الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر

الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر0%

الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 286

الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: كامل سليمان
تصنيف: الصفحات: 286
المشاهدات: 19601
تحميل: 5540

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19601 / تحميل: 5540
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر

الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وأمّا قوله: الزّاد: فمعناه الجِدَة - أي الغنى والقدرة - والبُلغة التي يستعين بها العبد على ما أمره الله به، وذلك قوله: ( مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ.. ) (1) ، ألا ترى أنّه قَبلَ عُذر مَن لم يجد ما ينفق، وألزمَ الحجّة كلّ مَن أمكنَته البلغة والراحلة للحجّ والجهاد وأشباه ذلك؟ وكذلك قَبلَ عذر الفقراء، وأوجبَ لهم حقّاً في أموال الأغنياء بقوله: ( لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) ، فأمرَ بإعفائهم ولم يُكلّفهم الإعداد لِما لا يستطيعون ولا يملكون.

وأمّا قوله في السبب المهيّج: فهو النيّة التي هي داعية الإنسان إلى جميع الأفعال، وحاسّتها القلب - وحاسّته العقل -، فمَن فعلَ فعلاً وكان بدينٍ لم يعقد قلبه على ذلك، لم يقبل الله منه عملاً إلاّ بصدق النيّة؛ ولذلك أخبرَ عن المنافقين بقوله: ( يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ) (2) .

ثمّ أنزلَ على نبيّه (صلّى الله عليه وآله) توبيخاً للمؤمنين: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ) (3) ، فإذا قال الرجل قولاً واعتقدَ في قوله دَعته النيّة إلى تصديق القول بإظهار الفعل، وإذا لم يعتقد القول لم تتبيّن حقيقته، وقد أجازَ الله صدق النيّة وإن كان الفعل غير موافقٍ لها لعلّة مانعٍ يمنع إظهار الفعل في قوله: ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) (4) ، وقوله: ( لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ ) (5) فدلّ القرآن، وأخبار الرسول (صلّى الله عليه وآله)، أنّ القلب مالك لجميع الحواسّ، يُصحّح أفعالها، ولا يبطل ما يصحّح القلب شيء.

____________________

(1) التوبة: 91.

(2) آل عمران: 167.

(3) الصف: 2.

(4) النحل: 106.

(5) البقرة: 225.

٢٦١

فهذا شرحُ جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق (عليه السلام)، أنّها تجمع المنزلة بين المنزلتين، وهما الجبر والتفويض، فإذا اجتمعَ في الإنسان كمال هذه الخمسة الأمثال، وجبَ عليه العمل كملاً لِما أمرَ الله عزّ وجلّ به رسوله، وإذا نقصَ العبد منها خلّة كان العمل عنها - عنه - مطروحاً بحسب ذلك. فأمّا شواهد القرآن على الاختبار والبلوى بالاستطاعة التي تَجمع القول بين القولين فكثيرة، ومن ذلك قوله: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) (1) ، وقال: ( سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ) (2) ، وقال: ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (3) .

وقال في الفِتن التي معناها الاختبار: ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ ) (4) ، وقال في قصّة موسى (عليه السلام): ( فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) (5) ، وقول موسى: ( إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ ) (6) أي: اختبارك، فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض، ويشهد بعضها لبعض.

وأمّا آيات البلوى بمعنى الاختبار، قوله: ( لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم ) (7) ، وقوله: ( ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ) (8) ، وقوله: ( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ) (9) ، وقوله: ( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (10) ، وقوله: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ) (11) ، وقوله: ( وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ) (12) ، كلّ ما في القرآن من بلوى هذه الآيات التي شرحَ أولها فهي اختبار، وأمثالها في القرآن كثيرة، فهي إثبات الاختبار والبلوى.

____________________

(1) محمد: 31.                                         (2) الأعراف: 182، والقلم: 44.

(3) العنكبوت: 1 - 2.                                (4) ص: 34.

(5) طه:85.                                            (6) الأعراف: 155.

(7) المائدة: 48، والأنعام: 165.                     (8) آل عمران: 152.

(9) القلم: 17.                                         (10) الملك: 2.

(11) البقرة: 124.                                    (12) محمد: 4.

٢٦٢

إنّ الله جلّ وعزّ لم يخلق الخلق عَبثاً، ولا أهملهم سدىً، ولا أظهرَ حكمته لعباً، وبذلك أخبرَ في قوله: ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ) ؟ ! (1) .

فإنْ قال قائل: فلَم يَعلم الله ما يكون من العباد حتى اختَبرهم؟!

قلنا: قد عَلمَ ما يكون منهم قبل كونه، وذلك قوله: ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) (2) ، وإنّما اختبرهم ليعلمهم عدله، ولا يعذّبهم إلاّ بحجّةٍ بعد الفعل، وقد أخبرَ بقوله: ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً ) ًًً (3) ، وقوله: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (4) ، وقوله: ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِين ) َ (5) .

فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملّكها عبده، وهو القول بين الجبر والتفويض، وبهذا نطقَ القرآن وجَرت الأخبار عن الأئمّة من آل الرّسول (صلّى الله عليه وآله).

فإن قالوا: ما الحجّة في قول الله: ( يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) ، و ( يُضِلُّ مَنْ يَشَاء ) ُ (6) وما أشبهها؟!

قيل: مجاز هذه الآيات كلّها على معنيين:

أمّا أحدهما: فإخبار عن قدرته، أي أنّه قادر على هداية مَن يشاء، وضلال مَن يشاء، وإذا أجبرَهم بقدرته على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب، على نحو ما شرحنا في الكتاب.

____________________

(1) المؤمنون: 115.

(2) الأنعام: 28.

(3) طه: 134.

(4) الإسراء: 15.

(5) النساء: 165.

(6) إبراهيم: 4 ( فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) ، والنحل: 93 ( وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) ، وفاطر: 8 ( فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) ، والمدّثر: 31 ( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) .

٢٦٣

والمعنى الآخر: أنّ الهداية منه تعريفه، كقوله: ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ - أي عرّفناهم - فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) (1) ، فلو أجبرهم على الهدى لم يقدروا أن يضلّوا، وليس كلّما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجّةً على محكم الآيات اللّواتي أُمِرنا بالأخذ بها، من ذلك قوله: ( مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) (2) ، وقال: ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ - أي أحكمهُ وأشرحه - أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) (3) .

