اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)0%

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الحسن عليه السلام
الصفحات: 206

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 206
المشاهدات: 114591
تحميل: 7191

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114591 / تحميل: 7191
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

اعلام الهداية - الإمام الحسن المجتبى (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فاطمة، فالحسن والحسين نوران من نور ربّ العالمين"(١) .

ب ـ وقد قال معاوية لِجلسائه : من أكرم الناس أباً وأماً وجدّاً وجدّةً وعمّاً وعمّةً وخالاً وخالةً؟ فقالوا : أمير المؤمنين أعلم، فأخذ بيد الحسن بن علي وقال : هذا أبوه علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة ابنة محمد، وجدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجدّته خديجة، وعمّه جعفر، وعمّته هالة بنت أبي طالب، وخاله القاسم بن محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخالته زينب بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

ج ـ ولمعاوية اعتراف آخر أمام عمرو بن العاص ومروان بن الحكم وزياد بن أبيه بعد أن أكثروا الفخر، وأراد أن يرغم أنوفهم، فأحضر الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام ، ولمّا دحض مقالتهم التي أرادوا فيها تنقيص بني هاشم قال معاوية بعد أن خرج الإمام من عنده : أأُفاخر رجلاً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جدّه، وهو سيّد من مضى ومن بقي، وأمه فاطمة سيّدة نساء العالمين؟ ثم قال لهم : والله لئن سمع أهل الشام ذلك أنّه للسوءة السوداء ...(٣) .

د ـ ووفد مقدام إلى معاوية، فقال معاوية : أعلمت أنّ الحسن بن علي توفّي؟ فرجّع المقدام(٤) ، فقال له معاوية : أتراها مصيبة؟ فقال : ولِمَ لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله في حجره وقال : "هذا منِّي وحسين من عليّ رضي الله عنهما"(٥) .

هـ ـ وقال عبد الله بن عمر : أهل العراق يسألون عن الذباب يقتله المحرم، وقد قتلوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :"هما ريحانتاي من الدنيا (٦) أو

__________

(١) نزهة المجالس : ٢ / ٢٠٦ .

(٢) العقد الفريد : ٣ / ٢٨٣ .

(٣) المحاسن والأضداد : ٩٠، طبعة مصر ١٣٢٤ هـ .

(٤) أي قال : إنا لله وإنا إليه راجعون .

(٥) مسند أحمد: ٤ / ١٣٢، طبعة مصر ١٣١٣ هـ .

(٦) صحيح البخاري: ٢ / ١٨٨ .

٢١

ريحانتاي من هذه الأمة"(١) .

و ـ وكان أبو هريرة يقول : ما رأيت الحسن إلاّ فاضت عيناي، وذلك أني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل فمه في فمه ثم يقول :"اللهم إنّي أحبه فأحبّه وأحبّ من يحبّه" يقولها ثلاث مرّات(٢) ، وقال : لا أزال أحب هذا الرجل ـ يعني الحسن ـ بعد ما رأيت رسول الله يصنع به ما يصنع(٣) .

ز ـ وحينما بادر ألدّ أعدائه ـ مروان بن الحكم ـ إلى حمل جثمانه الطاهر واستغرب منه الحسينعليه‌السلام قائلاً له :أتحمل جثمانه وكنت تجرّعه الغصص؟! قال مروان : كنت أفعل ذلك بمن كان يوازي حلمه الجبال(٤) .

ح ـ وقال عنه أبو الأسود الدؤلي : وإنّه لهو المهذّب، قد أصبح من صريح العرب في غرّ لبابها وكريم محتدها وطيب عنصرها(٥) .

ط ـ وقال عمرو بن إسحاق : ما تكلّم أحد أحبّ إليّ أن لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة فحش قطّ(٦) .

ي ـ وقال عبد الله بن الزبير : والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن عليعليه‌السلام في هيبته وسموِّ منزلته(٧) .

ك ـ وعندما وقف أخوه محمد بن الحنفية على قبره ليؤبّنه قال : لئن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمّنه كفنك، ولنعم

__________

(١) سنن الترمذي : ٥٣٩ .

(٢) مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر : ٧ / ١٠، طبعة دار الفكر ١٤٠٥ هـ .

(٣) نور الأبصار : ١٧١ .

(٤) تهذيب التهذيب : ٢ / ٢٩٨ .

(٥) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٢٤٧ .

(٦) بحار الأنوار: ٤٣ / ٣٥٨ .

(٧) البداية والنهاية : ٨ / ٣٧ .

