الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة0%

الفقه على المذاهب الخمسة مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 650

الفقه على المذاهب الخمسة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
تصنيف: الصفحات: 650
المشاهدات: 223569
تحميل: 30542

توضيحات:

الفقه على المذاهب الخمسة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 650 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 223569 / تحميل: 30542
الحجم الحجم الحجم
الفقه على المذاهب الخمسة

الفقه على المذاهب الخمسة

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الصادق للطباعة والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٦ - أن ينوي القصر في الصلاة التي يؤديها، فلو صلّى ولَم ينوِ القصر صلاّها تماماً عند الحنابلة والشافعية.

وقال المالكية: تكفي نية القصر في أوّل صلاة يقصرها في السفر، ولا يلزم تجديدها عند كل صلاة.

وقال الحنفية والإمامية: نية القصر ليست شرطاً في وجوب القصر، فلو لم ينوِ القصر وجب عليه أن يتمم؛ لأنّ الحكم لا يتغير بالنوايا، ولأنّه قد نوى السفر منذ البداية، غير أنّ الإمامية قالوا: إذا نوى المسافر الإقامة في مكان ثمّ رجع عن نيته، يصلّي قصراً ما لَم يكن قد صلّى تماماً، ولو صلاة واحدة، فلو كان قد صلّى صلاة واحدة على التمام ثمّ عدل عن الإقامة سبقي على التمام.

٧ - أن لا ينوي الإقامة مدة خمسة عشرة يوماً متوالية عند الحنفية، أو عشرة أيام عند الأمامية، أو أربعة أيام عند المالكية والشافعية، أو مدة يجب عليه فيها أكثر مِن عشرين صلاة عند الحنابلة. وزاد الإمامية: أنّه إذا لَم ينوِ الإقامة ولا عدمها، وكان متردداً لا يدري متى تُقضى حاجته، يبقى على القصر إلى أن يمضي عليه ثلاثون يوماً، وبعدها يجب أن يقصر، ولو كانت صلاة واحدة.

٨ - أن لا يكون عمل المسافر يستدعي استمرار السفر، كالمكاري وبعض التجار الذي تقتضي تجارتهم دوام السفر، وعدم استقرارهم في بيوتهم مدة الإقامة. وهذا الشرط معتبر عند الحنابلة والإمامية فقط دون سائر المذاهب.

٩ - أن لا يكون بيته معه كأهل البوادي الذين لا مسكن لهم، ويتنقلون في البراري ومحل العشب والكلأ. وهذا الشرط صرح به الإمامية خاصة.

١٠ - قال الحنفية والحنابلة والمالكية: إذا رجع المسافر عن السفر، وعزم على العودة إلى المكان الذي أنشأ سفره منه، ينظر: فإن كان ذلك قَبل أن يقطع مقدار مسافة القصر بطل سفره، ووجب عليه أن يتم، وإن كان قد قطع

١٤١

المسافة المحددة شرعاً فإنّه يقصر حتى يعود إلى الوطن.

وقال الشافعية: (مهما بدا له الرجوع في أثناء سفره، فليتم). (الوجيز للغزالي صلاة المسافرين). ومعنى هذا إنّ عليه التمام على كل حال، ولو قطع المسافة؛ لأنّ ترك التفصيل دليل العموم والشمول.

وقال الإمامية: إذا عدل عن السفر، أو تردد قَبل أن يقطع المسافة وجب عليه التمام، وإن كان قد قطعها وجب القصر، فاستمرار نية السفر شرط ما دام لَم يقطع المسافة، أمّا بَعد قطعها فيتحقق الموضوع قهراً، ولا يتوقف وجوده على النية.

واتفق الجميع على أنّ كل شرط معتبر لقصر الصلاة فهو شرط أيضاً لجواز الإفطار في السفر، وبعض المذاهب زاد شروطاً أخرى لجواز الإفطار نأتي على ذكرها في باب الصوم، أمّا الإمامية فلم يزيدوا شيئاً، وقالوا:

(مَن أفطر قصر، ومَن قصر أفطر).

الجمع بين الصلاتين

يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً بعذر السفر، عند مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يجوز الجمع بين الصلاتين بعذر السفر بحال.

ومعنى الجمع (تقديماً) أن يجمع الظهرين في وقت الظهر، ومعنى (تأخيراً) أن يجمعهما في وقت العصر.

الجاهل والناسي

قال الإمامية: مَن صلّى تماماً في السفر متعمداً بطلت صلاته، وعليه

١٤٢

أن يعيد أداء مع وجود الوقت، وقضاء في خارجه، ومَن صلّى جاهلاً بوجوب القصر فلا يعيد مطلقاً في داخل ولا في خارجه، وإذا أتمّ ناسياً ثمّ تذكّر وهو في الوقت أعاد، وإذا تذكّر خارج الوقت فلا يعيد.

