الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا0%

الربا .. فقهيا واقتصاديا مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 464

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف: حسن محمد تقي الجواهري
تصنيف:

الصفحات: 464
المشاهدات: 78587
تحميل: 7257

توضيحات:

الربا .. فقهيا واقتصاديا
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 464 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78587 / تحميل: 7257
الحجم الحجم الحجم
الربا .. فقهيا واقتصاديا

الربا .. فقهيا واقتصاديا

مؤلف:
العربية

والنتيجة أن كينز لم ير في الادخار الا عاملا ضارا. والنتيجة الاخرى هي «أن الميل للاستهلاك والميل للادخار «عدا في ظروف شاذة، وجود الحرب، الثورات، تضخم نقدي، تغير فجائي في السياسة المالية» يعتمدان على حجم الدخل»(١) .

ويمكن أن نقول: أن الدخل الفردي يتناسب تناسبا عكسيا مع الادخار، أي أن حجم الدخل يعتمد على الادخار والاستهلاك، فكلما زاد الادخار قل الدخل بتقريب أن زيادة الادخارات تؤدي الى قلة الطلب وهو بدوره يؤدي الى قلة الاستثمار لتكديس البضائع في الاسواق ثم تنشا البطالة او قلة الاجور، فيقل دخل الفرد، فكلما زاد الادخار قل دخل الفرد.

ويؤيد هذا القول الذي ذكرناه كينز اذ يقول قد تؤدي زيادة الادخار عند شخص ما الى نقص في ادخار شخص آخر بتقريب ما ذكرنا، فاذا ادخر كل الافراد اتجه النقص على نفس الدخل، ولكن اذا ازداد الاستهلاك على البضائع، فان الاموال تكون عند المنتجين وتستخدم في الاستثمار وفي تنمية الصناعة وانشاء رؤوس أموال جديدة فتوجد حركة دائبة من النشاط في الدولة، خصوصا اذا منعت الفائدة فان أصحاب الاموال يستثمرونها في المشروعات التي فيها الربح القليل والمنفعة العامة للمجتمع، فيزداد نتيجة لذلك دخل الافراد. ولايستطيع الافراد الأدخار الا اذا كانت الدخول ثابتة نسبيا، وعند الادخار اول الامر يقل دخل الافراد فلايمكن الادخار لذلك.

وربما تكون زيادة الدخل مصحوبة بارتفاع الاسعار، فلايمكن لصاحب الدخل المرتفع من الادخار، وربما يكون على العكس اذ يقوم بعملية (الادخار

____________________

(١) نفس المصدر السابق ص١٤٧.

٤٠١

السلبي)(١) اذا كانت الاسعار مرتفعة اكثر من زياد الدخل

٣ - الادخار في راي الاسلام:

قال تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم)(٢) وبما أن الكنز في اللغة هو «الجمع والادخار او دفنه تحت الارض»(٣) فيكون حكم الادخار للذهب والفضة واضحا، ولكن يجب الانتباه الى أن الحرمة الشرعية قد خصصت بمن يدخر الذهب والفضة مع عدم الانفاق في سبيل الله، والمراد من سبيل الله - كما دلت عليه الادلة الشرعية - هو «ماتوقف عليه قيام دين الله على ساقه وأن يسلم من انهدام بنيانه كالجهاد وجميع مصالح الدين الواجب حفظها، وشؤون مجتمع المسلمين التي ينفسخ عقد المجتمع لوانفسخت، والحقوق المالية الواجبة التي أقام الدين بها صلب المجتمع الديني، فمن كنز ذهبا أو فضة والحاجة قائمة والضرورة عاكفة فقد كنز الذهب والفضة ولم ينفقها في سبيل الله فليبشر بعذاب اليم فانه آثر نفسه على ربه وقدم حاجة نفسه او ولده الاجتماعية على حاجة المجتمع الديني القطعية»(٤) .

وأما الامور المستحبة التي يطلق عليها في سبيل الله فهي غير مرادة من الاية قطعا، لان الامر مادام مستحبا فيجوز تركه، فلايمكن أن يكون محرما.

ونفس الكلام المتقدم نقوله في الاوراق النقدية اذا ادخرت واكتنزت

____________________

(١) الادخار السلبي: هو أن يكون الاستهلاك اكثر من الدخل فأما ان يأخذ من مدخراته السابقة او يقترض.

(٢) سورة التوبة آية ٣٤.

(٣) المنجد باب كنز ص٧٠٠.

(٤) تفسير الميزان ٩/٢٥٠.

٤٠٢

وكانت الحاجة قائمة لهم لتقويم الدين وحفظ نفوس المسلمين، لان وجوب حفظ الدين ونفوس المسلمين يوجب على الافراد السعي لتحقيقه، وكل مقدمة كانت في هذا الطريق تكون واجبة، ومن المقدمات هو بذل المال الورقي الذي له قيمة نقدية، فيكون واجبا، ومايكون ضدا للواجب يكون بالنظر العرفي المسامحي محرما. وربما نقول بأن علة تحريم اكتناز الذهب والفضة هي سلب منفعة الشيء الذي له منفعة مع حاجة الناس والدين له، وهذه موجودة في ادخار الاوراق المالية اذا احتاج أمر الناس والدين لها فيكون ادخارها محرما مباشرة.

