موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ١

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 311

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 311
المشاهدات: 52860
تحميل: 5832


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52860 / تحميل: 5832
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كذلك) (1) .

238 - تاريخ الطبري عن ابن إسحاق - في خروج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى غزوة تبوك: خلّف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة أخا بني غفّار، فأرجَف المنافقون بعليّ بن أبي طالب، وقالوا: ما خلّفه إلاّ استثقالاً له، وتخفّفاً منه.

فلمّا قال ذلك المنافقون أخذ عليّ سلاحه، ثمّ خرج حتى أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو بالجُرف، فقال: (يا نبيّ الله، زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتني أنّك استثقلتني وتخفّفت منّي!) فقال: (كذبوا، ولكنّي إنّما خلّفتك لما ورائي، فارجع فاخلُفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا عليّ، أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي؟!)، فرجع عليّ إلى المدينة، ومضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على سفره (2) .

239 - الإرشاد - في غزوة تبوك: أوحى الله تبارك وتعالى اسمه إلى نبيّه (صلّى الله عليه وآله) أنْ يسير إليها بنفسه، ويستنفر الناس للخروج معه، وأعلمه أنّه لا يحتاج فيها إلى حرب، ولا يُمنى بقتال عدوّ، وأنّ الأمور تنقاد له بغير سيف، وتَعبَّدَه بامتحان أصحابه بالخروج معه واختبارهم؛ ليتميّزوا بذلك وتظهَر سرائرهم.

فاستنفرهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى بلاد الروم، وقد أينعت ثمارهم، وأشتدّ القيظ عليهم، فأبطأ أكثرهم عن طاعته؛ رغبةً في العاجل، وحرصاً على المعيشة وإصلاحها، وخوفاً من شدّة القيظ، وبُعد المسافة، ولقاء العدوّ. ثمّ نهض بعضهم على استثقال

____________________

(1) الطبقات الكبرى: 3 / 24، أنساب الأشراف: 2 / 349، المعجم الكبير: 5 / 203 / 5094 نحوه، وراجع خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 106 / 45.

(2) تاريخ الطبري: 3 / 103، السيرة النبويّة لابن هشام: 4 / 163، تاريخ الإسلام للذهبي: 2 / 631، الكامل في التاريخ: 1 / 636.

٢٦١

للنهوض، وتخلّف آخرون.

ولمّا أراد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الخروج استخلف أمير المؤمنين (عليه السلام) في أهله ووُلده وأزواجه ومهاجره، وقال له: (يا عليّ، إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك)؛ وذلك أنّه (عليه السلام) علِم من خبث نيّات الأعراب، وكثير من أهل مكّة ومَن حولها ممّن غزاهم وسفَك دماءهم، فأشفق أنْ يطلبوا المدينة عند نأيِه عنها وحصوله ببلاد الروم أو نحوها، فمتى لم يكن فيها مَن يقوم مقامه، لم يؤمَن من مَعَرَّتهم (1) ، وإيقاع الفساد في دار هجرته، والتخطّي إلى ما يشين أهله ومخلّفيه.

وعلم (عليه السلام) أنّه لا يقوم مقامه في إرهاب العدوّ وحراسة دار الهجرة وحياطة مَن فيها إلاّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فاستخلفه استخلافاً ظاهراً، ونصّ عليه بالإمامة من بعده نصّاً جليّاً.

وذلك فيما تظاهرت به الرواية، أنّ أهل النفاق لمّا علِموا باستخلاف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) على المدينة حسدوه لذلك، وعظُم عليهم مقامه فيها بعد خروجه، وعلموا أنّها تنحرس به، ولا يكون للعدوّ فيها مطمع، فساءهم ذلك، وكانوا يؤثِرون خروجه معه؛ لِما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نأي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن المدينة، وخلوّها من مرهوبٍ مخوفٍ يحرسها. وغبطوه (عليه السلام) على الرفاهيّة والدِعة بمقامه في أهله، وتكلُّف مَن خرج منهم المشاقّ بالسفر والخطر.

فأرجَفوا به (عليه السلام) ، وقالوا: لم يستخلفْه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إكراماً له وإجلالاً ومودّة، وإنّما خلّفه استثقالاً له. فبهَتوه بهذا الإرجاف كَبَهْت قريش للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) بالجِنّة تارة،

____________________

(1) المَعَرَّة: الجناية، والأذى (لسان العرب: 4 / 556).

٢٦٢

وبالشِعر أخرى، وبالسحر مرّة، وبالكهانة أخرى، وهم يعلمون ضدّ ذلك ونقيضه، كما علِم المنافقون ضدّ ما أرجفوا به على أمير المؤمنين (عليه السلام) وخلافه، وأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان أخصّ الناس بأمير المؤمنين (عليه السلام) ، وكان هو أحبّ الناس إليه، وأسعدهم عنده، وأفضلهم لديه.

