الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 223573
تحميل: 30544

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223573 / تحميل: 30544
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الإمامية والشافعية قالوا: تجب على الأبناء نفقة الآباء وإن علوا ذكوراً كانوا أو إناثاً، وتجب على الآباء نفقة الأبناء وإن نزلوا ذكوراً كانوا أو إناثاً، ولا يتعدى وجوب النفقة إلى غير عمودي النسب كالأخوة والأعمام والأخوال.

ولكن الشافعية ذهبوا إلى أنّ على الأب أن يزوج الابن مع غنى الأب، وفقر الابن وحاجته إلى الزواج، وأنّ على الابن أن يزوج أباه المعسر إن احتاج إلى الزواج، وأنّ كل من وجبت نفقته فقد وجبت نفقة زوجته. (مقصد البينة باب نفقة الأقارب).

وقال أكثر الإمامية: لا يجب تزويج مَن وجبت نفقته والداً كان أو ولداً، كما أنّه لا يجب على الابن أن ينفق على زوجة أبيه إن لم تكن أُماً، ولا على الأب أن ينفق على زوجة ابنه؛ لأنّ الأدلة التي أوجبت النفقة لا تشمل زوجة الأب، ولا زوجة الابن، والأصل عدم الوجوب.

شروط الوجوب:

يُشترط لوجوب نفقة القريب على قريبه شروط:

١ - أن يكون المنفق عليه محتاجاً، فلا يجب الإنفاق على غير المحتاج. واختلفوا في المحتاج الذي يقدر على الاكتساب ولم يكتسب، هل يجب الإنفاق عليه؟

قال الحنفية والشافعية: لا يُشترط العجز عن التكسب في وجوب النفقة على الآباء والأجداد، فتجب نفقتهم على الأبناء وإن كانوا قادرين على العمل وأهملوا، أمّا غير الآباء والأجداد من القادرين فلا تجب نفقتهم، بل يُلزمون بالتكسب، ومَن أهمل وتكاسل فقد جنى على

٤٠١

نفسه، ولكن الشافعية قالوا بالنسبة إلى البنت: تجب نفقتها على الأب حتى تتزوج.

وقال الإمامية والمالكية والحنابلة: مَن كان قادراً على الكسب اللائق بوضعه ومكانته، ثمّ أهمل فلا تجب نفقته على أحدٍ أباً كان أو أُماً أو ابناً. وقال المالكية في البنت ما قاله الشافعية، والسر أنّهم كانوا يعتبرون الأنثى في العهد السابق عاجزة عن العمل - في الغالب -.

٢ - أن يكون المنفِق موسراً بالاتفاق، ما عدا الحنفية فإنّهم قالوا: يُشترط يسار المنفِق في وجوب نفقة الأقارب غير الأصول والفروع، أمّا إنفاق أحد الأبوين على ابنه، وإنفاق الابن على أحد أبويه فلا يُشترط فيه اليسار، وإنّما الشرط هو القدرة بالفعل أو بالاكتساب، فالأب القادر على العمل يحكم عليه بنفقة ابنه، وكذلك الابن بالنسبة إلى الأب إلاّ إذا كان الأب أو الابن فقيراً وعاجزاً عن التكسب، كالأعمى ومَن إليه.

وقد اختلفوا في حد اليسار الذي يجب معه الإنفاق على القريب، فقال الشافعية: أن يفضل عنه مؤونته ومؤونة زوجته وأولاده يوماً وليلة.

وقال المالكية: يستثنى مع ذلك نفقة دابته وخادمه.

وقال الإمامية والحنابلة: أن يفضل عن نفقته ونفقة زوجته فقط، وعلى هذا تكون نفقة الآباء والأبناء في منزلة واحدة.

واختلفت آراء الحنفية في تحديد اليسار، فمنهم مَن قال: أن يكون مالكاً لنصاب الزكاة. وقال آخر: أن يملك من المال ما يحرم عليه أخذ الزكاة. وفصّل ثالث بين المـُزارع والعامل، فالأوّل يستثني له ولعياله نفقة شهر، والثاني يستثني نفقة يوم وليلة.