وقال الإمامية: مَن دخل عليه الوقت وهو حاضر متمكن مِن الصلاة، وسافر قَبل أن يصلّي وجب أن يصلّي قصراً. ولو دخل عليه الوقت وهو مسافر، ولَم يصلِّ حتى وصل إلى وطنه أو محل إقامته عشرة أيام فعليه أن يصلّي تماماً، فالمعوّل على حال الأداء لا حال الوجوب.

١٤٣

مبطلات الصلاة

تبطل الصلاة بأمور:

١ - الكلام، وأقله ما كان مركّباً مِن حرفين ولو مهملين لا معنى لهما، وكذا الحرف الواحد إذا كان مفهماً، مثل (قِ) فعل أمر مِن وقى، ولا تبطل بحرف مهمل لا معنى له، ولا بصوت يشتمل على حروف غير مقصودة.

ولَم يفرّق الحنفية والحنابلة في الحكم ببطلان الصلاة بالكلام بين صدوره عمداً وسهواً.

وقال الإمامية والشافعية والمالكية: لا تبطل الصلاة بالكلام سهواً إذا كان يسيراً بحيث تبقى صورة الصلاة محفوظة.

ولا تبطل بالتنحنح سواء أكان لحاجة أو غير حاجة عند الإمامية والمالكية، وتبطل عند بقية المذاهب إن كان لغير حاجة، ولا بأس به للحاجة، كتحسين الصوت حتى تخرج الحروف مِن مخارجها، أو يهتدي الإمام إلى الصواب.

واتفقوا على أنّه يجوز الدعاء أثناء الصلاة بطلب الخير والمغفرة مِن الله سبحانه، إلاّ عند الحنفية والحنابلة، فإنّهم قيدوا مثل هذا الدعاء بما ورد في الكتاب والسنّة، أو بما يطلب مِن الله وحده كالرزق والبركة.

١٤٤

وليس مِن الكلام المبطل (التسبيح) للإعلام بأنّه في الصلاة، أو لإرشاد الإمام أو إصلاح خطأ في صلاته.

وقال الأربعة: مِن الكلام المبطل للصلاة (ردّ السلام)، فلو سلّم عليه رجل وهو في الصلاة فرد عليه السلام بلسانه بطلت صلاته، ولا بأس بالرد مشيراً.

وقال الإمامية: يجب على المصلّي أن يرد التحية بمثلها إذا كانت بصيغة السلام لا بصيغة صباح الخير ونحوه، واشترطوا أن تكون بهيئة السلام تماماً دون تغيير، فجواب سلامٌ عليكم مثلها بدون الألف واللام، وجواب السلام عليكم يكون بالألف واللام.

٢ - كل فعل ماحٍ لصورة الصلاة فهو مبطل لها، بحيث يخيّل للناظر أنّ فاعله ليس في الصلاة، وهو شرط متفق عليه عند الجميع.

٣ - الأكل والشرب بالاتفاق، ولكن اختلفوا في المقدار المبطل منهما.

فقال الإمامية: كل مِن الأكل والشرب يبطل الصلاة إذا محا صورتها، أو فوّت شرطاً مِن شروطها كالموالاة ونحوها.

وقال الحنفية: كل أكل وشرب مبطل للصلاة كثر أو قلّ، ولو كان المأكول حبة سمسم، والمشروب قطرة ماء، مِن غير فرق في ذلك بين العمد والسهو.

وقال الشافعية: كل ما يصل إلى جوف المصلّي مِن طعام أو شراب فهو مبطل قليلاً كان أو كثيراً، هذا إذا كان المصلّي عامداً عالماً بالتحريم، أمّا إذا كان جاهلاً أو ناسياً فلا يضر القليل، ويضر الكثير.

وقال الحنابلة: الكثير يبطل عمداً وسهواً، والقليل يبطل عمداً لا سهواً.

٤ - إذا طرأ ناقض للوضوء أو الغسل مِن حدثٍ أكبر أو أصغر يبطل الصلاة عند الجميع، إلاّ الحنفية فإنّهم قالوا: يُبطل الناقض إذا حدث قَبل القعود

١٤٥

الأخير بقدر التشهد، أمَا إذا طرأ بعده وقَبل السلام فلا تبطل الصلاة.

٥ - القهقهة تبطل الصلاة بالاتفاق، ما عدا الحنفية فإنّ حكمها عندهم حكم الحدث على التفصيل المتقدم.

