الأخلاق الحسينية

الأخلاق الحسينية0%

الأخلاق الحسينية مؤلف:
الناشر: تكسوار حجاز
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 368

الأخلاق الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: جعفر البياتي
الناشر: تكسوار حجاز
تصنيف: الصفحات: 368
المشاهدات: 38004
تحميل: 7072

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38004 / تحميل: 7072
الحجم الحجم الحجم
الأخلاق الحسينية

الأخلاق الحسينية

مؤلف:
الناشر: تكسوار حجاز
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخلاق الحسينيّة

جعفر البيّاتي

١

٢

الإهداء

إليك يا رسول الله.. أيُّها المصطفى يا حبيب الله

أرفع هذا الكتاب على كتفي مطأطئاً رأسي؛ حياءً منك لكثرةِ ذنوبي، علّك تستغفر لي ربَّك الرحيم كما استغفرتَ لذلك الرجل الذي أذنب ذنباً في حياتك فتغيّب حتّى وجد الحسنَ والحسينعليهما‌السلام في الطريق، فأخذهما وحملَهُما على عاتقيه، وأتى بهما إليك (صلّى الله عليك وعلى آلك الطاهرين)، وقال لك: يا رسول الله، إنّي مستجير بالله وبهما.

فضحكتَ يا رسولَ الله حتّى رددْتَ يدَك الطاهرة إلى فمك الشريف، ثمّ قلتَ للرجل:«اذهبْ فأنت طليق» . ثمّ قلتَ لِوَلدَيكَ الحسنِ والحسينعليهما‌السلام :«قد شفّعتُكما فيه أيْ فتيان» . فأنزل الله تعالى عليك( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) (*) .

فيا أيُّها الهادي الرؤوف! ظلمتُ نفسي وجئتُك بوريقاتي في وَلَدِك الحسينعليه‌السلام أحملها على عاتقيَّ، مستجيراً بالله وبالحسين، ومستغفراً ربّي، فاستغفرْ لي حتّى أجدَ الله علَيَّ توّاباً، وبي رحيماً.

____________________

(*) الرواية في (مناقب آل أبي طالب) - لابن شهرآشوب 3 / 400، والآية في سورة النساء / 63.

٣

٤

مُفتَتح الحديث

٥

٦

مُفتَتح الحديث

بسم اللهّ الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الإنسان، وجعله أفضلَ أنواعِ الأكوان، أظهر فيه عجائبَ قدرتهِ القاهرة، وأبرز فيه غرائبَ عظمته الباهرة، خمّر طينتَه مِن الظلماتِ والنور، وركّب فيه دواعيَ الخيرِ والشرور، عجنَه من الموادّ المتخالفة، وجمع فيه القوى والأوصاف المتناقضة، ثمّ ندبه إلى تهذيبها بالتقويم والتعديل، وحثَّه على تحسينها بعدما سهّلَ له السبيل. والصلاةُ على نبيّنا الذي أُوتيَ جوامِعَ الكَلِم، وبُعِث لتتميمِ محاسنِ الأخلاقِ والشِّيَم، وعلى آلهِ مصابيحِ الظُّلَم، ومفاتيحِ أبوابِ السعادة والكرَم (صلّى الله عليه وعليهم).

وبعد، فلا ريبَ في أنَّ الغايةَ مِن وضع النواميس والأديان، وبعثةِ الـمُصطَفَينَ من عظماءِ الإنسان هو سَوْقُ الناس مِن مراتع البهائمِ والشياطين، وإيصالُهم إلى روضاتِ العِلّيّين. ولا يتيسّرُ ذلك إلاّ بالتخلّي عن ذمائمِ الأخلاقِ ورذائلِه، والتحلّي بشرائف الصفاتِ وفضائلِها.

ثمّ لا ريبَ في أنَّ التزكيةَ موقوفةٌ على معرفة مُهلِكاتِ الصفاتِ ومُنجياتِه، والعلمِ بأسبابها ومعالجاتِها(1) .

____________________

(1) من مقدّمة كتاب (جامع السعادات) - للشيخ محمّد مهدي النراقيّ 1 / 251، ط 3 مطبعة النجف الأشرف / 1383هـ - 1963م.

