الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 225691
تحميل: 30691

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 225691 / تحميل: 30691
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فالمعروف مِن فعل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أنّه خرج مِن باب الصفا.. ثمّ رقي عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبّره ثلاثاً، وحمده، وقال: (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلاّ الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)).

وجاء في كتاب (الجواهر) للإمامية:

(يستحب استلام الحجر، والشرب مِن ماء زمزم، والصب منه على الجسد، والخروج مِن الباب المقابل للحجر الأسود، وأن يصعد الصفا، ويستقبل الركن العراقي، ويحمد الله ويثني عليه، وأن يطيل الوقوف على الصفا، ويكبّر الله سبعاً، ويقول: لا إله إلاّ لله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. يكررها ثلاثاً، ويدعو بالدعاء المأثور).

وهذا، كما ترى لا يختلف عن السنّة إلاّ في شيء مِن التعبير، ولَم أرَ أحداً مِن الفقهاء أوجب الطهارة للسعي مِن الحدث والخبث. وأكثر المذاهب صرحت بالاستحباب، كما صرحوا جميعاً - ما عدا الشافعية - باستلام الحجر الأسود قَبل الذهاب إلى السعي.

وصرحوا أيضاً باستحباب المشي هرولة(١) بين الميلين حسب تعبير الحنفية والمالكية، وفي وسط المسافة حسب تعبير الشافعية، وبين المنارة وزقاق العطارين حسب تعبير الإمامية. وليس مِن شك أنّ معرفة الميلين والزقاق والمنارة تحتاج إلى مرشد خبير.

____________________

(١) الهرولة: ضرب مِن المشي يشبه مشي البعير حين يريد الإسراع. وقال الإمامية: إذا كان الساعي راكباً حرك دابته.

٢٤١

كيفية السعي

اتفقوا على لزوم السعي بين الصفا والمروة(١) ، واختلفوا في ركنيته، فقال الإمامية والشافعية والمالكية: هو ركن.

وقال أبو حنيفة: هو واجب، وليس ركناً.

وعن أحمد روايتان. (التذكرة، وفقه السنّة).

واتفقوا على أنّ عدد الأشواط سبعة، وأنّ على الساعي أن يبتدئ بالصفا ويختم بالمروة(٢) ، وأن يعود مِن المروة إلى الصفا حتى يتم السبعة، ويحسب الذهاب شوطاً مستقلاً، وكذا الإياب، ويتحصل مِن هذه العملية أربعة أشواط ذهاباً مِن الصفا إلى المروة، وثلاثة إياباً مِن المروة إلى الصفا، وبالتالي يكون الابتداء بالأوّل مِن الصفا والختام بالسابع في المروة.

واختلفوا في جواز الركوب مع القدرة على المشي، فقالوا جميعاً - ما عدا الحنابلة -: يجوز الركوب للقادر والعاجز.

وقال الحنابلة: لا يجوز إلاّ للعاجز. ولَم أرَ مَن أوجب الموالاة بين الأشواط(٣) إلاّ الحنابلة، فنقل عنهم صاحب (الفقه على المذاهب الأربعة): أنّها واجبة عندهم. كما نقل عن المالكية: أنّ مَن فرّق بين الأشواط تفريقاً كثيراً فعليه أن يستأنف السعي، ويغتفر الفصل اليسير، كما لو حصل منه بيع أو شراء لا يطول كثيراً.

____________________

(١) الصفا والمروة مكانان صخريان مرتفعان بعض الشيء.

(٢) نقل صاحب الميزان عن أبي حنيفة: أنّه لا حرج في العكس، فللساعي أن يبدأ بالمروة ويختم بالصفا.

(٣) جاء في منسك السيد الحكيم: (لا تعتبر الموالاة في أشواط السعي فيجوز الفصل بينهما والقطع، ثمّ البناء على ما سبق، ولو كان بَعد شوط واحد).

٢٤٢

تنبيه

قال السيد الحكيم في منسكه: (يجب أن يستقبل المقصد في ذهابه وإيابه بوجهه.. فإذا عرض عن المقصد بوجهه أو مشى القهقري أو عرضاً لَم يجزئ، ولا بأس بالالتفات مع بقاء مقاديم البدن على حاله).