وأما بالنسبة لادخار الذهب والفضة والاموال النقدية مع اعطاء صاحبها الحقوق المالية الواجبة، وعرضها أمام ولي الامر وفي سبيل الله اذا كانت هناك حاجة دينية او ضرورية لها، فلايمكن أن نقول بحرمته، ولكن أخذ الزكاة كل عام من النقدين حتى يصل الى أقل من عشرين دينارا وأقل من مائتي درهما فضيا لهو دليل على عدم الرغبة الى ادخارهما، وكذلك أخذ الخمس مما ينطبق عليه الارباح من المال، وعدم الدعوة من قبل الشارع الى هذا العمل هو دليل آخر الى عدم الرغبة فيه، بل ان الدعوة من قبل الشارع متوجهة الى بذل المال وانفاقه في الأمورالمستحبة لتكون نافعة للانسان في اليوم الاخر، وكذلك الدعوة من الشارع للانتاج والعمل حتى جعلت العامل «حبيب الله» لهي دليل آخر على عدم الرغبة في اخفاء المال الذي يصاحب الجمود وعدم العمل غالبا.

وأما الحديث الذي ينقل عن الامام علي (ع) «ادخر من شبابك لهرمك ومن صحتك لسقمك ومن غناك لفقرك» فان معناه صرف الاموال في طاعة الله واعطاء الحقوق الى مستحقيها، بقرينة الفقرتين المتقدمتين وهما «ادخر من شبابك لهرمك ومن صحتك لسقمك» اذ كيف يستطيع الانسان أن يدخر من

٤٠٣

شبابه لهرمه ومن صحته لسقمه بغير المعنى الذي قلناه.

وأما النبوي «ان تذرورثتك أغنياء خير من أن تتركهم فقراء يتكففون الناس» فهو لايدل على استحسان الادخار، لان استثمار الاموال في مشاريع صناعية وتجارية وزراعية يكون تركة للورثة أيضا.

والخلاصة: فان الاكتناز بالمعنى الاول الذي هو محرم، وبالمعنى الثاني لايكون مرغوبا فيه، وحينئذ اذا اردنا أن نعرف الافضل عند الشارع بعد ماتقدم من تحريم أو عدم رغبة مع سد باب التبذير، فهو عبارة عن طريقين:

الاول: اذا لم تكن هناك رغبة في المزيد من دخلهم، عليهم أن ينفقوا اموالهم الفاضلة في وجوه الخير والمصالح العامة بوقفها على شأن من شؤون الخير بأنفسهم أو بأعطائها الى الحكومة محتسبين لتنفقها في ما هو في صالح البلاد وترقيها فتنال الحكومة لامانتها وديانتها وسهرها على مصلحة الامة الأسلامية مقدارا كبيرا من المال للمصالح العامة ووجوه الخير والرقي مجانا.

الثاني: اذا وجدت الرغبة في المزيد من الدخل فالسبيل الى ذلك هو استغلال اموالهم الفاضلة عن حاجاتهم في الوجوه المثمرة على مبدأ المضاربة اما بأنفسهم أو بواسطة الحكومة أو بواسطة المصارف اللاربوية، واذا لم تنفق الاموال ولاتستغل في التجارة، وكانت زائدة عن الحاجة فعليهم ضريبة الزكاة ان كانت الاموال من النقدين وهي ٥/٢ في المائدة سنويا وضريبة الخمس ان كانت الاموال من غيرهما وهي ٢٠ في المائة سنويا، وضريبة الخمس والزكاة بمثابة انفاق قهري في وجوه مخصصة لها فيتحقق الطريق الاول المتقدم، ويعلم من ضريبة الزكاة على النقدين وتكررها أنها دعوة الى زيادة الاستثمار وعدم الادخار.

واذا ثبت أن رأي الاسلام هو دعوة الى الاستثمار وعدم الادخار فلاحاجة

٤٠٤

اذن الى الادخار والاقراض بفائدة، لان الاستثمار يزداد بزيادة الاستهلاك والعكس بالعكس، أي أن قلة الاستهلاك - وهو معنى الادخار - يؤدي الى قلة الاستثمار والدخل، فينبغي ان لا ندعو الى الادخار الذي هو مصدر الربا لضرره باقتصاد الدولة، ولانقول اكثر من أن الادخار شيء غير مرغوب فيه للشارع المقدس(١) .