ولما كان لمبطلات الصلاة أهميتها الكبرى، وهي كثيرة ومتشعبة، ولكل مذهب رأي قد يتفق أو يختلف مع غيره، فمن الخير أن نجملها كما هي عند كل مذهب على حدة فيما يلي:

قال الشافعية: مبطلات الصلاة هي: الحدث الموجب للوضوء أو الغسل، والكلام، والبكاء، والأنين في بعض الحالات، والفعل الكثير، والشك بالنية، والتردد في قطع الصلاة مع الاستمرار فيها، والعدول مِن صلاة إلى أخرى ما عدا الفرض فله أن يصرفه إلى النفل إذا أراد صلاة الجماعة، وانكشاف العورة مع القدرة على سترها، والعريان إذا وجد ساتراً، والنجاسة غير المعفو عنها إذا لَم يفارقها بسرعة، وتكرير تكبيرة الإحرام، وترك الركن عمداً، واقتداء المصلّي بمن لا يُقتدى به لكفر أو غيره، وزيادة الركن عمداً، ووصول المفطر إلى الجوف، والتحول عن القبلة بالصدر، وتقديم الركن الفعلي على غيره.

وقال المالكية: المبطل هو ترك الركن عمداً أو سهواً إذا لَم يتذكر حتى سلّم معتقداً الكمال وطال الأمر عرفاً، وزيادة الركن عمداً كالركوع والسجود، وزيادة التشهد في غير محله إذا كان عن جلوس، والقهقهة عمداً أو سهواً، والأكل والشرب عمداً، والكلام عمداً لغير إصلاح، والنفخ بالفم عمداً، والقيء عمداً، وطروء ناقض للوضوء، وكشف العورة أو شيء منها، وسقوط النجاسة على المصلّي، والفعل الكثير، وزيادة أربع ركعات على الصلاة الرباعية يقيناً أو سهواً، والسجود قَبل السلام، وترك ثلاث سنن مِن سنن الصلاة سهواً مع ترك السجود لها.

وقال الحنابلة: المبطلات هي العمل الكثير، وطروء نجاسة لَم يعفُ عنها،

١٤٦

واستدبار القبلة، وطروء ناقض للوضوء، وتعمد كشف العورة، واستناد المصلّي استناداً قوياً مِن غير عذر، والرجوع للتشهد الأوّل بَعد الشروع بالقراءة إن كان عالماً ذاكراً، وزيادة الركن عمداً، وتقديم بعض الأركان على بعضٍ عمداً، واللحن المغيّر للمعنى مع القدرة على الإصلاح، ونية قطع الصلاة أو التردد في ذلك، والشك في تكبيرة الإحرام، والقهقهة، والكلام عمداً أو سهواً، وسلام المأموم عمداً قَبل الإمام، والأكل والشرب لناسٍ أو جاهل، والتنحنح بلا حاجة، والنفخ إن بان منه حرفان، والبكاء لغير خشية الله.

وقال الحنفية: المبطلات هي الكلام عمداً أو سهواً أو جهلاً أو خطأ، والدعاء بما يشبه كلام الناس، والعمل الكثير، وتحويل الصدر عن القبلة، والأكل والشرب، وتسميت العاطس، وقول إنّا لله عند سماع خبر سوء، وقول الحمد لله عند سماع خبر سار، وقول سبحان الله أو لا إله إلاّ الله للتعجب، ورؤية المتيمم الماء، وطلوع الشمس وهو يصلّي الفجر، وزوالها وهو يصلّي العيد، وسقوط الجبيرة عن برء، والحدث عمداً، أمّا لو سبقه الحدث فلا تبطل صلاته بل يتوضأ، ويبني على ما سبق(١) .

وقال الإمامية: يبطل الصلاةَ الرياءُ، والتردد في النية، ونية القطع إذا أتى بشيء مِن أفعال الصلاة في هذه الحال، والعدول مِن صلاة متقدمة إلى صلاة متأخرة، كما لو عدل مِن الظهر إلى العصر، أمّا إذا عدل مِن العصر إلى الظهر فلا مانع، فلو تخيّل أن قد صلّى الظهر ونوى العصر، ثمّ تذكّر في الأثناء فيجوز له العدول منها إلى الظهر، ويجوز العدول مِن الجماعة إلى الانفراد، ولا يجوز العدول مِن الانفراد إلى الجماعة، ولكن يجوز لمن يصلّي صلاة الفريضة منفرداً أن يعدل بها إلى الندب كي يؤدي الفريضة جماعة، وتبطل الصلاة أيضاً بزيادة تكبيرة الإحرام، فلو كبّر لها ثمّ كبّر ثانية بطلت واحتاج إلى ثالثة،

____________________

(١) تلخيص من كتاب: (الفقه على المذاهب الأربعة).