ومعنى قوله هذا: أنّ عليك - وأنت تسعى - أن تتجه بكل بدنك إلى المروة وأنت ذاهب، وإلى الصفا وأنت آيب، ولا يجوز لك أن تسير مجانباً وكتفك إلى الأمام، كما تفعل عند الزحام، ولك أن تلتفت بوجهك خاصة دون بدنك حال السير.

وقال السيد الخوئي في منسكه ما يقرب مِن هذا، وهذه عبارته بالحرف: (يجب استقبال المروة عند الذهاب، كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع، فلو استدبر المروة عند الذهاب أو استدبر الصفا عند الرجوع لَم يجزئ، ولا بالالتفات إلى اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب والإياب).

أحكام السعي

مَن لَم يتمكن مِن السعي ولو بواسطة الركوب استناب مَن يسعى عنه، ويصحّ حجه.

ولا بأس بالالتفات إلى اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب والإياب.

ومَن زاد على سبعة أشواط عامداً بطل السعي، ولا يبطل ساهياً.

إذا شك في عدد الأشواط، أو في صحتها بَعد أن انتهى وفرغ مِن السعي بنى على الصحة، ولا شيء عليه. وعلله صاحب الجواهر بأنّه شك بَعد الفراغ للحرج والاخبار.

٢٤٣

وإذا كان الشك في عدد الأشواط قَبل إكمالها، قال صاحب الجواهر: لا خلاف، بل لا إشكال في البطلان لتردده بين محذوري الزيادة والنقصان، وكل منهما مبطل.

وإذا شك أنّه ابتدأ مِن الصفا فيكون صحيحاً، أو مِن غيره فيكون فاسداً؟ ينظر: فإن كان شاكاً في العدد أيضاً، لا يدري كم أتى مِن الأشواط بطل السعي.

وإن كان ضابطاً للعدد، وشك في الابتداء فقط، فإن كان الشوط الذي في يده مزوجاً، كما لو كان ثانياً أو رابعاً أو سادساً، وكان على الصفا أو متجهاً إليه صح السعي؛ لأنّه يعلم - والحال هذه - أنّ الابتداء كان مِن الصفا، وكذلك إذا كان الشوط مفرداً، كما لو كان ثالثاً أو خامساً أو سابعاً، وكان على المروة أو متجهاً إليها. ولو انعكس الأمر بحيث كان الشوط مفرداً وهو على الصفا، أو مزوجاً وهو على المروة بطل السعي، ووجب الاستئناف. (الجواهر).

وعند بقية المذاهب: إنّ مَن شك في عدد الأشواط أخذ بالأقل، كالصلاة. (كفاية الأخبار).

وقال أبو حنيفة: لو ترك السعي بالمرة لا يبطل الحج؛ لأنّه ليس ركناً، ويجبر الترك بدم. (ميزان الشعراني).

التقصير

قال أحمد ومالك: لا بدّ مِن استيعاب الرأس بالحلق أو التقصير. وقال أبو حنيفة: يكفي الربع. وقال الشافعي: يكفي ثلاث شعرات. (كرارة).

وقال الإمامية: يتخير المقصر بين أن يأخذ مِن شعر الرأس أو الشارب أو اللحية، أو يقص الظفر.

٢٤٤

واتفقوا على أنّ التقصير نُسك واجب، وليس بركن. وقال السيد الحكيم: هو كالتسليم في الصلاة؛ لأنّ به يتحلل المـُحرِم مِن إحرامه كما يتحلل المصلّي بالتسليم مِن صلاته.

ويجب التقصير أو الحلق - على الخلاف - مرة واحدة في العمرة المفردة، ومرتين في حج التمتع، وإليك التفصيل:

التقصير في العمرة

قال الإمامية: إذا سعى المعتمِر بعمرة التمتع تعيّن عليه التقصير، ولا يجوز له الحلق، ومتى قصر حلّ له ما حرم عليه، وإذا حلق فعليه أن يكفّر بشاة. أمّا إذا كان معتمراً بعمرة مفردة فهو مخير بين الحلق والتقصير، سواء أكان معه هدي أم لَم يكن.

وإذا ترك التقصير عمداً وكان قاصداً حج التمتع وأحرم للحج قَبل أن يقصر بطلت عمرته، ووجب عليه أن يحج حجة الإفراد، أي يأتي بأعمال الحج ثُمّ يأتي بعدها بعمرة مفردة، والأولى إعادة الحج في السنّة القادمة(١) .