٧

وإذا كانتِ الأخلاقُ بمعنى الملكاتِ الحاصلةِ للنفس، أو بمعنى الأفعالِ التي تستحقّ المدح(1) ، فإنَّها تعتمدُ على العقل والعلم مِن جهة، وعلى التربية والتهذيب والمجاهدة مِن جهة.

* جاء في جملة كلمات أميرِ المؤمنين عليٍّعليه‌السلام أنّه قال:«الخلُقُ المحمود مِن ثمار العقل. الخلُقُ المذموم مِن ثمارِ الجهْل» (2) .

وقال المولى محسن الكاشانيّ، المعروف بـ (بالفيض الكاشانيّ)رحمه‌الله : إنَّ الخُلقَ الحَسن صفةُ سيّدِ المرسَلين، وأفضلُ أعمالِ الصدّيقين، وهو على التحقيق شطْرُ الدين، وهو ثمرةُ مجاهدةِ المتّقين، ورياضة المتعبّدين.

والأخلاقُ السيّئةُ هي السمومُ القاتلة، والمهلِكاتُ الدامغة، والمخازي الفاضحة، والرذائلُ الواضحة، والخبائثُ المبعِّدةُ مِن جوار ربِّ العالمين، المنخرطةُ بصاحبها في سلْكِ الشيطانِ اللعين، وهي الأبوابُ المفتوحةُ من القلب إلى نارِ الله الـمُوقَدة التي تطّلعُ على الأفئدة، كما أنَّ الأخلاقَ الجميلةَ هي الأبوابُ المفتوحةُ من القلبِ إلى نعيمِ الجِنان، وجِوارِ الرحمن(3) .

وإذا كانتِ الأخلاقُ بالمعنى الأدقّ هي الملكاتِ النفسيّةَ المقتضية لصدور الأفعال بسهولة مِن دون احتياجٍ إلى فكْرٍ ورَويّة، فإنّ تحصيلها يحتاج إلى مجاهدةٍ وتربية، من خلال التوجيه العقليّ والقلبيّ والروحيّ كيما تُبنى

____________________

(1) وإنْ كان البعضُ يرى أنّها تعني الملكات الحاصلة للنفس؛ سواء كانت فاضلة أم رذيلة، أو تعني الأفعال التي تستحقّ المدحَ أو الذمّ. يراجع في ذلك (فلسفة الأخلاق) - للشيخ محمّد تقي مصباح اليزديّ.

(2) غرر الحكم ودرر الكلم - للآمديّ / 28.

(3) المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء 5 / 87، كتاب رياضة النفس - طبع جامعة مدرّسي الحوزة العلميّة في قمّ.

٨

على المباني الصحيحةِ الثابتة.

فلِلتمييز بين محاسن الأخلاق ومساوئها لا بدَّ لنا من التعرّف عليهما؛ لترغيب النفس على المكارم وأمرِها بها، وترهيبها من الخصال الذميمة ونهيِها عنها، على بيّنةٍ وبصيرةٍ من الأمر. قال مولانا الإمامُ عليٌّ (سلام الله عليه):«رأسُ العلم التمييزُ بين الأخلاق، وإظهار محمودِها، وقمعُ مذمومها» (1) .

وبعد أنْ قال الشيخ النراقيّ (قدّسَ الله سِرَّه): لا ريبَ في أنَّ التزكيةَ موقوفةٌ على معرفةِ مُهلِكاتِ الصفاتِ ومُنْجِياتِها، أعقبَ قولَه هذا بالقول: والعلمِ بأسبابها ومعالجاتها، وهذا هو الحكمةُ الحقّةُ التي مدحَ الله أهلَها، ولم يُرخّصْ لأحدٍ جَهلَها، وهي الـمُوجبةُ للحياةِ الحقيقيّة، والسعادةِ السرمديّة، والتاركُ لها على شفا جُرفِ الهلكات، وربّما أحرقتْه نيرانُ الشهوات(2) .

ومعرفةُ محاسنِ الأخلاقِ تمثّلتْ فيما أمرَ الله سبحانه وتعالى به ودعا إليه، وفيما ظهرَ مِن سيرةِ الأنبياءِ والأولياء، وأشرفُهم وسيّدُهم خاتَمُهُم محمّدٌ المصطفى الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي مدحَه الله (عزَّ وجلَّ) في قرآنه المجيد، وكفى بذلك فخراً، فقال يصفه:( وإنَّكَ لَعلى خُلُقٍ عظيمٍ ) (3) .

