رد الاباطيل عن نهضة الحسين

رد الاباطيل عن نهضة الحسين0%

رد الاباطيل عن نهضة الحسين مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 73

رد الاباطيل عن نهضة الحسين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ عبد الله حسين
تصنيف: الصفحات: 73
المشاهدات: 24810
تحميل: 3750

توضيحات:

رد الاباطيل عن نهضة الحسين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 73 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24810 / تحميل: 3750
الحجم الحجم الحجم
رد الاباطيل عن نهضة الحسين

رد الاباطيل عن نهضة الحسين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فلنمنع الحزن على الحسينعليه‌السلام ؟ وإن لم يجز لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله التأثر الشديد بمقتل حمزة، لم يجز لنا التأثر بمقتل الحسينعليه‌السلام ؟

كيف والحسينعليه‌السلام أعز عند الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حمزةعليه‌السلام ؟

كل ذلك حكم العقل والبداهة، فضلا عن وجود الأدلة الخاصة التي تدل على فضل البكاء والنوح على سيد الشهداءعليه‌السلام سنذكرها فيما يلي.

١٣) مشروعية البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام

قال الكاتب: وما يذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح، إنما النياحة واللطم أمر من أمور الجاهلية التي نهى النبي (ص) عنها وأمر باجتنابها وليس هذا منطق أموي حتى يقف الشيعة منه موقف العداء بل هو منطق أهل البيت رضوان الله عليهم وهو مروي عنهم عند الشيعة كما هو مروي عنهم أيضا عند أهـل السنة، فقد روى ابن بابويه القمي في ( من لا يحضره الفقيه ) أن رسول الله (ص) قال: " النياحة من عمل الجاهلية …".

إن إشكال القوم على الشيعة فيما يخص مراسيم إحياء ذكرى سيد الشهداءعليه‌السلام محصورة في النقاط التالية:

٤١

أ- منع البكاء على الميت مطلقاً.

واستدلوا على ذلك " بأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه "، وقد رواه ابن عمر. ويرد عليه:

أولا: لا شك ببطلان مثل هذا الادعاء خاصة مع وضوح بكاء النبي يعقوب على ابنه يوسفعليهما‌السلام ، في قوله تعالى:

( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ).

ثانيا: إن عائشة لم تقبل بذلك وقد صرحت بأن ابن عمر لم يحفظ الرواية بصورة صحيحة وأن قوله هذا مخالف لقوله تعالى: ( ولا تزر وازرة وزر أخرى)، كما يروي ذلك البخاري في كتاب المغازي ومسلم في كتاب الجنائز.

ب - الإشكال على خصوص تكرار البكاء على الإمام الحسين عليه‌السلام وإعادة ذكر مصيبته في كل سنة.

أولا: يرد هذا الأمر بأن يعقوبعليه‌السلام قد أشكل عليه أبناؤه كما ينقل عنهم القرآن الكريم ( تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين )، فقوله تفتأ دليل على تكراره ذلك الأمر، فحسب الشيعة فخرا أن تقتدي بأنبياء اللهعليه‌السلام حينما يبكون على أوليائه.

ومكانة الحسين لا ينكرها إلا معاند، فشأنه عند الله تعالى يتجلى بما سبق ذكره من العلامات التي ظهرت في الكون وعبرت عن الغضب

٤٢

الإلهي على قتلتهعليه‌السلام ، وكذلك في الحديث الذي مر ذكره من أن الله تعالى قد أوحى إلى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه عز وجل إذا كان قد انتقم لدم يحيىعليه‌السلام بقتل سبعين ألف فسوف ينتقم لدم الحسينعليه‌السلام بسبعين ألف وسبعين ألف.

ثانيا: وقد أجاب الإمام زين العابدينعليه‌السلام بما دل من القرآن على استمرار حزن يعقوب عند رده على من أشكل عليه باستمرار حزنه على أبيه كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن الحسينعليه‌السلام في ( حلية الأولياء ) ج٣ ص ١٦٢عن كثرة بكائه - أي بكاء زين العابدينعليه‌السلام - فقال: "لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهـل بيتي في غزاة واحدة أفترون حزنهم يـذهب مـن قلبي؟ ".

وهذا الإشكال من السلفيين هو نفس الإشكال على إحياء ذكرى المولد النبوي من التكرار السنوي للذكرى، فالأمر محبب، وهو مثل تكرار دراسة الفقه أو الحديث أو القرآن الكريم.

