لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين0%

لأكون مع الصادقين مؤلف:
الناشر: ستارة
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 449

لأكون مع الصادقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
الناشر: ستارة
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 51199
تحميل: 5919

توضيحات:

لأكون مع الصادقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51199 / تحميل: 5919
الحجم الحجم الحجم
لأكون مع الصادقين

لأكون مع الصادقين

مؤلف:
الناشر: ستارة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

10 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 3 : 19.

11 ـ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 115.

12 ـ شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي 1 : 157(1) .

أقول : رغم ذلك لابدّ لعلماء أهل السنّة من صرف هذه الآية إلى مناسبة أخرى ، وذلك للحفاظ على كرامة السلف الصالح من الصحابة ، وإلاّ لو سلّموا بنزولها في غدير خمّ لاعترفوا ضمنياً بأنّ

__________________

بل كذب ، لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت يوم الجمعة يوم عرفة ».

ويرد عليه أولا : إنّ رجال الحديث الذي رواه كلّهم ممن روى عنه أصحاب الصحاح عند أهل السنّة ، فسنده صحيح لا غبار عليه ، كما حقّقه العلاّمة الأميني في الغدير 1 : 694 ، فراجع.

ثانياً : إنّ معارضته بما ورد عن عمر من نزولها بعرفة لا يجعل الحديث منكراً أو كذباً ، ولا أدري بأيّ مرجّح رجّح أحد الصحيحين على الآخر.

ولو سلّمنا ـ جدلا ـ نزولها بعرفة ، لكن قد تكون من الآيات التي نزلت مرّتين ، كما ذهب إلى ذلك سبط ابن الجوزي في تذكرته : 30.

1 ـ وممّن روى نزولها في غدير خم كما ذكرهم العلاّمة الأميني في الغدير 1 : 447 : الطبري في كتاب الولاية ، والحافظ ابن مردويه ، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب ما نزل من القرآن في عليّ ، والحافظ أبو سعيد السجستاني في كتاب الولاية ، وأبو الفتح النطنزي في كتاب الخصائص العلوية ، وشيخ الإسلام الحمّوئي الحنفي في فرائد السمطين في الباب الثاني عشر ، والبدخشي في مفتاح النجا.

١٢١

ولاية علي بن أبي طالب هي التي أكمل اللّه بها الدين وأتمّ بها على المسلمين نعمته ، ولتبخّرت خلافة الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه ، ولتزعزعت عدالة الصحابة ، ولذابت أحاديث كثيرة مشهورة كما يذوب الملح بالماء.

وهذا أمر مستحيل وخطبٌ فادحٌ! لأنه يتعلّق بعقيدة أُمّة كبيرة لها تاريخها وعلماؤها وأمجادها ، فلا يمكن لنا تكذيب أمثال البخاري ومسلم الذين يروون بأنّ الآية إنّما نزلت عشية عرفة في يوم الجمعة.

وبمثل ذلك تصبح الروايات الأُولى مجرّد خرافات شيعيّة لا أساس لها من الصحّة ، ويصبح الطعن على الشيعة أولى من الطعن على الصحابة ، فهؤلاء معصومون عن الخطأ(1) ولا يمكن لأيّ إنسان أن ينتقد أفعالهم وأقوالهم ، أمّا أولئك الشيعة فهم مجوس ، كفّار ، زنادقة وملحدون ، ومؤسّس مذهبهم هو عبداللّه بن سبأ(2) ، وهو

__________________

1 ـ لأنّهم يعتقدون بأنّ الصحابة كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ( المؤلّف ).

2 ـ اقرأ كتاب عبداللّه بن سبأ للعلاّمة العسكري لتعرف بأنّه لا وجود له ، وهو من مختلقات سيف بن عمر التميمي المشهور بالوضع والكذب ، واقرأ كتاب الفتنه الكبرى لطه حسين ، وإن شئت فاقرأ كتاب الصلة بين التصوف والتشيع للدكتور مصطفى كامل الشيبي لتعرف بأن عبداللّه بن سبأ هذا ليس غير سيّدنا عمار بن ياسر رضي اللّه تعالى عنه ( المؤلّف ).

