نفحات عاشوراء

نفحات عاشوراء0%

نفحات عاشوراء مؤلف:
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 224

نفحات عاشوراء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم البهادلي
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 224
المشاهدات: 41922
تحميل: 7064

توضيحات:

نفحات عاشوراء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 224 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41922 / تحميل: 7064
الحجم الحجم الحجم
نفحات عاشوراء

نفحات عاشوراء

مؤلف:
الناشر: دار الإمام الجواد (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الإيثار الثاني؛ الأول كان في شرب الماء قبل الحسين عندما ملك المشرعة، والثاني أنّه كلمّا أراد الحسين حمل أبي الفضل أو وضع رأسه في حجره لم يرضَ أبو الفضل، قال له الحسينعليه‌السلام : «أخي يا أبا الفضل، ما لي كلّما جعلت رأسك في حجري أخذته ومرّغته في الأرض؟!».

قال أبو الفضلعليه‌السلام : أخي، إن أخذت رأسي وجعلته في حجرك، فمَنْ الذي يجعل رأسك في حجره؟ لا حظوا الإيثار، الله أكبر.

صـاح احسين يا خويه يا عباس

يا نور العين يا تاجي العله الراس

خويه أنت الدرع والسيف والطاس

اشـلون اتروح وانا ابگى امحيّر

جواب أبي الفضل العباسعليه‌السلام بلسان الحال:

يگله احسين يا زهرة اخيامي

يـا خويه نحّلت سكنه عظامي

درخصني اُريد الحگ عمامي

اُريد الـثار گلـبي دمه ايفوّر

وكأنّي بأخته العقيلةعليها‌السلام تناديه:

يـعبّاس يـا نـور الـعيون

رحت عنك سبيّه ويّه الظعون

والـلي سـبونه ما يرحمون

طـول الدرب بينه يضربون

وسـياطهم تعلب على امتون

خـواتك يبو الغيره يمزيون

* * *

١٤١

أو تشتكي العطشَ الفواطمُ عنده

وبصدرِ صعدتهِ الفُراتُ المفعمُ

* * *

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

١٤٢

المجلس العاشر

الرحمة

١٤٣

١٤٤

المجلس العاشر

الرحمة

طـمعتْ أن تسومهُ القومُ ضيماً

وأبی اللهُ والـحـسامُ الـصنيعُ

كـيفَ يـلوي علی الدنيةِ جيداً

لـسوی اللهِ ما لواهُ الـخضوعُ

فـأبی أن يـعيشَ إلاّ عـزيزاً

أو تـجلّی الـكفاحُ وهو صريعُ

زوّجَ الـسيفَ بـالنفوسِ ولكن

مهرُها الموتُ والخضابُ النجيعُ

بـأبي كـالئاً علی الطفّ خِدراً

هـو في شـفرةِ الـحُسامِ منيعُ

قـطعوا بـعدهُ عُـراهُ ويا حبـ

ـل وريدِ الإسـلامِ أنـتَ القطيعُ

قـوّضي يـا خيامُ عليا نزارٍ

فـلقد قـوّضَ الـعمادُ الـرفيعُ

وامـلأي الـعينَ يـا اُميةَ نوماً

فـحسينٌ عـلی الصعيدِ صريعُ

وسروا في كرائمِ الوحي أسری

وعِـداك ابـن أمّـها الـتقريعُ

فـترفّقْ بـها فـما هـي إلاّ

نـاضرٌ دامعٌ وقلبٌ مَروعُ(1)

* * *

____________________

(1) القصيدة للسيد حيدر الحلّيرحمه‌الله ، قال عنه السيّد جواد شبّررحمه‌الله في أدب الطفّ: ولد السيد حيدر في الحلّة، وينتهي نسبه إلى الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام . كان مولده (15) شعبان سنة 1246 هـ، الموافق سنة (1830 م)، وقبل أن يكمل عامه الثاني من عمره فقد والده فعاش يتيماً، وتولّى تربيته عمّه السيد مهدي...

كان شاعراً مجيداً من أشهر شعراء العراق، أديباً ناثراً، جيد الخطّ، نظم فأكثر، ولاسيما في رثاء الحسينعليه‌السلام ...

وقال عنه الزركلي في (الأعلام): السيد حيدر شاعر أهل البيت في العراق، أديب إمامي، شعره حسن، وكان مترفّعاً عن المدح والاستجداء، موصوفاً بالسخاء، له ديوان شعر سمّاه (الدرّ اليتيم).

