لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين0%

لأكون مع الصادقين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 449

لأكون مع الصادقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
الناشر: ستارة
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 51168
تحميل: 5917

توضيحات:

لأكون مع الصادقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51168 / تحميل: 5917
الحجم الحجم الحجم
لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين

مؤلف:
الناشر: ستارة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

__________________

وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : 65 أيضاً بنفس المعنى.

وقال ابن الأثير في النهاية 5 : 245 : « ومنه حديث مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالوا : ما شأنه أهجر والقائل كان عمراً ».

وفي السقيفة وفدك للجوهري ـ كما عن ابن أبي الحديد في شرح النهج 6 : 51 ـ : « فقال عمر كلمة معناها أنّ الوجع قد غلب على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

واعترف ابن تيمية في منهاج السنّة 6 : 24 و 315 بذلك وقال : « أمّا عمر فاشتبه عليه هل كان قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شدّة المرض ، أو كان من أقواله المعروفة ، والمرض جائز على الأنبياء ، ولهذا قال : ما له أهجر؟ فشكّ في ذلك ولم يجزم بأنّه هجر فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مريضاً فلم يدر أكلامه كان من وهج المرض كما يعرض للمريض ، أو كان من كلامه المعروف الذي يجب قبوله ».

فإنّ ابن تيمية يقرّ بأنّ القائل لهذه الكلمة الخبيثة هو عمر ، لكن يبرّر موقفه وينسبه إلى الشكّ وعدم التثبيت ، بما يدلل على جهل عمر بأحوال الأنبياء ومقامهم الرفيع ، سيما رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخصوصاً وهو في تلك الحالة حيث يعهد ويوصي آخر وصاياه.

وفهم ذلك حتى النساء ، ففي مسند أحمد 1 : 293 والمعجم الكبير 11 : 30 : « قالت المرأة : ويحكم عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

وفي الطبقات لابن سعد 2 : 244 : « فقالت زينب زوج النبي : ألا تسمعون النبي يعهد إليكم؟ ».

وفي مجمع الزوائد 4 : 391 و 8 : 609 : « فقال النسوة من وراء الستر : ألا يسمعون ما يقول رسول اللّه؟ ».

١٦١

لئلاَّ يتسـابقَ الناس إلى بيعة عليّ.

وشيّد بيعة أبي بكر ، وحمل الناس عليها بالقهر ، وهدّد كلّ من تخلّف بالقتل(1) ، كلّ ذلك في سبيل إبعاد عليّ عن الخلافة ، فكيف يرضى أن يقول قائلٌ بأنّه سيُبايع فلاناً لو قد مات عمر ، وخصوصاً بأنّ هذا القائل ( الذي بَقي اسمه مجهولاً ولا شكّ إنَه من عظماء الصحابة ) يحتحّ بما فعله عمر نفسه في بيعته لأبي بكر إذ يقول : فواللّه ما كانتْ بيعة أبي بكر إلاّ فلتةً فتمّتْ. أي أنّها بالرغم من كونها وقعتْ على حين غفلة من المسلمين وبدون مشورة منهم ، فقد تّمتْ وأصبحت حقيقة ، ولذا جاز لعمر أن يفعلها مع أبي بكر ، فكيف لايجوز له أن يفعلها هو بنفس الطريقة مع فلان؟!

ونلاحظ هنا أنّ ابن عباس ، وعبدالرحمن بن عوف وعمر بن الخطاب يتحاشون ذكر اسم هذا القائل ، كما يتحاشون ذكر اسم الذي

__________________

ثم إن تعجب فعجب قول النووي في شرح صحيح مسلم عند شرحه لهذا الحديث : « فقد اتفق العلماء المتكلّمون في شرح الحديث على أنّه من دلائل فقه عمر وفضله » ، فلا ندري أنصدّق قوله بفقه عمر ، أو نأخذ برأي ابن تيمية الدالّ على جهل عمر وشكّه؟ حتى إنّ ربّات الحجال فهمن مراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يفهمه عمر ، وكم له من نظير!!.

4 ـ صحيح البخاري 8 : 26 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضل أبي بكر.

1 ـ الإمامة والسياسة 1 : 30.

