لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين0%

لأكون مع الصادقين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 449

لأكون مع الصادقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
الناشر: ستارة
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 51180
تحميل: 5917

توضيحات:

لأكون مع الصادقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51180 / تحميل: 5917
الحجم الحجم الحجم
لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين

مؤلف:
الناشر: ستارة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الغلوّ في حبّ الأئمة

لا نقصد بالغلوّ هنا هو الخروج عن الحقّ واتّباع الهوى حتّى يصبح المحبوب هو الإله المعبود ، فهذا كفر وشرك لا يقول به أيّ مسلم يعتقد برسالة الإسلام ونبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقد وضع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدوداً لهذا الحبّ عندما قال للإمام عليعليه‌السلام :

« هلك فيك اثنان : محبّ غال ، ومبغضٌ قال »(1) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ياعلي إنّ فيك مثلاً من عيسى بن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا أمّة ، وأحبّه النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها »(2) .

__________________

1 ـ عوالي اللئالي لابن أبي جمهور 4 : 86 ح 105.

2 ـ مسند أحمد 1 : 160 وحسّنه المحقّق أحمد محمّد شاكر ، السنن الكبرى للنسائي 5 : 137 ح 8488 ، مسند أبي يعلي 1 : 406 ح 534 ، أنساب الأشراف للبلاذري : 121 ، تاريخ دمشق 42 : 293 ، المستدرك للحاكم : باب مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام وصحّحه ، الدر المنثور 2 : 238 عن البخاري في تاريخه والحاكم ، البداية والنهاية 7 : 392.

٤٠١

وهو المعنى المرفوض للغلوّ أن يطغى الحب حتى يؤلّه المحبوب ، وينزله منزلة ليس فيها ، أو أن يطغى البغض حتى يصل إلى درجة البهت والاتهام الباطل.

والشيعة في حبّ عليّ والأئمة من ولده لم يغالوا بل أنزلوهم المنزلة المعقولة التي بوّأهم فيها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي أنّهم أوصياء النبي وخلفاؤه ، ولم يقل أحد بنبوّتهم فضلاً عن اُلوهيّتهم ، ودع عنك قول المشاغبين الذين يدعون بأنّ الشيعة ألّهوا عليّاً وقالوا بربوبيته ، فهؤلاء إن صح الخبر لم يكونوا فرقة ولا مذهباً ولا شيعة ولا خوارج.

فما هو ذنب الشيعة إذا كان ربّ العزّة والجلالة يقول :( قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى ) (1) ، والمودّة كما هو معلوم أكبر من الحب ، وإذا كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه »(2) .

فإنّ المودة تفرض عليك أن تحرم نفسك من شيء لتود به غيرك.

وما هو ذنب الشيعة إذا كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « ياعلي أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخرة ، من أحبّك فقد أحبّني ومن أبغضك

__________________

1 ـ الشورى : 23.

2 ـ صحيح ابن حبان 1 : 470 ، الجامع الصغير للسيوطي 2 : 753 ح 9940 ، مسند أحمد 3 : 176 ، سنن الترمذي 4 : 76 ح 2634 ، سنن النسائي 8 : 115.

٤٠٢

فقد أبغضني ، وحبيبك حبيب اللّه ، وبغيضك بغيض اللّه ، والويل لمن أبغضك »(1) .

ويقول أيضاً : « حبّ علىٌّ إيمان وبغضه نفاق »(2) .

ويقول : « من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنة »(3) .

__________________

1 ـ المستدرك للحاكم 3 : 128 وصحّحه ، نظم درر السمطين : 101 ، تاريخ دمشق 42 : 292 ، المناقب للخوارزمي : 327 ح 337.

2 ـ بهذا اللفظ في بشارة المصطفى : 271 ، وفي صحيح مسلم 1 : 61 ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على أنّ حبّ الأنصار وعليّ من الإيمان عن عليّ بلفظ : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الأُمي إليَّ أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق ».