فلمّا بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) إرجاف المنافقين به، أراد تكذيبهم وإظهار فضيحتهم، فلحِق بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقال: (يا رسول الله، إنّ المنافقين يزعمون أنّك إنّما خلّفتني استثقالاً ومقتاً!)، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ارجع يا أخي إلى مكانك، فإنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي!!) (1).

____________________

(1) الإرشاد: 1 / 154.

٢٦٣

٢٦٤

الفصل الثاني عشر

  عِدّة بِعثات هامّة

12 / 1

البعْث لكسْر الأصنام

240 - الإرشاد- في ذِكر وقايع بعد غزوة حُنين - ثمّ سار - يعني النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بنفسه - إلى الطائف فحاصرهم أيّاماً، وأنفذ أمير المؤمنين (عليه السلام) في خَيل، وأمره أنْ يطأ ما وجَد، ويكسر كلّ صنم وجده. فخرج حتى لقِيَتْه خيل خثعم في جمعٍ كثير، فبرز له رجُل من القوم يقال له: شهاب، في غَبش الصبح، فقال: هل من مبارز؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (مَن له؟) فلم يقُم أحد، فقام إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فوثب أبو العاص بن الربيع زوج بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: تُكفاه أيّها الأمير. فقال: لا، ولكن إنْ قُتلتُ فأنت على الناس، فبرز إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يقول:

إنّ على كلّ رئيسٍ حقّا

أنْ يروي الصَّعدَة (1) أو تُدقّا

____________________

(1) الصَعدَة: القناة (لسان العرب: 3 / 255).

٢٦٥

ثمّ ضربه فقتَله. ومضى في تلك الخيل حتى كسَر الأصنام، وعاد إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو محاصر لأهل الطائف، فلمّا رآه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كبّر للفتْح، وأخذ بيده فخلا به، وناجاه طويلا ً(1) .

12 / 2

البعْث لتأدية خسارات بني جذيمة

وجّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعد فتح مكّة خالد بن الوليد على رأس كتيبة لدعوة قبيلة جذيمة بن عامر. وكان خالد يُكِنّ حقْداً قديماً لهذه القبيلة، فقتل نفراً منهم ظلماً وعدواناً، ومنوا بخسائر. فتبرّأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من هذه الجريمة الشنعاء، وأمر عليّاً (عليه السلام) أنْ يذهب إليهم، ويعوّضهم عمّا تكبّدوه من خسائر، ويَدِيهم بنحوٍ دقيق. فأدّى (عليه السلام) المهمّة مراعياً غاية الدقّة في تنفيذها، وحين رجع أثنى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على عمله، وأكّد، بكلمات ثمينة رفيعة، منزلته العليّة ودَوره الكبير في هداية الأمّة وتوجيه المسلمين في المستقبل (2) .

241 - الإمام الباقر (عليه السلام): بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خالد بن الوليد - حين افتتح مكّة - داعياً، ولم يبعثه مقاتلاً، ومعه قبائل من العرب: سليم بن حصور، ومدلج بن مرّة، فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة. فلمّا رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح، فإنّ الناس قد أسلموا... فلمّا وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك، فكُتّفوا، ثمّ عرضهم على السيف، فقتل مَن قتل

____________________

(1) الإرشاد: 1 / 152، إعلام الورى: 1 / 234، المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 144 نحوه.

(2) الأمالي للصدوق: 237 / 252، الخصال: 562، بحار الأنوار: 21 / 142 / 5، تاريخ الطبري: 3 / 67، السيرة النبويّة لابن هشام: 4 / 71.

٢٦٦

منهم.

فلمّا انتهى الخبر إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رفع يديه إلى السماء، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد....

ثمّ دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب - رضوان الله عليه - فقال: (يا عليّ، اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهليّة تحت قدميك). فخرج عليّ حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فوَدَى (1) لهم الدماء وما أُصيب لهم من الأموال، حتى إنّه ليَدي لهم مِيلَغة (2) الكلب، حتى إذا لم يبقَ شيء من دمٍ ولا مال إلاّ وَدَاه بقيت معه بقيّة من المال.

فقال لهم عليّ - رضوان الله عليه - حين فرغ منهم: (هل بقيَ لكم بقيّة من دمٍ أو مال لم يُودَ لكم؟) قالوا: لا. قال: (فإنّي أُعطيكم هذه البقيّة من هذا المال؛ احتياطاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ممّا لا يعلم ولا تعلمون)، ففعل، ثمّ رجع إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فأخبره الخبر، فقال: (أصبتَ وأحسنت).

ثمّ قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاستقبل القِبلة قائماً شاهراً يدَيه حتى إنّه ليُرى ما تحت مَنْكِبيه، يقول: (اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد بن الوليد) ثلاث مرّات (3) .

____________________

(1) وَدَيتُ القتيل: أعطيت دِيَّته (لسان العرب: 15 / 383).