ج - النياحة:

وقد أورد نصا من كتب الشيعة يصف النياحة بأنها من عمل الجاهلية، ويرد عليه:

٤٣

أولا: أن هذه الرواية موجودة في مصادر السنة قبل الشيعة ومع ذلك فإن من علماء السنة من أجاز النياحة ولم يعتبر هذا النص مانعا من جوازها، وقد أقر ابن حجر بهذا الخلاف في كتابه ( فتح الباري ) ج٣ ص ١٦١ عند شرحه لعنوان الباب

الذي وضعه البخاري في صحيحه ( باب ما يكره من النياحة على الميت ):

" قال الزين بن المنير: ما موصولة ومن لبيان الجنس فالتقدير الذي يكره من جنس البكاء وهو النياحة، والمراد بالكراهة

كراهة التحريم لما تقدم من الوعيد عليه انتهى، ويحتمل أن تكون ما مصدرية ومن تبعيضة والتقدير كراهية بعض النياحة أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية أن النياحة لا تحرم وفيه نظر، وكأنه أخذه من كونه

صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن ينه عمة جابر لما ناحت عليه فدل على أن النياحة إنما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خد أو شق جيب وفيه نظر … "

وكذلك بحث الأمر ابن القيم وذكر الخلاف في كتابه ( عدة الصابرين ) ج١ ص٨٣ في الباب الثامن عشر في ذكر أمور تتعلق بالمصيبة من البكاء والندب … قائلا:

"وأما الندب و النياحة فنص أحمد على تحريمها قال في رواية حنبل النياحة معصية وقال أصحاب الشافعي وغيرهم النوح حرام وقال

٤٤

ابن عبدالبر أجمع العلماء على أن النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء.

وقال بعض المتأخرين من أصحاب أحمد: يكره تنزيها وهذا لفظ أبي الخطاب في ( الهداية ) قال: ويكره الندب والنياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب والتحفي، والصواب القول بالتحريم …

وقال المبيحون لمجرد الندب والنياحة مع كراهتهم له: روى حرب عن واثلة بن الأسقع وأبي وائل ( وهما من الصحابة ) أنهما كانا يسمعها النوح ويسكتان.

قالوا وفي الصحيحين عن أم عطية لما نزلت هذه الآية " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " … ونهانا عن النياحة فقبضت منا امرأة يدها فقالت: فلانة أسعدتني فأنا أريد أن أجزيها قالت: فما قال لها شيئا فذهبت فانطلقت ثم رجعت فبايعها.

قالوا وهذا الإذن لبعضهن في فعله يدل على أن النهي عنه تنزيه لا تحريم ويتعين حمله على المجرد من تلك المفاسد جمعا بين الأدلة ". انتهي المنقول من كلام ابن القيم.

والقصد من إيراده أن بعض علماء السنة قال بجواز النياحة مع وجود الروايات الناهية عندهم كرواية " النياحة من عمل الجاهلية " فما هو جوابكم عن هذا، أفلا تسمح للفقه الشيعي أن يقول بالجواز مع ورود الرواية المذكورة في مصادرة".

٤٥

والعجب من ابن تيمية حينما يدافع عن يزيد يقول في منهاج السنة ج٤ ص ٥٥٩:

"وفي الجملة فما يعرف في الإسلام أن المسلمين سبوا امرأة يعرفون أنها هاشمية ولا سبي عيال الحسينعليه‌السلام بل لما دخلوا إلى بيت يزيد قامت النياحة في بيته وأكرمهم وخيرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة فاختاروا الرجوع إلى المدينة ".

فلاحظ أن ابن تيمية يمدح يزيدا على إقامته النياحة على الحسينعليه‌السلام .. وهو قاتله!!

ثانيا: أن علماء الطائفة لم يخف عليهم أمر الرواية، وكما كان لعلماء السنة آراء واجتهادات لفهم النص، كذلك كانت لعلمائنا رضوان الله تعالى عليهم. فينبغي للعاقل أن يطلع على آراء علماء الطائفة وموقفهم تجاه هذا النص الشريف.

