عثمان؟ فإنّه لِما به.

فقالت: اقتلوه قتله الله. وكانت عندها امرأة من أهل البصرة، فقالت لها: يا أُمّاه، أين يُذهَب بكِ؟! أتأمرين بقتل عثمان بن حنيف، وأخوه سهل خليفة على المدينة، ومكانه من الأوس والخزرج ما قد علمتِ! والله، لئن فعلتِ ذلك لتكوننّ له صولة بالمدينة يقتل فيها ذراري قُريش.

فناب إلى عائشة رأيها وقالت: لا تقتلوه، ولكن احبسوه وضيّقوا عليه حتّى أرى رأيي.

فحُبس أيّاماً ثُمّ بدا لهم في حبسه، وخافوا من أخيه أن يحبس مشايخهم

____________________

(1) الجَمَل: 281.

١٨٤

بالمدينة ويُوقع بهم، فتركوا حبسه (1) .

2176 - تاريخ الطبري، عن سهل بن سعد: لمّا أخذوا عُثمان بن حنيف، أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها في أمره، قالت: اقتلوه. فقالت لها امرأة: نشدتكِ بالله يا أُمّ المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالت: رُدّوا أباناً، فردّوه.

فقالت: احبسوه ولا تقتلوه، قال: لو علمتُ أنّكِ تدعيني لهذا لم أرجع. فقال لهم مجاشع بن مسعود: اضربوه وانتفوا شعر لحيته، فضربوه أربعين سوطاً ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه (2) .

6 / 7 استبصار أبي بكرة لمّا رأي عائشة تأمر وتنهي

2177 - صحيح البخاري، عن أبي بكرة (3) : لقد نفعني الله بكلمة أيّام الجَمَل، لمّا بلغ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّ فارساً ملّكوا ابنة كسرى قال: (لن يُفلِح قوم ولَّوا أمرهم امرأة) (4) .

____________________

(1) الجَمَل: 284.

(2) تاريخ الطبري: 4 / 468، الكامل في التاريخ: 2 / 319 نحوه.

(3) أبو بكرة: هو الذي كان يحثّ الأحنف بن قيس على الاعتزال، وينهاه عن الوقوف إلى جانب الإمام عليّ (عليه السلام)، استناداً إلى الحديث النبوي: (إذا تواجه المسلمان بسيفيها فكلاهما من أهل النار) (صحيح البخاري: 6 / 2594 / 672). لكنّه شخصيّاً كان يميل إلى نُصرة عائشة، غير أنّه بعد ذكر هذا الحديث اعتزل الفريقين. نقل ابن حجر عن ابن التين: كلام أبي بكرة، يدلّ على أنّه لولا عائشة لكان مع طلحة والزبير ; لأنّه لو تبيّن له خطؤهما لكان مع عليّ (فتح الباري: 13 / 56).

(4) صحيح البخاري: 6 / 2600 / 6686، السنن الكبرى: 3 / 127 / 5128، البداية والنهاية: 6 / 212، العمدة: 454 / 948 كلّها نحوه، بحار الأنوار: 32 / 194 / 143.

١٨٥

2178 - المُستدرك على الصحيحين، عن أبي بكرة: لمّا كان يوم الجَمَل أردتُ أن آتيهم أُقاتل معهم حتّى ذكرتُ حديثاً سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه بلغه أنّ كسرى أو بعض مُلوك الأعاجم مات، فولّوا أمرهم امرأة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا يُفلِح قوم تملكهم امرأة) (1) .

6 / 8 قَتل المُعارِضين

2179 - تاريخ الطبري، عن الزهري: قام طلحة والزبير خطيبين فقالا: يا أهل البصرة، توبة بحوبة، إنّما أردنا أن يُستعتب أمير المؤمنين عثمان، ولم نرِد قتله، فغلب سفهاءُ الناس الحُلماءَ حتّى قتلوه.

