موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٥

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 360

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
تصنيف: الصفحات: 360
المشاهدات: 144412
تحميل: 5102


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 144412 / تحميل: 5102
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

2114 - الفتوح: شاوروا في المسير، فقال الزبير: عليكم بالشام، فيها الرجال والأموال، وبها معاوية، وهو عدوّ لعليّ.

فقال الوليد بن عُقْبة: لا والله، ما في أيديكم من الشام قليل ولا كثير؛ وذلك أنّ عثمان بن عفّان قد كان استعان بمعاوية لينصره وقد حوصر، فلم يفعل وتربّص حتى قُتل، لذلك يتخلّص له الشام، أفتطمع أن يُسلّمها (1) إليكم؟! مهلاً عن ذكر الشام، وعليكم بغيرها (2) .

2115 - تاريخ الطبري: ثُمّ ظهرا - يعني طلحة والزبير - إلى مكّة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر وابن عامر بها يجرّ الدنيا، وقدم يعلى بن أُميّة معه بمال كثير، وزيادة على أربعمئة بعير، فاجتمعوا في بيت عائشة، فأرادوا الرأي، فقالوا: نسير إلى عليّ فنُقاتله.

فقال بعضهم: ليس لكم طاقة بأهل المدينة، ولكنّا نسير حتّى ندخل البصرة والكوفة، ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى، وللزبير بالبصرة هوى ومعونة.

فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة وإلى الكوفة، فأعطاهم عبد الله بن عامر مالاً كثيراً وإبلاً، فخرجوا في سبعمئة رجل من أهل المدينة ومكّة، ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل (3) .

____________________

(1) في المصدر: (أسلمها)، والصحيح ما أثبتناه كما يقتضيه السياق.

(2) الفتوح: 2 / 453.

(3) تاريخ الطبري: 4 / 452، أنساب الأشراف: 3 / 21 نحوه، وزاد فيه: (قالوا: فنسير إلى الشام فيه الرجال والأموال وأهل الشام شيعة لعثمان، فنطلب بدمه ونَجِد على ذلك أعواناً وأنصاراً ومُشايعين، فقال قائل منهم: هناك معاوية، وهو والى الشام والمُطاع به، ولن تنالوا ما تُريدون، وهو أولى منكم بما تُحاولون؛ لأنّه ابن عمّ الرجل) بعد (بأهل المدينة).

١٢١

3 / 7 تحذير أُمّ سَلَمة عائشة عن الخروج

2116 - الجَمل: بلغَ أُمّ سلمة اجتماع القوم وما خاضوا فيه، فبكت حتى اخضلّ خِمارها، ثُمّ دعت بثيابها، فلبستها وتخفّرت، ومشت إلى عائشة لتعِظها وتصدّها عن رأيها في مُظاهرة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلاف، وتقعد بها عن الخروج مع القوم.

فلمّا دخلت عليها قالت: إنّكِ سُدَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بين أُمّته، وحجابك مضروب على حُرمته، وقد جمع القرآن ذيلك، فلا تندحيه، ومكَّنَك خُفْرَتك، فلا تُضحيها، الله الله من وراء هذه الآية، قد عَلِم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكانك، فلو أراد أن يعهد إليكِ لفَعل، بل نهاكِ عن الفَرْطة في البلاد.

إنّ عمود الدين لا يُقام بالنساء إن مالَ، ولا يُرأب بهنّ إن صُدع، حُمادَيات النساء: غضّ الأطراف، وخفّ الأعطاف، وقصر الوهازة، وضمّ الذيول.

ما كُنتِ قائلة لو أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عارضكِ ببعض الفلوات، ناصّة قلوصاً من منهل إلى آخر؟! قد هتكتِ صداقته، وتركتِ حُرمته وعُهدته، إنّ بعين الله مهواكِ، وعلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ترِدين.

والله لو سرتُ مسيركِ هذا ثُمّ قيل لي: ادخلي الفردوس، لاستحييت أن ألقى محمّداً (صلّى الله عليه وآله) هاتكة حجاباً قد ستره عليّ. اجعلي حصنك بيتكِ، وقاعة البيت قبركِ، حتى تلقينه وأنتِ على ذلك أطوع ما تكونين لله لَزِمْتِهِ، وأنصر ما تكونين للدين ما جلستِ عنه.

١٢٢

فقالت لها عائشة: ما أعرفني بوعظك، وأقبلني لنُصحك، ولَنِعم المسيرُ مسير فزعتُ إليه، وأنا بين سائرة أو متأخّرة، فإن أقعد فعن غير حَرج، وأن أسِر فإلى ما لا بدّ من الازدياد منه (1) (2) .

3 / 8 رسائل عائشة إلى وجوه البلاد

2117 - تاريخ الطبري: كتبتْ عائشة إلى رجال من أهل البصرة، وكتبت إلى الأحنف بن قيس، وصبرة بن شيمان، وأمثالهم من الوجوه، ومضت حتى إذا كانت بالحُفَير (3) انتظرت الجواب بالخبر (4) .