وفّقنا الله وإيّاكم إلى القول والعمل لِما يحبّ ويرضى، وجنّبنا وإيّاكم معاصيه بمَنّه وفضله، والحمد لله كثيراً كما هو أهله، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين، وحسبنا الله ونعم الوكيل) (4) .

***

ولا يخفى أنّ التعليق على هذا البيان الكريم يحطّ من شأنه؛ إذ إنّ أيّ كلامٍ ترعف به الأقلام، يقصر عن الوصول إلى تحليل بلاغة ما يقول هذا الإمام (عليه السلام)، وكلّ إمامٍ من آبائه وأبنائه..

ولن نعرض إلى ما روي عنه (عليه السلام) من أحاديث في مختلف المواضيع وأكثر الأحكام الفقهية؛ خوف الإطالة، فإنّه قد أدّى قسطه من نشر أوامر الله تعالى وإحقاق الحقّ، وإنكار الباطل، والوقوف في وجه أهل المروق، ولم يصانع غير وجه ربّه الذي كفاه الوجوه كلّها، ثمّ أمسكَ بقلوب شيعته ووجّههم نحو الالتفات حول علمائهم ومراجعهم الّذين تفقّهوا في الدّين وكانوا أهل علمٍ، وفضلٍ، وتقوى، وورعٍ، ليبقوا على الخطّ المستقيم ويكونوا من الفائزين؛ ولذلك نكتفي بذكر نزرٍ يسيرٍ ممّا روي عنه (عليه السلام) في مواضع هامّةٍ، كقوله:

____________________

(1) فصّلت: 17.

(2) آل عمران: 7.

(3) الزمر: 17 - 18.

(4) تُحف العقول: من ص 458 إلى ص 475، وحلية الأبرار: ج 2 من ص 448 إلى ص 453 نقلاً عن الاحتجاج.

٢٦٤

(لولا مَن يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الدّاعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شِباك إبليس ومَردته ومن فخاخ النّواصب؛ لمَا بقيَ أحد إلاّ ارتدّ عن دين الله! ولكنّهم الّذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها - أي مَقوَدها الذي يوجّه سَيرها - أولئك هم الأفضلون عند الله عزّ وجلّ) (1) .

ويتضّح من قوله الشريف هذا: أنّه قد افتتحَ عهداً جديداً سيلاقيه شيعته عمّا قريبٍ، وذلك حين تقع غيبة حفيده الإمام الثاني عشر (عليه السلام) وعجّل الله تعالى فرجه، فيلجأ الشيعة إلى المراجع من علمائهم الربّانيّين، ليأخذوا عنهم معالم دينهم فلا يضلّون مع مَن ضل،.. ثمّ أخذَ يهيّئهم لتلك الغيبة والفترة الحيّرة وطول الانتظار؛ ليكونوا على بصيرةٍ من الأمر قبل وقوعه، وليكونوا على مستوى المعرفة بعقيدتهم، والدفاع عنها والبرهنة على صحّتها، وفي مركز الجدارة لحمل المسؤولية في وجه المنكرين والمكابرين.

وقد نبّه - صلوات الله عليه - شيعته إلى ما سيفجأهم من عدم رؤية حفيده القائم بالقسط صلوات الله عليه وتحياته وبركاته؛ لحكمةٍ اقتضاها الله سبحانه وتعالى، وليهلك مَن هلكَ عن بينةٍ، ويحيا مَن حيّ عن بينة، ثمّ هيّأهم للصبر على ما يلقونه ممّن يناصبهم العداء، ليثبتوا على الحقّ، وكان من جملة ما قاله في ذلك (عليه السلام):

(الخَلفُ من بعدي ابني الحسن، فكيف بكم بالخَلف بعد الخَلف؟!

قيل: ولِمَ، جُعلنا فداك؟!

قال: لأنّكم لا ترونَ شَخصه، ولا يحلّ لكم ذكر اسمه.

فقيل له: كيف نذكره؟

قال: قولوا: الحجّة من آل محمد) (2) .

____________________

(1) إعلام الورى: ص 410، وبحار الأنوار: 51 - ص 158، والكافي: م 1 ص 321 بلفظ آخر، ومصادره الباقية مذكورة في كتابنا (يوم الخلاص)، وهو كذلك في حلية الأبرار: ج 2 ص 445، والاحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 259.

(2) الكافي: م 1 ص 341 وهو في عدّة مصادر أخرى.

٢٦٥

فهو - تحيات الله ورضوانه عليه - يخبر بذلك، ويهيّئ الأذهان، ويُنذر، ويُخطّط لمستقبل طويلٍ يعانيه الشيعة بعد غيبة حفيده المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وسهّل مخرجه؛ ليقيم العدل في الأرض بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً،.. وقضى بقيّة فترة شبابه إرشاداً لأصحابه، وتطبيعاً لهم على الحياة في ظلّ إمامٍ غائبٍ مستورٍ عن أعين الظّلمة المتربّصين به لقتله إذا ظفروا به،.. ثمّ أسلمَ ذلك لولده الإمام العسكريّ (عليه السلام) ليكمل تلك المرحلة من التهيئة والتطبيع.

وقد سُئل الإمام (عليه السلام) عن موعد ظهور حفيده المنتظر (عليهما السلام)؟ فقال:

(إذا رُفِع عِلمكم من بين أظهركم، فتوقّعوا الفرَج من تحت أقدامكم) (1) ، وقد رُفِع العلم من الصدور، وضاعَ الناس في القشور، وضلّوا عن اللّباب.

***

وممّا روي عنه، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قوله:

(قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لمّا أُسريَ بي إلى السماء الرابعة نظرتُ إلى قبّةٍ من لؤلؤ لها أربعة أركان، وأربعة أبواب، كلّها من استبرقٍ أخضر، قلت: يا جبرائيل ما هذه القبّة التي لم أرَ في السماء الرابعة أحسن منها؟!

فقال: حبيبي محمد، هذه صورة مدينةٍ يقال لها: قمّ، يجتمع فيها عباد الله المؤمنون، ينتظرون محمداً وشفاعته للقيامة والحساب، يجري عليهم الغمّ والهمّ والأحزان والمكاره.