فقال الناس لطلحة: يا أبا محمّد، قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا، فقال الزبير: فهل جاءكم منّي كتاب في شأنه؟ ثُمّ ذكر قتل عثمان وما أتى إليه وأظهر عيب عليّ. فقام إليه رجل من عبد القيس، فقال: أيّها الرجل، أنصِت حتّى نتكلّم، فقال عبد الله بن الزبير: وما لك وللكلام؟ فقال العبدي:

يا معشر المهاجرين، أنتم أوّل من أجاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكان لكم بذلك فضل، ثُمّ دخل الناس في الإسلام كما دخلتم، فلمّا تُوفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بايعتم رجلاً منكم، والله ما استأمرتمونا في شيء من ذلك، فرضينا واتّبعناكم، فجعل الله عزّ وجلّ للمسلمين في إمارته بركة، ثُمّ مات واستخلف عليكم رجلاً منكم فلم تشاورونا في ذلك، فرضينا وسلّمنا، فلمّا توفّي الأمير جعل الأمر إلى ستّة نَفر،

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين: 4 / 570 / 8599، شرح نهج البلاغة: 6 / 277، الجَمَل: 297 كلاهما نحوه، بحار الأنوار: 32 / 212 / 168.

١٨٦

فاخترتم عثمان، وبايعتموه عن غير مشورة منّا، ثُمّ أنكرتم من ذلك الرجل شيئاً، فقتلتموه عن غير مشورة منّا، ثُمّ بايعتم عليّاً عن غير مشورة منّا، فما الذي نقمتم عليه فنقاتله؟! هل استأثر بفَيء؟ أو عمل بغير الحقّ؟ أو عمل شيئاً تُنكرونه فنكون معكم عليه؟ وإلاّ فما هذا؟! فهمّوا بقتل ذلك الرجل، فقام من دونه عشيرته، فلمّا كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه، فقتلوا سبعين رجلاً (1) .

6 / 9 إعلام خبر احتلال البصرة

2180 - تاريخ الطبري، عن محمّد وطلحة - في ذكر أصحاب الجَمَل -: كتبوا إلى أهل الشام بما صنعوا وصاروا إليه: إنّا خرجنا لوضع الحرب، وإقامة كتاب الله عزّ وجلّ بإقامة حدوده في الشريف والوضيع والكثير والقليل، حتّى يكون الله عزّ وجلّ هو الذي يردّنا عن ذلك.

فبايَعنا خيار أهل البصرة ونُجباؤهم، وخالفَنا شرارهم ونُزّاعهم، فردّونا بالسلاح، وقالوا فيما قالوا: نأخذ أُمَّ المؤمنين رهينة ; أن أمرَتْهم بالحقّ وحثّتهم عليه.

فأعطاهم الله عزّ وجلّ سُنّة المسلمين مرّة بعد مرّة، حتّى إذا لم يبقَ حجّة ولا عذر استبسل قَتَلة أمير المؤمنين، فخرجوا إلى مضاجعهم، فلم يفلت منهم مُخبر إلاّ حُرقوص بن زهير، والله سبحانه مُقيده إن شاء الله - وكانوا كما وصف الله عزّ وجلّ - وإنّا نُناشدكم الله في أنفسكم إلاّ نهضتم بمثل ما نهضنا به، فنلقى الله عزّ وجلّ وتلقونه، وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا...

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 469، الكامل في التاريخ: 2 / 320، وراجع أنساب الأشراف: 3 / 28.

١٨٧

وكتبوا إلى أهل الكوفة بمثله...، وكتبوا إلى أهل اليمامة...، وكتبوا إلى أهل المدينة (1) .

6 / 10 كتاب عائشة إلى حفصة

2181 - شرح نهج البلاغة، عن أبي مخنف: لمّا نزل عليّ (عليه السلام) ذا قار، كتبت عائشة إلى حفصة بنت عُمر: أمّا بعد ; فإنّي أُخبركِ أنّ عليّاً قد نزل ذا قار، وأقام بها مرعوباً خائفاً لِما بلغه من عدّتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشقر، إن تَقدّم عُقر، وإن تأخّر نُحر.