١٢٢

يهودي أسلم في عهد عثمان ليكيد للمسلمين وللإسلام.

وهذا أسهل بكثير للتمويه على الأُمة التي تربّت على تقديس واحترام الصحابة ـ أي صحابي كان ولو شاهد النبي مرّة واحدة ـ.

وأنّى لنا أن نقنعهم بأنّ تلك الروايات ليست خرافات شيعية ، وإنّما هي من أحاديث الأئمة الاثني عشر الذين نصّ رسول اللّه على إمامتهم ، الذين نجحت الحكومات الإسلامية في القرن الأوّل في غرس حبّ واحترام الصحابة مقابل التنفير من عليّ وبنيه ، حتى لعنتهم على المنابر ، وتتبّعت شيعتهم بالقتل والتشريد ، فنشأ من ذلك بغض وكراهية لكلّ الشيعة ، لما روّجتْهُ وسائل الإعلام في عهد معاوية من إشاعات وخزعبلات وعقائد فاسدة ضدّ الشيعة ، وهم ـ الحزب المعارض ـ كما يسمّى عندنا اليوم ، لعزلهم والقضاء عليهم.

ولذلك نجد حتّى الكُتاب والمؤرّخين في تلك العصور يسمّونهم الروافض ، ويكفّرونهم ويستبيحون دماءهم تزلّفاً للحكّام.

ولمّا انقرضت الدولة الأموية وخلفتها الدولة العبّاسية ، نسج بعض المؤرّخين على منوالهم ، وعرف البعض حقيقة أهل البيت(1) ، فحاول التوفيق والإنصاف ، فألحقَ علياً بالخلفاء الراشدين ، ولكن لم يجرأوا

__________________

1 ـ ذلك لأنّ الأئمة من أهل البيت فرضوا أنفسهم بأخلاقهم وعلومهم التي ملأت الخافقين وبزهدهم وتقواهم والكرامات التي حباهم الله بها ( المؤلّف ).

١٢٣

على التصريح بأحقّيته ، ولذلك تراهم لا يخرجون في صحاحهم إلاّ النزر اليسير من فضائل علي ، والتي لا تتعارض مع خلافة الذين سبقوه.

والبعض منهم وضع كثيراً من الأحاديث في فضل أبي بكر وعمر وعثمان على لسان عليّ نفسه ، حتى يقطع بذلك ـ على زعمه ـ الطريق على الشيعة الذين يقولون بأفضليته.

واكتشفْتُ خلال البحث بأنّ شهرة الرجال وعظمتهم إنّما كانت تقدّر ببغضهم لعليّ بن أبي طالب ، فالأمويون والعباسيون كانوا يُقرّبون ويُعظّمون كل من حارب الإمام عليّ ، أو وقف ضدّه بالسيف أو باللسان ، فتراهم يرفعون بعض الصحابة ويضعون آخرين ، ويغدقون الأموال على بعض الشعراء ويقتلون آخرين ، ولعلّ عائشة أمّ المؤمنين لم تكن لتحظى بتلك المنزلة عندهم لولا بغضها(1)

__________________

1 ـ ورد في الطبقات لابن سعد 2 : 179 باب مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قالت عائشة : فخرج بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض بين ابن عباس ـ تعني الفضل ـ ورجل آخر ، قال عبيد اللّه : فأخبرت ابن عباس بما قالت ، قال : فهل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمّ عائشة؟ قال : قلت : لا. قال ابن عباس : هو عليّ ، إنّ عائشة لا تطيب له نفساً بخير ».

وأورده البخاري في صحيحه ( كتاب المغازي ، باب مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن

١٢٤

وحربها لعليّ.

ومن ذلك أيضاً تجد العباسيين يعلون من شأن البخاري ومسلم والإمام مالك؛ لأنّهم لم يخرجوا من فضائله إلاّ القليل ، بل نجد صراحة في هذه الكتب بأنّ عليّ بن أبي طالب لا فضل له ولا مزيّة.

فقد روى البخاري في صحيحه في ( باب مناقب عثمان ) عن ابن عمر قال : كنّا في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نعدِلُ بأبي بكر أحداً ، ثم عُمرَ ، ثم عثمانَ ، ثم نترك أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نفاضل بينهم(1) .