٢٢

الكفن كفن تضمّن بدنك، وكيف لا تكون هكذا وأنت عقبة الهدى وخلف أهل التقوى وخامس أصحاب الكساء ؟! غذّتك بالتقوى أكفّ الحق، وأرضعتك ثدي الإيمان، ورُبّيت في حجر الإسلام، فطبت حيّاً وميّتاً، وإن كانت أنفسنا غير سخيّة بفراقك، رحمك الله أبا محمد(١) .

ل ـ وأخوه أبو عبد الله الحسين بن عليعليه‌السلام قائلاً : "رحمك الله يا أبا محمد، إن كنت لتباصر الحق مظانّه، وتؤثر الله عند التداحض في مواطن التقية بحسن الرويّة، وتستشفّ جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عليها يداً طاهرة الأطراف، نقيّة الأسرّة، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة عليك، ولا غَرْوَ فأنت ابن سلالة النبوّة، ورضيع لبان الحكمة، فإلى رَوْح وريحان وجنّةِ نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم حُسن الأسى عنه"(٢) .

٤ ـ مكانتهعليه‌السلام لدى العلماء والمؤرّخين :

أ ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصبهاني ـ وهو من أعلام القرن الخامس ـ عن الإمام الحسن المجتبى : سيّد الشباب، والمصلح بين الأقارب والأحباب، شبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبيبه، سليل الهدى، وحليف أهل التقى، خامس أهل الكساء، وابن سيّدة النساء، الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما(٣) .

ب ـ وقال ابن عبد البر عنه : لا أسود ممّن سمّاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّداً، وكان رحمة الله عليه حليماً ورعاً فاضلاً، دعاه ورعه وفضله إلى أن ترك الملك والدنيا رغبةً فيما عند الله، وقال : والله ما أحببت منذ علمت ما ينفعني وما

__________

(١) مروج الذهب : ٣ / ٧ .

(٢) حياة الإمام الحسن : ٢ / ٤٤٠ .

(٣) أخبار إصبهان : ١ / ٤٤، طبعة ليدن سنة ١٩٣١ .

٢٣

يضرّني أن إلى أمر أُمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن يهراق في ذلك محجمة دم(١) .

و ـ وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي عنه : وقد كان الصدّيق يجلّه ويعظّمه ويكرمه ويحبّه ويتفدّاه وكذلك ابن الخطاب، وكان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا ويرى هذا من النعم عليه، وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطّمونها مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما(٢) .

د ـ وقال الحافظ ابن عساكر الشافعي عنه : هو سبط رسول الله وريحانته وأحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنة ...(٣) .

هـ ـ وقال الحافظ السيوطي : سبط رسول الله وريحانته وآخر الخلفاء بنصّه وهو خامس أهل الكساء ...(٤) .

و ـ وعن محمد بن إسحاق: أنه ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله ما بلغ الحسن(٥) ، كان يبسط له على باب داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما يمرّ أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس، ولقد رأيته في طريق مكة ماشياً فما من خلق الله أحد رآه إلاّ نزل ومشى، وحتى رأيت سعد بن أبي وقّاص يمشي(٦) .

ز ـ وقال محمد بن طلحة الشافعي عنه : كان الله قد رزقه الفطرة الثاقبة في إيضاح مراشد ما يعانيه، ومنحه النظرة الصائبة لإصلاح قواعد الدين ومبانيه،

__________

(١) الاستيعاب : ١ / ٣٨٥، طبعة مصر ١٣٨٠ إنّ الملك والحكم إذا كان لإقامة حكم الله في الأرض فلا يكون تركه زهداً وورعاً، وإنما تنازل الإمام عن الملك لأنّ مسؤولية الإمام الشرعية كانت تتطلب ذلك في تلك الظروف .

(٢) البداية والنهاية: ٨ / ٣٧ طبعة مصر ـ ١٣٥ .

(٣) مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ٥ .

(٤) تاريخ الخلفاء : ٧٣ .

(٥) راجع المناقب لابن شهرآشوب: ٢ / ١٤٨ .

(٦) الحسن المجتبى : ١٣٩ نقلاً عن المناقب : ٢ / ١٤٨ .

٢٤

وخصّه التي درّت لها أخلاق مادتها بصور العلم ومعانيه(١) .

ح ـ وقال سبط ابن الجوزي عنه : كان من كبار الأجواد، وله الخاطر الوقّاد، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّه حبّاً شديداً(٢) .

ط ـ وقال عنه ابن الأثير : وهو سيّد شباب أهل الجنة، وريحانة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشبيهه، سمّاه النبيّ الحسن وهو خامس أهل الكساء(٣) .

__________

(١) مطالب السؤول : ٦٥ .

(٢) تذكرة الخواص : ١١١ .