قال (الراوي): فسألت عليّ بن محمدٍ العسكريّ (عليه السلام): متى ينتظرون الفرَج؟

قال: إذا ظهرَ الماء على وجه الأرض) (2) .

____________________

(1) المصدر السابق.

(2) الاختصاص: ص 102 - 103، وقد رواه الحسن بن محمد بن الحسن القمّي المتوفّى سنة 378 هجرية، وفي (تاريخ قم): ص 96 [ من ترجمته المطبوعة ] عن أبي مقاتل شبل الديلمي نقيب الري، عن أبي الحسن عليّ بن محمد (عليهما السلام)، ونقله المجلسيّ - عن الاختصاص -: في بحار الأنوار: ج 14 ص 377، وهو في مصادر كثيرة ونصوص مختلفة ذكرنا بعضها في كتابنا (يوم الخلاص).

٢٦٦

وظهور الماء على وجه الأرض يكون عند فيضانٍ عظيم لنهر دجلة تغرق فيه أزقّة الكوفة، وقد أشارت إليه أخبار أخرى بالتفصيل ليس هنا محلّ ذكرها.

فما أقوى إيمان هذا الإمام الذي يروي ذلك عن آبائه، عن جدّه الأكبر أمير المؤمنين (عليهم السلام) جميعاً، بشأن بلدةٍ نائيةٍ عنه، كانت غارقةً في المجوسية - يومئذٍ - إلى ما فوق قمّة رأسها، وهو يقول - باطمئنانٍ -: (يجتمع فيها عباد الله المؤمنون المنتظرون)!

وإنّه ليقولها فما يُصدّقه يوم قالها إلاّ مَن امتحنَ الله قلبه للإيمان،.. أمّا الأكثرية الساحقة من سواد الناس فتقول: هذا كلام غير مسؤول.. ورجْم بالغيب! فما هو رأيُنا - اليوم - بهذا القول، بعد أن فسّرته لنا الأيّام فيما فسّرت من أقوال أئمّتنا الصادقين صلوات الله وسلامه عليهم؟!

الجواب: عند مَن مَنحهُ الله تعالى القدرة على الإذعان للحقّ.. فقط؛ لأنّ مدينة قمّ - التي كانت بؤرة مجوسيّةٍ يومذاك - أصبحت اليوم منارة علمٍ ومنار هدىً ومركزاً للمرجعية الإسلامية الواسعة، ومكان انتظارٍ للفرج القريب إن شاء الله تعالى.

***

ومن حِكمه وأقواله الكريمة (عليه السلام):

(مَن رضيَ عن نفسه، كثرَ السّاخطون عليه).

(راكب الحَرون أسير نفسه، والجاهل أسير لسانه).

(النّاس في الدّنيا بالأموال، وفي الآخرة بالأعمال).

(المصيبة للصابر واحدة، وللجازع اثنتان).

(الهزَل - الهزء - فكاهة السفهاء وصناعة الجهّال)!

(السهر ألذّ المنام، والجوع يزيد في طيب الطعام) - يريد (عليه السلام) بالسّهر الحثّ على قيام الليل بالعبادة، وصيام النّهار -.

(اُذكر مصرعك بين أهلك، فلا طبيب يمنعك، ولا حبيب ينفعك).

(المقادير تريك ما لا يخطر ببالك).

وقال (عليه السلام) لرجل، وقد أكثر من إفراط الثناء عليه:

(أقبل على شأنك؛ فإنّ كثرة المَلَق يهجم على الظّنة، وإذا حللتَ من أخيك في محلّ الثقة فاعدل عن المَلق إلى حُسن النيّة) - والمَلق: التودّد والتذلّل باللسان دون القلب -.

(الحكمةُ لأنجع في الطّباع الفاسدة).

٢٦٧

(إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجَور، فحرام أن تظنّ بأحدٍ سوءاً حتى تعلم ذلك، وإذا كان زمان الجَور فيه أغلب من العدل، فليس لأحدٍ أن يظنّ بأحدٍ خيراً حتى يرى ذلك منه) (1) .

***

وقال سهل بن زياد: (كتبَ إليه بعض أصحابنا يسأله دعوةً جامعةً للدّنيا والآخرة، فكتبَ إليه: (أكثِر من الاستغفار والحمد؛ فإنّك تدرك بذلك الخير كلّه).

***

وقال للمتوكل في جواب كلامٍ دارَ بينهما: (لا تطلب الصفاء ممّن كدّرتَ عليه، ولا الوفاء ممّن غدرتَ به، ولا النّصح ممّن صرفتَ سوء ظنّك إليه، فإنّما قلب غيرك كقلبك له).

***

قال (عليه السلام) لبعض مواليه: (عاتِب فلاناً وقل له: إنّ الله إذا أرادَ بعبدٍ خيراً، إذا عوتِبَ قَبِلَ) (2) . وقال (عليه السلام): (إنّ لله بقاعاً يَحبّ أن يُدعى فيها فيستجيب لِمن دعاه، والحَيْر - كربلاء - منها).

(مَن اتّقى الله يُتّقى، ومَن أطاعَ الله يُطاع، ومَن أطاع الخالق لم يبالِ سخط المخلوقين، ومَن أسخطَ الخالق فليوقِن أن يحلّ به سخط المخلوقين).

(مَن أمنَ مكر الله وأليم أخْذه، تكبّرَ حتى يَحلّ به قضاؤه ونافذ أمره، ومَن كان على بيّنةٍ من ربّه هانَت عليه مصائب الدّنيا ولو قُرّض ونُشر..).

(الشاكر أسعد بالشّكر منه بالنّعمة التي أوجبت الشّكر؛ لأنّ النِعَم متاع، والشكر نِعم وعُقبى). (إنّ الله جعلَ الدّنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى، وجعلَ بلوى الدّنيا لثواب الآخرة سبباً، وثواب الآخرة من بلوى الدّنيا عوضاً).

(إنّ الظالم الحالم يكاد أن يُعفى على ظلمه بحِلمه، وإنّ المحقّ السّفيه يكاد أن يطفئ نور حقّه بسفهه). (مَن جَمعَ لك ودّه ورأيه، فاجمَع له طاعتك). (مَن هانت عليه نفسه، فلا تأمن شرّه). (الدّنيا سوق، ربحَ فيها قوم، وخسرَ آخرون..).

