اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)0%

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
ISBN: 964- 5688-23
الصفحات: 220

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: ISBN: 964- 5688-23
الصفحات: 220
المشاهدات: 119199
تحميل: 5787

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119199 / تحميل: 5787
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
ISBN: 964- 5688-23
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله عَزَّ وجَلَّ، فمن نصرهما أعزّه الله، ومن خذلهما خذله الله عَزَّ وجَلَّ) (١) .

٢ ـ نشر المفاهيم السياسية السليمة

وجّه الإمامعليه‌السلام الأنظار إلى دور أهل البيتعليهم‌السلام في قيادة الأمة، وتوجيهها نحو الاستقامة والرشاد فقال:(نحن ولاة أمر الله وخزائن علم الله، وورثة وحي الله، وحملة كتاب الله، طاعتنا فريضة، وحبّنا إيمان، وبغضنا كفر، محبّنا في الجنة، ومبغضنا في النار) (٢) .

وحذّر الأمة من الابتعاد عن نهج أهل البيتعليهم‌السلام فقالعليه‌السلام :(برئ الله ممن يبرأ منّا، لعن الله من لعننا، أهلك الله من عادانا) (٣) .

وحثّعليه‌السلام على نصرتهم فقال:(من أعاننا بلسانه على عدوّنا أنطقه الله بحجته يوم موقفه بين يديه عَزَّ وجَلَّ) (٤) .

ووضّحعليه‌السلام حدود الموالاة لهم، وبيّن المعيار لمعرفة الموالاة والموالين في حالة التباس المفاهيم واختلاط المعايير، فقال:(أمّا محبتنا، فيخلص الحبّ لنا كما يخلص الذهب بالنّار لا كدر فيه، من أراد أن يعلم حبّنا، فليمتحن قلبه فإن شاركه في حبّنا حبّ عدوِّنا، فليس منّا ولسنا منه) (٥) .

وأكّد على أن طرق تولّي الإمام لمنصب الإمامة منحصرة بالنصّ والوصية، ولا عبرة بما هو الشائع من البيعة والعهد والغلبة، ومما جاء في ذلك قولهعليه‌السلام :(كل من دان الله عَزَّ وجَلَّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير

ــــــــــــــ

(١) الخصال: ١ / ٤٢.

(٢) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٢٢٣.

(٣) بحار الأنوار: ٢٧ / ٢٢٢.

(٤) المصدر السابق: ٢ / ١٣٥.

(٥) المصدر السابق: ٢٧ / ٥١.

١٠١

مقبول، وهو ضالّ متحيّر، والله شانئ لأعماله...) (١) .

وبيّن مواصفات الإمام لكي تتمكن الأمة من التمييز والتشخيص في خضم الأحداث التي حُرِّفت فيها المفاهيم وزُوِّرت فيها الحقائق فقالعليه‌السلام :(إن الإمامة لا تصلح إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن المحارم، وحلم يملك به غضبه، وحسن الخلافة على من ولي، حتى يكون له كالوالد الرحيم) (٢) .

ورسم قاعدة كلية في أساسيات حقوق وواجبات الإمام تجاه الأمة، لكي تدرك الأمة مدى قرب وبعد الحكّام عن أداء مسؤوليتهم، فقالعليه‌السلام :(حقّه عليهم أن يسمعوا ويطيعوا... وحقهم عليه: يقسم بينهم بالسوية ويعدل في الرعيّة) (٣) .

وفي خضم الأحداث الصاخبة وما طرأ من تشويه وتدليس في الحقائق، بيّنعليه‌السلام المفهوم الحقيقي للتشيع، لكي لا يعطي مبرّراً للحكّام الأمويين لتشويه سمعة أنصار أهل البيتعليهم‌السلام في المحافل المختلفة، واستغلال بعض السلبيات للطعن في مفاهيم الولاء والتولي، فقالعليه‌السلام :(فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء) (٤) .

والتشيّع ليس ادعاءً بل هو ممارسة عملية محسوسة في الواقع، والشيعي هو مثال التديّن والإخلاص والطّاعة لله تعالى.

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ١٨٤.

(٢) الخصال: ١ / ١١٦.

(٣) بحار الأنوار: ٢٧ / ٢٤٤.

(٤) الكافي: ٢ / ٧٤.

١٠٢

ولم يكتف الإمام الباقرعليه‌السلام ببيان المظاهر الخارجية لمن ينتسب لمدرسة أهل البيتعليهم‌السلام وإنّما تعدّى ذلك إلى مجموعة من المعالم الفريدة لشيعتهم، فقالعليه‌السلام :(إنما شيعة علي عليه‌السلام الشاحبون الناحلون الذابلون، ذابلة شفاههم، خميصة بطونهم، متغيّرة ألوانهم، مصفرّة وجوههم، إذا جنّهم الليل اتّخذوا الأرض فراشاً، واستقبلوا الأرض بجباههم، كثير سجودهم، كثيرة دموعهم، كثير دعاؤهم، كثير بكاؤهم، يفرح الناس وهم محزونون) (١) .