__________________

مع بتر ذيله.

وفي تاريخ الطبري 3 : 189 : « لكنّها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع ».

وفي مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني : 54 : « أنّها لمّا سمعت بقتل عليّ سجدت ».

وفي الطبري 5 : 150 والكامل لابن الأثير 3 : 394 : « أنّها لما سمعت بقتله قالت :

فألقت عصاها واستقرّت النوى كما قرّ عيناً بالإياب المسافر

فلمّا علمت باسم قاتله قالت :

فإن يك نائياً فلقد نعاه غلام ليس في فيه التراب

فقالت لها زينب ابنة أبي سلمة : ألعليّ تقولين هذا؟ فقالت : إنّي أنسى ، فإذا نسيت فذكروني ».

1 ـ كما روى البخاري في صحيحه 4 : 195 رواية تُنسب إلى محمّد بن

١٢٥

فعلىّ عنده كسائر الناس ـ إقرأ واعجب ـ!!

كما أنّ في الأمّة فِرقاً أخرى ـ كالمعتزلة والخوارج وغيرهم ـ ممّن لا يقول بمقالة الشيعة ، ولأنّ إمامة علي وأولاده من بعده تقطع عليهم الطريق للوصول للخلافة ، والتحكّم في رقاب الناس ، والتلاعب بمصيرهم وممتلكاتهم ، كما فعل ذلك بنو أميّة وبنو العباس في عهد الصحابة ، وعهد التابعين وإلى يوم الناس هذا.

لأنّ حكّام العصر الذين وصلوا إلى الحكم ـ سواء بالوراثة كالملوك والسلاطين ، أو حتّى الرؤساء الذين انتخبتهم شعوبهم ـ لا يعجبهم هذا الاعتقاد ، أعني أن يعتقد المؤمنون بخلافة أهل البيت ، ويضحكون من هذه الفكرة التيوقراطية ، التي لا يقول بها إلاّ الشيعة ، وخصوصاً إذا كان هؤلاء الشيعة قد بلغوا من سخافة العقل وسفاهة الرأي أنهم يعتقدون بإمامة المهدي المنتظر الذي سيملأ أرضهم قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ ظلماً وجوراً.

ونعود الآن لمناقشة أقوال الطرفين في هدوء وبدون تعصّب ، لنعرف ما هي المناسبة وما هو سبب نزول آية « إكمال الدين » ، حتّى

__________________

الحنفية : « قال : قلتُ لأبي : أىّ الناس خيرٌ بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : أبو بكر ، قلتُ : ثم مَنْ؟ قال : ثم عُمرُ ، وخشيتُ أنْ يقولَ عثمانُ ، قلتُ : ثم أنتَ؟ قالَ : ما أنا إلاّ رجلٌ من المسلمين » ( المؤلّف ).

١٢٦

يتضّح لنا الحقّ فنتبعه ، وما علينا بعد ذلك من رضى هؤلاء أو غضب أولئك مادمنا نتوخّى قبل كلّ شيء رضى اللّه سبحانه والنجاة من عذابه يوم لاينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم.

( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (1) .

مناقشة القول بأنّ الآية نزلت يوم عرفة

أخرج البخاري في صحيحه(2) قال : حدّثنا محمّد بن يوسف ، حدّثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب : إنّ أناساً من اليهود قالوا : لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، فقال عمر : أَيَّةُ آية؟ فقالوا :( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ) .

فقال عمر : إنّي لأعلم أيّ مكان أُنزِلتْ ، أُنزِلتْ ورسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقفٌ بعرفة.

وأخرج ابن جرير عن عيسى بن حارثة الأنصاري ، قال : كنّا

__________________

1 ـ آل عمران : 106 ـ 107.

2 ـ صحيح البخاري 5 : 127 ، كتاب المغازي ، باب 79 في حجّة الوادع ، الدر المنثور 2 : 258 تفسير سورة المائدة ، الآية الثالثة.

