لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين0%

لأكون مع الصادقين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 449

لأكون مع الصادقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
الناشر: ستارة
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 51217
تحميل: 5922

توضيحات:

لأكون مع الصادقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51217 / تحميل: 5922
الحجم الحجم الحجم
لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين

مؤلف:
الناشر: ستارة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشيعة ، كالحديث الذي سبق أن أشرنا إليه وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اختلاف اُمتي رحمة »(1) .

إذ يفسّره أهل السنّة والجماعة بأنّ في اختلاف المذاهب الأربعة في الأُمور الفقهية رحمة للمسلمين.

بينما يفسّره الشيعة بالسفر إلى بعضهم البعض ، والاعتناء بأخذ العلم ، ونحوه من الفوائد.

أو قد يكون الاختلاف بين أهل الشيعة وأهل السنّة ليس في مفهوم الحديث النبوي ، وإنّما في الشخص أو الأشخاص المعنيين بهذا الحديث ، وذلك كقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي »(2) .

فأهل السنّة يعنون به الخلفاء الأربعة ، أمّا الشيعة فيعنون به الأئمة الإثني عشر ، ابتداء من علي بن أبي طالب وانتهاء بالمهدي محمّد بن الحسن العسكريعليه‌السلام .

أو كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الخلفاء من بعدي إثنا عشر كلّهم من قريش ».

فالشيعة يعنون به الأئمة الإثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام ، بينما لا يجد أهل السنّة والجماعة تفسيراً شافياً لهذا الحديث ، وقد اختلفوا

__________________

1 ـ تقدم تخريجه فيما تقدّم.

2 ـ تقدم تخريجه فيما تقدّم.

٢٢١

حتى في الأحداث التاريخية التي تتعلّقُ بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما هو الحال في يوم مولده الشريف ، إذ يحتفل أهل السنّة بالمولد النبوي الشريف يوم الثاني عشر من ربيع الأول ، في حين يحتفل الشيعة في السابع عشر من نفس الشهر!!

ولعمري إنّ هذا الاختلاف في السنّة النبويّة أمر طبيعي لا مفّر منه ، إذا لم يكن هناك مرجعٌ يرجعُ إليه الجميع ويكون حكمه نافذاً ، ورأيه مقبولاً لدى الجميع كما كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث كان يقطع دابر الخلاف ، ويحسمُ النزاع ، ويحكم بما أراه اللّه ، فيسلّمون ولو كان في أنفسهم حرج.

وإنّ وجود مثل هذا الشخص ضرورىّ في حياة الأُمّة وعلى طول مداها! هكذا يحكم العقل. ولا يمكن أن يغفل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ، فهو يعلم بأنّ أُمتّه ستتأول كلام اللّه من بعده ، فكان لزاماً عليه أن يُحضّر لها معلّماً قادراً ليقودها إلى الجادّة إذا ما حاولتْ الانحراف عن الصراط المستقيم ، وقد هيّأ بالفعل لأُمّته قائداً عظيماً بذل كلّ جهوده في تربيته وتعليمه منذ وُلدَ إلى أنْ بلغ الكمال ، وصار منه بمنزلة هارون من موسى ، فأوكل إليه هذه المهمّة النبيلة بقوله : « أنا أقاتلُهم على تنزيل القرآن وأنتَ

٢٢٢

تقاتلهم على تأويله »(1) .

__________________

1 ـ ينابيع المودة 2 : 235 ح 658 عن مسند الفردوس ، وفي تاريخ دمشق 42 : 453 ومسند أحمد 3 : 33 بلفظ : « إنّ منكم من يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله ، قال : فقام أبو بكر وعمر ، فقال : لا ، ولكن خاصف النعل ، وعليّ يخصف نعله » ، وقال الشيخ أحمد شاكر محقق كتاب مسند أحمد 10 : 108 : « اسناده صحيح 10 : 108 ، ونحوه في المستدرك 3 : 123 وقال : « صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه » ، وفي مجمع الزوائد 5 : 186 وقال : « رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح » ، وفي 9 : 133 رواه بلفظ أحمد وقال : « رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة » ، وأخرج الحديث الشيخ الألباني في صحيحته وأشار إلى مصادر الحديث وطرقه المتعددة ، وقال بعد ذلك : « وقد روى الحديث بلفظ آخر من طريق محمد بن جعفر الفيدي عن ربعي بن خراش قال : سمعت علياً يقول وهو بالمدائن : جاء سهيل بن عمرو إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعبداً ، فارددهم علينا ، فقال له أبو بكر وعمر : صدق يا رسول اللّه ، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لن تنتهوا يا معشر قريش حتى يبعث اللّه عليكم رجلا امتحن اللّه قلبه بالإيمان يضرب أعناقكم وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم ، فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول اللّه؟ قال : لا ، قال له عمر : أنا هو يارسول اللّه؟ قال : لا ، ولكنه خاصف النعل ، قال : وفي كف عليّ نعل يخصفها لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قلت : وإسناده حسن » الصحيحة : 5 : 639 ـ 643 ح 2487.