وقال غير الإمامية: إذا فرغ مِن السعي فهو مخير بين الحلق والتقصير، أمّا الإحلال ممّا حرم الله عليه، فينظر، فإن كان المعتمِر غير المتمتع يحلّ بمجرد التقصير أو الحلق، سواء أكان معه هدي أم لَم يكن، وإن كان المعتمِر متمتعاً فيحلّ، إن لَم يكن معه هدي، وإن كان معه هدي يبقى محرِماً (المغني).

____________________

(١) يتفق هذا مع فتوى السيدين الحكيم والخوئي، ولكنّ السيد الحكيم فرّق بين الناسي والجاهل، فعذر الناسي ولَم يعذر الجاهل، بل ألحقه بالعامد، وهو الحق؛ لأنّ الجاهل قاصد بخلاف الناسي فإنّه لا قصد له. نبهنا لهذا خشية أن يخلط جاهل بين العالم والعامد، فيظن أنّ السيد ألحق الجاهل بالعالم، مع أنّ المعروف إلحاق الناسي بالعالم، لا بالجاهل.

٢٤٥

التقصير في الحج

التقصير الثاني هو مِن أفعال الحج بشتى أنواعه تمتعاً كان أو إفراداً أو قراناً، ويأتي به الحاج بَعد الذبح أو النحر في منى. واتفقوا على أنّه مخير بين التقصير والحلق، وأنّ الحلق أفضل. واختلفوا فيمن لبد شعره: هل يتعيّن الحلق في حقه أو هو مخير كغيره؟

قال الحنابلة والشافعية والمالكية: يتعيّن الحلق.

وقال الحنفية والإمامية: هو مخير على كل حال.

واتفقوا على أنّه ليس على النساء حلق، بل يتعيّن عليهن التقصير.

وقال أبو حنيفة، وجماعة مِن الإمامية: إنّ الذي لا شعر في رأسه - كالأصلع وما إليه - يجب إمرار الموسى على رأسه.

وقال البقية: هو مستحب. (الحدائق، وفقه السنّة).

وقال الإمامية: يجب الحلق، أو التقصير في منى، فإذا رحل منها قَبل الحلق أو التقصير رجع وحلق، أو قصر فيها، سواء أكان عالماً أو جاهلاً، عامداً أو ناسياً، وإذا تعذر عليه الرجوع فعلَه حيث كان.

وقال البقية: يجب الحلق أو التقصير في الحرم. (فقه السنّة).

واتفقوا على أنّه إذا قصر أو حلق لا تحلّ له النساء.

وعطف المالكية الطيب على النساء.

وعطف الإمامية الصيد على الإثنين.. وتحريم الصيد عندهم لمكان الحرم الشريف.

ويحلّ ما عدا هذه الثلاث بالإجماع.

ويحلّ كل شيء حتى النساء بَعد طواف الزيارة عند الأربعة.

٢٤٦

ولا تحلّ النساء والطيب عند الإمامية إلاّ بَعد طواف النساء.

ونختم القول بما جاء في كتاب (التذكرة)، قال العلاّمة الحلّي:

(لو رحل مِن منى قَبل أن يحلق رجع وحلق بها، أو قصر وجوباً مع الإمكان، وإن لَم يتمكن مِن الرجوع حلق مكانه، ورد شعره إلى منى ليُدفن هناك، ولو لَم يتمكن لَم يكن عليه شيء. وبالجملة: إنّ وقت الحلق هو يوم العيد بالاتفاق؛ لقوله تعالى:( وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) ، ومحل الهدي بمنى يوم العيد، وقد ثبت عن الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) أنّه رمى، ثُمّ نحر، ثُمّ حلق بمنى يوم العيد).

وتأتي الإشارة إلى حكم تقديم الحلق على الذبح عند الكلام على أعمال منى بعنوان (في منى).

٢٤٧

الوقوف في عرفة

على المعتمِر بعمرة مفردة أو بحج التمتع: أن يحرم ويطوف ويصلّي ركعتين، ويسعى ويقصر. وهذا الترتيب واجب، فيقدّم الإحرام على الجميع، والطواف على الصلاة، والصلاة على السعي، ويختم بالتقصير(١) .