(٣) أسد الغابة : ٢ / ٩ .

٢٥

الفصل الثالث: من فضائل الإمام المجتبىعليه‌السلام ومظاهر شخصيته

عبادتهعليه‌السلام :

أ ـ روى المفضّل عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن أبيه عن جدّه :"أنّ الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً، وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله ـ تعالى ذكره ـ شهق شهقةً يغشى عليه منها .

وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عَزَّ وجَلَّ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم (١) وسأل الله الجنّة وتعوّذ به من النار، وكان لا يقرأ من كتاب الله عَزَّ وجَلَّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلاّ قال : لبيّك اللهمّ لبيّك، ولم يُرَ في شيء من أحواله إلاّ ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجةً وأفصحهم منطقاً ..." (٢) .

ب ـ وكانعليه‌السلام إذا توضّأ; ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك فقال :"حقٌ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله" .

ج ـ وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول :"ضيفك ببابك، يا محسن

__________

(١) اضطراب السليم من لسعة العقرب .

(٢) راجع الأمالي للصدوق : ١٥٠، وبحار الأنوار : ٤٣ / ٣٣١ .

٢٦

قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم" (١) .

د ـ وكان إذا فرغ من الفجر لم يتكلّم حتى تطلع الشمس وإن زحزح(٢) .

هـ ـ وعن الإمام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام :"أنّ الحسن عليه‌السلام قال : إنّي لأستحي من ربّي أن ألقاه ولم أمشِ إلى بيته، فمشى عشرين مرّة من المدينة على رجليه" (٣) .

و ـ وعن علي بن جذعان : أنّ الحسن بن عليعليه‌السلام خرج من ماله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرّات، حتى أن كان ليعطي نعلاً، ويمسك نعلاً ويعطي خفّاً ويمسك خفّاً(٤) .

وللإمام المجتبىعليه‌السلام أدعية شتّى رُويت عنه، وهي تتضمّن مجموعةً من المعارف والآداب، كما تحمل أدب التقديس لله تعالى والخضوع له والتذلّل بين يديه، ونشير إلى نموذج منها :

قالعليه‌السلام :"اللهمّ إنّك الخَلَفُ من جميع خَلقِك، وليس في خلقِكَ خَلَفٌ مثلُكَ، إلهِي من أحسنَ فبرحمتكَ، ومن أساء فبخطيئته، فلا الذي أحسنَ استغنى عن رَدفك ومعونتك، ولا الذي أساء استبدل بك وخرج من قدرتك، الهي بك عرفتك، وبك اهتديتُ إلى أمرك، ولو لا أنتَ لم أدرِ ما أنتَ، فيا من هو هكذا ولا هكذا غيره صلّ على محمد وآل محمد، وارزقني الإخلاص في عملي والسعة في رزقي، اللهمّ اجعل خير عملي آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيّامي يوم ألقاك، إلهي أطعتك ولك المنّة عليَّ في أحبّ الأشياء إليك : الإيمان بك والتصديق برسولك، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك: الشرك بك

__________

(١) المناقب : ٣ / ١٨٠، والبحار : ٤٣ / ٣٣٩ .

(٢) بحار الأنوار: ٤٣ / ٣٣٩، وأخبار إصبهان : ١ / ٤٤ .

(٣) المناقب : ٣ / ١٨٠، وبحار الأنوار : ٤٣ / ٣٣٩ .

(٤) المصدر السابق .

٢٧

والتكذيب برسولك، فاغفر لي ما بينهما يا أرحم الراحمين"(١) .

وعن ابن كثير : أنّ الحسن كان يقرأ كلّ ليلة سورة الكهف في لوح مكتوب، يدور معه حيث دار من بيوت أزواجه قبل أن ينام وهو في الفراش(٢) .

لقد تغذّى الإمام الحسنعليه‌السلام بلباب المعرفة وبجوهر الإيمان وبواقع الدين، وانطبعت مُثُلُه في دخائل نفسه وأعماق ذاته، فكان من أشدّ الناس إيماناً، ومن أكثرهم إخلاصاً وطاعةً لله(٣) .

حلمه وعفوه :

لقد عُرف الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام بعظيم حلمه، وأدلّ دليل على ذلك هو تحمّله لتوابع صلحه مع معاوية الذي نازع علياً حقّه وتسلّق من خلال ذلك إلى منصب الحكم بالباطل، وتحمّلعليه‌السلام بعد الصلح أشد أنواع التأنيب من خيرة أصحابه، فكان يواجههم بعفوه وأناته، ويتحمّل منهم أنواع الجفاء في ذات الله صابراً محتسباً .

