المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1429

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 14290%

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1429 مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 61

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1429

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الصفحات: 61
المشاهدات: 17206
تحميل: 4258


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 61 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17206 / تحميل: 4258
الحجم الحجم الحجم
المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1429

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1429

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

سلسلة المجالس الحسينية

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء

1429هـ

١

٢

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الَّذي مَنَّ علينا بنِعمةِ الموالاةِ لنبيِّهِ وآلِ نبيِّهِ صَلَواتُ اللهِ عليهِمْ، فجعَلَهَمُ الشُموسَ الطالعةَ، والأقمارَ المُنيرةَ، والأنجُمَ الزاهرةَ، وأعلامَ الدِّينِ، وقواعِدَ العلمِ، صالِحاً بعدَ صالحٍ، وصادِقاً بعدَ صادِقٍ، وسبيلاً بعدَ سبيل.

والحمدُ لله الذي مَنَّ علينا مِنْ بينِهِمْ بسفينةِ النَّجاةِ، ومِصباحِ الهُدى، الإمامِ الحسينِ بْنِ علي عليه السلام الذي أُمِرْنا بإحياءِ ذِكْرِهِ وإقامةِ أمرِهِ، تعظيماً لحقِّه.

وبعدْ.

سبَقَ للمعهدِ في السنواتِ الماضية أن أصدر نُسخاً مختلفة من المقَاتِلِ الحسينيَّةِ «المصيبةُ الراتبةُ في مَقْتَلِ سيِّدِ الشهداء عليه السلام ». ونتيجةَ الملاحظاتِ الواردةِ منَ العلماءِ والخطباء الحسينيين حولَ مادَّةِ المقتل سنوياً، أخذ المعهد على عاتقه مهمة إعادة صياغة المقتل مجدداً، بعد تجميع مختلف الملاحظات، وتحت إشراف أهل الاختصاص.

وقد حرص المعهد، في عملية الإعداد الجديدة، على تحرّي الدقة في النقل، والاعتماد على مصادرَ معتبرة من كتب التاريخ والمقاتل ذات الشأن قديماً وحديثاً (تاريخ الطبري، الإرشاد، مقتل الخوارزمي، مناقب ابن شهر آشوب، اللهوف، أنساب الأشراف، الكامل في التاريخ، تاريخ اليعقوبي، مثير الأحزان، تسلية المجالس، مقتل الحسين عليه السلام للسيد بحر العلوم، ومقتل الحسين عليه السلام للسيد المقرّم، وغيرها).

هذا إضافةً إلى تجنّب ذكر بعض العبارات والمعلومات المثيرة للجدل، أو التي لم يصل التحقيقُ التاريخيُّ إلى نتيجة نهائية حولها، كما وأجرينا بعض التعديلات الهامة على المتن، خصوصاً في القسم المتعلق بشهادة الإمام الحسين عليه السلام.

٣

وقد تم ذلك كلُّه في ظل الحرص على السياق التاريخي، والترابط بين الوقائع، والمحافظة على المؤثرية والجو العاطفي التفاعلي مع وقائع اليوم العاشر.

كما وقمنا بتغيير القصيدة وأضفنا بعض الأبيات الشعبية والدارجة، وانتخبنا منها ما هو المسموع غالباً، والمعروف في الأذهان، وما اعتاد القرّاء على قراءته في المقاتل.

وقد تميزت هذه الطبعة - إضافة إلى ما مر- بالتصحيحات اللغوية والنحوية، وإضافة الحركات بشكل يتناسب مع الإلقاء المنبري، تسهيلاً لمهمة الخطباء وأهل المنبر العاشورائي.

ختاماً، لا يمكننا القول: إنّ ما أنجز كان تاماً على المستوى التحقيقي، بل نحتاج دائماً إلى إعادة النظر، وهذا يلزمنا جميعاً بالمشاركة في عملية التقييم وتقديم المقترحات الهادفة والبنّاءة، التي يمكن أن تسهم بإعادة صياغة المقتل الحسيني على قواعد وأسس علمية وتاريخية أكثر دقة وشمولية. لذا، يرحب المعهد بكلّ ملاحظة أو إشارة أو نصيحة تقدّم على هذا الطريق، فينتج عنها عمل ينشد الكمال ولا يصل إليه في أي حال.

ملاحظة: مدّة المجلس 75 دقيقة.