فدعت حفصة جواري لها يتغنّين ويضربن بالدفوف، فأمرتهنّ أن يقلنَ في غنائهنّ: ما الخبر ما الخبر، عليّ في السفر. كالفرس الأشقر، إن تقدّم عُقر، وإن تأخّر نُحر. وجعلت بنات الطُلقاء يدخلن على حفصة، ويجتمعن لسماع ذلك الغناء!!!

فبلغَ أُمّ كلثوم بنت عليّ (عليه السلام)، فلبست جلابيبها ودخلت عليهنّ في نسوة متنكّرات، ثُمّ أسفرت عن وجهها، فلمّا عرفتها حفصة خجلت واسترجعت.

فقالت أُمّ كُلثوم: لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل، فأنزل الله فيكما ما أنزل.

فقالت حفصة: كفّي رحمك الله، وأمرت بالكتاب فمُزِّق واستغفرت الله (2) .

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 472.

(2) شرح نهج البلاغة: 14 / 13، بحار الأنوار: 32 / 90، وراجع الجَمَل: 276.

١٨٨

الفصلُ السابِع

من ذي قار إلى البصرة

7 / 1 أخذ البيعة على مَن حَضَر

2182 - الإرشاد، عن ابن عبّاس: لمّا نزل [الإمام عليّ (عليه السلام) ] بذي قار أخذ البيعة على مَن حضره، ثُمّ تكلّم فأكثر مِن الحَمد لله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثُمّ قال:

(قد جرت أُمور صبرنا عليها وفي أعيننا القذى، تسليماً لأمر الله تعالى فيما امتحننا به رجاء الثواب على ذلك، وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرّق المسلمون وتُسفك دماؤهم.

نحن أهل بيت النبوّة، وأحقّ الخلق بسلطان الرسالة، ومعدن الكرامة التي ابتدأ الله بها هذه الأُمّة.

وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوّة، ولا من ذرّية الرسول، حين رأيا أنّ الله

١٨٩

قد ردّ علينا حقّنا بعد أعصُر، فلم يصبرا حولا واحداً ولا شهراً كاملا حتّى وثبا على دأب الماضين قبلهما، ليذهبا بحقّي، ويُفرّقا جماعة المسلمين عنّي)، ثُمّ دعا عليهما (1) .

7 / 2 خطب الإمام بذي قار

2183 - نهج البلاغة - في ذِكرِ خُطبة له (عليه السلام) عند خروجه لقتال أهل البصرة -: قال عبد الله بن عبّاس: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: (ما قيمة هذا النعل؟) فقلت: لا قيمة لها، فقال (عليه السلام): (والله لَهيَ أحبّ إليّ من إمرتكم، إلاّ أن أُقيم حقّاً أو أدفع باطلا)، ثُمّ خرج فخطب الناس فقال:

(إنّ الله بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدّعي نبوّة، فساق الناس حتّى بوّأهم محلّتهم وبلّغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم واطمأنّت صفاتهم.

أما والله، إن كنت لفي ساقتها (2) حتّى تولّت بحذافيرها، ما عجَزتُ ولا جبنتُ، وإنّ مسيري هذا لمثلها، فَلأنقُبنَّ الباطل حتّى يخرج الحقّ من جنبه.

مالي ولقريش! والله، لقد قاتلتهم كافرين ولأُقاتلنّهم مفتونين، وإنّي لَصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم، والله ما تنقم منّا قريش إلاّ أنّ الله اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حيّزنا فكانوا كما قال الأوّل:

____________________

(1) الإرشاد: 1 / 249، بحار الأنوار: 32 / 114 / 91، وراجع الاحتجاج: 1 / 374 / 68.

(2) السَّاقةُ: جمعُ سائق، وهم الذين يَسوقون جيش الغُزاة، ويكونون من ورائه يحفظونه (النهاية: 2 / 424).