(2) هي الإناء الذي يَلغ فيه الكلب، يعني أعطاهم قيمة كلّ ما ذهب لهم حتى قيمة المِيلغة (لسان العرب: 8 / 460).

(3) السيرة النبويّة لابن هشام: 4 / 71، تاريخ الطبري: 3 / 66، تاريخ الإسلام للذهبي: 2 / 568 كلّها عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حُنَيف، الكامل في التاريخ: 1 / 620 كلاهما نحوه، وراجع الطبقات الكبرى: 2 / 147، والمغازي: 3 / 875 - 882.

٢٦٧

12 / 3

البعْث إلى فَلْس (1)

242 - الطبقات الكبرى: بعَث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب في خمسين ومِئة رجُل من الأنصار، على مِئة بعير وخمسين فرَساً، ومعه رايةٌ سوداء ولواءٌ أبيض إلى الفَلْس ليهدمه، فشنّوا الغارة على محلّة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفَلْس وخرّبوه، وملؤوا أيديهم من السبْيِ والنَعَم والشاة. وفي السبْيِ أُخت عدِيّ بن حاتم، وهرب عديّ إلى الشام (2) .

12 / 4

البعْث لإعلان البراءة من المشركين

إنّ آيات البراءة، وإعلان الاستياء من الشِرك والصنميّة، ولزوم تطهير أرض الوحي من معالم الشِرك، كلّ ذلك يُعدّ من أعظم الفصول في التاريخ الإسلامي. فقد نزلت سورة (براءة) في موسم الحجّ سنة (9 هـ)، وكُلِّف أبو بكر بقراءتها على الحجّاج، مع بيان يتألّف من أربع موادّ، وتوجّه أبو بكر إلى مكّة، لكن لم يمضِ على تحرّكه إلاّ وقتٌ قصير حتى هبط الوحي مبلّغاً النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنْ:

(لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجُل منك).

فدعا عليّاً (عليه السلام) وأخبره بالأمر، وأعطاه راحلته، وأمره أنْ يعجّل في ترْك المدينة، ويأخذ السورة من أبي بكر، ويقرأها على الناس في حَشْدهم الغفير يوم العاشر من ذي الحجّة. وهكذا كان. فأُضيفت بذلك منقبة أخرى إلى مناقبه

____________________

(1) فَلْس أو فُلُس: اسم صنم كان بنَجْد تعبده طيء (معجم البلدان: 4 / 273).

(2) الطبقات الكبرى: 2 / 164، تاريخ الإسلام للذهبي: 2 / 624 نحوه، وراجع المغازي: 3 / 984.

٢٦٨

العظيمة، وثبت للأجيال والأعصار المختلفة سلَفاً أنّه من النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وأنّه نفْسه (1) .

243 - الإمام عليّ (عليه السلام): (لمّا نزلت عشْر آيات من براءة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، دعا النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكّة، ثمّ دعاني النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فقال لي: أدرك أبا بكر فحيثما لحِقْته فخُذ الكتاب منه، فاذهب به إلى أهل مكّة فاقرأه عليهم. فلحِقْته بالجُحفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، نزل فيَّ شيء؟! قال: لا، ولكنّ جبريل جاءني فقال: لنْ يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجُل منك) (2) .

244 - مسند ابن حنبل عن أنس بن مالك: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكّة - قال: - ثمّ دعاه فبعث بها عليّاً، قال: (لا يبلّغها إلاّ رجلٌ من أهلي) (3) .

245 - فضائل الصحابة عن أنس بن مالك: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكّة، فلمّا بلغ ذا الحُلَيفة بعث إليه فردّه، وقال: (لا يذهب بها إلاّ

____________________

(1) راجع الغدير: 6 / 338 - 350 فقد جمع المؤلّف الطُرُق المختلفة لهذا الحديث، وذهب إلى تواترها المعنوي.

(2) مسند ابن حنبل: 1 / 318 / 1296، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 703 / 1203، تاريخ دمشق: 42 / 348 / 8929 كلّها عن حنش، الطبقات الكبرى: 2 / 168، تاريخ الطبري: 3 / 122 وص 123، الكامل في التاريخ: 1 / 644، المغازي: 3 / 1077، السيرة النبويّة لابن هشام: 4 / 190 والخمسة الأخيرة نحوه، وراجع الأمالي للمفيد: 56 / 2، وشرح الأخبار: 1 / 304 / 284، والمناقب للكوفي: 1 / 473 / 376.

(3) مسند ابن حنبل: 4 / 564 / 14021، المصنّف لابن أبي شيبة: 7 / 506 / 72 وفيه (أهل بيتي) بدل (أهلي)، تاريخ دمشق: 42 / 344 / 8917 و ح 8918.

٢٦٩

رجُلٌ من أهل بيتي)؛ فبعث عليّاً (1) .