بالاضافة الى ان عملية الادخار هي خروج عن الدور الاول والاصيل للنقد الى دور ثاني وهامشي، اذ أن النقد قد استخدمه الانسان في المبادلة تفاديا من مشاكل المقايضة التي كانت سائدة في السابق من تبادل المنتجات بشكل مباشر فجاء النقد كمقياس عام للقيمة، وأصبح أداة للمبادلة، فعندما ندخر المال نكون قد خرجنا عن الدور الاصيل للنقد، وعندما نشجع عليه أيضا يختل التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي لمجموع السلع، وقد كان هذا التوازن مضمونا في عهد المقايضة بين السلع مباشرة لان المنتج في عهد المقايضة كان ينتج لاجل الاستهلاك او للاستبدال بسلعة أخرى يستهلكها، فالانتاج يقابله طلب دائما فيتساوى الانتاج والاستهلاك، أما في عهد وجود النقد وادخاره فقد يكون المنتج لالاجل الاستهلاك او الاستبدال وانما ينتج فيبيع لاجل ادخار المال، وبذلك يوجد عرض لايقابله طلب للسلع، فيختل التوازن بين العرض والطلب وتبقى السلع بدون تصريف وبذلك توجد الاخطار.

حول مشروعية الفائدة (الربا)

ونتلكم الان حول مشروعيتها لنرى راي المدارس الاقتصادية فيها مع مناقشة الاراء:

ونأخذ رأي المدرسة الكلاسيكية ورأي المدسة الكينزية.

____________________

(١) ولكن المشهور عن ابى ذر حرمة الادخار.

٤٠٥

رأي المدرسة الكلاسيكية في مشروعية الفائدة:

قيل «مادام الادخار هو تأخير في التمتع الاني، الحالي، الى أجل، في المستقبل، فالفرد لايقبل بهذه التضحية، بهذا التأخير الا اذا كان يأمل أن يكون الاشباع أو التمتع في المستقبل اكبر من التمتع الحالي»(١) ويبدو طبيعيا أن يحصل المدخر على فائدة ثمنا للتضحية.

ان هذا الراي قد اشتمل على مقدمات غير مسلمة منها: أن الادخار هو تأخير في التمتع الاني، الحالي، ولكن الادخار يعرفه كينز «هو فضلة متبقية من الدخل بعد الانفاق على الاستهلاك» ويعرفه غيره «هو الجزء الذي لم يستهلك من الدخل» فبالنسبة لهذين التعريفين لم يكن تأخر في التمتع الاني لانه فضلة حسب تعريف كينز لم يستهلك حسب التعريف الثاني، وقد خلص كينز من دراسة الفائدة بأنها ليست ثمنا للامتناع «فقد يحدث أن يدخر البعض دون أن يتحملوا أية تضحية. وهذا هو شأن الاغنياء. وقد يحدث أن يدخر البعض دون أن يحصلوا على أية فائدة، وهذا هو ما يحدث في حالة احتفاظ المدخر بمدخراته في شكل أموال سائلة»(٢) أو حين عرضها بفائدة ولا طلب عليها. واذا لم يكن الادخار تأخيرا في التمتع الاني فلم توجد هناك تضحية للتاخير بالاضافة الى أن الاشباع والتمتع في المستقبل هو حاصل حتى مع تحريم الفائدة أو الغائها وهو حصوله على أمواله في المستقبل. على أن الضرر لايمكن أن يقاس بمعدل ثابت كما في الفائدة(٣) .

____________________

(١) الدخل القومي والاستثمار/ د. خزعل البيرماني ص١٦٥.

(٢) الاقتصاد السياسي/ د. رفعة المحجوب ٢/٢٨٧.

(٣) راجع مناقشاتنا في فصل «نظريات لتكييف الربا».

٤٠٦

رأي كينز وانصاره في مشروعية الفائدة على حساب تفضيل السيولة النقدية:

ان الفرد الذي يدخر، له أن يحتفظ بنقوده سائلة مكتنزة، فيضحي بالفائدة لو أقرض أمواله، وله أن يقرضها مضحيا بسيولتها لقاء فائدة هي «الثمن الذي يدفعه المقترض لقاء استعماله النقود، أو هي العوض الذي يحصل عليه مالك النقود جزاء تخلية عن السيولة النقدية» أو هي ثمن الامتناع عن الاكتناز. «وأخذ كينز الفائدة على أنها ثمن النقود، أي ثمن النزول عن السيولة»(١) .

وهناك أسباب تدعو الى زيادة الطلب على السيولة النقدية، وهي:

١ - دافع المعاملات، أي مواجهة النفقات الجارية، وتسمى (باعث الدخل).

٢ - دافلع الحيطة، أي مواجهة حوادث غير متوقعة مثل المرض أو المطالبة بالدين.