2118 - الكامل في التاريخ: كتبت عائشة إلى أهل الكوفة بما كان منهم،

____________________

(1) قال ابن أبي الحديد: تفسير غريب هذا الخبر: السُّدّة: الباب. لا تندَحيه: أي لا تفتحيه ولا توسّعيه بالحركة والخروج. الفَرْطة في البلاد: أي السفر والشخوص. حُمادَيات النساء: يقال: حُماداك أن تفعل كذا مثل قُصاراك، أي جهدك وغايتك. والوهازة: الخطوة. ناصّة قلوصاً: أي رافعةً لها في السير، والقلوص من النوق: الشابّة. والمنهل: الماء ترده الإبل. وإنّ بعين الله مهواك: أي إنّ الله يرى سيركِ وحركتكِ. والضمير في (لزمته) يعود إلى الأمر الذي أُمرت به. وحَرَج: إثم (اُنظر: شرح نهج البلاغة: 6 / 221 - 224).

(2) الجَمل: 236، الاحتجاج: 1 / 391 / 82 عن الإمام الصادق (عليه السلام)، معاني الأخبار: 375 / 1 عن أبي الأخنس الأرحبي، الإمامة والسياسة: 1 / 76، العُقد الفريد: 3 / 316، شرح نهج البلاغة: 6 / 219 وفي الأربعة الأخيرة أنّها كَتبت بهذا إلى عائشة وص 220 وكلّها نحوه، وراجع الاختصاص: 116 وتاريخ اليعقوبي: 2 / 180.

(3) الحُفَيْر: ماء لباهلة، بينه وبين البصرة أربعة أميال من جهة مكّة، (راجع معجم البلدان: 2/277).

(4) تاريخ الطبري: 4 / 461، الكامل في التاريخ: 2 / 316، وراجع البداية والنهاية: 7 / 232.

١٢٣

وتأمرهم أن يثبّطوا الناس عن عليّ، وتحثّهم على طلب قتلة عثمان، وكتبت إلى أهل اليمامة وإلى أهل المدينة بما كان منهم أيضاً (1) .

2119 - تاريخ الطبري، عن مجالد بن سعيد: لمّا قدمت عائشة البصرة كتبت إلى زيد بن صوحان: من عائشة بنت أبي بكر أُمّ المؤمنين حبيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، أمّا بعد: فإذا أتاك كتابي هذا فأقدِم، فانصرنا على أمرنا هذا، فإن لم تفعل فخذّل الناس عن عليّ.

فكتب إليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر الصدّيق حبيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أمّا بعد: فأنا ابنك الخالص، إن اعتزلتِ هذا الأمر، ورجعتِ إلى بيتك، وإلاّ فأنا أوّل من نابذك.

قال زيد بن صوحان: رحم الله أُمّ المؤمنين، أُمِرتْ أن تلزم بيتها، وأُمرنا أن نُقاتل، فتركتْ ما أُمرتْ به وأمرتْنا به، وصنعت ما أُمرنا به ونهتنا عنه! (2)

3 / 9 تأهّب عائشة للخُروج

2120 - الجَمل: لمّا رأت عائشة اجتماع مَن اجتمع إليها بمكّة على مُخالفة أمير المؤمنين (عليه السلام)، والمباينة له، والطاعة لها في حربه تأهّبت للخروج.

وكانت في كلّ يوم تُقيم مُناديها ينادي بالتأهّب للمسير، وكان المُنادي يُنادي

____________________

(1) الكامل في التاريخ: 2 / 322، وراجع تاريخ الطبري: 4 / 472 وفيه نصّ الكتاب، والبداية والنهاية: 7 / 234.

(2) تاريخ الطبري: 4 / 476، الكامل في التاريخ: 2 / 319، العُقد الفريد: 3 / 317، شَرح نهج البلاغة: 6 / 226 عن الحسن البصري، رجال الكشّي: 1 / 284 / 120، الجَمل: 431 والأربعة الأخيرة نحوه، وراجع البداية والنهاية: 7 / 234.

١٢٤

ويقول: مَن كان يُريد المسير فليسِر، فإنّ أُمّ المؤمنين سائرة إلى البصرة؛ تطلب بدم عثمان بن عفّان المظلوم (1) .

2121 - تاريخ الطبري، عن محمّد وطلحة: نادى المنادي: إنّ أُمّ المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة، فمَن كان يُريد إعزاز الإسلام، وقتال المحلّين، والطلب بثأر عثمان، ومَن لم يكن عنده مركب، ولم يكن له جهاز، فهذا جهاز، وهذه نَفقة (2) .

3 / 10 استرجاع عائشة لمّا سمعت باسم جَمَلها

2122 - شرح نهج البلاغة: لمّا عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيراً أيِّداً (3) يحمل هودجها، فجاءهم يعلى بن أُميّة ببعيره المُسمّى عَسْكراً - وكان عظيم الخلق شديداً - فلمّا رأته أعجبها، وأنشأ الجمّال يُحدّثها بقوّته وشدّته، ويقول في أثناء كلامه: عَسْكر. فلمّا سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت: ردّوه لا حاجة لي فيه، وذكرت حيث سُئلت أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذَكر لها هذا الاسم، ونهاها عن ركوبه، وأمرت أن يُطلب لها غيره، فلم يوجد لها ما يُشبهه، فغُيّر لها بجِلال (4) غير جِلاله، وقيل لها: قد أصبنا لك أعظم منه خَلقاً، وأشدّ قوّة، واُتِيتْ به فرضيتْ (5) .