ويكفي للقاريء ملاحظة ما ورد في كتاب ( العروة الوثقى ) وهو كتاب يحشد آراء مجموعة من علماء الشيعة الفقهية في حقبة من الزمان، حيث تجد في الجزء الأول ص ٤٤٧ من كتاب الطهارة تحت عنوان مكروهات الدفن حديثا مفصلا حول تلك الأمور فيقول السيد اليزدي ( ره ):

( ١ مسألة ) يجوز البكاء على الميت ولو كان مع الصوت بل قد يكون راجحا كما إذا كان مسكنا للحزن وحرقة القلب بشرط أن لا

٤٦

يكون منافيا للرضا بقضاء الله، ولا فرق بين الرحم وغيره، بل قد مر استحباب البكاء على المؤمن، بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء على الأليف الضال والخبر الذي ينقل من أن الميت يعذب ببكاء أهله ضعيف مناف لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وأما البكاء المشتمل على الجزع وعدم الصبر فجائز ما لم يكن مقرونا بعدم الرضا بقضاء الله نعم يوجب حبط الأجر ولا يبعد كراهته.

( ٢ مسألة ) يجوز النوح على الميت بالنظم والنثر ما لم يتضمن الكذب ولم يكن مشتملا على الويل والثبور، لكن يكره في الليل ويجوز أخذ الأجرة عليه إذا لم يكن بالباطل، لكن الأولى أن لا يشترط أولا.

( ٣ مسألة ) لا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر بل والصراخ الخارج عن حد الاعتدال على الأحوط وكذا لا يجوز شق الثوب على غير الأب والأخ والأحوط تركه فيهما أيضا.

هذا علما بأن هذه الفتاوى بكراهة الجزع أو النياحة ناظرة إلى غير مصاب سيد الشهداءعليه‌السلام وأما مصابه أرواحنا له الفداء فقد وردت روايات خاصة عن أهل بيت العصمةعليه‌السلام تجعله مصابا مميزا عن غيره لا تشمله هاتك الأحكام.

ثالثا: وفيما يخص روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد روى الطوسي في أماليه كما عن البحار ج٤٤ ص ٢٨٠ عن المفيد عن ابن

٤٧

قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن أبي محمد الأنصاري عن معاوية بن وهب عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: "كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسينعليه‌السلام ".

والسند تام فكل الرواة ثقات عدا أبو محمد الأنصاري وقد قال عنه السيد الخوئي ( ره ) في ( المعجم ) ج٢٢ ص ٣٦: " أبو محمد الأنصاري هذا يعتد بقوله لقول محمد بن عبدالجبار في رواية الكافي المتقدمة أنه خير … وأما قول نصر بن الصباح من أنه مجهول لا يعرف فلا يعتنى به لأن نصر بن الصباح ضعيف".

ورواه ابن قولويه في ( كامل الزيارات ) مثل الرواية السابقة عن أبي عن سعد عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام سمعته يقول: " إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن عليعليهما‌السلام فإنه فيه مأجور ".

فهذه الرواية صريحة في أن المكروه السابق لا يشمل الحزن على سيد الشهداء الحسينعليه‌السلام .

هذا وقد أشبع الحديث عن ذلك العلامة في المنتهى فقد نقل عنه العلامة المجلسي في البحار ج٨٢ ص ١٠٤: " قال العلامة قدس الله روحه في المنتهى: البكاء على الميت جائز غير مكروه إجماعا قبل خروج الروح وبعده إلا الشافعي فإنه كره بعد الخروج … والنياحة

٤٨

بالباطل محرمة إجماعا أما بالحق فجائزة إجماعا ويحرم ضرب الخدود ونتف الشعر وشق الثوب إلا في موت الأب والأخ فقد سوغ فيهما شق الثوب للرجل وكذا يكره الدعاء بالويل والثبور".

وقال الشهيد نور الله ضريحه في ( الذكرى ): " يحرم اللطم والخدش وجز الشعر إجماعا قاله في المبسوط لما فيه من السخط لقضاء الله … واستثنى الأصحاب إلا ابن إدريس شق الثوب على موت الأب والأخ لفعل العسكري على الهاديعليه‌السلام وفعل الفاطميات على الحسينعليه‌السلام

وسئل الصادقعليه‌السلام عن أجر النائحة فقال: لا بأس قد نيح على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي آخر لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا … وروى أبو حمزة عن الباقرعليه‌السلام مات ابن المغيرة فسألت أم سلمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فأذن لها وكان ابن عمها - ثم رثته بأبيات - وفي تمام الحديث فما عاب عليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ولا قال شيئا".

ثم قال قدس سره: " يجوز الوقف على النوائح لأنه فعل مباح فجاز صرف المال إليه ولخبر يونس بن يعقوب عن الصادقعليه‌السلام قال: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام قف من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى والمراد بذلك تنبيه الناس على فضائله وإظهارها ليقتدى بها … "

٤٩

وقد حرم الشيخ في المبسوط - وكذلك ابن حمزة - النوح وادعى الشيخ الإجماع، والظاهر أنهما أرادا النوح بالباطل أو المشتمل على المحرم كما قيده في ( النهاية ) وفي ( التهذيب ) جعل كسبهما مكروها بعد روايته أحاديث النوح.