١٤٧

ولو كبّر الرابعة بطلت واحتاج إلى الخامسة، وهكذا تبطل بالشفع لزيادة الركن، وتصحّ بالوتر، وتبطل الصلاة بالنجاسة العارضة غير المعفو عنها إذا لَم يستطع إزالتها بفعل كثير ماحٍ لصورة الصلاة، وإذا تيمم لفقد الماء ودخل في الصلاة ثمّ وجده وهو في أثناء الصلاة، يبطل التيمم والصلاة معاً إن كان قد وجده قَبل ركوع الركعة الأُولى، وإن كان بَعده يتم وتصحّ الصلاة، وتبطل بفقد بعض الشروط كالساتر وإباحة المكان، وطروء الحدث، وبتعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف، أو إلى اليمين، أو إلى الشمال، أو إلى ما بينهما بحيث يخرج عن الاستقبال، وبتعمد الكلام والبكاء لأمور الدنيا، وبالقهقهة، وبالفعل الماحي للصلاة، وبالأكل والشرب، وبزيادة جزء أو نقصانه عمداً، وبترك ركن مِن الأركان الخمسة عمداً أو سهواً، والأركان الخمسة هي: النية وتكبيرة الإحرام والقيام والركوع والسجدتان مِن ركعة واحدة، هذا مع العلم أنّ النية يمكن نقصانها ولا يمكن زيادتها بحال.

المرور بين يدي المصلّي

اتفقوا على أنّ المرور بين يدي المصلّي لا يبطل الصلاة، واختلفوا في تحريمه.

قال الإمامية: لا يحرم المرور على المار ولا على المصلّي، وإنّما يستحب أن يجعل المصلّي بين يديه سترة إذا لَم يكن أمامه حاجز يمنع المرور، والسترة هي عبارة عن عود أو حبل أو كومة تراب ونحو ذلك، يجعله المصلّي أمامه إشارة إلى تعظيم الصلاة، والانقطاع عن الخَلق، والتوجه إلى الحق.

وقال المالكية والحنفية والحنابلة: يحرم المرور بين يدي المصلّي على كل حال، سواء اتخذ سترة أو لَم يتخذ. بل قال الحنفية والمالكية: يحرم على المصلّي أن يتعرض بصلاته لمرور الناس بين يديه مع إمكان الابتعاد.

وقال الشافعية: يحرم المرور إذا لَم يتخذ المصلّي سترة، أمّا مع وجودها فلا حرمة ولا كراهة.

١٤٨

الصيام

الصيام في رمضان ركن مِن أركان الدين، ووجوبه لا يحتاج إلى دليل بَعد أن خرج منكره عن الإسلام؛ لأنّه كالصلاة ثابت بالضرورة، وما ثبت بالضرورة يستوي في معرفته الجاهل والعالم والكبير والصغير.

وقد فُرض في شعبان السنة الثانية مِن الهجرة، وهو فرض عيّن على كل مكلّف، ولا يجوز الإفطار إلاّ لأحد الأسباب التالية:

١ - الحيض والنفاس، فلو حاضت المرأة أو نفست لا يصحّ منها الصوم بالاتفاق.

٢ - المرض، وفيه تفصيل بين المذاهب:

قال الإمامية: لا يجوز الصوم إذا أحدث مرضاً، أو زاد في شدته أو شدة ألمه، أو أخرّ البرء؛ لأنّ المرض ضرر والضرر محرّم، والنهي عن العبادة يقتضي الفساد، فلو صام والحال هذه لا يصحّ صومه، ويكفي أن يغلب على ظنه حدوث المرض، أو زيادته. أمّا الضعف المفرط فليس سبباً للإفطار ما دام يُتحمّل عادة، فالسبب الموجب هو المرض لا الضعف ولا الهزال ولا المشقة، كيف وكل تكليف فيه صعوبة وكلفة؟!

وقال الأربعة: إذا مرض الصائم، وخاف بالصوم زيادة المرض أو تأخر

١٤٩

البرء، فإن شاء صام وإن شاء أفطر، ولا يتعين عليه الإفطار؛ لأنّه رخصة لا عزيمة في مثل هذه الحال. أمّا إذا غلب على ظنه الهلاك، أو تعطيل حاسة مِن حواسه فيتعين عليه أن يفطر، ولا يصحّ منه الصوم.