وأخرجه الألباني في صحيحته 4 : 298 تحت رقم 1720 « إنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق » ، وقال : « أخرجه مسلم 1 : 61 ، والنسائي 2 : 271 ، والترمذي 2 : 301 ، وابن ماجه : 114 ، وأحمد 1 : 84 و 95 و 128 ، والخطيب في التاريخ 14 : 426 ».

3 ـ تفسير القرطبي 16 : 23 ، تفسير الفخر الرازي 9 : 595 سورة الشورى ، تفسير آية 23 عن الكشاف للزمخشري.

٤٠٣

وما هو ذنب الشيعة إذا كانوا يحبّون رجلاً قال فيه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « غداً لأعطين رايتي إلى رجل يحبّ اللّه ورسوله ويحبّهُ اللّهُ ورسولهُ »(1) .

فحبيب عليّ هو حبيب اللّه ورسوله وهو مؤمن ، وبغيض علي هو بغيض اللّه ورسوله وهو منافق.

وقد قال الإمام الشافعي في حبّهم :

يا أهل بيت رسول اللّه حبكم

فرض من اللّه في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له(2)

وقد قال فيهم وفي حبّهم الفرزدق في ميميته المشهورة :

__________________

1 ـ حديث الراية حديث صحيح متفق عليه ، رواه البخاري في صحيحه 5 : 76 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب مناقب علي بن أبي طالب ، وصحيح مسلم 5 : 195 ، في نفس الموضع ، كتاب السنّة لابن أبي عاصم : 594 ح 1379 ، صحيح ابن حبان 15 : 377 ، المعجم الكبير للطبراني 7 : 13 ، تاريخ دمشق 42 : 16 ، المناقب للخوارزمي : 108.

2 ـ أوردها ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة 2 : 435 الآية الثانية من الآيات الواردة فيهم نقلا عن الشافعي.

٤٠٤

من معشر حبّهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عُدّ أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم(1)

فالشيعة أحبّوا اللّه ورسوله ، وحبّهم للّه ورسوله هو الذي فرض حبّ أهل البيت فاطمة وعلي والحسن والحسينعليهم‌السلام ، والأحاديث في هذه المعنى كثيرة لا تحصى ، وقد أخرجها علماء أهل السنّة والجماعة في صحاحهم ، وقد ذكرنا البعض منها دوماً للاختصار.

وإذا كان حبّ عليّ وأهل البيت بصفة عامة هو حبّ لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعلينا أن نعرف مدى هذا الحب المطلوب من المسلمين حتى نعرف إن كان هناك غلو كما يزعمون.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين »(2) .

__________________

1 ـ انظر : تاريخ دمشق 41 : 402 ، تهذيب الكمال للمزي 20 : 401 ، البداية والنهاية 9 : 127.

2 ـ صحيح البخاري 1 : 9 ، كتاب الإيمان ، باب حب الرسول من الإيمان ، صحيح مسلم 1 : 49 ، كتاب الإيمان ، باب وجوب محبة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين.

٤٠٥

وعلى هذا الأساس فلابدّ أن يحبّ المسلم عليّاً وأولاده الأئمة الطاهرين أكثر من الناس أجمعين بما في ذلك الأهل والأولاد ، ولا يتمّ الإيمان إلاّ بذلك؛ لأنّ رسول اللّه قال : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه » الحديث.

فالشيعة أذاً لا يغالون وإنّما يعطون كلّ ذي حقّ حقّه ، وقد أمرهم رسول اللّه أن ينزلوا عليّاً بمنزلة الرأس من الجسد ، وبمنزلة العينين من الرأس ، فهل هناك من الناس من يتنازل عن عينيه أو عن رأسه؟

