اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)0%

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
ISBN: 964- 5688-23
الصفحات: 220

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: ISBN: 964- 5688-23
الصفحات: 220
المشاهدات: 119207
تحميل: 5787

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119207 / تحميل: 5787
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
ISBN: 964- 5688-23
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ب ـ عتقه العبيد: وكان الإمام الباقرعليه‌السلام شغوفاً بعتق العبيد، وإنقاذهم من رقّ العبودية، فقد أعتق أهل بيت بلغوا أحد عشر مملوكاً(١) وكان عنده ستون مملوكاً فأعتق ثلثهم عند موته(٢) .

ج ـ صلته لأصحابه: وكان أحب شيء إلى الإمامعليه‌السلام في هذه الدنيا صلته لإخوانه فكان لا يمل من صلتهم وصلة قاصديه وراجيه ومؤمّليه، وقد عهد لابنه الإمام الصادقعليه‌السلام أن ينفق من بعده على أصحابه وتلاميذه ليتفرّغوا إلى نشر العلم وإذاعته بين الناس(٣) .

د ـ صدقاته على فقراء المدينة: وكان الإمامعليه‌السلام كثير البر والمعروف على فقراء يثرب، وقد أحصيت صدقاته عليهم فبلغت ثمانية الآف دينار(٤) وكان يتصدق عليهم في كل يوم جمعة بدينار ويقول: (الصدقة يوم الجمعة تضاعف الفضل على غيره من الأيام)(٥) .

وذكر المؤرخون: أنه كان أقلّ أهل بيته مالاً وأعظمهم مؤونة(٦) ، ومع ذلك كان يجود بما عنده لإنعاش الفقراء والمحرومين. وقد نقل الرواة بوادر كثيرة من هذا الجود وإليك نماذج منها:

١ ـ روى سليمان بن قرم فقال: كان أبو جعفر يجيزنا الخمسمائة درهم

ــــــــــــــ

(١) عن شرح شافية أبي فراس: ٢ / ١٧٦.

(٢) المصدر السابق.

(٣) حياة الإمام محمد الباقر عليه‌السلام : ١ / ١٢٤.

(٤) شرح شافية أبي فراس: ٢ / ١٧٦.

(٥) في رحاب أئمة أهل البيتعليهم‌السلام : ٤ / ١٢.

(٦) المصدر السابق.

٢١

إلى الستمئة درهم إلى الألف، وكان لا يملّ من صلة الإخوان وقاصديه وراجيه(١) .

٢ ـ قال الحسن بن كثير: شكوت إلى أبي جعفر محمد بن علي الحاجة وجفاء الإخوان، فتأثرعليه‌السلام وقال:بئس الأخ يرعاك غنياً، ويقطعك فقيراً ، ثم أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبعمئة درهم، وقال:استنفق هذه فإذا نفذت فأعلمني (٢).

٣ ـ وكانعليه‌السلام يحبو قوماً يغشون مجلسه من المائة إلى الألف، وكان يحبّ مجالستهم، منهم عمرو بن دينار، وعبد الله بن عبيد. وكان يحمل إليهم الصلة والكسوة، ويقول:هيّأناها لكم من أوّل السنة (٣) .

٤ ـ روت مولاته سلمى فقالت: كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب، ويلبسهم الثياب الحسنة، ويهب لهم الدراهم، وقد عذلته سلمى عن ذلك فقال لها:يا سلمى ما يؤمل في الدنيا بعد المعارف والإخوان .. (٤) وكان يقول:(ما حسّنت الدنيا إلاّ صلة الإخوان والمعارف) (٥) .

عبادته:

كان الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام من أئمة المتقين في الإسلام، فقد عرف الله معرفة استوعبت دخائل نفسه، فأقبل على ربه بقلب منيب، وأخلص في طاعته كأعظم ما يكون الإخلاص. أما مظاهر عبادته فيمكن الإشارة إلى بعضها كما يلي:

ــــــــــــــ

(١) الإرشاد: ٢٩٩.

(٢) صفة الصفوة: ٢ / ٦٣.

(٣) عيون الأخبار وفنون الآثار: ٢١٧، والإرشاد: ٢٢٩.

(٤) صفة الصفوة: ٢ / ٦٣.

(٥) المصدر السابق .

٢٢

أ ـ خشوعه في صلاته: فقد عرف عنه أنه كان إذا أقبل على الصلاة اصفرّ لونه(١) خوفاً من الله وخشية منه، ولا غرو في ذلك فقد عرف عظمة الله تعالى، الذي فطر الكون ووهب الحياة، فعبده عبادة المتقين المنيبين.

ب ـ كثرة صلاته: وكان كثير الصلاة حتى كان يصلي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعة(٢) ولم تشغله شؤونه العلمية ومرجعيته العامة للأمة عن كثرة الصلاة، التي كانت أعزّ شيء عنده; لأنها الصلة والرباط الوثيق بينه وبين الله تعالى.