٣ - يُشترط الاتحاد في الدِّين، فلو كان أحدهما مسلماً والآخر غير مسلم فلا تجب النفقة عند الحنابلة. (المغني ج٧).

وقال المالكية والشافعية والإمامية: لا يُشترط الاتحاد في الدين، فالمسلم

٤٠٢

ينفق على قريبه غير المسلم، كما هي الحال في نفقة الزوجة إذا كانت كتابية والزوج مسلماً.

وقال الحنفية: لا يُشترط الاتحاد في الدِّين بين الآباء والأبناء، أمّا بين غيرهم من الأقارب فاتحاد الدِّين شرط، فلا ينفق الأخ المسلم على غير المسلم، وبالعكس. (أبو زهرة).

تقدير نفقة القريب:

الواجب في نفقة القريب سد الحاجة الضرورية من الخبز والإدام والكسوة والمسكن؛ لأنّها وجبت لحفظ الحياة، ودفع الضرورة، فتقدّر بقدرها. (المغني ج٧، والجواهر ج٥).

اختلاف الأقارب:

قال المالكية: لا تجب نفقة الأبوين على الابن إلاّ إذا ثبت فقرهما بشهادة عدلين، ولا يكفي عدل وامرأتان، ولا عدل ويمين.

وقال الشافعية: يُصدّق الأب بلا يمين إذا ادعى الحاجة.

وقال الحنفية: الأصل هو الإعسار حتى يقوم الدليل على خلافه، فإذا ادعى طالب النفقة الإعسار فالقول قوله بيمينه، وعلى المطلوب منه أن يُثبت يسار الطالب، وإذا ادعى المطلوب منه الإعسار فالقول قوله بيمينه، وعلى الطالب إثبات اليسار، وإذا كان اليسار ثابتاً في الماضي ثمّ ادعى طروء الإعسار أخذ بالحالة السابقة، حتى يثبت العكس.

والإمامية يوافقون الحنفية على هذا؛ لأنّه وِفق القواعد الشرعية إلاّ إذا كان لمدّعي الفقر مال ظاهر، فتُردّ حينئذ دعواه ويؤخذ بقول مَن يقول بيساره.

٤٠٣

قضاء نفقة الأقارب:

اتفقوا على أنّ نفقة الأقارب لا تقضى إذا لم يقدّرها القاضي؛ لأنّها للمواساة وسد الخلة الذي لا يمكن تداركه بفوات الأوان، واختلفوا فما إذا قدّرها وأمر بها، فهل يجب القضاء بعد أمر القاضي، أو أنّها تسقط، كما لو لم يأمر بها أصلاً؟

قال المالكية: إذا أمر القاضي بنفقة القريب وتجمدت فانّها لا تسقط.

وقال الإمامية والحنفية وبعض الشافعية: إذا أمر القاضي باستدانتها، واستدانها القريب فعلاً فيجب القضاء، أمّا إذا لم يأمر بها، أو أمر ولم تحصل الاستدانة فانّها تسقط. واشترط الحنفية لوجوب القضاء بعد الأمر أن تكون النفقة دون الشهر، فإذا أمر القاضي ومضى شهر على استحقاقها فلا يحق للقريب أن يطالب بنفقة الشهر الذي مضى، وله أن يطالب بنفقة الشهر الحالي.

وينبغي التنبيه إلى أنّ القريب لو حصل على نفقة يوم أو أكثر بطريق الدعوى، أو الهدية، أو من الزكاة، وغير ذلك يسقط من نفقته بمقدار ما حصل له، حتى ولو كان القاضي قد أمر بها.

ترتيب مَن تجب نفقتهم:

قال الحنفية: إذا كان مَن تجب عليه النفقة واحداً أداها، وإن تعدد مَن تجب عليهم وكانوا في درجة واحدة وقوة واحدة كابنين أو بنتين فإنّ النفقة تكون عليهم بالتساوي، حتى ولو تفاوتوا في الثروة مع ثبوت اليسار(١) ، وإذا اختلفت درجاتهم في القربة أو في قوّتها فهنا قد اضطربت

____________________

(١) إنّ بعض القضاة يوزّعون نفقة القريب على مَن تجب نفقته عليهم كلاً بحسب ثروته، فلو كان للأب المعسر ولدان أحدهما في ثراء ضخم والآخر في غنى ولكن دون أخيه ثراءً، يحملون الأوّل أكثر من الثاني. والحنفية لا يعتبرون هذا التفاوت في الثراء، ويساوون بين الإثنين ما دام أصل اليسار متحققاً، وهذا حق تقضيه القواعد الشرعية، وعبارة صاحب الجواهر تشعر به حيث قال: (لو كان له ابن موسر فعلاً، والآخر مكتسب كانا سواء لإطلاق الأدلة).