____________________

(1) الجَمل: 233، وراجع شرح الأخبار: 1 / 401 / 351.

(2) تاريخ الطبري: 4 / 451، الكامل في التاريخ: 2 / 314.

(3) أيِّد: أي قويّ (النهاية: 1 / 84).

(4) جِلال كلّ شيء: غطاؤه (لسان العرب: 11 / 118).

(5) شرح نهج البلاغة: 6 / 224، بحار الأنوار: 32 / 138 / 112.

١٢٥

3 / 11 استرجاع عائشة لمّا وصلت إلى ماء الحَوْأب

2123 - تاريخ اليعقوبي: مرّ القوم في الليل بماء يُقال له: ماء الحوأب (1) ، فنبحتهم كلابه، فقالت عائشة: ما هذا الماء؟ قال بعضهم: ماء الحوأب.

قالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ردّوني ردّوني، هذا الماء الذي قال لي رسول الله: (لا تكوني التي تنبحك كلاب الحوأب).

فأتاها القوم بأربعين رجلاً، فأقسموا بالله أنّه ليس بماء الحوأب (2) .

2124 - شرح نهج البلاغة، عن ابن عبّاس وعامر الشعبي وحبيب بن عمير: لمّا خرجت عائشة وطلحة والزبير من مكّة إلى البصرة، طرقت ماء الحوأب - وهو ماء لبني عامر بن صعصعة - فنبحتهم الكلاب، فنفرت صعاب إبلهم.

فقال قائل منهم: لعن الله الحوأب، فما أكثر كلابها! فلمّا سمعت عائشة ذِكر الحوأب، قالت: أهذا ماء الحوأب؟ قالوا: نعم، فقالت: رُدّوني ردّوني، فسألوها ما شأنها؟ ما بدا لها؟

فقالت: إنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (كأنّي بكلاب ماء يُدعى الحوأب، قد نبحت بعض نسائي)، ثُمّ قال لي: (إيّاكِ يا حُميراء أن تكونيها).

فقال لها الزبير: مهلاً يرحمكِ الله، فإنّا قد جزنا ماء الحوأب بفراسخ كثيرة، فقالت: أعندك مَن يشهد بأنّ هذه الكلاب النابحة ليست على ماء الحوأب؟

____________________

(1) الحَوْأَب: موضع في طريق البصرة من جهة مكّة، وقيل: موضع بئر نبحت كلابه على عائشة عند مقبلها إلى البصرة (معجم البلدان: 2/314).

(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 181.

١٢٦

فلفّق لها الزبير وطلحة خمسين أعرابيّاً جعلا لهم جُعلاً، فحلفوا لها، وشهدوا أنّ هذا الماء ليس بماء الحوأب، فكانت هذه أوّل شهادة زور في الإسلام.

فسارت عائشة لوجهها (1) .

2125 - الجَمل: عن العرني - دليل أصحاب الجمل -: سرتُ معهم فلا أمرّ على وادٍ ولا ماء إلاّ سألوني عنه، حتى طرقنا ماءَ الحوأب، فنبحتنا كلابها، قالوا: أيّ ماء هذا؟ قلت: ماء الحوأب.

قال: فصرخت عائشة بأعلى صوتها، ثُمّ ضربت عضد بعيرها فأناخته، ثُمّ قالت: أنا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقاً، ردّوني. تقول ذلك ثلاثاً، فأناخت وأناخوا حولها، وهم على ذلك، وهي تأبى، حتى كانت الساعة التي أناخوا فيها من الغد.

قال: فجاءها ابن الزبير، فقال: النجاءَ النجاءَ (2) ، فقد أدرككم والله عليّ بن أبي طالب، قال: فارتحلوا وشتموني، فانصرفتُ (3) .

2126 - رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - لنسائه -: (ليت شِعري أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب (4) ؟ التي تنبحها كلاب الحوأب، فيُقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثيرة، ثُمّ تنجو

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 310، مُروج الذهب: 2 / 366، الإمامة والسياسة: 1 / 82، الفتوح: 2 / 457 كلّها نحوه، وراجع المناقب للخوارزمي: 181 / 217.

(2) أي أنجوا بأنفسكم (النهاية: 5 / 25).

(3) تاريخ الطبري: 4 / 457، الكامل في التاريخ: 2 / 315، البداية والنهاية: 7 / 231 كلاهما نحوه.

(4) أراد الأدبّ، فأظهر الإدغام لأجل الحَوْأب. والأدب: الكثير وبَرِ الوجه (النهاية: 2 / 96).

١٢٧

بعدما كادت) (1)

2127 - المُستدرك على الصحيحين عن أُمّ سَلمة: ذكر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) خروج بعض أُمّهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: (اُنظري يا حُميراء أن لا تكوني أنتِ).

ثُمّ التفت إلى عليّ، فقال: (إن وليتَ مِن أمرها شيئاً فأرفق بها) (2) .

تعليق:

قال ناصر الدين الألباني في كتاب (سلسلة الأحاديث الصحيحة) - بعد ذِكر حديث كلاب الحوأب -: إنّ الحديث صحيح الإسناد، ولا إشكال في متنه... فإنّ غاية ما فيه أنّ عائشة لمّا علمت بالحوأب كان عليها أن ترجع، والحديث يدلّ أنّها لم ترجع، وهذا ممّا لا يليق أن يُنسب لأُمّ المؤمنين.