٣ ـ فضح الواقع الأُموي

كشف الإمامعليه‌السلام حقيقة الحكم الأُموي وكيفية وصوله إلى الحكم، وما مارسه من أعمال لإدامة السيطرة على رقاب المسلمين، ووضّح الجرائم التي ارتكبها سلف هؤلاء الحكّام في حق أهل البيتعليهم‌السلام وأنصارهم، فبعد أن بيّن ملابسات الخلافة، وكيفية الاستحواذ عليها وإقصاء أهل البيتعليهم‌السلام عن موقعهم فيها، قال: (... وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسنعليه‌السلام فَقُتِلَتْ شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان من يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجِن أو نُهِبَ ماله، أو هُدِمَت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسينعليه‌السلام ثم جاء الحجّاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنٍّ وتهمة، حتى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو كافر، أحبُّ إليه من أن يقال: شيعة عليّ، وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ـ ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل بعض من قد سَلَفَ من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها، ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنها حقٌّ لكثرة من قد رواها ممّن لم يعرف بكذب، ولا بقلة ورع)(٢) .

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٦٥ / ١٤٩.

(٢) شرح نهج البلاغة: ١١ / ٤٢، ٤٤.

١٠٣

٤ ـ الدعوة إلى مقاطعة الحكم القائم

دعاعليه‌السلام إلى مقاطعة الحكم الجائر ونهى عن إسناده بأي شكل من أشكال المساندة وإن كانت لا تتعلق بسياستهم، فقالعليه‌السلام ـ في معرض جوابه عن العمل معهم ـ:(ولا مدة قلم، إنّ أحدهم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه مثله) (١) .

ووضّح أساسيات التعامل مع الحكام الجائرين والفاسقين بقوله:(لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله) (٢) .

وأكدعليه‌السلام على أن تكون العلاقة معهم علاقة التوجيه والإرشاد، والقيام بأداء مسؤولية الوعظ فقال:(من مشى إلى سلطان جائر، فأمره بتقوى الله، وخوّفه ووعظه كان له مثل أجر الثقلين من الجن والإنس، ومثل أعمالهم) (٣) .

واستثنىعليه‌السلام المواقف التي تتخذ من أجل مصلحة الإسلام الكبرى، فجوّز إسنادهم بالسلاح إن كان القتال مع أعداء الإسلام، لأنهم يدفعون بالسلاح العدو المشترك، قالعليه‌السلام لمن كان يحمل إليهم السلاح:(احمل إليهم، فإنّ الله يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم ـ يعني الروم ـ وبعهم، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا) (٤) .

وقالعليه‌السلام في حق حكّام الجور:(إن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله والحقّ، قد ضلّوا بأعمالهم التي يعملونها) (٥) .

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٥ / ١٠٧.

(٢) بحار الأنوار: ٢ / ١٢٢.

(٣) بحار الأنوار: ٧٢ / ٣٧٥.

(٤) الكافي: ٥ / ١١٢، كتاب المعيشة، باب بيع السلاح منهم.

(٥) المحاسن: ٩٣.

١٠٤

٥ ـ مواقفه المباشرة من الحكّام المنحرفين

إن دور الإمام الحقيقي هو دور القدوة، ومن أهم المسؤوليات الملقاة على عاتقه إصلاح الحاكم والأمة معاً، والقضاء على الانحراف في مهده. أو الحيلولة دون التمادي فيه، وهذا الدور تختلف أساليبه وبرامجه تبعاً للعوامل والظروف السياسية المحيطة بالإمام، وتتغيّر المواقف تبعاً للمقومات التالية:

أ ـ المصلحة الإسلامية العامة.

ب ـ المصلحة الإسلامية الخاصة، والتي تتعلق بالحفاظ على منهج أهل البيتعليهم‌السلام ورفده بالعناصر النزيهة، لضمان استمرار حركته في الأمة.

ت ـ الظروف العامة والخاصة من حيث قوة الحاكم، وقوة القاعدة الشعبية لأهل البيتعليهم‌السلام .

وكانت التقيّة أسلوباً يتخذه الإمامعليه‌السلام في مواقفه من الحاكم الجائر عندما لا تكون المواجهة العلنية مفيدة ومثمرة، وأوضح الإمام حدودها بقوله:(التقية في كل ضرورة) (١) . وقالعليه‌السلام :(إنما جعلت التقيّة ليحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة) (٢) .

وفي العهود التي سبقت عهد عمر بن عبد العزيز، كان الإمامعليه‌السلام يتّقي المواجهة مع الحاكم حفاظاً على كيان أهل البيتعليهم‌السلام وإبعاداً لأنصاره عن حراب الحاكم وأعوانه، ولم يتدخلعليه‌السلام في شؤون الحاكم إلا في حدود ضيّقة، وحينما وصل الأمر إلى عمر بن عبد العزيز وتبدلت الأوضاع والظروف تقرب عمر بن عبد العزيز إلى أهل البيتعليهم‌السلام وفضّلهم على بني أمية، قائلاً: أفضلهم لأنّي سمعت... أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول:(إنّما فاطمة شجنة (٣) منّي

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٧٢ / ٣٩٩.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الشجن: القرع من كل شيء.