ولكن في المقابل هناك مغالاة عند أهل السنّة والجماعة في حبّ الصحابة وتقديسهم في غير محلّه ، وإنّما يبدو أنّها ردّ فعل على الشيعة الذين لم يقولوا بعدالة الصحابة أجمعين ، فكان الأمويون يرفعون من شأن الصحابة ويحطّون من قيمة وشأن أهل البيت النبوي حتى إذا صلّوا على محمّد وآله أضافوا إليهم : وعلى أصحابه أجمعين؛ لأنّ في الصلاة على أهل البيت فضل لم يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق ، فأرادوا أن يرفعوا الصحابة إلى تلك الدرجة العلية ، وغفلوا عن أنّ اللّه سبحانه أمر المسلمين وعلى رأسهم الصحابة أجمعين أن يصلّوا على محمّد وعليّ وفاطمة والحسنين ، ومن لم يصلِّ عليهم فصلاته مردودة لا يقبلها اللّه إذا اقتصرت على محمّد

٤٠٦

وحده ، كما هو ثابت في صحيح البخاري ومسلم(1) .

وإذا قلنا بأنّه غلّو في الصحابة ذلك لأنّ أهل السنّة يتعدّون حدود المنطق عندما يقولون بعدالتهم أجمعين ، وقد شهد اللّه ورسوله بأنّ فيهم الفاسقين والمارقين والقاسطين والمنافقين.

والغلوّ ظاهر عندما يقولون بأنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطئ ويصوّبه صحابي ، أو أنّ الشيطان يلعب ويمرح بحضرة النبي ولكنّه يهرب من عمر!!

والغلوّ واضح في قولهم : لو أصاب اللّه المسلمين بمصيبة بما فيهم رسول اللّه ، لم يكون ينج منها إلاّ ابن الخطاب!

والغلوّ أوضح في إلغائهم لسنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واتباع سنّة الصحابة وبالخصوص الخلفاء الراشدين! وقد أوقفناك على البعض من ذلك ، وإذا أردت المزيد فعليك بالبحث والتأمّل للوقوف على مزيد من هذه المفارقات.

__________________

1 ـ صحيح مسلم 2 : 16 ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صحيح البخاري 6 : 27 ، كتاب التفسير ، سورة الأحزاب آية 56.

٤٠٧
٤٠٨

المهدي المنتظر

وهو أيضاً من المواضيع التي يشنع بها أهل السنّة والجماعة على الشيعة ، وذهب البعض منهم إلى حد السخرية والاستهزاء ، إذ أنّهم يستبعدون أو قل يعتقدون استحالة أن يبقى بشر طيلة اثني عشر قرناً حياً ومخفياً عن أنظار الناس ، حتى قال بعض الكتّاب المعاصرين : « بأنّ الشيعة اختلقوا فكرة الإمام الغائب الذي سينقذهم ، وذلك لكثرة ما لاقوه من ظلم الحكام وجورهم على مر الأزمان ، فسلّوا أنفسهم بأمنية المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، وينتقم لهم من أعدائهم ».

وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة ، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عن المهدي المنتظر ، فأصبح المسلمون وبالخصوص الشباب المثقف في كلّ مكان يتساءلون عن حقيقة المهدي ، وهل هي حقيقة ولها وجود في العقائد الإسلامية أم هو من مختلقات الشيعة؟

٤٠٩

ورغم ماكتبه علماء الشيعة قديماً وحديثاً(1) بخصوص المهدي من موسوعات وأبحاث ، ورغم اتصال كثير من السنّيين بإخوانهم من الشيعة في مؤتمرات عديدة ، ومحادثات في شتى المواضيع العقائدية؛ يبقى هذا الموضوع من الألغاز عند الكثير منهم ، لأنّهم ما تعوّدوا سماع أمثال هذه الروايات.

فما هي حقيقة المهدي المنتظر في العقائد الإسلامية؟

والبحث في هذا الموضوع ينقسم إلى قسمين :

القسم الأول : يتعلّق بالبحث عن المهدي من خلال الكتاب والسنّة.

والقسم الثاني : يتعلّق بالبحث عن حياته وغيبته وظهوره.

أمّا في البحث الأول : فالشيعة والسنّة متّفقون على أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشَّرَ به ، وأعلم أصحابه بأنّه سيظهره اللّه سبحانه وتعالى في آخر الزمان ، وقد أخرج أحاديث المهديعليه‌السلام كلّ من الشيعة والسنّة وفي صحاحهم ومسانيدهم.