١٩٠

أدَمتَ لَعَمري شُربَكَ المحضَ صابحاً وأكلَكَ بالزبد المقشّرةَ البُجرا

ونحن وهبناك العلاءَ ولم تكن عليّاً وحُطنا حولك الجُردَ والسُّمرا (1)

2184 - شرح نهج البلاغة، عن زيد بن صوحان - من خطبته بذي قار -: قد عَلم الله سبحانه أنّي كُنت كارهاً للحكومة بين أُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله)، ولقد سمعته يقول: (ما من والٍ يلي شيئاً من أمر أُمّتي إلاّ أُتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رؤوس الخلائق، ثُمّ يُنشر كتابه، فإن كان عادلاً نجا، وإن كان جائراً هوى.

حتى اجتمع عليّ مَلَؤُكم، وبايعني طلحة والزبير، وأنا أعرف الغدر في أوجههما، والنكث في أعينهما، ثُمّ استأذناني في العُمرة، فأعلمتُهما أن ليس العمرة يُريدان، فسارا إلى مكّة واستخفّا عائشة وخدعاها، وشخص معهما أبناءُ الطلقاء، فقدموا البصرة، فقتلوا بها المسلمين، وفعلوا المُنكر، ويا عجباً لاستقامتهما لأبي بكر وعُمر وبغيهما عَلَيّ!! وهما يعلمان أنّي لست دون أحدهما، ولو شئت أن أقولَ لقلت، ولقد كان معاوية كتبَ إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه، فكتماه عنّي، وخرجا يوهمان الطَّغام (2) أنّهما يطلبان بدم عثمان.

والله، ما أنكرا عَلَيّ مُنكراً، ولا جعلا بيني وبينهم نِصْفاً (3) ، وإنّ دم عثمان لمعصوب بهما، ومطلوب منهما.

يا خيبة الداعي، إلامَ دعا؟ وبماذا أُجيبَ؟ والله، إنّهما لعلى ضلالة صمّاء، وجهالة عمياء، وإنّ الشيطان قد ذمّر لهما حزبه، واستجلب منهما خيله ورِجله، ليعيد الجور إلى أوطانه، ويردّ الباطل إلى نِصابه.

____________________

(1) نهج البلاغة: الخطبة 33، بحار الأنوار: 32 / 76 / 50، وراجع الإرشاد: 1 / 247.

(2) الطَّغام: مَن لا عقل له ولا معرفة، وقيل: هُم أوغاد الناس وأراذلهم (النهاية: 3 / 128).

(3) النِّصْف: الانْتِصاف. وَقد أنْصَفَه من خَصْمِه، يُنْصِفُه إنْصافاً (النهاية: 5 / 66).

١٩١

ثُمّ رفع يديه، فقال:

اللّهمّ إنّ طلحة والزبير قطعاني، وظلماني، وألّبا عليّ، ونكثا بيعتي، فاحلل ما عقدا، وانكث ما أبرما، ولا تغفر لهما أبداً، وأرهما المساءة فيما عملا وأمّلا) (1) .

2185 - الإرشاد: من كلامه (عليه السلام) - وقد نهض من ذي قار مُتوجّهاً إلى البصرة - بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

(أمّا بعد، فإنّ الله تعالى فرض الجهاد وعظّمه وجعله نصرة له، والله، ما صلحت دنيا قطّ ولا دين إلاّ به، وإنّ الشيطان قد جَمع حزبه واستجلب خيله وشبّه في ذلك وخدع، وقد بانت الأُمور وتمخّضت، والله ما أنكروا عَلَيّ مُنكراً، ولا جعلوا بيني وبينهم نَصِفاً، وإنّهم ليطلبون حقّاً تركوه ودماً هُم سفكوه، ولئن كُنت شركتهم فيه، إنّ لهم لنصيبهم منه، ولَئن كانوا وَلوه دوني فما تبعته إلاّ قِبَلهم، وإنّ أعظم حجّتهم لعلى أنفسهم، وإنّي لعلى بصيرتي ما لُبِّست عليّ، وإنّها لَلفئة الباغية فيها الحُمّى والحُمة (2) ، قد طالت هلبتها (3) وأمكنت درّتها (4) ، يرضعون أُمّاً فَطَمت، ويُحيون بيعة تُركت ; ليعود الضلال إلى نصابه.