ومن الملاحظ في هذا الحديث أنّ عبقرية عمر ظهر وهنها وخالفت الوحي؛ إذ أنّ هذا الذي وافقه ربّه في عدّة مواطن ـ كما يزعمون ـ لم يوافق ربّه في

٢٢٣

وقوله : « أنت ياعليّ تبيّن لأُمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي »(1) .

فإذا كان القرآن وهو كتاب اللّه العزيز يتطلّب من يقاتل في سبيل تفسيره وتوضيحه ، لأنّه كتاب صامتٌ لا ينطق ، وهو حمّال أوجه متعدّدة ، وفيه الظاهر والباطن ، فكيف بالأحاديث النبوية؟!

وإذا كان الأمر كذلك في الكتاب والسنّة ، فلا يمكنُ للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يترك لأُمّته ثقلين صامتين أبْكمين لا يتورّع الذين في قلوبهم زيغٌ أن يتأوّلوهما لغرض ، ويتّبعوا ما تشابه منهما ابتغاء الفتنة وابتغاء الدنيا ، ويكونوا سبباً لضلالة من يأتي بعدهم ، لأنّهم أحسنوا الظنّ بهم واعتقدوا بعدالتهم ، ويوم القيامة يندمون فيصدق فيهم قوله تعالى :

( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَـقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أطَعْنَا اللّهَ وَأطَعْنَا الرَّسُولَ * وَقَالُوا ربَّـنَا إنَّا أطَعْنَا سَادَتَـنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأضَلُّونَا السَّبِيلَ * ربَّـنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العَذَابِ وَالعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ) (2) .

( كُلَّمَا دَخَلَتْ اُمَّةٌ لَعَنَتْ اُخْتَهَا حَتَّى إذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ اُخْرَاهُمْ لاُولاهُمْ رَبَّـنَا هَؤُلاءِ أضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ

__________________

هذا الموطن ، وصدّق المشركين ، وشمله كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن اللّه سيبعث رجلا يضرب أعناق قريش.

1 ـ مضى تخريجه فيما تقدّم.

2 ـ الأحزاب : 66 ـ 68.

٢٢٤

لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ ) (1) .

وهلْ كانت الضلالة إلاّ من ذلك؟ فليس هناك أُمّة لم يبعث اللّه فيهم رسولاً أوضح لهم السبيل وأنار لهم الطريق ، ولكنّهم بعد نبيّهم راحوا يحرّفون ويتأوّلون ويبدّلون كلام اللّه!

فهل يتصوّر عاقل أنّ رسول اللّه عيسىعليه‌السلام قال للنّصارى بأنّه إله؟ حاشا وكلاّ( ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ ) (2) ولكن الأهواء والأطماع وحبّ الدنيا هو الذي جرّ النصارى لذلك ، ألم يبشّرهم عيسى بمحمّد ومن قبله موسى كذلك؟ ولكنّهم تأوّلوا اسم محمّد وأحمد « بالمنقذ » وهم حتّى الآن ينتظرونه!

وهل كانت أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مذاهب وفرق متعدّدة إلى « ثلاث وسبعين كلّها في النار إلاّ فرقة واحدة » إلاّ بسبب التأويل؟! وها نحنُ نعيش اليوم بين هذه الفرق ، هل هناك فرقة واحدة تنسبُ لنفْسها الضلاله؟ أو بتعبير آخر : هل هناك فرقة واحدة تدّعي أنّها خالفتْ كتاب اللّه وسنّة رسوله؟ بل بالعكس كلّ فرقة تقول بأنّها هي المستمسكة بالكتاب والسنّة ، فما هو الحلّ إذاً؟

أكانَ يغيبُ الحلّ عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بالأحرى عن اللّه؟

__________________

1 ـ الأعراف : 38.