١٦٢

يريد بيعته ، ولمّا كان لهذين الشخصين أهميّة كبيرة لدى المسلمين ، نرى أنّ عمر غضب لهذه المقالة وبادر في أوّل جمعة بأن خطب الناس ، وأثار موضوع الخلافة بعده ، وطلع عليهم برأيه الجديد فيها ، حتّى يقطع الطريق على هذا الذي يريد إعادة الفلتة لأنّها ستكون لصالح خصمه.

على أنّنا فهمنا من خلال البحث بأنّ هذه المقالة ليستْ رأي فُلان وحده ، وإنّما هي رأي كثير من الصحابة ، ولذلك يقول البخاري : فغضب عمرُ ثمّ قال : إننّي إن شاء اللّه لقائم العشية في الناس ، فمحذّر هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أُمورهم ...(1) .

فتغيير عمر لرأيه في البيعة كان معارضة لهؤلاء الذين يريدون أن يغصبوا الناس أُمورهم ويبايعو عليّاً!! وهذا ما لايرضاه عمر؛ لأنّه يعتقد بأنّ الخلافة هي من أُمور الناس وليست حقّاً لعليّ بن أبي طالب ، وإذا كان هذا الاعتقاد صحيحاً فلماذا أجاز هو لنفسه أن يغصب الناس أُمورهم بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسارع لبيعة أبي بكر من غير مشورة المسلمين؟

وموقفُ أبي حفص من أبي الحسن معروف ومشهور ، وهو إبعاده

__________________

1 ـ صحيح البخاري 8 : 26 ، كتاب المحاربين ، باب رجم الحبلى من الزنا.

١٦٣

عن الحكم ما استطاع لذلك سبيلاً.

وهذا الاستنتاج لم نستوحه من خطبته السابقة فحسب ، ولكنّ المتتبّع للتاريخ يعرف أنّ عمر بن الخطاب كان هو الحاكم الفعلي حتّى في خلافة أبي بكر ، ولذلك نرى أبا بكر يستأذن من أُسامة بن زيد أن يترك له عمر بن الخطاب ليستعين به على أمر الخلافة(1) ، ومع ذلك نرى عليّ بن أبي طالب يبقى بعيداً عن المسؤولية ، فلم يولّوه منصباً ولا ولاية ، ولا أمّروه على جيش ، ولا ائتمنوه على خزينة ، وذلك طوال خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، وكلّنا يعلم من هو عليّ بن أبي طالب!!

والأغرب من كلّ هذا أنّنا نقرأ في كتب التاريخ بأنّ عمر لما أدركته الوفاة تأسّف أن لا يكون أبو عبيدة بن الجراح ، أو سالم مولي أبي حذيفة من الأحياء حتّى يولّيهم من بعده ، ولكنّه ولا شكّ تذكّر بأنّه سبق أن غيّر رأيه في مثل هذه البيعة ، واعتبرها فلتة وغصباً لأُمور المسلمين ، فلابدّ له إذن أن يخترع طريقة جديدة في البيعة

__________________

1 ـ في تاريخ الطبري 3 : 226 : « قال أبو بكر : إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل » ، وفي الطبقات 2 : 147 : « كلّم أبو بكر أُسامة في عمر أن يأذن له في التخلّف ففعل » ، الكامل في التاريخ 2 : 335 ، تاريخ خليفة بن الخياط 64 ، تاريخ ابن الوردي 1 : 134 ، البداية والنهاية 6 : 218.

١٦٤

لتكون حلاًّ وسطاً بينَ بين ، فلا يستبدّ أحد فيسبقُ بالبيعة لمن يراه صالحاً لَها ، ويحمل الناسَ على متابعته كما فعل هو مع أبي بكر ، وكما فعل أبو بكر معه هو ، أو كما يريد أن يفعل فلان الذي ينتظر موت عمر ليبايع صاحبه ، فهذا غير ممكن بعد أن حكم عمر عليها بالفلتة والاغتصاب.

ولا يمكن له أيضاً أن يترك الأمر شورى بين المسلمين ، وقد حضر مؤتمر السقيفة عقب وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأى بعينيه ماوقع من الاختلاف الذي كادت تُزهقُ فيه الأرواح ، وتُهرق فيه الدماء.