وأشهر شعره حولياته في رثاء الحسينعليه‌السلام ... ولا تظنّ أنّ إبداعه يقتصر على مراثي أهل البيتعليهم‌السلام ؛ فإنّ شعره في شتى النواحي مزدان بالإبداع، مرصوص الجوانب كالسلاسل الذهبية...

ومن آثاره الأدبية: (كتاب دمية القصر في شعراء العصر) وغيرها.

توفي السيد حيدر في مسقط رأسه الحلّة عشية الأربعاء في الليلة التاسعة من ربيع الثاني، وعمره 59 سنة، ودُفن في النجف الأشرف في الجهة الشمالية من الصحن الحيدري. (أدب الطفّ 8 / 8 - 14).

١٤٥

عگب الخدر ذاك ودلالي

أمشي بيسر يحسين تالي

وراسـك يشيلونه اگبالي

يامحنتي ومحنة اطفالي

* * *

مـشينه عـلی الهزل ومچتفينه

اُوخذونه بها اليسر غصبن علينه

أويَـاكم نـضل لو يحصل بدينه

لـمن يـحسين بـلفيته المحتّم

* * *

(أبو ذيّة):

يـخويه تعلم بحالي وداري

بگيت أرعی يتاماكم وداري

سميه دورها تزهي وداري

عگبـكُم يخوتي ظلّت خليه

* * *

١٤٦

عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال: «أربع مَنْ كُنَّ فيه بنی الله له بيتاً في الجنّة؛ مَنْ آوی اليتيم، ورحم الضعيف، وأشفق علی والديه، ورفق بمملوكه»(1) .

الرحمة: هي مبعث الخيرات، ومعدن الفضائل، فبالرحمة تتجمّع الصلاة، وتتوحّد البشرية، بها يبرُّ الولد أباه، وبها يصل المرء قريبه، وبها يألف الزوجان أحدهما الآخر، وبها يُكفل اليتيم، ويُشبع الجائع، ويُكسی العُريان، ويُهتمّ حتّی بالحيوان.

والرحمة: شعورٌ طيّب يُشارك الآخرين آلامهم، مُحاولاً أن يُخفّف عنهم وطأة هذه الآلامِ وينسيهم أثقالها.

رحمة الله عزّ وجلَّ على مخلوقاته

فعن الإمام الكاظمعليه‌السلام قال: «... ما ظنّك بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد إلی مَنْ يؤذيه بأوليائه، فكيف بمَنْ يؤذى فيه؟ وما ظنّك بالتوّاب الرحيم الذي يتوب علی مَنْ يعاديه، فكيف بمَنْ يترضاه، ويختار عداوة الخلق فيه؟»(2) .

ولذا ورد أنّ إبليس يطمع في رحمة الله عزّ وجلَّ يوم القيامة؛ فقد حُكي أنّ نبيَّ الله موسی (علی نبينا وآله وعليه السّلام) التقی بإبليس (لعنه الله)، فدارت بينهم بعض المحادثات، ثمّ قال نبي الله موسیعليه‌السلام : ستری ماذا سيحلّ بك غداً؟

____________________

(1) الخصال / 223 باب الأربعة.

(2) تحف العقول / 399.

١٤٧

قال إبليس: وأنت أيضاً ستری ماذا سأفعل غداً؟

قال موسی: وما أنت فاعل؟

قال إبليس: اُطالبُ الله بوعده،‌ واحتجّ بقوله:( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (1) ، وأنا شيءٌ، فوجب أن تتّسع لي رحمته، وإذا كنتُ أنا لا شيء فاللاشيء لا يُحاسب ولا يُعاقب.

قال موسی: إنّ رحمة الله تتّسع لمَنْ فيه الأهلية والقابلية لها، وأنت بعيد عنها كلّ البعد(2) .

ولذا نری أنّ رحمة الله وإن كانت واسعة ويطمع فيها حتّی إبليس، لكنّ الذي ليس أهلاً لها وليس فيه القابلية علی استلامها فلا تشمله، فهي قريبة من مستحقيها؛ ولذا قال تبارك وتعالی:( إنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) (3) .

ما هي الاُمور التي تسبّب الرحمة؟

هناك عدّة اُمور تسبّب الرحمة الإلهية، بحيث إنّ الإنسان لو فعلها كان قد سبب رحمة الله تبارك وتعالی فيها:

1 - الطاعة

فعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: «تعرّضوا لرحمة الله بما أمركم من طاعته»(4) .

____________________

(1) سورة الأعراف / 156.

(2) آيات منتخبة من القرآن الكريم / 11.

(3) سورة الأعراف / 56.

(4) تنبيه الخواطر 2 / 120.