***

وقال أبو هاشم الجعفريّ رحمه الله تعالى:

____________________

(1) الأنوار البهيّة: ص 257 - 258.

(2) جميع الكلمات القصار، تجدها في تحف العقول: من ص 481 إلى ص 483.

٢٦٨

(دخلتُ على أبي الحسن، صاحب العسكر (عليه السلام)، فجاء صبيّ من صبيانه فناولهُ وردةً أو ريحانةً ووضَعها على عينيه، ثمّ ناولنيها وقال: (يا أبا هاشم مَن تناولَ وردة أو ريحانة فقبّلها ووضعها على عينيه، ثمّ صلّى على محمد والأئمة صلوات الله عليهم، كتبَ الله له من الحسنات مثل رمل عالِج، ومَحا عنه من السيئات مثل ذلك) (1) .

وقال (عليه السلام): (إنّ أكل البطّيخ يورث الجذام.

فقيل له: أليس قد أمنَ المؤمن إذا أتى عليه أربعون سنةً من الجنون والجذام والبرص؟

قال (عليه السلام): نعم، ولكن إذا خالفَ المؤمن ما أُمرَ به ممّن آمنهُ، لم يأمن أن تصيبه عقوبة الخلاف)!

***

الزيارة الجامعة

هذه الزيارة من المرويّات عن إمامنا عليّ الهادي (عليه السلام)، وهي من الفصاحة والبلاغة على جانب عظيمٍ يكاد لا يبلغ شأوه، ومن الإحاطة والشمول بمكانٍ قلّ نظيره؛ لأنّ فيها من المعاني الكريمة ما يجعل الإنسان يتعجّب من هذا البحر، وذلك النّحت من الصّخر، إذ يحار وهو يقرأها من القريحة الفيّاضة التي ابتدعتها، ومن القلب الكبير الذي احتوى معانيها، ومن الفكر الحصيف الذي أنشأها لمجرّد اقتراحها عليه!

بل إنّه ليقف دهشاً أمام اللفظ الذي يزري بالجواهر، والمعاني الأبكار التي يقف الفكر أمامها مبهوراً يُسبّح الله تعالى ويقدّسه، حين يرى ما وهبَ الله تبارك وتعالى أئمّة أهل هذا البيت صلوات الله عليهم من سَنيّ العطاء، وسخيّ الفضل، وجزيل العلم والمعرفة،.. وهي - كما وصفها راويها - تحتوي (قولاً بليغاً كاملاً) يتجلّى فيه التوحيد بأصدق معاني التوحيد، والشهادة للرسول بأحقّ الشهادة وأرسخها إيماناً،.. وقد صرّح العلاّمة المجلسيّ أعلى الله مقامه بأنّ: (هذه الزيارة هي أرقى الزيارات الجامعة متناً وسنداً) .

____________________

(1) عالج: مكان كثير الرمال، والخبر في حلية الأبرار: ج 2 ص 457.

٢٦٩

فقد روى الصّدوق في (الفقيه) و(العيون) عن موسى بن عبد الله النخعيّ، أنّه قال للإمام عليّ النقيّ (صلّى الله عليه وآله): عَلِّمني يا بن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً، إذا زرتُ واحداً منكم.

فقال: (إذا صرتَ إلى الباب فقِف واشهد الشهادتين، أي قل:

(أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله عبده ورسوله)، وأنت على غُسل.

فإذا دخلتَ ورأيت القبر، فقف وقل: (الله أكبر) ثلاثين مرةً.

ثمّ امشِ قليلاً، وعليك السكينة والوقار، وقارب بين خُطاك، ثمّ قف وكبّر الله عزّ وجلّ ثلاثين مرة، ثمّ اُدنُ من القبر وكبّر الله أربعين مرةً، تمام مئة تكبيرة، ثمّ قل:

(السّلام عليكم يا أهل بيت النّبوّة، وموضع الرّسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرّحمة، وخزّان العلم، ومنتهى الحِلم، وأصول الكرَم، وقادة الأُمم، وأولياء النِّعم، وعناصر الأبرار، ودعائم الأخيار، وساسة العباد، وأركان البلاد، وأبواب الإيمان، وأُمناء الرحمان، وسلالة النّبيّين، وصفوة المرسلين، وعترة خيرة ربّ العالمين، ورحمة الله وبركاته.

السّلام على محالّ معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحَفظة سرّ الله، وحَملة كتاب الله، وأوصياء نبيّ الله، وذرّيّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ورحمة الله وبركاته.

السّلام على الدّعاة إلى الله، والأدلاّء على مرضاة الله، والمستقرّين - والمستوفرين - في أمر الله، والتّامّين في محبّة الله، والمخلصين في توحيد الله، والمظهرين لأمر الله ونهْيِه، وعباده المكرَمين الّذين لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون، ورحمة الله و بركاته.

السّلام على الأئمة الدّعاة، والقادة الهداة، والسّادة الولاة، والذّادة الحماة، وأهل الذّكر، وأولي الأمر، وبقيّة الله وخيرته وحزبه، وعَيبة علمه وحجّته وصراطه ونوره وبرهانه، ورحمة الله وبركاته.

٢٧٠

أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، كما شهدَ الله لنفسه، وشهدت له ملائكته، وأولو العلم من خلقه، لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم، وأشهد أنّ محمّداً عبده المنتجب، ورسوله المرتضى، أرسلهُ بالهدى ودين الحقّ، ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون.

وأشهدُ أنّكم الأئمّة الرّاشدون، المهديّون المعصومون، المكرّمون المقرّبون، المتّقون الصّادقون، المصطفَون المطيعون لله، القوّامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته، اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لغيبه، واختاركم لسرّه، واجتباكم بقدرته، وأعزّكم بهداه، وخَصّكم ببرهانه، وانتَجبكم لنوره - بنوره - وأيّدكم بروحه، ورضيَكم خلفاء في أرضه، وحججاً على بريّته، وأنصاراً لدينه، وحَفظةً لسرّه، وخَزنةً لعلمه، ومستودعاً لحكمته، وتراجمةً لوحيه، وأركاناً لتوحيده، وشهداء على خلقه، وأعلاماً لعباده، ومناراً في بلاده، وأدلاّء على صراطه.