العمل الثاني في الحج

تبدأ أعمال الحج بالإحرام تماماً كالعمرة، أمّا العمل الثاني مِن أعمال الحج الذي يلي الإحرام، ويُعد ركناً مِن أركان الحج - بالاتفاق - فهو الوقوف بعرفة بدون فرق بين أن يكون الحاج متمتعاً أو مفرداً، ولكن يجوز للمفرِد والقارن القادمين إلى مكة أن يطوفا - بَعد الإحرام وقَبل الخروج إلى عرفة - طواف القدوم الذي هو أشبه بركعتي التحية للمسجد. قال السيد الحكيم في منسكه: (إذا دخل القارن والمفرِد مكة قَبل الوقوف جاز لهما الطواف المندوب).

____________________

(١) قال الشيخ عبد المتعال الصعيدي: هذا الترتيب يجب في أفعال العمرة، أمّا في أعمال الحج فإنّه لا ترتيب بين الطواف والحلق، ولا بين السعي والوقوف بعرفة. (الفقه المصور على مذهب الشافعي).

٢٤٨

وقال ابن حجر في فتح الباري بشرح البخاري:

(اتفقوا كلهم أنّ مَن أهلِّ - أي أحرم - بالحج مفرداً لا يضره الطواف بالبيت)، أي قَبل الذهاب إلى عرفة.

أمّا المتمتع فيكتفي بطواف العمرة عن طواف القدوم.

قَبل الوقوف بعرفة

اتفقوا على أنّ الحاج يستحب له أن يخرج مِن مكة محرِماً يوم التروية - وهو اليوم الثامن مِن ذي الحجة - متوجهاً إلى منى في طريقه إلى عرفة.

جاء في كتاب (التذكرة) وكتاب (الجواهر) للإمامية: (يستحب لمن أراد الخروج إلى عرفة أن لا يخرج مِن مكة حتى يصلّي الظهرين.

وقال الأربعة: بل يستحب أن يصلّي الظهرين بمنى. (المغني).

ومهما يكن، فتجوز المبادرة إلى عرفة قَبل يوم التروية بيوم أو يومين بخاصة للمريض والشيخ الكبير والمرأة، ومَن يخاف الزحام، كما يجوز التأخير إلى صباح اليوم التاسع على أن يكون عند الزوال في عرفة.

ولَم أرَ احداً مِن فقهاء المذاهب قال بوجوب المبيت بمنى ليلة عرفة، أو بوجوب أيّ عمل فيها، بل قال العلاّمة الحلّي في التذكرة: (المبيت ليلة عرفة بمنى استُحب للاستراحة، وليس بنسك، ولا يجب بتركه شيء). وجاء مثل ذلك في كتاب (فتح الباري) وكتاب (فتح القدير).

وتعبير العلاّمة الحلّي بلفظ الاستراحة يغني عن الشرح والتطويل، فلقد كان السفر فيما مضى قطعة مِن جهنم، فاستحب للحاج المبيت بمنى لكي يصل إلى عرفة نشيطاً مرتاحاً، أمّا اليوم فالسفر نزهة؛ وعليه فإذا بات ليلة عرفة بمكة، ثُمّ غدا تواً إلى عرفة صباحاً مجتازاً بمنى أو بَعد صلاة الظهر - كما يفعل اليوم

٢٤٩

الحجاج - فقد أجزأ، وكفى، ولا شيء على مَن يفعل ذلك، أجل يجب رمي الجمرة بمنى، ولكن بَعد الوقوف بعرفة، ويأتي البيان.

وقت الوقوف بعرفة

اتفقوا على أنّ وقت الوقوف بعرفة هو اليوم التاسع مِن ذي الحجة، واختلفوا في ابتداء الوقوف ومنتهاه مِن هذا اليوم.

قال الحنفية والشافعية والمالكية: يبتدئ مِن زوال اليوم التاسع إلى فجر اليوم العاشر.

وقال الحنابلة: بل مِن فجر التاسع الى فجر العاشر.

وقال الإمامية: مِن زوال التاسع إلى غروب شمسه للمختار، أمّا المضطر فإلى طلوع الفجر.