2 ـ المائدة : 117.

٢٢٥

استغفر اللّه إنّه لطيف بعباده ، ويحبُ لهم الخير ، فلا بدَّ أن يضع لهم حلاًّ ، ليهلك من هلك على بيّنة. وليس من شأنه سبحانه إهمال مخلوقاته وتركهم بدون هداية ، اللَّهم إلاّ إذا اعتقدنا بأنّه هو الذي أراد لهم الاختلاف والفرقة والضلالة ليزجّ بهم في ناره ، وهو اعتقاد باطل فاسدٌ ، استغفره وأتوب إليه من هذا القول الذي لا يليق بجلال اللّه وحكمته وعدالته.

فقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه ترك كتاب اللّه وسنّة نبيّه ليس هو الحلّ المعقول لقضيّتنا ، بل يزيدنا تعقيداً وتأويلاً ولا يقطع دابر المشاغبين والمنحرفين ، ألا تراهم عندما خرجوا على إمامهم رفعُوا شعار : « ليس الحكم لك ياعليّ وإنّما الحكم للّه » إنّه شعار برّاقٌ يأخذُ بلبّ السامع ، فيخالُ القائلُ به حريصاً على تطبيق أحكام اللّه ، ورافضاً لأحكام غيره من البشر ، ولكنّ الحقيقة ليستْ كذلك.

قال تعالى :( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ ألَدُّ الخِصَامِ ) (1) .

نعم ، كثيراً ما نغتَرُّ بالشعارات البرّاقة ولا نعرف ماذا تُخفي وراءهَا ، ولكن الإمام عليّاً يعرف ذلك لأنّه باب مدينة العلم ،

__________________

1 ـ البقرة : 204.

٢٢٦

فأجابهم : « إنّها كلمة حَقّ يُراد بها باطل »(1) .

نعم ، كثيرةٌ هي كلماتُ الحقّ التي يُراد بها الباطل ، كيف ذلك؟ عندما يقول الخوارج للإمام عليّ : الحكم للّه ليس لك ياعليّ ، فهل سيظهر اللّه على الأرض ويفصل بينهم فيما اختلفوا فيه؟ أم أنّهم يعلمون أنّ حكم اللّه في القرآن ، ولكنّ عليّاً تأوّله حسب رأيه؟ فما هي حجّتهم ومن يقول بأنّهم هم الذين تأوّلوا حكم اللّه ، والحال أنّه أعلم منهم وأصدق وأسبق للإسلام ، وهل الإسلام غيره؟

إذاً هو شعار برّاقٌ ليموّهوا به على بسطاء العقول ، فيكسبوا تأييدهم ليستعينوا بهم على حربه وكسب المعركة لصالحهم ، كما يقع اليوم ، فالزمان زمان ، والرجال رجال ، والدهاء والمكر لاينقطع بل يزداد وينمو؛ لأنّ دهاة هذا العصر يستفيدون من تجارب الأوّلين ، فكم من كلمة حقّ يراد بها باطل في يومنا هذا؟

شعارات برّاقة كالذي يرفعها الوهابيّون في وجه المسلمين وهو « التوحيد وعدم الشرك » فمن من المسلمين لا يوافق عليه؟ وكتسمية فرقة من المسلمين أنفسهم « بأهل السنّة والجماعة » فَمَنْ من المسلمين لا يوافق أن يكون مع الجماعة التي تتبع سنّة النبي؟ وكشعار البعثيين « أُمّةً عربيةٌ واحدة ذات رسالة خالدة » فمن من

__________________

1 ـ نهج البلاغة1 : 84 ، الخطبة 35.

٢٢٧

المسلمين لا يغتّر بهذا الشعار ، قبل أنّ يعرف خفايا حزب البعث ومؤسّسه النصراني ميشال عفلق؟

لك اللّه ياعليّ بن أبي طالب ، إنّ حكمتك بَقِيتْ وستبقى مدوّيةً على مسمع الدهر ، فكم من كلمة حقّ يرادُ بها الباطل. صَعد أحد العلماء إلى منصّة الخطابة وصاح بأعلى صوته : من قالَ بأنني شيعي نقول له : أنتَ كافر ، ومن قال بأنّني سنّي نقول له : أنت كافر ، نحْنُ لا نريد شيعة ولا سنّة ، وإنّما نريد إسلاماً فقط.

