الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 223593
تحميل: 30547

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223593 / تحميل: 30547
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الولاية

الولاية في الزواج سلطة شرعية جُعلت للكامل على المولّى عليه؛ لنقص فيه، ورجوع مصلحة إليه. ويقع الكلام في أمور:

البالغة الراشدة:

فقال الشافعية والمالكية والحنابلة: ينفرد الولي بزواج البالغة الراشدة إذا كانت بكراً، أمّا إذا كانت ثيباً وهو شريك لها في الزواج، لا ينفرد دونها ولا تنفرد دونه، ويجب أن يتولى هو إنشاء العقد، ولا ينعقد بعبارات المرأة قط، وإن كان لا بدّ مِن رضاها.

وقال الحنفية: للبالغة العاقلة أن تنفرد باختيار الزواج، وأن تُنشئ العقد بنفسها بكراً كانت أو ثيباً، وليس لأحد عليها ولاية ولا حق الاعتراض، على شريطة أن تختار الكفؤ، وأن لا تتزوج بأقلّ مِن مهر المثل، فإن تزوجتْ بغير الكفؤ يحق للولي أن يعترض، ويطلب مِن القاضي فسخ الزواج، وإن تزوجتْ بالكفؤ على أقلّ مِن مهر المثل، يطلب الفسخ إذا لَم يتمم الزوج مهر المثل. (الأحوال الشخصية لأبي زهرة).

٣٢١

وقال أكثر الإمامية: إنّ البالغة الرشيدة تملك ببلوغها ورشدها جميع التصرفات مِن العقود وغيرها حتى الزواج بكراً كانت أو ثيباً، فيصحّ أن تعقد لنفسها ولغيرها مباشرة وتوكيلاً إيجاباً وقبولاً، سواء أكان لها أب أو جد أو غيرها من العصبيات أو لَم يكن، وسواء رضي الأب أو كره، وسواء كانت رفيعة أو وضيعة، تزوجتْ بشريف أو وضيع، وليس لأحد كائناً مَن كان أن يعترض، فهي تماماً كالرجل دون أي فرق؛ واستدلوا على ذلك بالقرآن:( ولاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ) ، وبالحديث عن ابن عباس عن النبي: (الأيم أحق بنفسها مِن وليها). والأيم: مَن لا زوج له، رجلاً كان أو امرأة، بكراً كانت أو ثيباً. واستدلوا أيضاً بالعقل حيث يحكم بأنّ لكل إنسان الحرية التامة بتصرفاته، وليس لغيره أيّ سلطان عليه قريباً كان أو بعيداً. وقد أحسن ابن القيّم في قوله: (كيف يجوز للأب أن يزف ابنته بغير رضاها إلى مَن يريده هو، وهي مِن أكره الناس فيه، وهو أبغض شيء إليها، ومع هذا ينكحها إياه قهراً، ويجعلها أسيرة عنده ...!).

الصغر والجنون والسفه:

اتفقوا على أنّ للولي أن يزوج الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة، ولكنّ الشافعية والحنابلة خصصوا هذه الولاية بالصغيرة البكر، أمّا الصغيرة الثيب فلا ولاية له عليها. (المغني ج٦ باب الزواج).

وقال الإمامية والشافعية: زواج الصغيرة والصغير موكول للأب والجد للأب فقط دون غيرهما.

وقال المالكية والحنابلة: بل للأب فقط.

وقال الحنفية: يجوز ذلك لجميع العصبيات، حتى العم والأخ.

٣٢٢

وقال الحنفية والإمامية والشافعية: لا يصحّ عقد الزواج مِن السفيه إلاّ بإذن وليه.

وقال المالكية والحنابلة: يصحّ ولا يشترط إذن الولي. (تذكرة العلاّمة ج٢، والمغني ج٤ باب الحجر).