ويستحب الغسل للوقوف بعرفة، تماماً كغسل الجمعة، ولا شيء مِن الأعمال في عرفة سوى الحضور والوجود في أي جزء منها، ولو كان نائماً أو مستيقظاً أو راكباً أو قاعداً أو ماشياً.

حدود عرفة

حدود عرفة هي بطن عرنة وثوبة ونمرة إلى ذي المجاز - أسماء أماكن -، فلا يجوز الوقوف في هذه الحدود، ولا تحت الأراك؛ لأنّ هذه ليست مِن عرفة، فلو وقف بها بطل حجه عند الجميع كافة، إلاّ مالكاً فإنّه قال: لو وقف ببطن عرنة أجزأه، وعليه دم.

وعرفة كلها موقف، في أي مكان وقف منها كفى وأجزأ بالاتفاق. قال الإمام الصادق: (وقف رسول الله بعرفة، فازدحم الناس عليه، وبادروا إلى

٢٥٠

خفاف ناقته، ويقفون إلى جانبها، فنحى الناقة عنهم، ففعلوا مثل ذلك، فقال: أيّها الناس ليس الموقف هو خفاف ناقتي فقط، ولكن هذا كله (مشيراً إلى عرفة) موقف، ولو لَم يكن إلاّ خفاف ناقتي لَم يسع الناس). (التذكرة).

شروط الوقوف بعرفة

لا تُشترط الطهارة للوقوف بعرفة بالاتفاق.

وقال الإمامية والمالكية: لا بدّ مِن النية وقصد الوقوف بعرفة، والقصد يستدعي العلم بها، فلو مر بها وهو لا يعلم، أو علم ولَم يقصد الوقوف المأمور به لا يعتبر وقوفاً.

وقال الشافعية والحنابلة: لا يشترط القصد ولا العلم، وإنّما الشرط أن لا يكون مجنوناً، ولا سكراناً، ولا مغمى عليه.

وقال الحنفية: لا تشترط النية، ولا العلم، ولا العقل، فمن حضر بعرفة في الوقت المحدد صح حجه ناوياً كان أو غير ناوٍ، عالماً بالمكان أو جاهلاً، عاقلاً أو مجنوناً. (فقه السنّة، والتذكرة).

وهل يجب الوقوف بعرفة في جميع الوقت المحدد، أو يكفي مسمّى الوقوف ولو لحظة؟

قال الإمامية: للوقوف وقتان: اختياري واضطراري، والأوّل مِن زوال التاسع إلى غروب الشمس منه، والثاني إلى فجر اليوم العاشر، فمن تمكن أن يقف مِن زوال التاسع الى غروب شمسه مستوعباً هذا الوقت بكامله وجب عليه ذلك، ولكن الركن منه مسمّى الوقوف فقط، والباقي واجب غير ركن.

ولازم ذلك أنّ مَن ترك الوقوف كلية فسد حجه؛ لأنّه ترك ركناً، أمّا لو وقف يسيراً فإنّه يترك واجباً غير ركن، وعليه يصحّ حجه، وإذا لَم يتمكن

٢٥١

مِن الوقوف في تمام الوقت الاختياري لعذر مِن الاعذار المشروعة أجزأه قليل مِن الوقوف ليلة العيد.

وقال الشافعية والمالكية والحنابلة: يكفي الحضور ولو لحظة. (الفقه على المذاهب الأربعة، ومنار السبيل).

وقال الإمامية: إذا خرج مِن عرفة قَبل الزوال عامداً فعليه أن يعود إليها، وإن عاد فلا شيء عليه وإلا كفّر ببدنة، فإن عجز صام ١٨ يوماً بالتوالي، وإن خرج سهواً ولَم يتذكر حتى فات الوقت فلا شيء عليه، على شريطة أن يدرك الوقوف بالمشعر في وقته، وإن تذكر قَبل فوات الوقت رجع مع الإمكان، وإن لَم يرجع - والحال هذه - فعليه بدنة.

وقال المالكية: مَن وقف بعرفة بَعد الزوال وخرج منها قَبل الغروب عليه أن يحج في السنة القادمة إلاّ أن يرجع إلى عرفة قَبل الفجر.

وقال جمهور العلماء: بل حجه تام. (البداية لابن رشد).