٣ - الحامل المقرِب - التي أوشكت على الولادة - والمرضع، قال الأربعة: إذا خافت المرضع أو الحامل على نفسها أو ولدها يصحّ صيامها، ويجوز لها أن تفطر، فإن أفطرت فعليها القضاء بالاتفاق، واختلفوا في أمر الفدية - أي الكفارة -، فقال الحنفية: لا تجب مطلقاً. وقال المالكية: تجب على المرضع دون الحامل. وقال الحنابلة والشافعية: تجب الفدية على كل مِن الحامل والمرضع إن خافت على ولدها فقط، أمّا لو خافت على نفسها وعلى ولدها معاً فإنّها تقضي ولا تفدي. والفدية عن كل يوم مُد، والمد طعام مسكين(١) .

وقال الإمامية: إذا تضررت الحامل التي قرب أوان وضعها، أو تضرر الولد المرتضع، فعليها أن تفطر ولا يجوز لها الصوم؛ لأنّ الضرر محرّم، واتفقوا على أنّ عليها القضاء والفدية بمُد إذا كان الضرر على الولد، أمّا إذا كان الضرر على نفسها، فبعضهم قال: تقضي ولا تفدي، وآخرون قالوا: تقضي وتفدي.

٤ - السفر بالشروط المعتبرة في صلاة القصر حسبما قدّمنا عند كل مذهب. وأضاف الأربعة إلى تلك شرطاً آخر، وهو أن يشرع بالسفر قَبل طلوع الفجر، بحيث يصل إلى محل الترخيص الذي فيه قصر الصلاة قَبل طلوع الفجر، فإذا شرع بالسفر بَعد طلوع الفجر حرم عليه الفطر، ولو أفطر قضى بدون كفارة. وزاد الشافعية شرطاً آخر، وهو أن لا يكون المسافر مِن عادته دوام السفر كالمكاري، فإن اعتاده فلا يحق له الفطر، والفطر عندهم في السفر رخصة، وليس بعزيمة فالمسافر الذي تمت له جميع الشروط بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر، هذا مع العلم بأنّ الحنفية

____________________

(١) ويقدّر بثماني مئة غرام حنطة أو نحوها.

١٥٠

خاصة قالوا: قصر الصلاة في السفر عزيمة لا رخصة.

وقال الإمامية: إذا تمت للمسافر شروط قصر الصلاة لا يُقبل منه الصوم، ولو صام قضى دون أن يكفّر، هذا إذا شرع بالسفر قَبل الزوال، أمّا إذا شرع به وقت الزوال أو بعده فعليه أن يبقى على صيامه، وإن أفطر فعليه كفارة مَن أفطر عمداً. وإذا وصل المسافر إلى وطنه أو محل إقامته عشرة أيام قَبل الزوال، ولَم يكن قد تناول شيئاً مِن المفطرات وجب عليه البقاء على الصوم، فإن أفطر كان كمن أفطر عمداً.

٥ - اتفقوا جميعاً على أنّ مَن به داء العطش الشديد يجوز له أن يفطر، وإذا استطاع القضاء فيما بَعد وجب عليه دون الكفارة عند الأربعة، ويجب عليه أن يكفّر عند الامامية بمُد. واختلفوا في الجوع الشديد هل هو مِن مسوّغات الإفطار كالعطش؟ قال الأربعة: هو والعطش سواء، كل منهما يبيح الإفطار. وقال الإمامية: لا يبيحه إلاّ إذا استلزم المرض.

٦ - الشيخ والشيخة الهرمان الفانيان اللذان يجدان حرجاً ومشقة لا يقدران معها على الصوم يرخّص لهما بالإفطار مع الفدية عن كل يوم طعام مسكين، وكذلك المريض الذي لا يرجى برؤه في جميع أيام السنة، وهذا الحكم متفق عليه إلاّ الحنابلة قالوا: تستحب الفدية ولا تجب.

٧ - قال الإمامية: لا يجب الصوم مع الإغماء ولو حصل في جزء مِن النهار، إلاّ إذا كان قد نوى الصوم قَبل الإغماء ثمّ أفاق، فعليه أن يبقى على الإمساك.

زوال العذر

إذا زال العذر المبيح للإفطار، كما لو برئ المريض، أو بلغ الصبي، أو قدم المسافر، أو طهرت الحائض، استحب الإمساك تأدباً عند الإمامية والشافعية، ووجب عند الحنفية والحنابلة، وقال المالكية: لا يجب ولا يستحب.