وأنا بدوري وكالعادة حسبما تعهدّت به في كلّ أبحاث الكتاب لا أستدلّ إلاّ بما هو ثابت وصحيح عن أهل السنّة والجماعة.

__________________

1 ـ كالشهيد محمّد باقر الصدر في كتابه « بحث حول المهدي » ( المؤلّف ).

٤١٠

فقد جاء في سنن أبي داود(1) : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ».

وجاء في سنن ابن ماجة(2) :

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا ، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً شديداً ، وتطريداً ، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينتصرون ، فيعطون ماسألوا : فلا يقبلونه ، حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطاً كما ملئت جوراً ».

وقال ابن ماجة في سننه : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهدي منّا أهل البيت ، المهدي من ولد فاطمة »(3) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يكون في أُمّتي المهدي ، إن قصر فسبع ، وإلاّ فتسع ، تنعم فيها أُمّتي نعمة لن تنعم مثلها قط ؛ تأتي أُكلها ولا تدّخر منه

__________________

1 ـ سنن أبي داود 4 : 87 ح 4282 كتاب المهدي ، المعجم الأوسط 2 : 55 ، والكبير 10 : 135 ، الجامع الصغير 2 : 438 ح 7490 ، الدر المنثور 6 : 58.

2 ـ سنن ابن ماجة 2 : 529 ح 4082 ، ونحوه في المستدرك للحاكم 4 : 464 ، والمعجم الأوسط 6 : 29.

3 ـ المصدر نفسه 2 : 531 ح 4085 و 4086.

٤١١

شيئاً ، والمال يومئذ كدوس ، فيقوم الرجل فيقول : يامهدي أعطيني ، فيقول : خذ »(1) .

وجاء في صحيح الترمذي : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، ولم لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يلي »(2) .

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي »(3) .

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه(4) : قال : حدّثنا بن بكير ، حدّثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري ، أن أبا هريرة ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ».

وقال صاحب غاية المأمول : « اشتهر بين العلماء سلفاً وخلفاً أنّه

__________________

1 ـ المصدر نفسه 2 : 530 ح 4083 ، المستدرك للحاكم 4 : 558 ، مجمع الزوائد 7 : 317 وقال : « رجاله ثقات ».

2 ـ سنن للترمذي 3 : 343 ح 2332 ، وعنه في كنز العمال 14 : 264 ح 38661.

3 ـ المصدر نفسه 3 : 343 ح 2313 ، مسند أحمد 1 : 377.

4 ـ صحيح البخاري 4 : 143 ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب نزول عيسى بن مريم.

٤١٢

لابدّ من ظهور رجل من أهل البيت في آخر الزمان يسمّى المهدي ، وقد روى أحاديث المهدي جماعة من خيار الصحابة ، وخرّجها أكابر المحدّثين : كأبي داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، والطبراني ، وأبي يعلى ، والبزاز ، والإمام أحمد بن حنبل ، والحاكم رضي اللّه عنهم أجمعين ، ولقد أخطأ من ضعّف أحاديث المهدي كلّها ».

قال الحافظ في فتح الباري : « تواترت الأخبار بأنّ المهدي من هذه الأُمّة ، وأنّ عيسى بن مريم سينزل ويُصلّي خلفه »(1) .

وقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة : « والأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي كثيرة متواترة »(2) .

وقال الشوكاني في رسالتة المسمّاة « التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح » ، وبعد سرده أحاديث المهدي : « وجميع ما سقناه بالغ حدّ التواتر ، كما لا يخفى على من له فضل اطلاع »(3) .

وقال الشيخ عبدالحق في اللمعات : « قد تظافرت الأحاديث

__________________

1 ـ فتح الباري 6 : 358.

2 ـ الصواعق المحرقة 2 : 480.

3 ـ عنه النواب صديق حسن خان القنونجي في كتابه الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة : 114 و 160 ، والكتاني في نظم المتناثة في الحديث المتواتر : 146.