إنّها كلمة حقّ يراد بها باطل ، فأىّ إسلام يريده هذا العالم ، وفي عالمنا اليوم إسلام متعدّد ، بل وحتّى في القرن الأول كان الإسلام متعدّداً؟!

فهناك إسلام عليّ وإسلام معاوية ، وكلاهما له أتباع ومؤيّدون حتّى وصل الأمر إلى القتال.

وهناك إسلام الحسين وإسلام يزيد الذي قتل أهل البيت باسم الإسلام ، وادّعى أنّ الحسين خرج عن الإسلام بخروجه عليه.

وهناك إسلام أئمة أهل البيت وشيعتهم ، وإسلام الحكّام وشعوبهم ، وعلى مرّ التاريخ نجد اختلافاً بين المسلمين.

وهناك إسلام متسامح كما يسمّيه الغرب؛ لأنّ أتباعه ألقوا بالمودّة لليهود والنصارى ، وأصبحوا يركعون للقوّتين العظيمتين ، وهناك

٢٢٨

إسلام متشدّد يُسمّيه الغرْب إسلام التعصّب والتحجّر أو مجانين اللّه.

وبعد كلّ هذا لم يبق معنا مجالٌ للتصديق بحديث « كتاب اللّه وسنّتي » للأسباب التي ذُكرتُ.

تبقى الحقيقة ناصعة جليّة في الحديث الثاني الذي أجمع عليه المسلمون وهو : « كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي »؛ لأنّ هذا الحديث يُحلّ كلّ المشكلات ، فلا يبقى اختلاف في تأويل أيّة آية من القرآن أو في تصحيح وتفسير أي حديث نبوي شريف إذا مارجعنا إلى أهل البيت الذين أُمرنا بالرجوع إليهم ، وخصوصاً إذا علمنا بأنّ هؤلاء الذين عيّنهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم أهلٌ لذلك ، ولا يشكّ أحدٌ من المسلمين في غزارة علمهم ، وفي زهدهم وتقواهم ، وقد أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم ، وأورثهم علم الكتاب ، فلا يخالفونه ولا يختلفون فيه ، بل لا يفارقونه حتّى قيام الساعة ، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« إنّي تارك فيكم خليفتين ، كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لم يفترقا حتّى يردَا علىّ الحوض »(1) .

__________________

1 ـ ولذا قال صاحب الصواعق 2 : 442 : « وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة

٢٢٩

ولأكون مع الصادقين يجبُ علىَّ قول الحقّ ، لا تأخذني في ذلك لومة لائم ، وهدفي رضى اللّه سبحانه وإرضاء ضميري قبل رضى الناس عنّي.

والحقيقة في هذا البحث هي في جانب الشيعة الذين اتّبعوا وصيّة رسول اللّه في عترته ، وقدّموهم على أنفسهم ، وجعلوهم أئمتهم يتقرّبونَ ، إلى اللّه بحبّهم والاقتداء بهم ، فهنيئاً لهم بالفوز في الدنيا وفي الآخرة حيث يُحشر المرء مع من أحبّ ، فكيف بمن أحبّهم واقتدى بهديهم.

قال الزمخشري في هذا الصدد :

كثُر الشكّ والاختلاف وكلّ

يدّعي أنّه الصراط السوي

فتمسّكتُ بلا إله إلاّ اللهُ

وحبّي لأحمد وعليّ

فازَ كلبٌ بحبّ أصحاب كهف

فكيفَ أشقى بحبّ آل النبي(1)

__________________

كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض ».

وقال المناوي في فيض القدير 3 : 20 بعد شرحه لحديث الثقلين : « تنبيه : قال الشريف : هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمن إلى قيام الساعة ، حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به ، كما أنّ الكتاب كذلك ، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض ».

1 ـ ذكرها الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب : 299.