١٥١

شروط الصوم

قدّمنا أنّ صوم رمضان واجب عيناً على كل مكلّف، والمكلّف هو: البالغ العاقل، فلا يجب على المجنون حال جنونه، ولا يصحّ منه لو صام، أمّا الصبي فلا يجب عليه الصوم، ولكن يصحّ صومه إذا كان مميزاً. ولا بدّ لصحة الصوم أيضاً مِن: الإسلام، والنية، كما هو الشأن في العبادات، فلا يُقبل الصوم مِن غير إسلام، ولا الإمساك عن المفطّر مِن غير نية باتفاق الجميع، هذا بالإضافة إلى الخلو مِن الحيض والنفاس والمرض والسفر على التفصيل المتقدم.

أمّا السكران والمغمى عليه، فقال الشافعية: لا يصحّ منهما الصوم إذا غاب شعورهما في جميع الوقت، أمّا إذا كان في بعض الوقت فيصحّ صومهما ولكن يجب القضاء على المغمى عليه مطلقاً، سواء أكان الإغماء بسببه أو قهراً عنه، ولا يجب على السكران إلاّ إذا كان السُّكر بسببه خاصة.

وقال المالكية: لا يصحّ منهما الصوم إذا كان السُّكر والإغماء مستغرقاً مِن طلوع الفجر إلى غروب الشمس أو معظم الوقت، أمّا إذا استغرق نصف اليوم أو أقلّه وكانا منتبهين وقت النية ونويا، ثمّ طرأ الإغماء أو السُّكر فلا يجب القضاء. ووقت النية - أي نية الصوم عندهم - مِن المغرب إلى الفجر.

وقال الحنفية: المغمى عليه كالمجنون تماماً، وحكم المجنون عندهم أنّه

١٥٢

إذا استغرق الجنون كل شهر رمضان فلا يجب عليه القضاء، وإذا جُنّ نصف الشهر وأفاق في النصف الآخر يصوم ما بقي، ويقضي ما فات أيام جنونه.

وقال الحنابلة: يجب القضاء على السكران والمغمى عليه، سواء أكان ذلك بفعلهما أو قهراً عنهما.

وقال الإمامية: يجب القضاء على السكران فقط، سواء أكان السكر بفعله أو لم يكن، ولا يجب على المغمى عليه ولو كان الإغماء يسيراً.

١٥٣

المفطرات

المفطرات هي الأشياء التي يجب الإمساك عنها من طلوع الفجر إلى المغرب، وهي:

١ - الأكل والشرب عمداً، فإنّهما يبطلان الصوم، ويوجبان القضاء عند الجميع. واختلفوا في وجوب الكفارة، فقال الإمامية والحنفية: تجب. وقال الشافعية والحنابلة: لا تجب.

ومَن أكل وشرب ناسياً لصومه فلا قضاء عليه ولا كفارة، إلاّ عند المالكية فإنّهم أوجبوا عليه القضاء فقط.

(ويدخل في معنى الشرب الدخان الذي اعتاد الناس شربه).

٢ - الجماع عمداً، فإنّه مبطل للصوم، وموجب للقضاء والكفارة عند الجميع.

والكفارة هي: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يطق فإطعام ستين مسكيناً. وهي على التخيير عند الإمامية والمالكية، أي يختار المكلّف واحداً من العتق أو الصيام أو الإطعام، وقال الشافعية والحنابلة والحنفية: هي على الترتيب، أي يتعين العتق، فإن عجز فالصيام، فإن عجز فالإطعام.

١٥٤

وقال الإمامية: يجب الجمع بين العتق وصيام شهرين وإطعام ستين مسكيناً إذا أفطر على محرّم، كما لو أكل مغصوباً أو شرب خمراً أو زنى.

أمّا الجماع نسياناً فلا يبطل الصوم عند الحنفية والشافعية والإمامية، ويبطله عند الحنابلة والمالكية.

٣ - الاستمناء، وهو إنزال المني، فإنّه مفسد للصوم بالاتفاق إذا حصل بالاختيار، بل قال الحنابلة: إذا أمذى، أي نزل مذي بسبب تكرار النظر ونحوه، فسد صومه.

وقال الأربعة: إنّ إنزال المني يوجب القضاء دون الكفارة.

وقال الإمامية: يوجب القضاء والكفارة معاً.

٤ - القيء تعمداً يُفسد الصوم، ويوجب القضاء عند الإمامية والشافعية والمالكية. وقال الحنفية: مَن تعمد القيء لا يفطر إلاّ إذا كان القيء ملء الفم. وعن الإمام أحمد روايتان. واتفقوا على أنّ القيء قهراً لا يفسد الصوم.

٥ - الحجامة عند الحنابلة خاصة، فإنّهم قالوا: يفطر بها الحاجم والمحجوم.

٦ - الحقنة بالمائع، فإنّها تفسد الصوم وتوجب القضاء بالاتفاق، وقال جماعة من الإمامية بأنّها توجب الكفارة أيضاً إذا كان لغير ضرورة.