٤١٣

البالغة حدّ التواتر في كون المهدي من أهل البيت من أولاد فاطمة »(1) .

وقال الصبان في كتابه إسعاف الراغبين : « وقد تواترت الأخبار عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخروجه ، وأنّه من أهل البيت ، وأنه يملأ الأرض عدلاً »(2) .

وقال السويدي في كتابه المسمّى « سبائك الذهب » : « الذي اتفق عليه العلماء أنّ المهدي هو القائم في آخر الوقت وأنّه يملأ الأرض عدلاً ، والأحاديث في ظهوره كثيرة »(3) .

وقال ابن خلدون في مقدمته :

« اعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الأعصار أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت ، يؤيّد الدين ، ويظهر العدل ، ويسمّى بالمهدي »(4) .

كما أخرج أحاديث المهدي من المعاصرين مفتي الإخوان المسلمين السيد سابق في كتابه « العقائد الإسلامية » ، واعتبر أنّ فكرة المهدي من العقائد الإسلامية التي يجب التصديق بها.

__________________

1 ـ أشعة اللمعات 4 : 321.

2 ـ إسعاف الراغبين : 152 ، بهامش نور الأبصار.

3 ـ سبائك الذهب : 346.

4 ـ مقدمة ابن خلدون : 287 ، الفصل الثاني والخمسون.

٤١٤

وكتب الشيعة أيضاً أخرجت أحاديث المهدي على كثرتها ، حتى قيل : إنّه لم يُروَ عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر ممّا روي عنه في أحاديث المهدي.

وقد استخرج الباحث لطف اللّه الصافي في موسوعته « منتخب الأثر » أحاديث المهديعليه‌السلام من أكثر من ستّين مصدراً من كتب أهل السنّة والجماعة من ضمنها الصحاح الستّة ، وأكثر من تسعين مصدراً من كتب الشيعة من ضمنها الكتب الأربعة(1) .

__________________

1 ـ وممّن صرّح بتواتر أخبار الإمام المهديعليه‌السلام ـ كما ذكره الدكتور عبد العليم البستوي في كتابه : « المهدي المنتظر » ـ الحافظ أبو الحسن محمّد بن الحسين الآبري السجزي ، قال في كتابه مناقب الشافعي : « وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذكر المهدي ، وأنّه من أهل بيته ، وأنّه يملك سبع سنين ، وأنّه يملأ الأرض عدلا ، وأنّ عيسىعليه‌السلام يخرج فيساعده على قتل الدجّال ، وأنّه يؤم هذه الأُمة ويصلّي عيسى خلفه ».

وقد نقل كلامه هذا عدد من الحفّاظ والأئمة ، منهم : القرطبي في كتابه « التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة » 2 : 723 ، والمزي في « تهذيب الكمال » 6 : 596 ، وابن قيّم الجوزية في « المنار المنيف » : 142 ، والسخاوي في « فتح المغيث » 3 : 41 ، وابن حجر في « فتح الباري » 6 : 494 و « تهذيب التهذيب » 9 : 144 ، والسيوطي في « العرف الوردي في أخبار المهدي » ـ وانظر « الحاوي في الفتاوي » 2 : 165 ـ ، وابن حجر الهيتمي في « القول المختصر » : 118 وفي « الصواعق » أيضاً ، والملاّ علي القاري في « رسالة

٤١٥

أما بخصوص البحث الثاني ، والذي يتعلّق بولادة المهدي وحياته وغيبته وعدم وفاتهعليه‌السلام ، فهذا القسم أيضاً لم ينكره بعض علماء أهل السنّة الذين لا يستهان بهم ، والذين يعتقدون بأنّ المهدي هو محمّد ابن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت ولد ، وأنّه لا يزال حيّاً ، وسيظهر في آخر الزمان ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً وينصر اللّه به دينه ، وهم بذلك يوافقون أقوال الشيعة الإمامية ، ومن هؤلاء :

__________________

المهدي من آل الرسول » : 25 ، ومرعي بن يوسف الحنبلي في « فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر » ، ومحمّد البرزنجي في « الاشاعة في أشراط الساعة » : 87 ، والزركاني في « شرح المواهب ».