واخترع أخيراً فكرة أصحاب الشورى ، أو الستّة الذين لهم وحدهم حقّ اختيار الخليفة ، وليس لأحد من المسلمين أن يشاركهم في ذلك ، وكان عمر يعلم أنّ الخلاف بين هؤلاء الستّة لا مفرّ منه ، ولذلك أوصى عند الاختلاف أن يكونوا مع الفريق الذي فيه عبدالرحمن بن عوف ، ولو أدّى الأمر إلى قتل الثلاثه الذين يخالفون عبدالرحمن.

هذا في حال انقسام الستّة إلى قسمين ، وهو محالٌ لأنّ عمر يعرف بأنّ سعد بن أبي وقاص ابن عمّ لعبدالرحمن وكلاهما من بني زهرة ، ويعلم أنّ سعد لا يحبّ علياً وكان في نفسه شيء منه؛ لأنّ علياً قتل أخواله من عبد شمس ، كما يعرف عمر أنّ عبدالرحمن بن عوف

١٦٥

هو صهر عثمان ؛ لأنّ زوجته أم كلثوم هي أُخت عثمان. ويعلم أيضاً أن طلحة ميّالٌ لعثمان لصلات بينهما على ماذكره بعض رواة الأثر ،وقد يكفي في ميله إلى عثمان انحرافه عن عليّ ، لأنّه تيمي ، وقد كان بين بني هاشم وبني تيم مواجد لمكان الخلافة لأبي بكر(1) .

كان عمر يعلم كلّ ذلك ، ومن أجل هذا كان اختياره لهؤلاء بالذات.

اختار عمر هؤلاء الستّة ، وكلّهم من قريش وكلّهم من المهاحرين ، وليس فيهم واحدّ من الأنصار ، وكلّهم يمثل ويتزعّم قبيلة لها أهميتها وتأثيرها :

1 ـ علي بن أبي طالب زعيم بني هاشم.

2 ـ عثمان بن عفان زعيم بني أُميّة.

3 ـ عبدالرحمن بن عوف زعيم بني زهرة.

4 ـ سعد بن أبي وقاص هو من بني زهرة وأخواله بني أُمية.

5 ـ طلحة بن عبيد اللّه هو سيّد بني تيم.

6 ـ الزبير بن العوّام هو ابن صفية عمّة الرسول ، وهو زوج أسماء بنت أبي بكر.

__________________

1 ـ شرح نهج البلاغة لمحمد عبده1 : 34.

١٦٦

فهؤلاء هم أهل الحلّ والعقد ، وكلامهم نافذٌ على كلّ المسلمين ، سواء منهم سكان المدينه ( عاصمة الخلافة ) أو غيرهم في كلّ العالم الإسلامي ، ومَا على المسلمين إلاّ السمع والطاعة بدون نقاش ، ومن يخرج منهم على ذلك فهو مهدور الدم. وهذا بالذات الذي أردنا تقريبه من ذهن القارئ بخصوص السكوت عن نصّ الغدير فيما تقدّم.

وإذا كان عمر يعلم نفسيات هؤلاء الستّة وعواطفهم وطموحاتهم ، فإنّه بلا شكّ قد رشّح عثمان بن عفّان للخلافة ، أو أنّه كان يعلم أنّ الأكثرية من هؤلاء الستّة لا يرضون بعليّ ، وإلاّ لماذا وبأىّ حقّ يرجّح كفّة عبد الرحمن بن عوف على عليّ بن أبي طالب ، والحال أنّ المسلمين منذ وُجدُوا وحتّى اليوم إنّما يتنازعون في أفضلية علي وأبي بكر ، ولم نسمع أحداً يقارن عليّاً بعبد الرحمن بن عوف؟

وهنا أقفُ وقفةً لابدّ منها ، لأسألَ أهل السنّة والجماعة القائلين بمبدأ الشورى وأهل الفكر الحرّ كافة ، أسألُ كلّ هؤلاء؟ كيف توفّقون بين الشورى بمعناها الإسلامي ، وبين هذه الفكرة التي إن دلّتْ على شيء فإنّما تدلّ على الاستبداد بالرأي؛ لأنّه هو الذي اختار هؤلاء النفر وليس المسلمون ، وإذا كان وصوله للخلافة فلتةً ، فبأىّ حقّ يفرض على المسلمين أحد هؤلاء الستّة؟!