٣ - دافع المضاربة، (معنى المضاربة يختلف عن معناها في الفقه الاسلامي). أي رغبة بعض الافراد في تحقيق الارباح عن طريق الاستفادة من تقلبات معدل الفائدة الناجمة من تغيرات اسعار السندات. مثلا: في حالة توقع المضارب (الشخص) ارتفاع معدل الفائدة (انخفاض ثمن السند) فالسند الذي اشتراه بسعر (١٠٠) دينارا بفائده (٥) في المائة يقوم ببيع السندات التي لديه ويمتنع عن شراء السندات، لانه اذا انخفض ثمن السند الى (٩٠) دينار فالفائدة التي يعطيها (٥) في المائة لثمن (٩٠) دينارا أعلى من معدل الفائدة ٥ في المائة لثمن (١٠٠) دينارا، ثم اذا بدأت فترة انخفاض قيمة السندات الى (٩٠) يقوم بشراء السندات ب-(٩٠) دينارا وبفائدة ٥ في المائة. والدولة عندما تريد التخلص من ديونها تقوم بشراء السندات بسعر أعلى من سعرها الحالي فتقوم بشراء السندات

____________________

(١) الاقتصاد السياسي/ د. رفعة المحجوب الجزء الاول ص٤٢٩.

٤٠٧

بسعر (١١٠) دنانير وبفائدة ٥ في المائة فهنا أيضا يقوم الافراد ببيع السندات التي اشتروها ب-(٩٠) دينار رغم ان الفائدة التي تعطيها (١١٠) دنانير هي ٥ في المائة أقل من الفائدة التي تعطيها (٩٠) دينارا هي ٥ في المائة ولكن ال-(٢٠) دينارا ثمن ارتفاع السند سوف تغطي انخفاض سعر الفائدة لان مقدار الفائدة ل-(١١٠) دنانير هي حوالي (٥/٤) في حين أن الفائدة ل-(٩٠) دينارا هي ٥ في المائة ولكن الربح عند بيع السند هو (٢٠) دينارا.

وقد ذكر الدكتور رفعة المحجوب زيادة على ماذكر من الاسباب(١) :

٤ - باعث التمويل: وهو احتفاظ المستثمرين بنقود سائلة في سبيل القيام بمشروعات جديدة.

٥ - باعث المشروع: وهو احتفاظ المنظمين بنقود سائلة في سبيل تسيير مشروعاتهم القائمة.

ويمكن أن نناقش تعريف كينز في مشروعية الفائدة على حساب تفضيل السيولة بمايأتي: اذا كانت الفائدة هي ثمن النقود فلماذا ترجع أخيرا الى الدائن وبما أنها ترجع الى الدائن فان الفائدة ليست ثمنا للنقود. وايضا ليست الفائدة هي ثمن النزول عن السيولة، لان المدين عندما يرجع الدين الى الدائن تكون النقود محتفظة بسيولتها، فلماذا يدفع الفائدة اذا كانت كذلك. لكينز أن يقول: ان الفائدة هي ثمن النزول عن السيولة لمدة (ما)، أي ان الفائدة كما قالوا انها مقابل الاجل، أي أجرة الزمن، ولكن الاجرة انما يصح أخذها اذا كان الشيء مما يبذل في تهيئته جهدا للمستاجر، والشيء المستأجر ينقص أو ينكسر أو تقل قيمته على مرور الزمن بالاستعمال، وهنا غير متحقق شيء من هذه الاشياء، وانما يتحقق على البيت والاثاث لاعلى النقد فاي معنى لاجارتها؟ هذا بالاضافة

____________________

(١) الاقتصاد السياسي١/٤٣١.

٤٠٨

الى أن النقود اذا بقيت عند الدائن سائلة ولم توجد عوامل تدعو الى الطلب على السيولة ولم يقرضها فما هو ثمن السيولة اذن وأين يذهب؟.

ويمكن أن يقال: ان الاجارة مما يعتبر فيها أن تكون معلومة اما بالكيل أو الوزن أو العدد أو المشاهدة، أما هنا فالسيولة اذا كانت مستأجرة فغير معلومة بالكيل أو الوزن أو العد أو المشاهدة. نعم ان الكيل أو الوزن أو العد أو المشاهدة متوفرة في النقود نفسها لا في النزول عن فائدة النقد وهي (السيولة).

هل ينمى الانتاج بادخار المال واخذ الفائدة

ونبحث هنا كيفية نمو الانتاج، وهل ينمى الانتاج بالادخار وأخذ الفائدة؟ وكيف ينمى الانتاج في ظل النظام الاسلامي؟.

الفائدة والاستثمار: ذكر الاقتصاديون: أن ارتفاع سعر الفائدة يؤدي الى انخفاض حجم الاستثمار، وانخفاض سعر الفائدة يؤدي الى ارتفاع حجم الاستثمار، وبطبيعة الحال ان انخفاض الفائدة يؤدي اضافة الى ماذكرنا، الى ارتفاع الدخل القومي وبالتالي الى ارتفاع الاستهلاك والادخار، كما ان ارتفاع الفائدة يؤدي اضافة الى ماذكرنا، الى تخفيض الدخل القومي وبالتالي الى خفض الاستهلاك والادخار، فاذا منعنا الادخار فيتعين الجانب الاخر.

