الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 223577
تحميل: 30546

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223577 / تحميل: 30546
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إلى القبض، بل يزول ملك الواقف بمجرد القول. (أبو زهرة كتاب الوقف).

مَن يملك العين الموقوفة؟

ليس من شك أنّ العين قبل الوقف كانت على ملك الواقف، إذ لا وقف إلاّ في ملك، وبعد تمام الوقف هل تبقى العين على ملكه كما كانت من قبل، غاية الأمر أنّها تكون مسلوبة المنفعة بالقياس إليه، أو أنّها تنتقل إلى الموقوف إليهم، أو تصبح بلا مالك أصلاً، وهو المعبّر عنه بفك الملك؟

للفقهاء في ذلك أقوال: فقد ذهب المالكية إلى أنّ العين الموقوفة باقية على ملك الواقف، ولكنّه ممنوع من التصرف فيها.

وقال الحنفية: ليس للعين الموقوفة مالكاً بالمرة، وهو أصحّ الأقوال عند الشافعية(١) . (فتح القدير ج٥ باب الوقف، وأبو زهرة كتاب الوقف).

وقال الحنابلة: تنتقل العين إلى ملك الموقوف إليهم. أمّا الإمامية فقد نسب إليهم الشيخ أبو زهرة - في صفحة ٤٩ طبعة ١٩٥٩ - القول ببقاء العين على ملك الواقف، ثمّ قال في صفحة ١٠٦: إنّ هذا القول هو الراجح عند الإمامية.

ولم يذكر أبو زهرة مصدراً لهذه النسبة، ولا أدري من أين استخرجها؟

____________________

(١) وردّ أبو زهرة هذا القول في ص٥٠ بأنّه لا معنى لملكية الله هنا؛ لأنّه عالى يملك كل شيء. ويلاحظ بأنّه ليس المراد من ملك الله للوقف أنّه يصير بمنزلة المباحات الأصلية، بل يكون ملكه له على نحو ملكه خمس الغنيمة الي جاءت في قوله:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ) .

٥٨١

وقد جاء في كتاب الجواهر - وهو أهم كتاب وأوثق مصدر لفقه الإمامية - ما نصه بالحرف الواحد: (الوقف إذا تم زال ملك الواقف عند الأكثر، بل عن المشهور، بل في محكي الغنية والسرائر الإجماع عليه).

وبعد أن اتفق الإمامية كلهم أو جلهم على زوال الملك عن الواقف، اختلفوا في أنّ العين هل يرتفع عنها وصف الملكية كلّية، بحيث لا تكون على ملك الواقف ولا الموقوف إليهم، وهو المعبّر عنه في لسانهم بفك الملك، أو أنّها تنتقل من الواقف إلى الموقوف إليهم؟

ذهب جماعة منهم إلى التفصيل بين الوقف العام - كالمساجد والمدارس والمصاح وما إليها - وبين الوقف الخاص، كالوقف على الذرية، فما كان من النوع الأوّل فهو فك ملك، وما كان من النوع الثاني ينتقل من ملك الواقف إلى ملك الموقوف إليه.

وتظهر فائدة الخلاف في ملكية العين الموقوفة - تظهر - في جواز البيع وعدمه، وفيما لو وقف العين إلى أمد، أو انقرضت الجهة الموقوف إليها، فبناء على قول المالكية من بقاء العين على ملك الواقف يجوز البيع، وتعود العين إلى الواقف بعد انتهاء الأمد، أو انقراض الجهة. وبناء على انتفاء الملكية بالمرة عن العين لا يجوز البيع؛ لأنّه لا بيع إلاّ في ملك، ويبطل الوقف المحدود. وبناء على انتقالها إلى ملك الموقوف إليه لا تعود إلى الواقف. وتُعرَف النتيجة بجلاءٍ من المسائل التي سنعرضها، ولذا ينبغي أن نكون على معرفة من هذا الخلاف؛ لأنّه يلقي ضوءاً على كثير من مسائل الوقف.

أركان الوقف:

أركان الوقف أربعة: الصيغة، والواقف، والعين الموقوفة، والموقوف عليه.

٥٨٢

الصيغة:

اتفق الكل على أنّ الوقف يتحقق بلفظ (وقفتُ)؛ لأنّه يدلّ على الوقف صراحة وبدون قرينة، لغة وشرعاً وعرفاً، واختلفوا في تحققه بلفظ (حبستُ، وسبلتُ، وأبّدتُ) وما إلى ذاك، وأطالوا الكلام بدون طائل.

والحقّ أنّه يقع ويتم بكل لفظ يدلّ عليه، حتى باللغة الأجنبية؛ لأنّ الألفاظ - هنا - وسيلة للتعبير، وليست غاية في نفسها(١) .