٧ - الغبار الغليظ عند الإمامية خاصة، فإنّهم قالوا: إذا وصل الغبار الغليظ إلى الجوف - كالدقيق ونحوه - فسد الصوم، لأنّه أبلغ مِن الحقنة ومن الدخان الذي اعتاده الناس.

٨ - الاكتحال يفسد الصوم عند المالكية خاصة، بشرط أن يكتحل بالنهار ويجد طعم الكحل في حلقه.

١٥٥

٩ - قطع نية الصوم، فلو نوى الإفطار ثمّ أحجم، يفسد صومه عند الإمامية والحنابلة، ولا يبطل عند بقية المذاهب.

١٠ - قال أكثر الإمامية: إنّ رمس تمام الرأس في الماء مع البدن أو بدونه يفسد الصوم، ويجب القضاء والكفارة. وقالت بقية المذاهب: لا تأثير لذلك في إفساد الصوم.

١١ - قال الإمامية: مَن تعمد البقاء على الجنابة في شهر رمضان إلى أن يطلع الفجر فسد صومه، وعليه القضاء والكفارة. وقالت بقية المذاهب: الصوم صحيح ولا شيء عليه.

١٢ - قال الإمامية: مَن تعمد الكذب على الله ورسوله - فحدّث أو كتب: إنّ الله أو الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) قال كذا أو أمر به - وهو يعلم أنّه كاذب في قوله، فقد فسد صومه وعليه القضاء والكفارة. وبالغ جماعة من فقهائهم، حيث أوجبوا على هذا الكاذب أن يكفّر بالجمع بين عتق الرقبة وصيام شهرين وإطعام ستين مسكيناً. ومن هذا يتبين معنا جهل أو تحامل مَن قال بأنّ الإمامية يجيزون الكذب على الله ورسوله

١٥٦

أقسام الصيام

قسّم فقهاء المذاهب الصيام إلى أربعة أقسام: واجب، ومستحب، ومحرّم، ومكروه.

الصيام الواجب

يدخل في الصيام الواجب: صيام رمضان وقضاؤه، وصيام الكفارات، وصيام النذر باتفاق المذاهب. وزاد الإمامان قسمين آخرين يدخل أحدهما في باب الحج، والثاني في باب الاعتكاف. وقد بسطنا القول فيما سبق عن صيام رمضان وشروطه، والأمور التي تفسده، وفي هذا الفصل نتكلم عن قضاء رمضان، وكفارة صيامه التي تجب على مَن أفطر فيه، أمّا الكلام عن الأقسام الأخرى فيوكل إلى بابه الخاص.

قضاء رمضان

وفيه مسائل:

١ - اتفقوا على أنّ مَن وجب عليه قضاء ما فاته مِن أيام رمضان أن يقضيها في نفس السنة التي فاته فيها الصيام، أي في الأيام المتخللة بين رمضان

١٥٧

الفائت ورمضان الآتي، وله أن يختار الأيام التي يشاء للقضاء باستثناء الأيام التي يُحرم فيها الصوم، ويأتي بيانها، ويجب الإسراع والمبادرة إلى القضاء إذا بقي على رمضان بقدر ما فاته مِن رمضان الأوّل.

٢ - مَن تمكن مِن القضاء خلال السنة، وترك متهاوناً حتى دخل رمضان الثاني فعليه أن يصوم رمضان الحاضر، ثمّ يقضي عن الفائت ويكفّر بمُد عن كل يوم بالاتفاق، ما عدا الحنفية فإنّهم قالوا: يقضي ولا يكفّر. وإذا عجز عن القضاء بحيث استمر به المرض مِن رمضان الأوّل إلى رمضان الثاني فلا قضاء عليه ولا كفارة عند الأربعة. وقال الإمامية: يسقط القضاء فقط، وعليه أن يكفّر عن كل يوم بمُد، أي طعام مسكين.

٣ - إذا كان قادراً على القضاء في أيام السنة، ولكن أخّره بنية أن يقضي قَبل رمضان الثاني بأيام بحيث يوصل قضاء الفائت برمضان الآتي، ثمّ عرض له عذر شرعي منعه مِن القضاء حتى دخل رمضان، إذا كان الأمر كذلك يلزمه القضاء فقط، ولا كفارة عليه.

٤ - مَن أفطر رمضان لعذر وتمكن مِن القضاء، ولَم يقض حتى مات، قال الإمامية: يجب على ولده الأكبر أن يقضي عنه.

وقال الحنفية والشافعية والحنابلة: يتصدق عنه عن كل يوم بمد.