ترتيب الأولياء:

قال الحنفية: الولاية أوّلاً لابن المراة إن كان لها ابن ولو مِن الزنا، ثُمّ ابن ابنه، ثُمّ الأب، ثُمّ الجد للأب، ثُمّ الأخ الشقيق، ثُمّ الأخ للأب، ثُمّ ابن الأخ الشقيق، ثُمّ ابن الأخ لأب، ثُمّ العم، ثُمّ ابن العم الخ. ويتبين مِن هذا أنّ وصي الأب لا ولاية له على الزواج، حتى ولو أوصى به صراحة.

وقال المالكية: الولي هو الأب، ووصي الأب، ثُمّ الابن ولو مِن الزنا إن كان للمرأة ابن، ثُمّ الأخ، ثُمّ ابن الأخ، ثُمّ الجد، ثُمّ العم الخ، ثم تنتقل الولاية الى الحاكم.

وقال الشافعية: الأب، ثُمّ الجد لأب، ثُمّ الأخ الشقيق، ثُمّ الأخ لأب، ثُمّ ابن الأخ، ثُمّ العم، ثُمّ ابن العم الخ، إلى أن تنتقل الولاية إلى الحاكم.

وقال الحنابلة: الأب ووصي الأب، ثُمّ الأقرب فالأقرب مِن العصبيات كالإرث، ثُمّ الحاكم.

وقال الإمامية: لا ولاية إلاّ للأب، والجد للأب، والحاكم في بعض الحالات، فكل مِن الأب والجد يستقل بولاية العقد على الصغير والصغيرة، وعلى مَن بلغ مجنوناً أو سفيهاً، أي اتصل الجنون أو السفه بالصغر، ولو بلغا راشدين عاقلين ثُمّ طرأ عليهما الجنون أو السفه لَم

٣٢٣

يكن للأب ولا للجد ولاية العقد على أحدهما، بل يستقل الحاكم بذلك مع وجود الأب والجد. وإذا اختار الأب شخصاً، واختار الجد غيره قُدّم اختيار الجد.

واشترطوا لنفوذ عقد الولي أباً كان أو جداً أو حاكماً أن لا يكون فيه ضرر على المولّى عليه، فإذا تضرر الصغير بالزواج يُخيّر بَعد البلوغ والرشد بين فسخ العقد وبقائه.

وقال الحنفية: إذا زوّجَ الصغيرَ الأبُ أو الجدُّ بغير الكفء أو بدون مهر المثل فإنّه يصحّ إذا لَم يكن معروفاً بسوء الاختيار، أمّا إذا زوجها غير الأب والجد بغير الكفء أو بدون مهر المثل فلا يصحّ الزواج أصلاً.

وقال الحنابلة والمالكية: للأب أن يزوج ابنته بدون مهر المثل. وقال الشافعية: ليس له ذلك، فإن فعل فلها مهر المثل.

وقال الإمامية: إذا زوج الولي الصغير بدون مهر المثل، أو زوج الصغير بأكثر منه فمع المصلحة في ذلك يصحّ العقد والمهر، وبدونها يصحّ العقد، وتتوقف صحة المهر على الإجازة، فإن أجاز بَعد البلوغ استقر المهر وإلاّ رجع إلى مهر المثل.

واتفقوا على أنّ للحاكم العادل أن يزوج المجنون والمجنونة إذا لَم يوجد الولي القريب؛ لحديث: (السلطان ولي مَن لا ولي له).

وليس له أن يزوج الصغيرة عند الإمامية والشافعية. وقال الحنفية: له ذلك إلاّ أنّ العقد لا يلزم، فإذا بلغت كان لها الرد. وهذا يعود في حقيقته إلى قول الشافعية والإمامية؛ لأنّ الحاكم يكون - والحال هذه - فضولياً.

وقال المالكية: إذا لَم يوجد الولي القريب فالحاكم يستقلّ بزواج

٣٢٤

الصغيرة والصغير والمجنونة والمجنون مِن الأكفاء، ويزوج الكبيرة الراشدة بإذنها.

واتفقوا على أنّ مِن شرط الولاية بلوغ الولي وإسلامه وذكوريته، أمّا العدالة فهي شرط في الحاكم لا في القريب، إلاّ الحنابلة فإنّهم اشترطوا العدالة في كل ولي، حاكماً كان أو قريباً.