جاء عن الإمام جعفرِ بن محمّدٍ الصادق (سلام الله عليه) أنّه قال:«كانَ فيما خاطبَ الله تعالى نبيَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ قال له: يامحمّد، إنَّكَ لَعلى خُلقٍ عظيم؛ السخاء، وحُسنُ الخُلق» (4) .

____________________

(1) غرر الحكم / 182.

(2) جامع السعادات 1 / 2.

(3) سورة القلم / 4.

(4) تفسير نور الثقلين - للمحدّث الشيخ عبد عليّ بن جمعة العروسيّ الحويزيّ 5 / 391، نقلاً عن أمالي الشيخ الطوسيّ.

٩

وقد كان المصطفى الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله صفحةً قدسيّةً نيّرةً من الأخلاق الربّانيّة، قال الإمامُ الصادقعليه‌السلام :«إنَّ الله (عزّ وجلّ) أدّبَ نبيَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى إذا أقامه على ما أراد قال له: ( وأْمُرْ بالعُرفِ وأعرِضْ عن الجاهلين ) (1) ، فلمّا فعلَ ذلك له رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زكّاه الله فقال: إنَّكَ لَعلى خُلقٍ عظيم» (2) .

وقد دعا إلى مكارم الأخلاق بنفسه المقدّسة حتّى صارتِ الأخلاق الكاملة عنوانُها المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد قال يوماً للإمام عليّعليه‌السلام :«ألاَ أُخبركَ بأشبهكم بي خُلقاً؟» .

قال:«بلى يا رسولَ الله» .

قال:«أحسنُكم خُلقاً، وأعظمُكم حلماً، وأبرُّكم بقرابته، وأشدُّكم مِن نفسِه إنصافاً» (3) .

وقد ورثَ أهلُ البيت (صلوات الله عليهم) من رسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علمَه وأخلاقَه؛ حيث هم وارثوه في ذلك، لا ينازعُهم أحد؛ فهُم أهلُ بيتِ النبوّة، وموضعُ الرسالة، ومهبِطُ الوحي...

* عن الحكَمِ بن عُتيبة قال: لقيَ رجلٌ الحسينَ بنَ عليٍّعليهما‌السلام بالثعلبيّة وهو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلّم عليه، فقال له الحسينعليه‌السلام :«مِن أيِّ البلدانِ أنت؟» .

____________________

(1) سورة الأعراف / 199.

(2) بصائر الدرجات - للشيخ محمّد بن الحسن الصفّار القمّيّ، وهو من أصحاب الإمام الحسن العسكريّعليه‌السلام / 111.

(3) بحار الأنوار - للشيخ محمّد باقر المجلسيّ 77 / 58، عن مكارم الأخلاق - للشيخ رضيّ الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسيّ / 442.

١٠

فقال: مِن أهل الكوفة.

قال:«يا أخا أهلِ الكوفة، أمَا والله لو لَقِيتُك بالمدينة لأريتُكَ أثرَ جَبرئيلَ مِن دارنا، ونزوله على جدّي بالوحي. يا أخا أهلِ الكوفة، مستقى العلم مِن عندنا، أفَعَلِمُوا وجهِلنا؟! هذا ما لا يكون» (1) .

* وعن يحيى بنِ عبد الله بنِ الحسن قال: سمعتُ جعفرَ بن محمّدعليهما‌السلام يقول، وعنده ناسٌ مِن أهل الكوفة:«عجَباً للناس يقولونَ: أخذوا علمَهم كلَّه عن رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلِمُوا به واهتدوا، ويَرون أنّا أهلَ البيت لم نأخذْ علمَه ولم نهتدِ به ونحنُ أهلُه وذرّيتُه! في منازلنا اُنزل الوحي، ومِن عندنا خرج إلى الناس العلم، أفتَراهم علِمُوا واهْتَدوا، وجهِلْنا وضللْنا؟! إنَّ هذا لمحال» (2) .