عَصَمكم الله من الزّلل، وآمَنكم من الفتن، وطهّركم من الدّنس، وأذهبَ عنكم الرّجس وطهّركم تطهيراً، فعظّمتم جلاله، وأكبرتُم شأنه، ومجّدتم كرمه، وأدَمتم - وأدمنتم - ذِكره، ووكّدتم - وذكّرتم - ميثاقه، وأحكَمتم عقْد طاعته، ونَصحتم له في السّرّ والعلانية، ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبَذلتم أنفسكم في مرضاته، وصبرتم على ما أصابكم في جنبه - حبّه - وأقمتم الصّلاة وآتيتم الزّكاة، وأمَرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم في الله حقّ جهاده، حتّى أعلنتم دعوته، وبيّنتم فرائضه، وأقمتم حدوده، ونشرتم - وفسّرتم - شرائع أحكامه، وسَننتم سنّته، وصَبرتم في ذلك منه إلى الرّضا، وسَلّمتم له القضاء، وصدّقتم من رُسله مَن مضى، فالرّاغب عنكم مارِق، واللاّزم لكم لاحق، والمقصّر في حقّكم زاهق، والحقّ معكم وفيكم، ومنكم وإليكم، وأنتم أهله ومعدنه، وميراث النّبوّة عندكم، وإياب الخَلق إليكم، وحسابهم عليكم، وفَصلُ الخطاب عندكم، وآيات الله لديكم، وعزائمه فيكم، ونوره وبرهانه

٢٧١

عندكم، وأمرهُ إليكم، مَن والاكم فقد والى الله، ومَن عاداكم فقد عادى الله، ومَن أحبّكم فقد أحبّ الله - ومَن أبغضكم فقد أبغضَ الله - ومَن اعتصمَ بكم فقد اعتصم بالله، أنتم الصّراط الأقوَم، وشهداء دار الفناء، وشفعاء دار البقاء، والرّحمة الموصولة، والآية المخزونة، والأمانة المحفوظة، والباب المبتلى به النّاس، مَن أتاكم نجا، ومَن لم يأتكم هَلك، إلى الله تَدعون، وعليه تدلّون، وبه تؤمنون، وله تُسلّمون، وبأمره تعملون، وإلى سبيله ترشدون، وبقوله تحكمون.

سعدَ مَن والاكم، وهلكَ مَن عاداكم، وخابَ مَن جحدكم، وضلّ مَن فارقكم، وفاز مَن تمسّك بكم، وأمِن مَن لجأ إليكم، وسلمَ مَن صدّقكم، وهُدي مَن اعتصمَ بكم.

مَن اتّبعكم فالجنّة مأواه، ومَن خالفكم فالنّار مثواه، ومَن جَحدكم كافر، ومَن حاربكم مشرك، ومَن ردّ عليكم في أسفل دركٍ من الجحيم.

أشهد أنّ هذا سابق بكم فيما مضى، وجارٍ لكم فيما بقي، وأنّ أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهُرت بعضها من بعض، خَلَقكم الله أنواراً، فَجعلكم بعرشه مُحدقين حتّى مَنّ علينا بكم، فجَعلكم في بيوتٍ أذِنَ الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، وجعلَ صلاتنا - صلواتنا - عليكم وما خصّنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا، وطهارةً لأنفسنا - وتزكيةً - وبركةً لنا، وكفّارةً لذنوبنا، فكنّا عنده مُسلّمين بفضلكم، ومعروفين بتصديقنا إيّاكم، فبلغَ الله بكم أشرفَ محلّ المكرّمين، وأعلى منازل المقرّبين، وأرفع درجات المرسلين، حيث لا يلحقه لاحق، ولا يفوته فائت، ولا يسبقه سابق، ولا يطمع في إدراكه طامع، حتّى لا يبقى مَلكٌ مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا صدّيق ولا شهيد، ولا عالِم، ولا جاهل، ولا دنيّ، ولا فاضل، ولا مؤمن صالح، ولا فاجر طالح، ولا جبّار عنيد، ولا شيطان مريد، ولا خَلق فيما بين ذلك شهيد، إلاّ عرّفهم جلالة أمرِكم، وعِظم خطرِكم وكِبر شأنكم، وتمام نوركم، وصِدق مقاعدكم، وثبات مقامكم، وشرفَ مَحلّكم ومنزلتكم عنده.

٢٧٢

بأبي أنتم وأمّي، وأهلي ومالي وأُسرتي، أُشهدُ الله وأُشهدكم أنّي مؤمن بكم وبما آمنتم به، كافر بعدوّكم وبما كفرتم به، مستبصر بشأنكم وبضلالة مَن خالفكم، موال لكم ولأوليائكم، مبغض لأعدائكم ومعادٍ لهم، سِلمٌ لِمن سالمكم، وحرب لِمن حاربكم، محقّق لِما حقّقتم، مبطل لِما أبطلتم، مطيع لكم، عارف بحقّكم، مقرّ بفضلكم، - محتملٌ لعلمكم - محتجب بذمّتكم، معترف بكم، مؤمن بإيابكم، مصدّق برجعتكم، منتظر لأمركم، مرتقب لدولتكم، آخذ بقولكم، عامل بأمركم، مستجير بكم، زائر لكم، لائذ عائذ بقبوركم، مستشفع إلى الله عزّ وجلّ بكم، ومتقرّب بكم إليه، ومُقدّمكم أمام طلِبتي وحوائجي وإرادتي في كلّ أحوالي وأموري، مؤمن بسرّكم وعلانيتكم، وشاهدكم وغائبكم، وأوّلكم وآخركم، ومفوّض في ذلك كلّه إليكم، ومُسلّم فيه معكم، وقلبي لكم مُسلّم - سِلم - ورأيي لكم تَبَع، ونُصرتي لكم مُعدّة، حتّى يُحيي الله تعالى دينهُ بكم، ويَردّكم في أيّامه، ويظهركم لِعدله، ويُمكّنكم في أرضه.