٣٢٥

الكفاءة

معنى الكفاءة عند الذين اعتبروها في الزواج: أن يتساوى الرجل مع المرأة في الأشياء التي سنشير إليها، وقد اعتبروا الكفاءة في الرجال دون النساء؛ لأنّ الرجل لا يعير بزواج مَن هو أدنى بخلاف المرأة.

وقد اتفق الحنفية والشافعية والحنابلة على اعتبار الكفاءة في الإسلام والحرية(١) والحرفة والنسب، واختلفوا في المال واليسار، فاعتبروه الحنفية والحنابلة، ولَم يعتبره الشافعية.

أمّا الإمامية والمالكية فلم يعتبروا الكفاءة إلاّ في الدين؛ لحديث: (إذا جاءكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوجوه أن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

ومهما يكن، فانّ شرط الكفاءة في الزواج لا يتلاءم مع نص القرآن:( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، ومع مبادئ الإسلام (لا فضل لعربي

٣٢٦

على عجمي إلاّ بالتقوى)، ومع سنّة الرسول (ص) حيث أمر فاطمة بنت قيس أن تتزوج من زيد بن أسامة، وأمر بني بياضة أن يزوجوا أبا هند، وهو حجام، لذلك رأينا جماعة من كبار العلماء لا يشترطون الكفاءة في الزواج، كسفيان الثوري، والحسن البصري، (والكرخي من مشايخ الحنفية، وأبي بكر الجصاص ومَن تبعهما من مشايخ العراق). (ابن عابدين ج٢ باب الزواج).

٣٢٧

العيوب

إذا وجد أحد الزوجين عيباً في الآخر فهل له فسخ الزواج؟ وللمذاهب تفصيل واختلاف في عدد العيوب الموجبة للفسخ، وفي أحكامها. وإليك البيان:

العنن:

العنن: داء يعجز معه الرجل عن عملية الجنس، ويوجب للزوجة خيار الفسخ بالاتفاق، ولكنّهم اختلفوا فيما لو عجز عن الزوجة وقدر على غيرها. فهل يكون لها الخيار؟

قال الإمامية: لا يثبت لها خيار الفسخ إلاّ مع عجزه عن جميع النساء، فلو عجز عن الزوجة فقط وقدر على غيرها فلا خيار(١) ؛ لأنّ الدليل دل على أنّ لزوجة العنين الفسخ، ومَن قدر على امرأة ما، لا يكون عنيناً بالمعنى الصحيح؛ لأنّ العنة نقص في جسم الرجل يوجب

____________________

(١) نقل الشهيد في المسالك عن الشيخ المفيد: إنّ العبرة في جواز فسخ المرأة الزواج أن يعجز عنها بالذات، حتى ولو قدر على غيرها، والاعتبار يساعد على ذلك.

٣٢٨

عجزه عن جميع النساء، تماماً كالأعمى الذي لا يبصر شيئاً، وإذا افتُرض وجود شخص يعجز عن زوجته ويقدر على غيرها فلا محالة يكون السبب خارجاً عن أصل الحلقة، كالحياء، أو الخوف، أو لصفة في الزوجة توجب النفرة منها، أو غير ذلك، وإنّ كثيراً من المجرمين يبلغ فيهم كره الحلال إلى حد يوجب لهم العجز عنه، ويرغبون في الحرام رغبة تبعث فيهم القوة والنشاط.

وقال الشافعية والحنابلة والحنفية: إذا عجز عن إتيان الزوجة فلها الخيار، حتى ولو قدر على غيرها؛ لأنّه يُسمّى - والحال هذه - عنيناً بالنسبة إليها، وأيّ نفع يصل إلى الزوجة إذا أصاب غيرها!