١٦٧

والذي يبدو لنا أنّ عمر يرى الخلافة حقّاً من حقوق المهاجرين وحدهم ، وليس من حقّ أحد أن ينازعهم هذا الأمر ، بل أكثر من هذا يعتقد عمر كما يعتقد أبو بكر بأنّ الخلافة ملك لقريش وحدها ، إذ في المهاجرين من ليسوا من قريش ، بل فيهم من ليسوا من العرب ، فلا يحقّ لسلمان الفارسي ، ولا لعمّار بن ياسر ، ولا لبلال لحبشي ، ولا لصهيب الرومي ، ولا لأبي ذرالغفاري ، ولا لأُلوفِ الصحابة الذين ليسوا من قريش أن يتصدّوا للخلافة.

وليس هذا مجّرد إدّعاء! حاشا وكلاًّ ، بل هي عقيدتهم التي سجّلها التاريخ والمحدّثون من أفواههم ، فلنعُد إلى نفس الخطبة التي أخرحها البخاري ومسلم في صحيحيهما :

يقول عمر بن الخطاب : أردتُ أن أتكلّمَ وكنتُ زوّرتُ مقالة أعجبتني ، أُريدُ أن أُقدّمها بين يدي أبي بكر ، وكنتُ أداري منه بعض الحدّ ، فلّما أردتُ أن أتكلّم قال أبو بكر : على رسْلك ، فكرهتُ أنْ أُغضبهُ ، فتكلّم أبو بكر ، فكان هو أحلم منّي وأوقر ، واللّه ماترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلاّ قال في بديهته مثلها أو أفضلَ ، حتّى سكتَ فقال : ما ذكرتُم فيكم من خير فأنتم له أهل ( مخاطباً الأنصار ) ولنْ يُعرف هذا الأمرُ إلاّ لهذا الحي منْ قريش(1) .

__________________

1 ـ صحيح البخاري 8 : 26 ، كتاب المحاربين ، باب رجم الحبلى من الزنا.

١٦٨

إذن ، يتبينّ لنا بوضوح بأنّ أبا بكر وعمر لا يؤمنان بمبدأ الشورى والاختيار ، ويقول بعض المؤرّخين بأنّ أبا بكر احتجّ على الأنصار بحديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الخلافة في قريش » وهو حديث صحيح لا شكّ فيه ، وحقيقته ( كما نصّ على ذلك البخاري ومسلم وكلّ الصحاح عند السنّة وعند الشيعة ) قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش ».

وأصرح من هذا الحديث قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقىَ منَ الناسِ اثنان »(1) .

وقوله : « الناس تبعٌ لقريش في الخير والشرّ »(2) .

فإذا كان المسلمون قاطبة يؤمنون بهذه الأحاديث ، فكيف يقول قائل بأنّه ترك الأمر شورى بين المسلمين ليختاروا من يشاؤون؟

ولا يمكن لنا أن نتخلّص من هذا التناقض إلاّ إذا أخذنا بأقوال أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ، وبعض علماء السنّة الذين يؤكّدون بأنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على الخلفاء ، وعيّنهم بعددهم وأسمائهم ، وبذلك يمكن لنا أيضاً أن نفهم موقف عُمر وحصره

__________________

1 ـ صحيح مسلم 6 : 3 ، كتاب الامارة ، باب الناس تبع لقريش ، صحيح البخاري 4 : 155 ، كتاب الأحكام ، باب الأمراء من قريش.

2 ـ صحيح مسلم 6 : 2 ، كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش.

١٦٩

الخلافة في قريش.