ما أعتذر ممّا فعلت، ولا أتبرّأ ممّا صنعت، فخيبة للداعي ومَن دعا، لو قيل له: إلى مَن دعواك؟ وإلى مَن أجبت؟ ومَن إمامك؟ وما سُنّته؟ إذن لزاح الباطل عن مقامه، ولصمت لسانه فما نطق. وايمُ الله، لأفرُطنّ (5) لهم حوضاً أنا

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 310، الجمل: 267، بحار الأنوار: 32 / 63، وراجع نهج البلاغة: الخطبة 22.

(2) الحُمَة: سَمُّ كلّ شيء يَلدَغ أو يَلسَع (لسان العرب: 14 / 201).

(3) الهُلْب: الشَّعَر. وقيل: هو ما غلُظ من شعر الذَّنَب وغيره (النهاية: 5 / 269).

(4) الدِّرَّة: كثرة اللبن وسيلانه (لسان العرب: 4 / 279).

(5) أفرط الحوض أي: ملأه. يُفرط فيه أي: يُكثر في صبّ الماء فيه (لسان العرب: 7 / 366).

١٩٢

ماتحه (1) ، لا يصدرون عنه ولا يلقون بعده ريّاً أبداً، وإنّي لراضٍ بحجّة الله عليهم وعُذره فيهم، إذ أنا داعيهم فمُعذر إليهم، فإن تابوا وأقبلوا فالتوبة مبذولة والحقّ مقبول، وليس على الله كفران، وإن أبَوا أعطيتهم حدّ السيف، وكفى به شافياً من باطل وناصراً لمؤمن) (2) .

2186 - الإرشاد، عن سلمة بن كهيل: لمّا التقى أهل الكوفة وأمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار رحبّوا به، وقالوا: الحمد لله الذي خصّنا بجوارك وأكرمنا بنُصرتك. فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثُمّ قال:

(يا أهل الكوفة، إنّكم مِن أكرم المسلمين وأقصدهم تقويماً، وأعدلهم سُنّة، وأفضلهم سهماً في الإسلام، وأجودهم في العرب مُرَكّباً (3) ونصاباً (4) ، أنتم أشدّ العرب وِدّاً للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولأهل بيته، وإنّما جئتكم ثقةً - بعد الله - بكم؛ للذي بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة والزبير وخلعهما طاعتي، وإقبالهما بعائشة للفتنة، وإخراجهما إيّاها من بيتها حتى أقدماها البصرة، فاستغووا طغامها وغوغاءها، مع أنّه قد بلغني أنّ أهل الفضل منهم وخيارهم في الدين قد اعتزلوا وكرهوا ما صنع طلحة والزبير).

ثُمّ سكت، فقال أهل الكوفة: نحن أنصارك وأعوانك على عدوّك، ولو دعوتنا إلى أضعافهم من الناس احتسبنا في ذلك الخير ورجوناه (5) .

____________________

(1) الماتح: المستقي من البئر بالدَّلْو من أعلى البئر (النهاية: 4 / 291).

(2) الإرشاد: 1 / 251.

(3) المُرَكَّب: الأصل والمنبت، تقول: فلانٌ كريم المُرَكّب، أي: كريم أصل منصبه في قومه (لسان العرب: 1 / 432).

(4) نصاب كلُّ شيء أصله (لسان العرب: 1/761).

(5) الإرشاد: 1 / 249، الجَمل: 266 نحوه.