١٠٥

يسرّني ما أسرّها، ويسوؤني ما أساءها) ، فأنا ابتغي سرور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأتقي مساءته(١) .

واستثمر الإمامعليه‌السلام هذه الحرية النسبيّة، فقام بدوره في إصلاح الحاكم وأجهزته وإرشاده وحثّه على الاستقامة في التعامل مع الرعيّة.

وحينما بعث إليه أن يقدم عليه، لبّىعليه‌السلام الدعوة واجتمع معه، وأخذ ينصحه ويطلب منه أن يوفق بين ممارساته وبين القيم الإسلامية في مجال التعامل، وممّا جاء في نصائحه له قولهعليه‌السلام :(... فاتق الله، واجعل في قلبك اثنتين تنظر الّذي تحبّ أن يكون معك إذا قدمت على ربِّك، فقدِّمه بين يديك، وتنظر الذي تكرهه أن يكون معك إذا قدمت على ربِّك، فابتغ به البدل، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على من كان قبلك ترجو أن تجوز عنك، واتق الله يا عمر وافتح الأبواب وسهّل الحجاب، وانصر المظلوم وردّ المظالم) (٢) .

واستشاره عمر في بعض الأمور، وحينما أراد الرجوع إلى المدينة قال له عمر: فأوصني يا أبا جعفر، فقالعليه‌السلام :(أوصيك بتقوى الله واتّخذ الكبير أباً، والصغير ولداً، والرجل أخاً) (٣) .

وفي عهد هشام بن عبد الملك كانعليه‌السلام يتحرك تبعاً لمواقف هشام من حيث اللين والشدة، فحينما دخل هشام المسجد الحرام نظر إلى الإمامعليه‌السلام وقد أحدق الناس به، فقال: من هذا ؟ فقيل له: محمد بن علي بن الحسين، فقال: هذا المفتون به أهل العراق؟! فأرسل إليه، وسأله بعض الأسئلة، فأفحمه الإمامعليه‌السلام وظهر عليه أمام أتباعه(٤) .

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار: ٤٦ / ٣٢٠.

(٢) المصدر السابق: ٧٥ / ١٨٢.

(٣) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٧٧.

(٤) المصدر السابق: ٢٣ / ٧٩.

١٠٦

ولمّا حُمل إلى الشام وأراد هشام أن ينتقص منه، نهض قائماً ثم قال:(أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم؟ بنا هدى الله أوّلكم، وبنا يختم آخركم، فإن يكن لكم ملك معجّل، فإنّ لنا ملكاً مؤجلاً...) (١) .

٦ ـ موقفه من الثورة المسلحة

وقف الإمامعليه‌السلام موقف الحياد من الثورات التي قادها الخوارج، فلم يصدر منه تأييد ولا معارضة، لكي لا يستثمر قادة الثورات أو الحكّام موقف الإمامعليه‌السلام لصالحهم، ولكي تستمر روح الثورة في النفوس.

وفي عهدهعليه‌السلام لم تنطلق أي ثورة علوية يقودها أحد أهل البيتعليهم‌السلام أو أحد أنصارهم، لأنّ الإمامعليه‌السلام كان مشغولاً ببناء وتوسعة القاعدة الشعبية، لكي تنطلق فيما بعد، أي بعد إكمال العدّة والعدد، وكانعليه‌السلام يوجّه الأنظار إلى ثورة أخيه زيد التي أخبر أنها ستنطلق في المستقبل القريب.

وكان يربط بين موقف زيد المستقبلي وبين موقفهعليه‌السلام منه فيقول:(أمّا عبد الله فيدي التي أبطش بها، وأما عمر فبصري الذي أبصر به، وأما زيد فلساني الذي أنطق به * ...) (٢) .

ــــــــــــــ

(١) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٢٠٦.

* عبد الله الباهر أخو الإمام الباقر عليه‌السلام ، كان من أبرز علماء المسلمين في فضله، وسموّ منزلته العلمية، وقد روى عن أبيه علوماً شتى، وكتب الناس عنه ذلك. (غاية الاختصار ١٠٦). وأما عمر بن علي بن الحسين عليه‌السلام فهو أخو الإمام الباقر عليه‌السلام أيضاً كان فاضلاً جليلاً ووُلّي صدقات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدقات أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان ورعاً سخيّاً، ويروى عنه، قال: يشترط على من ابتاع صدقات علي عليه‌السلام أن يثلم في الحائط كذا وكذا ثلمة لا يمنع من دخله أن يأكل منه.

وكذلك زيد الشهيد فإنه ثالث إخوته، وكان من أجلّ علماء المسلمين وقد تخصص في علوم كثيرة كعلم الفقه والحديث والتفسير وعلم الكلام وغيرها، وهو الذي تبنّى حقوق المظلومين والمضطهدين، وقاد سيرتهم النضالية في ثروته الخالدة التي نشرت الوعي السياسي في المجتمع الإسلامي وساهمت مساهمة إيجابية وفعّالة في الإطاحة بالحكم الأُموي.

(٢) سفينة البحار: ٢ / ٢٧٣.