وجوابنا على ذلك: أنّه ليس كلّ ما يقع من الكُمّل يكون لائقاً بهم ; إذ لا عصمة إلاّ لله وحده. والسنّي لا ينبغي له أن يُغالي فيمن يحترمه حتى يرفعه إلى مصافّ

____________________

(1) معاني الأخبار: 305/1، الجَمل: 432، شرح الأخبار: 1/338/304، المناقب لابن شهر آشوب: 3/149، تنبيه الخواطر: 1/22. وليس فيه (فيُقتل عن يمينها...) ، مجمع الزوائد: 7/474/12026، شرح نهج البلاغة: 9 / 311، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 490، الاستيعاب: 4 / 439 / 3463 كلاهما نحوه، البداية والنهاية: 6 / 212، وراجع مسند ابن حنبل: 9 / 310 / 24308، والمستدرك على الصحيحين: 3 / 130 / 6413، وصحيح ابن حبّان: 15 / 126 / 6732، والمصنّف لابن أبي شيبة: 8 / 708 / 15، والمصنّف لعبد الرزّاق: 11 / 365 / 20753، ومسند أبي يعلى: 4 / 423 / 4848، وفتح الباري: 13 / 55، وفيه: (سنده على شرط الصحيح).

(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 129 / 4610، دلائل النبوّة للبيهقي: 6 / 411، البداية والنهاية: 6 / 212، المحاسن والمساوئ: 49، المناقب للخوارزمي: 176 / 213، الجَمل: 431، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 148. والأربعة الأخيرة عن سالم بن أبي الجعد، شرح الأخبار: 1 / 338 / 305 نحوه.

١٢٨

أئمّة الشيعة المعصومين، ولا نشكّ أنّ خروج أُمّ المؤمنين كان خطأً من أصله، ولذلك همّت بالرجوع حين علمت بتحقّق نبوءة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عند الحوأب، ولكنّ الزبير أقنعها بترك الرجوع بقوله: عسى الله أن يُصلح بكِ بين الناس. ولا نشكّ أنّه كان مخطئاً في ذلك أيضاً.

والعقل يقطع بأنّه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المُتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى، ولا شكّ أنّ عائشة هي المُخطئة؛ لأسباب كثيرة وأدلّة واضحة، ومنها: ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها، وذلك ممّا يدلّ على أنّ خطأها من الخطأ المغفور، بل المأجور (1)

أقول: إنّنا نقلنا هذا الكلام للاستدلال على اتّفاق الشيعة والسنّة على خطأ عائشة في إشعال معركة الجَمل، بحيث إنّ شخصاً مثل الألباني قَبِل بهذا الأمر وسلّم به، ولا يخفى ما في توجيهاته لهذا الخطأ من قِبَل عائشة.

3 / 12 مُناقشات عائشة وسعيد

2128 - الإمامة والسياسة: لمّا نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر، أقبل عليهم سعيد بن العاصي على نجيب (2) له، فأشرف على الناس ومعه المغيرة بن شعبة، فنزل وتوكّأ على قوس له سوداء، فأتى عائشة.

فقال لها: أين تريدين يا أُمّ المؤمنين؟ قالت: أُريد البصرة.

قال: وما تصنعين بالبصرة؟ قالت: أطلب بدم عثمان.

____________________

(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1 / 775.

(2) النجيب من الإبل: القويّ منها، الخفيف السريع (النهاية: 5 / 17).

١٢٩

قال: فهؤلاء قَتَلة عثمان معك!

ثُمّ أقبل على مروان، فقال له: وأنت أين تُريد أيضاً؟ قال: البصرة.

قال: وما تصنع بها؟ قال: أطلب قتلة عثمان.

قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك! إنّ هذين الرجلين قتلا عثمان - طلحة والزبير -، وهما يُريدان الأمر لأنفسهما، فلمّا غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم، والحوبة بالتوبة.

ثُمّ قال المغيرة بن شعبة: أيّها الناس، إن كنتم إنّما خرجتم مع أُمّكم، فارجعوا بها خيراً لكم، وإن كنتم غضبتم لعثمان، فرؤساؤكم قتلوا عثمان، وإن كنتم نقمتم على عليّ شيئاً، فبيّنوا ما نقمتم عليه، أُنشدكم الله فِتنَتَين في عام واحد.

فأبوا إلاّ أن يمضوا بالناس، فلحق سعيد بن العاصي باليمن، ولحق المغيرة بالطائف، فلم يشهدا شيئاً من حروب الجَمل ولا صفّين (1) .

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1 / 82 وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 315.

١٣٠

الفصل الرابع

تأهُّب الإمام لمواجهة الناكثين

4 / 1 استشارة الإمام أصحابه فيهم

كان معاوية قد أخضع الشام لسلطته عدّة سنين، بيدٍ مبسوطة وهيمنة قيصريّة، ولم يردعه أحد من الخلفاء الماضين عن أعماله قطّ. وكان يعرف أميرَ المؤمنين (عليه السلام) حقّ معرفته، ويعلم علم اليقين أنّه لا يتساهل معه أبداً، فامتنع عن بيعته، ورفع قميص عثمان، ونادى بالثأر له مستغلاًّ جهل الشاميّين، وتأهّب للحرب (1) ، فتجهّز الإمام (عليه السلام) لقمع هذا الباغي، وعيّن الأمراء على الجيش، وكتب إلى عُمّاله في مصر، والكوفة، والبصرة يستظهرهم بإرسال القوّات اللازمة.