٤٠٤

أقوال فقهاء الحنفية في ترتيب مَن تجب عليهم النفقة. (الأحوال الشخصية أبو زهرة).

وقال الشافعية: إذ احتاج إنسان وله أب وجد موسران فالنفقة على الأب وحده، وإذا كان له أُم وأُم أُمٍ فالنفقة على الأُم وحدها، وإذا كان له أب وأُم فالنفقة على الأب، وإذا كان له جد وأُم فالنفقة على الجد، وإذا كان له أُم أبٍ وأُم أمٍ قيل هما سواء، وقيل النفقة على أُم الأب. (مقصد النبيه نفقة الأقارب).

وقال الحنابلة: إذا لم يكن للصبي أب فالنفقة على وارثه، فإن كان له وارثان فالنفقة عليهما على قدر إرثهما منه، وإن كانوا ثلاثة أو أكثر فالنفقة بينهم على قدر إرثهم منه، فإذا كان له أُم وجد فعلى الأُم الثلث والباقي على الجد؛ لأنّهما يرثانه كذلك. (المغني ج٧).

وقال الإمامية: تجب نفقة الولد على الأب، فإن فُقد أو كان معسراً فعلى الجد من جهة الأب، فإن فُقد أو كان معسراً فعلى الأُم، ثمّ على أبيها وأُمها وأُم الأب. وهؤلاء الثلاثة - أي الجد والجدة من جهة الأم والجدة من جهة الأب - يشتركون جميعاً في الإنفاق على الولد بالسوية إن كانوا موسرين، وإذا أيسر بعض دون بعض وجبت النفقة على الموسر منهم خاصة.

وإذا كان للقريب المعسر أب وابن، أو أب مع بنت وِزعت النفقة عليهما بالسوية، وكذا إذا كان له أبناء متعددون تُوزع النفقة عليهم بالسوية وإن اختلفوا ذكوراً وإناثاً. وبالجملة فإنّ الإمامية يراعون في التريب الأقرب فالأقرب، ومع التساوي في الدرجة يوزّعون النفقة بالسوية من غير فرق بين الذكور والإناث، ولا بين الفروع والأصول إلاّ في تقديم الأب والجد من جهته على الأُم.

٤٠٥

٤٠٦

الطَّلاق

٤٠٧

٤٠٨

المطلِّق

يُشترط في المطلِّق شروط:

١ - البلوغ، فلا يصحّ طلاق الصبي وإن كان مميِّزاً بالاتفاق، ما عدا الحنابلة فإنّهم قالوا: يقع طلاق المميِّز وإن كان دون عشر سنين.

٢ - العقل، فلا يصحّ طلاق المجنون مطبقاً كان أو دورياً حال جنونه، ولا المغمى عليه، ولا الذي غاب عقله بسبب الحمّى فصار يهذي، واختلفوا في السكران، فقال الإمامية: لا يصحّ طلاقه بحال. وقال الأربعة(١) : يصحّ إذا تناول المسكر المحرَّم باختياره، أمّا مَن شرب مباحاً فعاب عقله، أو أُكره على الشرب فلا يقع طلاقه.

ويصحّ طلاق الغضبان مع تحقق قصد الطلاق، وإذا خرج عن شعوره وإدراكه بالمرة يكون حكمه حكم المجنون.

٣ - الاختيار، فلا يقع طلاق المكرَه بالاتفاق؛ لحديث (رُفع عن

____________________

(١) صرّح الحنفية والمالكية بصحة طلاق السكران. وعن الشافعي وأحمد قولان أرجحهما أنّه يقع.

٤٠٩

أُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، ما عدا الحنفية فانّهم قالوا: يقع طلاق المكرَه.