المعاطاة:

هل يتم الوقف بالفعل، كما لو بنى مسجداً وأذّن للصلاة فيه، أو أذِن بالدفن في قطعة أرضٍ بنية وقفها مقبرة، دون أن يقول: وقفتُ وحبستُ، وما أشبه، أو لا بدّ من النطق، ولا يكفي مجرد الفعل؟

قال الحنفية والمالكية والحنابلة: يكفي مجرد الفعل، وتصير العين وقفاً به. (المغني لابن قدامة ج٥ باب الوقف، وشرح الزرقاني على مختصر أبي ضياء ج٧ باب الوقف).

وعلى هذا القول جماعة من كبار الإمامية، منهم السيد اليزدي في

____________________

(١) أمّا القائلون: إنّ الوقف لا يقع إلاّ بلفظ معيّن، فيتلخص دليلهم بأنّ الأصل بقاء الملك لمالكه، أي أنّ العين قبل التلفظ كانت على ملك المالك، وبعده نشك في انتقالها عنه، فنستصحب بقاء الملك. ويلاحظ بأنّ هذا يتم لو شككنا في أنّ المالك هل أراد الوقف أم لا؟ أو علمنا بأنّه أراد قطعاً، ولكن شككنا في أنّه هل أنشأه وأوجد سببه؟ أمّا إذا قطعنا بأنّه أراد الوقف، وأيضاً قطعنا بأنّه أتى بما يدلّ عليه فلا يبقى مجال للتشكيك والحال هذه، وإن حصل التشكيك فهو وهم لا أثر له، اللهم إلاّ إذا رجع الشك إلى سببية الصيغة وتأثيرها من الوجهة الشرعية.

٥٨٣

ملحقات العروة، والسيد أبو الحسن الأصفهاني في وسيلة النجاة، والسيد الحكيم في منهاج الصالحين، وحُكِي عن الشهيد الأوّل وابن إدريس.

وقال الشافعية: لا يتم الوقف إلاّ بالصيغة اللفظية. (المغني ج٥).

القبول:

هل يحتاج الوقف إلى قبول، أو يُكتفى بمجرد الإيجاب؟ وبكلمة ثانية:

هل يتحقق إنشاء الوقف بإرادة واحدة، أو لا بدّ من إرادتين متوافقتين؟

وقد فصّل الفقهاء بين الوقف على جهة عامة - كالفقراء والمسجد والمقبرة - حيث لا يقصد الواقف شخصاً معيناً، وبين الوقف على معيّن، كأولاده وما أشبه.

واتفق الأربعة على أنّ غير المعيّن لا يحتاج إلى قبول، أمّا المعيّن فقال المالكية وأكثر الحنابلة: هو كغيره لا يفتقر إلى القبول.

أمّا الشافعية فالأرجح عندهم اشتراط القبول. (كفاية الأخيار للحصني الشافعي ج١ باب الوقف، وكتاب الوقف لأبي زهرة ص٦٥ طبعة ١٩٥٩).

واختلف فقهاء الإمامية فيما بينهم على ثلاثة أقوال: اشتراط القبول مطلقاً في المعيّن وغير المعيّن، وعدم اعتباره كذلك، والتفصيل بين غير المعيّن - أي الجهة العامة - فلا يحتاج إلى قبول، وبين المعيّن - أي الجهة الخاصة - فيحتاج إليه، تماماً كالقول الراجح للشافعية، وهذا هو الحق(١) .

____________________

(١) ذهب إلى هذا التفصيل جماعة من كبار الإمامية كصاحب الشرائع، والشهيدين، والعلاّمة الحلّي وغيرهم، وعليه يكون الوقف عقداً يحتاج إلى إيجاب وقبول في المعيّن، ولا مانع شرعاً ولا عقلاً في أن يكون الوقف عقداً بلحاظ، وإيقاعاً بلحاظ، وإن منعه صاحب الجواهر.

٥٨٤

التنجيز:

قال المالكية: يجوز أن يكون الوقف معلقاً على شرط، فإذا قال المالك: إذا جاء الوقت الفلاني فداري وقفٌ، صحّ وتم الوقف. (الزرقاني على مختصر أبي ضياء ج٧ باب الوقف).

وقال الحنفية والشافعية: لا يصحّ التعليق، بل يجب أن يكون الوقف مطلقاً، فإذا كان معلقاً كالمثال المذكور يبقى الدار على ملك صاحبه. (الإقناع للشربيني ج٢ باب الوقف، وفتح القدير ج٥ كتاب الوقف).

ولا أدري كيف أجاز هذان المذهبان التعليق في الطلاق ومنعاه في غيره، مع العلم بأنّ الاحتياط والتشديد في الفروج ألزم منه في غيرها.

وقال الحنابلة: يصحّ التعليق على الموت فقط، كما لو قال: هذا وقف بعد موتي، ولا يصحّ فيما عدا ذلك. (غاية المنتهى ج٢ باب الوقف).

وذهب أكثر الإمامية إلى وجوب التنجيز، وعدم جواز التعليق. (التذكرة للحلّي ج٢، والجواهر ج٤، وملحقات العروة باب الوقف)(١) ، وعليه إذا قال: إذا متُّ فهذا وقف، لم يصر وقفاً بعد الموت. أمّا إذا قال: إذا متُّ فاجعلوا هذا وقفاً، يكون وصية بالوقف وعلى الوصي أن ينفذ، ويُنشئ الوقف.