وروي أنّ مروان بن الحكم خطب يوماً فذكر علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فنال منه والحسن بن عليعليهما‌السلام جالس، فبلغ ذلك الحسينعليه‌السلام فجاء إلى مروان فقال : يا ابن الزرقاء! أنت الواقع في عليّ؟!، ثم دخل على الحسنعليه‌السلام فقال : تسمع هذا يسبّ أباك ولا تقول له شيئاً؟!، فقال : وما عسيتُ أن أقول لرجل مسلّط يقول ما شاء ويفعل ما يشاء .

__________

(١) مهج الدعوات : ١٤٤ .

(٢) راجع البداية والنهاية : ٨ / ٤٢، طبعة دار إحياء التراث العربي ١٤٠٨ هـ .

(٣) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣٢٦ .

٢٨

وذُكر أنّ مروان بن الحكم شتم الحسن بن عليعليه‌السلام ، فلمّا فرغ قال الحسن :إنّي والله لا أمحو عنك شيئاً، ولكن مهّدك الله، فلئن كنت صادقاً فجزاك الله بصدقك، ولئن كنت كاذباً فجزاك الله بكذبك، والله أشدّ نقمةً منِّي .

وروي أنّ غلاماً لهعليه‌السلام جنى جنايةً توجب العقاب، فأمر به أن يُضرب، فقال : يا مولاي ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) ، قال :عفوت عنك ، قال : يا مولاي( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ، قال :أنت حرٌ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك (١) .

وروى المبرّد وابن عائشة: أنّ شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلما فرغ أقبل الحسنعليه‌السلام فسلّم عليه وضحك، فقال :"أيها الشيخ! أظنّك غريباً؟ ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسَوْناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً" .

فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال : أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ ... (٢) .

كرمه وجوده :

إنّ السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير، وبذل الإحسان بداعي

__________

(١) بحار الأنوار : ٤٣ / ٣٥٢ .

(٢) العوالم (الإمام الحسن) : ١٢١ نقلاً عن المناقب : ٣ / ١٨٤ .

٢٩

الإحسان، وقد تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأجلى مظاهرها وأسمى معانيها في الإمام أبي محمد الحسن المجتبىعليه‌السلام حتى لُقّب بكريم أهل البيت .

فقد كان لا يعرف للمال قيمةً سوى ما يردّ به جوع جائع، أو يكسو به عارياً، أو يغيث به ملهوفاً، أو يفي به دين غارم، وقد كانت له جفان واسعة أعدّها للضيوف، ويقال: إنّه ما قال لسائل "لا" قَطّ.

وقيل له : لأي شيء لا نراك تردّ سائلاً ؟ فأجاب :"إنّي لله سائل وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً، وإنّ الله عوّدني عادةً أن يفيض نعمه عليَّ، وعوّدته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة" (١) .

واجتازعليه‌السلام يوماً على غلام أسود بين يديه رغيف يأكل منه لقمة ويدفع لكلب كان عنده لقمة أخرى، فقال له الإمام :ما حملك على ذلك؟ فقال الغلام : إنّي لأستحي أن آكل ولا أطعمه .

وهنا رأى الإمام فيه خصلة حميدة، فأحبّ أن يجازيه على جميل صنعه، فقال له :لا تبرح من مكانك ، ثم انطلق فاشتراه من مولاه، واشترى الحائط (البستان) الذي هو فيه، وأعتقه وملّكه إيّاه(٢) .

وروي أنّ جارية حيّته بطاقة من ريحان، فقالعليه‌السلام لها :أنت حرّة لوجه الله ، فلامه أنس على ذلك، فأجابهعليه‌السلام :"أدّبنا الله فقال تعالى : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ) (٣) وكان أحسن منها إعتاقها" (٤) .

ومن مكارم أخلاقه أنّه ما اشترى من أحد حائطاً ثمّ افتقر البائع إلاّ ردّه عليه وأردفه بالثمن معه .

__________

(١) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣١٦ ـ ٣١٧ عن أنساب الأشراف: ١ / ٣١٩، والطبقات الكبرى: ١ / ٢٣ .

(٢) راجع البداية والنهاية : ٨ / ٣٨ .

(٣) النساء (٤) : ٨٦ .

(٤) المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٣، وحياة الإمام الحسن : ١ / ٣٢٢ عن الخوارزمي.