وجاء في كتاب (الفقه المصور على مذهب الشافعي): (إذا ترك الوقوف لنسيان وجب عليه أن يقلب حجه عمرةً، ثُمّ يأتي بما بقي عليه مِن أعمال الحج بالفراغ مِن أعماله، ويجب عليه إعادة الحج فوراً في السنة القادمة).

وتستحب لمن يقف بعرفة الطهارة الكاملة، واستقبال القبلة، والإكثار مِن الاستغفار والدعاء مع الخشوع والخضوع وحضور القلب.

٢٥٢

الوقوف بالمزدلفة

الوقوف بالمزدلفة هو الفعل الذي يأتي بَعد الوقوف بعرفة إجماعاً.

واتفقوا على أنّ الحاج يتوجه مِن عرفة إلى المزدلفة، وفيها المشعر الحرام المراد بقوله تعالى:( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ) .

وأيضاً اتفقوا على أنّه يستحب أن يؤخر صلاة المغرب مِن ليلة العيد إلى المزدلفة، قال صاحب التذكرة: إذا غربت الشمس في عرفة فليفض منها قَبل الصلاة إلى المشعر، ويدعو بالمنقول.

وقال صاحب المغني: (إنّ السنّة لمن دفع مِن عرفة - أي خرج منها - أن لا يصلّي المغرب حتى يصل إلى المزدلفة، فيجمع بين المغرب والعشاء، لا خلاف في هذا، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم - لا اختلاف بينهم - أنّ السنّة أن يجمع الحاج بين المغرب والعشاء، والأصل في ذلك أنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) جمع بينهما)(١) .

____________________

(١) استدل الإمامية بفعل النبي (صلّى الله عليه وسلّم) على جواز الجمع، حيث قال (ص): (صلّوا كما رأيتموني أُصلّي)، والجمع مرة أو في مكان خاص يستدعي جوازه كل مرة وفي كل مكان إلاّ أن يرد نص على أنّه مختص وغير شامل، ولا نص على التخصيص، فيكون الجمع جائزاً إطلاقاً في كل زمان ومكان.

٢٥٣

واتفقوا - ما عدا الحنفية - على أنّ مَن صلّى المغرب قَبل أن يأتي المزدلفة، ولَم يجمع بين الصلاتين صحت صلاته، وإن خالف المستحب.

وقال أبو حنيفة: لا يجزئه ذلك.

حد المزدلفة

جاء في كتاب (التذكرة) وكتاب (المغني): إنّ للمزدلفة ثلاثة أسماء: مزدلفة، وجمع، والمشعر الحرام. وحدّها مِن مأزمى إلى الحياض، إلى وادي محسر. والمزدلفة كلها موقف - تماماً كعرفة - ففي أيّ موضع وقف منها كفى.

وفي كتاب (المدارك): إنّ المقطوع به في كلام فقهاء الإمامية أنّه يجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل، وهو أحد الأمكنة التي تنتهي عندها حدود المزدلفة.

المبيت والوقوف

هل يجب المبيت في المزدلفة ليلة العيد، أو يكتفى بالوقوف في المشعر الحرام ولو لحظة بَعد مطلع الفجر؟ هذا، مع العلم بأنّ المراد بالوقوف مجرد الكون على أيّة صورة ماشياً أو قاعداً أو راكباً، تماماً كما هي الحال في عرفة.

قال الحنفية والشافعية والحنابلة: يجب المبيت بالمزدلفة، وإن تركه فعليه دم. (المغني).

وقال الإمامية والمالكية: لا يجب، ولكنّه الأفضل، كما عبّر شهاب الدين البغدادي المالكي في كتاب (إرشاد السالك)، والأحوط، كما عبّر السيد الحكيم والسيد الخوئي. ومهما يكن، فلا قائل بأنّه ركن.

أمّا الوقوف بالمشعر الحرام بَعد طلوع الفجر، فقد نقل ابن رشد في كتاب (البداية

٢٥٤

والنهاية) عن الجمهور بأنّه سنّة مِن سنن الحج، وليس فرضاً مِن فروضه(١) .

وجاء في كتاب (التذكرة): (يجب الوقوف بالمشعر بَعد طلوع الفجر، فلو أفاض قَبل طلوعه مختاراً عامداً بَعد أن وقف به ليلاً جبره بشاة. وقال أبو حنيفة: يجب الوقوف بَعد طلوع الفجر، كقولنا، وقال الباقون بجواز الدفع - أي الخروج - بَعد منتصف الليل).