* وعن ضُريسٍ الكِناسيّ قال: كنتُ عند أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، فقال:«إنَّ داودَ ورِثَ عِلْمَ الأنبياء، وإنَّ سليمانَ ورِثَ داود، وإنَّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ورِثَ سليمان، وإنّا ورِثْنا محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنَّ عندنا صُحُفَ إبراهيمَ وألواحَ موسى عليهما‌السلام ...» (3) .

* وعن عبدِ الله بنِ جُنْدَب أنّه كتب إليه الرضاعليه‌السلام :«أمّا بعد، فإنَّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله كانَ أمينَ الله في خلْقه، فلمّا قُبض صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(1) بصائر الدرجات / 4.

(2) أمالي الشيخ المفيد / 71.

(3) الكافي - للشيخ ثقة الإسلام الكلينيّ 1 / 175 - باب: إنَّ الأئمّة ورثوا علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - الحديث الرابع.

١١

كنّا أهلَ بيتِه وَرَثَته، فنحنُ اُمناءُ الله في أرضه...»(1) .

ووراثةُ العلم بانتْ للمخالف والـمُؤالف؛ حيث كان من علومِ أهلِ البيت (صلواتُ الله عليهِم) ما طبّق الآفاق، وسارتْ به الركبان، واهتدى به خلْقٌ عظيم.

والعلم لا يقتصر على الحفْظ، إنَّما العلـمُ النافع ما أثمرَ عن زيادةٍ في الإيمانِ والتقوى، وارتقاءٍ في الأخلاق والسلوك.

* قال أميرُ المؤمنين عليٌّ (عليه أفضلُ الصلاةِ والسّلام):«ثمرةُ العلم العملُ به. ثمرةُ العلم العبادة. ثمرةُ العلم إخلاصُ العمل» (2) .

وقال (سلامُ الله عليه) أيضاً:«رأسُ العلم التواضع... ومِن ثمراتِه التقوى، واجتنابُ الهوى، واتّباعُ الهدى، ومُجانبةُ الذنوب، ومودّةُ الإخوان، والاستماعُ من العلماءِ والقبولُ منهم.

ومِن ثمراتِه تركُ الانتقامِ عند القدرة، واستقباحُ مقارفةِ الباطل، واستحسانُ متابعةِ الحقّ، وقولُ الصدق، والتجافي عن سرورٍ في غفلة، ومِن فعلِ ما يُعقّبُ نَدامة.

العلـمُ يَزيدُ العاقلَ عقْلاً، ويُورثُ مُتعلِّمَه صفاتِ حمْدٍ؛ فيجعلُ الحليمَ أميراً، وذا المشورةِ وزيراً، ويقمعُ الحرص، ويخلع المكْر، ويُميتُ البخل، ويجعل مُطْلَقَ الوحشِ مأسوراً، وبعيدَ السدادِ قريباً»(3) .

ولا يخفى علينا أنَّ جميعَ الصفاتِ الطيّبةِ الحميدة قد تجلّتْ بأسطع صورها الشريفةِ النورانيّة في أهل بيت العصمةِ والطهارة (صلواتُ الله عليهم أجمعين)؛ ذلك أنَّ الله تعالى طهّرهم وأذهبَ عنهم كلَّ رجس، أيْ كلَّ شركٍ،

____________________

(1) الكافي 1 / 175 - الحديث الخامس.

(2) غرر الحكم / 159، 158، 159.

(3) بحار الأنوار 78 / 6، عن مطالب السؤول - لمحمّد بن طلحة الشافعيّ.

١٢

أو كلّ معصيةٍ وذنب على رأيٍ آخر، أو كلَّ شيطانٍ على رأيٍ ثالث، وذلك ما أراده تبارك شأنه، وما شاء الله كان، وما لم يشأْ لم يكن، فقال عزّ مِن قائل:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) . فهم مطهّرونَ مِن كلِّ خَبثٍ أخلاقيّ، وهم أنقياء معصومون.

روى الشيخ سليمان القندوزيُّ الحنفيّ(2) عن ابن عبّاس (رضوانُ الله عليه) أنّه قال: سمعتُ رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:«أنا وعليّ والحسنُ والحسين، وتسعةٌ مِن ولْدِ الحسين مطهّرون معصومون» .