ولما كانت النتيجة واضحة وهي أن ارتفاع سعر الفائدة يؤدي الى انخفاض حجم الاستثمار والى قلة الدخل القومي والعكس صحيح، فلماذا اذن لاتحظر الفائدة اقتصاديا؟! فان في منعها أو تحريمها فوائد اقتصادية: هي ارتفاع حجم الاستثمار وارتفاع الدخل القومي، وفي اباحتها تأخير للاستثمار وتقليل للدخل القومي. واذا سار الاقتصاد العالمي في طريق منع الفائدة أو تحريمها، فلاحاجة اذن للادخار، اذ أن الادخار اساس الاقراض بالفائدة، وكما قلنا سابقا أن الاموال

٤٠٩

اذا لم تدخر لابد لها من أن تصرف في وجوه البر والخير والمصالح العامة أو أن تستثمر في التجارة والصناعة على أساس المشاركة والمضاربة، حسب اختلاف الافراد. وبهذه الطريقة تكون النتيجة واضحة، وفي صالح الدولة، اذ بتحريم الفائدة والادخار يزداد الاستثمار والدخل القومي وتنمو الصناعة والتجارة.

وهنا يدور في خاطرنا سؤال نعرضه على الاقتصاديين هو: لماذا لايحظر الاقتصاديون الفائدة اذا كان منعها يزيد في دخل الفرد ويزيد من حجم الاستثمار؟.

ان هذا السؤال يحتاج الى جواب ليس هذا محله، فللاوضاع السياسية ولارباب البنوك دخل في ذلك.

ويجدر بنا هنا أن نعرض أشكالا بيانية تؤكد ما ذكرنا وان كلامنا لايحتاج الى تأكيد.

____________________

(١) الاقتصاد السياسي/ د. رفعة المحجوب ج٢ شكل ٤٥/٢٨٩.

٤١٠

فالشكل رقم أ يشير الى تحديد سعر الفائدة بالكمية النقدية وبتفضيل السيولة، فلو انخفض معدل الفائدة الى الصفر تكون كمية النقود المبذولة للاستثمار أكثر من أي وقت، واذ ارتفعت الفائدة تنخفض كميات النقود المبذولة للاستثمار.

وهنا في شكل (ب) نرى أن انخفاض معدل الفائدة يزيد من الادخار والاستثمار والعكس صحيح، واذا منعنا الادخار وانخفضت الفائدة فتتجمع الاموال للاستثمار.

____________________

(١) الدخل القومي والاستثمار/ شكل رقم٢/١٦٧.

٤١١

وهذا الشكل أيضا يدل على أن انخفاض سعر الفائدة يجعل حجم الاستثمار كبيرا، فاذا انعدمت الفائدة يكون حجم الاستثمار اكبر بالاضافة الى زيادة الدخل القومي لزيادة حجم الاستثمار، أي أنه (اذا كانت الكفاية الحدية لراس المال ثابتة فان حجم الاستثمارات يزداد كلما كان معدل الفائدة منخفضا والعكس صحيح).

وقد يرد بعض الاقتصاديين على هذه الحقيقة بأن أيام الازمة أو أيام الكساد مثلا سنة (١٩٣١) كانت الاسواق مملوءة بالسلع والطلب كان قليلا، فحتى لوخفضت الحكومة معدل الفائدة الى أقل سعر من او الى الصفر فان طلب

____________________

(١) الدخل القومي والاستثمار/ شكل رقم٥/ص١٨١.

٤١٢

أموال لاجل الاستثمارات سوف لايزيد، أذن حجم الاستثمار يعتمد على الارباح التي سوف يتوقع المنظم الحصول عليها من بيع السلع بالدرجة الاولى، وبعد ذلك يعتمد على معدل الفائدة.

ولكن يجاب بأن أزمة سنة (١٩٣١) شاذة عن القاعدة، ونادرة الوقوع وكان الافراد قليلي الدخل. وقد يكون لها اسباب أخرى ليس هنا محل ذكرها.

ماذا بعد تحريم الفائدة؟

ان المفاسد المترتبة على اباحة الربا «قلة الدخل، وقلة حجم الاستثمار» سوف تزول وتستبدل بها صور نافعة ان حرمنا الربا. اما حلية الفائدة فهي تحرض الانسان على انفاق أقل مايمكن على نفسه وادخار اكثر مايستطيع، وتوعد الدولة من لم يدخر بأن ليس في المجتمع من يأخذ بيده عند الطواريء والكوارث الى شاطىء الرحمة والرأفة، وقد رأينا سابقا مايترتب على ارتفاع سعر الفائدة او حليتها من قلة الدخل وانتشار البطالة وقلة حجم الاستثمار وما الى ذلك. ولكن الغاء نظام الربا - في الاسلام - مع نظام جمع أموال الزكاة والخمس وتوزيعها هو الاصلح للبشرية.