٣٠

وجاءه فقير يشكو حاله ولم يكن عنده شيء في ذلك اليوم فعزّ عليه الأمر واستحى من ردّه، فقالعليه‌السلام له :إنّي أدلّك على شيء يحصل لك منه الخير، فقال الفقير: يا ابن رسول الله ما هو؟ قالعليه‌السلام :اذهب إلى الخليفة، فإنّ ابنته قد توفيت وانقطع عليها، وما سمع من أحد تعزيةً بليغة، فعزّه بهذه الكلمات يحصل لك منه الخير ، قال: يا ابن رسول الله حفّظني إيّاها، قالعليه‌السلام : قل له :"الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها، ولم يهتكها بجلوسها على قبرك" ، وحفظ الفقير هذه الكلمات وجاء إلى الخليفة فعزّاه بها، فذهب عنه حزنه وأمر له بجائزة، ثم قال له : أكلامك هذا؟ فقال : لا، وإنّما هو كلام الإمام الحسن، قال الخليفة : صدقت فإنّه معدن الكلام الفصيح، وأمر له بجائزة أخرى(١) .

لقد كانعليه‌السلام يمنح الفقراء برّه قبل أن يبوحوا بحوائجهم ويذكروا مديحهم، لئلا يظهر عليهم ذلّ السؤال(٢) .

تواضعه وزهده :

إنّ التواضع دليل على كمال النفس وسموّها وشرفها، والتواضع لا يزيد العبد إلاّ رفعةً وعظمةً، وقد حذا الإمام الحسنعليه‌السلام حذو جدّه وأبيه في أخلاقه الكريمة، وقد أثبت التاريخ بوادر كثيرة تشير إلى سموّ الإمام في هذا الخلق الرفيع، نشير إلى شيء منها :

أ ـ اجتاز الإمام على جماعة من الفقراء قد وضعوا على الأرض كسيرات وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: هلمّ يابن بنت رسول الله إلى الغذاء، فنزلعليه‌السلام وقال :"إنّ الله لا يحبّ المستكبرين" ، وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا

__________

(١) نور الأبصار : ١٣٥ ـ ١٣٦ .

(٢) المصدر السابق : ٣٢٥، وحياة الإمام الحسن: ١ / ٣٢٥ .

٣١

والزاد على حاله ببركته، ثم دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم(١) .

ب ـ ومرّعليه‌السلام على صبيان يتناولون الطعام، فدعوه لمشاركتهم فأجابهم إلى ذلك، ثم حملهم إلى منزله فمنحهم برّه ومعروفه، وقال :"اليد لهم لأنّهم لم يجدوا غير ما أطعموني، ونحن نجد ما أعطيناهم" (٢) .

ورفض الإمام جميع ملاذّ الحياة ومباهجها متّجهاً إلى الدار الآخرة التي أعدّها الله للمتّقين من عباده، فمن أهمّ مظاهر زهده : زهده في الملك طلباً لمرضاة الله، ويتجلّى ذلك إذا لاحظنا مدى حرص معاوية على الملك واستعماله لكلّ الأساليب اللاأخلاقية للوصول إلى السلطة، بينما نجد الإمام الحسنعليه‌السلام يتنازل عن الملك حينما لا يراه يحقّق شيئاً سوى إراقة دماء المسلمين.

ومن جملة مظاهر زهده أيضاً: ما حدّث به مدرك بن زياد أنّه قال : كنّا في حيطان ابن عباس، فجاء ابن عبّاس وحسن وحسين فطافوا في تلك البساتين ثم جلسوا على ضفاف بعض السواقي، فقال الحسن :يا مدرك! هل عندك غذاء؟ فقلت له : نعم، ثم انطلقت فجئته بخبز وشيء من الملح مع طاقتين من بقل، فأكل منه، وقال :يا مدرك! ما أطيب هذا؟ ، وجيء بعد ذلك بالطعام وكان في منتهى الحُسن، فالتفتعليه‌السلام إلى مدرك وأمره بأن يجمع الغلمان ويقدّم لهم الطعام، فدعاهم مدرك فأكلوا منه ولم يأكل الإمام منه شيئاً، فقال له مدرك : لماذا لا تأكل منه؟ فقالعليه‌السلام :"إنّ ذاك الطعام أحبّ عندي" (٣) .

__________

(١) عوالم العلوم (الإمام الحسن) : ١٢٣ عن المناقب : ٣ / ١٨٧ .

(٢) حياة الإمام الحسن : ١ / ٣١٣ عن الصبان على هامش نور الأبصار : ١٩٦ .

(٣) مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ٢١، طبعة دار الفكر .

٣٢

الباب الثاني:

فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام المجتبىعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام المجتبىعليه‌السلام في ظل جده وأبيهعليهم‌السلام .

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام

تاريخ ولادته :

أصحّ ما قيل في ولادته أُنه ولد بالمدينة في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وكان والدهعليه‌السلام قد بنى بالزهراء فاطمةعليها‌السلام وتزوّجها في ذي الحجة من السنة الثانية، وكان الحسن المجتبىعليه‌السلام أوّل أولادها(١) .