وبينا كان يعدّ العدّة لذلك بلغه تواطؤ طلحة والزبير وعائشة في مكّة، وإثارتهم

____________________

(1) راجع: وقعة صفّين / السياسة العلويّة / استعداد الإمام لحرب معاوية قبل حَرب الجَمل.

١٣١

للفتنة، وتحرّكهم صوب البصرة (1) ، فرأى (عليه السلام) أنّ إخماد هذه الفتنة أولى، لذلك دعا وُجهاء أصحابه، واستطلع آراءهم.

ويستوقفنا حقّاً أُسلوب هذا الحوار، وآراء أصحابه، وموقفه الحاسم (عليه السلام) من قمع البُغاة، وقد اشترك في الحوار المذكور: عبد الله بن عبّاس، ومحمّد بن أبي بكر، وعمّار بن ياسر، وسهل بن حُنيف. واقترح عبد الله بن عبّاس عليه أن يأخذ معه أُمّ سلمة أيضاً، فرفض صلوات الله عليه ذلك، وقال: (فإنّي لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة) (2) . ولِمَ ذاك؟ ذاك لأنّه (عليه السلام) لم يُفكّر إلاّ بالحقّ، لا بالنصر كيفما كان.

2129 - تاريخ الطبري، عن محمّد وطلحة: كتب [عليّ (عليه السلام) ] إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشام، وإلى عُثمان بن حُنيف، وإلى أبي موسى مثل ذلك، وأقبَل على التهيّؤ والتجهّز، وخطبَ أهلَ المدينة، فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة، وقال: (... انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون يفرّقون جماعتكم، لعلّ الله يُصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق، وتقضون الذي عليكم).

فبينا هم كذلك، إذ جاء الخبر عن أهل مكّة بنحو آخر وتمام على خلاف، فقام فيهم بذلك، فقال: (... ألا وإنّ طلحة والزبير وأُمّ المؤمنين قد تمالؤوا على سخط إمارتي، ودَعَوا الناس إلى الإصلاح، وسأُصبر ما لم أُخف على جماعتكم، وأكفّ إن كفّوا، وأقتصر على ما بلغني عنهم) (3) .

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 455، الكامل في التاريخ: 2 / 312 وص 323.

(2) الجَمل: 239.

(3) تاريخ الطبري: 4 / 445، الكامل في التاريخ: 2 / 311 و312، وراجع الإمامة والسياسة: 1 / 74، والبداية والنهاية: 7 / 230.

١٣٢

2130 - الجَمل: ولمّا اجتمع القوم على ما ذكرناه من شقاق أمير المؤمنين (عليه السلام)، والتأهّب للمسير إلى البصرة، واتّصل الخبر إليه، وجاءه كتاب بخبر القوم، دعا ابن عبّاس، ومحمّد بن أبي بكر، وعمّار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وأخبرهم بالكتاب وبما عليه القوم من المسير.

فقال محمّد بن أبي بكر: ما يريدون يا أمير المؤمنين؟ فتبسّم (عليه السلام) وقال: (يطلبون بدم عثمان!) فقال محمّد: والله، ما قتل عثمانَ غيرُهم، ثمّ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أشيروا عليّ بما أسمع منكم القول فيه).

فقال عمّار بن ياسر: الرأي المسير إلى الكوفة ; فإنّ أهلها لنا شيعة، وقد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة.

وقال ابن عبّاس: الرأي عندي يا أمير المؤمنين أن تُقدِّم رجلاً إلى الكوفة فيبايعون لك، وتكتب إلى الأشعري أن يُبايع لك، ثُمّ بعده المسير حتى نلحق بالكوفة، وتعاجل القوم قبل أن يدخلوا البصرة، وتكتب إلى أُمّ سلمة فتخرج معك، فإنّها لك قوّة.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (بل أسير بنفسي ومَن معي في اتّباع الطريق وراء القوم، فإن أدركتهم في الطريق أخذتهم، وإن فاتوني كتبت إلى الكوفة، واستمددت الجنود من الأمصار وسرت إليهم. وأمّا أُمّ سلمة، فإنّي لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة).

فبينما هم في ذلك إذ دخل عليهم أُسامة بن زيد بن حارثة، وقال لأمير المؤمنين (عليه السلام): فداك أبي وأُمّي، لا تسِر سيراً واحداً، وانطلق إلى يَنْبُع، وخلِّف على المدينة رجلاً، وأقِم بما لَكَ ; فإنّ العرب لهم جولة ثُمّ يصيرون إليك.

فقال له ابن عبّاس: إنّ هذا القول منك يا أُسامة إن كان على غير غِلٍّ في

١٣٣

صدرك، فقد أخطأت وجه الرأي فيه، ليس هذا برأي بصير، يكون والله كهيئة الضبع في مغارتها. فقال أُسامة: فما الرأي؟ قال: ما أشرتُ به، أو ما رآه أمير المؤمنين لنفسه.