وتوضيح ذلك: ان الزكاة هي ضريبة على نصاب الانعام والغلات والنقدين (الذهب والفضة) وبالنسبة الى النقدين فانه لاتتركهما حتى تنخفض به الى أقل من عشرين دينارا واقل من مائتي درهم من الفضة، فالزكاة مصادره تدريجية للمال الذي يجمد عن العمل. وأما الخمس فهو ضريبة يكون على الربح الذي يحصل عليه الانسان في عمله بعد صرف مايحتاج اليه في سنته.

ويمكن أن تكون ضريبة الزكاة والخمس باختلاف الحيثية او اللحاظ اطمئنانا لكل فرد بأن الاسباب متوفرة لمساعدته عند النوازل والطواريء فلاحاجة

٤١٣

حينئذ للادخار ولايخشى من المستقبل لان ضمانه بواسطة النظام المالي توفر، فيأخذ الناس باستهلاك السلع اكثر من حالة الادخار، لعدم ادخار المال، فتزداد القوة الشرائية، وهذا يؤدي الى رقي التجارة والصناعة وتحسن حالة الناس الاقتصادية وزيادة دخلهم وكثرة حجم الاستثمار، وتزداد الارباح من الاعمال ولايعود المنتج بحاجة الى راس مال خارجي، اذ يأتي اليه المال بقدر مايكون محتاجا اليه، لان الفرد أو الافراد يمتنعون من جمع المال ومن يجمعه فانه يضطر الى جمعه لكثرة دخله لانه يكسب اكثر مما يحتاج. واذا احتاج المنتج الى المال فرضا لسبب طاريء فهو يحصل عليه بدون ربا او بمشاركة من عنده المال مضاربة، فلاتأتي المفاسد السابقة التي ذكرناها للربا.

بالاضافة الى أن النظام المالي في الاسلام الذي بعضه الخمس والزكاة يزيد من قوة شراء الفقراء ويمكنهم من الانفاق على أنفسهم بعد ذهاب صفة الفقر عنهم او بعد تقليل نسبة الحاجة. وهنا تميل الثروة الى استغلالها في شؤون مثمرة دائما لاتقف في مدة بدون استغلال كما في الادخار.

ويمكن أن نحقق بتحريم الفائدة مكسبين هما:

١ - القضاء على تناقض مصالح التجارة والصناعة، ومصالح راس المال الربوي، فان أصحاب الاموال يرفعون من سعر الفائدة عند احتياج رجال الاعمال الى المال، ويقدمونه باجور زهيدة عند عدم احتياجهم، وواضح أن هذا تناقض يرتفع عند الغاء الفائدة، ويؤدي الىتحول الرأسماليين الى مضاربين في مشاريع صناعية أو تجارية.

٢ - ان الاموال التي توجهت الى المشاريع سوف تستخدم بعزم وطمأنينة في اعمال طويلة الامد، لان اصحاب الاموال لايأملون الا بالربح فيتوجهون الى المشاريع لطلب الربح خلافا للنظام الربوي فانه سوف يفضل اقراض امواله

٤١٤

بالربا حيث أن الفائدة مضمونة، وهو يقرض لاجل قصير لانه يخشى أن يفوته شيء من ارتفاع سعر الفائدة فيما بعد، والمقترضون بدروهم يستعملون الاموال في مشاريع قصيرة الامد على أن يكون ربحها اكثر من سعر الفائدة، وهذا يمنع من ممارسة اكثر الوان النشاطات العامة في ظروف كثيرة.

كيف ينمى الانتاج في ظل النظام الاسلامي؟

كتب الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام لواليه على مصر محمد بن أبي بكر وامره أن يقرا الكتاب على اهل مصر وأن يعمل بمااحتواه «ياعباد الله أن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، أباح لهم الله الدنيا ماكفاهم به وأغناهم، قال الله عزوجل: (من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) سكنوا الدنيا بأفضل ماسكنت، وأكلوا بأفضل ما أكلت، وشاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيبات مايأكلون، وشربوا من طيبات مايشربون، ولبسوا من أفضل مايلبسون، وسكنوا من أفضل مايسكنون، وركبوا من افضل مايركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا وهم غدا جيران الله يتمنون عليه وفيعطيهم ما يتمنون، لاترد لهم دعوة ولاينقص لهم نصيب من اللذة، فالى هذا ياعباد الله يشتاق من كان له عقل، ويعمل له بتقوى الله، ولاحول ولا قوة إلا بالله»(١) .

وواضح مما قدمناه أن استثمار الطبيعة ونمو الانتاج هدف يسعى اليه المجتمع الاسلامي المتقي والمجتمع المؤمن، قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا

____________________

(١) اقتصادنا ص٥٧٢ عن امالي الشيخ الطوسي ونهج البلاغة ٢/٢٦، شرح ابن ابي الحديد.

٤١٥

لاتحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولاتعتدوا ان الله لايحب المعتدين) فالاطار الذهبي للمؤمنين والمتقين هو الانتفاع بالطبيعة واستثمارها مع المنع من الاعتداء وقد أكد على وسائل تنمي الانتاج فجعل وسائل من الناحية الفكرية ومن الناحية التشريعية، وسياسة اقتصادية لتنمية الانتاج.