والله من وراء القصد.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني

٤

المصيبة الراتبة

مقدّمة المجلس

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضَلُ الصلاةِ والسلامِ على نبيِّ الرحمةِ والهدى محمَّدٍ المصطفى وآلِهِ المعصومين، أعلامِ الدينِ وقواعدِ العلمِ، الذينَ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ فيهِمْ:

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) .

وجعلَ أجرَ نبيِّهِ محمّدٍ صلواتُهُ عليهِ وعليهمْ مودَّتَهُمْ في كتابِهِ، فقال:

( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2) .

وقال محذّراً من انقلابِ أمّتِهِ عليهِ وعليهم:

( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (3) .

٥

والحمدُ للهِ الذي مَنَّ علينا من بينِهِمْ بسفينةِ النجاة، ومِصباحِ الهدى، الإمامِ الحسينِ بْنِ عليّ عليه السلام الذي أجمعَ المسلمون على أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالَ فيه:

«حسينٌ مني وأنا من حسين»(4) .

«حسينٌ سِبْطٌ من الأسباط».

«أحبَّ الله من أحبَّ حسينا».

أعظمَ اللهُ أجورَنا بمُصابِنا بالحسينِ عليه السلام، وجعَلَنا وإيَّاكُمْ من الطالبيَن بثارِهِ معَ الإمامِ المهديِّ من آلِ محمَّدٍ صلواتُ اللهِ عليهِ وعليهِمْ.

أعظمَ اللهُ لكُمُ الأجرَ سادتي يا رسولَ اللهِ، ويا أميرَ المؤمنينَ، ويا أبا محمَّدٍ الحسنَ المُجتبى وأهلَ البيتِ جميعاً، وأعظمَ اللهُ لكَ الأجرَ سيِّدي يا بقيَّةَ اللهِ في الأرضِينَ صاحبَ العصرِ والزمانِ، بمُصابِ المولى أبي عبدِ اللهِ الحسينِ صلواتُ اللهِ عليه.

٦

من قصيدةٍ للسيد مهدي الأعرجي قدس سره

حتّى مَتَى أَجْفَانُنَا عَبْرى

وَإِلى مَتَى أَكْبَادُنَا حَرّى

قَدْ حَلَّ فِينَا يَا ابنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ

مَا لَم نُطِقْ فِي حَمْلِهَا صَبْرا

نَهْضَاً فَقَد كَادَت شَريعةُ أحمَدٍ

تُمحَى وتَنشَأُ شِرعةٌ أُخرَى

طالَ احتجابُكَ سيدي مَا آنَ أنْ

نَحظَى بتلكَ الطلعةِ الغرّا؟!

تُغضِي وتتركُ ثارَ جدِّك مُذ

أَتَتْ حربٌ له بجنودِها تَتْرَى

وعليه حرَّمتِ الفُراتُ وإنَّما

خُلقَ الفُرَاتُ لأُمِّه مَهْرَا

فغَدَى يَكِرُّ عليهم فَتَخَالُه

الكرَّار مَهمَا طَالَ أَوْ كرَّا

حتَّى إِذا أَفْنَى الجُمُوعَ وفَلّ بيـ

ـضَ الماضِياتِ وحَطَّمَ السّمرَا

عمَدَتْ إليهِ يدُ القَضَا فرمَتْهُ فِي

سَهمٍ أصابَ حشاشةَ الزَّهْرا

فهَوَى عَلَى وجهِ الصَّعيدِ مُصَافِحاً

في خَدِّه خَدَّ الثَّرَى قَسْرا

أَفدِيهِ مَطروحَاً بعرصَةِ كربَلا

والخيلُ منه رضَّت الصَّدرَا

أفدِيهِ مَطروحَاً بعرصَةِ كربَلا

والقومُ لم يَدَعُوا له طَمْرَا

تركُوه عُرياناً عَلَى حَرّ الصَّفا

ملقىً ثلاثاً لَم يَجِد قَبْرَا

____________________

1- الأحزاب:33

2- الشورى:23

3- آل عمران:114

4- عن الامام الباقر

٧

يوم عاشوراء

لما أصبحَ الحسينُ عليه السلام يومَ عاشوراءَ وصلَّى بأصحابهِ صلاةَ الصُبحِ، قامَ خطيباً فيهِمْ، فحَمِدَ اللهَ وأَثْنى عليهِ، ثُمَّ قالْ:

«إنَّ اللهَ تعالى قد أذِنَ في قتلِكُمْ وقتلي في هذا اليوم، فعليكُمْ بالصبَّرِ والقتالْ».