١٠٧

وكانعليه‌السلام يحذِّر من خذلان زيد ومحاربته فيقول:(إن أخي زيد بن علي خارج فمقتول على الحق، فالويل لمن خذله، والويل لمن حاربه، والويل لمن قاتله) (١) .

وكانعليه‌السلام هو الموجّه لحركة أخيه زيد، وكان زيد أحد المنضوين تحت لواء إمامته، وكانت حركته العسكرية ذراعاً واقعياً لأهل البيتعليهم‌السلام ليقاوموا من خلالها انحراف الحكّام بعد عجز الأساليب الأخرى عن التأثير.

وممّا يؤكد هذه التبعية قول زيد رحمه الله:

فمن لي سوى جعفر بعده

إمام الورى الأوحد الأمجد(٢)

فتأجلت الثورة المسلحة إلى وقتها المناسب وتفجّرت بعد أقلّ من عشر سنين من استشهاد الإمام محمد الباقرعليه‌السلام .

رابعاً: الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي

بذل الإمامعليه‌السلام عناية فائقة لإصلاح الأخلاق وتغيير الأوضاع الاجتماعية باتجاه القواعد والموازين والقيم العليا الثابتة في الشريعة الإسلامية، وكانت مهمته التركيز على إصلاح جميع الوجودات القائمة، بدءً بالمقربين منه ثم الأوساط الاجتماعية ثم المؤسسات الحكومية واتباع الحاكم.

وكانعليه‌السلام يستثمر جميع الفرص المتاحة للإصلاح والتغيير وبناء واقع جديد، ولهذا تعددت أساليبه الإصلاحية والتغييرية في المجال الأخلاقي والاجتماعي. وإليك بعض نشاطاته في هذا المجال:

١ ـ الدعوة لتطبيق السنّة النبوية

قام الإمامعليه‌السلام بنشر الأحاديث الشريفة النبوية المرتبطة بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية لكي تكون هي الحاكمة على الممارسات السلوكية والعلاقات الاجتماعية، ولكي تكون نبراساً لأفراد المجتمع بمختلف طبقاتهم في مسيرتهم الإنسانية، تنطلق بهم نحو السمو والتكامل، والارتقاء للوصول إلى المقامات العالية التي وصل إليها الصالحون والأولياء.

ــــــــــــــ

(١) مقتل الخوارزمي: ٢ / ١١٣.

(٢) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٢١٣.

١٠٨

وكانعليه‌السلام ـ من خلال نشر هذه الأحاديث النبوية ـ يشير إلى العوامل الأساسية في صلاح الأخلاق والأوضاع الاجتماعية، وهي صلاح الفقهاء والأمراء، فقد روىعليه‌السلام قول جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي الفقهاء والأمراء) (١) .

ودعاعليه‌السلام إلى إخلاص النصيحة والإيثار في الممارسة الإصلاحية على ضوء ما جاء عن جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه) (٢) .

وأكّدعليه‌السلام على دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى العفّة وتعجيل الخير بقوله:(إن الله يحبُّ الحييَّ الحليم العفيف المتعفف) (٣) . وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(إن الله يحب من الخير ما يعجّل) (٤) .

وأكّدعليه‌السلام على الأحاديث الداعية إلى حسن الخلق والكف عن أعراض المؤمنين منها قولهعليه‌السلام :(والذي لا اله إلاّ هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلاّ بحسن ظنّه بالله ورجائه له، وحسن خلقه، والكف عن اغتياب المؤمنين) (٥) .

ــــــــــــــ

(١) الخصال: ١ / ٢٦.

(٢) الكافي: ٢ / ٢٠٨.

(٣) المصدر السابق: ٢ / ١١٢.

(٤) المصدر السابق: ٢ / ١٤٢.

(٥) المصدر السابق: ٢ / ٧٢.

١٠٩

وقالعليه‌السلام :(إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال) (١) .

ودعاعليه‌السلام إلى إدخال السرور على المؤمن كما ورد في قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(من سرَّ مؤمناً فقد سرني ومن سرني فقد سر الله) (٢) .

وحثعليه‌السلام على صلة الرحم بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(إن أعجل الخير ثواباً صلة الرحم) (٣) .

وذكرعليه‌السلام عشرات الأحاديث الشريفة التي تدعو إلى مكارم الأخلاق في الصدق والإيثار والتعاون والوفاء بالعهد وحسن التعامل مع المسلمين وغيرهم، إضافة إلى الأحاديث الناهية عن الممارسات السلبية كالكذب والبهتان والتعيير ونقض العهد، والخيانة والاعتداء على الأعراض والنفوس.

وممّا جاء في ذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية) (٤) .

وقالعليه‌السلام :سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن خيار العباد، فقال: (الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا غفروا) (٥) .

ولم يكتفعليه‌السلام بنشر الأحاديث الشريفة والدعوة إلى تجسيد محتواها في الواقع، وإنّما قام بأداء دور القدوة في ذلك فكان بنفسه قمة في جميع المكارم والمآثر، وقد أبرز للمسلمين من خلال سلوكه نموذجاً من أرقى نماذج الخلق الإسلامي الرفيع، فكانعليه‌السلام القمة السامية في الصدق والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وفي التواضع واحترام الآخرين، والاهتمام بأمور المسلمين، وقضاء حوائج المحتاجين، فكانت معالجته للواقع معالجة عملية من خلال سلوكه النموذجي مع مختلف أصناف الناس موالين، ومخالفين.