٢٣٠

اللّهم اجعلنا من المتسمكين بحبل ولائهم ، والسائرين على منهاجهم ، والراكبين سفينتهم ، والقائلين بإمامتهم ، والمحشورين في زمرتهم ، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

٢٣١

القضاء والقدر
عند أهل السنّة والشيعة

القضاء والقدر عند أهل السنّة

كان موضوع القضاء والقدر لغزاً عويصاً فيما مضى من حياتي ، إذ لم أجد فيه تفسيراً شافياً ولا كافياً يريح فكري ويقنع قلبي ، وبقيتُ محتاراً بين ما تعلّمته في مدرسة أهل السنّة من أن الإنسان مسيّرٌ في كلّ أفعاله بما يوافق : « كلّ ميسّرُ لما خلقَ له »(1) ، وأنّ اللّه سبحانه

__________________

1 ـ واتهم صاحب كتاب كشف الجاني : 156 المؤلّف بالافك والافتراء على أهل السنة في هذا الكلام وأنهم لا يقولون بهذا الكلام الذي ذكره ، ولكن عند تصفحنا لمصادر أهل السنة نجد أنّ كلام المؤلف تام ولا غبار عليه ، وأنّ عقيدة أهل السنّة في القضاء والقدر هي التسيير وليست التخيير ، وإليك كلمات بعض علمائهم :

أ ـ قال القسطلاني : « وقال أهل السنّة : إنّ اللّه سبحانه وتعالى قدّر الأشياء ، أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها ، ثمّ أوجد منها ، ما سبقه في علمه ، فلا محدث في العالم العلوي والسفلي إلاّ وهو صادر عن علمه تعالى

٢٣٢

__________________

وقدرته وإرادته ، وأنّ الخلق ليس لهم فيها إلاّ نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة ، وأنّ ذلك كلّه إنّما حصل بتيسير اللّه وبقدرة اللّه والهامه » هدي الساري 14 : 3 ( كتاب القدر ).

ب ـ وقال في البحر الرائق 8 : 331 : « وقال ( صاحب الحاوي ) : قال الشيخ الإمام أبو بكر محمّد بن أحمد القاضي : إنّ اللّه تعالى خلق أفعال العباد وأفعالهم بقضاء اللّه تعالى ومشيئته ».

جـ ـ وقال ابن حزم في المحلى 1 : 37 : « مسألة : وجميع أفعال العباد خيرها وشرها كل ذلك مخلوقة ، خلقه اللّه عزّ وجلّ ».

د ـ وقال البيهقي : « فثبت أنّ الأفعال كلّها خيرها وشرها صادرة عن خلقه وإحداثه إياها » الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد : 245.

وغيرها من الكلمات الكثيرة التي تنصّ على أنّ اللّه سبحانه وتعالى هو الخالق لأفعال العباد ، بل نجد ابن أبي العزّ نفسه يصرّح بذلك ، وإن حاول عثمان الخميس نقل عبارته مبتورة حتى لا تنكشف حقيقة عقيدته.

قال ابن أبي العزّ الدمشقي : « وقال أهل الحقّ : أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاة ، وهي مخلوقة للّه تعالى ، والحقّ سبحانه وتعالى منفرد بخلق المخلوقات لا خالق لها سواه » شرح العقيدة الطحاوية 2 : 640.

وعبارة ابن تيمية التي نقلها صاحب كتاب كشف الجاني متناقضة في نفسها ، لأنّ العباد إذا كانوا فاعلين حقيقة فكيف يكون اللّه الخالق لأفعالهم ، وإذا كان اللّه هو الخالق لأفعالهم ، فما معنى أنّ اللّه خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم ، إذ لا معنى لخلق القدرة والإرادة بعد أن كان خالقاً لأفعالهم؟!

والنتيجة : إنّ عقيدة أهل السنّة مضطربة في القضاء والقدر ، والروايات التي

٢٣٣

يبعث إلى الجنين في بطن أُمّه ملكين من الملائكة فيكتبان أجله ورزقه وعمله ، وإن كان شقّياً أو سعيداً(1) ، وبين ما يمليه عقلي وضميري ، من عدالة اللّه سبحانه وتعالى وعدم ظلمه لمخلوقاته ، إذ كيف يجبرهم على أفعال ثمّ يحاسبهم عليها ، ويعذّبهم من أجل جرم كتبه هو عليهم وأجبرهم عليه.

فكنت كغيري من شباب المسلمين أعيش تلك التناقضات الفكرية في تصويري بأنّ اللّه سبحانه هو القويّ الجبار الذي لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون(2) ، وهو فعال لما يريد(3) ، وقد خلق الخلق وجعل قسماً منهم في الجنة وقسماً آخر في الجحيم ، ثمّ هو رحمن رحيم بعباده لا يظلم مثقال ذرة( وَمَا رَبُّكَ بِظَـلام لِلْعَبِيدِ ) (4) ـ( إنَّ

__________________

رووها وكلمات علمائهم تنصّ على أنّ الإنسان مسيّر في خلقه وأفعاله وليس مخيّراً.