١٢٧

جلوساً في الديوان فقال لنا نصراني : يا أهل الإسلام ، لقد أُنزِلتْ عليكم آية لو أُنزِلتْ علينا لاتخذنا ذلك اليوم وتلك الساعه عيداً ما بقي منّا اثنان ، وهي( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) فلم يجبه أحد منّا ، فلقيتُ محمّد بن كعب القرطني فسألته عن ذلك ، فقال : ألا رددتم عليه؟ فقال عمر بن الخطاب : أنزلتْ على النبي وهو واقفٌ على الجبل يوم عرفة ، فلا يزال ذلك اليوم عيداً للمسلمين مابقي منهم أحد(1) .

أوَّلاً : نلاحظ من خلال هذه الروايات أنّ المسلمين كانوا يجهلون تاريخ ذلك اليوم المشهود ولا يحتفلون به ، مّما دعا اليهود مرّة والنصارى أُخرى أن يقولوا لهم : لو أنّ هذه الآية فينا أُنزلت لاتخذنا يومها عيداً ، ممّا حدا بعمر بن الخطاب أن يسأل أيةُ آية؟ ولمّا قالوا :( اليوم أكملتُ لكم دينكم ) قال : إنّي لأعلم أيّ مكان أُنزلتْ : أُنزلتْ ورسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقف بعرفة.

فإنّنا نشمّ رائحه الدسّ والتعتيم من خلال هذه الرواية ، وأن الذين وضعوا هذا الحديث على لسان عمر بن الخطاب في زمن البخاري أرادوا أن يوفّقوا بين آراء اليهود والنصارى في أنّ ذلك اليوم هو يوم عظيم يجب أنّ يكون عيداً ، وبين ما هم عليه من عدم الاحتفال بذلك

__________________

1 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2 : 258 سورة المائدة ، الآية الثالثة.

١٢٨

اليوم ، وعدم ذكره بالمرّة حتى تناسوه ، والمفروض أن يكون من أكبر الأعياد لدى المسلمين ، إذ أنّ اللّه سبحانه أكمل لهم فيه دينهم ، وأتمَّ فيه نعمته عليهم ، ورضي لهم الإسلام ديناً.

ولذلك ترى في الرواية الثانية قول الرواي ـ عندما قال له النصراني : يا أهل الإسلام ، لقد أُنزلت عليكم آية لو أُنزلتْ علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً مابقي منّا اثنان قال الرواي : فلم يُجبْهُ أحدٌ منّا؛ وذلك لجهلهم بتاريخ وموقف ذلك اليوم وعظمته ، ويبدو أنّ الراوي نفسه استغرب كيف يغفل المسلمون عن الاحتفال بمثل ذلك اليوم ، ولهذا نراه يلقى محمّد بن كعب القرطني فيسأله عن ذلك ، فيردّ هذا الأخير بأنّ عمر بن الخطاب روى أنّها أُنزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو واقفٌ على الجبل يوم عرفة.

فلو كان ذلك اليوم معروفاً لدى المسلمين على أنّه يوم عيد لما جهله هؤلاء الرواة ، سواء أكانوا من الصحابة أم من التابعين ، لأنّ الثابت المعروف لديهم أنّ للمسلمين عيدين اثنين ، وهما عيد الفطر وعيد الأضحى ، حتّى أنّ العلماء والمحدّثينَ كالبخاري ومسلم وغيرهما ـ تراهم يخرجون في كتبهم : كتاب العيدين ، صلاة العيدين ، خطبة العيدين ، إلى غير ذلك من المتسالم عليه لدى خاصّتهم وعامّتهم ، ولا وجود لعيد ثالث.

١٢٩

وأغلبُ الظنّ أنّ القائلين بمبدأ الشورى في الخلافة ومؤسّسي هذه النظرية هم الذين صرفوا نزولها عن حقيقتها يوم غدير خمّ بعد تأمير الإمام عليّ ، فكان تحويل نزولها في يوم عرفة أهون وأسهل على القائلين به؛ لأنّ يوم الغدير جمع مائة ألف حاج أو يزيدون ، وليس هناك مناسبة في حجّة الوداع أقرب إلى الغدير من يوم عرفة في المقارنة ، إذ أن الحجيج لم يجتمعوا على صعيد واحد إلاّ فيهما ، فالمعروف أن الناس يكونون متفرّقين جماعات وأشتاتاً في كلّ أيام الحجّ ، ولا يجتمعون في موقف واحد إلاّ في عرفة.