246 - خصائص أمير المؤمنين عن زيد بن يثيع عن الإمام عليّ (عليه السلام): إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعث ببراءة إلى أهل مكّة مع أبي بكر، ثمّ أتبعه بعليّ، فقال له: خُذ الكتاب فامضِ به إلى أهل مكّة. قال: (فلحِقْته وأخذت الكتاب منه، فانصرف أبو بكر وهو كئيب، فقال: يا رسول الله، أنَزَل فيَّ شيء؟! قال: لا، إلاّ أنّي أُمرت أنْ أُبلّغه أنا أو رجلٌ من أهل بيتي) (2) .

247 - مسند ابن حنبل عن زيد بن يثيع عن أبي بكر: إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بعثه ببراءة لأهل مكّة: لا يحجّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عُريانٌ، ولا يدخل الجنّة إلاّ نفسٌ مسلمةٌ، مَن كان بينه وبين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مدّة فأجَلُه إلى مدّته، والله بريءٌ من المشركين ورسوله. قال: فسار بها ثلاثاً، ثمّ قال لعليّ (رضي الله عنه): (الحقْه فرُدّ عليَّ أبا بكر وبلّغها أنت). قال: ففعل، قال: فلمّا قدم على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أبو بكر بكى، قال: يا رسول الله، حدث فيَّ شيءٌ؟! قال: (ما حدَث فيك إلاّ خير، ولكن أُمرت أنْ لا يبلّغه إلاّ أنا أو رجلٌ منّي) (3) .

248 - المستدرك على الصحيحين عن جميع بن عمير الليثي: أتيت عبد الله بن عُمَر فسألته عن عليّ (رضي الله عنه) فانتهرَني، ثمّ قال: ألا أُحدّثك عن عليّ؟ هذا بيت

____________________

(1) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 562 / 946، مسند ابن حنبل: 4 / 423 / 13213 نحوه، وراجع السيرة النبويّة لابن هشام: 4 / 190.

(2) خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 147 / 76، أنساب الأشراف: 2 / 384 عن يزيد بن يثيع، تفسير الطبري: 6 / الجزء 10 / 64، تفسير ابن كثير: 4 / 49 كلاهما عن زيد بن يشيع وكلّها نحوه من دون إسناد إليه (عليه السلام)، وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 76.

(3) مسند ابن حنبل: 1 / 18 / 4، تاريخ دمشق: 42 / 347 / 8928.

٢٧٠

رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المسجد، وهذا بيت عليّ (رضي الله عنه). إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعث أبا بكر وعُمَر ببراءة إلى أهل مكّة، فانطلقا، فإذا هما براكب، فقالا: مَن هذا؟ قال: (أنا عليّ، يا أبا بكر هاتِ الكتاب الذي معك). قال: وما لي!! قال: (والله ما علمت إلاّ خيراً)، فأخذ عليّ الكتاب فذهب به، ورجع أبو بكر وعُمَر إلى المدينة، فقالا: ما لنا يا رسول الله؟! قال: ( ما لكما إلاّ خير، ولكن قيل لي: إنّه لا يبلّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك) (1) .

249 - الإرشاد: جاء في قصّة البراءة وقد دفعها النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى أبي بكر؛ لينبُذَ بها عهد المشركين، فلمّا سار غير بعيد نزل جبرئيل (عليه السلام) على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فقال له: (إنّ الله يُقرئك السلام ويقول لك: لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجُل منك). فاستدعى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) وقال له: (اركب ناقتي العضباء والحَق أبا بكر، فخُذ براءة من يده وامضِ بها إلى مكّة، فانبذ عهد المشركين إليهم، وخيّر أبا بكر بين أنْ يسير مع ركابك أو يرجع إليّ).

فركب أمير المؤمنين (عليه السلام) ناقة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) العضباء، وسار حتى لحِقَ أبا بكر، فلمّا رآه فزع من لحوقه به، واستقبله وقال: فيمَ جئت يا أبا الحسن، أسائر معي أنت أمْ لغير ذلك؟! فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمرني أنْ ألحقك فأقبِض منك الآيات من براءة وأنبذ بها عهد المشركين إليهم، وأمرني أنْ أُخيّرك بين أنْ تسير معي أو ترجع إليه). فقال: بل أرجع إليه.

وعاد إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فلمّا دخل عليه قال: يا رسول الله، إنّك أهّلتَني لأمرٍ طالت الأعناق فيه إليّ، فلمّا توجّهت له ردَدتني عنه، ما لي، أنزل فيَّ قرآن؟! فقال

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 53 / 4374.

٢٧١

النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (لا، ولكنّ الأمين هبط إليّ عن الله جلّ جلاله بأنّه لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك، وعليٌّ منّي، ولا يؤدّي عنّي إلاّ عليّ) (1) .