وما ذكره المؤلّف من لغزية موضوع القضاء والقدر عند أهل السنة صحيح لا غبار عليه ولا مجال للطعن عليه بالافك والافتراء والتزوير.

1 ـ صحيح البخاري 6 : 53 ، كتاب التوحيد ، باب قوله تعالى :( وَلَـقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ ) ).

2 ـ الأنبياء : 23.

3 ـ البروج : 16.

4 ـ فصلت : 46.

٢٣٤

اللّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (1) ، ثمّ هو أحنّ عليهم من المرأة على ولدها ، كما جاء ذلك في الحديث الشريف(2) .

وكثيراً مايتراءى هذا التناقض في فهمي لآيات القرآن الكريم ، فمرّة أفهم بأنّ الإنسان على نفسه بصيرة ، وهو المسؤول الوحيد عن أعماله :( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَه ) (3) .

ومرّة أفهم بأنّه مسيّر وليس له حول ولا قوّة ، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ولا رزقاً( وَمَا تَشَاؤُونَ إلاّ أنْ يَشَاءَ اللّهُ ) (4) ،( فَإنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) (5) .

نعم ، لستّ وحدي بل أغلب المسلمين يعيش هذه التناقضات الفكرية ، ولذلك تجد أغلب الشيوخ والعلماء إذا ما سألتهم عن موضوع القضاء والقدر لا يجدون جواباً يقنعون به أنفسهم قبل إقناع

__________________

1 ـ يونس : 44.

2 ـ صحيح البخاري 7 : 75 ، كتاب الأدب ، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته ، الحديث السادس.

3 ـ الزلزلة : 7 ـ 8.

4 ـ الإنسان : 30.

5 ـ فاطر : 8.

٢٣٥

غيرهم ، فيقولون : هذا موضوع لا يجب الخوض فيه ، وبعضهم يحرّم الخوض فيه ويقول : يجب على المسلم أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشرّه ، وأنّه من عند اللّه.

وإذا ماسألهم معاند : كيف يجبر اللّه عبده على ارتكاب جريمة ثمّ يزجّ به في نار جهنم؟ اتهموه بالكفر والزندقة والخروج عن الدين إلى غير ذلك من التهم الباردة.

فجمدت العقول وتحجرت ، وأصبح الإيمان بأنّ الزواج بالمكتوب ، والطلاق بالمكتوب ، وحتى الزنا فهو مكتوب ، إذ يقولون : مكتوب على كلّ فرج اسم ناكحه ، وكذلك شرب الخمر ، وقتل النفس ، وحتى الأكل والشرب ، فلا تأكل ولا تشرب إلاّ ما كتب اللّه لك!

قلت لبعض علمائنا بعد استعراض كلّ هذه المسائل : إنّ القرآن يكذّب هذه المزاعم ، ولا يمكن للحديث أن يناقض القرآن! قال تعالى في شأن الزواج :( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) (1) فهذا يدلّ على حريّة الاختيار.

وفي شأن الطلاق :( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَان ) (2) وهو أيضاً اختيار.

__________________

1 ـ النساء : 3.

2 ـ البقرة : 229.

٢٣٦

وفي الزنا قال :( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ) (1) ، وهو أيضاً دليل الاختيار.

وفي الخمر قال :( إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أنْتُمْ مُنتَهُونَ ) (2) وهي أيضاً تنهى بمعنى الاختيار.

أما قتل النفس فقد قال فيها :( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إلاّ بِالحَقِّ ) (3) وقال :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) (4) ، فهذه أيضاً تفيد الاختيار في القتل.

وحتى بخصوص الأكل والشرب ، فقد رسم لنا حدوداً فقال :( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) (5) ، فهذه أيضاً بالاختيار.

فكيف ياسيّدي بعد هذه الأدلّة القرآنية بأنّ كلّ شيء من اللّه ، والعبد مسيّر في كلّ أفعاله؟

__________________

1 ـ الإسراء : 32.

2 ـ المائدة : 91.

3 ـ الأنعام : 151.

4 ـ النساء : 93.