ثُمَّ صفَّهُمْ للحرب وكانوا - على روايةٍ - اثنينِ وثلاثينَ فارساً وأربعين راجلاً.

فجعلَ زهيرَ بنَ القَيْنِ في الميمنةْ، وحبيبَ بنَ مُظاهِرٍ في الميسرةْ، وَثَبتَ هوَ عليه السلام في القلبْ، وأعطَى رايتَهُ العُظمى أخاهُ العباسَ عليه السلام. وجعَلُوا البيوتَ في ظُهورِهِم، وأمرَ الحسينُ عليه السلام بحطَبٍ وقصَبٍ أنْ يُجْعَلَ في خندَقٍ كانوا حَفَروه، وأنْ تُضْرَمَ بهِ النارُ فلا يأتيهِمُ العدوُّ من ورائِهِم.

وعبَّأَ عمرُ بنُ سعدٍ أصحابَهُ، وكانوا على بعضِ الرِواياتِ ثلاثينَ ألفاً، فجعَلَ عمرَو بنَ الحَجّاجِ في المَيْمَنةِ، وشِمْرَ بنَ ذي الجوشَنِ في

٨

الميسَرةْ، وعلى الخَيْلِ عَزْرَةَ بنَ قيسْ، وعلى الرَجَّالةِ شَبَثَ بنَ رِبعيّ، وأعطَى رايتَهُ ذُويداً مولاه.

ولمّا نظرَ الحسينُ عليه السلام إلى جمعِهِمْ كأنَّهُمُ السيلُ المنحَدِرُ، رفَعَ يديهِ بالدعاءِ قائلاً:

«أللهُمَ أنتَ ثِقتي في كلِّ كَرْب، ورَجائي في كلِّ شدَّةْ، وأنتَ لي في كلِّ أمرٍ نزَلَ بي ثِقةٌ وعُدَّةٌ، كمْ منْ همٍّ يَضْعُفُ فيهِ الفؤادُ، وتقِلُّ فيهِ الحِيلةُ، ويَخْذُلُ فيهِ الصديقُ، ويَشْمَتُ فيهِ العدُوُ، أنزلْتُهُ بكَ، وشكَوْتُهُ إليكَ، رَغْبةً مِنّي إليكَ عمَّنْ سِواكَ، ففرَّجْتَهُ وكشفتَهُ، فأنتَ وَلِيُّ كلِّ نِعمةٍ، وصاحبُ كلِّ حسنةٍ، ومنتهَى كلِّ رغبةٍ».

وأقْبلَ القومُ يَجُولُونَ حولَ مُعَسْكرِ الحسينِ عليه السلام وينظُرونَ إلى النّارِ تضطرِمُ في الخندَق، فنادى شمرُ بنُ ذي الجَوشنِ بأعلى صوتِه: يا حسين، تعجَّلْتَ بالنارِ في الدنيا قبلَ يومِ القِيامة.

فرفعَ الحسينُ عليه السلام رأسَهُ قائلاً:

«مَنْ هذا؟ كأنّه شِمرُ بنُ ذي الجَوْشَن؟».

فقالوا: نعم.

فقالَ عليه السلام:

«.. أنتَ أَوْلى بها صِلِيّاً».

٩

فقالَ لهُ مسلمُ بنُ عَوْسَجة: يا ابنَ رسولِ الله- جُعِلْتُ فِداك-(وقالَ له): ألا أرميه بسهم؟، فمنعه الحسين عليه السلام وقال له: «لا تَرْمِهِ، فإنّي أكرَهُ أنْ أبدأَهُمْ

بقِتال».

وجاءَ رجلٌ منْ بَني تميمٍ يُقالُ لهُ عبدُ اللهِ بنَ حَوْزة، حتَّى وقَفَ حِيالَ الحسينِ عليه السلام، فقالَ له: أبشِرْ يا حسينُ بالنار!

فقال عليه السلام:

«بل أُقدِمُ على ربٍّ رحيمٍ وشفيعٍ مُطاع».

ثُمَّ قالَ: مَنْ هذا؟

قالوا: ابنُ حوزة.