فمعكم معكم، لا مع غيركم، - لا مع عدوّكم - آمنتُ بكم، وتولّيت آخركم بما تولّيت به أوّلكم، وبرئت إلى الله عزّ وجلّ من أعدائكم، ومن الجبت والطّاغوت، ومن الشّياطين وحزبهم الظّالمين لكم - و - الجاحدين لحقّكم، والمارقين من ولايتكم، والغاصبين لإرثكم - و - الشّاكّين فيكم - و - المنحرفين عنكم، ومن كلّ وليجةٍ دونكم، وكلّ مطاعٍ سواكم، ومن الأئمّة الّذين يدعون إلى النّار.

فثبّتني الله أبداً ما حييتُ على موالاتكم ومحبّتكم ودينكم، ووفّقني لطاعتكم، ورَزقني شفاعتكم، وجَعلني من خيار مواليكم التّابعين لِما دعوتم إليه، وجَعلني ممّن يقتصّ آثاركم، ويَسلك سبيلكم، ويهتدي بهداكم، ويُحشر في زمرتكم، ويكِرّ في رجعتكم، ويُملّك في دولتكم، ويُشرّف في عافيتكم، ويُمكّن في أيامكم، وتَقرّ عينه غداً برؤيتكم.

بأبي أنتم وأمّي، ونفسي وأهلي ومالي، مَن أرادَ الله بدأ بكم، ومَن وحّده قبِلَ عنكم، ومَن قصدهُ توجّه بكم.

٢٧٣

مواليّ، لا أُحصي ثناءكم، ولا أبلغ من المدح كنهكم، ومن الوصف قَدركم، وأنتم نور الأخيار، وهداة الأبرار، وحجج الجبّار.

بكم فتحَ الله، وبكم يختم - الله - وبكم يُنزّل الغيث، وبكم يُمسك السّماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبكم يُنفّس الهمّ ويكشف الضّرّ، وعندكم ما نَزلت به رسله، وهبَطت به ملائكته، وإلى جدّكم (1) بُعث الرّوح الأمين، آتاكم الله ما لم يؤتِ أحداً من العالمين، طَأطأ كلّ شريف لشرَفكم، وبخعَ (2) كلّ متكبّر لطاعتكم، وخضعَ كلّ جبّار لفضلكم، وذلّ كلّ شيءٍ لكم، وأشرَقت الأرض بنوركم، وفاز الفائزون بولايتكم، بكم يُسلك إلى الرّضوان، وعلى مَن جحدَ ولايتكم غضب الرحمان.

بأبي أنتم وأمّي، ونفسي وأهلي ومالي، ذِكركم في الذّاكرين، وأسماؤكم في الأسماء، وأجسادكم في الأجساد، وأرواحكم في الأرواح، وأنفسكم في النّفوس، وآثاركم في الآثار، وقبوركم في القبور.

كلامُكم نور، وأمرُكم رشد، ووصيّتكم التّقوى، وفعلكم الخير، وعادتكم الإحسان، وسجيّتكم الكرم، وشأنكم الحقّ والصّدق والرّفق، وقولكم حُكم وحتمٌ، ورأيكم عِلم وحِلم وحَزم، إنْ ذُكر الخير كنتم أوّله وأصلهُ وفرعه، ومعدنه ومأواه ومنتهاه.

بأبي أنتم وأمّي ونفسي، بموالاتكم عَلّمنا الله معالم ديننا، وأصلحَ ما كان فسدَ من دنيانا، وبموالاتكم تمّت الكلمة، وعظُمت النّعمة، وائتلفت الفُرقة، وبموالاتكم تُقبل الطّاعة المفترضة، ولكم المودّة الواجبة، والدّرجات الرّفيعة، والمقام المحمود، والمكان - والمقام - المعلوم عند الله عزّ وجلّ، والجاه العظيم، والشّأن الكبير، والشّفاعة المقبولة.

ربّنا آمنّا بما أنزلتَ واتّبعنا الرّسول، فاكتبنا مع الشّاهدين، ربّنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهَب لنا من لدُنك رحمةً، إنّك أنت الوهّاب، سبحان ربّنا، إن كان وعدُ ربّنا لمفعولاً.

____________________

(1) وإن كانت الزيارة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فَعِوض: وإلى جدّكم، قل: وإلى أخيك بُعِث الرّوح الأمين.

(2) بخعَ: أذعنَ وأقرّ، خضعَ.

٢٧٤

يا وليّ الله (1) ، إنّ بيني وبين الله عزّ وجلّ ذنوباً لا يأتي (2) عليها إلاّ رضاكم، فبحقّ مَن ائتمنكم على سرّه، واسترعاكم أمرَ خلْقه، وقرنَ طاعتكم بطاعته، لمّا استوهبتم ذنوبي وكنتم شفعائي، فإنّي لكم مطيع.

مَن أطاعكم فقد أطاعَ الله، ومَن عصاكم فقد عصى الله، ومَن أحبّكم فقد أحبّ الله، ومَن أبغضكم فقد أبغضَ الله.

اللّهمّ إنّي لو وجدتُ شفعاء أقرب إليك من محمّدٍ وأهل بيته الأخيار، الأئمّةِ الأبرار، لجَعلتهم شفعائي، فبحقّهم الّذي أوجبتَ لهم عليك، أسألك أن تُدخلني في جملة العارفين بهم وبحقّهم، وفي زُمرة المرحومين بشفاعتهم، إنّك أرحم الرّاحمين.

وصلّى الله على محمّدٍ وآله - الطّاهرين - وسلّم - تسليماً - كثيراً، وحَسبنا الله، ونِعم الوكيل.

***

بعضُ أصحابه ورجاله (عليه السلام)

بابه (عليه السلام) وبوّابه: عثمان بن سعيدٍ العمريّ، وابنه محمد بن عثمان ، وقد بَقيا في أعلى مراتب الولاء وأسمى درجات الثّقة، حتى كانا من رجال ابنه الإمام العسكريّ، وحفيده الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه، ومن نوّابهما، رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما.

***

ومن وكلائه: جعفر بن سهيل الصيقل (3) ، وأبو علي بن راشد، فعن محمد بن عيسى قال:

(كتبَ أبو الحسن العسكريّ إلى المَوالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها:

____________________

(1) يخاطب بقوله: يا وليّ الله، الإمام الذي يزوره إن كان مفرداً، ويمكن أن ينوي بهم الأئمة (عليهم السلام) كلّهم على سبيل البدليّة، أو على إرادة الجنس من الكلمة، والأحسن إذا كانت الزيارة للجميع أن يقول: يا أولياء الله، كما نُقل عن شرح المجلسيّ رحمه الله.