5 ـ الأعراف : 31.

٢٣٧

أجابني : بأنّ اللّه سبحانه هو وحده الذي يتصرّف في الكون ، واستدلّ بقوله :( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ) (1) .

قلت : لا خلاف بيننا في مشيئة اللّه سبحانه ، وإذا شاء اللّه أن يفعل شيئاً فليس بإمكان الإنس والجن ولا سائر المخلوقات أن يعارضوا مشيئته ، وإنّما اختلافنا في أفعال العباد هل هي منهم أم من اللّه؟

أجابني : لكم دينكم ولي ديني ، وأغلق باب النقاش بذلك.

هذه هي في أغلب الأحيان حجّة علمائنا ، وأذكر أنّي رجعت إليه بعد يومين وقلت له : إذا كان اعتقادك أنّ اللّه هو الذي يفعل كلّ شيء وليس للعباد أن يختاروا أيّ شيء ، فلماذا لا تقول في الخلافة نفس القول ، وإنّ اللّه سبحانه هو الذي يخلق مايشاء ويختار ما كان لهم الخيرة؟

فقال : نعم أقول بذلك؛ لأنّ اللّه هو الذي اختار أبا بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ عليّ ، ولو شاء اللّه أن يكون علي هو الخليفة الأوّل ما كان الجنّ والإنس بقادرين على منع ذلك.

قلت : الآن وقعت؟

__________________

1 ـ آل عمران : 26.

٢٣٨

قال : كيف وقعت؟

قلت : إمّا أن تقول بأنّ اللّه اختار الخلفاء الراشدين الأربعة ، ثم بعد ذلك ترك الأمر للناس يختارون من شاؤوا. وإمّا أن تقول بأنّ اللّه لم يترك للناس الاختيار ، وإنّما يختار هو كلّ الخلفاء من وفاة الرسول إلى قيام الساعة؟

أجاب : أقول بالثاني( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ) .

قلت : إذاً فكلّ انحراف وكلّ ضلالة وكلّ جريمة وقعت في الإسلام بسبب الملوك والأُمراء فهي من اللّه؛ لأنه هو الذي أمّر هؤلاء على رقاب المسلمين؟

أجاب : وهو كذلك ، ومن الصالحين من قرأ :( وَإذَا أرَدْنَا أنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) (1) أي جعلناهم أمراء.

قلت متعجّباً : إذاً فقتل عليّ على يد ابن ملجم وقتل الحسين بن عليّ أراده اللّه؟

فقال منتصراً : نعم طبعاً ، ألم تسمع قول الرسول لعليّ : « أشقى الآخرين الذي يضربك على هذه حتى تبتلّ هذه » ، وأشار إلى رأسه ولحيته كرم اللّه وجهه.

__________________

1 ـ الإسراء : 16.

٢٣٩

وكذلك سيّدنا الحسين قد علم رسول اللّه بمقتله في كربلاء وحدّث أُمّ سلمة بذلك ، كما علم بأنّ سيّدنا الحسن سيصلح اللّه به فرقتين عظيمتين من المسلمين ، فكلّ شيء مسطر ومكتوب في الأزل وليس للإنسان مفرّ ، وبهذا أنت الذي وقعت لا أنا.

سكتُّ قليلاً أنظر إليه وهو مزهو بهذا الكلام ، وظنّ أنّه أفحمني بالدليل؛ كيف لي أن أقنعه بأنّ علم اللّه بالشيء لا يفيد حتماً بأنّه هو الذي قدّره وأجبر الناس عليه ، وأنا أعلم مسبقا بأنّ فكره لا يستوعب مثل هذه النظرية.

سألته من جديد : إذاً فكلّ الرؤساء والملوك قديماً وحديثاً والذين يحاربون الإسلام والمسلمين نصّبهم اللّه.

قال : نعم وبدون شكّ.

قلت : حتى الاستعمار الفرنسي على تونس والجزائر والمغرب هو من اللّه؟ قال : بلى ، لمّا جاء الوقت المعلوم خرجت فرنسا من تلك الأقطار.

قلت : سبحانه اللّه! فكيف كنت تدافع سابقاً عن نظرية أهل السنّة بأنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات وترك الأمر شورى بين المسلمين ليختاروا من يشاؤون؟

قال : نعم ، ولا زلت على ذلك وسأبقى على ذلك إن شاء اللّه!

٢٤٠