ولذلك نرى أنّ القائلين بنزولها يوم عرفة يقولون بنزولها مباشرة بعد خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشهيرة والتي أخرجها المحدّثون.

وإذا كان النص بالخلافة على عليّ بن أبي طالب قد صرفوه عن حقيقته وباغتوا الناس ـ بمن فيهم عليّاً نفسه والذين كانو منشغلين معه بتجهيز الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفنه ـ بالبيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة على حين غفلة ، وضربوا بنصوص الغدير عرض الجدار ، وجعلوه نسياً منْسيَّاً ، فهل يمكن لأيّ أحد بعد الذي وقع أن يحتجّ بنزول الآية يوم الغدير؟

فليست الآية أوضح في مفهومها من حديث « الولاية » ، وإنّما تحمل في معناها إكمال الدين ، وإتمام النعمّة ورضى الربّ ليس إلاّ ،

١٣٠

وإن كانت تنطوي على إشعار بحصول هنات لهم في ذلك اليوم هو الذي سبب كمال الدين.

ومّما يزيدنا يقيناً بصحة هذا الاعتقاد : ما رواه ابن جرير عن قبيصة بن أبي ذؤيب قال : قال كعب : لو أنّ غير هذه الأُمّة نزلتْ عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أُنزلتْ فيه عليهم فاتّخدوه عيداً يجتمعون فيه ، فقال عمر : وأيّ آية ياكعب؟ فقال :( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) فقال عمر : لقد علمتُ اليوم الذي أُنزلتْ والمكان الذي نزلتْ فيه ، نزلتْ في يوم جمعة ويوم عرفة ، وكلاهما بحمد اللّه لنا عيد(1) .

ثانياً : على أنّ القول بنزول الآية :( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) في يوم عرفة يتنافى مع آية البلاغ :( يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) والتي تأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإبلاغ أمر مهمّ لا تتمّ الرسالة إلاّ به ، والتي سبق البحث وتبينّ نزولها بين مكة والمدينة بعد حجّة الوداع ، وهو مارواه أكثر من مائة وعشرين صحابياً ، وأكثر من ثلاثمائة وستّين من علماء أهل السنّة والجماعة(2) ، فكيف يكمل اللّه الدين

__________________

1 ـ الدر المنثور للسيوطي ، في تفسير الآية( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، سورة المائدة.

2 ـ ممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ آية البلاغ وحديث الغدير وآية الاكمال سبب

١٣١

ويتمّ النعمة في يوم عرفه ، ثمّ بعد أسبوع يأمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو راجع إلى المدينة بإبلاغ شيء مهم لا تتمّ الرسالة إلاّ به ، كيف يصحّ ذلك يا أُولي الألباب؟!

ثالثاً : إنّ الباحث المدقّق إذا أمعن في النظر في خطبة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

نزولهن أمرٌ واحد ، وهو أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتبليغ الناس الولاية لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأن فصل الرواة والمحدّثين بينها لأجل الاختصار أو تقطيع الأخبار أو غير ذلك من الأسباب ، ومن هذا الباب جاء كلام المؤلّف حول عدد رواة آية البلاغ ، لأنه نظر إلى مجموع القضايا الثلاث كقضية واحدة كما هي في واقعها.

ومن هذا يعرف أنّ ما أشكل به صاحب كتاب كشف الجاني : 154 ناشئ من عدم فهم كلام المؤلّف ، والنظر إلى حادثة الغدير وآية البلاغ والإكمال كقضايا متعدّدة لا يرتبط بعضها ببعض ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، كما هو واضح لمن يرجع إلى الروايات وأسباب نزول الآيات.

أضف إلى ذلك أنّ كلام المؤلّف في آية البلاغ وليس في آية الإكمال ـ بناءً على الفصل بينهما ـ فلا وجه للخلط بين الأمرين.