250 - تاريخ دمشق عن ابن عبّاس: بينا أنا مع عُمَر بن الخطّاب في بعض طُرُق المدينة - يده في يدي - إذ قال لي: يا بن عبّاس، ما أحسَب صاحبك إلاّ مظلوماً! فقلت: فرُدّ إليه ظُلامته يا أمير المؤمنين!! قال: فانتزَعَ يده من يدي، ونفَر منّي يهَمْهم، ثمّ وقف حتى لحِقْته، فقال لي: يا بن عبّاس، ما أحسب القوم إلاّ استصغروا صاحبك. قلت: والله ما استصغره رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين أرسله وأمَرَه أنْ يأخذ براءة من أبي بكر فيقرأها على الناس!! فسَكَت (2) .

راجع: القسم التاسع / علىٌّ عن لسان أصحاب النبيّ / عُمَر بن الخطّاب

كتاب (تاريخ دمشق): 42 / 344 - 349

____________________

(1) الإرشاد: 1 / 65، المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 126 عن ابن عبّاس نحوه، وراجع الخصال: 1578، وتفسير القمّي: 1 / 282، وتفسير العيّاشي: 2 / 73 / 4، والمناقب للكوفي: 1 / 469 / 371.

(2) تاريخ دمشق: 42 / 349، شرح نهج البلاغة: 6 / 45 وفيه (ما استصغره الله) وج 12 / 46 وفيه (ما استصغره الله ورسوله)، كنز العمّال: 13 / 109 / 36357، الدرجات الرفيعة: 105 كلّها نحوه، وراجع فرائد السمطين: 1 / 334 / 258.

٢٧٢

تحقيقٌ وتحليل

قال العلاّمة الطباطبائي: قد عرفت أنّ الذي وقع في الروايات على كثرتها في قصّة بعْث عليّ وعزْل أبي بكر - من كلمة الوحي الذي نزل به جبرئيل على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) - هو قوله: (لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك). وكذا ما ذكره النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حين أجاب أبا بكر - لمّا سأله عن سبب عزْله - إنّما هو مَتْن ما أوحى إليه الله سبحانه، أو قوله - وهو في معناه -: (لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجل منّى). وكيفما كان فهو كلامٌ مطلق؛ يشمل تأدية براءة وكلّ حُكم إلهيّ احتاج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى أنْ يؤدّيه عنه مؤدٍّ غيره، ولا دليل - لا مِن متون الروايات ولا غيرها - يدلّ على اختصاص ذلك ببراءة.

وقد اتّضح أنّ المنْع عن طواف البيت عُرياناً، والمنْع عن حجّ المشركين بعد ذلك العام [الفتح]، وكذا تأجيل مَن له عهد إلى مدّة أو من غير مدّة، كلّ ذلك أحكام إلهيّة نزل بها القرآن، فما معنى إرجاع أمرها إلى أبي بكر، أو نداء أبي هريرة بها وحده، أو نداؤه ببراءة وسائر الأحكام المذكورة في الجمْع إذا بُحَّ عليّ (عليه السلام)، حتى يصْحَل صوته من كثرة النداء؟! ولو جاز لأبي هريرة أنْ يقوم بها والحال هذه فلِم لم يجُز لأبي بكر ذلك؟!.

٢٧٣

نعم أبدَع بعض المفسّرين - كابن كثير وأترابه - هنا وجهاً وجّهوا به ما تتضمّنه هذه الروايات؛ انتصاراً لها، وهو أنّ قوله: (لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجُل منّي) مخصوص بتأدِيَة براءة فقط، من غير أنْ يشمل سائر الأحكام التي كان ينادي بها عليّ (عليه السلام)، وأنّ تعيينه (صلّى الله عليه وآله) عليّاً بتبليغ آيات براءة أهلَ الجمْع؛ إنّما هو لِما كان من عادة العرب أنْ لا ينقُض العهد إلاّ عاقِده أو رجلٌ من أهل بيته، ومراعاة هذه العادة الجارية هي التي دعَت النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنْ يأخذ براءة - وفيها نقْض ما للمشركين من عهد - من أبي بكر ويسلّمها إلى عليّ؛ ليستحفظ بذلك السُنّة العربيّة فيؤدّيها عنه بعض أهل بيته.

قالوا: وهذا معنى قوله (صلّى الله عليه وآله) لمّا سأله أبو بكر قائلاً: يا رسول الله، هل نزل فيَّ شيء؟! قال: (لا ولكن لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجلٌ منّي)، ومعناه أنّي إنّما عزلتُك ونصّبتُ عليّاً لذلك؛ لئلاّ أنقض هذه السُنّة العربيّة الجارية....