ثم أول الشهيد ( ره ) أحاديث المانع المروية من طرق المخالفين بالحمل على ما كان مشتملا على الباطل أو المحرم لأن نياحة الجاهلية كانت كذلك غالبا، ثم قال: "المراثي المنظومة جائزة عندنا وقد سمع الأئمةعليه‌السلام المراثي ولم ينكروها ". انتهى ما نقله العلامة المجلسي.

- البكاء على الميت مستحب عند أهل السنة!

هذا وقد ورد في مصادر العامة ما يدل على أن البكاء على الميت سنة سنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد روى إسحاق بن راهويه في مسنده ج٢ ص ٥٩٩ رقم ١١٧٤ قال:

"أخبرنا النضر بن شميل نا محمد بن عمرو حدثني محمد بن إبراهيم عن عائشة قالت: مر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين انصرف على بني الأشهل فإذا نسائهم يبكين على قتلاهم وكان استمر القتل فيهم

٥٠

يومئذ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لكن حمزة لا بواكي له قال فأمر سعد بن معاذ نساء بني ساعدة أن يبكين عند باب المسجد على حمزة فجعلت عائشة تبكي معهن فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستيقظ عند المغرب فصلى المغرب ثم نام ونحن نبكي فاستيقظ رسول الله لعشاء الآخرة فصلى العشاء ثم نام ونحن نبكي فاستيقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن نبكي فقال: ألا أراهن يبكين حتى الآن مروهن فليرجعن ثم دعا لهن ولأزواجهن ولأولادهن".

والرواية حسنة على الأقل لوثاقة الكل إلا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي قال ابن حجر في التقريب ج٢ ص ١١٩: " صدوق له الأوهام ".

ورواه أحمد في مسنده ج٩ ص ٣٨ مسند ابن عمر رقم ٤٩٨٤ قال:

حدثنا زيد بن الحباب حدثني أسامة بن زيد حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما رجع من أحد فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " ولكن حمزة لا بواكي له " قال: ثم نام فاستنبه وهن يبكين قال: فهن اليوم إذا يبكين يندبن بحمزة وقد بين الحاكم في مستدركه ج١ ص ٣٨١ الأمر الأخير بقوله: " وهو أشهر حديث بالمدينة فإن نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتى يندبن حمزة وإلى يومنا هذا ".

٥١

ولعلك تلاحظ في هذه الرواية أنها لا تدل على جواز البكاء على الميت وندبه فحسب، بل إنها تدل على مشروعية تحويل البكاء إلى عادة مستمرة لقرون طويلة.

وقد ورد في المروي عن طريق أسامة بن زيد الليثي زيادة تدل بظاهرها على نسخ الجواز وهي زيادة: " مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم " مسند أحمد ج٩ ص ٣٩٨.

قال الكناني في ( مصباح الزجاجة ) ج٢ ص٤٧: "هذا إسناد ضعيف لضعف أسامة بن زيد "، وقال الشوكاني في ( نيل الأوطار ) ج٤ ص ٢٥٣: " ورجال إسناد حديث ابن عمر ثقات إلا أسامة بن زيد الليثي ففيه مقال ".

ولكن حتى من لم يرفض هذه الزيادة من حيث السند، فإنه رفض كونها ناسخة كما صرح بذلك ابن القيم في كتابه ( عدة الصابرين ) ج١ ص ٨٢ قال: " وأما دعوى النسخ في حديث حمزة فلا يصح إذ معناه لا يبكين على هالك بعد اليوم من قتلى

أحد، ويدل على ذلك أن نصوص الإباحة أكثرها متأخرة عن غزوة أحد منها حديث أبي هريرة إذ إسلامه وصحبته كانا في السنة السابعة ومنها البكاء على جعفر وأصحابه وكان استشهادهم في السنة الثامنة ومنها البكاء على زينب وكان موتها في السنة الثامنة أيضا ومنها البكاء

٥٢

على سعد بن معاذ وكان موته في الخامسة ومنها البكاء عند قبر أمه وكان عام الفتح في السنة الثامنة ".