فمن الوسائل الفكرية: حث الاسلام على العمل والانتاج وربطه بكرامة الانسان حتى أصبح العمل عبادة يثاب عليها المرء بل عمله أفضل عند الله من المتعبد الذي لايعمل. ففي الحديث ان الامام جعفرعليه‌السلام سأل عن رجل فقيل له: اصابته الحاجة وهو في البيت يعبد ربّه واخوانه يقومون بمعيشته. فقالعليه‌السلام : الذي يقوته أشد عبادة منه(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه رفع يوما يد عامل مكدود فقبلها، وقال: طلب الحلال فريضة على كل مسلم ومسلمة. كما أن الاسلام قاوم فكرة البطالةوحث على العمل وقاوم فكرة تعطيل الثروات الطبيعية وتجميد بعض الاموال، واعتبرفكرة تعطيل بعض مصادر الطبيعة لونا من الجمود وكفرانا بالنعمة التي أنعم الله على عباده، قال تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الايات لقوم يعلمون...) وقد حث على استثمار مختلف المجالات «وهو الذي جعل لكم الارض ذلولا، فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور».

ومن الوسائل التشريعية: فقد حكم الاسلام بانتزاع الارض من صاحبها اذا عطلها وأهملها حتى خربت، لان الارض لايجوز أن يعطل دورها الايجابي في الانتاج كما منع الاسلام من السيطرة على مساحة الارض بالقوة دون ممارسة

____________________

(١) الوسائل ج١٢ باب ٥ من مقدمات التجارة حديث٣ ص١٤ وغيرها كثير.

٤١٦

عمل وجعل الحق في الارض منوطا بعملية الاحياء دون اعمال القوة، وحرم الاسلام الكسب دون سبب«كما حرم الاسلام الفائدة وألغى رأس المال الربوي وبذلك ضمن تحول رأس المال هذا في المجتمع الاسلامي ألى رأس مال منتج يساهم في المشاريع الصناعية والتجارية»(١) .

وتحريم الفائدة يؤدي الى تحويل الرأسماليين الذين كانوا يقرضون أموالهم بفائدة الى مضاربين يساهمون في المشاريع الصناعية والتجارية، بالاضافة الى أن هذه الاموال سوف تسخدم بعزم وطمأنينة في المشاريع. «كما ان الاسلام منع من اكتناز النقود وسحبها عن مجال التداول وتجميدها وذلك عن طريق فرض ضريبة على مايكتنز من النقود الذهبية والفضية» بالاضافة الى الاثم الذي يحصل للمكتنز لانه عمل محرم، فبضريبة الزكاة يقضى على الاكتناز والادخار وتندفع الاموال الى حقول النشاط الاقتصادي بعكس نظر الاقتصاديين الذين يرون أن الادخار عامل نافع وان الفائدة شيء مشروع. هذه هي بعض الوسائل لتنمية الانتاج بالاضافة الى السياسة الاقتصادية لتنمية الانتاج في الدولة، فقد ترك الاسلام للدولة أن تدرس الشروط الموضوعية للحياة الاقتصادية وتضع السياسة الاقتصادية التي تؤدي الى زيادة الانتاج ونمو الثروة(٢) .

من اين نشأت المشكلة الاقتصادية؟

ذكرت الرأسمالية أن الطبيعة مادامت بخيلة أو عاجزة عن اشباع حاجات الانسان لان موارد انتاجها محدودة وحاجات البشر غير متنامية، فيكون من الطبيعي أن تتصادم هذه الحاجات وتتعارض.

ولكن الاسلام في تصوره بأن المشكلة لم تنشا من موارد الانتاج وبخل

____________________

(١ - ٢) افقتصادنا ص٥٧٧، ويراجع ص٥٧٣ ومابعدها للتوسع.

٤١٧

الطبيعة على أن موارد الانتاج في الطبيعة محدودة وحاجات البشر كثيرة ومتنوعة الا أن المجتمع الانساني وان كانت موارده محدودة الا أنها وافرة وفرة الهواء، فهي تفي بجميع متطلبات الانسان الكثيرة، ويمكن أن يظل المجتمع سليما من المشاكل الاقتصادية وينعدم فيه الفقر، حيث أن كل فرد منه قادر على اشباع رغباته في فردوس الارض.

ولو استعرضنا قول الله تعالى (الله الذي خلق السموات والارض، وأنزل من السماء ماءا فأخرج به من الثمرات رزقا لكم، وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الانهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها ان الانسان لظلوم كفار) لوجدنا مصادر الثروة التي أكد الله تعالى أنها كافية لاشباع رغبات وحاجات الانسان، والمشكلة كل المشكلة انما هي ناشئة من فعل الانسان نفسه «ان الانسان لظلوم كفار» فالانسان ا ظالم في توزيع الثروة ولايستغل جميع المصادر استغلالا تاما، وهذان السببان مصدر المشكلة الاقتصادية كما قررها القرآن الكريم، (ان الانسان لظلوم كفار).