قالَ عليه السلام:

«حازَهُ اللهُ إلى النار».

فاضطربَتْ فرَسُهُ في جَدْوَلٍ، فعلقَتْ رِجْلُهُ بالرِّكابِ، ووقَعَ رأسُهُ في الأرْضِ، ونفَرتْ بهِ الفرَس، وعجَّلَ اللهُ بروحِهِ إلى النار.

١٠

خطبة الحسين عليه السلام الأولى

ثّم دعا الحسينُ عليه السلام براحلتِهِ فركِبَها، وتقدَّمَ نحوَ القومِ ونادى بأعلى صوتٍ يُسمِعُ جلَّهم:

«أيُّها الناس، اسمعوا قولي ولا تعجَلُوا حتى أعِظَكُمْ بما يحِقُّ لكُمْ عليّ، وحتّى أُعْذَرَ إليكُمْ، فإنْ أعطيتُموني النَّصفَ كنتُمْ بذلكَ أسعد، وإنْ لم تُعطوني النَّصفَ من أنفسِكُمْ فأجمعِوا رأْيَكُمْ ثمّ لا يكُنْ أمرُكُمْ عليكُمْ غُمّةً. ثُمَّ اقضُوا إليَّ ولا تُنْظِرونْ، إنَّ وليِّيَ اللهُ الذي نزَّلَ الكتابَ وهو يتولَّى الصالحين».

ثم حمِدَ اللهَ وأثنى عليه وذكَرَهُ بما هو أهلُهُ وصلَّى على النبيِّ وآلهِ وعلى الملائكةِ والأنبياء.

ثم قال عليه السلام:

«أيّها الناس: فانسِبوُني فانظُروا مَنْ أنا؟ ثُّمَ ارْجِعوا إلى أنفسِكُمْ وعاتِبوها، فانظُروا هلْ يصلُحُ لكُمْ قتلي وانتهاكُ حُرمتي؟! ألستُ ابنَ بنتِ نبيِّكُمْ، وابنَ وصيِّهِ وابنَ عمِّهِ وأوَّلَ المؤمنِينَ المصدِّقِ لرسولِ اللهِ بما جاءَ بهِ من عندِ ربِّه؟ أوليسَ حمزةُ سيّدُ الشهداءِ عمّي؟ أوليسَ جعفرٌ الطيّارُ في الجنَّةِ بجناحَيْنِ عمّي؟ أَوَلَمْ يبلُغْكُمْ ما قالَ رسولُ اللهِ لي ولأخي: هذانِ سيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّة؟

١١

فإن صدَّقتموني بما أقولُ وهوَ الحَقُّ، فواللهِ ما تعمَّدْتُ كَذِباً منذُ علمْتُ أنَّ اللهَ يمقُتُ عليْهِ أهلَه، وإنْ كذَّبتُمُوني فإنَّ فيكُمْ منْ إنْ سأَلتُموهُ عن ذلكَ أخبرَكُم. سلُوا جابرَ بنَ عبدِ اللهِ الأنصاري، وأبا سعيدٍ الخِدْريّ، وسهلَ بنَ سعدٍ الساعديّ، وزيدَ بنَ أرقَمْ، وأَنَسَ بنَ مالكْ، يُخْبِرُوكُمْ أنّهم سمعُوا هذهِ المقالةَ من رسولِ اللهِ إليَّ ولأخي، أَمَا في هذا حاجزٌ لكُمْ عن سفكِ دمي؟!».

ثمّ قال لهم الحسين عليه السلام:

«فإن كنتم في شكٍّ من هذا! أفتشُكُّونَ أنّي ابنُ بنتِ نبيِّكم! فواللهِ ما بينَ المشرقِ والمغربِ ابنُ بنتِ نبيٍّ غيري فيكُمْ ولا في غيرِكُمْ. ويحَكُمْ! أتطلبونني بقتيلٍ منكم قتلتُهُ! أو مالٍ لكمُ استهلكتُهُ! أو بقِصاصِ جراحة!؟».

١٢

فأخذوا لا يكلِّمونه. فنادى عليه السلام:

«يا شَبثَ بن ربعيّ، يا حجّارَ بنَ أبجَر، يا قيسَ بنَ الأشعث، يا يزيدَ بنَ الحارث، ألم تكتُبوا إليَّ أنْ قد أينعَتِ الثِّمارُ واخْضَرَّ الجَناب، وإنّما تُقْدِمُ على جندٍ لك مُجنَّدة؟!».