وعلى هذا يجوز الخروج مِن المزدلفة قَبل طلوع الفجر عند غير الإمامية والحنفية.

وقال الإمامية: إنّ للوقوف بالمشعر الحرام وقتين: أوّلهما لمن لا عذر له في التأخير، وهو ما بين الطلوعين مِن يوم العيد - اي طلوع الفجر وطلوع الشمس - على أن يستوعب الوقوف هذه الفترة بكاملها. ومَن أفاض عالماً عامداً مِن المشعر قَبل طلوع الفجر بَعد أن كان به ليلاً، ولو قليلاً، لَم يبطل حجه إن كان قد وقف بعرفات وعليه دم شاة، وإن تركه جهلاً فلا شيء عليه، كما هو صريح الرواية المتقدمة. وثانيهما للنساء ولمن له عذر يمنعه عن الوقوف بين الطلوعين، ويمتد إلى زوال الشمس مِن يوم العيد.

قال صاحب الجواهر: (وعلى هذا الإجماع مضافاً إلى النصوص). ويتفق هذا مع فتوى السيد الحكيم، والسيد الخوئي، ولكنّ هذا السيد لَم يجعل الزوال الحد النهائي للمضطر، بل قال: أجزأه الوقوف وقتاً ما بَعد طلوع الشمس.

وقال الإمامية: إنّ الوقوف في جزء ما مِن هذين الوقتين المحددين هو ركن مِن أركان الحج، فمن ترك الوقوف كلية بدون عذر في الوقت الاختياري والاضطراري، ولَم يكن قد وقف ليلاً بطل حجه، ولو ترك ذلك لعذر مشروع لَم يبطل حجه، على شريطة أن يكون قد وقف بعرفة. ومَن فاته الوقوف

____________________

(١) قال حجاج بيت الله الحرام: إنّ المشعر اليوم هو مسجد عظيم مرتفع عن الأرض، محاط بسور حجري صغير، وفي وسطه مئذنة فخمة.

٢٥٥

بعرفة وبالمشعر، ولَم يقف فيهما لا في الاختياري ولا الاضطراري بَطَلَ حجه، حتى لو كان الترك لعذر مشروع، وعليه أن يحج مِن قابل وجوباً إن كان الحج الذي فاته واجباً، واستحباباً إن كان الفائت كذلك. (الجواهر).

والوقوف بالمشعر الحرام أعظم عند الإمامية مِن الوقوف بعرفة، ومِن هنا قالوا مَن فاته الوقوف بعرفة وأدرك الوقوف بالمشعر قَبل طلوع الشمس تمّ حجه. (التذكرة).

المستحبات

قال الإمامية: يستحب للصرورة - وهو الذي لَم يحج مِن قَبل - أن تمسّ رجله المشعر الحرام. (الجواهر).

وقال الإمامية والشافعية والمالكية: يستحب أن يأخذ معه حصاة الجمار مِن المزدلفة إلى منى، وعددها سبعون، وقال صاحب التذكرة: إنّ السر في ذلك أن لا يشتغل الحاج عند قدومه إلى منى بغير الرمي.

ونُقل عن ابن حنبل أنّه قال: خذ الحصى، حيث شئت. ولا خلاف في أنّ أخذه مِن حيث شاء مجزٍ.

ويستحب الكون على الطهارة، والتهليل والتكبير، والدعاء بالمأثور وغير المأثور.

٢٥٦

في منى

اتفقوا قولاً واحداً على أنّ المناسك التي تلي الوقوف بالمشعر الحرام هي مناسك منى. ويخرج مِن المزدلفة بَعد طلوع الشمس، وإذا خرج منها قَبل طلوع الشمس وتجاوز حدودها وجبت عليه كفارة شاة على قول الخوئي.

ولمنى مناسك شتى تستمر مِن يوم النحر - وهو يوم العيد - إلى صبيحة اليوم الثالث عشر، أو مساء الثاني عشر. وفي منى تنتهي واجبات الحج. وتُسمّى الأيام الثلاثة التي تلي يوم العيد أيام التشريق، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر(١) .

ويجب يوم العيد في منى ثلاثة مناسك: (١) رمي جمرة العقبة (٢) الذبح (٣) الحلق أو التقصير.