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٦٠.

(٢) المصدر السابق: ٢ / ١٨٨.

(٣) المصدر السابق: ٢ / ١٥٢.

(٤) المحاسن: ١٠٢.

(٥) الخصال: ١ / ٣١٧.

١١٠

٢ ـ الدعوة إلى مكارم الأخلاق

كثّف الإمامعليه‌السلام دعوته إلى إصلاح مكارم الأخلاق لتكون هي العلامة الفارقة لتعامل المسلمين فيما بينهم، فكانعليه‌السلام يدعو إلى إفشاء السلام وهو مظهر من مظاهر روح الإخاء والودّ والمحبة والصفاء في العلاقات الاجتماعية حتى قالعليه‌السلام :(إن الله يحب إفشاء السلام) (١) .

ودعا إلى العفّة واعتبرها أفضل العبادة، فقال:(أفضل العبادة عفّة البطن والفرج) (٢) .

ودعا إلى تطهير اللسان وتقييده بقيود شرعية، لإدامة العلاقات بين الناس، فقالعليه‌السلام :(قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم، فإنّ الله يبغض اللعان السبّاب الطّعّان على المؤمنين، الفاحش المتفحّش، السائل الملحف، ويحبّ الحيي الحليم العفيف المتعفّف) (٣) .

ووضّح كيفية التعامل مع مختلف طبقات المجتمع فقال:(صانع المنافق بلسانك، وأخلص مودتك للمؤمن، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته) (٤) .

وبيّن أسس التعامل مع مختلف الأصناف من الناس فقال:(أربع من كنّ

ــــــــــــــ

(١) تحف العقول: ٢٢٠.

(٢) المصدر السابق: ٢١٧.

(٣) المصدر السابق: ٢٢٠.

(٤) المصدر السابق: ٢١٣.

١١١

فيه بنى الله له بيتاً في الجنّة، من آوى اليتيم، ورحم الضعيف، وأشفق على والديه، ورفق بمملوكه) (١) .

ودعاعليه‌السلام إلى الارتباط بأهل التقوى وتعميق أواصر العلاقات معهم لما اختصوا به من خصائص تؤثر على المصاحبين لهم تأثيراً إيجابياً لتجسيد المثل والقيم الإسلامية في الواقع، قالعليه‌السلام :(إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة، إن نسيت ذكروك، وإن ذكرت أعانوك، قوّالين بحق الله، قوّامين بأمر الله) (٢) .

ووضّحعليه‌السلام بعض حقوق المؤمن على المؤمن فقال:(إنّ المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسيء به الظن) (٣) .

وقالعليه‌السلام :(من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن لم ينصره، ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه خفضه الله في الدنيا والآخرة) (٤) .

وحذّر من ظلم الآخرين أو الإعانة على ظلمهم فقال:(من أعان على مسلم بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة آيس من رحمة الله) (٥) .

ودعا إلى مقابلة الإساءة والقطيعة بالإحسان والصلة فقال:(ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفو عمّن ظلمك وتصل من قطعك، وتحلم إذا جهل عليك) (٦) .

ــــــــــــــ

(١) الخصال: ١ / ٢٢٣.

(٢) صفة الصفوة: ٢ / ١٠٩.

(٣) تحف العقول: ٢١٦.

(٤) المحاسن: ١٠٣.

(٥) المصدر السابق.

(٦) تحف العقول: ٢١٤.

١١٢

خامساً: الإصلاح الاقتصادي

لم يكن الإمامعليه‌السلام على رأس سلطة حتى يستطيع إصلاح الأوضاع الاقتصادية إصلاحاً عملياً وجذريّاً، ولذا اقتصرعليه‌السلام على نشر المفاهيم الإسلامية المرتبطة بالحياة الاقتصادية السليمة متمثّلة في النظام الاقتصادي الإسلامي، والتي تعصم مراعاتها الإنسان والمجتمع من الانحراف الاقتصادي التي من أسبابها: الانسياق وراء إشباع الشهوات إشباعاً مخلاً بالتوازن الاقتصادي، فحدّد الإمامعليه‌السلام الأهداف المتوخاة من التصرّف بالأموال، إذ جعل الله المال وسيلة لتحقيق الهدف الذي خلق الإنسان من أجله، وهو الوصول إلى عبادة الله تعالى، وتطبيق منهجه في الحياة، قالعليه‌السلام :(نعم العون الدنيا على طلب الآخرة) (١) .

وأوضح الأهداف المشروعة التي يبتغي طلب المال من أجلها، فقالعليه‌السلام :(من طلب الرزق في الدنيا استعفافاً عن الناس، وتوسيعاً على أهله، وتعطفاً على جاره ; لقي الله عَزَّ وجَلَّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر) (٢) .

واستعانعليه‌السلام بالأحاديث الشريفة الواردة في ضرورة المشروعية في التصرفات الاقتصادية، فروى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال:(العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال) (٣) .