وفي سبب نزول آية التطهير روى الترمذيّ(3) عن عمر بن أبي سلَمة ربيبِ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: لـمّا نزلتْ هذه الآيةُ على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت اُمِّ سلمة، فدعا فاطمةَ وحسناً وحسيناًعليهم‌السلام فجلّلَهم بكساء، وعليٌّ خلْفَ ظهرِه فجلّله بكساء، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :«اللهمَّ هؤلاءِ أهلُ بيتي، فأَذهِبْ عنهمُ الرجسَ وطهِّرْهم تطهيراً».

قالتْ اُمُّ سلمة: وأنا معهم يا نبيَّ الله؟

قال:«أنتِ على مكانِكِ، وأنتِ على خير» (4) .

ومن مقتضياتِ التطهير والعصمة سموُّ أخلاقهم، وخلوُّها مِن كلِّ شائبة، وقد قال الشاعرُ يمدحُهم:

مُطهَّرونَ نَقِيَّاتٌ ثِيابُهُمُ

تَجْري الصلاةُ عليهم أيْنَما ذُكِرُوا

____________________

(1) سورة الأحزاب / 33.

(2) وهو من علماءِ أهل السُّنَّة، في كتابه المشهور ينابيع المودّة 2 / 316، ح 910 - الفصل 56.

(3) صاحب السُّنن الصحاح، المعروف بـ (سُنن الترمذيّ)، وهو من مشاهير علماء السنّة.

(4) سنن الترمذيّ 5 /30، ح 3258.

١٣

فالله لَمَّا بَرَى خَلْقاً وأَتْقَنَهُ

صَفَاكُمُ وَاصْطَفاكُمْ أَيُّهَا البَشَرُ

فأنتُمُ الملأُ الأعْلَى وعِندَكُمُ

عِلْمُ الكِتابِ ومَا جاءَتْ بِهِ السُّوَرُ(1)

ولِمَ لا؟ وهم ورَثةُ مَنْ قال الله تعالى فيه:( وإنَّكَ لَعلى خُلُقٍ عظيمٍ ) ، وورثةُ مَنْ قال:«أدَّبَني رَبِّي فأَحْسَنَ تَأْدِيبي» (2) . وبعد أن أدّبه الله تعالى كانَصلى‌الله‌عليه‌وآله مكلّفاً بتأديب الاُمّة، قال الإمامُ الصادقعليه‌السلام :«إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أدَّبَ نَبيَّهُ فأَحْسَنَ تأْدِيبَه، فَلَمَّا أَكْمَلَ لَهُ الأَدَبَ قالَ: ( وإنَّكَ لَعلى خُلُقٍ عظيمٍ ) ، ثُمَّ فَوَّضَ إلَيهِ أَمْرَ النَّاسِ والاُمَّةِ لِيَسُوسَ عِبَادَهُ...» (3) .

ومَنْ كُلّف بتأديب الاُمَّة كان أَولى به أنْ يُؤدّبَ حامّتَه وأهلَ بيته، وذوي الصلة به. وقد دوّنَ التأريخُ لنا أنَّ آلَ رسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يحكونَ أخلاقَه، فتمثّلتْ فيهم حتّى أصبحوا ذكرى شاخصةً للناس تذكّر بأخلاقِ المصطفى (صلّى الله عليهِ وآلِه).

وأوّلُ أهلِ بيته تأسيّاً به واقتداءً، وتعلّماً منه هو الإمام عليُّ بنُ أبي طالب (سلام الله عليه)؛ فقد تربّى في حجره، وتغذّى من علومه وآدابه، ونشأ في منزله، ولم يفارقْه حتّى فاضتْ نفْسُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ورأسُه في حجر عليّعليه‌السلام الذي قال:«ولَقَد عَلِمَ

____________________

(1) أورد هذه الأبيات الشيخ الصدوق في كتابه عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 2 / 143، وذكر أنَّ أبا نؤاس أنشأها في الإمام الرضاعليه‌السلام . أمّا السيّد محسن الأمين العامليّ فقد أورد الأبيات في كتابه أعيان الشيعة 4 / 126، ونسبها إلى أبي نؤاس، ثمّ قال: يمكن أن تكون الأبيات أصلُها للأعرابيّ الذي كان له لقاء مع الإمام الحسينعليه‌السلام ، وتمثّل بها أبو نؤاس أيضاً في عصر الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام .

في حين أوردها ابن عساكر ونسبها للأعرابيّ في ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام من تاريخ دمشق / 160، الرقم 205.

(2) تفسير نور الثقلين 5 / 392، عن مجمع البيان للطبرسيّ.

(3) تفسير نور الثقلين 5 / 389، عن اُصول الكافي للكلينيّ.

١٤

الـمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله أَنّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى الله وَلاَ عَلَى رَسُولِهُ سَاعَةً قَطّ، وَلَقَدْ وَاسَيتُهُ بِنَفْسِي في المَوَاطِنِ التي تَنكُصُ فِيها الأَبْطالُ، وَتَتَأَخَّرُ فِيها الأَقْدَامُ؛ نَجْدَةً أَكْرَمَنِي الله بِهَا.

وَلَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وَأنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي، وَلَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ في كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي...»(1) .

وقال (سلامُ الله عليه) أيضاً:«وقد علِمتُم موضعي من رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرابةِ القريبة، والمنزلةِ الخَصيصة؛ وضعَني في حِجْرِه وأنا وَلَدٌ؛ يضمُّني إلى صدره، ويكنُفني في فراشه، ويُمِسُّني جسَدَه، ويُشِمُّني عَرْفه. وكان يَمضغُ الشيءَ ثمَّ يُلْقِمُنيه، وما وجدَ لي كَذْبَةً في قول، ولا خَطْلَةً في فعل.

ولقد قرن الله بهصلى‌الله‌عليه‌وآله مِن لَدُنْ أنْ كانَ فطيماً أعظَمَ ملَكٍ مِن ملائكتهِ يَسلُكُ به طريقَ المكارم، ومحاسنَ أخلاقِ العالَم، ليلَه ونهارَه. ولقد كنتُ أتّبِعُه اتّباعَ الفصيلِ أَثَرَ اُمِّه، يَرفعُ لي في كلِّّ يومٍ مِن أخلاقِهِ علَم، ويأمرُني بالاقتداء به...»(2) .

ومِن قبل ذلك قال رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :«أنا أديبُ الله، وعَلُيٌّ أديبي» (3) . وقال (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) أيضاً:«حسينٌ منّي وأنا من حسين» (4) .

____________________

(1) نهج البلاغة - الخطبة 197.

(2) نهج البلاغة - الخطبة 192.

(3) مكارم الأخلاق / 17.

(4) حديث مشهور نقله الخاصّةُ والعامّة، منهم الحاكم في المستدرك على الصحيحين، وقد صحّحه عن يحيى العامريّ، وأحمد بن حنبل في كتابه الفضائل مِن مسنده 4 / 172، والترمذيّ عن يعلي بن مرّة، والشيخ المجلسيّ في جلاء العيون، وغيرهم كثير.

١٥

وإذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الحسينعليه‌السلام بمعنى أنَّ ذكرَه وشريعتَه كان بقاؤهما رهينَ نهضة الحسينعليه‌السلام وشهادته، فإنَّ الحسينَعليه‌السلام من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذْ هو ابنه بنصِّ القرآن الكريم في آية المباهلة( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) (1) ، كما ذكر في تفسير الآية إجماعُ المفسّرين والرواة(2) أنّهما الحسنُ والحسين (سلام الله عليهما).

وكذلك فإنَّ الإمامَ الحسين (سلام الله عليه) من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ حيث هو وارثُه علماً وأخلاقاً، فتعالَوا نتعرّف على أخلاق المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله مِن خلال سبطه وريحانته الحسينعليه‌السلام ، وتعالوا نمضِ شوطاً مع الحسينعليه‌السلام في أخلاقه النبويّة، وتعالوا نتأمّلْ ونتمثّلْ في الأخلاق الحسينيّة.

____________________

(1) سورة آل عمران / 61.

(2) منهم الزمخشريّ في تفسيره الكشّاف، والفخر الرازيّ في التفسير الكبير، ومسلم في صحيحه، وابن حنبل في مسنده، والسيوطيّ في تفسيره الدرّ المنثور، والترمذيّ في سننه.