فقال له قيسُ بنُ الأشعث: ما ندري ما تقول! ولكن انَزِلْ على حُكْمِ بني عمِّك، فإنّهم لا يُرونَكَ إلا ما تحبّ!.

فقال له الحسينُ عليه السلام:

«أنت أخو أخيك، أتريدُ أن يطلبَكَ بنو هاشمٍ بأكثرَ من دمِ مسلمِ بنِ عقيل، لا واللهِ، لا أُعطيهِمْ بيدي إعطاءَ الذليلِ، ولا أُقِرُّ إقرارَ العبيد. عبادَ اللهِ، إنيّ عُذْتُ بربّي وربِّكُمْ أنْ ترجُمون، أعوذُ بربِّي وربِّكُمْ من كلِّ متكبِّرٍ لا يؤمنُ بيومِ الحساب».

ثُمَّ إنَّهُ أناخَ راحلتَهُ وأمرَ عُقبةَ بنَ سَمعانَ فعَقلَها، وأقبلوا يزحفونَ نحوَه.

١٣

خطبة زهير بن القين

قالَ الراوي: فخرَجَ إلينا زهيرُ بنُ القَيْنِ على فرَسٍ له ذَنوب، شاكٍ في السلاحِ فقال:

«يا أهلَ الكوفةِ، نَذارِ لكُمْ من عذابِ اللهِ نَذارِ، إنَّ حقاً على المسلمِ نصيحةُ أخيهِ المسلِم، ونحنُ حتَّى الآنَ إخوةٌ وعلى دينٍ واحدٍ وملَّةٍ واحدةٍ ما لمْ يقَعْ بينَنا وبينَكُمُ السيفُ، وأنتُمْ للنصيحةِ مِنَّا أهل، فإذا وقعَ السيفُ انقطعَتِ العِصمةُ وكنَّا أمّةً وأنتُمْ أمّة. إنَّ اللهَ قدِ ابتلانا وإيَّاكُمْ بذُريَّةِ نبيِّهِ محمّدٍ لينظُرَ ما نحنُ وأنتُمْ عاملون، إنَّا ندْعُوكُمْ إلى نصرِهِم وخِذْلانِ الطاغيةِ عُبَيدِ اللهِ بْنِ زياد، فإنَّكُمْ لا تُدْرِكُونَ مِنْهما إلاَّ سُوءَ عُمْرِ سُلطانِهما كلِّه، لَيَسمِّلانِ أعينَكُم، ويُقطِّعانِ أيديَكُم وأرجُلَكُم، ويُمثِّلانِ بكُم، ويَرْفَعانِكُم على جُذوعِ النَّخْلِ، ويقْتُلانِ أماثِلَكُم وقُرَّاءَكُم أمثالَ حُجْرٍ بنِ عَدِيٍّ وأصحابِهِ وهانِئ بنِ عُرْوةَ وأشباهِه».

فَسبُّوهُ، وأثْنَوْا على عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ ودعَوْا لهُ، وقالُوا: واللهِ، لا نَبْرَحُ حتَّى نقتلَ صاحبَكَ ومَنْ معَهُ أوْ نَبْعَثَ بهِ وبأصحابِهِ إلى الأميرِ عُبيدِ اللهِ سَلَمَاً.

فقالَ لهُمْ زهير:

«عِبادَ اللهِ إنَّ وُلْدَ فاطمةَ رضوانُ اللهِ علَيْها أحقُّ بالوُدِّ والنَّصْرِ منِ ابْنِ سُميَّة، فإنْ لم تنْصُروهُم فأُعيذُكُم باللهِ أنْ تقتُلُوهُم، فخَلُّوا بينَ هذا الرجُلِ

١٤

وبينَ ابْنِ عمِّهِ يزيدَ بنِ مُعاوِية، فَلَعَمْري إنَّ يزيدَ لَيَرْضى مِنْ طاعتِكُمْ بدونِ قَتْلِ الحسينِ عليه السلام ».

فَرَماهُ شِمرُ بنُ ذي الجوشَنِ بسهمٍ، وقال: اُسْكُتْ، أسْكَتَ اللهُ نَأمَتَكَ، أَبْرَمْتَنا بكَثرةِ كلامِك.