____________________

(١) لا دليل من القرآن ولا من السنّة ولا من العقل على عدم جواز التعليق في العقود والإيقاعات، ومَن أبطل التعليق استند إلى الإجماع، وبديهة أنّ الإجماع إنّما يكون حجة إذا لم نعرف له مستنداً، وإذا عُرف سببه سقط عن الاعتبار، ونُظر إلى نفس السبب والمستند الذي استند إليه المجتمعون، وقد استندوا - هنا - إلى التوهم بأنّ الإنشاء معناه: إنّه موجود بالفعل، ومعنى التعليق على الشرط: إنّ الإنشاء غير موجود، وتكون النتيجة: إنّ الإنشاء متحقق وغير متحقق. ويُردّ هذا أنّ الإنشاء متحقق بالفعل وغير معلق على شيء، وإنّما آثاره هي التي ستحصل في المستقبل على تقدير حصول الشرط، تماماً كالوصية المعلقة على الموت، والنذر المعلق على وجود الشرط.

٥٨٥

الواقف:

اتفقوا على أنّ كمال العقل شرط لإنشاء الوقف، فلا يصحّ وقف المجنون؛ لنفي التكليف عنه، وعدم الأخذ بمقاصده وأقواله وأفعاله.

وأيضاً اتفقوا على أنّ البلوغ شرط، فلا يجوز وقف الصبي مميزاً كان أو غير مميز، ولا يحق لوليه أن يقف عنه، ولا للقاضي أن يتولى ذلك أو يأذن به، وقال بعض فقهاء الإمامية: يصحّ وقف الصبي البالغ عشراً. ولكنّ أكثرهم على المنع.

ولا يصحّ وقف السفيه؛ لأنّه من التصرفات المالية، وهو ممنوع منها(١) ، وقال الحنفية: يصحّ أن يوصي السفيه من ماله بالثلث، على شريطة أن تكون الوصية في وجه البر والإحسان، سواء أكانت بالوقف أو بغيره. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٢ باب مبحث الحجر على السفيه).

نية القربة:

ليس من شك أنّ قصد الوقف شرط في تحققه، فإذا تلفّظ به السكران، أو المغمى عليه، أو النائم، أو العابث، يكون لغواً لأصالة بقاء الملك على ما كان.

واختلفوا في نية القربة: هل هي شرط كالعقل والبلوغ، بحيث لو قصد الواقف أمراً دنيوياً لا يتم الوقف، أو أنّه يتم بدونها؟

قال الحنفية: إنّ القربة شرط في الحال أو المآل، أي أنّ الموقوف

____________________

(١) اختلفوا في أنّ الحجر على السفيه: هل يبتدئ من وقت حدوث السفه وإن لم يحكم القاضي بالتحجير، أو من وقف الحكم عليه بذلك؟ وسنعرض له مفصلاً في باب الحجر إن شاء الله.

٥٨٦

يجب أن يُصرف على وجوه البر إمّا حالَ الوقف وإمّا بعده، كما لو وقف على الأغنياء الموجودين، ومن بعدهم على أولادهم الفقراء. (فتح القدير)(١) .

وقال مالك والشافعي: لا يُشترط في الوقف نية القربة. (أبو زهرة كتاب الوقف ص٩٢ وما بعدها).

وقال الحنابلة: يُشترط أن يكون الوقف على بر وقربة، كالمساكين والمساجد والقناطر والأقارب وكتب العلم؛ لأنّه شرع لتحصيل الثواب، فإن لم يكن لم يحصل المقصود الذي شرع من أجله. (منار السبيل لابن ضويان ص٦ طبعة أولى).

وقال صاحب الجواهر وصاحب العروة في ملحقاتها - من الإمامية -: إنّ القربة ليست شرطاً لصحة الوقف ولا لقبضه، بل للأجر والثواب عليه وإذن يتم الوقف بدونها.

مرض الموت:

مرض الموت هو الذي يتصل به، ويكون من شأنه أن يُميت صاحبه حسب المظنون.

واتفق الكل على أنّ هذا المريض إذا وقف شيئاً من أملاكه صحّ، وخرج من الثلث إن اتسع، وإن زاد توقف الزائد على إجازة الورثة.

وبكلمة، إنّه يُشترط في الواقف جميع ما يُشترط في البائع من العقل والبلوغ والرشد والملك، وعدم الحجز عليه لإفلاس أو سفه.

____________________

(١) نطلق لفظ (فتح القدير) على الكتاب المعروف بهذا الاسم، مع العلم بأنّه مجموعة من أربعة كتب أحدها فتح القدير.