ج ـ دعاؤه في سجوده: إنّ أقرب ما يكون العبد فيه إلى ربه أن يكون ساجداً، من هنا كان الإمامعليه‌السلام في سجوده يتجه بقلبه وكلّ عواطفه نحو الله ويناجيه بانقطاع وإخلاص، وقد أثرت عنه بعض الأدعية في سجوده:

١ ـ روى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنه قال: كنت أمهّد لأبي فرشه فانتظره حتى يأتي، فإذا آوى إلى فراشه ونام قمت إلى فراشي. وقد أبطأ عليّ ذات ليلة فأتيت المسجد في طلبه، وذلك بعدما هدأ الناس، فإذا هو في المسجد ساجد، وليس في المسجد غيره فسمعت حنينه وهو يقول:(سبحانك اللهم، أنت ربي حقاً حقاً، سجدت لك يا رب تعبّداً ورقّاً، اللهم إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي... اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم) (٣) .

٢ ـ روى أبو عبيدة الحذّاء فقال: سمعت أبا جعفر يقول: ـ وهو ساجد ـ:(أسألك بحق حبيبك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ بدّلت سيّآتي حسنات، وحاسبتني حساباً يسيراً) .

ــــــــــــــ

(١) راجع تاريخ ابن عساكر: ٥١ / ٤٤.

(٢) تذكرة الحفاظ: ١ / ١٢٥، تأريخ ابن عساكر: ٥١ / ٤٤، حلية الأولياء: ٣ / ١٨٢.

(٣) فروع الكافي: ٣ / ٣٢٣.

٢٣

ثم قال في السجدة الثانية:(أسألك بحق حبيبك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ ما كفيتني مؤونة الدنيا، وكلّ هول دون الجنة) .

ثم قال في الثالثة:(أسألك بحق حبيبك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل، وقبلت منّي عملي اليسير) .

ثم قال في الرابعة:(أسألك بحق حبيبك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أدخلتني الجنة، وجعلتني من سكّانها، ولمّا نجيتني من سفعات النار (١) برحمتك، وصلَّى الله على محمد وآله) (٢) .

وتكشف هذه الأدعية عن شدة تعلقه بالله وعظيم إنابته إليه.

حجه:

وكان الإمام أبو جعفرعليه‌السلام إذا حجّ البيت الحرام انقطع إلى الله وأناب إليه وظهرت عليه آثار الخشوع والطاعة، وقد قال مولاه أفلح: حججت مع أبي جعفر محمد الباقر فلما دخل إلى المسجد رفع صوته بالبكاء فقلت له: (بأبي أنت وأمي إن الناس ينتظرونك فلو خفضت صوتك قليلاً).

فلم يعتن الإمام وراح يقول له:(ويحك يا أفلح إني أرفع صوتي بالبكاء لعلّ الله ينظر إليّ برحمة فأفوز بها غداً) .

ثم إنه طاف بالبيت، وجاء حتى ركع خلف المقام، فلما فرغ وإذا بموضع سجوده قد ابتلّ من دموع عينيه(٣) وحجعليه‌السلام مرة وقد احتفّ به الحجيج،

ــــــــــــــ

(١) سفعات النار: هي لفحات السعير التي تغير بشرة الإنسان لشدة حرارتها.

(٢) فروع الكافي: ٣ / ٣٢٢.

(٣) صفة الصفوة: ٢ / ٦٣، نور الأبصار: ١٣٠.

٢٤

وازدحموا عليه وهم يستفتونه عن مناسكهم ويسألونه عن أمور دينهم، والإمام يجيبهم. وبهر الناس من سعة علومه حتّى أخذ بعضهم يسأل بعضاً عنه فانبرى إليهم واحد من أصحابه فعرّفه قائلاً:(ألا إنّ هذا باقر علم الرسل، وهذا مبيّن السبل، وهذا خير من رسخ في أصلاب أصحاب السفينة، هذا ابن فاطمة الغرّاء العذراء الزهراء، هذا بقية الله في أرضه، هذا ناموس الدهر، هذا ابن محمّد وخديجة وعلي وفاطمة، هذا منار الدين القائمة) (١) .

مناجاته مع الله تعالى:

كان الإمامعليه‌السلام يناجي الله تعالى في غَلَس الليل البهيم، وكان مما يقوله في مناجاته:(أمرتني فلم أئتمر، وزجرتني فلم أزدجر، هذا عبدك بين يديك) (٢) .

ذكره لله تعالى:

لقد كان دائم الذكر لله تعالى، وكان لسانه يلهج بذكر الله في أكثر أوقاته، فكان يمشي ويذكر الله، ويحدّث القوم وما يشغله ذلك عن ذكره تعالى. وكان يجمع ولده ويأمرهم بذكر الله حتى تطلع الشمس، كما كان يأمرهم بقراءة القرآن، ومن كان لا يقرأ منهم كان يأمره بذكر الله تعالى(٣) .

ــــــــــــــ

(١) مناقب ابن شهرآشوب: ٤ / ١٨٣.

(٢) حلية الأولياء: ٣ / ١٨٦، ترجمة محمّد بن علي الباقر عليه‌السلام ، رقم ٢٣٥; صفة الصفوة: ٢ / ٦٣.

(٣) في رحاب أئمة أهل البيتعليهم‌السلام : ٤ / ٦.