١٤٨

2 - الذكر

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال: «بذكر الله تُستنزل الرحمة»(1) .

3 - إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والطاعة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال تعالی:( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (2) .

4 - رحمة خلق الله ورحمة النفس

فعن النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن يوم القيامة. ارحم مَنْ في الأرض يرحمك مَنْ في السماء»(3) .

5 - معرفة الإنسان نفسه

فعن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال: «رحم الله امرأً عرف قدره، ولم يتعدَّ طوره»(4) .

ما هي الاُمور التي تمنع الرحمة؟

1 - رحمة مَنْ لا يرحم

فعن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال: «رحمة مَنْ لا يرحم تمنع الرحمة»(5) .

2 - منع الرحمة

فعنهعليه‌السلام أنّه قال: «مَنْ لم يرحم الناس منعه الله رحمته»(6) .

رحمة الأيتام

رُوي أنّه كان النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله يتكفّل يتيماً، ‌وكان كلّما يجلس علی طعامه

____________________

(1) عيون الحكم والمواعظ / 188.

(2) سورة النور / 56.

(3) بحار الأنوار 74 / 167.

(4) عيون الحكم والمواعظ / 261.

(5) المصدر نفسه / 270.

(6) المصدر نفسه / 428.

١٤٩

يحضره ويأكل معه، فلمّا مضی زمان مات اليتيم، فلم يأكل النبّي في الليلة طعاماً، وكان يتأسّف علی فوته، فقال له أصحابُه: كم تُحزن قلبك بفوته وحرمانك منه! نحن نُجيئك بيتيمٍ آخر فتكفله.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «‌هذا اليتيم كان سيئ الخُلق، وأنا كنتُ تحمّلتُ سُوءَ أَخلاقه فلا يحصل لي من غيره ما يحصل من الفيض»(1) .

وهكذا تكون مسألة اليتيم من المسائل التي اهتمّ بها النبّي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأجل اهتمام الباري عزَّ وجلَّ، حتّی إنّه تبارك وتعالی جعل أكل مال اليتيم أكلاً للنار، حيث قال عزَّ وجلَّ:( إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) (2) .

وقد يغفر الله تبارك وتعالی للإنسان ذنوباً كبيرة لأجل اهتمامه بالأيتام. حدّث بعض الثقات أن رجلاً من المنهمكين في الفساد مات في نواحي البصرة، فلم تجد امرأته مَنْ يعينها علی حمل جنازته؛ لتنفّر الطباع منه، فاستأجرت مَنْ حملها إلی المصلّى، فما صلّی عليها أحد، فحملوها إلی الصحراء للدّفن.

وكان علی جبلٍ قريبٍ من الموضع زاهدٌ مشهورٌ، فرأوه كالمنتظر للجنازة، فقصدها ليُصلي عليها، فانتشر الخبر في البلد أنَّ فلان الزاهد نزل يُصلّي علی فلان، فخرج أهلُ البلد فصلّوا معه عليها، وتعجّب الناس من صلاة الزّاهد، وقيل له في ذلك، فقال: رأيتُ في المنام انزل إلی الموضع

____________________

(1) الأخلاق والآداب الإسلاميّة / 184.

(2) سورة النساء / 10.

١٥٠

الفلاني تری فيه جنازة ليس معها أحد إلاّ امرأة، فصلِّ عليها؛ فإنّه مغفور له.

فازداد تعجّب الناس من ذلك، فاستدعی الزاهد امرأة الميّت وسألها عن حاله، فقالت: كان طول نهاره مشتغلاً بشرب الخمر.

فقال: هل تعرفين له شيئاً من أعمال الخير؟

فقالت: ثلاثة:

الأوّل: كان كلّ يوم يفيق من سكره وقت الصُّبح، فيبدّل ثيابه، ويتوضأ ويُصلّي الصُبح.

الثاني: أنّه كان لا يخلو بيته من يتيمٍ أو يتيمين، وكان إحسانه إليهم أكثر من إحسانه إلی أولاده.

الثالث: أنّه كان يفيق من سكره في أثناء الليل فيبكي، ويقول: يا ربِّ، أيّ زاويةٍ من زوايا جهنم تُريد أن تملأها بهذا الخبيث(1) ؟

ومن هنا كان إيواء اليتيم ركناً من الأركان الأربعة التي يبني الله تبارك وتعالی بها بيتاً في الجنة للعبد الذي يتصّف بها كما تقدّم في الحديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام . هذا كلّه في الأمر الأوّل من الاُمور الأربعة.