٥٨٧

الموقوف:

اتفقوا على أنّ الموقف يُشترط فيه ما يُشترط في الشيء المباع من كونه عيناً معينة مملوكة للواقف، فلا يصحّ وقف الدَّين ولا المجهول - كعقار من ملكي، أو جزء منه - ولا وقف ما لا يملكه المسلم كالخنزير. واتفقوا أيضاً على أنّه لا بدّ من إمكان الانتفاع بالموقوف مع بقاء عينه، أمّا ما لا يصحّ الانتفاع به إلاّ باتلافه - كالمأكول والمشروب - فلا يصحّ وقفه، ومن هذا النوع المنفعة، فمن استأجر داراً أو أرضاً لأمدٍ معيّن فلا يصحّ منه وقف منفعتها، إذ لا يصدق عليها مفهوم الوقف من أنّه تحبيس الأصل وتسبيل العين.

وأيضاً اتفقوا على صحة وقف الأعيان الثابتة كالأرض والدار والبستان.

وأيضاً اتفقوا ما عدا الحنفية على صحة وقف الأعيان المنقولة، كالحيوان والماعون، حيث يمكن الانتفاع بهما مع بقاء العين.

وقال أبو حنيفة لا يصحّ بيع المنقول، أمّا صاحباه أبو يوسف ومحمد: فذهب الأوّل إلى صحة وقف المنقول تبعاً، كما لو وقف ضيعة بمواشيها وآلاتها، وذهب الثاني إلى صحته في خصوص السلاح والكراع، أي الخيل. (فتح القدير ج٥، وشرح الزرقاني ج٧).

وأيضاً اتفقوا على أنّه يصحّ وقف حصة شائعة، كالنصف أو الربع أو الثلث إلاّ في المسجد(١) والمقبرة، لأنّهما لا يقبلان الشركة. (تذكرة العلاّمة، وميزان الشعراني، والوقف لمحمد سلام مدكور).

وجاء في ملحقات العروة في فقه الإمامية: لا يصحّ وقف العين المرهونة، ولا ما لا يمكن تسليمه - كالطير في الهواء والسمك في

____________________

(١) قال السيد كاظم في الملحقات: إذا كان له حصة في دار جاز له أن يقفها مسجداً، ويستأذن المصلّون من الشريك الآخر. ولست أفهم لهذا محصّلاً.

٥٨٨

الماء - وإن كان ملكاً له، ولا وقف الحيوان الضال، ولا العين المغصوبة التي لا يستطيع الواقف ولا الموقوف إليه تخليصها.

أمّا إذا أوقف على غاصبها بالذات فيصحّ؛ لأنّ القبض متحقق بالفعل.

الموقوف عليه:

الموقوف عليه هو الذي يستحق فعلاً ريع الوقف، والانتفاع بالعين الموقوفة، ويُشترط فيه ما يلي:

١ - أن يكون موجوداً حين الوقف، فإذا كان معدوماً - كما لو وقف على مَن سيولد - فلا يصحّ عند الإمامية والشافعية والحنابلة، ويصحّ عند المالكية. فقد جاء في كتاب شرح الزرقاني على أبي ضياء ج٧: (يصحّ الوقف على مَن سيولد، ويقف اللازم إلى أن يولد، فإن آيس من حملها أو مات الحمل بطل الوقف).

ويصحّ الوقف على المعدوم تبعاً للموجود فعلاً - عند الجميع - كمن وقف على أولاده الموجودين، ومَن سيوجد من أولادهم. أمّا الوقف على الحمل الموجود حين الوقف فقد ذهب الشافعية والإمامية والحنابلة إلى أنّه لا يصحّ، إذ ليس للحمل أهلية التملك إلاّ بعد انفصاله حياً، أمّا عزل الميراث له وجواز الوصية فلوجود دليل خاص، هذا إلى أنّ عزل مقدار من الإرث إمّا هو لدفع محذور تفويت الحق، أو إعادة القسمة من جديد، وفي ذلك ما فيه من العسر والحرج.

٢ - أن يكون أهلاً للتملك، فلا يجوز الوقف على حيوان ولا الوصية له، كما يفعل الغربيون، حيث يوصون بشطر من أموالهم للكلاب، بخاصة (السيدات). أمّا الوقف على المساجد والمدارس والمصحّات وما إليها، فهو في الحقيقة وقف على مَن ينتفع بها من الآدميين.

٥٨٩

٣ - أن لا يكون معصية الله تعالى، كالوقف على الدعارة، وأندية القمار، ومجالس الخمر، وقطّاع الطريق. أمّا الوقف على غير المسلمين، كالذمي فيجوز بالاتفاق؛ لقوله تعالى:( لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) (٨ الممتحنة).

وقال الفقيه الإمامي السيد كاظم في ملحقات العروة باب الوقف: بل يجوز الوقف والبر والإحسان للحربي أيضاً، ترغيباً في الخير.

وقال الشهيد الثاني في اللمعة الدمشقية ج١ باب الوقف ما نصه بالحرف: (يجوز الوقف على أهل الذمة؛ لأنّه ليس بمعصية، وإنّهم عباد الله ومن جملة بني آدم المكرمين ثمّ قال: لا يجوز الوقف على الخوارج ولا الغلاة(١) ؛ لأنّ أولئك كفّروا أمير المؤمنين علياً، وهؤلاء ألّهوه، والخير هو النمط الأوسط، كما قال الإمام: (هلك فيَّ اثنان: مبغض قالٍ، ومحبٌّ غال).