ومهما يكن، فقد اتفقوا على أنّ المرأة إذا ادّعت العنة على زوجها، وأنكر، فعليها إقامة البينة على اعترافه بأنّه عنين، فإن لم تكن بينة(١) ينظر، فإن كانت بكراً عُرِضت على النساء الخبيرات، وعُمل بقولهن، وإن كانت ثيباً عرض عليه اليمين؛ لأنّه منكِر، إذ تدّعي هي وجود عيب فيه موجب للخيار، فإن حلف رُدت دعواها، وإن نكل حلفت هي، ثمّ يؤجله القاضي سنة قمرية، فّإن لم ينفعها طوال سنة خيّرها القاضي بعد انتهاء المدة بين البقاء معه والفسخ، فإن اختارت البقاء فالأمر إليها، وإن اختارت الفسخ فسخت هي، أو فسخ الحاكم بطلب منها. ولا تحتاج إلى طلاق عند الإمامية والشافعية والحنابلة. وقال المالكية: تطلق هي نفسها بأمر القاضي، ويرجع قولهم هذا في حقيقته إلى الفسخ. وقال الحنفية: القاضي يأمر الزوج بالطلاق فإن امتنع طلّقها هو.

وقال الحنفية: يثبت لها جميع المهر. وقال الإمامية: نصفه. وقال المالكية والشافعية والحنابلة: لا شيء لها.

____________________

(١) أُقيمت عندي دعوى من هذا النوع، ولما أحلتُ المدعى عليه إلى الأطباء أفادوا بأنّ الطب بعدُ لم يكتشف داء العنة، وأنّه لا يُعرف إلاّ بممارسة النساء.

٣٢٩

وإذا عرضت العنة بعد العقد والدخول فلا خيار لها، وإن طرأ بعد العقد وقبل الدخول فلها الخيار، كما لو كانت العنة قبل العقد.

فائدة:

قال صاحب كتاب الجواهر ج٥ باب الزواج في مسألة العنن: لو أقر الزوج بالعجز عن إتيان الزوجة، وأجّله الحاكم سنة، وبعد انتهائها قال: دخلتُ. وقالت هي: لم يدخل. يؤخذ بقول الزوج مع يمينه، كما لو لم يقر بالعجز من أوّل الأمر، واستدل بأدلة دقيقة محكمة قلّ مَن يتنبه إليها؛ لأنّ دعوى الزواج - القدرة بعد الإقرار بالعجز - لا تُسمع؛ لأنّه مدع لشيء جديد بحسب الظاهر، ولكنّ الشيخ أبعدُ نظراً من الذين لا يرون إلاّ الظواهر، وإليك ما استند إليه:

أولاً: إنّ إقراره بالعجز قبل ضرب الأجل لا يثبت العنة، إذ العجز في حينه قد يكون عجزاً مؤقتاً وقد يكون دائماً، ووجود العام لا يثبت وجود الخاص، فإذا قلت: كتبت بالقلم، لا يدلّ قولك هذا على أنّ القلم الذي كتبت به قلم رصاص، أو قلم حبر، كذلك العجز لا يدل على العنة أو غيرها، فقد يكون لنقص في الخلقة، وقد يكون لسبب خارج عنها، واستصحاب العجز لا يثبت العنة إلاّ على القول بالأصل المثبت(١) .

ثانياً: إنّ المنكِر هو الذي لو سُكت عنه لسكت، والمدعي هو

____________________

(١) من الأصول الباطلة عند الإمامية الأصل المثبت، وهو ما يثبت الأثر باللزوم العقلي لا بالأصل الشرعي. فالاستصحاب حجة بالقياس إلى ما يترتب على المستصحب من أحكام دون لوازم العقل، فإذا استصحبنا بقاء الليل في رمضان، فهذا الاستصحاب يبيح لنا تناول الطعام، ولكنّه لا يثبت أنّ الساعة لم تبلغ الخامسة باعتبار أنّها وقت لطلوع الفجر.

٣٣٠

الذي لو سُكت عنه لم يسكت. وبكلمة: إنّ المدعي هو الذي يأخذ بالخناق، ويثير الحروب. والمنكر هو الذي يطلب السلامة والخلاص. وليس من شك أنّ الزوجة لو سكتت عن دعوى العنة لسكت عنها الزوج، ولو سكت الزوج لم تسكت هي، فتكون - والحال هذه - مدعية عليها البينة، ويكون هو منكراً عليه اليمين.