والظلم في توزيع الثروة يدخل فيه اباحة الربا بل هو عين الظلم في توزيع الثروة، فانه ليس من العدل أخذ الفائدة على الاموال من دون عمل. وكذلك الحروب الظالمة تدخل الظلم في توزيع الثروة اذ هي تستنزف الاموال الكثيرة من الجانبين «ويكفي أن نلاحظ الاستعداد للحرب يكلف الشعوب في البلاد الكبرى مايزيد على أربعين في المائة من الدخل القومي»(١) وهذا المال الذي يبذل في الحرب يبلغ مائة الف مليون من الجنيهات، وأنه اذا وزع على سكان

____________________

(١) وضع الربا في البناء الاقتصادي القومي/ عيسى عبده ص٣٣.

٤١٨

الارض لخص كل فرد أربعين جنيها في السنة»(١) .

ان هذه الاموال الطائلة التي تتلف من الدول هي نتيجة ظلم الانسان في توزيع الثروة «ان الانسان لظلوم كفار». واقتصاديات القرون الاخيرة قائمة على نظريات ربوية ظالمة في توزيع الثروة على الافراد فتمحق الاموال بشتى الطرق فليست المشكلة آذن هي بخل الطبيعة وعجزها عن اشباع حاجات الانسان كما ذهبت اليه الرأسمالية وانما المشكلة هي مشكلة الانسان.

هذا بالاضافة الى ما ذكرنا سابقا من ان حكومات بعض الدول تحرق الفاضل من الحاصلات الزراعية للسنين السابقة او تحرق بعضا من حاصل هذه السنة لتحافظ على سعر الحاصل المرتفع، وهذا دليل آخر على ان المشكلة الاقتصادية سببها الانسان الظالم الكافر.

وبعد أن انتهينا الى هذه النتيجة يصبح بالامكان التغلب على المشكلة، والقضاء على الظلم وعلى الكفران بالنعمة، بأن نوجد علاقات للتوزيع عادلة ونستغل جميع مصادر الثروة باستثمارها واستكشاف كنوزها. والذي بين لنا سبب المشكلة الاقتصادية هو القرآن الكريم بالاية المتقدمة هو الذي بين الحل لنا من زمان قديم، فبالرجوع الى هذا المصدر الاول تزول المشاكل الاقتصادية بأسرها في هذا العالم.

حرمة الربا اقتصاديا

يقول البعض ان تحريم الربا يرجع الى اسباب وثيقة الصلة بالانتاج. فالانسان الذي يعيش عبئا على الدنيا يتخذ في حياته طريقة من ثلاث: (الاولى أن يعوض ماأفناه، والثانية أن يزيد، والثالثة أن يقصر) فالاولى تتمثل في

____________________

(١) وضع الربا في البناء الاقتصادي القومي/ عيسى عبده ص٣٣.

٤١٩

الفرد القانع وهو الذي يسعى الى انتاج ماهو في حاجة اليه، فهذا الفرد عاش لنفسه. والثانية: وهي الزيادة تتمثل في الفرد الطموح وهو الذي يكدح فينتج فوق الذي يكفيه وهو الذي ينتج في الاعمار والمدنية. اما الثالثة: وهو القصور عن الحاجة وتتمثل في حياة الفرد الذي يستهلك اكثر مما ينتجه فهو يتمتع بما انتجه غيره، وبقدر الزيادة في عدد المتبلدين تسرع الخيرات الى النضوب. وهذا هو حال المرابي الذي يعيش على موائد القروض او على انتاج غيره(١) .

الفصل الخامس : الاعمال المصرفية والبنكية وبديلها الاسلامي الافضل

تمهيد:

تقدم في الفصل السابق أن جملة من مفاسد الاعمال الربوية تقلل من دخل الفرد وتقلل حجم الاستثمار، فهل الحاجة الان تدعو الى فتح بنك بعيد عن الربا بأعماله مع بقاء الربا مباحا في مناطق اخرى من الارض؟(٢) .

ولابدلنا ان اردنا الخلاص من الربا ليزداد دخل الفرد ويزداد حجم الاستثمار

____________________

(١) الربا ودوره في استغلال موارد الشعوب/ الدكتور عيسى عبده ص١٢ ومابعدها.

(٢) هل يمكن ان يخطط لبنك لايتعامل بالربا مع استمرار الواقع الفاسد والنظام اللاسلامي للمجتمع ومع بقاء البنوك والمصارف الربوية اولا يمكن ذلك؟ لاشك ان اجزاء النظام الاسلامي مترابط وكل جزء منها يهىء النجاح للجزء الاخر الا ان نصيب البنك الذي لايتعامل بالربا مع استمرار النظام اللااسلامي الربوي بالنجاح يكون قليلا اذا لم يتعاطف افراد المجتمع مع البنك من وجهة النظر الاسلامية.

٤٢٠