كيفية ولادته :

عن جابر : لمّا حملت فاطمةعليها‌السلام بالحسن فولدت كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء، فلفّوه في صفراء، وقالت فاطمةعليها‌السلام :يا علي سمّه ، فقال :ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذه وقبّله، وأدخل لسانه في فمه، فجعل الحسنعليه‌السلام يمصّه، ثم قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ألم أتقدّم إليكم أن لا تلفّوه في خرقة صفراء ؟! فدعاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخرقة بيضاء فلفّه فيها ورمى الصفراء، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثم قال لعليعليه‌السلام :ما سمّيته؟ قال :ما كنت لأسبقك باسمه ، فقال رسول

__________

(١) راجع كشف الغمة : ١ / ٥١٤، والبحار : ٤٤ / ١٣٦، والعوالم (الإمام الحسن) : ١٣ .

٣٣

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لأسبق ربّي باسمه، قال : فأوحى الله عزّ ذكره إلى جبرئيلعليه‌السلام : أنّه قد ولد لمحمد ابن، فاهبط إليه فاقرأه السلام وهنّئه منيّ ومنك، وقل له : إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل على النبي وهنّأه من الله عَزَّ وجَلَّ ومنه، ثم قال له : إنّ الله عَزَّ وجَلَّ يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، قال : وما كان اسمه؟ قال : شبّر، قال : لساني عربي، قال : سمّه الحسن، فسمّاه الحسن(١) .

وعن جابر عن النبي: أنّه سمّى الحسن حسناً لأنّ بإحسان الله قامت السماوات والأرضون(٢) .

سنن الولادة :

وعقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده عن الحسن بكبش في اليوم السابع من ولادته، وقال : "بسم الله، عقيقة عن الحسن، اللهمّ عظمها بعظمه ولحمها بلحمه ودمها بدمه وشعرها بشعره، اللهمّ اجعلها وقاءً لمحمد وآله"، وأعطى القابلة شيئاً، وقيل: رجل شاة، وأهدوا منها إلى الجيران، وحلق رأسه ووزن شعره فتصدّق بوزنه فضة ورقاً(٣) .

رضاعه :

وجاء عن أم الفضل زوجة العباس ـ عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّها قالت : قلت : يا رسول الله! رأيت في المنام كأنَّ عضواً من أعضائك في حجري،

__________

(١) راجع معاني الأخبار : ٥٧ وعلل الشرائع : ١٣٨ وبحار الأنوار : ٤٣ / ٢٤٠ الحديث ٨ .

(٢) المناقب : ٣ / ١٦٦ .

(٣) العوالم : ٢٠ ـ ٢٢ نقلاً عن الكافي : ٦ / ٣٣ وعن عيون أخبار الرضا : ٢ / ٤٥ أنّ الزهراء أعطت القابلة رِجل شاة وديناراً .

٣٤

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خيراً رأيتِ، تلد فاطمة غلاماً فتكفلينه، فوضعت فاطمة الحسنعليه‌السلام فدفعه إليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرضعته بلبن قُثَم بن العبّاس(١) .

كنيته وألقابه :

أما كنيته فهي : "أبو محمّد" لا غير .

وأما ألقابه فكثيرة، وهي : التقيّ والطيّب والزكيّ والسيّد والسبط والوليّ، كلّ ذلك كان يقال له ويطلق عليه، وأكثر هذه الألقاب شهرة "التقيّ" لكن أعلاها رتبة وأولاها به ما لقّبه به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث وصفه به وخصّه بأن جعله نعتاً له، فإنّه صحّ النقل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أورده الأئمة الأثبات والرواة الثقات أنّه قال : "إبني هذا سيّد"، فيكون أُولى ألقابه "السيّد".

نقش خاتمه :

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام : ثم كان في خاتم الحسن والحسينعليهما‌السلام : "حسبي الله".

وعن الرضاعليه‌السلام : كان نقش خاتم الحسنعليه‌السلام "العزّة لله"(٢) .

حليته وشمائله :

عن جحيفة أنّه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان الحسن بن علي يشبهه.

وعن أنس أنّه قال : لم يكن أحد أشبه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحسن بن

__________

(١) العوالم : ٢٣ عن البحار : ٤٣ / ٢٤٢ و ٢٥٥، والعدد القوية (مخطوط) : ٥، وكشف الغمّة : ١ / ٥٢٣ .

(٢) راجع الكافي : ٦ / ٤٧٣ و٤٧٤، والبحار : ٤٣ / ٢٥٨، والعوالم : ٢٩ .