١٦

لماذا أخلاق أهل البيتعليهم‌السلام ؟

١٧

١٨

لماذا أخلاق أهل البيتعليهم‌السلام ؟

ينبغي للمرءِ المؤمن أنْ يُجهدَ نفسَه في معرفةِ اُصول دينه، والإلمام بما يستطيعه من العقائد الحقّة في التوحيد الإلهيّ، والعدل الإلهيّ، والنبوّة الشريفة الـمُصطفاة، والإمامةِ المعصومة المنتخَبةِ المختارة من ربِّ العزّة، والمعادِ الذي يُثاب فيه المحسِنُ ويعاقَبُ فيه المسيء.

وإجمالاً، لا بدَّ أن نعلم أنَّ الإمامةَ أصلٌ مِن اُصول الدين لا يتمُّ الإيمان إلاّ بالاعتقاد بها، ويجبُ النظرُ فيها كما يجب النظرُ في التوحيدِ والنبوّة، وهي كالنبوّة؛ من حيث إنَّها لطفٌ من الله تعالى، فلا بدَّ أن يكونَ في كلِّ عصرٍ إمامٌ هادٍ يخلفُ النبيّ في وظائفه، في هدايةِ البشرِ وإرشادِهم إلى ما فيه الصلاحُ والسعادةُ في النشأتين.

وهي لا تكون إلاّ بالنصّ من الله تعالى على لسان النبيّ، أو لسان الإمام الذي سبق(1) . قال تعالى:( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍٍ ) (2) .

* أورد الحاكم النيسابوريّ في مستدرك الصحيحين بسنده عن عباد بن عبد الله الأسديّ، عن عليّعليه‌السلام ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، قالعليه‌السلام :

____________________

(1) يُراجع في ذلك كتاب (عقائد الإماميّة) للشيخ محمد رضا المظفّر - الفصل الثالث - باب الإمامة / 65، 66.

(2) سورة الرعد / 7.

١٩

«رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الـمُنذر، وأنا الهادي»(1) .

* وروى ابن جرير الطبريّ عن ابن عبّاس قال: لـمّا نزلت( إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، وضعصلى‌الله‌عليه‌وآله يدَه على صدره فقال:«أنا المنذر، ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) »، وأومأ بيده إلى منكبِ عليٍّعليه‌السلام ، فقال:«أنتَ الهادي يا عليّ، بك يهتدي المهتدون بعدي» (2) .

ولمزيد التعرّف واتّضاح هذه العقيدة الحقّة في الإمامةِ والإمام نقف عند جزءٍ من حديثٍ لمولانا الإمام عليِّ بنِ موسى الرضاعليه‌السلام ، حيث يقول فيه:«إنَّ الإمامة هي منزلةُ الأنبياء، وإرثُ الأوصياء. إنَّ الإمامةَ خلافةُ الله، وخلافةُ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومَقامُ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وميراث الحسنِ والحسين عليهما‌السلام .

إنَّ الإمامةَ زِمامُ الدين، ونظامُ المسلمين، وصلاحُ الدنيا، وعِزُّ المؤمنين.

إنَّ الإمامةَ اُسُّ الإسلامِ النامي، وفرعُه السامي...

الإمامُ يُحِلُّ حلالَ الله، ويُحرّم حرامَ الله، ويُقيم حدودَ الله، ويَذُبُّ عن دينِ الله، ويدعو إلى سبيلِ ربِّه بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة، والحُجّةِ البالغة.

الإمامُ كالشمس الطالعةِ، الـمُجلِّلَةِ بنورها للعالم وهي في الاُفقِ، بحيثُ لا تنالُها الأيدي والأبصار.

الإمامُ البدرُ المنير، والسِّراجُ الزاهر، والنورُ

____________________

(1) 3 / 129، وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح الإسناد.

(2) تفسير الطبريّ 13 / 72، وقد أورد قريباً من هذا الخبر وهذا الحديث المتّقي الهنديّ في كنز العمّال 1 / 251، و 6 / 157، والهيثميّ في مجمع الزوائد 7 / 41، والفخر الرازيّ في التفسير الكبير في ظلّ الآية الشريفة، والسيوطيّ في الدرّ المنثور، وغيرهم كالشبلنجيّ في نور الأبصار / 70، والمناويّ في كنوز الحقائق / 42، والطبرانيّ في الصغير والأوسط، وكلّهم من علماء السنّة.

٢٠