وأكّدعليه‌السلام على حرمة جملة من التصرفات المالية كالتطفيف في المكيال، إذ قالعليه‌السلام :(اُنْزِل في الكيل: ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) ، ولم يجعل الويل لأحد

ــــــــــــــ

(١) الكافي: ٥ / ٧٣.

(٢) المصدر السابق: ٥ / ٧٨.

(٣) المصدر السابق.

١١٣

حتى يسميه كافراً ...) (١) .

كما دعاعليه‌السلام إلى استصلاح المال وتنمية الثروة بشكل صحيح بقولهعليه‌السلام :(من المروءة استصلاح المال)( ٢) .

وقدّم إشباع حاجات المسلمين وسد ثغرات حياتهم على أهم العبادات المستحبّة وهو الحج تطوعاً، فقالعليه‌السلام :(لأن أحجّ حجة أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة ورقبة ـ حتى انتهى إلى سبعين ـ، ولأن أعول أهل بيت من المسلمين، أشبع جوعتهم وأكسو عورتهم وأكفّ وجوههم عن الناس أحبّ إليّ من أن أحجّ حجة وحجة ، حتى انتهى إلى عشر و عشر وعشر ومثلها حتى انتهى إلى سبعين(٣) .

ودعاعليه‌السلام إلى الترفّع عن الحرص والطمع حيث روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال:(... لن تموت نفس حتّى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحمل أحدكم استبطاء شيء من الرزق أن يطلبه بغير حلّه، فإنّه لا يدرك ما عند الله إلاّ بطاعته) (٤) .

ووجّه الأنظار إلى الآثار السلبية للحرص فقال:(مثل الحريص على الدنيا، كمثل دودة القزّ، كلّما ازدادت على نفسها لفّاً ; كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غمّاً) (٥) .

وأكّد على زوال المال ما دام الإنسان مخلوقاً للآخرة ومعرّضاً للفناء فقال:(ملك ينادي كل يوم: ابنَ آدم; لِدْ للموت، واجمع للفناء، وابن للخراب) (٦) .

ــــــــــــــ

(١) تفسير نور الثقلين: ٥ / ٥٢٧.

(٢) الخصال: ١/١٠.

(٣) الكافي: ٤ / ٢.

(٤) المصدر السابق: ٢ / ٧٤.

(٥) المصدر السابق: ٢ / ١٣٤.

(٦) المصدر السابق: ٢ / ١٣١ .

١١٤

وكانعليه‌السلام يحثّ على القناعة لأنها إحدى مقدمات السعادة الروحية، وقد تجلّى ذلك في سلوكه وقولهعليه‌السلام :(من قنع بما أوتي قرّت عينه) (١) .

ودعا إلى مراعاة القصد والوسطية وتجنّب الإفراط والتفريط في الطرف والإنفاق في مختلف الظروف واعتبره من المنجيات، فقالعليه‌السلام :(أما المنجيات فخوف الله في السر والعلانية، والقصد في الغنى والفقر) (٢) .

كما حدّد الإمامعليه‌السلام لكل إنسان حقّه، وحذّر من الاعتداء على أموال الآخرين لأنها تؤدي إلى الخلل الاقتصادي فضلاً عمّا لها من تأثيرات سلبية أخرى على المستقبل الأخروي للفرد والمجتمع، نلاحظ ذلك في قولهعليه‌السلام :(من أصاب مالاً من أربع لم يقبل منه أربع: من أصاب مالاً من غلول أو ربا أو خيانة أو سرقة ; لم يقبل منه في زكاة ولا صدقة ولا في حجّ ولا في عمرة) (٣) .

ومن أجل تحقيق التوازن الاقتصادي، ورفع المستوى المعاشي لعموم الناس دعاعليه‌السلام إلى الالتزام بالإنفاق الواجب، فقال:(إن الله تبارك وتعالى قرن الزكاة بالصلاة فمن أقام الصلاة، ولم يؤت الزكاة، فكأنه لم يقم الصلاة) (٤) .

وروى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(ملعون كل مال لا يزكّي) (٥) .

وبيّن الآثار السلبية لمنع الزكاة فقالعليه‌السلام :(وجدنا في كتاب عليّ عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا منعت الزكاة منعت الأرض بركاتها) (٦) .

وحدّدعليه‌السلام حدود البذل بأنه الإيصال إلى مرتبة إغناء الفقير لإنقاذه من الفقر وآثاره السلبية، فقالعليه‌السلام :(إذا أعطيته فأغنه) (٧) .

ــــــــــــــ

(١) سفينة البحار: ٢ / ٤٥٢.

(٢) الخصال: ١ / ٨٤.

(٣) أمالي الصدوق: ٣٥٩.

(٤) الكافي: ٣ / ٥٠٦.

(٥) وسائل الشيعة: ٩ / ٢٩.

(٦) الكافي: ٣ / ٥٠٥.

(٧) المصدر السابق: ٣ / ٥٤٨ .