١٩٣

7 / 3 قدوم عُثمان بن حنيف

2187 - تاريخ الطبري، عن محمّد وطلحة: لمّا نزل عليّ الثعلبيّة (1) أتاه الذي لَقي عثمان بن حنيف وحرسه، فقام وأخبر القوم الخبر، وقال: (اللّهمّ عافني ممّا ابتُليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين وسلّمنا منهم أجمعين)، ولمّا انتهي إلى الإساد (2) أتاه ما لقي حكيم بن جبلة وقتلة عثمان بن عفّان، فقال: (الله أكبر ما يُنجيني من طلحة والزبير إذ أصابا ثأرهما أو ينجيهما؟)، وقرأ: ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ) (3) ، وقال:

دعا حكيم دعوة الزماع حلّ بها منزلة النزاع

ولمّا انتهوا إلى ذي قار انتهى إليه فيها عُثمان بن حنيف وليس في وجهه شَعر، فلمّا رآه عليّ نظر إلى أصحابه، فقال: (انطلق هذا من عندنا وهو شيخ فرجع إلينا وهو شاب) (4) .

2188 - الجَمل: خرج ابن حنيف حتى أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو بذي قار، فلمّا نظر إليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد نكّل به القوم، بكى وقال: (يا عثمان، بعثتك شيخاً

____________________

(1) الثَّعْلَبيَّة: من منازل طريق مكّة من الكوفة، وقد كانت قرية عامرة سابقاً، ثُمّ خربت بعد ذلك. (راجع: معجم البلدان: 2/78).

(2) كذا في المصدر، ولعلّ الصحيح (الأَساوِد): وهو اسم ماء على يسار الطريق للقاصد إلى مكّة من الكوفة (معجم البلدان: 1/171).

(3) الحديد: 22.

(4) تاريخ الطبري: 4 / 481، الكامل في التاريخ: 2 / 326 نحوه، وراجع شرح نهج البلاغة: 9 / 321، وتذكرة الخواصّ: 68.

١٩٤

ألحى فردّوك أمرد إلَي، اللّهمّ إنّك تعلم أنّهم اجترؤوا عليك واستحلّوا حُرماتك، اللّهمّ اقتلهم بمَن قتلوا من شيعتي، وعجّل لهم النقمة بما صنعوا بخليفتي) (1) .

7 / 4 اتّباع الحقّ عند قيام الحقّ

2189 - نهج البلاغة: من كلامه (عليه السلام) في وجوب اتّباع الحقّ عند قيام الحجّة، كلّم به بعض العَرب، وقد أرسله قوم من أهل البصرة لمّا قرب (عليه السلام) منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل؛ لتزول الشبهة من نفوسهم، فبيّن له (عليه السلام) من أمره معهم ما عَلم به أنّه على الحقّ، ثُمّ قال له: (بايع).

فقال: إنّي رسول قومٍ، ولا أُحدث حدثاً حتّى أرجع إليهم.

فقال (عليه السلام): (أرأيت لو أنّ الذين وراءك بعثوك رائداً تبتغي لهم مساقط الغيث، فرجعت إليهم وأخبرتهم عن الكلأ والماء، فخالفوا إلى المعاطش والمجادب، ما كنتَ صانعاً؟)

قال: كنت تاركهم ومُخالفهم إلى الكلأ والماء.

فقال (عليه السلام): (اُمدُد إذن يدك).

فقال الرجل: فوَ الله ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عَلَيّ، فبايعته (عليه السلام).

والرجل يُعرف بكُليب الجرمي (2) .

____________________

(1) الجمل: 285، وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 182، وشرح نهج البلاغة: 14 / 18، ونهاية الإرب: 20 / 45، والبداية والنهاية: 7 / 236.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 170، بحار الأنوار: 32 / 83 / 55، ربيع الأبرار: 1 / 710 نحوه، وراجع تاريخ الطبري: 4 / 491، والمناقب لابن شهر آشوب: 2 / 46.

١٩٥

2190 - الجَمَل، عن كليب: لمّا قُتل عثمان ما لبثنا إلاّ قليلاً حتى قَدِم طلحة والزبير البصرة، ثُمّ ما لبثنا بعد ذلك إلاّ يسيراً حتى أقبل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فنزل بذي قار، فقال شيخان من الحيّ: اِذهب بنا إلى هذا الرجل، فننظر ما يدعو إليه، فلمّا أتينا ذا قار قدِمنا على أذكي العرب، فوَ الله لَدَخل على نسبِ قومي، فجعلت أقول: هو أعلم به منّي وأطوع فيهم.