٢٥

زهده في الدنيا:

وزهد الإمام أبو جعفرعليه‌السلام في جميع مباهج الحياة وأعرض عن زينتها فلم يتخذ الرياش في داره، وإنما كان يفرش في مجلسه حصيراً(١) .

لقد نظر إلى الحياة بعمق وتبصر في جميع شؤونها فزهد في ملاذّها، واتّجه نحو الله تعالى بقلب منيب.

فعن جابر بن يزيد الجعفي: قال لي محمد بن عليعليه‌السلام :(يا جابر إني لمحزون، وإني لمشتغل القلب) .

فأنبرى إليه جابر قائلاً: (ما حزنك؟ وما شغل قلبك؟).

فأجابهعليه‌السلام قائلاً:(يا جابر إنه من دخل قلبه صافي دين الله عَزَّ وجَلَّ شغله عمّا سواه. يا جابر ما الدنيا؟ وما عسى أن تكون؟ هل هي إلا مركب ركبته؟ أو ثوب لبسته؟ أو امرأة أصبتها؟!) (٢) .

وأثرت عنه كلمات كثيرة في الحث على الزهد، والإقبال على الله تعالى، والتحذير من غرور الدنيا وآثامها.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض مظاهر شخصيّته المشرقة.

ــــــــــــــ

(١) دعائم الإسلام: ٢ / ١٥٨.

(٢) البداية والنهاية: ٩ / ٣١٠، حياة الإمام محمد الباقر: ١/١١٥ ـ ١٣٤ بتصرّف.

٢٦

الباب الثاني: فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام محمد الباقرعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام محمد الباقرعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام محمد الباقرعليه‌السلام في ظل جده وأبيهعليهم‌السلام .

الفصل الأول: نشأة الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام

لقد ازدهرت الحياة الفكرية والعلمية في الإسلام بهذا الإمام العظيم الذي التقت فيه عناصر الشخصيّة من السبطين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وامتزجت به تلك الأصول الكريمة والأصلاب الشامخة، والأرحام المطهَّرة، التي تفرّع منها.

فالأب: هو سيد الساجدين وزين العابدين وألمع سادات المسلمين.

والأم: هي السيدة الزكية الطاهرة فاطمة بنت الإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة، وتكنى أم عبد الله(١) وكانت من سيدات نساء بني هاشم، وكان الإمام زين العابدينعليه‌السلام يسميها الصديقة(٢) ويقول فيها الإمام أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام : (كانت صديقة لم تدرك في آل الحسن مثلها)(٣) وحسبها سموّاً أنها بضعة من ريحانة رسول الله، وأنها نشأت في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ففي حجرها الطاهر تربى الإمام الباقرعليه‌السلام .

المولود المبارك:

وأشرقت الدنيا بمولد الإمام الزكي محمد الباقر الذي بشّر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ولادته، وكان أهل البيتعليهم‌السلام ينتظرونه بفارغ الصبر لأنه من أئمة المسلمين الذين نص عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعلهم قادة

ــــــــــــــ

(١) تهذيب اللغات والأسماء: ١ / ٨٧، وفيات الأعيان: ٣ / ٣٨٤.

(٢) عن الدر النظيم من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين تسلسل (٢٨٧٩).

(٣) أصول الكافي: ١ / ٤٦٩.

٢٧

لاُمته، وقرنهم بمحكم التنزيل وكانت ولادته في يثرب في اليوم الثالث من شهر صفر سنة ( ٥٦ هـ )(١) وقيل سنة ( ٥٧ هـ ) في غرة رجب يوم الجمعة(٢) وقد ولد قبل استشهاد جده الإمام الحسينعليه‌السلام بثلاث سنين(٣) وقيل بأربع سنين كما أدلىعليه‌السلام بذلك(٤) وقيل بسنتين وأشهر(٥) .

وقد أجريت له فور ولادته مراسيم الولادة كالأذان والإقامة في أذنيه وحلق رأسه والتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، والعَقِّ عنه بكبش والتصدّق به على الفقراء.

وكانت ولادته في عهد معاوية والبلاد الإسلامية تعج بالظلم، وتموج بالكوارث والخطوب من ظلم معاوية وجور ولاته الذين نشروا الإرهاب وأشاعوا الظلم في البلاد.

تسميته: وسماه جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمحمد، ولقّبه بالباقر قبل أن يولد بعشرات السنين، وكان ذلك من أعلام نبوته، وقد استشفصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وراء الغيب ما يقوم به سبطه من نشر العلم وإذاعته بين الناس فبشّر به أمته، كما حمل له تحياته على يد الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري.

كنيته: (أبو جعفر)(٦) ولا كنية له غيرها.

ألقابه الشريفة: وقد دلّت على ملامح من شخصيته العظيمة وهي:

١ ـ الأمين.

ــــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان: ٣ / ٣١٤، تذكرة الحفاظ: ١ / ١٢٤.

(٢) دلائل الإمامة: ٩٤.

(٣) أخبار الدول: ١١١، وفيات الأعيان: ٣ / ٣١٤.

(٤) تأريخ اليعقوبي: ٢ / ٣٢٠.