٤ - أن يكون معيّناً غير مجهول، فإذا وقف على رجل أو امرأة بدون تعيين بطل.

وقال المالكية: يصحّ الوقف وإن لم يعيّن الواقف له مصرفاً، فإذا قال: وقفٌ داري هذه، وسكت صحّ، وأُنفق في سبيل البر. (شرح الزرقاني على أبي ضياء).

٥ - قال الإمامية والشافعية والمالكية: لا يصحّ للواقف أن يقف على نفسه، أو يدخلها مع الموقوف عليهم، إذ لا يُعقل أن يملِّك

____________________

(١) لا شيء أصدق في التعبير عن عقيدة أهل المذهب من كتبهم الدينية، بخاصة كتب الفقه والتشريع، والشهيد الثاني من أعظم المراجع عند الشيعة الإمامية، وهذا قوله صريح بأنّ غير المسلمين من أهل الأديان أفضل من الغلاة، وإنّهم عباد الله المكرمون فكيف يُنسب إلى الإمامية الغلو والمغالاة؟

٥٩٠

الإنسان نفسه بنفسه. أجل، إذا وقف على الفقراء، ثمّ افتقر يكون كأحدهم، وكذلك إذا وقف على طلبة العلم وأصبح طالباً.

وقال الحنابلة والحنفية: يصحّ. (المغني، وأبو زهرة، وميزان الشعراني، وملحقات العروة).

الوقف على الصلاة:

ومن عدم جواز الوقف على النفس يتبين بطلان الأوقاف الكثيرة الموجودة في قرى جبل، والتي وقفها أربابها على الصلاة عنهم بعد موتهم، حتى ولو قلنا بجواز النيابة عن الميت في الصلاة المستحبة فضلاً عن الواجبة؛ لأنّها في الحقيقة وقف على النفس.

الاشتباه:

قال صاحب الملحقات: إذا اشتُبه الموقوف عليه بين شخصين أو جهتين فالمرجع القرعة، أو الصلح القهري، ومعنى الصلح القهري: أن يُقسّم الناتج بين الاثنين اللذين هما طرفا الاشتباه.

وإذا جُهِلت جهة الوقف، ولم نعلم هل هي المسجد أو الفقراء أو غيرهما، صُرف الوقف في سبيل البر والخير.

وإذا ترددت العين الموقوفة بين شيئين، كما لو علمنا بوجود الوقف، ولم نعلم أنّه الدار أو الدكان، رجعنا إلى القرعة أو الصلح القهري، أي أخذنا للوقف نصف الدكان ونصف الدار.

٥٩١

شروط الواقف وألفاظه

إرادة الواقف:

إذا كان الوقف عطية وتبرعاً وصدقة يكون الواقف - والحال هذه - معطياً ومتبرعاً ومتصدقاً. وبديهة أنّ للإنسان - العاقل البالغ الراشد الصحيح غير المحجَر عليه في التصرفات المالية - له أن يتبرع من أمواله ما يشاء إلى مَن يشاء بالنحو الذي يراه. وفي الحديث (الناس مسلّطون على أموالهم). وقال الإمام: (للوقوف بحسب ما يقفها أهلها)؛ ولأجل هذا قال الفقهاء: شروط الواقف كنص الشارع، وألفاظه كألفاظه في وجوب اتباعها والعمل بها ومثله الناذر، والحالف، والموصي، والمقر.

وعلى هذا، فإن عُلِم قصد الواقف، وأنّه أراد هذا المعنى دون سواه أُخذ به، حتى ولو خالف فهم العرف، كما لو علمنا أنّه أراد من لفظة: أخي صديقه فلاناً، فنُعطي الوقف للصديق، لا للأخ؛ لأنّ العرف إنّما يكون حجة متبعة باعتباره وسيلة تكشف عن القصد، فإذا عرفنا القصد يسقط العرف عن الاعتبار. أمّا إذا جهلنا القصد كان العرف هو المتبع، وإذا لم يكن للعرف اصطلاح، ولم يُفهم من ألفاظ الواقف

٥٩٢

شيء رجعنا إلى اللغة، تماماً كما هو الشأن في ألفاظ الكتاب والسنّة.

الشرط السائغ:

قلنا: إنّ للواقف الجامع للشروط أن يشترط ما يشاء، ونستثني الآن الحالات التالية:

١ - يلزم الشرط وينفذ إذا اقترن بإنشاء الوقف وحصل معه، أمّا إذا ذكر الشرط بعد تمام الإنشاء فيكون لغواً، إذ لا سلطان للواقف على العين بعد خروجها عن ملكه.