وبَعد أن اتفقوا على أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) رمى أوّلاً، ثُمّ نحر، ثُمّ حلق، اختلفوا: هل هذا الترتيب واجب بحيث لا يجوز تقديم ما أخّر الرسول ولا تأخير ما قدّم، أو أنّه سنّة يجوز تركها؟

____________________

(١) اختلفوا في أيام التشريق: هل هي ثلاثة، أو يومان؟ أمّا سبب تسميتها بذلك فلأنّهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي، أي يقددونها ويبرزونها للشمس.

٢٥٧

قال الشافعية وأحمد: لا شيء على مَن قدّم أو أخر.

وقال مالك: مَن حلق قَبل أن يرمي فعليه فدية، ومَن حلق قَبل أن يذبح أو ذبح قَبل أن يرمي فلا شيء عليه.

وقال أبو حنيفة: إن حلق قَبل أن ينحر أو يرمي فعليه دم، وإن كان قارناً فعليه دمان. (بداية ابن رشد).

وقال الإمامية: لو قدّم بعضاً على بعض عالماً عامداً تم، ولا إعادة عليه. قال صاحب (الجواهر): بلا خلاف محقق أجده، وفي (المدارك): إنّ الفقهاء الإمامية قاطعون به.

وفيما يلي عقدنا لكل منسك مِن مناسك منى فصلاً مستقلاً.

٢٥٨

جمرة العقبة

عدد الجمار

يجب رمي الجمار في منى على كل حاج، متمتعاً كان أو قارناً أو مفرداً، وعددها عشر موزعة على أربعة أيام: الأوّل يوم العيد، وتُرمى فيه جمرة واحدة، وتُسمّى جمرة العقبة، وعقدنا هذا الفصل لبيانها. الثاني اليوم الحادي عشر مِن ذي الحجة، وتُرمى فيه ثلاث جمار. والثالث، وفيه أيضاً ثلاث. واليوم الرابع كذلك، هذا إن بات الحاج بمنى ليلة الثالث عشر، وإلاّ فلا رمي عليه في هذا اليوم.

جمرة اليوم العاشر

اتفقوا على أنّ مَن رمى جمرة العقبة في الوقت المتخلل بين طلوع الشمس وغيابها مِن اليوم العاشر أجزأ، وكفى.

واختلفوا فيما لو رماها قَبل هذا الوقت، أو بعده.

قال المالكية والحنفية والحنابلة والإمامية: لا يجوز رمي جمرة العقبة قَبل الفجر، فإذا رماها قبله مِن غير عذر أعاد. وأجازوا التقديم لعذر، كالعجز

٢٥٩

والمرض والخوف.

وقال الشافعية: لا بأس بالتقديم؛ لأنّ الوقت المذكور للاستحباب لا للوجوب. (التذكرة، وبداية ابن رشد).

أمّا إذا أخرها حتى غابت الشمس مِن يوم النحر، فقال مالك: إن رماها في الليل أو في الغد فعليه دم.

وقال الشافعية: لا شيء عليه إن رماها ليلاً أو في الغد. (ابن رشد البداية).

وقال الإمامية: وقت رمي هذه الجمرة يمتد مِن طلوع الشمس إلى غروبها، فإذا نسي قضى في الغد، فإذا نسي ففي اليوم الثاني عشر، وإن لَم يتذكر ففي الثالث عشر، وإن استمر النسيان حتى خرج مِن مكة قضاه في العام القادم بنفسه، أو استناب مَن يقضي عنه(١) .

شروط الرمي

ولرمي الجمار شروط:

١ - النية. صرح الإمامية بذلك.

٢ - أن يكون الرمي بسبع حصى، بالاتفاق.

٣ - أن يكون الرمي حصاة فحصاة بانفراد، ولا يكفي إثنتين أو أكثر دفعة واحدة، بالاتفاق.

٤ - أن تصل الحصاة إلى الجمرة - أي الهدف المعلوم - بالاتفاق.

٥ - أن يكون وصولها بتوسط الرمي، فلا يكفي أن يطرحها طرحاً عند الإمامية والشافعية، ويجوز ذلك عند الحنابلة والحنفية. (المغني).

____________________

(١) يتفق مع فتوى السيدين الحكيم والخوئي.

٢٦٠