ثُمّ نادى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الناس: (تجهّزوا للمسير، فإنّ طلحة والزبير قد نكثا البيعة، ونقضا العهد، وأخرجا عائشة من بيتها يريدان البصرة لإثارة الفتنة، وسفك دماء أهل القبلة).

ثُمّ رفع يديه إلى السماء، فقال: (اللّهمّ إنّ هذين الرجلين قد بغيا عليّ، ونكثا عهدي، ونقضا عقدي، وشقّاني بغير حقّ منهما كان في ذلك، اللّهمّ خُذهما بظلمهما لي، وأظفِرني بهما، وانصرني عليهما) (1) .

2131 - الإمام عليّ (عليه السلام) - لمّا أُشير عليه بألاّ يتبع طلحة والزبير، ولا يرصد لهما القتال -: (والله لا أكون كالضَبُع، تنام على طول اللَّدْم (2) حتى يصل إليها طالبها، ويختلها راصدها، ولكنّي أضرب بالمُقبلِ إلى الحقّ المُدبرَ عنه، وبالسامعِ المطيعِ العاصيَ المُريب، أبداً حتى يأتي عليّ يومي. فوَ الله ما زلتُ مدفوعاً عن حقّي، مستأثَراً عليّ منذ قبض الله نبيّه (صلّى الله عليه وآله) حتى يوم الناس هذا) (3) .

4 / 2 خطبة الإمام لمّا بلغه خبر الناكثين

2132 - الإمام عليّ (عليه السلام) - من خطبة له حين بلغه خبر الناكثين ببيعته -: (ألا وإنّ

____________________

(1) الجَمل: 239.

(2) أي: ضَرْب جُحرها بحجر، إذا أرادوا صَيْد الضَّبُع ضربوا جُحْرها بحَجر، أو بأيديهم، فتحسبُه شيئاً تصيده، فتخرج لتأخذه، فتُصطاد (النهاية: 4 / 246).

(3) نهج البلاغة: الخطبة 6، بحار الأنوار: 32 / 135 / 110.

١٣٤

الشيطان قد ذمّر (1) حزبه، واستجلب جلبه ; ليعود الجور إلى أوطانه، ويرجع الباطل إلى نصابه، والله ما أنكروا عليّ مُنكراً، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفاً.

وإنّهم ليطلبون حقّاً هُم تركوه، ودماً هم سفكوه ; فلئن كنتُ شريكهم فيه، فإنّ لهم لنصيبهم منه، ولئن كانوا وَلُوه دوني، فما التبعة إلاّ عندهم، وإنّ أعظم حجّتهم لعلى أنفسهم، يرتضعون أُمّاً قد فَطَمَت، ويُحيُون بدعة قد أُميتت.

يا خيبة الداعي من دعا، وإلامَ أُجيب؟! وإنّي لراضٍ بحجّة الله عليهم، وعلمه فيهم، فإن أبَوا أعطيتهم حدّ السيف وكفى به شافياً من الباطل، وناصراً للحقّ.

ومِن العجب بعثهم إليّ أن أبرُز للطعان! وأن أصبر للجلاّد! هَبِلتهم الهَبول، لقد كنت وما أُهدَّد بالحرب، ولا أُرَهَّب بالضرب، وإنّي لعلى يقين من ربّي، وغير شبهة من ديني) (2) .

2133 - عنه (عليه السلام) - في خطبته حين نهوضه إلى الجَمل -: (إنّي بُليتُ بأربعة: أدهى الناس وأسخاهم طلحة، وأشجع الناس الزبير، وأطوع الناس في الناس عائشة، وأسرع الناس إلى فتنة يَعلي بن اُميّة.

والله، ما أنكروا عليّ شيئاً مُنكراً، ولا استأثرتُ بمال، ولا مِلتُ بهوىً، وإنّهم ليطلبون حقّاً تركوه، ودماً سفكوه، ولقد ولوه دوني، وإن كنت شريكهم في الإنكار لما أنكروه.

وما تبعة عثمان إلاّ عندهم، وإنّهم لَهُمُ الفئة الباغية ; بايَعوني ونكثوا بيعتي، وما

____________________

(1) أي: حضّهم وشجّعهم (النهاية: 2 / 167).

(2) نهج البلاغة: الخطبة 22، عيون الحِكَم والمواعظ: 110 / 2401، وفيه: إلى (لعلى أنفسهم)، بحار الأنوار: 32 / 53 / 39، وراجع جواهر المطالب: 1 / 324.

١٣٥

استأنَوا بي حتى يعرفوا جوري من عدلي، وإنّي لراضٍ بحجّة الله عليهم، وعلمه فيهم، وإنّي مع هذا لداعيهم ومُعذر إليهم، فإن قبلوا فالتوبة مقبولة، والحقّ أولى ما انصُرف إليه، وإن أبَوا أعطيتهم حدّ السيف، وكفى به شافياً من باطل وناصراً) (1) .