ومن العلماء الذي نصّوا على تواتر أحاديث المهدي : الشيخ محمد السفاريني في « لوائح الأنوار البهية » 2 : 80 ، والنواب صديق حسن خان القنوجي في « الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة » : 145 ، والشيخ محمّد بن جعفر الكتاني في « نظم المتناثر من الحديث المتواتر » : 229.

ثمّ ذكر الدكتور عبد العليم البستوي أسماء الأئمة والعلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي والّذين صحّحوا الأحاديث الواردة فيه ، منهم : الحافظ العقيلي ، وأبو الحسين ابن المنادي ، وأبو حاتم ابن حبان البستي ، وأبو سليمان الخطابي ، والبيهقي ، وأبو القاسم السهيلي ، والقرطبي ، وابن تيمية ، وابن كثير ، وأبو الحسن السمهودي ، والمتقي الهندي ، وعبد الرؤوف المناوي ، وعبد الرحمن المباركفوري ، وعبد العزيز بن باز ، ومحمد ناصر الدين الألباني.

٤١٦

1 ـ محيي الدين بن العربي في « فتوحاته المكيّة ».

2 ـ سبط ابن الجوزي في كتابه « تذكرة الخواص ».

3 ـ عبدالوهاب الشعراني في كتابه « عقائد الأكابر ».

4 ـ ابن الخشّاب في كتابه « تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم ».

5 ـ محمّد البخاري الحنفي في كتابه « فصل الخطاب ».

6 ـ أحمد بن إبراهيم البلاذري في كتابه « الحديث المتسلسل ».

7 ـ ابن الصباغ المالكي في كتابه « الفصول المهمة ».

8 ـ العارف عبدالرحمن في كتابه « مرآة الأسرار ».

9 ـ كمال الدين بن طلحة في كتابه « مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ».

10 ـ القندوزي الحنفي في كتابه « ينابيع المودة »(1) .

__________________

1 ـ وهناك العشرات من علماء أهل السنّة القائلين بولادة الإمام المهدي ، محمّد بن الحسن العسكري ، وهم علماء مشهورون في الأوساط السنيّة ومن أعمدة المذهب ، ونذكر منهم :

1 ـ أحمد بن حجر الهيتمي : صرّح في كتابه « الصواعق المحرقة : 313 » بولادة الإمام المهدي.

2 ـ الشيخ ملاّ علي القاري : صرّح بذلك في كتابه « مرقاة المفاتيح 10 : 336 ».

3 ـ صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي : صرّح بالولادة في كتابه « الوافي

٤١٧

__________________

بالوفيات 12 : 113 ».

4 ـ شمس الدين محمّد بن طولون الدمشقي الحنفي : صرّح بالولادة في كتابه « الأئمة الاثني عشر : 117 ».

5 ـ الإمام شهاب الدين أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد الحنبلي : قال بالولادة في كتابه « شذرات الذهب في أخبار من ذهب 2 : 290 ».

6 ـ ابن الأثير الجزري ، في كتابه الكامل في التاريخ 7 : 274 ».

7 ـ شهاب الدين ياقوت بن عبد اللّه الحموي ، في كتابه « معجم البلدان 5 : 328 ».

8 ـ أبو العباس أحمد بن محمّد بن إبراهيم المعروف بابن خلكان ، في كتابه « وفيات الأعيان 4 : 31 ».

9 ـ العلاّمة الشهير شمس الدين الذهبي ، صرّح بالولادة في كتابه « تاريخ الإسلام » ، وكتابه « العبر في خبر من غبر 1 : 381 ».

10 ـ حسين بن محمّد الدياربكري : صرّح بذلك في كتابه « تاريخ الخميس » 2 : 343.

وقد ذكر الميرزا حسين النووي ( رحمه الله ) في كتابه « كشف الاستار » ، أسماء أربعين عالماً سنيّاً يعترفون بأن الإمام محمّد بن الحسن العسكري هو الإمام المهدي المنتظر.