وعُمر مَنْ عُرفَ باجتهاده مقابل النصوص حتى في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلح الحديبية(1) ، والصلاة على المنافقين(2) ، ورزية يوم الخميس(3) ، ومنعه التبشير بالجنّة(4) أكبر شاهد على ما نقول. فلا يُستغْربُ منه أن يجتهد بعد موت النبي في نصّ حديث الخلافة ، فلا يري وجوباً بقبول النصّ على عليّ بن أبي طالب الذي هو أصغر قريش ، وحصر حقّ الاستخلاف بقريش وحدها ، وهو الذي حدا بعمر أن يختار قبل موته ستّة من عظماء قريش ليوفّق بين أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما يرتأيه هو من حقّ قريش وحدها في الخلافة.

ولعلّ إقحام عليّ في الجماعة مع العلم المسبق بأنّهم لا يختارونه ، هو تدبير من عمر ليُجبر عليّاً على الدخول معهم في اللُّعبة السياسية كما يسمّونها اليوم ، وحتّى لا تبقى له حجّة عند شيعته ومحبّيه الذين يقولون بأولويّته ، ولكن الإمام عليّاً تحدّث عن كلّ ذلك في خطبة

__________________

1 ـ صحيح مسلم 5 : 175 ، كتاب الجهاد ، باب صلح الحديبية.

2 ـ صحيح البخاري 2 : 26 ، كتاب الجنائز ، باب 22 الكفن في القميص.

3 ـ صحيح البخاري 1 : 37 ، كتاب العلم ، باب 40 في كتابة العلم.

4 ـ صحيح مسلم 1 : 65 ، كتاب الإيمان ، باب الدليل على أنّ من مات على التوحيد دخل الجنة.

١٧٠

أمام عامّة الناس ، فقال في ذلك :

« فصبرتُ على طول المدّة وشدّة المحنة ، حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فياللّه وللشورى ، متى اعترض الريبُ فىَّ مع الأّول منهم حتّى صرت أّقرن إلى هذه النظائر ، لكنّي أسففت إذ أسفّوا وطرت إذ طاروا ، فصغى رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره مع هن وهن » الخطبة(1) .

رابعاً : إنّ الإمام عليّ سلام اللّه عليه احتجّ عليهم بكلّ شيء ، ولكن بدون جدوى ، وهل يستجدي الإمام عليّ بيعة الناس الذي صرفوا وجوههم عنه ، ومالت قلوبهم لغيره ، إمّا حسداً له على ما أتاه اللّه من فضله ، وإمّا حِقداً عليه؛ لأنّه قتل صناديدهم وهشّم أبطالهم ، وأرغم أُنوفهم ، وأخضعهم وحطّم كبرياءهم بسيفه وشجاعته حتّى أسلموا واستسلموا ، وهو مع ذلك شامخٌ يذود عن ابن عمّه ، لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، ولا يثني عزمه من حطام الدنيا شيء.

وكان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلمُ ذلك علم اليقين ، وكان في كلّ مناسبة يُشيد بفضائل أخيه وابن عمّه لكي يحبّبه إليهم ، فيقول : « حبّ عليّ

__________________

1 ـ نهج البلاغة1 : 35 ، الخطبة 3 ، المعروفة بالشقشقية.

١٧١

إيمان وبغضه نفاق »(2) ـ ويقول : « عليّ منّي وأنا من علي »(3) ، ويقول : « عليّ وليّ كل مؤمن بعدي »(1) ، ويقول : « عليّ باب مدينة

__________________

1 ـ صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب أنّ حب الأنصار وعليّ من الإيمان ، عن عليّعليه‌السلام قال : « والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنّه لعهد النبي الأُميّ إليّ : أن لا يحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق ».

وقال الشيخ الألباني في صحيحته 1 : 298 : « من فضائل علي 1720 : إنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق ، أخرجه مسلم 1 : 61 ، والنسائي 2 : 271 ، والترمذي 2 : 301 ، وابن ماجة : 114 ، وأحمد 1 : 84 و 95 و 128 ، والخطيب في التاريخ 14 : 426 من طرق عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي رضي اللّه عنه مرفوعاً. قلت : وله شاهد من حديث اُم سلمة ، أخرجه الترمذي 2 : 299 ، وأحمد 6 : 293 وقال الترمذي : حديث حسن غريب ».