2134 - عنه (عليه السلام) - من كلام له في معنى (2) طلحة بن عبيد الله حين بلغه خروج طلحة والزبير إلى البصرة لقتاله -: (قد كنت وما اُهدَّد بالحرب، ولا اُرَهَّب بالضرب، وأنا على ما قد وعدني ربّي من النصر، والله ما استعجَلَ مُتجرّداً للطلب بدم عثمان إلاّ خوفاً من أن يُطالَب بدمه ; لأنّه مَظِنّته، ولم يكن في القوم أحرص عليه منه، فأراد أن يُغالط بما أجلب فيه ; ليلتبس الأمر، ويقع الشكّ.

ووالله ما صنع في أمر عثمان واحدةً من ثلاث: لئن كان ابن عفّان ظالماً - كما كان يزعم - لقد كان ينبغي له أن يوازر قاتليه، وأن ينابذ ناصريه، ولئن كان مظلوماً، لقد كان ينبغي له أن يكون من المُنَهْنِهين (3) عنه، والمعذّرين فيه، ولئن كان في شكّ من الخصلتين، لقد كان ينبغي له أن يعتزله ويركد جانباً، ويدع الناس معه، فما فعل واحدة من الثلاث، وجاء بأمر لم يعرف بابه، ولم تسلَم معاذيره) (4) .

2135 - الإرشاد: ولمّا اتّصل به مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة من مكّة

____________________

(1) الاستيعاب: 2 / 318 / 1289 عن صالح بن كيسان وعبد الملك بن نوفل بن مساحق والشعبي وابن أبي ليلى، أُسد الغابة: 3 / 87 / 2627.

(2) معنى كلّ شيء: مِحْنته وحالُه التي يصير إليها أمرُه (لسان العرب: 15 / 106).

(3) نهنههُ عنه: منعه وكفّه عن الوصول إليه (النهاية: 5 / 139).

(4) نهج البلاغة: الخطبة 174، الأمالي للطوسي: 169 / 284 نحوه.

١٣٦

حمد الله وأثنى عليه، ثُمّ قال: (قد سارت عائشة وطلحة والزبير، كلّ واحد منهما يدّعي الخلافة دون صاحبه، لا يدّعي طلحة الخلافة إلاّ أنّه ابن عمّ عائشة، ولا يدّعيها الزبير إلاّ أنّه صهر أبيها، والله لئن ظَفرا بما يريدان ليضربَنّ الزبيرُ عُنقَ طلحة، وليضربنّ طلحة عُنق الزبير، يُنازع هذا على الملك هذا، وقد - والله - علمتُ أنّها الراكبةُ الجَمل، لا تحلّ عُقدة، ولا تَسير عقبةً، ولا تنزل منزلا إلاّ إلى مَعصية، حتى تُورد نفسها ومَن معها مورداً يُقتل ثلثهم، ويَهرب ثلثهم، ويرجع ثلُثهم، والله إنّ طلحة والزبير ليعلمان أنّهما مُخطئان وما يجهلان، ولَربّما عالِم قَتَلَهُ جهله، وعلمه معه لا ينفعه. والله لينبحنّها كلاب الحوأب، فهل يعتبر مُعتبر أو يتفكّر مُتفكّر، ثُمّ قال: قد قامت الفئة الباغية، فأين المُحسنون؟) (1)

4 / 3 خُروج الإمام من المدينة

2136 - المستدرك على الصحيحين: عن أبي الأسود الدؤلي، عن الإمام عليّ (عليه السلام): (أتاني عبد الله بن سلام وقد وضعت رجلي في الغَرْز (2) وأنا أُريد العراق، فقال: لا تأتِ (3) العراق ; فإنّك إن أتيته أصابك به ذباب السيف). قال عليّ: (وايمُ الله، لقد قالها لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قبلك)، قال أبو الأسوَد: فقلت في نفسي، يا الله ما رأيت كاليوم رجل مُحارب يُحدّث الناس بمثل هذا (4) .

____________________

(1) الإرشاد: 1 / 246، الكافئة: 19 / 19، بحار الأنوار: 32 / 113 / 88، المعيار والموازنة: 53.

(2) الغَرْز: رِكاب كور الجَمل إذا كان من جلد أوْ خشب (النهاية: 3 / 359).

(3) في المصدر: (تأتي)، والصحيح ما أثبتناه.

(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 151 / 4678، صحيح ابن حبّان: 15 / 127 / 6733، مسند أبي يعلى: 1 / 259 / 487.

١٣٧

2137 - تاريخ الطبري: بلغ عليّاً الخبر - وهو بالمدينة - باجتماعهم على الخروج إلى البصرة، وبالذي اجتمع عليه مَلؤهم: طلحة والزبير وعائشة ومَن تبعهم، وبلغه قول عائشة، وخرج عليّ يُبادرهم في تعبيته التي كان تعبّى بها إلى الشام، وخرج معه من نشط من الكوفيّين والبصريّين متخفّفين في سبعمئة رجل، وهو يرجو أن يُدركهم، فيحول بينهم وبين الخروج، فلقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه وقال: يا أمير المؤمنين لا تخرج منها ; فوَالله لئن خرجت منها لا ترجع إليها، ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبداً، فسبّوه، فقال: (دعوا الرجل ; فنعم الرجل من أصحاب محمّد (صلّى الله عليه وآله))، وسار حتى انتهى إلى الرَّبَذة، فبلغه ممرّهم، فأقام حين فاتوه يأتمر بالربَذة (1) .