فقالَ لَهُ زهير:

«ما إيَّاكَ أخاطِبُ...، ما أظنُّكَ تُحْكِمُ منْ كتابِ اللهِ آيتَيْنِ، فأبشِرْ بالخِزْيِ يومَ القيامةِ والعذابِ الأليم».

فقالَ لهُ شِمر: إنَّ اللهَ قاتلُكَ وصاحِبَكَ عنْ ساعة.

قال:

«أفَبِالموتِ تخوِّفني؟ فواللهِ، لَلْموتُ معَهُ أحَبُّ إليَّ مِنَ الخُلْدِ معكُم».

ثُمَّ أقبلَ زهيرٌ على الناسِ رافِعاً صوتَهُ فقال:

«عبادَ اللهِ، لا يَغُرَّنَّكُمْ عنْ دِينِكُم هذا الجَلِفُ الجَافي وأشباهُهُ، فواللهِ، لا تَنالُ شفاعةُ محمَّدٍPقوماً أراقُوا دِماءَ ذرِّيَتِهِ وأهلِ بيتِهِ وقتَلُوا مَنْ نصَرَهُمْ وذبَّ عنْ

حريمِهِم».

فناداهُ رجلٌ فقالَ لَه: إنَّ أبا عبدِ اللهِ عليه السلام يقولُ لك:

«أقبِلْ، فلَعَمْري لئنْ كانَ مؤمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ نصَحَ لقومِهِ وأبلَغَ في الدُعاءِ، لقَدْ نصحْتَ لهؤلاءِ وأبلغْتَ لو نَفَعَ النُّصْحُ والإبلاغ».

١٥

خطبة بُرَير بن خُضَير

ورُوِيَ أنَّ الحسينَ عليه السلام قالَ لبُريْرِ بنِ خُضَيرٍ الهمدانيّ:

«كلِّمِ القومَ يا بُريرُ وعِظْهُم».

فتقدَّمَ بُرَيرٌ حتَّى وقَفَ قريباً منَ القومِ، والقومُ قَدْ زحَفُوا إليهِ عنْ بِكرةِ أبيهِم، فقالَ لهُمْ برير:

«يا هؤلاء! اتَّقُوا اللهَ، فإنّ ثِقْلَ محمّدٍ قدْ أصبحَ بينَ أظْهُرِكُم، هؤلاءِ ذرْيتُهُ وعِتْرَتُهُ وبناتُهُ وحُرَمُه! فهاتُوا ما عندَكُم! وما الذي تريدُونَ أنْ تَصْنَعُوا بهِم؟!».

فقالوا: نُرِيدُ أنْ نمكِّنَ منهُمُ الأميرَ عُبيدَ اللهِ بنَ زيادٍ فيرَى رأيَهُ فيهِم:

فقالَ برير:

«أفلا ترْضَوْنَ منْهُمْ أنْ يَرْجِعُوا إلى المكانِ الذي أقبَلُوا منه؟ ويلَكُمْ يا أهلَ الكوفة! أنسيتُمْ كُتُبَكُمْ إليهِ وعُهُودَكُمُ التي أعطيتُمُوها منْ أنفسِكُم وأشهَدْتُمُ اللهَ علَيْها وكفَى

باللهِ شهيداً؟! وَيْلَكُم، دعَوْتُمْ أهلَ بيتِ نبيِّكُمْ وزعَمْتُم أنَّكُمْ تقتُلُونَ أنفسَكُمْ منْ دونِهِم، حتَّى إذا أتَوْكُمْ أسْلَمْتُمُوهُمْ لعُبَيْدِ الله! وحلَأتمُوهُمْ عن ماءِ الفُراتِ الجاري! بْئِسَما

خلَفْتُمْ محمّداً في ذرِّيَّتِه! ما لكُمْ، لا سَقاكُمُ اللهُ يومَ القيامة؟! فبئِسَ القومُ أنتُم!».

فقالَ لهُ نفَرٌ منهم: يا هذا، ما نَدْرِي ما تقول؟

فقالَ برير:

«الحمدُ لله الذي زادَني فيكُمْ بصيرة، أللَّهُمَّ إنّي أبرأُ إليكَ منْ فِعالِ هؤلاءِ القوم! أللّهُمَّ أَلْقِ بأسَهُمْ بينَهُمْ حتى يَلْقُوْكَ وأنتَ عليهِمْ غَضْبان!».