(2) لا يأتي عليها: لا يمحوها ويزيلها.

(3) بحار الأنوار: ج 50 ص 216، ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 402.

٢٧٥

(قد أقمتُ أبا عليٍّ بن راشدٍ مقام عليّ بن الحسين بن عبد ربّه ومَن قَبله من وكلائي، وقد أوجبتُ في طاعته طاعتي، وفي عصيانه الخروج إلى عصياني، وكتبتُ بخطّي) (1) .

كما أنّه وردَ بحقّه رحمه الله ما عن محمد بن الفرج الذي قال:

كتبَ إليه يسأله عن أبي عليّ بن راشد، وعن عيسى بن جعفر، وعن بن بند؟

وكتبَ إليّ: (ذكرتَ ابن راشدٍ رحمه الله، إنّه عاشَ سعيداً، ومات شهيداً، ودعا لابن بند، والعاصميّ، وابن بند ضُرب بعمودٍ وقُتل، وابن عاصم ضُرب بالسّياط على الجسر ثلاثمئة سوطٍ، ورُمي به في نهر دجلة!) (2) .

فتصوّر هذا الظّلم الغاشم لأولياء الله وحَملة كلمة الحقّ إلى الناس!!

وقال محمد بن عيسى اليقطينيّ:

كتبَ (عليه السلام) إلى عليّ بن بلال في سنة اثنتين وثلاثين ومئتين:

(بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدُ الله إليك، وأشكر طَوله وعَوده، وأُصلّي على محمدٍ النبيّ وآله صلوات الله ورحمته عليهم، ثمّ إنّي أقمتُ أبا عليّ مقام حسين بن عبد ربّه، فائتمنهُ على ذلك بالمعرفة بما عنده والذي لا يقدمه أحد.

وقد أعلم أنّك شيخ ناحيتك، فأحببتُ إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك، فعليك بالطاعة له، والتسليم إليه جميع الحقّ قِبلك، وأن تَحضّ مواليّ على ذلك، وتُعرّفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته، فذلك توفير علينا ومحبوب لدينا، ولك به جزاء من الله وأجر، فإنّ الله يعطي مَن يشاء أفضل الإعطاء والجزاء برحمته،.. أنت في وديعة الله، وكتبتُ بخطّي، وأحمدُ الله كثيراً) (3) .

وعن أحمد بن محمد بن عيسى قال:

(نسخة الكتاب مع ابن راشدٍ إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد، المقيمين بها، والمدائن، والسواد، ما يليها:

____________________

(1) بحار الأنوار: ج 50 ص 220، وغيبة الشيخ: ص 227.

(2) بحار الأنوار: ج 50 ص 221، ورجال الكشّي: ص 502.

(3) بحار الأنوار: ج 50 ص 222 - 223، ورجال الكشّي: ص 432.

٢٧٦

(أحمدُ الله إليكم ما أنا عليه من عافيته وحسن عائدته، وأُصلّي على نبيّه وآله أفضل صلواته وأكمل رحمته ورأفته، وإنّي أقمتُ أبا عليّ بن راشد مقام الحسين بن عبد ربّه ومَن كان قبله من وكلائي، وصارَ في منزلته عندي، ولّيته ما كان يتولاّه غيره من وكلائي قِبلكم، ليقضي حقّي، وارتضيته لكم، وقدّمتهُ في ذلك، وهو أهله وموضعه.

فصيروا رحمكم الله إلى الدفع إليه ذلك وإليّ، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علّة، فعليكم بالخروج عن ذلك والتسرّع إلى طاعة الله، وتحليل أموالكم والحقن لدمائكم، وتعاونوا على البرّ والتّقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتّقوا الله لعلّكم تُرحمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون (1) ، فقد أوجبتُ في طاعته طاعتي، والخروج إلى عصيانه الخروج إلى عصياني فالزموا الطريق يأجركم الله، ويزدكم من فضله؛ فإنّ الله بما عنده واسع كريم متطوّل على عباده رحيم، نحن وأنتم في وديعة الله، وكتبتهُ بخطّي، والحمد لله كثيراً) (2) .

(وفي كتابٍ آخر - جاء عنه (عليه السلام) -:

(وأنا آمرُك يا أيوب بن نوح، أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي عليّ، وأن يلزم كلّ واحدٍ منكما ما وكِّل به وأُمر بالقيام فيه بأمر ناحيته؛ فإنّكم إنْ انتهيتم إلى كلّ ما أُمّرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي، وآمرُك يا أبا عليّ بمثل ما آمرك به يا أيوب، أن لا تقبل من أحدٍ من بغداد والمدائن شيئاً يحملونه، ولا تلي لهم استئذاناً عليّ، ومُر مَن أتاك بشيءٍ من غير أهل ناحيتك أين يصيّره إلى الموكّل بناحيته، وآمرك يا أبا عليّ بمثل ما أمرتُ به أيوب، وليقبل كلّ واحدٍ ما أمرتهُ به) (3) .

***

____________________

(1) هذه ليست آية واحدة، ولا هي آيات متتابعات، بل هي من الآيات المتفرّقة التي ذكرَ سلام الله عليه منها اللازم فقط.

(2) بحار الأنوار: ج 50 ص 223، ورجال الكشّي: ص 433.

(3) بحار الأنوار: ج 50 ص 224، ورجال الكشي: ص 433.

٢٧٧

فمِن المحمودِين عنده (عليه السلام): أيوب بن نوح بن درّاج المذكور، فقد قال عمرو بن سعيد المدائني - الذي كان فطحّياً -: (كنتُ عند أبي الحسن العسكريّ بِصَريا إذ دخلَ أيوب بن نوح ووقفَ قدّامه، فأمرهُ بشيء، ثمّ انصرف.

والتفتَ إليّ أبو الحسن (عليه السلام) فقال: (يا عمرو، إن أحببتَ أن تنظر إلى رجلٍ من أهل الجنّة فانظر إلى هذا) (1) .