والعمل في محاكم مصر على عدم الأخذ بطلاق المكرَه والسكران.

٤ - القصد، فلو نطق بالطلاق سهواً أو غلطاً أو هزلاً فلا يقع الطلاق عند الإمامية.

وقال أبو زهرة في ص ٢٨٣: (يقع في المذهب الحنفي طلاق كل شخص ما عدا الصغير والمجنون والمعتوه، فيقع طلاق الهازل والسكران من محرَّم والمكرَه). وقال في ص ٢٨٦: (من المقرر في المذهب الحنفي أنّ طلاق المخطئ والناسي يقع). وفي ٢٨٤: (وقد وافق مالك والشافعي أبا حنفية وأصحابه بالنسبة للهازل، وخالفه أحمد، فلم يقع طلاقه عنده). وقال ابن رشد في بداية المجتهد ج٢ ص ٧٤: (قال الشافعي وأبو حنيفة: لا يحتاج الطلاق إلى نية).

وروى الإمامية عن أهل البيت: (لا طلاق إلاّ لمن أراد الطلاق)،(لا طلاق إلاّ بنية) . وقال صاحب الجواهر: لو أوقع الطلاق، وبعد النطق بالصيغة قال: لم أقصد الطلاق، يُقبل منه ما دامت المرأة في العدة؛ لأنّه إخبار عن نيته التي لا تُعلَم إلاّ من قِبله.

طلاق الولي:

قال الإمامية والحنفية والشافعية: ليس للأب أن يطلّق عن ابنه الصغير؛ لحديث: (الطلاق لمن أخذ بالساق). وقال المالكية: للأب أن يخالع زوجة ولده الصغير. وعن أحمد روايتان.

وقال الإمامية: إذا بلغ الصبي فاسد العقل فلأبيه أو جده من جهة الأب أن يطلّق عنه مع وجود المصلحة، فإن لم يكن أب وجد لأب طلّق عنه الحاكم، وقدّمنا أنّ الإمامية يجيزون لزوجة المجنون أن تفسخ الزواج.

٤١٠

وقال الحنفية: إذا تضررت زوجة المجنون من معاشرته، رفعت أمرها إلى القاضي وطلبت منه الفراق، وللقاضي أن يطلّق لدفع الضرر عن الزوجة، وليس لأب الزوج أيّة سلطة.

واتفق الجميع على أنّ السفيه يصحّ طلاقه وخلعه(١) .

المطلَّقة:

يُشترط في المطلَّقة أن تكون زوجة باتفاق الجميع. واشترط الإمامية خاصة لصحة طلاق المدخول بها غير الآيسة والحامل أن تكون في طهر لم يواقعها فيه، فلو طُلّقت وهي في الحيض أو في النفاس أو في طهر المواقعة فسد الطلاق.

قال الرازي في تفسير الآية ١ من سورة الطلاق( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) ، قال ما نصه بالحرف: (أي لزمان عدتهن، وهو الطهر بإجماع الأُمة، وقال جماعة من المفسرين: الطلاق للعدة أن يطلّقها طاهرة من غير جماع، وبالجملة فالطلاق حال الطهر لازم، وإلاّ لا يكون سنّياً، والطلاق في السنّة إنّما يُتصور في البالغة المدخول بها غير الآيسة والحامل). إذ لا سنّة في الصغيرة، وغير المدخول بها والآيسة والحامل.

وهذا عين ما تقوله الإمامية.

____________________

(١) قال الأستاذ الخفيف في كتاب فرق الزواج ص٥٧: (يرى الإمامية جواز طلاق السفيه بإذن وليه كما نُص على ذلك في شرح شرائع الإسلام). ولا وجود لهذا النص في الكتاب المذكور عن الجواهر؛ لأنّ صاحب الكتاب ينقل عنه في غير مكان، بل لا وجود لهذا النص في جميع كتب الإمامية، والموجود في شرح شرائع الإسلام أنّ له أن يطلّق بدون إذن الولي. راجع الجواهر ج٤ باب الحجر.