فجعَلَ القومُ يَرْمُونَهُ بالسِّهامِ، فَرجَعَ بريرٌ إلى وَرائِه.

١٦

خطبة الحسين عليه السلام الثانية

وتقدَّمَ الحسينُ عليه السلام ورأَى صفوفَهُم كالسَّيْلِ فخطَبَ فقال:

«الحمدُ للهِ الذي خلَقَ الدنيا فجعَلَها دارَ فَناءٍ وزَوال، مُتصرِّفةً بأهلِها حالاً بعدَ حال، فالمغرورُ مَنْ غرَّتْهُ، والشقيُّ من فتَنَتْهُ، فلا تغرَّنَّكُمُ الحياةُ الدنيا ولا يَغُرَّنَّكُم باللهِ الغَرور».

وممَّا قال:

فنِعْمَ الربُّ ربُّنَا وبئِسَ العِبادُ أنتُمْ، أقرَرْتُمْ بالطاعةِ وآمنتُمْ بالرَّسولِ محمَّدٍ، ثُمَّ أنتُمْ رجَعْتُمْ إلى ذُرّيَّتِهِ وعِتْرتِهِ تريدُونَ قتلَهُم، لقدِ استحْوَذَ عليكُمُ الشيطانُ فأنساكُمْ ذِكْرَ اللهِ العظيم، فتَبّاً لكُمْ ولمِا تُرِيدُون، إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعون، هؤلاءِ قومٌ كفَرُوا بعدَ إيمانِهِمْ فبُعْداً للقَوْمِ الظالمين.

تبَّاً لكم أيَّتُها الجَماعةُ وتَرْحاً، أَحِينَ اسْتَصْرَخْتُمونا والِهين، فأصرَخْناكُمْ مُوجِفين، سَلَلْتُمْ علَيْنا سيفاً لنا في أيْمانِكُم، وحَشَشْتُمْ علينا ناراً اقْتدَحْناها على عَدُوِّنا وعدوِّكُم، فأصبحتُمْ إلْباً لأعدائِكُمْ على أوليائِكُمْ، بغيرِ عَدْلٍ أفشَوْهُ فيكُمْ، ولا أملٍ أصبحَ لكُمْ فيهِمْ. فهلّا، لكُمُ الويلات، تركْتُمُونا والسيفُ مَشِيمٌ، والجأْشُ طامِنٌ، والرأيُ لمَّا يُستحْصَف، ولكنْ أسرعْتُمْ إلَيْها كطَيْرةِ الدُبى، وتداعيتُمْ إلَيْها كتهافُتِ الفَراش، فَسُحْقاً يا عبيدَ الأمّةِ

١٧

وشُذَّاذَ الأحزاب، ونَبَذَةَ الكِتاب، ومُحرِّفي الكَلِم، وعصبةَ الآثامِ ونفثَة َالشَيطان، ومُطْفئِي السُّنَن، أهؤلاءِ تَعْضُدُونَ وعنَّا تتخاذَلُونْ؟ أجلْ والله، ألغَدْرُ فيكُمْ قديم، وشَجَتْ إليهِ أصولُكُم وتأزَّرَتْ عليهِ فُروعُكُم، فكُنتُم أخبثَ ثَمَرٍ، شجّاً للناظرِ وأُكْلةً للغاصِب، ألاَ وإنَّ الدَعِيَّ ابنَ الدعيِّ قدْ رَكَزَ بينَ اثنتين، بينَ السَّلَّةِ والذِلَّة، وهيهاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ، يأبى اللهُ ذلكَ لنا ورسولُهُ والمؤمنون، وحُجورٌ طابَتْ وطهُرَتْ، وأنوفٌ حَميّةٌ ونفوسٌ أبيَّةٌ، مِنْ أنْ نُؤْثِرَ طاعةَ اللئامِ على مَصارِعِ الكرام، ألا وإنّي زاحفٌ بهذهِ الأُسرةِ معَ قِلَّةِ العددِ وخُذلةِ الناصر.