2 ـ ذكرهُ الألباني في صحيحته تحت رقم 1980 ، وفي صحيح سنن ابن ماجة للألباني رقم 118 ، وفي صحيح سنن الترمذي للألباني تحت رقم 3719 ، وفي مشكاة المصابيح وصرّح بأنّه حسن رقم 6083 ، وفي خصائص النسائي رقم 65 ، وصرّح الحويني الأثري بصحته ، وفي مسند أحمد برقم 17435 و 17440 و 17441 ، وصرّح محقّق الكتاب بصحته ، وفي صحيح الجامع الصغير للألباني برقم 1239.

3 ـ المصنّف لابن أبي شيبة 7 : 504 ح 58 ، كتاب السنّة لابن أبي عاصم : 559 ح 1187 بلفظ : « وهو ولي كلّ مؤمن بعدي » ، وقال محقّق الكتاب الشيخ الألباني : « إسناده صحيح ، ورجاله ثقات على شرط مسلم » ، وأخرجه الشيخ

١٧٢

علمي »(1) و « أبو ولدي »(2) ويقول : « عليّ سيّد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجّلين »(3) .

ولكن مع الأسف مازادهم ذلك إلاّ حسداً وحقداً ، وبذلك استدعاه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل موته فعانقه وبكى وقال له : « ياعليّ إنّي أعلم أنّ

__________________

الألباني في صحيحته تحت رقم 2223 بلفظ : « وهو ولي كلّ مؤمن بعدي » وقال : « أخرجه الترمذي 3713 ، والنسائي في الخصائص ص 13 ـ 16 ـ 17 ، وابن حبان 2203 ، والحاكم 3 : 110 ، والطيالسي في مسنده 829 ، وأحمد 4 : 437 ، وابن عدي في الكمال 2 : 568 ـ 569 » الصحيحة 5 : 261.

وقال الحاكم في المستدرك : « صحيح على شرط مسلم » ، وأقرّه الذهبي.

وقد ردّ الشيخ الألباني على ابن تيمية ومن لفّ لفّه في تضعيفهم لهذا الحديث ، فقال في الموضع المذكور من الصحيحة : « فمن العجب حقّاً أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنّة 4 : 104 فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث إلاّ التسرع والمبالغة في الردّ على الشيعة »!!

فانظر وأعجب لهؤلاء القوم الذين حدا بهم التعصّب المقيت والبغض للتشيع أن يطعنوا في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!!.

1 ـ في العمدة لابن البطريق : 281 عن ابن المغازلي في المناقب : 50 : « فهو باب مدينة علمي ».

2 ـ في ينابيع المودة 2 : 344 عن جواهر العقدين 2 : 206 وابن المغازلي 13 : « قال عليعليه‌السلام : فانشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له رسول اللّه : أنت أبو ولدي غيري؟ » ، وفي الرياض النضرة 4 : 107 ح 1328 : « أنت أخي وأبو ولدي » ، قال : « أخرجه أحمد في المناقب ».

3 ـ مستدرك الحاكم 3 : 138 ، وقال : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم

١٧٣

لك ضغائن في صدور قوم سوف يظهرونها لك بعدي ، فإن بايعوك فاقبل ، وإلاّ فاصبر حتّى تلقاني مظلوماً »(1) .

فإذا كان أبو الحسن سلام اللّه عليه لزم الصبر بعد بيعة أبي بكر ، فذلك بوصية الرسول له ، وفي ذلك من الحكمة ما لا يخفى.

خامساً : أضف إلى كلّ ماسبق أنّ المسلم إذا ماقرأ القرآن الكريم وتدبّر آياته ، يعرف من خلال قصصه التي تناولت الأُمم والشعوب

__________________

يخرّجاه » ، حلية الأولياء 1 : 63 ، المعجم الصغير 2 : 89 ، نظم درر السمطين : 114 ، شرح نهج البلاغة 9 : 170 ، وفي الاصابة 4 : 5 بلفظ : « أوحي إليّ في عليّ أنّه إمام المتقين » ، أخبار أصبهان 2 : 229 ، المناقب للخورزمي : 113 و 295 و 323 و 360 ، تاريخ دمشق 42 : 302.