فليت شِعري من أين تسلّموا أنّ هذه الجملة التي نزل بها جبرئيل: (إنّه لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجُل منك)، مقيّدة بنقْض العهد لا يدلّ على أزيد من ذلك، ولا دليل عليه من نقلٍ أو عقل!! فالجملة ظاهرة أتمّ ظهور في أنّ ما كان على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنْ يؤدّيه لا يجوز أنْ يؤدّيه إلاّ هو أو رجلٌ منه، سَواء (1) كان نقْض عهد من جانب الله - كما في مورد براءة - أمْ حُكماً آخر إلهيّاً على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنْ يؤدّيه ويبلّغه.

وهذا غير ما كان من أقسام الرسالة منه (صلّى الله عليه وآله) ممّا ليس عليه أنْ يؤدّيه بنفسه الشريفة، كالكتُب التي أرسَل بها إلى الملوك والأُمم والأقوام في الدعوة إلى الإسلام، وكذا سائر الرسالات التي كان يبعث بها رجالاً من المؤمنين إلى الناس

____________________

(1) في المصدر (سواه) وهو تصحيف.

٢٧٤

في أُمور ترجع إلى دينهم والإمارات والولايات ونحو ذلك.

ففرْقٌ جليٌّ بين هذه الأمور وبين براءة ونظائرها، فإنّ ما تتضمّنه آيات براءة وأمثال النهي عن الطواف عُرياناً، والنهي عن حجّ المشركين بعد العام، أحكامٌ إلهيّة ابتدائيّة لم تبلّغ بعدُ ولم تؤدَّ إلى مَن يجب أنْ تبْلَغه، وهم المشركون بمكّة والحُجّاج منهم، ولا رسالة من الله في ذلك إلاّ لرسوله.

وأمّا سائر الموارد التي كان يكتفي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ببعْث الرسُل للتبليغ فقد كانت ممّا فرغ (صلّى الله عليه وآله) فيها من أصل التبليغ، والتأدِية بتبليغه من وُسعه تبليغُه ممّن حضر، كالدعوة إلى الإسلام وسائر شرائع الدين، وكان يقول: (ليُبلِّغ الشاهد منكم الغائب).

ثمّ إذا مسّت الحاجة إلى تبليغه بعضَ مَن لا وثوق عادة ببلوغ الحُكم إليه، أو لا أثر لمجرّد البلوغ إلاّ أنْ يعتني لشأنه بكتاب أو رسول (1) ، توسّل عند ذلك إلى رسالة أو كتاب، كما في دعوة الملوك.

وليتأمّل الباحث المنصف قوله: (لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجُل منك)، فقد قيل: (لا يؤدّي عنك إلاّ أنت) ولم يُقَل: (لا يؤدّي إلاّ أنت أو رجُل منك) حتى يفيد اشتراك الرسالة، ولم يُقَل: (لا يؤدّي منك إلاّ رجُل منك) حتى يشمل سائر الرسالات التي كان (صلّى الله عليه وآله) يقلّدها كلّ مَن كان من صالحي المؤمنين. فإنّما مفاد قوله: (لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجُل منك) : أنّ الأمور الرساليّة التي يجب عليك نفسك أنْ تقوم بها لا يقوم بها غيرك عوِضاً منك، إلاّ رجُل منك، أي لا يخلفك فيما عليك كالتأدية الابتدائيّة إلاّ رجُل منك.

ثمّ ليت شِعري ما الذي دعاهم إلى أنْ أهملوا كلمة الوحي التي هي قول الله

____________________

(1) في المصدر (أو توسّل) وهو تصحيف.

٢٧٥

نزل به جبرئيل على النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك)، وذكروا مكانها أنّه (كانت السنّة الجارية عند العرب أنْ لا ينقض العهد إلاّ عاقده أو رجلٌ من أهل بيته)!! تلك السنّة العربيّة التي لا خبَر عنها - في أيّامهم ومغازيهم - ولا أثر، إلاّ ما ذكره ابن كثير ونسَبَه إلى العلماء عند البحث عن آيات براءة.

ثمّ لو كانت سنّة عربيّة جاهليّة على هذا النعْت، فما وزنها في الإسلام!! وما هي قيمتها عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وقد كان ينسَخ كلّ يوم سنّة جاهليّة، وينقض كلّ حين عادة قوميّة، ولم تكن من جملة الأخلاق الكريمة أو السُنن والعادات النافعة، بل سليقة قبائليّة تشبه سلائق الأشراف!! وقد قال (صلّى الله عليه وآله) يوم فتح مكّة عند الكعبة - على ما رواه أصحاب السيَر: (ألا كلّ مأثرة أو دم أو مال يدّعى فهو تحت قدميّ هاتين، إلاّ سدانة البيت، وسقاية الحاج).