وأمّا ما ذكره في الحاشية من أنّ كتاب الغدير كتاب تكرار وبدون فائدة ، فهو كلام مضحك للثكلى وناشئ عن التعصب المقيت والمذموم؛ إذ أنّ موسوعة الغدير قام مؤلّفها بجمع طرق رواة الحديث ، واعتمد في ذلك على مصادر أهل السنّة المعتبرة ، فيكف يكون مثل هذا العمل تكراراً وبلا فائدة؟!

اللهمّ إلاّ أن تكون المصادر السنيّة التي ذكرها صاحب الغدير مصادر غير معتبرة ولا قيمة لها ، وبذلك يكون عثمان الخميس قد طعن بمصادره المعتبرة التي يعتمد عليها في عقيدته وشرعه.

١٣٢

يوم عرفه ، لا يجد فيها أمراً جديداً يجهله المسلمون ، والذي يمكن اعتباره شيئاً مهمّاً أكمل اللّه به الدين وأتمّ به النعمة ، إذ ليس فيها إلاّ جملة من الوصايا التي ذكرها القرآن ، أو ذكرها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدّة مناسبات ، وأكّد عليها يوم عرفة.

وإليك ما جاء في الخطبة على ماسجّله كلّ الرواه :

إنّ اللّه حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا ويومكم هذا.

اتّقوا اللّه ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، فمن كانت عنده أمانة فليؤدّها.

الناس في الإسلام سواء لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى.

كلّ دم كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي ، وكلّ ربا كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي.

أيّها الناس إنّما النسيء زيادة في الكفر ألا وأنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السماوات والأرض.

إنّ عدّة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه ، منها أربعة حرمٌ.

أُوصيكم بالنساء خيراً ، إنّما أخذتموهن بأمانة اللّه ، واستحللتم

١٣٣

فروجهنّ بكتاب اللّه.

أُوصيكم بمن ملكت أيمانكم ، فأطعموهم ممّا تأكلون ، وألبسوهم ممّا تلبسون.

إنّ المسلم أخو المسلم ، لا يغشّه ، ولا يخونه ، ولا يغتابه ، ولا يحلّ له دمه ، ولا شيء من ماله.

إنّ الشيطان قد يئس أن يُعبد بعد اليوم ، ولكن يُطاع فيما سوى ذلك من أعمالكم التي تحتقرون.

أعدى الأعداء على اللّه قاتل غير قاتله ، وضارب غير ضاربه ، ومن كفر نعمة مواليه فقد كفر بما أَنزلَ اللّه على محمّد ، ومن انتمى إلى غير أبيه فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين.

إنّما أُمرتُ أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلا اللّه وإنّي رسول اللّه ، وإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّ وحسابهم على اللّه.

لا ترجعوا بعدي كفاراً مضلّين يضرب بعضكم رقاب بعض.

هذا كلّ ماقيل في خطبة عرفة من حجّة الوداع ، وقد جمعتُ فصولها من جميع المصادر الموثوقة ، حتى لايبقى شيء من وصاياهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي ذكرها المحدّثون إلاّ أخرجتها ، فهل فيها شيء جديد بالنسبة للصحابة؟

١٣٤

كلاّ ، فكل ماجاء فيها مذكور في القرآن ، ومبيّن حكمه في السنّة النبوية.

فقد قضىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حياته كلّها يبيّن للناس مانزّل إليهم ، ويعلّمهم كلّ صغيرة وكبيرة ، فلا وجه لنزول آية « إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى اللّه » بعد هذه الوصايا التي يعرفها المسلمون؟

وإنّما أعادها عليهم للتأكيد ، لأنّهم لأوّل مرّة يجتمعون عليه بذلك العدد الهائل ، ولأنّه أخبرهم قبل الخروج إلى الحجّ بأنّها حجّة الوداع ، فكان واجباً عليه أن يسمعهم تلك الوصايا.