(٥) عن عيون المعجزات للحسين بن عبد الوهاب من مخطوطات مكتبة الإمام الحكيم تسلسل (٩٧٥).

(٦) دلائل الإمامة: ٩٤.

٢٨

٢ ـ الشبيه: لأنه كان يشبه جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

٣ ـ الشاكر.

٤ ـ الهادي.

٥ ـ الصابر.

٦ ـ الشاهد(٢) .

٧ ـ الباقر(٣) .

وهذا من أكثر ألقابه ذيوعاً وانتشاراً، وقد لقب هو وولده الإمام الصادق بـ ( الباقرين ) كما لقبا بـ ( الصادقين ) من باب التغليب(٤) .

ويكاد يجمع المؤرخون والمترجمون للإمام على أنه إنّما لقب بالباقر لأنه بقر العلم أي شقه، وتوسع فيه فعرف أصله وعلم خفيه(٥) .

وقيل: إنما لقّب به لكثرة سجوده فقد بقر جبهته أي فتحها ووسعها(٦) .

تحيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الباقرعليه‌السلام : ويجمع المؤرخون على أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمّل الصحابي العظيم جابر بن عبد الله الأنصاري تحياته، إلى سبطه الإمام الباقر، وكان جابر ينتظر ولادته بفارغ الصبر ليؤدي إليه رسالة جده، فلما ولد الإمام وصار صبياً يافعاً التقى به جابر فأدى إليه تحيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد روى المؤرخون ذلك بصور متعددة وهذا بعضها:

١ ـ روى ابن عساكر أن الإمام زين العابدينعليه‌السلام ومعه ولده الباقر دخلا على جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال له جابر: من معك يا ابن رسول الله؟ قال:

ــــــــــــــ

(١) أعيان الشيعة: ق١ / ٤ / ٤٦٤.

(٢) راجع جنات الخلود، وناسخ التواريخ. حياة الإمام الباقر عليه‌السلام .

(٣) تذكرة الحفاظ: ١ / ١٢٤، نزهة الجليس: ٢ / ٣٦.

(٤) عن جامع المقال للشيخ الطريحي.

(٥) عيون الأخبار وفنون الآثار: ٢١٣، عمدة الطالب: ١٨٣.

(٦) عن مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: ٥ / ٧٨ من مصورات مكتبة الإمام الحكيم.

٢٩

معي ابني محمد ، فأخذه جابر وضمّه إليه وبكى، ثم قال: اقترب اجلي يا محمد! ، رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرؤك السلام. فسئل: وما ذاك؟ فقال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول:للحسين بن علي يولد لابني هذا ابن يقال له علي بن الحسين، وهو سيد العابدين إذا كان يوم القيامة ينادي مناد ليقم سيد العابدين فيقوم علي بن الحسين، ويولد لعلي بن الحسين ابن يقال له: محمد إذا رأيته يا جابر فاقرأه مني السلام، يا جابر اعلم أن المهدي من ولده، واعلم يا جابر أنّ بقاءك بعده قليل) (١) .

٢ ـ روى تاج الدين بن محمد نقيب حلب بسنده عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال:(دخلت على جابر بن عبد الله فسلّمت عليه. فقال لي من أنت؟ وذلك بعد ما كف بصره، فقلت له: محمد بن علي بن الحسين، فقال: بأبي أنت وأمي، ادن مني فدنوت منه، فقبّل يدي ثم أهوى إلى رجلي فاجتذبتها منه، ثم قال: إن رسول الله يقرؤك السلام، فقلت وعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السلام ورحمة الله وبركاته، وكيف ذلك يا جابر؟ قال: كنت معه ذات يوم فقال لي: يا جابر لعلك تبقى حتى تلقى رجلاً من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب له الله النور والحكمة فاقرأه مني السلام...) (٢) .

ــــــــــــــ

(١) عن تاريخ ابن عساكر: ٥١ / ٤١ من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.

(٢) غاية الاختصار: ٦٤.

٣٠

٣ ـ ذكر صلاح الدين الصفدي قال: (كان جابر يمشي بالمدينة ويقول: يا باقر متى ألقاك؟ فمرّ يوماً في بعض سكك المدينة فناولته جارية صبياً في حجرها فقال لها: من هذا؟ فقالت: محمّد بن علي بن الحسين، فضمّه إلى صدره، وقبّل رأسه ويديه، وقال: يا بني، جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقرِئُك السلام ثم قال: يا باقر نعيت إليَّ نفسي فمات في تلك الليلة)(١) .

ملامحه: كانت ملامح الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام كملامح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشمائله(٢) وكما شابه جده النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في معالي أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين فقد شابهه في هذه الناحية أيضاً.

ووصفه بعض المعاصرين له فقال: إنه كان معتدل القامة اسمر اللون(٣) رقيق البشرة له خال، ضامر الكشح، حسن الصوت مطرق الرأس(٤) .

ذكاؤه المبكر: وكانعليه‌السلام في طفولته آية من آيات الذكاء حتى أن جابر ابن عبد الله الأنصاري على شيخوخته كان يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه... وقد بهر جابر من سعة علوم الإمام ومعارفه وطفق يقول: (يا باقر لقد أوتيت الحكم صبياً)(٥) .