ثالثاً: لقد ثبت في الحديث(أنّ الرجل إذا تزوج المرأة الثيب، وزعمت أنّه لم يقربها، فالقول قول الرجل، وعليه أن يحلف بأنّه قد جامعها) . فالحديث جعل اليمين على الرجل، ولم يفرق بين مَن سبق منه الإقرار بالعجز وغيره.

الجَب والخصاء:

الجب: قطع الذكر. والخصاء سل الإنثيين أو رضهما. ويثبت بهما خيار الفسخ للزوجة بالاتفاق من غير إمهال على أن يعرض الجب أو الخصاء قبل الوطء، أمّا لو حدث بعد العقد والوطء فلا خيار لها.

وقال الحنفية: إذا انتصب ذكر الخصي فلا خيار، حتى إذا لم يُنزل. وقال غيرهم: يثبت به الخيار انتصب أو لم ينتصب ما دام لم يُنزل؛ لأنّ عدم الإنزال عيب كالعنن.

ونقل الشهيد الثاني في كتاب المسالك ج١ باب الزواج: إنّ الخصي يولج، ويبالغ، وحالته في ذلك أكثر من الفحل، ولكنّه لا يُنزل، وهذا عيب يوجب الفسخ للأحاديث الدالة على أنّ لزوجة الخصي أن تختار فراقه.

وقال الحنفية: إذا تم الفسخ بسبب الجب والخصاء فلها المهر كاملاً. وقال غيرهم: إذا اختارت الفسخ بسبب الجب فلا مهر، حيث لا

٣٣١

دخول، وإذا اختارته بسبب الخصاء فلها المهر مع الإيلاج، ولا شيء لها بدونه.

ثمّ إنّ الحنفية لا يرون للرجل حق الفسخ، ولو رأى عشرات العيوب مجتمعة في المرأة، أمّا الزوجة فتفسح بالعيوب الثلاثة التي تكلمنا عنها، وهي الجب والخصاء والعنة، ولذا لا يبقى أيّ كلام للحنفية في العيوب الآتية:

الجنون:

اتفق المالكية والشافعية والحنابلة على أنّ الزوج يفسخ العقد بجنون زوجته، والزوجة تفسخ بجنون زوجها. واختلفوا في التفاصيل، فقال الشافعية والحنابلة: يثبت الفسخ لكل منهما، سواء أَحدث الجنون قبل العقد أم بعده، وبعد الدخول أيضاً، ولا يُشترط الإمهال، كما هي الحال في العنن.

وقال المالكية: إذا حدث الجنون قبل العقد فلكل منهما الفسخ على شريطة أن يتضرر العاقل بمعاشرة المجنون، وإذا حدث الجنون بعد العقد تفسخ به الزوجة فقط بعد أن يؤجل الحاكم سنة قمرية، إذ ربّما عوفي أثناء هذه المدة، أمّا الزوج فلا يحق له الفسخ بجنون زوجته المتجدد بعد العقد.

وقال الإمامية: لا يفسخ الزوج بجنون زوجته المتجدد بعد العقد، حيث يمكنه الطلاق، وتفسخ هي بجنون زوجها، سوء كان الجنون قبل العقد أم حدث بعده وبعد الدخول.

واتفق الإمامية والحنابلة والشافعية والمالكية على أنّ لها المهر كاملاً مع الدخول، ولا شيء بدونه.

٣٣٢

البرص والجذام:

قال الإمامية: البرص والجذام من العيوب التي يفسخ بها الرجل دون المرأة، على شريطة أن يحدث أحدهما قبل العقد، وأن يكون الرجل جاهلاً به، ولا يحق للمرأة أن تفسخ إذا كان أحد هذين العيبين في الرجل.

وقال الشافعية والمالكية والحنابلة: هما من العيوب المشتركة بين الرجل والمرأة، ولكل منهما أن يفسخ العقد إذا وجد بصاحبه برصاً أو جذاماً، وحكمهما عند الشافعية والحنابلة حكم الجنون.