٤١١

وفي كتاب المغني ج٧ ص٩٨ الطبعة الثالثة: (معنى طلاق السنّة: الطلاق الذي وافق أمر الله تعالى، وأمر رسوله (ص)، وهو الطلاق في طهر لم يصبها فيه). وفي ص٩٩ من الكتاب المذكور: (إنّ طلاق البدعة هو أن يطلّقها حائضاً أو في طهر أصابها فيه، ولكن إذا فعل أثم، ووقع في قول عامة أهل العلم، قال ابن المنذر وابن عبد البر: لم يخالف ذلك إلاّ أهل البدع والضلالة)!!! وإذا كان اتّباع كتاب الله وسنّة نبيه بدعة وضلالة فينبغي أن يكون اتّباع الشيطان سنّة وهداية!!!

ومهما يكن، فإنّ السنّة والشيعة قد اتفقوا على أنّ الإسلام قد نهى عن طلاق الزوجة البالغة المدخول بها غير الحامل إذا كانت غير طاهر، أو في طهر واقعها فيه، ولكنّ السنّة قالوا: إنّ النهي للتحريم لا للفساد، وإنّ مَن أوقع الطلاق بدون تحقق الشروط يأثم ويعاقب، ولكن يصحّ طلاقه. وقال الشيعة: إنّ النهي للفساد لا للتحريم؛ لأنّ مجرد التلفظ بالطلاق غير محرّم، وإنّما القصد وقوع الطلاق لغواً كأنّه لم يكن، تماماً كالنهي عن بيع الخمر والخنزير، فإنّ التلفظ بالبيع لا يحرم، بل لا يتحقق النقل والانتقال.

ثمّ إنّ الإمامية أجازوا طلاق خمس من الزوجات في الحيض أو في غيره:

١ - الصغيرة التي لم تبلغ التاسعة.

٢ - التي لم يدخل بها الزوج ثيباً كانت أو بكراً، حصلت الخلوة بها أو لم تحصل.

٣ - الآيسة، وهي البالغة سن الخمسين إن كانت غير قرشية والستين إن تكنها.

٤ - الحامل.

٥ - التي غاب عنها زوجها شهراً كاملاً، على أن يقع الطلاق

٤١٢

حال غيابه عنها بحيث يتعذر عليه معرفة حالها: هل هي في حيض أو في طهر؟ والمحبوس كالغائب.

وقال الإمامية: إنّ الزوجة التي في سن مَن تحيض، ولا ترى الدم خلقة، أو لمرض، أو نفاس لا يصحّ طلاقها إلاّ بعد أن يمسك عنها الزوج ثلاثة أشهر، وتُسمّى هذه بالمسترابة.

الصيغة:

قال الإمامية: لا يقع الطلاق إلاّ بصيغة خاصة، وهي: أنتِ طالق، أو فلانة طالق، أو هي طالق، فلو قال: الطالق أو المطلّقة أو طُلّقت أو الطلاق أو من المطلّقات، وما إلى ذلك لم يكن شيئاً، حتى ولو نوى الطلاق؛ لأنّ هيئة (طالق) لم تتحقق، وإن تحققت المادة. ويُشترط أن تكون الصيغة فصيحة غير ملحونة ولا مصحّفة، وأن تكون مجردة عن كل قيد حتى ولو كان معلوم التحقق، مثل: إذا طلعت الشمس ونحو ذلك.

ولو خيّر زوجته، وقصد تفويض الطلاق إليها، فاختارت نفسها بقصد الطلاق لا يقع عند المحققين من الإمامية , وكذلك لا يقع لو قيل له: هل طلّقت زوجتك؟ فقال: (نعم) قاصداً إنشاء الطلاق. ولو قال: أنتِ طالق ثلاثاً، أو أنتِ طالق أنتِ طالق أنتِ طالق تقع طلقة واحدة مع تحقق الشروط. ولا يقع الطلاق بالكتابة ولا بالإشارة إلاّ من الأخرس العاجز عن النطق. ولا يقع بغير العربية مع القدرة على التلفظ بها، والأولى للأعجمي والأخرس أن يوكلا بالطلاق عنهما إن أمكن. وكذلك لا يقع الطلاق عند الإمامية بالحلف واليمين، ولا بالنذر والعهد، ولا بشيء إلاّ بلفظ (طالق) مع تحقق الشروط والقيود.