وقد عرف الصحابة ما يتمتع به الإمام منذ نعومة أظفاره من سعة الفضل والعلم الغزير فكانوا يرجعون إليه في المسائل التي لا يهتدون إليها ويقول المؤرخون إن رجلاً سأل عبد الله بن عمر عن مسألة فلم يقف على جوابها فقال للرجل: اذهب إلى ذلك الغلام ـ وأشار إلى الإمام الباقر ـ فاسأله، وأعلمني بما يجيبك فبادر نحوه وسأله فأجابهعليه‌السلام عن مسألته وخف إلى ابن عمر فاخبره بجواب الإمام، وراح ابن عمر يبدي إعجابه بالإمام قائلاً:

ــــــــــــــ

(١) الوافي بالوفيات: ٤ / ١٠٣.

(٢) أصول الكافي: ١ / ٤٦٩.

(٣) أخبار الدول: ١١١، جوهرة الكلام في مدح السادة الإعلام: ١٣٢.

(٤) أعيان الشيعة: ق١ / ٤ / ٤٧١.

الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، والضامر هو الهزيل والخفيف اللحم. راجع مختار الصحاح.

(٥) علل الشرائع: ٢٣٤.

٣١

إنهم أهل بيت مفهّمون)(١) .

لقد خص الله أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بالعلم والفضل، وزوّدهم بما زوّد أنبياءه ورسله من الفهم والحكمة حتّى أنه لم يخف عليهم جواب مسألة تعرض على أحد منهم، ويقول المؤرخون ان الإمام كان عمره تسع سنين وقد سئل عن أدق المسائل فأجاب عنها.

هيبته ووقاره: وبدت على ملامح الإمامعليه‌السلام هيبة الأنبياء ووقارهم، فما جلس معه أحد إلا هابه وأكبره وقد تشرف قتادة وهو فقيه أهل البصرة بمقابلته فاضطرب قلبه من هيبته وأخذ يقول له:

(لقد جلست بين يدي الفقهاء وأمام ابن عباس فما اضطرب قلبي من أي أحد منهم مثل ما اضطرب قلبي منك)(٢) .

نقش خاتمه: (العزة لله جميعاً)(٣) وكان يتختم بخاتم جده الإمام الحسينعليه‌السلام وكان نقشه (إن الله بالغ أمره)(٤) وذلك مما يدل على انقطاعه التام إلى الله وشدة تعلقه به.

ــــــــــــــ

(١) المناقب: ٤ / ١٤٧.

(٢) إثبات الهداة: ٥ / ١٧٦.

(٣) حلية الأولياء: ٣ / ١٨٩.

(٤) في رحاب أئمة أهل البيتعليهم‌السلام : ٤ / ٤.

٣٢

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام

تنقسم حياة الإمام محمد الباقرعليه‌السلام ـ على غرار سائر الأئمة المعصومينعليهم‌السلام ـ إلى مرحلتين متميزتين:

المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل التصدي للقيادة الشرعية العامة والتي تشمل القيادة الفكرية والسياسية معاً وهي مرحلة الولادة والنشأة حتى استشهاد أبيهعليه‌السلام . وقد عاش الإمام محمد الباقرعليه‌السلام في هذه المرحلة مع جدّه وأبيهعليهما‌السلام فقضى مع جدّه الحسينعليه‌السلام فترة قصيرة جداً لا تزيد على خمس سنين في أكثر التقادير، ولا تقل عن ثلاث سنين.

وعاش مع أبيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام مدة تقرب من اربع وثلاثين سنة، وكانت سنيناً عجافاً; إذ كانت الدولة الأموية في ذروة بطشها وجبروتها، وكان الإمام الباقرعليه‌السلام في هذه المدة رهن إشارة أبيه زين العابدينعليه‌السلام في جميع مواقفه ونشاطاته.

وقد عاصر فيها كلاً من معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومعاوية ابن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان والشطر الأكبر من حكم الوليد بن عبد الملك.

وأما المرحلة الثانية فتبدأ باستشهاد أبيهعليه‌السلام في الخامس والعشرين من محرم الحرام سنة (٩٥ هـ ) وهي مرحلة التصدي لمسؤولية القيادة الروحية والفكرية والسياسية العامة وهي الإمامة الشرعية حسب مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام وهي لا تنحصر في القيادة الروحية فقط كما لا تقتصر على القيادة السياسية بمعنى مزاولة الحكم وإدارة الدولة الإسلامية.

واستغرقت هذه المرحلة ما يقرب من تسعة عشر عاماً، واصل فيها مسيرة الأئمة الهداة من قبله مستلهماً ـ من أجداده الطاهرين وعلومهم والعلوم التي حباه الله بها ـ الأسلوب الصحيح لتحقيق أهداف الرسالة المحمدية.