وقال المالكية: تفسخ الزوجة بالجذام إذا وجِد في الرجل قبل العقد وبعده، أمّا الرجل فيفسخ إذا كان الجذام في المرأة قبل العقد أو حينه. أمّا البرص فإن كان قبل العقد فلكل منهما حق الخيار، وإن حدث بعد العقد فالخيار لها لا له، ولا أثر للبرص اليسير بعد العقد. ويؤجل الحاكم الأبرص والمجذوم سنة قمرية مع احتمال الشفاء والبرء.

الرتق والقرن والعَفَل والإفضاء:

معنى الرتق: انسداد مدخل الذكر من الفرْج بحيث يتعسر معه الجماع. والقرن: شيء يبرز في الفرج، كقرن الشاة. والعَفَل: لحم في القُبُل لا يخلو من رشح. والإفضاء: اختلاط المسلكين.

وهذه العيوب الأربعة كما ترى مختصة بالمرأة، وهي عند المالكية والحنابلة توجب للزوج حق الخيار.

وقال الشافعية: الموجب للفسخ الرتق والقرن فقط، ولا تأثير للإفضاء والعفل.

وقال الإمامية: التأثير في حق الفسخ للقرن والإفضاء، أمّا الرتق والعفل فلا يوجبان شيئاً. وقالوا: إنّ العمى والعرج الواضح إذا وجِد

٣٣٣

أحدهما بالمرأة قبل العقد ولم يعلم به الرجل يفسخ العقد إن شاء، ولا تفسخ المرأة إذا وجدت أحدهما بالرجل.

وفي رأينا أنّ أيّ مرض من الأمراض المختصة أو المشتركة بين الرجل والمرأة إذا أمكن استئصاله وعولج، ولم يترك العلاج أثراً مشوهاً ومعيباً فإنّ وجوده يكون كعدمه لا يوجب أي شيء؛ لأنّه - والحال هذه - يكون كسائر الأمراض العارضة التي لا يخلو أحد منها - في الغالب -. أمّا اهتمام الفقهاء بهذه العيوب منذ زمان فلأنّها كانت في عدهم مستعصية على فن الجراحة.

الفورية:

قال الإمامية: إنّ خيار الفسخ يثبت على الفور، فلو علم الرجل أو المرأة بالعيب فلم يبادر إلى الفسخ لزم العقد، وكذلك الخيار مع التدليس.

وقال صاحب الجواهر: إنّ الجهل بالخيار بل والفورية عذر؛ لإطلاق ما دل على الخيار. وقال أيضاً: إنّ الفسخ بجميع أفراده لا يتوقف على الحاكم، وإنّما يتوقف عليه ضرب الأجل في خصوص العنين.

٣٣٤

خيار الشرط

الفرق بين شرط الخيار وبين خيار الشرط أنّه في الأوّل أخذ الخيار شرطاً في متن العقد، فتقول المخطوبة: زوّجتك نفسي على أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام، ويقول الخاطب: قبلتُ. أو تقول: زوجتك نفسي، ويقول هو: قبلتُ على أن يكون لي الخيار مدة كذا. فيؤخذ الخيار في فسخ الزواج شرطاً في متن العقد، وهذا الشرط يبطل العقد بالاتفاق، كما قدّمنا.

أمّا خيار الشرط فلا يؤخذ نفس الخيار شرطاً في العقد، بل يؤخذ فيه وصف معيّن، كما لو اشترط الخاطب أن تكون المخطوبة بكراً، أو اشترطت هي أن يكون معه شهادة جامعية، بحيث إذا لم يوجد الوصف جاز للآخر أن يفسخ العقد، وقد اختلفت المذاهب في ذلك.

قال الحنفية: إذا اشترط أحد الزوجين في متن العقد شرطاً سلبياً، كالسلامة من العمى أو المرض، أو ايجابياً، كاشتراط الجمال أو البكارة، وما إلى ذلك، ثم تبين العكس يصحّ العقد، ولا ينفذ الشرط إلاّ إذا اشترطت هي شرطاً يعود إلى الكفاءة، كاشتراط النسب أو الحرفة أو المال فيحق لها الفسخ مع تخلف الشرط، أمّا هو فلا ينفذ

٣٣٥

شيء من شروطه؛ لأنّ الكفاءة شرط في الزوج لا في الزوجة كما تقدم.