قال صاحب الجواهر نقلاً عن الكافي: (ليس الطلاق إلاّ كما روى

٤١٣

بكير بن أعين، وهو أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع: (انتِ طالق)، ويشهد شاهدين عدلين، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى). ثمّ نقل صاحب الجواهر عن الانتصار إجماع الإمامية على ذلك.

وبالتالي، فإنّ الإمامية يضيّقون دائرة الطلاق إلى أقصى الحدود، ويفرضون القيود الصارمة على المطلِّق والمطلَّقة، وصيغة الطلاق وشهوده، كل ذلك لأنّ الزواج عصمة ومودة ورحمة، وميثاق من الله، قال تعالى في الآية (٢٠) من سورة النساء:( وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً ) . وفي الآية (٢١) من سورة الروم:( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) . وفي الآية (١٠) من سورة الممتحنة:( وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) .

إذن لا يجوز بحال أن ننقض هذه العصمة والمودة والرحمة وهذا العهد والميثاق، إلاّ بعد أن نعلم علماً قاطعاً لكل شك بأنّ الشرع قد حلّ الزواج، ونقضه بعد أن أثبته وأبرمه.

ولكنّ المذاهب الأخرى قد أجازت الطلاق بكل ما دلّ عليه لفظاً وكتابة وصراحة وكناية، مثل: أنتِ عليَّ حرام، وأنتِ بتلة وبرية، واذهبي فتزوجي، وحبلك على غاربك، وألحقي بأهلك، وما إلى ذلك. كما أجازت أن يكون الطلاق مطلقاً ومقيداً، مثل: إن خرجت من الدار فأنتِ طالق، وإن كلّمك أبوك فأنتِ طالق، وإن فعلتُ أنا كذا فأنتِ طالق، وكل امرأة أتزوجها فهي طالق، فيقع الطلاق بمجرد حصول العقد عليها، وما إلى ذلك ممّا لا يتسع له المقام. وقد أجازت المذاهب أيضاً الطلاق بتفويضه إلى المرأة وإلى غيرها، كما أجازت وقوع الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد. وقد سوّد فقهاء المذاهب الصفحات الطوال العراض التي لا طائل تحتها إلاّ هدم كيان الأسرة، ووضعها في كف

٤١٤

عفريت(١) .

وقد أحسنت الحكومة المصرية بأخذها في كثير من شؤون الطلاق بالمذهب الإمامي. هذا، وإنّ المذاهب الأربعة لم تشترط الإشهاد لصحة الطلاق بخلاف الإمامية، حيث اعتبروه ركناً من أركانه، ونحن ندع الكلام فيه إلى الشيخ (أبو زهرة).

الإشهاد على الطلاق:

قال الشيخ أبو زهرة في الأحوال الشخصية ص٣٦٥:

قال فقهاء الشيعة الإمامية الاثنا عشرية والإسماعيلية: إنّ الطلاق لا يقع من غير إشهاد عدلين؛ لقوله تعالى في أحكام الطلاق وإنشائه في سورة الطلاق:( وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ) . فهذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذكر إنشاء الطلاق وجواز الرجعة، فكان المناسب أن يكون راجعاً إليه، وإنّ تعليل الاشهاد بأنّه يوعظ به مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر يرشح ذلك ويقويه؛ لأنّ حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يزجونها إلى الزوجين، فيكون لهما مخرج من الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله سبحانه وتعالى. وإنّه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا هذا الرأي، فيُشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين.

وكما فرض الإمامية قيوداً على المطلِّق والمطلَّقة والصيغة فقد فرضوا

____________________

(١) نقل صاحب (تأسيس النظر) عن الإمام مالك أنّه قال: لو عزم الرجل أن يطلّق امرأته يقع الطلاق بنفس العزم وإن لم ينطق به. ٤٩ الطبعة الأُولى.

٤١٥

قيوداً أيضاً على الشهادة، وحكموا بأنّه لو كملت جميع الشروط ولم يسمع إنشاء الطلاق شاهدان عدلان لم يقع الطلاق، فلا يكفي شاهد واحد ولو كان بدلاً بل (معصوماً)(١) ، ولا أن يشهد أحدهما بالإنشاء والآخر بالإقرار، ولا شهادة جماعة ولو بلغوا حد الشياع وأفادوا العلم، ولا شهادة النساء منفردات ولا منضمات إلى الرجال، كما أنّه لو طلّق ثمّ أشهد لم يكن شيئاً.