أمّا إذا أخذنا بالقول الثاني ، وهو نزول الآية يوم غدير خمّ بعد تنصيب الإمام عليّ خليفة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأميراً للمؤمنين ، فإنّ المعنى يستقيم ويكون مطابقاً ، لأنّ الخلافة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهمّ الأُمور ، ولا يمكن أن يترك اللّه عباده سدى ، ولا ينبغي لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يذهب دون استخلاف ويترك أُمّته هملاً بدون راع ، وهو الذي ما كان يُغادر المدينة إلاّ ويستخلف عليها أحداً من أصحابه ، فكيف نصدّق بأنّه التحق بالرفيق الأعلى وما فكّر في الخلافة؟!

وإذا كان المُلحدون في عصرنا يؤمنون بهذه القاعدة ، ويسرعون إلى تعيين خلف للرئيس حتّى قبل موته ليسوس أُمور الناس ، ولا يتركونهم يوماً واحداً بدون رئيس.

فلا يمكن أن يكون الدين الإسلامي ـ وهو أكمل الأديان وأتمها

١٣٥

والذي ختم اللّه به كلّ الشرائع ـ أن يُهمل أمراً مهماً كهذا.

وقد عرفنا فيما تقدّم بأنّ عائشة وابن عمر وقبلهما أبو بكر وعمر أدركوا كلّهم بأنّه لابدّ من تعيين الخليفة ، وإلاّ لكانت فتنة ، كما أدرك ذلك مَن جاء بعدهم من الخلفاء ، فكلُّهم عَيّنوا مَنْ بعدهم ، فكيف تغيب هذه الحكمة على اللّه وعلى رسوله؟!

فالقولُ بأنّ اللّه سبحانه أوحى إلى رسوله في الآية الأُولى « آية البلاغ » وهو راجع من حجّة الوداع بأنْ يُنصّب عليّاً خليفة له بقوله :( يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) أي : يامحمّد إنْ لم تبلّغ ما أمرتك به بأنّ علياً هو ولي المؤمنين بعدك فكأنك لم تُكمل مهمتك التي بُعثتَ بها ، إذ أنّ إكمال الدين بالإمامة أمرٌ ضروري لكلّ العقلاء.

ويبدو أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخشى معارضتهم له أو تكذيبهم ، فقد جاء في بعض الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وقد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد وأُعلم كلّ أبيض وأسود : أنّ علي بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي والإمام بعدي ، فسألتُ جبرئيل أن يستعفي لي ربّي لعلمي بقلّة المتّقين وكثرة المؤذين لي واللائمين لكثرة ملازمتي لعليّ وشدّة إقبالي عليه حتى سمّوني أُذناً ، فقال تعالى :( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ اُذُنٌ قُلْ اُذُنُ خَيْر لَكُمْ ) (1)

__________________

1 ـ التوبة : 61.

١٣٦

ولو شئتُ أن أُسمّيهم وأدلُ عليهم لفعلتُ ، ولكنّي بسترهم قد تكرّمتُ ، فلم يرض اللّه إلاّ بتبليغي فيه ، فاعلموا معاشر الناس إنّ اللّه قد نصّبه لكم ولياً وإماماً ، وفرض طاعته على كلّ أحد » الخطبة(1) .

فلمّا أنزل اللّه عليه :( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) أسرع في نفس الوقت وبدون تأخير بامتثال أمر ربّه ، فنصب علياً خليفة من بعده ، وأمر أصحابه بتهنئته بإمارة المؤمنين ، ففعلوا ، وبعدها أنزل اللّه عليهم :( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ) .

أضف إلى كلّ ذلك أنّنا نجد بعض علماء أهل السنّة والجماعة يعترفون صراحة بنزول آية البلاغ في إمامة عليّ :

فقد رووا عن ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنّا نقرأ على عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك ـ أنّ عليّاً مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالته واللّه يعصمك من الناس »(2) .

وبعد هذا البحث إذا أضفنا روايات الشيعة عن الأئمة الطاهرين ،

__________________

1 ـ أخرجها بكاملها الحافظ ابن جرير الطبري في كتاب الولاية ، وعنه في الصراط المستقيم للبياضي 1 : 301 ، والغدير للأميني 1 : 214.

2 ـ فتح القدير للشوكاني 2 : 60 ، الدر المنثور للسيوطي 2 : 298 ، في تفسير الآية 67 من سورة المائدة.