٢ - أن لا يذكر شرطاً ينافي مقتضى العقد وطبيعته، كما لو شرط أن تبقى العين على ملكه، فيورثها ويبيعها ويهبها ويؤجرها ويعيرها إن شاء. ومعنى هذا في حقيقته أنّ الوقف ليس بوقف، وأنّ ما ليس بوقف هو وقف. وإذا جعل هذا الشرط الإنشاء لغواً يكون الوقف بلا إنشاء، والمفروض أنّه لا يتم بدونه. وبكلمة، إنّ حال هذا الواقف أشبه بحال البائع الذي يقول: بعتُكَ هذا على أن لا ينتقل المبيع إليك، ولا ينتقل الثمن إليَّ. ومن أجل هذا أجمع الفقهاء على أنّ كل شرط ينافي مقتضى العقد فهو باطل ومبطِل.

ولكنّ السنهوري القانوني الشهير قال في مجموعة القوانين المختارة من الفقه الإسلامي: إنّ الحنفية قالوا: يُستثنى من ذلك المسجد، فإنّ هذا الشرط الفاسد لا يفسد وقفيته، أمّا بالنسبة إلى غير المسجد يكون فاسداً ومفسِداً. (الوقف لمدكور).

٣ - أن لا يخالف الشرط حكماً من أحكام الشريعة الإسلامية، كأن يشترط فعل الحرام، أو ترك الواجب. وفي الحديث: (مَن اشترط شرطاً سوى كتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز ذلك له ولا عليه). وقال الإمام: (المسلمون عند شروطهم، إلاّ شرطاً حَرَّم حلالاً أو أحلّ

٥٩٣

حراماً).

وما عدا ذلك من الشروط التي تقترن بالعقد، ولا ينافي طبيعته ولا حكماً من أحكام الكتاب والسنّة، فإنّها جائزة يجب الوفاء بها بالاتفاق، كما لو اشترط أن يبنوا من غلّة الوقف داراً للفقراء، أو يبتدؤوا بأهل العلم، وما إلى ذاك. وبكلمة: إنّ الواقف كأيّ إنسان يجب أن تتمشى جميع تصرفاته مع الأسس العقلية والشرعية، سواء أكانت هذه التصرفات من نوع الوقف أو الأكل والسفر أو غيره، فمتى وافقت الشرع والعقل وجب احترامها وإلاّ أُهملت.

العقد وهذا الشرط:

ليس من شك أنّ الشرط الباطل لا يجب الوفاء به، مهما كان نوعه. وأيضاً ليس من شك أنّ ما كان منه منافياً لمقتضى العقد وطبيعته يسري بطلانه إلى العقد بالذات، فيكون باطلاً بنفسه مبطِلاً لغيره بالاتفاق، من غير فرق بين الوقف وغير الوقف.

واختلفوا في الشرط المنافي لأحكام الكتاب والسنّة فقط، لا لطبيعة العقد، كمن وقف داره على زيد بشرط أن يرتكب فيها المحرمات، أو يترك الواجبات، إختلفوا: هل بطلان هذا الشرط يوجب بطلان العقد أيضاً، بحيث لا يجب الوفاء بالعقد كما لا يجب الوفاء بالشرط، أو يختصر الفساد والبطلان على الشرط فقط؟

نقل الشيخ أبو زهرة عن الحنفية في كتاب الوقف ١٦٢: (إنّ الشروط المخالفة للمقررات الشرعية تبطل هي فقط، أمّا الوقف فصحيح، ولا يفسد بفسادها؛ لأنّ الوقف تبرّع، والتبرعات لا تبطلها الشروط الفاسدة).

أمّا الإمامية فقد اختلفوا فيما بينهم، فمِن قائل: إنّ فساد الشرط لا

٥٩٤

يوجب فساد العقد، وقائل: بأنّه يوجبه، وتوقّف ثالث. (الجواهر، ومكاسب الأنصاري).

والذي نراه نحن أنّ فساد الشرط المنافي لأحكام الكتاب والسنّة لا يسري إلى العقد بحال، ذلك أنّ للعقد أركاناً وشروطاً، كالإيجاب والقبول، وكون العاقد عاقلاً بالغاً، والمعقود عليه ملكاً للعاقد، وقابلاً للنقل والانتقال، فمتى تم ذلك صحّ العقد بلا ريب، أمّا ذكر الشروط الفاسدة التي لا تمسّ أركان العقد وشروطه من قريب أو بعيد، بل ذُكرت معه فقط، فإنّ فسادها لا يستتبع فساد العقد، ولو افتُرض أنّ فساد العقد أحدث خللاً في العقد - كالجهالة الموجبة للغرر في عقد البيع - يكون العقد - والحال هذه - فاسداً، ولكن للجهالة، لا لفساد الشرط.

وإلى هذا ذهب صاحب الجواهر، وهو مَن هو في ذوقه وتحقيقه، وممّا يدلّ على صفاء هذه الفطرة قوله: (أمّا دعوى أنّ الشرط الفاسد إذا أُخذ بنحو القيدية فيفسد العقد، وإذا أُخذ بنحو الداعي فلا يفسده، أمّا هذه الدعوى فسفسطة لا محصّل تحتها).

أجل، إنّها سفسطة وكلام فارغ؛ لأنّ العرف لا يدرك ولا يميّز بين الحالين، وبديهية أنّ الخطابات الشرعية مُنزَّلة على الأفهام العرفية، لا على الدقة العقلية.