إذا طلّق السنّي زوجته الشيعية:

إذا كان الزوج سنّياً والزوجة شيعية وطلّقها طلاقاً معلّقاً، أو في طهر المقاربة، أو في حال الحيض أو النفاس، أو بغير شاهدين عدلين، أو حلف عليها بالطلاق، أو طلّقها بقوله: حبلك على غاربك، وما إلى ذلك ممّا هو صحيح عند السنّة فاسد عند الشيعة، فهل يحكم الشيعة بصحة هذا الطلاق، وتكون المطلّقة على هذه الحال خلية يجوز التزويج بها بعد انقضاء العدة؟

الجواب:

لقد أجمع الإمامية كلمة واحدة على إلزام كل طائفة بما تدين(٢) ، وترتيب آثار الصحة على بيوعات أتباعها وميراثهم وزواجهم وطلاقهم إذا أوقعوها على وفق شريعتهم، فقد ثبتت الرواية عن أئمة أهل البيت: (ألزموهم من ذلك ما ألزموا أنفسهم). وفي رواية أخرى أنّ الإمام الصادق سئل عن امرأة طلّقها سنّي على غير السنّة التي هي شرط في

____________________

(١) التعبير بلفظ معصوم لصاحب الجواهر.

(٢) في كتاب (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي الحنفي: إنّ الأصل عند أبي حنيفة أن يُترك أهل الذمة على ما يعتقدون ويدينون. وعند صاحبيه أبي يوسف ومحمد لا يُتركون.

٤١٦

صحة الطلاق عند الشيعة، فقال:(تتزوج، ولا تُترك المرأة من غير زوج) . وفي رواية ثالثة: (يجوز على أهل كل دين ما يستحلّون). وفي رابعة: (مَن دان بدين قوم لزمته أحكامهم). (الجواهر ج٥ مبحث صيغة الطلاق).

وعليه إذا طلّق الشيعي زوجته السنّية حسب ما تعتقد هي لا ما يعتقد هو فالطلاق فاسد، وإذا طلّق السنّي زوجته الشيعية على ما يعتقد هو فالطلاق صحيح.

٤١٧

الطلاق رجعي وبائن

ينقسم الطلاق إلى رجعي وبائن، واتفقوا على أنّ الطلاق الرجعي هو الذي يملك فيه الزوج الرجوع إلى المطلّقة ما دامت في العدة، سواء أرضيت أم لم ترضَ، ومن شرطه أن تكون المرأة مدخولاً بها؛ لأنّ المطلّقة قبل الدخول لا عدة لها؛ لقوله تعالى في الآية ٤٩ من سورة الأحزاب:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) . ومن شرط الطلاق الرجعي أيضاً أن لا يكون على بذل مال، وأن لا يكون مكمّلاً للثلاث.

والمطلَّقة الرجعية بحكم الزوجة، وللمطلّق كل حقوق الزوج فيحصل التوارث بين الزوجين لو مات أحدهما قبل انتهاء العدة، ولا يحلّ المهر المؤجل لأقرب الأجلين إلاّ بعد مضي العدة دون أن يرجعها المطلّق إلى عصمته، وبالجملة فالطلاق الرجعي لا يحدث شيئاً سوى عدّهِ من الطلقات الثلاث.

أمّا الطلاق البائن فلا يملك فيه المطلّق الرجوع إلى المطلّقة، وهو يشمل عدداً من المطلّقات:

٤١٨

١ - غير المدخول بها بالاتفاق.

٢ - المطلّقة ثلاثاً بالاتفاق.

٣ - الطلاق الخلعي، وقال بعضهم إنّه فسخ وليس بطلاق.