1 ـ نحوه تاريخ دمشق 42 : 324 ، المناقب للخوارزمي : 65 ح 35 ، الرياض النضرة 4 : 158 ح 1518 ، مسند أبي يعلى 1 : 426 ح 565 ، مجمع الزوائد 9 : 118 وقال : « رواه أبو يعلى والبزار ، وفيه الفضل بن عميرة وثّقه ابن حبان وضعفه غيره ، وبقية رجاله ثقات ».

والذي يؤيّد هذا الكلام ، وأنّ الأُمّة ستنقلب على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أخرجه الحاكم في المستدرك 3 : 1406 ح 4734 وأقرّ الذهبي بصحته قول عليعليه‌السلام : « إنّ ممّا عهد إليّ النبي أنّ الأُمّة ستغدر بي بعده ».

١٧٤

السابقة أنّه وقع فيهم أكثر ممّا وقع فينا ، فها هو قابيل يقتل أخاه هابيل ظلماً وعدواناً ، وها هو نوح جدّ الأنبياء بعد ألف سنة من الجهاد لم يتبعه من قومه إلاّ القليل وكانت امرأته وابنه من الكافرين ، وها هو لوط لم يوجد في قريته غير بيت من المؤمنين ، وها هم الفراعنة الذين استكبروا في الأرض واستعبدوا الناس لم يكن فيهم غير مؤمن يكتم إيمانه.

وهاهم إخوة يوسف أبناء يعقوب ، وهم عصبة يتآمرون على قتل أخيهم الصغير بغير ذنب اقترفه ، ولكن حسداً له لأنّه أحبّ إلى أبيهم ، وها هم بنوا إسرائيل الذين أنقذهم اللّه بموسى ، وفلق لهم البحر ، وأغرق أعداءهم فرعونَ وجنوده بدون أن يكلّفهم عناء الحرب ، ما إن خرجوا من البحر ولم تجفّ أقدامهم ، فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا : ياموسى ، اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة! قال : إنّكم قوم تجهلون.

ولمّا ذهب إلى ميقات ربّه ، واستخلف عليهم أخاه هارون تآمروا عليه وكادوا يقتلونه ، وكفروا باللّه ، وعبدو العجل ، ثمّ قتلوا أنبياء اللّه ، قال تعالى :( أفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) (1) .

__________________

1 ـ البقرة : 87.

١٧٥

وها هو سيّدنا يحيى بن زكريا ، وهو نبي وحصور ومن الصالحين ، يقتلُ ويهدى رأسه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.

وها هم اليهود والنصارى يتآمرون على قتل وصلب سيّدنا عيسى.

وها هي أُمّة محمّد تعد جيشاً قُوامه ثلاثين ألفاً لقتل الحسين ريحانة رسول اللّه وسيّد شباب أهل الجنة ، ولم يكن معه غير سبعين من أصحابه ، فقتلوهم جميعاً بما في ذلك أطفاله الرضّع.

فأيّ غرابة بعد هذا؟!

أيّ غرابة بعد قول الرسول لأصحابه : « ستتبعون سُنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه » ، قالوا : أتراهم اليهود والنصارى؟ قال : « فمن؟ »(1) .

أيّ غرابة ونحن نقرأ في البخاري ومسلم قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يؤتى بأصحابي يوم القيامة إلى ذات الشمال ، فأقول : إلى أين »؟ فيقال : إلى النار واللّه ، فأقول : « ياربّ هؤلاء أصحابي » ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : « سُحقاً لمن بدّل بعدي ، ولا آراه يخلص منهم

__________________

1 ـ صحيح البخاري 8 : 151 ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لتتبعن سنن ».

١٧٦

إلاّ مثل همل النعم »(1) .

أيّ غرابه بعد قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ فرقة واحدة »(2) .

وصدق العلّي العظيم ربّ العزّة والجلالة العليم بذات الصدور إذ يقول :

( وَمَا أكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (3) .

( بَلْ جَاءَهُمْ بِالحَقِّ وَأكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (4) .

( لَـقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالحَقِّ وَلَكِنَّ أكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (5) .

( ألا إنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (6) .

( يُرْضُونَكُمْ بِأفْوَاهِهِمْ وَتَأبَى قُلُوبُهُمْ وَأكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ) (7) .