رحمة الضعيف

وهي لا تختص بالإنسان بل تشمل حتّی الحيوان، فرحمة الله تبارك وتعالى عامّة وشاملة لجميع المخلوقات( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (2) ، ولكن أهم شيء

____________________

(1) الأخلاق والآداب الإسلاميّة / 184.

(2) سورة الأعراف / 156.

١٥١

أن يرحم الإنسان أخاه الإنسان ويهتمّ به، خاصة إذا كان ضعيفاً من الناحية البدنية والمادية، بل وحتّی المعنوية؛ فإذا رحم الإنسان أَخاه الإنسان المسلم سوف ينزل الله تبارك وتعالی رحمته عليهما.

وقد يصل الإنسان إلی منزلة دنيوية وأخروية عالية بسبب رفقه بالحيوانات ورحمته للضعيف منها.

نُقل أنَّ السلطان المقتدر سبكتكين كان صيّاداً من سكان نيشابور، ولم يكن له من متاع الدنيا إلاّ فرس، فركبه يوماً وذهب للصيد كما كان عادته، فرأی ظبياً معه فصيلهُ، فقصدهما، ففرّ الظبي واصطاد الفصيل، فشدّه علی رديفه ورجع، فلمّا ذهب قدراً من الطريق نظر إلی خلفه فرأی الظبي يسير خلفه وينظر إليه نظر حسرة، فعلم من حاله أنّه يطلب فصيله؛ ولهذا يمشي خلفه، فرّق وأشفق عليه في نفسه: الصيد وإن كان حلالاً ومباحاً لي لكن الترّحم علی هذا الظبي أولی من هذا الصيد. فوضعه علی الأرض، فأخذ مع اُمّه بطريقهما.

وكان السبكتكين ينظر إليهما، فرأی الظبي قد رجع وهو ينظر إليه كأنّه يدعو له، فرجع إلی منزله، فرأی في تلك الليلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه وهو يقول له: «يا سبكتكين، إنّ الله أعطاك السلطنة والدولة العظمی بشفقتك وترحّمك علی الظبي، فيجب عليك أن تراعي ذلك في رعيّتك لتدوم دولتك».

١٥٢

فما مضی زمان حتّی استقّر على سرير الملك الكبير(1) .

الشفقة على الوالدين

وهذا هو الركن الثالث والأمر المهمّ في الحديث، وهو أنّ الإنسان يشفق علی والديه ويرحمهم، وينظر إليهما نظرةً رحيمة؛ فإنّ «رضا الله مع رضا الوالدين، وسخط الله مع سخط الوالدين»(2) .

وهما الباب الذي إذا أراد الإنسان أن يرضي الله تبارك وتعال‍ی يرضيه عن طريقهما، حتّی قرن سبحانه وتعالی عبوديته بطاعتهما، حيث قال عزَّ جلّ:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناًً ) (3) .

سُئل أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ:( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) (4) ، ما هذا الإحسان؟ فقال: «الإحسان صُحبتهما، وأن لا تكلّفَهما أن يسألاك شيئاً ممّا يحتاجان إليه وإن كانا مستغنين. أليس يقول الله (عزّ وجلّ):( لََن تَنَالُواْ الْبِرَّ حتّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ) ؟»(5) .

فمن حقّنا أن نعرف ويعرف كلُّ ذي لُُبٍّ أنّ الأب وإن عظم حقّه لما يقوم به للولد من بذلٍ في سبيل تثقيفه وتأديبه، فيما ليس بإمكان الاُمّ أن تقوم

____________________

(1) الأخلاق والآداب الإسلاميّة / 188.

(2) روضة الواعظين / 368.

(3) سورة الإسراء / 23.

(4) سورة البقرة / 83.

(5) الكافي 2 / 157، ح1، والآية من سورة آل عمران / 62.

١٥٣

بالبعض منه إلاّ‌ نادراً، هو أقلَّ‌ منها حقّاً علی الولد، كيف ولماذا؟ لأنّها تحمّلت في حمله والمخاض به في «ساعات الطلق» الموصوفة بسكرات الموت، تحمّلت ما لم يستطع الوالدُ لو كُلِّف تحمُّل بعضه، إضافةً إلی ما تحمله للولد من حنانٍ فائق.

هذا أمير المؤمنينعليه‌السلام ووصيُّ رسول ربِّ العالمين يُخاطبُ ولده الحسن الزكيّعليه‌السلام بوصيته له: «بُنيَّ، وجدتُك بعضي، بل وجدتُك كُلّي، حتّی لو أنَّ شيئاً أو سهماً أصابك أصابني، ولو أنّ الموت أتاك أتاني»(1) .