فقال: (مَن سيّد بني راسب؟)

فقلت: فلان.

قال: (فمن سيّد بني قدامة؟)

قلت: فلان، لرجل آخر.

فقال: (أنت مُبلّغهما كتابين منّي؟)

قلت: نعم.

قال: (أفلا تُبايعوني؟)

فبايعه الشيخان اللذان كانا معي وتوقّفت عن بيعته، فجعل رجال عنده - قد أكل السجود وجوههم - يقولون: بايع بايع.

فقال (عليه السلام): (دعوا الرجل.)

فقلت: إنّما بعثني قومي رائداً، وسأُنهي إليهم ما رأيتُ، فإن بايعوا بايعت، وإن اعتزلوا اعتزلت.

فقال لي: (أرأيت لو أنّ قومك بعثوك رائداً فرأيت روضةً وغديراً، فقلتَ: يا قومي النجعة (1) النجعة، فأبوا، ما كُنت بمُستنجح بنفسك؟)

____________________

(1) النُجْعَةُ: طلب الكلأ ومَساقطِ الغَيْث (النهاية: 5 / 22).

١٩٦

فأخذتُ بإصبع من أصابعه، وقلت: أُبايعك على أن أُطيعك ما أطعتَ الله، فإذا عصيتَه فلا طاعة لك عليّ.

فقال: (نعم) وطوّل بها صوته، فضربت على يده.

ثُمّ التفتَ إلى محمّد بن حاطب - وكان في ناحية القوم - فقال:

(إذا انطلقت إلى قومك فأبلغهم كُتبي وقولي).

فتحوّل إليه محمّد حتى جلس بين يديه، وقال: إنّ قومي إذا أتيتهم يقولون: ما يقول صاحبك في عُثمان؟ فسبّ عثمان الذين حوله، فرأيت عليّاً قد كره ذلك حتى رشح جبينه، وقال:

(أيّها القوم، كفّوا ما إيّاكم يَسأل).

قال: فلم أبرح عن العسكر حتى قدم على عليّ (عليه السلام) أهل الكوفة فجعلوا يقولون: نرى إخواننا من أهل البصرة يُقاتلوننا، وجعلوا يضحكون ويعجبون ويقولون: والله لو التقينا لتعاطينا الحقّ، كأنّهم يرون أنّهم لا يقتتلون. وخرجت بكتابَي عليّ (عليه السلام)، فأتيت أحد الرجلين فقبل الكتاب وأجابه، ودُللت على الآخر، وكان متوارياً، فلو أنّهم قالوا له: كليب، ما أذِن لي، فدخلت عليه ودفعت الكتاب إليه، وقلت: هذا كتاب عليّ وأخبرته الخبر، وقلت: إنّي أخبرت عليّاً أنّك سيّد قومك، فأبى أن يقبل الكتاب ولم يُجبه إلى ما سأله، وقال: لا حاجة لي اليوم في السؤدَد، فوَ الله، إنّي لبالبصرة ما رجعت إلى عليّ حتى نزل العسكر، ورأيت القوم الذين مع عليّ (عليه السلام) فطلع القوم (1) .

____________________

(1) الجَمل: 290، وراجع المصنّف لابن أبي شيبة: 8 / 703 / 1.

١٩٧

تعليق

تُشير الأكثريّة القريبة من الاتّفاق من النصوص التاريخيّة إلى أنّ عثمان بن حنيف قدِم على الإمام وهو في ذي قار، غير أنّ بعض المصادر تذكر بأنّه قدِم عليه حينما كان في الرَّبَذة (1) .

ويبدو أنّ القول الأوّل أقرب إلى الواقع ; لأنّ الإمام عليّ (عليه السلام) كان يُلاحق أصحاب الجمل، ولم تكن تفصله عنهم مسافة كبيرة.