٤ - ألآيسة عند الإمامية خاصة، حيث قالوا: لا عدة عليها، وإنّ حكمها حكم غير المدخول بها، أمّا الآية ٤ من سورة الطلاق:( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) ، فليس المراد من اللائي يئسن: المعلوم يأسهن، بل معناه أنّ اللائي ارتفع حيضهن، ولا تدرون هل انقطع لمرض أو لكبرٍ فعدتهن ثلاثة أشهر، فالشك لم يكن في حكم مَن علم يأسهن، بل في مَن شُك بيأسهن؛ بدليل قوله تعالى:( إِنْ ارْتَبْتُمْ ) ، حيث لم يُعرف من طريقة الشارع إذا أراد أن يبيّن حكماً من الأحكام أن يقول: إن شككتم بحكم هذا الشيء فحكمه كذا، فتعيّن أن يكون المراد إذا شككتم في نفس المرأة أنّها آيسة أو غير آيسة فحكمها أن تعتدّ ثلاثة أشهر، وأمّا قوله:( وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) فالمراد به الشابات اللائي هنّ في سن مَن تحيض، ومع ذلك انقطع عنهن الدم خلقة أو لعارض، وقد ثبت عن أئمة أهل البيت روايات كثيرة تُفسر الآية بهذا المعنى.

٥ - قال الحنفية: الخلوة بالزوجة من دون دخول توجب العدة، ولكن لا يجوز للمطلّق الرجوع إليها أثناء العدة؛ لأنّها بائنة، وقال الحنابلة: الخلوة كالدخول تماماً بالنسبة إلى وجوب العدة وجواز الرجوع. وقدّمنا أنّه لا أثر للخلوة عند الإمامية والشافعية.

٦ - قال الحنفية: إذا قال لها: أنتِ طالق طلاقاً بائناً، أو طلقة شديدة، أو كالجبل، أو أفحش الطلاق، أو أشده، وما إلى ذلك يكون الطلاق بائناً لا يحق للمطلّق أن يرجع أثناء العدة، وكذلك يكون الطلاق بائناً إذ طلّقها بألفاظ الكنايات التي تدلّ على الانفصال في الحال، كأنتِ بتة وبتلة وبرية.

٤١٩

المطلَّقة ثلاثاً:

اتفقوا على أنّ مَن طلّق زوجته ثلاثاً لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً، ويدخل بها المحلِّل حقيقة؛ لقوله تعالى في الآية ٢٣٠ من سورة البقرة:( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) .

واشترط الإمامية والمالكية أن يكون المحلِّل بالغاً. واكتفى الحنفية والشافعية والحنابلة بأن يكون قادراً على الجماع، وإن كان دون البلوغ. وقال الإمامية والحنفية: إذا اشترط التحليل أثناء العقد، كما لو قال: تزوجتكِ على أن أُحلّلكِ لمطلّقك، يبطل الشرط، ويصحّ العقد، ولكنّ الحنفية قالوا: إذا خافت المرأة أن لا يطلّقها المحلِّل فيمكنها أن تقول له: زوجتكَ نفسي على أن يكون أمر طلاقي بيدي، فيقول لها: قبلتُ هذا الشرط، وحينئذ يصحّ العقد ويكون لها الحق في تطليق نفسها متى أرادت، أمّا إذا قال لها هو: تزوجتكِ على أن يكون أمرك بيدك، فإنّ النكاح يصحّ ويُلغى الشرط.

وقال المالكية والشافعية والحنابلة: يبطل العقد بالمرة إذا اشترط فيه التحليل، بل قال المالكية والحنابلة: لو قصد التحليل ولم يتلفظ به يبطل العقد.

واشترط المالكية وبعض الإمامية أن يطأها الزوج الثاني وطءاً حلالاً، كأن تكون خالية من الحيض والنفاس، وأن لا يكونا صائمين صيام رمضان، ولكنّ أكثر الإمامية على عدم اعتبار هذا الشرط؛ لأنّ الوطء في هذه الحال وإن كان محرّماً فإنّه كافٍ في التحليل.

ومهما يكن، فمتى تزوجت بآخر، وفارقها بموت أو طلاق وانقضت عدتها جاز للأوّل أن يعقد عليها من جديد، فإذا عاد وطلّق ثلاثاً تحرم عليه حتى تنكح غيره، وهكذا تحرم بعد كل طلاق ثالث، وتحلّ بنكاح المحلِّل وإن طُلّقت مئة مرة.

٤٢٠