واستطاع هذا الإمام العظيم خلال تلكم الأعوام أن يقدّم للأمة معالم مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام في جميع مجالات الحياة ويربّي عدة أجيال من الفقهاء والرواة ويبني القاعدة الصلبة من الجماعة الصالحة التي تتبنّى خط أهل البيتعليهم‌السلام الرسالي السليم وتسعى جاهدة لتحقيق أهدافهم المُثلى.

وقد عاصر في هذه المرحلة الأيام الأخيرة من حكم الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وشطراً من حكم هشام بن عبد الملك واستشهد في حكم هشام هذا وعلى يد أحد عمّاله الظالمين.

٣٣

وأقام الإمامعليه‌السلام طيلة حياته في المدينة المنورة، فلم يبرحها إلى بلد آخر، وقد كان فيها المعلم الأول، والرائد الأكبر للحركة العلمية والثقافية، وقد اتخذ الجامع النبوي مدرسة له فكان يلقي في رحابه بحوثه على تلاميذه.

وقد تخرجت من مدرسة هذا الإمام العملاق مجموعة من العلماء الكبار الذين جابوا شرق الأرض وغربها ناشرين فيها العلم والمعرفة وطأطأت لشخصياتهم المتفوقة الأمة الإسلامية بشتى قطاعاتها.

الفصل الثالث: الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام في ظلّ جدّه وأبيهعليهما‌السلام

مرّ الإمام الباقرعليه‌السلام بمرحلة رافقت الكثير من الأحداث والظواهر في ظلّ جده وأبيهعليهما‌السلام ويمكن تلخيصها بالشكل التالي:

١ ـ عاش الإمام الباقرعليه‌السلام في ظلّ جدّه الحسينعليه‌السلام منذ ولادته وحتى الرابعة من عمره الشريف وقد مكنه ذلك من الإطلاع على الأحداث والوقائع الاجتماعية والسياسية وإدراك طبيعة سيرها وفهم اتجاه حركتها بما أوتي من ذكاء وفهم منذ صباه.

لقد عاش الإمام الباقرعليه‌السلام في مقتبل عمره حادثة مصرع أعمامه وأهل بيته الطاهرين وشاهد باُم عينيه ملحمة عاشوراء ومقتل جدّه الحسينعليه‌السلام واُخذ مأسوراً إلى طواغيت الكوفة والشام وشارك سبايا أهل البيتعليهم‌السلام فيما جرى عليهم من المحن والمصائب الأليمة التي تتصدّع لها القلوب.

كما استمع إلى أقوال أبيه الساخنة وهو يخاطب الطاغية المتغطرس يزيد في الشام والتي كان منها قولهعليه‌السلام : يا يزيد! ومحمد هذا جدي أم جدّك ؟ فإن زعمت أنه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنه جدّي فِلمَ قتلت عترته ؟!! )(١) .

٢ ـ وعاصر الإمام الباقرعليه‌السلام في سنة ( ٦٣ هـ ) واقعة الحرّة التي ثار

ــــــــــــــ

(١) الفتوح: ٥ / ١٥٣ .

٣٤

فيها أهل المدينة على حكم يزيد وهو في السادسة من عمره الشريف، حيث شاهد نقض أكابر أهل المدينة وفقهائها لبيعة يزيد الفاجر(١) ورأى مدينة جدّه عندما أباحها يزيد لجيشه الجاهلي ثلاثة أيّام متواليات يقتلون أهلها، وينهبون أموالهم ويهتكون أعراضهم(٢) .

٣ ـ عاصر الإمام الباقرعليه‌السلام في هذه المرحلة من حياته الانحرافَ الفكريَ الذي تسبب الأمويون في إيجاده مثل بثّهم للعقائد الباطلة كالجبر والتفويض والإرجاء خدمةً لسلطانهم; لأن هذه المفاهيم تستطيع أن تجعل الأمة مستسلمة للحكام الطغاة ما دامت تبررّ طغيانهم وعصيانهم لأوامر الله ورسوله.

٤ ـ ومن الظواهر التي عاصرها الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام وهو في ظلّ أبيه السجّادعليه‌السلام ظاهرة الانحراف السياسي وتتمثل في تحويل الأمويين للخلافة إلى ملك عضوض يتوارثه الأبناء عن الآباء، ويوزّعون فيه المناصب الحكومية على ذويهم وأقاربهم.لقد عاشعليه‌السلام محنة عداء الأمويين للعلويين والذي تمثل في ظاهرة سبّهم لجدّه الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام على المنابر طيلة ستة عقود.

٥ ـ ومن الأحداث البارزة في حياة الإمام الباقرعليه‌السلام توالي الثورات المسلحة ضد الحكم الأُموي بعد واقعة كربلاء الخالدة، ففي سنة (٦٣ هـ) ثار أهل المدينة في سنة (٦٥ هـ) ثار التوابون، وفي سنة (٦٦ هـ) ثار المختار بن أبي عبيدة الثقفي وثار الزبيريون، وفي سنة (٧٧ هـ) ثار المطرّف بن المغيرة بن شعبة، وفي سنة (٨١ هـ) تمرّد عبد الرحمن بن

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الخميس: ٢ / ٣٠٠.

(٢) الكامل في التاريخ: ٤ / ١١٣ .

٣٥

محمّد بن الأشعث على حكومة عبد الملك بن مروان(١) .