٣٥

عليعليه‌السلام (١) .

ومن هنا وُصِف الإمام الحسن بن علي بأنه كان أبيض مشرّباً حمرةً، أدعج العينين(٢) ، سهل الخدّين، دقيق المسرُبَةِ(٣) ، كثّ اللحية، ذا وفرة(٤) كأنّ عنقه إبريق فضّة، عظيم الكراديس(٥) ، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا القصير، مليحاً، من أحسن الناس وجهاً، وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر(٦) ، حسن البدن(٧) .

لقد كان الحسن بن عليّعليهما‌السلام خير الناس أباً وأُمّاً وجدّاً وجدّة وعمّاً وعمّة وخالاً وخالةً، وتوفّرت له جميع عناصر التربية المثلى، وانطبعت حياته منذ ولادته ببصمات الوحي الإلهي والإعداد الربّاني على يدي خاتم الأنبياء وسيّد الأوصياء وسيدة النساء .

فالحسن ابن رسول الله جسماً ومعنىً، وتلميذه الفذّ، وربيب مدرسة الوحي التي شعّت على الناس هدىً ورحمة .

__________

(١) راجع كشف الغمة : ١ / ٥٢٢، والمناقب : ٣ / ١٦٥ نقلاً عن صحيح الترمذي .

(٢) شديدتي السواد مع سعتهما .

(٣) الشعر وسط الصدر إلى البطن .

(٤) الشعر إلى شحمة الأذن .

(٥) رؤوس المفاصل .

(٦) ضد السبط والاسترسال .

(٧) راجع كشف الغمة : ١ / ٥٢٥ والعوالم : ٣٠ .

٣٦

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام

تولّى الإمام الحسن السبطعليه‌السلام منصب الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه المرتضىعليه‌السلام في الواحد والعشرين من رمضان سنة ٤٠ هجرية وهو في السابعة والثلاثين من عمره المبارك وقد عاش خلال هذه المرحلة مع جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يزيد على سبع سنوات ومع أبيه المرتضىعليه‌السلام فترة إمامته البالغة ثلاثين سنة تقريباً. وعاصر خلالها كلاًّ من الخلفاء الثلاثة وشارك بشكل فاعل في إدارة دولة أمير المؤمنين على بن أبي طالبعليه‌السلام .

واستمر بعد أبيه يحمل مشعل القيادة الربّانية حتى الثامن والعشرين أو السابع من شهر صفر سنة ٥٠ هجرية، وله يومئذ ثمان وأربعون سنة(١) .

إذن تنقسم حياة هذا الإمام العظيم إلى شطرين أساسيين:

الشطر الأول: حياته قبل إمامتهعليه‌السلام وينقسم هذا الشطر إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأُولى: حياته في عهد جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________

(١) الإرشاد : ١ / ١٥.

٣٧

المرحلة الثانية: حياته في عهد أبي بكر وعمر وعثمان.

المرحلة الثالثة: حياته في دولة أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام

الشطر الثاني: حياته بعد استشهاد أبيهعليه‌السلام وهو عصر إمامتهعليه‌السلام . وينقسم هذا الشطر إلى مرحلتين متميزتين:

المرحلة الأُولى: وتبدأ من البيعة له بالخلافة حتى الصلح.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة ما بعد الصلح حتى استشهادهعليه‌السلام .

ونحن نبحث المراحل الثلاث الأُولى في الفصل الثاني من الباب الثاني، ونفرد البحث عن الشطر الثاني بباب مستقل، بعد أن نسلّط الأضواء الكافية على طبيعة عصر الإمامعليه‌السلام ومميزاته وخصائصه; لنخرج برؤي موضوعية ومنطقية عن سلامة مواقف الإمامعليه‌السلام سواء قبل الصلح وبعده، ولنري ما حقّقه هذا الإمام الهمام والشجاع الصابر، ونلاحظ كيف استطاع أن يؤدي دوره الكبير في أخطر مرحلة من مراحل تأريخنا الإسلامي بمواقفه الرسالية ومنطلقاته المبدئية، وكيف استطاع أن يصل إلى الأهداف الرسالية التي جعلها الله تعالى على عاتقه كإمام معصوم يراد منه تحقيق أهداف الرسالة الإسلامية الكبرى .

٣٨

الفصل الثالث: الإمام المجتبىعليه‌السلام في ظلّ جده وأبيهعليهم‌السلام

الإمام الحسنعليه‌السلام في عهد الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ولد الإمام الحسنعليه‌السلام في حياة جدّه الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاش في كنفه سبع سنوات وستّة أشهر من عمره الشريف، وكانت تلك السنوات على قلّتها كافية لأن تجعل منه الصورة المصغّرة عن شخصية الرسول حتى ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم الذي حباه به جدّه، حينما قال له :"أشبهت خلقي وخلقي" (١).

والرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي تحمّل مسؤولية هداية ورعاية الأُمة، ومسؤولية تبليغ الرسالة وتطبيقها وحماية مستقبلها وذلك بوضع الضمانات التي لا بدّ منها في هذا المجال، وهو المطّلع ـ عن طريق الوحي ـ على ما ينتظر هذا الوليد الجديد من دور قيادي هامّ، والمأمور بالإعداد لهذا الدور، وذلك ببناء شخصية هذا الوليد بناءً فذّاً يتناسب مع المهام الجسام التي تؤهله للاضطلاع بها على صعيد هداية الأُمة وقيادتها .

__________

(١) حياة الإمام الحسن: ١ / ٦٧، وسيرة الأئمة الإثني عشر للحسني: ١ / ٥١٣، وصلح الإمام الحسن لفضل الله ـ ١٥ عن الغزالي في إحياء العلوم وحول شبهه عليه‌السلام بجدّه راجع : تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٢٢٦ ط صادر، والبحار ج١٠، وأعيان الشيعة ج٤، وذكر ذلك العلاّمة المحقّق الأحمدي عن كشف الغمة : ١٥٤، والفصول المهمة للمالكي، والإصابة: ١ / ٣٢٨، وكفاية الطالب ٢٦٧، وتهذيب تاريخ ابن عساكر: ٤ / ٢٠٢، وينابيع المودة: ١٣٧، وتاريخ الخلفاء: ١٢٦ ـ ١٢٧، والتنبيه والاشراف: ٢٦١ .

٣٩

إن كلمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام الحسنعليه‌السلام :"أشبهت خَلقي وخُلقي" تعدّ وسام الجدارة والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي الذي هو وراثة الرسالة وخلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد خلافة وصيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وإنّ إحدى مهامّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلق المناخ الملائم لدى الأُمة التي يفترض فيها أن لا تستسلم لمحاولات الابتزاز لحقّها المشروع في الاحتفاظ بقيادتها الإلهية، وأن لا تتأثر بعمليات التمويه والتشويه لطمس الركائز التي تقوم عليها رؤيتها العقائدية والسياسية التي حاول الإسلام تعميقها وترسيخها في ضمير الأُمة .

ومن هنا نعرف الهدف الذي كان يرمي إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تأكيداته المتكررة على ذلك الدور الذي كان ينتظر الإمام الحسن وأخاهعليهما‌السلام منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :"إنّهما إمامان قاما أو قعدا" (١) و"أنتما الإمامان، ولاُمّكما الشفاعة" (٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :"أنت سيّد، ابن سيّد، أخو سيّد، وأنت إمام، ابن إمام، أخو إمام، وأنت حجة، ابن حجة، أخو حجة، وأنت أبو حجج تسعة، تاسعهم قائمهم" (٣) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإمام الحسنعليه‌السلام :"هو سيّد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأُمة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنّه منّي، ومن عصاه فإنّه ليس منّي ..." (٤) .

__________

(١) راجع كتاب أهل البيت تأليف توفيق أبو علم: ٣٠٧، والإرشاد للمفيد ٢٢٠، وكشف الغمة للأربلي: ٢ / ١٥٩، وعلل الشرائع: ١ / ٢١١، والمناقب لابن شهر آشوب: ٣ / ٣٦٧ وعبر عنه بالخبر المشهور.

(٢) إثبات الهداة: ٥ / ٥٢، والإتحاف بحب الأشراف : ١٢٩ .

(٣) ينابيع المودة: ١٦٨، وإثبات الهداة : ٥ / ١٢٩ .

(٤) فرائد السمطين : ٢ / ٣٥، وأمالي الصدوق : ١٠١ وحول ما يثبت إمامة الإمام الحسن عليه‌السلام راجع : ينابيع المودة : ص٤٤١ و٤٤٢ و٤٤٣ و٤٨٧ عن المناقب، وفرائد السمطين : ٢ / ١٤٠ ـ ١٣٤ ـ١٥٣ ـ ٢٥٩ وفي هوامشه عن المصادر التالية : غاية المرام: ٣٩، وكفاية الأثر المطبوع في آخر الخرائج والجرائح: ٢٨٩، وعيون أخبار الرضا: باب ٦ ص٣٢، وبحار الأنوار : ٣ / ٣٠٣ و ٣٦ / ٢٨٣ و٤٣ / ٢٤٨.

٤٠