وقال المالكية: يتصدق عنه الولي إذا أوصى بالصدقة عنه، أمّا مع عدم الوصية فلا يجب.

٥ - مَن صام قضاءً عن رمضان وكان الوقت متسعاً، يجوز له أن يعدل عن صومه ويفطر قَبل الزوال وبعده، ولا شيء عليه عند الأربعة.

وقال الإمامية: يجوز له الإفطار قَبل الزوال ولا يجوز له بعده، حيث استقر عليه الوجوب بمضي أكثر الزمن، وفات محل تجديد النية، وإذا خالف

١٥٨

وأفطر بَعد الزوال وجب عليه أن يكفّر بإطعام عشرة مساكين، فإن عجز عن الإطعام فصيام ثلاثة أيام.

صيام الكفارات

صيام الكفارات على أنواع، منها: صيام كفارة قتل الخطأ، و صيام كفارة اليمين والنذر، وصيام كفارة الظهار، ولهذه الأنواع أحكام يبحث عنها في أبوابها. والكلام هنا يتناول حكم مَن صام مكفّراً عن إفطاره في رمضان.

قال الشافعية والمالكية والحنفية: مَن كان عليه صيام شهرين متتابعين كفارة عن إفطاره في شهر رمضان فلا يجوز له أن يفطر يوماً واحداً في أثناء الشهرين؛ لأنّه بذلك يقطع التتابع، فإن أفطر لعذر أو غير عذر وجب عليه أن يستأنف صيام شهرين مِن جديد.

وقال الحنابلة: الفطر لعذر شرعي لا يقطع التتابع.

وقال الإمامية: يكفي في تحقيق التتابع أن يصوم الشهر الأوّل بكامله، ويوماً واحداً مِن الشهر الثاني، فإذا فعل ذلك جاز له أن يفطر، ثمّ يصوم بانياً على ما سبق، وإذا أفطر في الشهر الأوّل بدون عذر وجب عليه أن يستأنف، أمّا إذا افطر لعذر شرعي مِن مرض أو حيض فلا ينقطع تتابعه، بل ينتظر زوال العذر، ثمّ يتم الصيام.

وقال الإمامية أيضاً: مَن عجز عن صيام شهرين، وعتق رقبة، وإطعام ستين مسكيناً تخير بين أن يصوم ثمانية عشر يوماً، أو أن يتصدق بما يطيق، ولو عجز عن ذلك كله أتى بالممكن مِن الصدقة أو الصيام، فإن عجز ولَم يقدر على شي استغفر الله سبحانه.

وقال الشافعية والمالكية والحنفية: إذا عجز عن جميع أنواع الكفارات استقرت في ذمته إلى أن يصبح موسراً فيؤديها. وهذا ما تقتضيه القواعد الشرعية.

١٥٩

وقال الحنابلة: إذا عجز سقطت عنه الكفارة، ولو أيسر بَعد ذلك لا يجب عليه شيء.

واتفقوا على أنّ الكفارة تتكرر بتكرر السبب الموجب في يومين أو أكثر، فمن أكل أو شرب في يومين وجب عليه كفارتان، أمّا إذا أكل أو شرب أو جامع مرات في يوم واحد، فقال الحنفية والمالكية والشافعية: لا تتعدد الكفارة مهما تكرر الإفطار، ومهما كان نوعه.

وقال الحنابلة: إذا تعدد مقتضي الكفارة في يوم واحد فإن كفّر في الأوّل، أي تخلل التكفير بين الموجبين لزمته كفارة ثانية، أمّا إذا لَم يكفّر عن السابق فيكفيه واحدة عن الجميع.

وقال الإمامية: إنّ تكرر الجماع في اليوم الواحد يستدعي تكرار الكفارة، أمّا تكرار الأكل والشرب فله كفارة واحدة.

الصيام المحرم

اتفقوا على أنّ صيام يوم الفطر والأضحى محرّم، ما عدا الحنفية فإنّهم قالوا: صيام يومي العيد مكروه تحريماً. والمكروه تحريماً عندهم ما كان إلى الحرام أقرب.

وقال الإمامية: لا يجوز صيام أيام التشريق لمن كان بمنى خاصة. وأيام التشريق هي: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر مِن ذي الحجة.

وقال الشافعية: لا يحل صيام أيام التشريق في الحج ولا في غيره.

وقال الحنابلة: يحرم صيامها في غير الحج، ولا يحرم في الحج.

وقال الحنفية: صيامها مكروه تحريماً.

وقال المالكية: يحرم صيام الحادي عشر والثاني عشر مِن ذي الحجة في

١٦٠