علماً أنّ الإمام (عليه السلام) كان قد كتب من الرَّبَذة رسالة إلى عثمان بن حُنيف يُعلمه فيها بمسير أصحاب الجَمل صوب البصرة. ونظراً لبُعد الرَّبَذة عن البصرة، يُستبعد أن يكون الإمام توقّف هُناك أكثر من شهر واحد، بحيث يكون أصحاب الجَمل قد ساروا نحو البصرة، وبعد التصالح والقتال وحَبس عثمان بن حنيف وإخراجه من الحبس، ثُمّ يكون عثمان قطع هذا الطريق الطويل والتحق بالإمام في الرَّبَذة، ولكنّ الإمام (عليه السلام) كان قد سار من الرَّبَذة، وعندما كان في ذي قار بانتظار قدوم مَدَد أهل الكوفة، دخل عليه عثمان بن حُنيف.

7 / 5 قدوم الإمام البصرة

2191 - مُروج الذهب، عن المُنذر بن الجارود: لمّا قدم عليّ (عليه السلام) البصرة دخل ممّا يلي الطفّ - إلى أن قال -: فساروا حتى نزلوا الموضع المعروف بالزاوية، فصلّى أربع ركعات، وعفّر خدّيه على التراب، وقد خالط ذلك دموعه، ثمّ رفع يديه يدعو:

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 480.

١٩٨

(اللّهمّ ربّ السماوات وما أظلّت، والأرضين وما أقلّت، وربّ العرش العظيم، هذه البصرة أسألك من خيرها، وأعوذ بك من شرّها، اللهمّ أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المُنزلين، اللّهمّ إنّ هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي، وبغوا عليّ ونكثوا بيعتي، اللهمّ أحقن دماء المسلمين) (1) .

2192 - الإرشاد - من كلامه (عليه السلام) حين دخل البصرة، وجمع أصحابه فحرّضهم على الجهاد -:

(عباد الله، انهدوا (2) إلى هؤلاء القوم منشرحةً صدوركم بقتالهم، فإنّهم نكثوا بيعتي وأخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرّح والعقوبة الشديدة، وقتلوا السيابجة (3) وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي، وقتلوا رجالا صالحين، ثُمّ تتبّعوا منهم من نجا يأخذونهم في كلّ حائط وتحت كلّ رابية، ثُمّ يأتون بهم فيضربون رقابهم صبراً، ما لهم قاتلهم الله أنّى يُؤفكون؟!

انهدّوا إليهم وكونوا أشدّاء عليهم، والقوهم صابرين مُحتسبين، تعلمون أنّكم مُنازلوهم ومُقاتلوهم، وقد وطّنتم أنفسكم على الطعن الدعسي (4) والضرب الطلخفي (5) ومبارزة الأقران، وأيّ امرئ منكم أحسّ من نفسه رَباطة جأش عند اللقاء، ورأى من أحد من إخوانه فشلاً، فليذُبّ عن أخيه الذي فضّل عليه كما

____________________

(1) مروج الذهب: 2 / 368 و370.

(2) نَهَدَ القوم لعدوّهم: إذا صمدوا له وشرعوا في قتاله (النهاية: 5 / 134).

(3) كذا في المصدر، والظاهر أنّ الصحيح: (السَّبابجة) كما في بقيّة المصادر. والسَّبابجة: كانوا قوماً من الزُطّ قد استبصروا وأكل السجود جباههم، وائتمنهم عثمان [بن حنيف] على بيت المال ودار الإمارة (الجَمَل: 281).

(4) الدَّعْسِيّ: الطعن الشديد (لسان العرب: 6 / 83).

(5) الطِّلَخْف والطِّلَّخف والطَّلَخْف: الشديد من الضرب والطعن (لسان العرب: 9 / 223).

١٩٩

يذبّ عن نفسه، فلو شاء الله لجعله مثله) (1) .

____________________

(1) الإرشاد: 1 / 252، بحار الأنوار: 32 / 171 / 131، وراجع الجَمَل: 331.

٢٠٠