ثمّ لو كانت سنّة عربيّة غير مذمومة، فهل كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذهَل عنها ونسِيَها حين أسلم الآيات إلى أبي بكر وأرسله، وخرج هو إلى مكّة حتى إذا كان في بعض الطريق ذَكر (صلّى الله عليه وآله) ما نسيَه، أو ذكّره بعض مَن عنده بما أهمله وذهل عنه من أمرٍ كان من الواجب مراعاته، وهو (صلّى الله عليه وآله) المثل الأعلى في مكارم الأخلاق واعتبار ما يجب أنْ يُعتبر من الحزْم وحُسن التدبير؟! وكيف جاز لهؤلاء المذكّرين أنْ يغفلوا عن ذلك وليس من الأمور التي يُغفَل عنها وتخفى عادة؟! فإنّما الذهول عنه كغفلة المقاتل عن سلاحه.

وهل كان ذلك بوحيٍ من الله إليه، أنّه يجب له أنْ لا يلغي هذه السنّة العربيّة الكريمة، وأنّ ذلك أحد الأحكام الشرعيّة في الباب، وأنّه يحرم على وليّ أمر المسلمين أنْ ينقض عهداً إلاّ بنفسه أو بيد أحدٍ من أهل بيته؟ وما معنى هذا الحكم؟ أو أنّه حكمٌ أخلاقي اضطرّ إلى اعتباره؛ لِما أنّ المشركين ما كانوا يقبلون

٢٧٦

هذا النقض إلاّ بأنْ يسمعوه من النبيّ (صلّى الله عليه وآله) نفسه، أو من أحد من أهل بيته؟! وقد كانت السيطرة يومئذ له (صلّى الله عليه وآله) عليهم، والزمام بيده دونه، والإبلاغ إبلاغ.

أو أنّ المؤمنين المخاطبين بقوله: (عَاهَدتُّم) (1) ، وقوله: ( وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ ) (2) ، وقوله: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (3) ما كانوا يعتبرون هذا النقض نقضاً دون أنْ يسمعوه منه (صلّى الله عليه وآله)، أو من واحد من أهل بيته، وإنْ علموا بالنقْض إذا سمعوا الآيات من أبي بكر؟....

ليس التوغّل في مسألة الإمارة ممّا يهمّنا في تفهّم معنى قوله: (لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجُل منك)، فإمارة الحاجّ سواء صحّت لأبي بكر أمْ لعليّ؛ دلّت على فضْل أو لم تدلّ، إنّما هي من شُعَب الولاية الإسلاميّة العامّة التي شأنها التصرّف في أمور المجتمع الإسلامي الحيويّة، وإجراء الأحكام والشرائع الدينيّة، ولا حكومة لها على المعارف الإلهيّة، ومواد الوحي النازلة من السماء في أمر الدين.

إنّما هي ولاية رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ينصب يوماً أبا بكر أو عليّاً لإمارة الحاجّ، ويؤمّر يوماً أُسامة على أبي بكر وعامّة الصحابة في جيشه، ويولّي يوماً ابن أُمّ مكتوم على المدينة وفيها مَن هو أفضل منه، ويولّي هذا مكّة بعد فتحها، وذاك اليمن، وذلك أمْر الصدقات. وقد استعمل (صلّى الله عليه وآله) أبا دجانة الساعدي أو سباع بن عرفطة الغفاري - على ما في سيرة ابن هشام - على المدينة عام حجّة الوداع، وفيها أبو بكر لم يخرج إلى الحجّ على ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي

____________________

(1) التوبة: 1.

(2) التوبة: 3.

(3) التوبة: 5.

٢٧٧

وغيرهم، وإنّما تدلّ على إذعانه (صلّى الله عليه وآله) بصلاحيّة مَن نصّبه لأمرٍ لتصدّيه وإدارة رحاه.

وأمّا الوحي السماوي بما يشتمل عليه من المعارف والشرائع فليس للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولا لِمَن دونه صنعٌ فيه، ولا تأثير فيه ممّا له من الولاية العامّة على أُمور المجتمع الإسلامي بإطلاق أو تقييد أو إمضاء أو نسْخ أو غير ذلك، ولا تحكم عليه سنّة قوميّة أو عادة جارية حتى توجب تطبيقه على ما يوافقها، أو قيام العُصبة مقام الإنسان فيما يهمّه من أمر.

والخلْط بين البابين يوجب نزول المعارف الإلهيّة من أوج علوّها وكرامتها إلى حضيض الأفكار الاجتماعيّة، التي لا حكومة فيها إلاّ للرسوم والعادات والاصطلاحات، فيعود الإنسان يفسّر حقائق المعارف بما يسعه الأفكار العامّيّة، ويستعظم ما استعظمه المجتمع دون ما عظّمه الله، ويستصغر ما استصغره الناس، حتى يقول القائل في معنى كلمة الوحي: إنّه عادة عربيّة محترمة! (1).