قدّمنا أنّ الفقهاء قسّموا الشروط إلى صحيحة وفاسدة، وقالوا: يجب الوفاء بالأُولى دون الثانية، وأنّهم قسّموا الفاسدة إلى ما ينافي طبيعة العقد، وإلى ما لا ينافيه، وإنّما ينافي أحكام الشريعة، وأنّهم اتفقوا على أنّ النوع الأوّل فاسد ومفسِد، واختلفوا في النوع الثاني، فمِن قائلٍ بأنّه فاسد غير مفسِد، وقائلٍ بفساده وإفساده.

ثمّ اختلفوا في كثير من الموارد والأمثلة: هل هي من نوع الشرط الفاسد؟ وعلى افتراض أنّها منه، فهل هي مفسِدة أيضاً، أو فاسدة غير مفسِدة؟ وفيما يلي نذكر طرفاً من هذه الأمثلة:

٥٩٥

الخيار:

قال الشافعية والإمامية والحنابلة: إذا اشترط الواقف لنفسه أن يكون له الخيار أمداً معلوماً في إمضاء الوقف، أو العدول عنه بطل الشرط والوقف معاً؛ لأنّه شرط ينافي طبيعة العقد.

وقال الحنفية: بل كلاهما صحيح. (فتح القدير، والمغني، والتذكرة).

الإدخال والإخراج:

قال الحنابلة والشافعية في القول الأرجح: إنّ اشترط الواقف أن يُخرج مَن يشاء من أهل الوقف، ويُدخل مَن يشاء من غيرهم لم يصحّ، ويبطل الوقف؛ لأنّه منافٍ لمقتضى العقد فأفسده. (المغني، والتذكرة).

وقال الحنفية والمالكية: بل يصحّ. (شرح الزرقاني، وأبو زهرة).

وفصّل الإمامية: بين الإدخال والإخراج، وقالوا: إن اشترط إخراج مَن يريد من أرباب الوقف بطل الوقف، وإن اشترط إدخال من سيولد مع الموقوف عليهم جاز، سواء أكان الوقف على أولاده أو أولاد غيره. (التذكرة).

الأكل ووفاء الدين:

قال الإمامية والشافعية: لو وقف على غيره، واشترط وفاء ديونه وإخراج مؤنته من الوقف يبطل الوقف والشرط. (الجواهر، والمهذِّب).

فائدة:

وحيث ذكرنا شرط الخيار، وبعض الأمثلة للوقوف المقيدة بشرط

٥٩٦

يحسن أن نشير بهذه المناسبة إلى ما دار وتداول على ألسنة فقهاء الإمامية من قولهم: خيار الشرط، وشرط الخيار، وقولهم: مطلق العقد، والعقد المطلق، وأن نفرق بين الشرطين والإطلاقين.

أمّا شرط الخيار: فهو أنّ العاقد عند إنشاء العقد قد ذكر الخيار بلفظه، واشترطه لنفسه، كما لو قال: بعتُكَ هذا ولي الخيار في فسخ البيع والرجوع عنه مدة كذا. أمّا خيار الشرط، وبالأصلح خيار تخلّف الشرط أمراً آخر، كما لو قال البائع للمشتري: بعتُكَ هذا على أن تكون عالماً، ثمّ تبين أنّ المشتري جاهل، وهذا التخلف يُحدث للبائع الخيار في فسخ البيع والرجوع عنه، إن شاء أمضاه وإن شاء فسخه، ومعلوم أنّ الفرق كبير جداً بين الموردين.

أمّا الفرق بين العقد المطلق ومطلق العقد فيتبين بعد أن نعرف أنّ العقد على أنواع: منه العقد المجرد عن كل قيد، وهو العقد المطلق، ومنه العقد المقيد بقيد إيجابي أو بقيد سلبي، ومنه العقد من حيث هو هو، أي غير ملحوظ به الإطلاق، ولا قيد الإيجاب أو السلب، وهو مطلق العقد الشامل للعقد المطلق، وللعقد المقيد. وعليه يكون كل من المطلق والمقيد قسيم للآخر، وفي عرض أخيه وحياله، وهما معاً قسمان لمطلق العقد، تماماً كالرجل والمرأة بالقياس إلى مفهوم الإنسان(١) .

____________________

(١) ومن التعابير المختصرة ما هو معروف بين طلاب النجف من قولهم: بشرط شيء، وبشرط لا، ولا بشرط، ويريدون من (بشرط شيء): المقيد بالإيجاب كقولك: أعطيك بشرط أن تفعل كذا، ومن (بشرط لا): المقيد بالسلب، كقولك: أعطيك بشرط أن لا تفعل، و (لا بشرط) كقولك: أعطيك، دون تقيد بسلب أو بإيجاب. وبديهة أنّ (اللا بشرط) يشمل الأمرين معاً، ويصدق على البشرط شيء، والبشرط لا.