- البكاء على الحسين سنة سنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

فقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله أول من أخبر بواقعة شهادة الحسينعليه‌السلام وأول الباكين عليه عند ولادتهعليه‌السلام : روى ابن حبان في صحيحه ج٦ ص ٢٠٣ عن أنس بن مالك قال: " استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأذن له فكان في يوم

أم سلمة فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فظفر فاقتحم ففتح الباب فدخل فجعل يتوثب على ظهر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل النبي يتلثمه ويقبله فقال له الملك: أتحبه؟ قال: نعم

قال: أما إن أمتك ستقتله إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟ قال: نعم فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه فأراه إياه فجاءه بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها".

وأما بكاءصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه فقد روى أحمد في مسنده ج٢ ص٧٨ عن نجي أنه سار مع علي وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي: اصبر أبا عبدالله اصبر أبا عبدالله بشط الفرات قلت: وماذا؟ قال: دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وعيناه تفيضان؟

٥٣

قال: " بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات " قال: فقال: " هل لك إلى أن أشمك من تربته؟ " قال: قلت: نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا.

قال الهيثمي في ( مجمع الزائد ) ج٩ ص ١٨٧ معلقا على الرواية: "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله ثقات ولم ينفرد نجي بهذا".

وروى الطبراني في ( المعجم الكبير ) ج٣ ص ١٠٨ عن أم سلمة قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا ذات يوم في بيتي فقال: لا يدخل علي أحد فانتظرت فدخل الحسين ( رض ) فسمعت نشيج رسول الله يبكي فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي

صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح جبينه وهو يبكي فقلت: والله ما علمت حين دخل فقال: إن جبريلعليه‌السلام كان معنا في البيت قال: تحبه؟ قلت: أما من الدنيا فنعم، قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء فتناول جبريلعليه‌السلام من تربتها

فأرها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء قال: صدق الله ورسوله أرض كرب وبلاء.

قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) ج٩ ص ١٨٩ معلقا على سند الرواية: "رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات".

٥٤

وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج٣ ص١٧٦ ( ١٩٤ ) عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة قال: ما هو قالت إنه شديد قال: ما هو قالت: رأيت كأن قطعة

من جسدك قطعت ووضعت في حجري فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت خيرا تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمةعليه‌السلام الحسنعليه‌السلام فكان في حجري كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخلت يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهريقان من الدموع

قالت: فقلت يا نبي الله بأبي وأمي مالك؟

قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا فقلت: هذا فقال: نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء.

هذه روايات صريحة في أن البكاء على الحسين هي سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والشيعة يتبعون سنتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البكاء على سيد الشهداء الحسينعليه‌السلام .

١٤) أعداء أهل البيت يصومون يوم عاشوراء فرحاً!

قال: "مما ورد من روايات في فضل صيام هذا اليوم من روايات الشيعة ما رواه الطوسي في الاستبصار … وما لا أكاد أفهمهم تجاهل علماء الشيعة للروايات الواضحة في بيان فضل صيام عاشوراء ".

٥٥

لم يكن لصوم يوم العاشر من المحرم صدى كما نسمعه اليوم، ولا تركيز من قبل النواصب كما يفعلون اليوم، فهل يريدون بذلك أن يغطوا على شناعة فعل يزيد في ذلك اليوم، دفاعا عن بني أمية.

أما عند الشيعة فقد اختلفت آراء فقهاء الشيعة تبعا لاختلاف الروايات وتعارضها في مسألة صوم عاشوراء.

إذ يبدو أن القدماء منهم ( قده ) قد حكموا باستحباب صوم يوم العاشر إن كان على وجه الحزن، وحمل الشهيد الثاني معنى الصوم على الامتناع عن المفطرات إلى العصر لا على المعنى الشرعي للصـوم، فهو يرد القول باستحباب الصوم الشرعي، إذ يقول: " لأن صومه متروك كما وردت به الرواية "،

وحكم المحقق البحراني من المتأخرين بالحرمة، ويفهم من السيد الطباطبائي في ( الرياض ) الاستحباب العام لا بالعنوان الخاص المؤكد عليه بالشريعة، ويؤيد صاحب ( الجواهر ) رأي القدماء، نعم ظاهر السيد الخوئي رحمه الله في كتابه ( المستند ) ترجيح الاستحباب الخاص.

فالقول بأن علماء الشيعة تجاهلوا الروايات الدالة على فضل صيام عاشوراء يكشف عن جهل الكاتب الشديد، بل هو توغل في الجهالة.