يخاطبُه بهذا الخطاب، والحسنعليه‌السلام عندها بتمام الصحة وريعان الشباب، لم يُصب بشيءٍ، لكنّ الإمامعليه‌السلام يصف شفقته عليه وتألمُه إليه، لو قُدّر أنّه يُصابُ بسهمٍ أو بجرحٍ يقول له الإمامعليه‌السلام : ذلك السهم باللحظة نفسها أُصاب به كما اُصبتَ.

يعني من شدّةِ الحُبّ وقوّة العلاقة، والصفاءِ والولاء الذي بيني وبينك ما يُؤلمك يُؤلمني، وما يُصبك يُصبني.

وقال حُكماء العرب: إصابةُ السَّهم أخفُّ ألماً من إصابة الهمِّ والغمِّ.

ولذا يقف الإمام الحسينعليه‌السلام على ابن أخيه القاسم ابن الإمام الحسنعليه‌السلام ، وكأنّما وقف الإمام على ولده؛ لأنّه هو الذي ربّاه واعتنى به، وكأنّي به يخاطبه(2) :

____________________

(1) بحار الأنوار 74 / 199.

(2) من دروس شيخنا الأستاذ محمّد سعيد المنصوريرحمه‌الله .

١٥٤

صاح يا جسام وعد راسه گعد

ويـل گلـبي ينحب أوكلبه انمرد

يـبن أخوي العرس چا إلمن بعد

أوهامتك من سيف الأزدي مشرگه

ثمّ جاء عمّهعليه‌السلام يناشده:

يعمّي اشگالت من الطبر روحك

يـجاسم مـا تراويني اجروحك

لـون ابكي يعمّي چنت انوحك

بگلب مثل الغضه وابدمع مُحمر

* * *

إن يبكه عمّه حزناً لمصرعه

فـما بكى قمرٌ إلاّ على قمرِ

* * *

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم،

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيَّ مُنقلبٍ ينقلبون

والعاقبة للمتقين.

١٥٥

١٥٦

المجلس الحادي عشر

برّ الوالدين وعقوقهما

١٥٧

١٥٨

المجلس الحادي عشر

برّ الوالدين وعقوقهما

ماتَ التصبّرُ في انتظارك

أيّـها الـمُحي الـشريعه

فـانهضْ فما أبقى التحمّـ

ـلُ غيرَ أحـشاء جـزوعه

كم ذا الـقعودُ وديـنُكم

هُـدمتْ قـواعدُهُ الرفعيه

تـنعى الـفروعُ اُصوله

واُصولهُ تـنعى فروعه

مـاذا يـهيجُك إن صبر

تَ لوقعةِ الـطفِّ الـفظيعه

أترى تـجيءُ فـجيعةٌ

بـأمضَّ مـن تلك الفجيعه

حـيثُ الحسينُ على الثرى

خيلُ العدى طحنت ضلوعه

قـتـلـتُـه آلُ أميـةٍ

ظـامٍ إلـى جنبِ الشريعه

ورضـيعُهُ بـدمِ الـوريـ

دِ مُـخضّبٌ فاطلبْ رضيعه

مـا هـزّ أضـلُعَكم حِـدَا

ءُ القومِ بالعيسِ الظليعه(1)

* * *

(نصاري):

مـشينه اعله الهزل وامچتفينه

اُوخذونه ابها اليسر غصباً علينه

اُويـاكم نـضل لو يحصل بدينه

لـمن يـحسين يـلفينه المحتّم

____________________

(1) القصيدة للسيد حيدر الحلّيرحمه‌الله ، وقد تقدّمت ترجمته في المجلس العاشر.

١٥٩

مشت فوك الظعن والحرم تنحب

أوعليها اسياط شمر اُو زجر تلعب

حـتّه الـظعن لـلكوفه تگرّب

لا بن زيـاد لـمبشّر تـجدّم

(فايزي):

مـن گال للكوفه العقيله اميسّره أتروح

فوگالجمال الضالعه اُوبين العده اتنوح

اِتـعاين الروس إخوانها جدّامها اتلوح

فـوگالـرماح إبديرة الكوفه ادخلوها

وكأنّي بزينب تخاطب حامل الرأس:

يـشايل راس حامينه اُوولينه

ريّـض خلّي إتودعه اسكينه

ليش حسين ساچت عن ونينه

گلـي تعب يو جرحه تخدّر

* * *

(أبو ذيّة):

حرت ما بين هالنسوه والايتام

اُوبكينه أبيسر ما عِدنه وليتام

لـون عبّاس يبرالي والايتام

مـا واحـد كفو يجسر عليَّ

* * *

١٦٠