2138 - الجَمل: ثُمّ خرج في سبعمئة رجل من المهاجرين والأنصار، واستخلف على المدينة تمّام بن العبّاس، وبعث قُثَم بن العبّاس إلى مكّة، ولمّا رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) التوجّهَ إلى المسير طالباً للقوم رَكب جملا أحمر وقاد كُميتاً (2) وسار وهو يقول:

سيروا أبابيل وحثّوا السيرا كي نلحق التَّيميَّ والزبيرا

إذ جلبا الشرّ وعافا الخيرا يا ربّ أدخلهم غداً سعيرا

وسار مُجدّاً في السير حتى بلغَ الربذة، فوجد القوم قد فاتوا، فنزل بها قليلا ثُمّ توجّه نحو البصرة، والمهاجرون والأنصار عن يمينه وشماله، مُحدقون به مع مَن سمع بمسيرهم، فاتّبعهم حتى نزل بذي قار فأقام بها (3) .

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 455، وراجع تاريخ ابن خلدون: 2 / 611.

(2) الكُمَيت: أقوى الخيل (لسان العرب: 2 / 81).

(3) الجَمل: 240.

١٣٨

4 / 4 كتاب الإمام إلى أهل الكوفة عند المسير مِن المدينة

2139 - الإمام عليّ (عليه السلام) - مِن كتاب له إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة -: (من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة، جبهة الأنصار، وسنام العرب.

أمّا بعد، إنّي أُخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه: إنّ الناس طعنوا عليه، فكنتُ رجلاً من المهاجرين أُكثر استعتابه، وأُقلّ عتابه، وكان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف (1) ، وأرفق حِدائهما العنيف، وكان من عائشة فيه فلتة غضب؛ فأُتيح له قوم فقتلوه، وبايعني الناس غير مُستكرَهين ولا مجبَرين، بل طائعين مخيَّرين.

واعلموا أنّ دار الهجرة قد قَلَعت بأهلها وقَلعوا بها، وجاشت جيش المِرجَل (2) ، وقامت الفتنة على القُطْب، فأسرِعوا إلى أميركم، وبادروا جهاد عدوّكم، إن شاء الله عزّ وجلّ) (3) .

____________________

(1) الوجيف: هو ضَرْبٌ من السير سريعٌ (النهاية: 5 / 157).

(2) المِرْجَل: قِدرٌ من نُحاس، وقيل: يُطلق على كلّ قدر يُطبخ فيها (المصباح المنير: 221).

(3) نهج البلاغة: الكتاب 1، الأمالي للطوسي: 718 / 1518 عن عبد الرحمان بن أبي عمرة الأنصاري، وليس فيه من (ولا مجبرين...)، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 151 كلاهما نحوه، بحار الأنوار: 32 / 84 / 56، شرح نهج البلاغة: 14 / 8 وفيه: (روى محمّد بن إسحاق، عن عمّه عبد الرحمان بن يسار القرشي، قال: لمّا نزل عليّ (عليه السلام) الربذة متوجّهاً إلى البصرة، بعث إلى الكوفة محمّد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمّد بن أبي بكر الصدّيق، وكَتب إليهم هذا الكتاب. وزاد في آخره: (فحسبي بكم إخواناً، وللدين أنصاراً، فـ ( انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ) التوبة: 41.

١٣٩

4 / 5 خُطبة الإمام لمّا أراد المسير إلى البصرة

2140 - شرح نهج البلاغة، عن الكلبي: لمّا أراد عليّ (عليه السلام) المسير إلى البصرة، قام فخطب الناس، فقال - بعد أن حمد الله وصلّى على رسوله (صلّى الله عليه وآله) -: (إنّ الله لمّا قبض نبيّه استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من الناس كافّة، فرأيت أنّ الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم والناس حديثو عهدٍ بالإسلام، والدين يمخض مخض الوَطْب (1) ، يفسده أدنى وَهن، ويعكسه أقلّ خُلف، فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهاداً، ثُمّ انتقلوا إلى دار الجزاء، والله وليّ تمحيص سيّئاتهم، والعفو عن هفواتهم.

فما بال طلحة والزبير، وليسا من هذا الأمر بسبيل! لم يصبرا عليّ حولا ولا شهراً حتى وثبا ومرَقا، ونازعاني أمراً لم يجعل الله لهما إليه سبيلا، بعد أن بايعا طائعَين غير مكرهَين، يرتضعان أُمّاً قد فَطَمت، ويُحييان بدعة قد أُميتت. أدمَ عثمان زعما، والله ما التبعة إلاّ عندهم وفيهم، وإنّ أعظم حجّتهم لعلى أنفسهم، وأنا راضٍ بحجّة الله عليهم وعمله فيهم، فإن فاءا وأنابا فحظّهما أحرزا، وأنفسهما غَنِما، وأعظِم بها غنيمة، وإن أبَيا أعطيتهما حدّ السيف، وكفى به ناصراً لحقّ، وشافياً لباطل)، ثُمّ نزل (2) .

____________________

(1) الوَطْب: الزقّ الذي يكون فيه السمن واللبن، وهو جلد الجذع - الشابّ الفتي من الحيوانات - فما فوقه (النهاية: 5 / 203).

(2) شرح نهج البلاغة: 1 / 308، بحار الأنوار: 32 / 62.

١٤٠