وهؤلاء الذين ذكرهم المؤلّف من العلماء المشهورين والمعروفين في العالم السنّي ، وقد ذكروا لهم تراجم وأثنوا عليهم ، وأطروهم بالعلم والفضل والتقديم ، ونشير إلى ترجمة بعضهم ، وعليك بمراجعة الباقين :

1 ـ محي الدين بن عربي : قال في طبقات الشافعية 1 : 260 : « الشيخ العارف

٤١٨

__________________

الكامل المدقّق ، أحد أكابر العارفين باللّه أجمع المحقّقون من أهل اللّه عزّ وجلّ على جلالته في سائر العلوم وقد ترجمه صفي الدين بن أبي منصور فقال : هو الشيخ الإمام المحقّق رأس أجّلاء العارفين ».

2 ـ سبط بن الجوزي : قال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام في ( حوادث 651 ـ 660 ) : « الإمام الواعظ المؤرّخ شمس الدين أبو المظفر الزكي ثمّ البغدادي كان إماماً فقيهاً واعظاً وحيداً في الوعظ ، علاّمة في التاريخ والسيرة ، وافر الحرمة محبباً إلى الناس ».

3 ـ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي : قال عنه تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية 8 : 63 : « تفقّه وبرع في المذهب ، وسمع الحديث بنيسابور من المؤيد الطوسي وكان من صدور الناس ، ولي الوزارة بدمشق يومين وتركها ».

4 ـ ابن الصباغ المالكي : ترجمه الزركلي في الأعلام 5 : 8 فقال : « فقيه مالكي من أهل مكة قال السخاوي : أجاز لي ».

وراجع ترجمته في الضوء اللامع 5 : 283.

وبإمكان القارئ مراجعة ترجمة بقية الأسماء التي ذكرها المؤلّف ، في : كتاب شذرات الذهب ، والعبر في أخبار من غبر ، والبداية والنهاية ، وطبقات الشافعية ، وغيرها من الكتب المترجمة للعلماء ، ليرى بعينيه تصريحهم بأنّهم علماء مبرزين في مذهبهم وعلمهم.

وبهذا يكون ما ذكره صاحب كتاب ( منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلامية : 152 ) ، بعيداً عن الصواب والموازين العلمية الصحيحة ، إذ طعن بهؤلاء العلماء بدون مبرر أو شيء يعوّل عليه ، غافلا عن ترجمتهم ومنزلتهم

٤١٩

ولو تتبّع الباحث لوجد في علماء السنّة والجماعة أضعاف من ذكرنا يقولون بولادة المهدي وبقائه حيّاً حتى يظهره اللّه تعالى.

وبعد هذا لم يبق معنا من أهل السنّة والجماعة إلاّ المنكرون بولادته وبقائه حيّاً ، بعد اعترافهم بصحة الأحاديث ، وهؤلاء ليسوا حجّة على غيرهم من القائلين بها.

والقرآن الكريم لا ينفي مثل هذا الافتراض ، وكم ضرب اللّه من مثل على ذلك لأهل العقول الجامدة ، لكي يتحرّروا ويطلقوا العنان لأفكارهم وعقولهم حتى تستيقن وتسلّم بأنّ اللّه سبحانه قادر على كلّ شيء.

لذا فإنّ المسلم الذي ملأ الإيمان قلبه لا يستغرب أن يميت اللّه عزيراً مائة عام ، ثمّ يبعثه فينظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه ، وإلى حماره كيف ينشز اللّه عظامه ويكسوها لحماً ، فيرجع كما كان بعد أن كانت عظامه رميماً ، فلمّا تبيّن له قال :( أعْلَمُ أنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) (1) .

سبحان اللّه! ما أسرع تحوّله ، بينما قبل الحادثة استغرب واستبعد

__________________

العلمية التي يتمتّعون بها في الوسط السنّي ، لكنّ التعصب المقيت يؤدّي بأصحابه إلى إنكار الشمس في رابعة النهار!!

1 ـ البقرة : 259.

٤٢٠