ومنهم عليّ بن جعفر الهمدانيّ الذي كان فاضلاً مرضيّاً من وكلائه ووكلاء ابنه العسكريّ (عليهما السلام).

(وقد روى أحمد بن عليّ الرازي، عن عليّ بن مخلّد الأيادي، قائلاً:

حدّثني أبو جعفر القمّي، قال: حجّ أبو طاهر بن بلال، فنظرَ إلى عليّ بن جعفر وهو ينفق النفقات العظيمة، فلمّا انصرفَ كتبَ بذلك إلى أبي محمدٍ (عليه السلام).

فوقّعَ في رقعته: (قد كنّا أمَرنا له بمئة ألف دينار، ثمّ أمَرنا له بمثلها فأبى قبولها إبقاءً علينا، ما للنّاس والدخول من أمرنا فيما لم ندخلهم فيه)؟!

قال: ودخل - أي عليّ بن جعفر - على أبي الحسن العسكريّ (عليه السلام)، فأمرَ له بثلاثين ألف دينار) (2) .

فتصوّر هذه الثقة الوطيدة بعليّ بن جعفر رضوان الله عليه الذي كان من مشايخ الطالبيين وأفاضل فقهائهم، وهو عمّ جدّ إمامنا الهادي (عليه السلام).

***

أمّا منازل هؤلاء الأصحاب المقرّبين منه، فكانت في غاية الإجلال والاحترام، فمِن ذلك أنّه دخلَ أبو عمرو، عثمان بن سعيد، وأحمد بن إسحاق الأشعري، وعليّ بن جعفر الهمدانيّ على أبي الحسن العسكريّ - وهؤلاء من أجلّ أصحابه وأصحاب أبيه وابنه وحفيده (عليهم السلام جميعاً) - فشكا إليه أحمد بن إسحاق دَيناً عليه.

فقال: (يا أبا عمرو - وكان وكيله حينذاك -، ادفَع إليه ثلاثين ألف دينار، وإلى عليّ بن جعفر ثلاثين ألف دينار، وخُذ أنت ثلاثين ألف دينار).

____________________

(1) بحار الأنوار: ج 50 ص 220.

(2) بحار الأنوار: ج 50 ص 216، ومناقب أل أبي طالب: ج 4 ص 402.

٢٧٨

فهذه عطايا لا يَقدر عليها إلاّ الملوك، وما سَمعنا بمثل هذا العطاء (1) .

***

وقد حدّث أبو تراب، عبيد الله بن موسى الرويّاني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، قال: (دخلتُ على سيّدي عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، فلمّا بصُر بي قال لي:

(مرحباً بك يا أبا القاسم، أنت وليّنا حقّاً.

فقلت: يا بن رسول الله، إنّي أريد أن أعرض عليك دِيني، فإن كان مرضيّاً أثبتُ عليه حتى ألقى الله عزّ وجلّ.

فقال: هات يا أبا قاسم.

فقلت: إنّي أقول: إنّ الله تبارك واحد ليس كمثله شيء، خارج عن الحدّين: حدّ الإبطال، وحدّ التشبيه، وأنّه ليس بجسمٍ، ولا صورةٍ، ولا عرض، ولا جوهر، بل هو مُجسّم الأجسام ومصوّر الصور، وخالق الأعراض والجواهر، وربّ كلّ شيءٍ ومالكه، وجاعله ومُحدِثه، وأنّ محمداً عبده ورسوله، خاتم النّبيّين فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة.

وأقول: إنّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر من بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمد بن عليّ، ثمّ جعفر بن محمدٍ، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمد بن عليٍّ، ثمّ أنت يا مولاي.

فقال (عليه السلام): ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخَلف من بعده؟!

فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟

قال: لأنّه لا يُرى شخصه، ولا يَحلّ ذِكره باسمه، حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً.

____________________

(1) بحار الأنوار: ج 50 ص 173، ومناقب آل أبي طالب: ج4 ص 409، ومدينة المعاجز: ص 554، وحلية الأبرار: ج 2 ص 459.

٢٧٩

فقلت: أقررتُ، وأقول: إنّ وليّهم وليّ الله، وعدوّهم عدوّ الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، وأقول: إنّ المعراج حقّ، والمساءلة في القبر حقّ، وأنّ الجنّة حقّ، والنّار حقّ، والصّراط حقّ، والميزان حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريبَ فيها، وأنّ الله يبعثُ مَن في القبور، وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية، الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

فقال عليّ بن محمد (عليه السلام): يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه ثبّتكَ الله بالقول الثابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة) (1) .

***

ومن ثِقاته: أحمد بن حمزة بن اليسع، وصالح بن محمد الهمداني، ومحمد بن جزك الجمّال، ويعقوب بن يزيد الكاتب، وأبو الحسين بن هلال، وإبراهيم بن إسحاق، وخيران الخادم، والنّضر بن محمد الهمداني.

وشاعراه: العوفيّ، والديلمي.

ومن مواليه المقرّبين: السيد الشريف عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، الذي مرّ ذّكره وكان من أجلّ الأصحاب (2) .

***

أمّا أشهر رجاله، فهم بحسب الترتيب الهجائيّ:

إبراهيم بن محمد الهمداني، إبراهيم بن مهزيار الأهوازي وهو من أصحاب أبيه (عليه السلام)، إبراهيم بن داود اليعقوبي، أبو سليمان (سليم) زنكان، أيوب بن نوح بن درّاج، أحمد بن إسماعيل بن يقطين، أحمد بن حمزة بن اليسع القمّي، أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي، وهو من أصحاب جدّه وأبيه (عليهما السلام)، أحمد بن إسحاق الرازي، أحمد بن هلال العبرتائي، أحمد بن محمد السيّاري.

بشر بن بشار النيسابوري الشاذاني. جعفر بن محمد بن إسماعيل بن الخطاب. الحسن بن علي الوشا، وهو من أصحاب جدّه (عليه السلام)، الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي، الحسن بن راشد (يكنّى: أبا علي البغدادي). الحسين بن محمد المدائني. خيران الخادم.

____________________

(1) توحيد الصدوق: ص 43 - 44.

(2) بحار الأنوار: ج 50 ص 216، ومناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 402.

٢٨٠