٦ ـ وانتشرت في هذه الفترة ظاهرة وضع الحديث المؤلمة فقد ركّز الأمويون على هذه الأداة لخدمة سلطانهم، حتّى روى ابن طرفة المعروف بنفطويه في تأريخه أن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة كانت في أيام بني أمية تقرّباً إليهم بما يظنّون أنهم يُرغمون أنوف بني هاشم(٢) .

٧ ـ أما الانحراف الأخلاقي والاجتماعي فقد استشرى في أوساط الأمة حيث اشتهر يزيد بن معاوية بفسقه إذ كان يشرب الخمر ويلعب بالكلاب والقرود ويقضي أوقاته بين المغنّين والمغنّيات وشاع عنه ذلك وعرفه عامّة الناس. وكان مروان بن الحكم أيضاً فاحشاً بذيئاً، كما كان أولاده وأحفاده على شاكلته(٣) .

وأشاع الأمويون بين المسلمين روح التعصّب فقرّبوا العرب وأبعدوا غير العرب وأثاروا الشعوبية فمزّقوا بذلك وحدة الصف الإسلامي وأثاروا الأحقاد وزرعوا بذور الشر في قلوب أبناء المجتمع الإسلامي.

٨ ـ وعاش الإمام الباقرعليه‌السلام في هذه المرحلة من حياته في ظلّ سيرة أبيهعليه‌السلام بكل وجوده الذي كان يركز نشاطه على إعادة بناء المجتمع الإسلامي وتشييد دعائم العقيدة الإسلامية القويمة، حيث كان يحاول الإمام زين العابدينعليه‌السلام من خلال بثّ القيم العقائدية والأخلاقية عبر الأدعية وتوجيه رسائل الحقوق وما شابه ذلك صياغة كيان الجماعة الصالحة التي كان عليها أن تتولى عمليّة التغيير في المجتمع الذي راح يتردّى باستمرار.

ــــــــــــــ

(١) البداية والنهاية: ٩ / ١٣٨.

(٢) شرح نهج البلاغة: ٩ / ١٣٨.

(٣) المصدر السابق: ١١ / ٤٦ .

٣٦

وكان يشارك أباه السجّادعليه‌السلام في أهدافه وخطواته وأساليبه المتعددة في المرحلة التي استغرقت ثلاثة وثلاثين عاماً والتي تمثّلت في الدعاء والإنفاق والعتق والتربية المباشرة للرقيق والأحرار باعتبارها نشاطاً بارزاً للإمام زين العابدينعليه‌السلام خلال هذه المرحلة.

٩ ـ وقف الإمام الباقرعليه‌السلام مواقف أبيه من الثورات والحركات المسلحة التي كانت تهدف إلى إسقاط النظام الفاسد إذ كان يرشدها ويقودها بصورة غير مباشرة من دون أن يعطي للحكام أي دليل يدل على التنسيق من الإمامعليه‌السلام مع الثوّار ضد الحكم الأُموي الغاشم.

١٠ ـ وكان للإمام الباقر دور بارز وهو في ظلّ أبيه في حركته لتأسيس صرح العلم والمعرفة الإسلامية حيث كان يحضر المحافل العامة ليحدّث الناس ويرشدهم، كما كان يفسّر القرآن ويعلّم الناس الأحاديث النبويّة الشريفة ويثقّفهم بالسيرة النبويّة المباركة.

١١ ـ إن التنصيص من الإمام السجّادعليه‌السلام على إمامة ابنه الباقر يعود تأريخياً إلى النصوص التي وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة من بعده ونصّت على إمامة اثني عشر إماماً بعد رسول الله كلهم من قريش وبني هاشم، وتداولها الصحابة والتابعون واستند إليها أهل البيتعليهم‌السلام .

٣٧

ومن تلك النصوص التي ورد فيها اسم الإمام الباقرعليه‌السلام بشكل خاص هو النص الذي رواه جابر بن عبد الله الأنصاري وقد جاء في هذا النص ما يلي:

(...فقال: يا رسول الله وَمَنْ الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟ قال:(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين، ثم الباقر محمد بن عليّ وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فاقرأه منّي السلام) (١) .

وجاء في نص آخر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لجابر بن عبد الله الأنصاري:(يولد لابني هذا ـ يعني الحسين ـابن يقال له: علي، وهو سيد العابدين... ويولد له محمد، إذا رأيته يا جابر فاقرأه عليه‌السلام منّي السلام، واعلم أنّ المهدي من ولده...) (٢) .

وقد تناقل الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام الوصية إماماً بعد إمام، فقد أوصى الإمام عليعليه‌السلام ولده الإمام الحسنعليه‌السلام قائلاً:(يا بنيّ إنه أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أوصي إليك، وأدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إلي ودفع إلي كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين، فقال: وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال: وأمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي فاقرأه من رسول الله ومنّي السلام) (٣) .

١٢ ـ وكان الإمام زين العابدينعليه‌السلام يوجّه الأنظار إلى إمامة ابنه الباقرعليه‌السلام ، ويستثمر الفرص لإعلانها أمام أبنائه أو بعض أبنائه أو خاصّته وثقاته، يصرّح تارة بها ويلمّح إليها تارة أخرى.