١١٥

ولا يتحقق التوازن الاقتصادي ولا التكافل الاجتماعي إلاّ باشتراك جميع الناس في ممارسات مكثّفة لرفع المستوى الاقتصادي لجميع الفقراء والمعوزين، من خلال القيام بالإيثار والإنفاق التطوعي مضافاً إلى أداء الحقّ الشرعي الواجب، لذا حثعليه‌السلام على الإحسان وأداء أعمال البر والصدقة فقال:(البرّ والصدقة ينفيان الفقر ويزيدان في العمر، ويدفعان سبعين ميتة سوء) (١) .

وحث على معونة الإخوان وقضاء حوائجهم فقالعليه‌السلام :(من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام في حاجته ; ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر) (٢) .

وروى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أ نه قال:(داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة) (٣) .

وحدّد الإمامعليه‌السلام موارد الإنفاق المنسجمة مع الشريعة الإسلامية، وأثبت انحراف الأسلوب الذي قام به الحكّام حيث قاموا بتوزيع الأموال حسب أهوائهم ورغباتهم دون التقيد بالقيود التي وضعها المنهج الإسلامي.فقد روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:(خمسة لعنتُهم وكلُّ نبيّ مجاب ، وذكر منهم: المستأثر بالفيء والمستحل له) (٤) .

كما حدّدعليه‌السلام موارد إعطاء الصدقات فقال:(إن الصدقة لا تحلّ لمحترف، ولا لذي مرّة سوي قوي ...) (٥) .

وكانعليه‌السلام يقوم بإنفاق ما يحصل عليه على الفقراء والمعوزين لتقتدي به الأمة، وتعرف انحراف الممارسات المالية التي كان يقوم بها الحكام والمخالفة للأسس الإسلامية والقواعد الثابتة للإنفاق.

ــــــــــــــ

(١) الخصال: ١ / ٤٨.

(٢) المحاسن: ٩٩.

(٣) وسائل الشيعة: ٩ / ٢٩.

(٤) الكافي: ٢ / ٢٩٣.

(٥) وسائل الشيعة: ٩ / ٢٣١ .

١١٦

الباب الرابع: فيه فصول:

الفصل الأول: الإمام الباقرعليه‌السلام وبناء الجماعة الصالحة.

الفصل الثاني: اغتيال الإمام محمد الباقرعليه‌السلام واستشهاده.

الفصل الثالث: تراث الإمام محمد الباقرعليه‌السلام .

الفصل الأول: الإمام الباقرعليه‌السلام وبناء الجماعة الصالحة(١)

إن إصلاح الأوضاع الاجتماعية يتوقف على وجود جماعة صالحة تقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الإسلام والى المنهج السليم الذي تبنّاه أهل البيتعليهم‌السلام ، استناداً إلى الأوامر الإلهية في تشكيل الأمة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر.

ولهذا سعى الأئمة المعصومونعليهم‌السلام إلى بناء الجماعة الصالحة ورسم المعالم والملامح اللازمة لها لتكون الطليعة الواعية المخلصة لتبنّي مسؤولية الإصلاح والتغيير طبقاً لمنهج أهل البيتعليهم‌السلام .

وقد شرع أهل البيتعليه‌السلام في تكوين الجماعة الصالحة منذ عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه إلى جانب تبليغه العام قام بإعداد مجموعة صالحة تهتم بالدعوة إلى الله على بصيرة ووعي وأبدى لهم عناية فائقة حيث خصص لهم أوقاتاً خاصة، وكلّف الإمام عليّاًعليه‌السلام بإعداد آخرين.

واستمر الإمام عليعليه‌السلام بعد رحيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بانجاز هذه المهمّة، وكرّس جهوده لتهيئة الطليعة والكوادر الرسالية. وقد أثمرت نشاطاته حينما عادت له السلطة، وكان لتلك الكتلة الصالحة دور كبير في إخماد الفتن الداخلية وتقرير منهج أهل البيتعليهم‌السلام في الواقع العملي.

ــــــــــــــ

(١) اعتمدنا في هذا البحث بشكل أساسي على الكتاب القيّم الذي نشره المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام (دور أهل البيتعليهم‌السلام في بناء الجماعة الصالحة) لسماحة السيد محمد باقر الحكيم (دام عزه) واستخلصنا منه ما يناسب حياة الإمام محمد الباقر عليه‌السلام بشكل خاص من هذه الموسوعة.

١١٧

وواصل الإمام الحسنعليه‌السلام مسيرة جده وأبيه، حيث كان أحد بنود الهدنة مع معاوية هو إيقاف الملاحقة لأنصاره وأنصار أبيه، وتفرّغ الإمامعليه‌السلام بعد الهدنة لتوسيع قاعدة الجماعة الصالحة لتقوم بأداء دورها في الوقت والظرف المناسب وبالفعل قامت بالتصدي للانحراف الأُموي في عهد يزيد، وشاركت مع الإمام الحسينعليه‌السلام في حركته المسلحة للإطاحة بالحكم الجائر.