وقال المالكية والشافعية والإمامية والحنابلة: يصحّ الشرط، وإذا تبين العكس كان المشترط بالخيار بين الرضى وفسخ العقد؛ للحديث الشريف: (المسلمون عند شروطهم)؛ ولأنّ مثل هذا الشرط لا يتنافى مع طبيعة العقد، ولا يخالف كتاب الله وسنّة الرسول، أي لا يحلّل حراماً ولا يحرّم حلالاً.

التدليس:

تكلم الإمامية في هذا الباب عن تدليس المرأة على الرجل، وذلك أن تخفي عنه نقصاً موجوداً فيها، أو تدّعي كمالاً غير موجود. أمّا الصورة الأُولى - وهي أن تخفي النقص وتسكت عنه -: فلا يحق للرجل أن يفسخ العقد إذا لم يشترط عدم وجوده بطريق من الطرق، فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق: في الرجل يتزوج إلى قوم، فإذا امرأته عوراء، ولم يبيّنوا له. قال: (لا تُرد). وعلى هذا جميع المذاهب.

أمّا الصورة الثانية - وهي أن تدّعي كمالاً غير موجود -: فإذا أُخذت صفة الكمال شرطاً في العقد جاء الكلام السابق من أنّه لغو عند الحنفية صحيح عند غيرهم، وإن لم تؤخذ شرطاً في العقد، فإمّا أن تُذكر فيه على سبيل الوصف، وإمّا أن تُذكر قبل العقد ثم يبتني العقد عليها. فهنا حالتان:

١ - أن تُذكر صفة الكمال وصفاً في العقد، كما لو قال وكيل الزوجة: زوّجتك البنت البكر، أو البنت السالمة من كل عيب. وقال الإمامية: إذا ظهر أنّها غير متصفة بالوصف المذكور في العقد، كان للزوج الخيار.

٣٣٦

٢ - أن لا تُذكر صفة الكمال شرطاً ولا وصفاً في العقد، بل تُذكر عند التداول في حديث الزواج، كما لو قالت هي أو وكيلها: إنّها بكر ولا عيب فيها، وما إلى ذلك، ثمّ وقع العقد مبنياً على ذلك بحيث يكون المفهوم من العقد أنّه جرى على البنت المتصفة بهذه الصفة الخاصة. ولم أرَ فيما لدي من المصادر مَن تعرّض لهذه الحالة غير الإمامية، وقد اختلف فقهاؤهم في ثبوت الخيار للزوج، فمنهم مَن قال: له الخيار، ومن هؤلاء السيد أبو الحسن الأصفهاني في كتاب الوسيلة؛ لأنّ تواطؤ العاقدين وتباينهما على الوصف ثمّ ابتناء العقد عليه يجعله كالشرط الضمني في العقد. ومنهم مَن قال: لا أثر للتباني ما دام لم يُذكر الوصف في العقد، ولم يدل عليه بطريق من الطرق. وإلى هذا ذهب الشهيد الثاني في المسالك: (وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقن)، أي لا نرفع اليد عن لزوج العقد إلاّ بدليل قاطع، وهو غير موجود.

والخلاصة: إنّ الوصف إذا أُخذ في العقد بأحد الطرق الثلاث - أي شرطاً أو وصفاً أو إخباراً - قبل العقد فللزوج أن يختار الفسخ أو الرضى بالزواج، فإن رضي به فليس له أن ينقصها شيئاً من مهرها مهما كان العيب، إلاّ إذا اشترط كونها بكراً فوجدها ثيباً، فله - والحال هذه - أن ينقص من مهرها بنسبة التفاوت بين مهرها بكراً ومهرها ثيباً عند الإمامية.

وإذا اختار فسخ الزواج، فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها عند الإمامية وغيرهم ممّن أجازوا الفسخ، وإن كان بعد الدخول كان لها مهر المثل، ولا يرجع بشيء على الذي غره عند الشافعية.