فحينما سأله ابنه عمر عن سرّ اهتمامه بالباقرعليهما‌السلام أجابه:(أن الإمامة في ولده إلى أن يقوم قائمنا عليه‌السلام فيملأها قسطاً وعدلاً، وانه الإمام أبو الأئمة...) (٤) .

وعن الحسين ابن الإمام زين العابدينعليهما‌السلام قال:سأل رجل أبي عليه‌السلام عن الأئمة، فقال: (اثنا عشر سبعة من صلب هذا، ووضع يده على كتف أخي محمد) (٥) .

ــــــــــــــ

(١) كفاية الأثر: ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٢) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٧٨، تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٣٢٠، سير أعلام النبلاء: ٤ / ٤٠٤.

(٣) إعلام الورى بأعلام الهدى: ٢٠٧.

(٤) كفاية الأثر: ٢٣٧.

(٥) المصدر السابق: ٢٣٩.

٣٨

وكان يصرّح لابنه الباقرعليهما‌السلام بإمامته ويقول له:(يا بنيّ إني جعلتك خليفتي من بعدي) (١) .

وروي عن أبي خالد أنه قال: قلت لعليّ بن الحسين: من الإمام بعدك ؟ قال:(محمّد ابني يبقر العلم بقراً) (٢) .

وفي مرضه الذي توفي فيه سأله الزهري قائلاً: فإلى من نختلف بعدك؟ فأجابعليه‌السلام :(يا أبا عبد الله إلى ابني هذا ـ وأشار إلى محمد ابنه ـإنه وصيّي ووارثي وعيبة علمي ومعدن العلم وباقر العلم) ، فقال له الزهري: يا ابن رسول الله هلاّ أوصيت إلى أكبر أولادك؟ فقالعليه‌السلام :(يا أبا عبد الله ليست الإمامة بالصغر والكبر، هكذا عهد إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهكذا وجدنا مكتوباً في اللوح والصحيفة) (٣) .

وفي أيامه الأخيرة جمع الإمام زين العابدينعليه‌السلام أولاده: محمد والحسن وعبد الله وعمر وزيد والحسين، وأوصى إلى ابنه محمد... وجعل أمرهم إليه(٤) .

وفي الساعات الأخيرة من حياته التفتعليه‌السلام إلى ولده وهم مجتمعون عنده، ثم التفت إلى ابنه الباقرعليه‌السلام فقال:(يا محمد هذا الصندوق اذهب به إلى بيتك أمَا أنه لم يكن فيه دينار ولا درهم، ولكن كان مملوءاً علماً (٥) .

ــــــــــــــ

(١) كفاية الأثر: ٢٤١.

(٢) بحار الأنوار: ٤٦ / ٣٢٠.

(٣) كفاية الأثر: ٢٤٣.

(٤) كفاية الأثر: ٢٣٩.

(٥) الكافي: ١ / ٣٠٥.

٣٩

الباب الثالث: فيه فصول:

الفصل الأول: جهاد أهل البيتعليهم‌السلام ودور الإمام الباقرعليه‌السلام .

الفصل الثاني: وقائع وأحداث هامة في عصر الإمام محمد الباقرعليه‌السلام .

الفصل الثالث: دور الإمام الباقرعليه‌السلام في إصلاح الواقع الفاسد.

الفصل الأول: جهاد أهل البيتعليهم‌السلام ودور الإمام الباقرعليه‌السلام

ترتكز العملية التربوية على ثلاثة عناصر أساسية هي: المربي والنظام التربوي والمتربّي. وحينما تفتقد العملية التربوية المربّي الكفوء أو النظام التربوي الصالح فإنها سوف تنحرف ولا تؤتي ثمارها الصالحة.

وقد جاء الإسلام ليربّي المجتمع البشري بقيادة الرسول الخاتم المصطفى محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طريق التربية الشاق خطوات كبيرة، واستطاع في ظلّ الشريعة الإسلامية ونظام الإسلام التربوي أن يربّي من تلك الجماعات الجاهلية أمة صالحة ورشيدة.

ولكن فقدت الأمة الإسلامية المربّي الكفوء حين غادرها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ربّه، وبهذا انهدم العنصر الأوّل من عناصر التربية الثلاثة.

وكان انهدام هذا العنصر كفيلاً بهدم العنصرين الآخرين إذ لم يكن مَن تزعّم قيادة التجربة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفوءاً لها ككفاءة النبي نفسه، علماً وعصمةً ونزاهةً وقدرةً وشجاعةً وكمالاً.

أجل; لقد تزعّم التجربة مَن لم يكن معصوماً ولا منصهراً في مفاهيم الرسالة ولا قادراً على حفظ الأمة من الانحراف عن الخط الذي رسمه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها، ذلك الانحراف الذي لم يعرف المسلمون مدى عمقه ومدى تأثيره السلبي على الدولة والأمة والشريعة على طول الخط ولعلّهم اعتبروه تغييراً في شخص القائد لا تغييراً في خط القيادة.

٤٠