وكان للجماعة الصالحة دور كبير في قيادة الثورات المسلحة ضد الحكم الأُموي على طول الخط، كثورة أهل المدينة، وثورة المختار، وثورة التوابين، التي أعقبت ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام الإصلاحية وكان لمجموعها دور كبير في إرساء دعائم منهج أهل البيتعليهم‌السلام وتعميقه وتجذيره في العقول والقلوب والممارسات السلوكية والتعجيل في زوال الحكومات الجائرة.

واستمر الإمام زين العابدينعليه‌السلام في استثمار الفرص المتاحة لتكملة البناء الذي شيّده من سبقه من الأئمة الأطهار، فقد تمتع بحرية نسبية في إعداد الطليعة الرسالية في عهد عبد الملك بن مروان، لتكون ذراعاً لحركة أهل البيتعليهم‌السلام في عهده.

واستمر الإمام الباقرعليه‌السلام في تشييد هذا الصرح ورفده بعناصر جديدة لتستمر الحركة الإصلاحية على منهج أهل البيتعليهم‌السلام وتقريره في واقع الحياة، فقد ربّىعليه‌السلام مجموعة من الفقهاء المصلحين وعلى رأسهم: زرارة بن أعين، ومعروف بن خربوذ، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي، وبريد بن معاوية العجلي .

١١٨

وربّى طبقة ثانية التي تلي المتقدمين ومنهم: حمران بن أعين، وإخوته، وعبد الله بن ميمون القدّاح، ومحمد بن مروان الكوفي، وإسماعيل بن الفضل الهاشمي، وأبو هارون المكفوف وآخرون(١) .

وتنوّعت مهمة الجماعة الصالحة، فمنهم الفقهاء، ومنهم قادة الثورات، ومنهم المصلحون الذين كانوا يجوبون الأمصار لتعميق منهج أهل البيتعليهم‌السلام في القلوب والنفوس.وفيما يلي سوف نستعرض بعض مظاهر حركة الإمامعليه‌السلام في بناء الجماعة الصالحة، وإعدادها إعداداً شمولياً بشمول الإسلام وشمول منهج أهل البيتعليهم‌السلام لجميع مرافق الحياة الإنسانية. وقد أوضحنا أن المهمّة الأساسية للإمام الباقرعليه‌السلام بعد العقود الثلاثة من النشاط المستمر للإمام زين العابدينعليه‌السلام بهذا الاتجاه هي رسم المعالم التفصيلية للجماعة الصالحة وبيان كل ما يلزم لتكوين المجتمع الإسلامي النموذجي في وسط التيارات المنحرفة التي ملأت الساحة الإسلامية العامّة، وهي إلى جانب كونها النموذج المطلوب للأمة المسلمة الرائدة تكون الذراع الحقيقي للأئمةعليهم‌السلام لإقرار الإسلام الشامل في المجتمع الإسلامي الآخذ بالتمادي في الانحراف والانهيار; إذ من خلالها يكون النشاط الحقيقي للإمام الباقرعليه‌السلام في مرحلته الخاصة التي تجلّت في رسم هذه المعالم وإقرارها وتربية الأجيال عليها. وهي المهمة التي اشترك فيها أبوه الإمام زين العابدين وابنه الإمام الصادق وحفيده الإمام الكاظمعليهم‌السلام .

وقد لخصّنا هذا البحث الأساسي في عشر نقاط أساسية ترتبط بالجماعة الصالحة وتوضح معالمها الرئيسة.

ــــــــــــــ

(١) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٢٢٩ .

١١٩

أولاً: الإمام الباقرعليه‌السلام ومقومات الجماعة الصالحة

١ ـ العقيدة السليمة

في خضم الأحداث والمواقف المتباينة والمتناقضة جراء تعدد التيارات الفكرية والعقائدية، واضطراب عقول الكثير من المسلمين، لابتعادهم عن إدراك أسس العقيدة السليمة، قام الإمامعليه‌السلام بدور كبير في بيان العقيدة السليمة للجماعة الصالحة ; لتقوم بدورها في إصلاح المفاهيم والأفكار، ونشر عقيدة أهل البيتعليهم‌السلام في مختلف الأوساط وعلى جميع المستويات.لقد بيّنعليه‌السلام الأسس العامة للتوحيد، فعن حريز بن عبد الله، وعبد الله بن مسكان قالا: قال أبو جعفرعليه‌السلام :(لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلاّ بهذه الخصال السبعة: بمشيّة، وإرادة، وقضاء، وإذن، وكتاب، وأجل، فمن زعم أنه يقدر على نقض واحدة منهنَّ فقد كفر) (١) .

وبيّن حقيقة التوحيد تمييزاً لعقيدة أهل البيتعليهم‌السلام عن العقائد الأخرى فقالعليه‌السلام :(لم تره الأبصار بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، معروف بالآيات، منعوت بالعلامات، لا يجور في قضيته، بان من الأشياء وبانت الأشياء منه) (٢) .

وبيّن حدود الوصف لله تعالى فنهى عن التكلم في ذات الله وما يتفرع عنه من آراء ومفاهيم، فقالعليه‌السلام :(تكلموا فيما دون العرش، ولا تكلموا فيما فوق

ــــــــــــــ

(١) المحاسن: ٢٤٤.

(٢) مختصر تاريخ دمشق: ٢٣ / ٨١ .

١٢٠