12 / 5

البعْث إلى اليمن

لمّا فتح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مكّة، وانتصر على القبائل المستقرّة حولها في غزوة حُنين، أراد توسيع نطاق دعوته؛ فأرسل إلى اليمن معاذ بن جبل، وهناك استعصَت مسائل على معاذ فرجع، وبعث بعده خالد بن الوليد، فلم يحقّق نجاحاً، وأخفَق في مهمّته بعد ستّة أشهر من المكوث في اليمن. فانتدب عليّاً (عليه السلام)، فوجّهه إليها مع كتاب. ولمّا وصل قرأه على أهلها ببيانٍ بليغ وكلامٍ مؤثِّر، ودعاهم إلى التوحيد، فأسلمت قبيلة (همْدان). وأخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بذلك؛ فسرَّ

____________________

(1) الميزان في تفسير القرآن: 9 / 168 - 174.

٢٧٨

ودعا لهم (1) .

ونقلت أخبار أخرى أنّ الإمام (عليه السلام) اصطدم بقبيلة (مذحج) وهزَمهم، ثمّ دعاهم إلى الإسلام بعد هزيمتهم الأُولى، وجمع غنائم الحرب، وسار بها وبصدقات نجران فالتحق بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) في موسم الحجّ (2) .

ثمّ فوِّض إليه (عليه السلام) القضاء في اليمن، ودعا له النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بالثَبات في قضائه (3) . ونقلت كتُب التاريخ نماذج من قضائه في اليمن. والآن يمكن أنْ يُثار السؤال الآتي: هل حدثت كلّ هذه الوقائع لعليّ (عليه السلام) في سفرة واحدة أو في عدّة أسفار؟!.

ينصّ ابن سعد على سفرتَين له (عليه السلام) (4) . يُضاف إلى هذا أنّ الأخبار المرتبطة باشتباكه مع قبيلة (مذحج) تدلّ على استقلال تلك (السريّة). وفي النصوص المتعلّقة بذهاب الإمام (عليه السلام) إلى اليمن، وكيفيّة تنفيذ هذه المهمّة الكبرى مناقب وفضائل مسجَّلة له (عليه السلام) تجدها هنا.

251 - تاريخ الطبري عن أبي إسحاق عن البرّاء بن عازب: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خالد بن الوليد إلى أهل اليمن؛ يدعوهم إلى الإسلام. فكنت فيمن سار معه، فأقام عليه ستّة أشهر لا يجيبونه إلى شيء، فبعث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب، وأمره أنْ يقفل خالداً ومَن معه، فإنْ أراد أحد ممّن كان مع خالد بن الوليد أنْ يعقّب معه ترَكَه.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 3 / 131، تاريخ الإسلام للذهبي: 2 / 690، الكامل في التاريخ: 1 / 651.

(2) الطبقات الكبرى: 2 / 169.

(3) مسند ابن حنبل: 1 / 190 / 666، المستدرك على الصحيحين: 3 / 146 / 4658، الطبقات الكبرى: 2 / 337، تاريخ الإسلام للذهبي: 2 / 691.

(4) الطبقات الكبرى: 2 / 169.

٢٧٩

قال البرّاء: فكنت فيمن عقّب معه، فلمّا انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر، فجمعوا له، فصلّى بنا عليٌّ الفجر، فلمّا فرغ صفّنا صفّاً واحداً، ثمّ تقدّم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قرأ عليهم كتاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فأسلمَت هَمْدان كلّها في يومٍ واحد. وكتب بذلك إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلمّا قرأ كتابه خَرَّ ساجداً، ثمّ جلس فقال: (السلام على هَمْدان، السلام على هَمْدان!)، ثمّ تتابع أهل اليمن على الإسلام (1) .

252 - الطبقات الكبرى: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً إلى اليمن، وعقد له لواءً، وعمّمه بيده، وقال: امضِ ولا تلتفت، فإذا نزلتَ بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك. فخرج في ثلاثمِئة فارس، وكانت أوّل خيل دخلت إلى تلك البلاد، وهي بلاد مذحج. ففرّق أصحابه، فأتوا بنهبٍ وغنائم ونِساء وأطفال ونَعَم وشاءٍ وغير ذلك. وجعل عليٌّ على الغنائم بريدةَ بن الحصيب الأسلمي، فجمع إليه ما أصابوا.

ثمّ لقيَ جمْعهم فدعاهم إلى الإسلام، فأبَوا ورموا بالنبل والحجارة، فصفّ أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمي، ثمّ حمل عليهم عليّ بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلاً، فتفرّقوا وانهزموا، فكفّ عن طلَبهم. ثمّ دعاهم إلى الإسلام، فأسرعوا وأجابوا، وبايعه نفَر من رؤسائهم على الإسلام وقالوا: نحن على مَن وراءنا مِن قومنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حقّ الله.

وجمع عليّ الغنائم فجزّأها على خمسة أجزاء، فكتب في سهمٍ منها لله، وأقرع عليها، فخرج أوّل السهام سهم الخُمس. وقسّم عليٌّ على أصحابه بقيّة

____________________

(1) تاريخ الطبري: 3 / 131، تاريخ الإسلام للذهبي: 2 / 690 نحوه.

٢٨٠