٥٩٧

البنين والبنات:

إذا وقف على البنين لا تدخل البنات، وإذا وقف على البنات لا يدخل البنون، وإذا وقف على أولاده دخلا معاً، واقتسما بالسوية. وإذا قال: للذكر مثل حظ الأُنثيين، أو له مثل الأنثى، أو للأنثى مثل حظ الذكرين، أو قال: مَن تزوجتُ من النساء فلا حظ لها أبداً، صحّ في ذلك كله مراعاة لشرط الواقف. ولم أجد فيما لدي من كتب الفقه للمذاهب الخمسة قولاً يتنافى مع شيء من هذا سوى ما نقله أبو زهرة في كتاب الوقف عن المالكية ص٢٤٥: (إنّ الإجماع في مذهب مالك قائم على تأثيم مَن وقف على بنيه دون بناته، أو جعل استحقاق الوقف مقيداً بعدم الزواج، وإنّ بعضهم جعل ذلك التأثيم علة للبطلان).

ونعتقد أنّ القول بالبطلان، أو بإدخال البنات في لفظ البنين قولٌ متروك لا وزن له عند المالكية، فإنّ لدي من كتبهم أكثر من خمسة، ومنها المطوّل والمختصر، وما وجدت فيها إشارة إلى هذا القول رغم البحث والتنقيب، بل على العكس، فقد جاء فيها: (إنّ ألفاظ الواقف تُحمَل على العرف، وهي كألفاظ الشارع في وجوب الاتباع). أجل، فقد نقل عن عمر بن العزيز أنّه حاول أن يدخل البنات في أوقاف البنين، وابن عبد العزيز ليس مالكياً. هذا، إلى أنّ محاولته إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على عطفه وإنسانيته.

أولاد الأولاد:

وكما اختلف الفقهاء في بعض الشروط أنّها باطلة أو صحيحة، وأنّ الباطل منها هل يُبطِل؟ فقد اختلفوا أيضاً في دلالة بعض الألفاظ، من تلك إذا قال: هذا وقفٌ على أولادي، وسكت: هل

٥٩٨

يشمل لفظ أولادي أولاد الأولاد؟ وفي حال الشمول: هل يعمّ أولاد البنين والبنات معاً، أو أولاد البنين فقط؟

فالمشهور من قول الإمامية أنّ لفظ أولادي لا يشمل أولاد الأولاد، ولكنّ السيد الأصفهاني قال في وسيلة النجاة: إنّ لفظ الأولاد يعمّ أولاد الأولاد ذكوراً وإناثاً. وهذا هو الحق؛ لأنّه المفهوم العرفي الذي عليه المعوّل.

وروى صاحب المغني عن ابن حنبل أنّ لفظ ولد يصدق على الذكر والأنثى للصُلب، وعلى أولاد الابن دون أولاد البنت.

وقال الشافعية: إنّ لفظ الولد يصدق على الذكر والأنثى من الصُلب، ولا يصدق على أولاد الأولاد إطلاقاً، أمّا لفظ ولد الولد عندهم فيعمّ الذكور والإناث، وبه قال الحنفية. (فتح القدير، والمهذّب).

وقال المالكية: تدخل الإناث في لفظ الأولاد، ولا تدخل في لفظ أولاد الأولاد. (الزرقاني).

وقول المالكية هذا يناقض نفسه؛ لأنّ مادة اللفظ واحدة، وهي: ل. و. د، فكيف دلّت على الذكور والإناث معاً بدون الإضافة، ومعها دلّت على الذكور فقط؟

٥٩٩

الولاية على الوقف

الولاية على الوقف: هي سلطة محددة برعايته وإصلاحه واستغلاله، وإنفاق غلّته في وجهها. وتنقسم الولاية إلى نوعين: عامة، وخاصة. والعامة: هي التي تكون لولي الأمر. والخاصة: ما كان لمن يولّيه الواقف عند إنشاء الوقف، أو يولّيه الحاكم الشرعي.

واتفقوا على أنّ الولي يجب أن يكون عاقلاً بالغاً راشداً أميناً، بل اشترط الشافعية وكثير من الإمامية العدالة. والحق الاكتفاء بالأمانة والوثاقة، مع القدرة على إدارة الوقف إدارة كاملة.

واتفقوا على أنّ المتولي أمين لا يضمن إلاّ بالتعدي أو التقصير.

وأيضاً اتفقوا إلاّ مالكاً على أنّ للواقف أن يجعل التولية حين الوقف لنفسه مستقلاً، أو يشترط معه غيره مدة حياته، أو لأمد معيّن، وله أن يجعل أمرها بيد غيره.

وعن كتاب فتح الباري إنّ مالكاً قال: لا يجوز للواقف أن يجعل الولاية لنفسه؛ لئلا يصير كأنّه وقف على نفسه، أو يطول العهد فيُنسى الوقف، أو يفلس الواقف فيتصرف فيه، أو يموت فيتصرف فيه ورثته، وإذا حصل الأمنُ من ذلك كله فلا بأس بأن يجعل الولاية في يده.

٦٠٠