__________________

1 ـ راجع حديث الحوض بألفاظه المختلفة : صحيح البخاري 7 : 209 ، كتاب الرقاق ، باب في الحوض ، صحيح مسلم 7 : 65 ، كتاب الفضائل ، باب إثبات حوض نبينا.

2 ـ المصنّف لعبد الرزاق 10 : 156 ح 18675 ، وقد تقدّم تخريجه فيما مضى ، فراجع.

3 ـ يوسف : 103.

4 ـ المؤمنون : 70.

5 ـ الزخرف : 78.

6 ـ يونس : 55.

7 ـ التوبة : 8.

١٧٧

( إنَّ اللّهَ لَذُو فَضْل عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ) (1) .

( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأكْثَرُهُمُ الكَافِرُونَ ) (2) .

( وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأبَى أكْثَرُ النَّاسِ إلا كُفُوراً ) (3) .

( وَمَا يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) (4) .

( بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (5) .

( أفَمِنْ هَذَا الحَدِيثِ تَعْجَـبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَـبْكُونَ * وَأنْتُمْ سَامِدُونَ ) (6) .

__________________

1 ـ يونس : 60.

2 ـ النحل : 83.

3 ـ الفرقان : 50.

4 ـ يوسف : 106.

5 ـ الأنبياء : 24.

6 ـ النجم : 59 ـ 61.

١٧٨

حسرة وأسى

كيف لا أتحسّر؟ بل كيف لا يتحسّر كلّ مسلم عند قراءة مثل هذه الحقائق ، على ماخسره المسلمون بإقصاء الإمام عليّ عن الخلافة التي نصّبه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها ، وحرمان الأُمّة من قيادته الحكيمة ، وعلومه الكثيرة؟!

وإذا مانظر المسلم بغير تعصّب ولا عاطفة لوجده أعلم الناس بعد الرسول ، فالتاريخ يشهد أنّ علماء الصحابة استفتوه في كلّ ما أشكل عليهم ، وقول عمر بن الخطاب أكثر من سبعين مرّة « لولا عليّ لهلك عمر »(1) ، في حين إنّهعليه‌السلام لم يسأل أحداً منهم أبداً.

كما أنّ التاريخ يعترف بأنّ عليّ بن أبي طالب أشجع الصحابة وأقواهم ، وقد فرّ الشجعان من الصحابة في مواقف عديدة من الزّحف ، في حين ثبتَ هوعليه‌السلام في المواقف كلّها ، ويكفيه دليلاً الوسام الذي وسّمه به رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما قال :

__________________

1 ـ المناقب للخوارزمي 81 ح 65 ، نظم درر السمطين : 132 ، فيض القدير للمناوي 4 : 470 ، ذخائر العقبى : 82 ، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة : 152.

١٧٩

« لأعطين غداً رايتي إلى رجل يحبّ اللّه ورسوله ويحبُّه اللّه ورسولُه كرَّارٌ ليس فرّاراً امتحن اللّه قلبه للإيمان »(1) .

فتطاول إليها الصحابة فدفعها إلى عليّ بن أبي طالب.

وباختصار فإنّ موضوع العلم والقوّة والشجاعة التي يَختصّ بها الإمام عليّ موضوع معروف لدى الخاصّ والعامّ ولا يختلف فيه اثنان ، وبقطع النظر عن النصوص الدالّة على إمامته بالتصريح والتلميح ، فإنّ القرآن الكريم لا يعترف بالقيادة والإمامة إلاّ للعالِم الشجاع القوي ، قال اللّه سبحانه وتعالى في وجوب اتّباع العلماء :

( أفَمَنْ يَهْدِي إلَى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهِدِّي إلا أنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (2) .

وقال تعالى في وجوب قيادة العالم الشجاع القوي :( قَالُوا أنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ المَالِ قَالَ إنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي

__________________

1 ـ حديث الراية ورد بألفاظ وأسانيد مختلفة ، راجع : صحيح البخاري 5 : 76 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب مناقب علي بن أبي طالب وكتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ، صحيح مسلم 5 : 195 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل عليّ بن أبي طالب ، تاريخ دمشق 41 : 219 ، وغيرها من المصادر المعتبرة.

2 ـ يونس : 35.

١٨٠