وقال الإمامية: ينظر، فإن كانت هي التي غررت بالزواج فلا تستحق شيئاً من المهر، حتى مع الدخول، وإن كان الذي غرر به غيرها فلها المهر المسمّى كاملاً، ويرجع هو بما دفعه على مَن غره؛ لقاعدة المغرور يرجع على مَن غره.

٣٣٧

وهنا مسائل:

١ - إذا تبين لأحد الزوجين بعد العقد أنّ في صاحبه نقصاً، وادعى أنّ العقد جرى على انتفاء النقص بأحد الطرق الثلاث، وأنكر الآخر، كلّف الأوّل بالإثبات، فإن أثبت يقرر القاضي له حق الفسخ، ومع عجزه عن الإثبات يحلف المنكِر، ويرد القاضي الدعوى.

٢ - إذا تزوج امرأة على أنّها بكر بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة، فوجدها ثيباً فلا يحق له الفسخ إلاّ إذا ثبت أنّ الثيبوبة كانت متقدمة على العقد، ويثبت سبقها على العقد بإقرار الزوجة أو بالبينة أو بقرائن الأحوال المفيدة للعلم، كما لو دخل بها بعد العقد بمدة لا يحتمل تجدد الثيبوبة فيها.

وإذا اشتبه الحال، ولم نعلم بطريق من الطرق: هل كانت متقدمة على العقد أو متأخرة عنه؟ فلا يثبت الخيار للزوج؛ لأصالة عدم تقدم الثيبوبة، ولا مكان تجددها بسبب خفي، كالركوب والنزوة. (المسالك للشهيد الثاني ج٢ باب الزواج من فقه الإمامية).

٣ - قال السيد أبو الحسن الأصفهاني في كتاب الوسيلة باب الزواج من فقه الإمامية: لو تزوج رجل فتاة ولم تكن البكارة قد ذُكرت في مقدمات الزواج، ولم يقع العقد مبنياً عليها، ولم تكن شرطاً ولا وصفاً في متن العقد، وإنّما تزوجها باعتقاد أنّها بكر؛ لأنّها لم تتزوج أحداً غيره من قَبل، وبعد العقد ثبت أنّها كانت ثيباً قبل العقد، فليس للزوج أن يفسخ الزواج، كما هي الحال لو أُخذت البكارة بأحد الطرق الثلاث، بل له أن ينقص من مهرها شيئاً، وهو نسبة التفاوت بين مهر مثلها بكراً ومهر مثلها ثيباً، فإذا كان المهر المسمّى مئة، وكان مهر مثلها بكراً ثمانين وثيباً ستين، ينقص من المئة الربع ٢٥ ويبقى ٧٥.

وعلى هذا، فللبكارة عند السيد المذكور أربع حالات:

٣٣٨

١ - أن تؤخذ شرطاً في متن العقد.

٢ - أن تؤخذ وصفاً فيه.

٣ - أن تُذكر عند حديث الزواج، ويبتني عليها العقد.

٤ - أن يتزوجها باعتقاد البكارة دون أن يسبق لها ذكر لا قبل العقد ولا في متنه. وفي الحالات الثلاث يثبت للزوج الخيار، وفي الحالة الرابعة لا خيار له، بل ينقص من المهر شيئاً على النحور المتقدم.

٣٣٩

المهر

المهر حقّ من حقوق الزوجة بحكم الكتاب والسنّة وإجماع المسلمين، وهو نوعان:

المهر المسمّى:

الأوّل: المهر المسمّى، وهو ما تراضى عليه الزوجان، وسمياه في متن العقد، ولا حدّ لأكثره بالاتفاق؛ لقوله تعالى:( وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ً ) . واختلفوا في حد القلة:

فقال الشافعية والحنابلة والإمامية: لا حدّ لأقله، فكل ما يصحّ أن يكون ثمناً في البيع يصحّ أن يكون مهراً في الزواج، ولو قرشاً واحداً.

وقال الحنفية: أقلّ المهر عشرة دراهم، فإذا وقع العقد على دون ذلك يصحّ العقد وتجب العشرة.

وقال المالكية: أقله ثلاثة دراهم، فإن نقص عن هذا المبلغ ثمّ

٣٤٠