ثمَّ أيْمُ اللهِ، لا تَلْبَثُونَ بعدَها إلاَّ كرَيْثِما يُركَبُ الفرَسُ، حتَّى تدورَ بكُمْ دَوْرَ الرَّحى وتقلقَ بكُمْ قلَقَ المِحْوَرِ، عَهْدٌ عَهِدَهُ إليَّ أبي عنْ جدِّي. فأَجْمِعُوا أمرَكُمْ وشُركاءَكُم، ثمَّ لا يكُنْ أمرُكُمْ عليكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقضُوا إليَّ ولا تُنْظِرون، إنّي توكَّلْتُ على اللهِ ربِّي وربِّكُمْ، ما منْ دابَّةٍ إلاّ هوَ آخذٌ بناصِيتِها، إنَّ ربّي على صراطٍ مستقيْم.

ثمّ رَفَعَ يَدَيْهِ نَحْوَ السمَاءِ وَقال:

أللهمَّ احبِسْ عنْهُمْ قَطْرَ السماءِ وابعَثْ عليهِمْ سِنينَ كسِنيّ يُوسُف، وسلِّطْ عليهِمْ غُلامَ ثَقيفٍ فيَسُومَهُمْ كأساً مُصَبَّرةً، فإنَّهُمْ كذَبُونا وخذَلُونا،

١٨

وأنتَ ربُّنا عليكَ توكَّلْنا وإليكَ أنَبْنا وإليكَ المصير.

ثُمَّ نزَلَ عليه السلام ودعا بفَرَسِهِ، فركِبَهُ وعَبَّأ أصحابَهُ للقِتالِ...واستدعَى عُمَرَ بنَ سعدٍ - وكانَ كارِهاً لا يُحِبُّ أنْ يأتيَهُ، فلمَّا حَضَرَ قالَ لهُ عليه السلام:

«أيْ عُمَر، أتزْعُمُ أنَّكَ تقتُلُني ويُولِّيكَ الدَعِيُّ ابنُ الدَعِيِّ بلادَ الريِّ وجَرْجان؟ واللهِ، لا تَهْنَأُ بذلكَ أبداً، عهدٌ معهود، فاصنَعْ ما أنتَ صانع، فإنَّكَ لا تفرَحُ بعدي بدُنيا ولا آخرة، وكأنّي برأسِكَ على قَصَبةٍ قدْ نُصِبَ بالكوفْة، يترامَاهُ الصِبيانُ ويتَّخِذُونَهُ غرَضَاً بينَهُم».

فغصِبَ ابنُ سعدٍ منْ كلامِهِ، وصَرَفَ وَجْهَهُ عنهُ، ثُمَّ نادى بأصحابِه: ما تنتظِرُون، إحمِلُوا بأجمَعِكُم، إنَّما هيَ أكْلةٌ واحدة.

١٩

موقف الحرّ الرياحيّ

وجاءَ الحرُّ بنُ يزيدَ الرياحيُّ، إلى عُمرَ بنِ سعدٍ، فقالَ له: «أمقاتلٌ أنتَ هذا الرجل؟».

قالَ: إيْ واللهِ قتالاً أيْسَرُهُ أنْ تسقُطَ الرؤوسُ وتَطِيحَ الأيدي.

قالَ الحرّ:

«أفما لكُمْ في واحدةٍ منَ الخصالِ التي عرَضَ عليكُمْ رضىً؟».

قالَ عمرُ بنُ سعد: أمَا واللهِ، لو كانَ الأمرُ إلَيَّ لفعَلْتُ، ولكنَّ أميرَكَ قد أبى ذلك.

فأقْبلَ الحُرُّ حتَّى وقَفَ منَ الناسِ موقِفاً، ومعَهُ رجلٌ منْ قومِهِ يُقالُ له قُرَّةُ بنُ قيسْ، فقال:

يا قرّةُ، هل سقَيْتَ فرسَكَ اليوم؟

قالَ: لا.

قالَ: أما تُرِيدُ أنْ تَسْقِيَه؟

قالْ: فظنَنْتُ - واللهِ - أنَّهُ يريدُ أنْ يتنحَّى فلا يشهدَ القتالَ، وكرِهَ أنْ أراهُ حينَ يصنَعُ ذلك.

فقلتُ له: لمْ أسقِهِ وأنا منطلِقٌ فأَسقِيه.

قالَ: فاعتزلْتُ ذلكَ المكانَ الذي كانَ فيهِ، فأخَذَ يدنُو منْ حسينٍ قليلاً قليلاً.

٢٠