١٣٧

يتجلّى لنا بأنّ اللّه أكمل دينه بالإمامة ، ولذلك كانت الإمامة عند الشيعة أصلاً من أُصول الدين.

وبإمامة علي بن أبي طالب أتمّ اللّه نعمته على المسلمين ، لئلاّ يبقوا هملاً تتجاذبهم الأهواء وتمزّقهم الفتن فيتفرقوا كالغنم بدون راع.

ورضي لهم الإسلام ديناً؛ لأنّه اختار لهم أئمة أذهب عنهم الرجس وطهّرهم ، وأتاهم الحكمة وأورثهم علم الكتاب؛ ليكونوا أوصياء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيجب على المسلمين أن يرضوا بحكم اللّه واختياره ، ويسلّموا تسليماً ، لأنّ مفهوم الإسلام العام هو التسليم للّه ، قال تعالى :

( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللّهُ لا إلَهَ إلا هُوَ لَهُ الحَمْدُ فِي الاُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (1) .

ومن خلال كلّ ذلك يُفهمُ بأنّ يوم الغدير اتخذه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم عيد ، إذ بعد تنصيب الإمام عليّ وبعد أن نزل عليه قوله :( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية : قال : « الحمد للّه على إكمال الدين ،

__________________

1 ـ القصص : 68 ـ 70.

١٣٨

وإتمام النعمة ، ورضى الربّ برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي »(1) .

ثم عقد له موكباً للتهنئة ، وجلسصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خيمة وأجلس عليّاً بجانبه ، وأمر المسلمين ـ بما فيهم زوجاته أُمهات المؤمنين ـ أن يدخلوا عليه أفواجاً ويهنّئوه بالمقام ، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، ففعل الناس ما أُمروا به ، وكان من جملة المهنّئين لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بهذه المناسبة أبو بكر وعمر.

وقد جاءا إليه يقولان له : بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحتَ وأمسيتَ مولانا ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة(2) .

ولمّا عرف حسّان بن ثابت شاعر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرح النبي واستبشاره في ذلك اليوم ، قال : أتأذن لي يارسول اللّه أن أقول في هذا المقام أبياتاً تسمعهن؟ فقال : « قل على بركة اللّه ، لا تزال ياحسّان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ».

فأنشد يقول :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ فأسمع بالرسول مناديا

__________________

1 ـ الحاكم الحسكاني 1 : 158 ح 212 ، عن أبي سعيد الخدري في تفسيره للآية ، المناقب للخوارزمي : 135 ح 153.

2 ـ مرّ تخريجه فيما تقدّم.

١٣٩

إلى آخر الأبيات التي ذكرها المؤرّخون(1) .

ولكن ورغم كلّ ذلك ، فإنّ قريشاً اختارت لنفسها ، وأبتْ أن تكون في بني هاشم النبوّة والخلافة ، فيجحفون على قومهم بُجُحاً بُجحاً ، كما صرّح بذلك عمر بن الخطاب لعبد اللّه بن عبّاس في محاورة دارت بينهما(2) .

فلم يكن في وسع أحد أن يحتفل بذلك العيد بعد ذكراه الأُولى التي احتفل بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإذا كانوا قد تناسوا نصّ الخلافة وتلاشى من أذهانهم ، ولم يمض عليه من الوقت غير شهرين ، ومع ذلك لم يتكلّم به أحد ، فكيف بذكر الغدير التي مضى عليها عام كامل ، على أنّ هذا العيد مربوط بذلك النصّ على الخلافة ، فإذ انعدم النصّ وزال السببُ لم يبق لذلك العيد أثرٌ يذكر.

ومضت على ذلك السنون ، حتّى رجع الحقّ إلى أهله بعد ربع قرن ، فأحياها الإمام علي من جديد بعد ما كادت تُقبرُ ، وذلك في

__________________

1 ـ شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 202 ، المناقب للخوارزمي : 136 ح 152 ، نظم درر السمطين : 112.

2 ـ الطبري في تاريخه 4 : 222 حوادث سنة 23 باب شيء من سيرهِ ممّا لم يمض ذكره ، تاريخ ابن الأثير 3 : 63 حوادث سنة 23.

١٤٠