٥٦

إذا، فصوم عاشوراء إما أن يكون بالعنوان العام أو بالعنوان الخاص وكلاهما له مؤيد ومعارض، نعم هم يتفقون على حرمة صوم العاشر بعنوان التبرك واعتباره يوم فرح كما ظاهر بعض النصوص الواردة في مصادر السنة وظاهر صيام بعضهم، فذاك موطن التشنيع من قبل الشيعة ورفضهم.

ولعل القارئ المنصف يفهم ذلك عندما يقرأ ما صرح به ابن تيمية في ج٢٥ ص ١٦٦ من ( مجموعة الفتاوى ): "فعارض هؤلاء قوم إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته وإما من الجهال … فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال و الاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسما كمواسم الأعياد والأفراح".

وقال في ( منهاج السنة ) ج٨ ص ١٥١: "وكذلك حديث عاشوراء والذي صح في فضله هو صومه وأنه يكفر سنة وأن الله نجى فيه موسى من الغرق وقد بسطنا الكلام عليه في موضع آخر وبينا أن كل ما يفعل فيه سوى الصوم بدعة مكروهة لم يستحبها أحد من الأئمة مثل الاكتحال والخضاب وطبخ الحبوب وأكل لحم الأضحية والتوسيع في النفقة وغير ذلك وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم".

٥٧

وقد أقر ابن كثير في تاريخه بأن يوم عاشوراء يتخذ يوم سرور عند النواصب من أهل الشام فقال في ج٨ ص ٢٢٠: "وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الأطعمة ويظهرون السرور والفرح".

وقال العيني في ( عمدة القارئ ) ج ٥ ص ٣٤٧: "اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء سنة وليس بواجب، نعم اختلق أعداء أهل البيتعليه‌السلام أحاديث في استحباب التوسعة على العيال يوم عاشوراء والاغتسال والخضاب والاكتحال".

قال ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ج٢ ص ١١٢: " قد تمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ونحن براء من الفريقين، وقد صح أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بصوم عاشوراء إذ قال: إنه كفارة سنة، فلم يقنعوا بذلك حتى أطالوا وأعرضوا وترقوا في الكذب ".

إذا فمورد الخلاف في الحقيقة يتوجه إلى ما صدر بعنوان السرور والفرح والزينة يوم عاشوراء.. وما زالت تجد بقاياه الى يومنا هذا!!

فاعتراضنا على من وضعوا الأحاديث التي تتخذ يوم عاشوراء يوم فرح! منها ما عده ابن الجوزي في الموضوعات ج٢ ص ١١٥ عن

٥٨

عبدالله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ".

وكذلك روى ابن الجوزي في كتابه الموضوعات عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : " من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا".

فنكرر ونقول إن اعتراض الشيعة على هذه الأمور لا على مجرد الصيام، ويبدو من النصوص أن من ناقش مستحبات ذلك اليوم قد ربط ذكرها بالصيام، فغدا الصوم علامة على فرح ذلك اليوم، مما جعل الصيام شعارا للفرحين مع الأيام إضافة للاكتحال والزينة ولبس الحلي والتوسعة على العيال وغيرها، لذا ينبغي للصائم في هذا اليوم أن يكون صومه حزناً، ولا يفرح كما فرح أعداء الحسين وقاتلوه.

١٥) محاولة الكاتب تبرئة يزيد من قتل الحسينعليه‌السلام !

قال لم يكن ليزيد يد في قتل الحسين قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق.

نقــول إليك النصوص التالية:

أ‌ - نقل الطبري في تاريخه أحداث سنة ٦٠ هـ ج ٤ ص ٢٥٠ رسالة يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة أمير المدينة " أما بعد

٥٩

فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام"، وروى ذلك ابن كثير في تاريخه ج٨ص١٥٧.

ب‌ - وذكر في عهد يزيد إلى عبيد الله الأمر بقتل مسلم بن عقيل: "ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكان عنده فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة وكتب إليه معه أما بعد فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام "، روى ذلك ابن الجوزي في تاريخه ( المنتظم ) ج٤ص١٤٢، وابن كثير في تاريخه ج٨ ص١٦٤.

ت‌ - ثم روى الطبري ج٤ ص ٢٩٦: " عن جعفر بن سليمان الضبعي قال: قال الحسين: والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة".

ث‌- ثم قوله لزينب بنت عليعليه‌السلام كما في الطبري ج٤ ص ٣٥٣ مؤكدا لنظرته في استحقاق الإمامعليه‌السلام للقتل لأنه خارجي خرج من الدين: "إنما خرج من الدين أبوك وأخوك فقالت زينب بدين الله ودين أبى ودين أخى وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك ".

٦٠